2

آثار الفطرة الإلهيّة ومعنى فزع الإمام من ذنوبه

4758
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمدعاء أبي حمزة الثمالي

المجموعةسنة 1430

التاريخ 1430/09/08


التوضيح

ما معنى ذنب الإمام عليه السلام وفزعه منه وكيف يحاسبه الله عليه؟
تستمرّ هذه المحاضرة في الإجابة على ذلك مقدّمة لذلك بمقدّمة حول الفطرة وآثار مخالفتها وكونها الهدف من دعوة الأنبياء والأئمّة عليهم السلام ومعيار محاسبتهم.

/۱۵
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

آثار الفطرة الإلهيّة ومعنى فزع الإمام من ذنوبه

1
  •  

  • هو العليم

  •  

  • آثار الفطرة الإلهيّة ومعنى فزع الإمام من ذنوبه

  •  

  • شرح دعاء أبي حمزة الثمالي - سنة ۱٤٣۰ - الجلسة الثانية

  •  

  • محاضرة القاها

  • آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهراني

  • قدس الله سرّه

  •  

  •  

آثار الفطرة الإلهيّة ومعنى فزع الإمام من ذنوبه

2
  •  

  •  

  • أعوذُ بِاللَه مِنَ الشَّیطانِ الرَّجیم‌

  • بِسمِ اللَه الرَّحمَنِ الرَّحیم‌

  • وصلَّى اللَه عَلَى سیدنا و نبيّنا أبي القاسم مُحَمّدٍ

  • وعلى آله الطّيبين الطّاهرين و اللعنة عَلَى أعدائِهِم أجمَعينَ‌

  •  

  •  

  • «إذَا رَأیتُ مَولاى ذُنُوبِى فَزِعتُ، وَإذَا رَأیتُ كرَمَك طَمِعتُ».

  • ذكرنا في الجلسة السابقة للرفقاء أنّ الله تعالى يحاسب على أساس الحقائق التي أودعها في فطرة الإنسان، وكلّما كان نصيبنا من تلك الحقائق والودائع أكثر كان الحساب أدقّ. فالحساب الذي يحاسب به الأنبياء يختلف عن حسابنا، وفي هذا المقام أبحاث وروايات وآثار تبيّن أنّ ذنوب الأعاظم والأولياء والأنبياء وتحكي كلّ واحد من مراتب الطاعة والمعصية، وهكذا فإنّ التوبة التي على العبد أن يتوبها لا بدّ أن تكون متناسبة مع تلك المرتبة، حتّى إنّه لدينا حول الأنبياء: «فَتَوْبَةُ الْأَنْبِيَاءِ مِنِ اضْطِرَابِ السِّرِّ»۱، ومعناها عجيب جدًّا ودقيق، ونحتاج للوصول إليه إلى توفيق إلهيّ لنتمكّن بعد ذلك من ملامسة هذه الحقائق. 

  • الفطرة السليمة عند الأطفال

  • وذكرنا بالأمس أنّ مسألة الوجدان والفطرة أمر جعله الله للجميع، وهو موجود عند الأطفال بشكل واضح وبيّن جدًّا جدًّا دون أن يمسّ. فإذا أردنا أن نعرف ما إن كان هذا الأمر موجودًا أم لا فعلينا أن ننظر إلى الأطفال، إلى حالاتهم وأطوارهم، لنرى إلى أيّ حدّ هم يستفيدون في علاقاتهم من ذلك، ففي النهاية عندما يكون هناك معاملة بين اثنين وعلاقة معيّنة فإنّهما يتعاملان على أساس ذلك الفهم والإدراك، ولا فرق في هذه المسألة بين الطفل والبالغ، الفرق فقط هو في أنّ الطفل يقدّم ما لديه من دون تصرّف ومن دون غشّ، فلا يحرّف هذه الظاهرة الإلهيّة، ولا يطلق يديه في تغيير تلك الوديعة الإلهيّة التي جعلها الله في وجوده، لا يتصرّف في ذلك السجلّ، لذلك لدينا في كتاب القضاء والشهادات أنّه عندما يشهد الطفل فإنّ شهادته الأولى هي الصحيحة، أمّا الشهادة الثانية فيمكن أن تتغيّر بإعطائه شيئًا من المقرمشات أو الحلوى أو بتهديده أو إعطائه ما يشتهي من الأطعمة التي تعطى للأطفال كالبطاطس والشوكولا، فاتركوا قوله الثاني وخذوا بالأوّل… فإنّهم لم يُروه بعد المقرمشات والبطاطس، ولم يهدّدوه ويطمّعوه، فالحقّ هو ما رآه هنا كما هو ونقله من دون تغيير ودون غشّ، ولكن عندما نكبر فرغم أنّ هذه الظاهرة الإلهيّة لا تزال موجودة فينا، ولكن إذا أردنا نظهرها نتصرّف فيها ونعدّل.

    1. مستدرك الوسائل و مستنبط المسائل، ج‌۱٢، ص: ۱٣۱‌

آثار الفطرة الإلهيّة ومعنى فزع الإمام من ذنوبه

3
  • لقد قال فلان هكذا كلامًا، ولكن لأنّنا نرى أنّه من أقاربنا وأرحامنا أو حزبنا أو المنتسبين إلينا، فإذا كشف أمره فإنّ هذا مضرّ لنا ولشخصيّتنا ولحزبنا، فنقوم بالخلط، ونتصرّف بالملفّ ونغيّر الأمر، ونشوّه تلك الحقيقة الشفّافة ونجعلها مبهمة، وتلك الحقيقة الصافية التي يجب أن تطرح وتكون مؤثّرة نجعلها سوداء ونقلبها ونحرّفها ونطرحها على هيئة أخرى بحيث لا يكون لها ذلك الأثر السابق الذي كان، فما هو هذا الفرق بيننا وبين ذلك الطفل الذي رأى هذا الأمر وشاهد تلك الحادثة؟

  • الفرق هو الفرق بين الصادق والخائن، نحن خائنون، نحن خنّا النعمة الإلهيّة، نحن خنّا تلك الظاهرة الإلهيّة التي أودعت في وجودنا والتي علينا بواسطتها أن نتكامل. فلو جئتم إلى هذه الحسينيّة إلى يوم القيامة وسمعتم كلامي فلن تتقدّموا خطوة واحدة، فلو جلستم إلى يوم القيامة ولو تكرّرت ليالي شهر رمضان إلى يوم القيامة وصارت الثلاثون ليلة ثلاثمائة مليون ليلة، وإن شاء الله تكون القيامة قريبة وفي جميع ليالي السنة القادمة آخذ من وقتكم الشريف اللطيف أيّها السادة والسيّدات الغائبون والغائبات، وفي جميع هذه الأوقات أتحدّث معكم عن علوم الإمام السجّاد عليه السلام ونبحثها معًا ونفصّل فيها فإنّكم لن تتقدّموا بمقدار رأس إبرة. لماذا؟ لأنّ الجلوس في الحسينيّة والاستماع إلى الكلام في هذا الجوّ المنعش حيث أمام كلّ واحد إبريق ماء بارد وهو ينتظر على أمل أن ننهي الكلام باكرًا لكي يوزّع الشاي والحلوى، ويفوز بالمواهب اللاحقة، فهذا الجلوس لن يحلّ أيّة مشكلة. 

  • المشكلة إنّما تحلّ عندما يطبّق هذا الكلام عمليًّا في نفوسنا ويكون له تحقّق في الواقع الخارجي، حينها سيكون كلام الإمام السجّاد عليه السلام مفيدًا لنا وناجعًا، وسينتهي بهجرنا إلى الوصال وسيملأ خلأنا ويصلح ما فسد منّا. فلو لاحظنا فجأة أنّ هناك أمرًا ما حصل في منزلنا مع زوجتنا وأولادنا فماذا علينا أن نفعل حينها؟ كيف علينا أن نقرّر؟ حدث أمر ما بحيث أنّا لو اخترنا هذا الجانب لتأذّينا، فالله لم يكتب في سجلّه أنّ القضايا والحوادث لا بدّ أن تكون دائمًا في مصلحتنا، كلاّ ليست هكذا أبدًا، والمسائل التي قدّرها الله لعباده ويقدّرها متنوّعة منها الحلو ومنها الحامض والمرّ ومنها ما هو بدون طعم، ففيها من كلّ شيء، فيها صعود وفيها هبوط، كلّ هذه المسائل مضمّنة في هذا السجلّ، غاية الأمر أنّ هذه الليلة التي هي ليلة الجمعة المسائل فيها بنحو، وغدًا بنحو آخر، والسبت بنحو ثالث، فنحن لا نعلم ماذا يأتينا من الأعلى في كلّ يوم، هل سيأتي يوم السبت ما يسعدنا ويفرحنا أم ما يزعجنا ويحزننا؟ هكذا هي الحال. وهذا الأمر عام للجميع، للأنبياء وللأولياء ولعموم الناس أيضًا. 

آثار الفطرة الإلهيّة ومعنى فزع الإمام من ذنوبه

4
  • فماذا نفعل نحن الآن مع هذا الإله؟ مع هذا الإله الذي لا يسمع كلامنا! ويا له من إله! مع هذه الإله الذي لا يقوم إلا بما يراه هو ولا يفكّر أبدًا في أنّ هذا العبد ماذا يريد، وأنّه يريد لنفسه وللآخرين في كلّ يوم وكلّ دقيقة وكلّ لحظة أشياء جيّدة عذبة لذيذة. يقول الله لو أردت أن أصغي لكلام عبادي لصار الوجود غابة، ولحكم هنا قانون الغاب، فكما أفكّر أنا الله بهذا العبد أفكّر بالعبد الآخر أيضًا، وأفكّر بذاك أيضًا أفكّر بكماله، وعندما أنظر من حيث المجموع 

  • جهان چون چشم و خط و خال و ابروست‌***که هر چیزی به جای خویش نیکوست‌
  • يقول: الكون كالعين والجفن والحاجب والخال *** وكلّ شيء في مكانه جميل

  • فلو أراد الإنسان أن يعمل وفق الأهواء ووفق ميوله النفسيّة لانتهى الأمر وقرئت الفاتحة، يبدأ من الليلة بجعل كلّ شيء له سواء كان له أم لغيره، كلّ نعمة هي لي ولا حدّ يقف عنده لذلك، يأتي على الجميع هكذا ولا يتوقّف، يا عزيزي لك اثنتان لا ثلاثة لا أربعة! 

  • أخبرني أحد الأصدقاء أنّه كان يقصد مكانًا وكان معه سائق فبدأ بالحديث فقال: أتدري كم زوجة لديّ؟ لدي ثمان زوجات. 

  • فقلت له: ألا تعلم أنّه يحرم أن تكون لك أكثر من أربع زوجات؟! 

  • فقال: نعم معك حقّ، ولكن ماذا أفعل الآن؟! 

  • يبدو أنّه كان أينما ذهب وإلى كلّ مدينة سافر كان له منزل ومقرّ ولم يكن ليبقى هكذا. 

  • فقلت له: لا يمكن أن تتزوّج ثمانية حتّى تترك الأوائل. 

  • قال: سأنظر أيّها أكثر نفعًا لي أحتفظ بها. 

  • فقلت له: قل له: احتفظ بالتي تريدها والباقي احتفظ بها على نحو الزواج المنقطع فليس من الجيّد أن تردّ الأخريات!

  • وعلى كلّ حال فالمسألة هنا تختلف، والرؤى مختلفة، ولن ندخل في بحث فقهيّ حول أنّ ما يتزوّجه بالعقد الدائم فوق أربع هل هو باطل ويسبّب الحرمة الأبديّة أم لا؟

  • وعمومًا فهذا هو طبع الإنسان، فهو لا يقنع أبدًا، لا يقنع بشيء، لا يقنع ويطلب دائمًا المزيد، لماذا؟ لأنّه لم يصل بعد إلى مرحلة الفعليّة والكمال ولا يدرس الأمور من وجهة نظر عقلانيّة، بل يدرس الأمور على أساس الهوى، يدرس الأمور على أساس الهوس، يدرسها على أساس التخيّلات، وطبعًا الحكم الذي يأتي على أساس الخيال والهوى والهوس من الواضح إلى أين ينتهي. 

آثار الفطرة الإلهيّة ومعنى فزع الإمام من ذنوبه

5
  • الفرق بين الأطفال وبين الكبار 

  • وهذا الأمر، وكونه فطريًّا هو أمر متحقّق عند الجميع، فهذا أمر متحقّق عند جميع الناس، والأطفال والصغار يطرحون ما أعطاهم الله كما هو من دون خيانة ومن دون غشّ ومن دون تحريف، ومن دون زيادة ونقصان، فما يأتي من ذاك العالم الأرفع إلى أنفسهم يبيّنونه بمجرّد أن يأتي إلى نفوسهم من دون تصرّف وتخريب منهم وتحويله إلى ما يحقّق منافعهم الشخصيّة، فيبيّن بلسانه ما تراه العين، أمّا نحن فلا. ولماذا نحن نقوم بذلك؟ لماذا نحن نفسد؟ ولماذا نحن نخون؟ لماذا نغيّر في تلك الظاهرة الإلهيّة؟ لماذا؟ لأجل جهلنا، فلو علمنا ما هي المفاسد التي تصيبنا من هذا التغيير لما فكّرنا إلى يوم القيامة بذلك التغيير. لو علمنا أيّة ضربة تحدث للنفس بواسطة هذا الغشّ لما أمكن أن نخرّب هذه الظاهرة الإلهيّة التي أودعها الله في النفس وأن نظهرها في الخارج بنحو آخر.

  • لقد قتل هذا ذاك، فنقول لقد كان ذلك خطأ، أو قتله رجل آخر ومضى، وقد حقّقنا في الأمر وجئنا برجل بريء وجعلناه مكانه على أنّه قاتل، وبرّأنا ذلك الفاسق القاتل ليمضي ويقوم من جديد بجريمة أخرى. فكم تتغيّر هذه الفطرة ، وما هي الجنايات التي تحدث في وجداننا بواسطة هذا التحريف والخداع وماذا يؤثّر ذلك في الظواهر التي أوجدها الله فينا؟ كم يؤثّر؟! 

  • ولكنّ ذلك الطفل ليس كذلك، يقول عين ما رأى، يقول رأيت هذا. لقد فعل فلان هذا، لقد فعل هذا، لقد تكلّم بهذا، لقد عمل هذا، يبيّن عين ما يأتيه، فماذا يحدث؟

  • آثار التحريف ومخالفة الفطرة 

  • أولاً: لا تسقط نفسه بواسطة هذا التحريف وبواسطة هذا الخداع من مرتبة الطهارة. فهذا أوّلاً، ففي كلّ غشّ وخداع سقوط في مستنقع النجاسات، فضرر ذلك أوّلاً هو على نفس ذلك المسكين الذي يقوم بذلك. فانظروا بعد ذلك ماذا في هذا العالم وفي هذه العوالم، فهل يعلم هؤلاء ماذا يجلبون لأنفسهم؟! أفهل يستحقّ هذان اليومان أن تفعل ذلك يا عزيزي؟! أنت من أجل بضعة أيّام تسقط نفسك ولديك في ذلك العالم ما لا نهاية له. فأيّة حماقة أكبر من أن تحتمل كلّ ذلك من أجل يومين في هذه الدنيا، من أجل يومين، من أجل نصف يوم، من أجل مدّة معيّنة، مثلاً من أجل سنة أو سنتين أو ثلاث، فكم يمكن للإنسان أن يبقى في منصب معيّن؟ فهل أمر عزرائيل بيدك أيضًا؟! افترض أنّه أعطي وظيفة ما لعشر سنوات أو عشرين سنة، فهل أخذت ضمانًا وأمانًا من عزرائيل أن لا يأتيك خلال هذه السنوات العشرين؟! أم أنّه أمر آخر ليس بيدك أنت؟ فلنفترض أنّك أخذت أمانًا من عزرائيل أن لا يأتيك خلال هذه العشرين سنة فماذا بعدها؟ افترض أنّك طويت هذه السنوات العشرين وجاءك عزرائيل الآن، فبماذا تختلف هذه العشرون سنة التي ستطويها عن العشرين سنة التي طويتها؟ بماذا تختلف من حيث الزمان؟ ليس هناك ثانية واحدة هنا أو هناك، ومن حيث حركة الكواكب لا فرق، فهل يمكنك؟ حقًّا هل يمكنك؟! هذه العشرون سنة التي قضيتها حتّى وصلت إلى هنا كأنّها لم تكن، لا يمكن أن تشعر بالزمان، الأمور التي جرت خلال السنوات العشر أو العشرين الماضية كأنّها كانت بالأمس، حسنًا فأنا أقول لو مضت عشر سنوات أخرى فإنّ حالتي هكذا ستكون، فكأنّي قضيتها، ابحثوا دائمًا في المعادلات عن النقاط المجهولة فيها، فالإنسان الذكيّ هو الإنسان الذي يبحث في هذه المعادلات عن هذه النقاط المجهولة. فقد جعل الله لدى الإنسان هذه القدرة، جعل فيه هذه القوّة. 

آثار الفطرة الإلهيّة ومعنى فزع الإمام من ذنوبه

6
  • والآن نصل إلى السبب في قول الإمام السجّاد عليه السلام: «فزعت». هذا هو السبب، هذه هي النقطة المهمّة في كلام الإمام السجّاد عليه السلام، فهو يرتّب المعادلات جنبًا إلى جنب، ويركّبها ويحصل على النقطة المجهولة والمعادلة المجهولة. ونحن يمكننا أن نفعل ذلك ولا نفعله، فلو كنّا لا نقدر فلا حساب ولا كتاب، لأنّا لسنا مكلّفين ولا نفعل، فالضرر الأوّل الذي يصيبنا هو تجاوز هذه المسألة، ففي البداية نلتفت إلى أنّنا أسقطنا أنفسنا عن درجة الوجود، وعن درجة الطهارة، وعن التكامل، وعن الوصول إلى الحقائق والمراتب الأعلى، وأعددنا لأنفسنا الظلمة، وأعددنا لأنفسنا الغشاوة والحجاب بواسطة قيامنا بهذا العمل الخائن الذي لا محلّ له في قانون عالم الخلقة.

  • إنّ عالم الخلقة هو على أساس الفطرة، على أساس الصدق، والله تعالى يقول إنّا خلقنا السموات والأرض بالعدل وأرسلنا الرسل لإيجاد العدل، فآيات القرآن تقول: {لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيناتِ وَ أَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكتابَ وَ الْمِيزانَ لِيقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَ أَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَ مَنافِعُ لِلنَّاسِ وَ لِيعْلَمَ اللَه مَنْ ينْصُرُهُ وَ رُسُلَهُ بِالْغَيبِ إِنَّ اللَه قَوِي عَزِيزٌ}۱

  • فنحن أرسلنا رسلنا لكي يجعل الناس مسير حياتهم على أساس القسط، والقسط يعني الطريق المستقيم والصراط المستوي في كلّ ظاهرة وفي كلّ حادثة، فهذا هو القسط، أن يختبر الإنسان نفسه في كلّ قضيّة فيسلك الطريق الصحيح المطابق للفطرة التي فطره الله عليها ويعمل بها. 

  • الفطرة وخطابات الإمام الحسين عليه السلام يوم عاشوراء

  • وما كانت كلمات سيّد الشهداء عليه السلام في يوم عاشوراء ونصائحه الكثيرة ودعوته للنّاس هو وأصحابه وأولاده وإخوته إلا ليقولوا لهم: أيّها المساكين أنتم لا تعرفون أيّة مصيبة تنزلون بأنفسكم لا بنا نحن، فنحن مقامنا معلوم، ووضعنا معروف، وطريقنا واضح ـ وطبعًا أنا أقول هذا على لسان حال الإمام مع ذلك الجيش الشقيّ القسيّ ـ فقد أريت أصحابي جميع مراتبهم فعمّ تبحثون أنتم؟! لقد أريت أصحابي ليلة أمس وكشفت لهم الغطاء فهم اليوم يتسابقون للوصول إليها فأين أنتم من ذلك؟! كم على الإنسان أن يكون غافلاً عن نفسه وعن ربّه وبعيدًا عن الحقائق، الإمام الحسين يقول لهم: لقد كشفت لهم ليلة أمس حجابًا واحدًا، فقط حجابًا واحدًا وتركت سائر الحجب حتّى يصلوا إلى ذلك العالم، لأنّي لو رفعتها الآن لأصابتهم سكتة، ولما احتملوا البقاء في هذه الدنيا لحظة واحدة، لم أكشف إلا قليلاً فأريتهم ليلة أمس وهذا عابس خلع الدرع ونزل إلى جيش عمر بن سعد بجسد عارٍ، فهكذا كانت حقيقة الحال، هذا هو وضعنا، وهذه هي حالتنا، ماذا عنكم أنتم أيّها المساكين ماذا تفعلون؟! وما هي حالتكم؟ تعالوا وأروني، لقد أريت أصحابي فتعال أنت وأرني. يا عمر بن سعد الذي هو قائد جيشهم! ألست تقول: يا خيل الله اركبي ـ عجيب التاريخ يعيد نفسه، قوموا واركبوا ـ حسنًا يا عمر بن سعد تعال وأرنا، فهذا الشمر الذي يريد أن يقطع رأسي أرنا مقامه في الجنّة، ألست تقول إنّا أهل الجنّة، تعال وأرنا، أنت بنفسك قلت لي أمس إنّي أعلم أنّ مكاني يوم القيامة هو جهنّم، فلماذا تتلاعب؟ أنت بنفسك قلت ليلة أمس. فهذه هي حالنا وأصحابنا وتلك هي حالكم، فلماذا تغطّي الحقيقة وتقف أمامها؟ لماذا تلقي ستارًا على الحقيقة؟! لماذا عندما أتكلّم معكم تثيرون الضجيج فلا يصل صوتي الحقّ إليكم؟! لماذا تواجهون اتّضاح إحدى الحقائق بإثارة الأجواء الحماسيّة والعاطفيّة حتّى لا يصل صوت حقيقتي إلى آذان الناس؟ فمن تخدعون؟! إنّما تخدعون أنفسكم أنتم أوّلاً أيّها الأشقياء وأيّها المساكين وأيّها الذين أعطاهم الله هذه النعم الإلهيّة لكي يصلوا في هذه الدنيا إلى مكان ما، فلو لم يعطكم الله هذه النعم، ولو لم يعطكم فهم الصدق والحقيقة فأيّ مصيبة ستحلّ بكم؟ لو لم يعطكم الله تلك الحقيقة في داخل فطرتكم وداخل وجدانكم، ولو لم تفهموا مفهوم العدالة والقسط فأيّة مصيبة كانت ستحلّ بكم في هذه الدنيا؟ كيف كان بإمكانكم أن تصلوا إلى الكمال؟ من كان بإمكانه إيصالكم إلى الكمال؟

    1. سورة الحديد (٥٧) الآية ٢٥

آثار الفطرة الإلهيّة ومعنى فزع الإمام من ذنوبه

7
  • ماذا تصنع هذه الأجهزة؟ لا فهم لديها ولا شعور، يمكنها أن تقوم بكثير من الأعمال ولكن لا فهم لديها ولا شعور، ولا أحد يتوقّع منها ذلك أيضًا. تقدّم ما أعطيَت. فلو لم أعطِكم أنا الله أيّها البشر بواسطة هذه الفطرة الإحساس بالعدالة ولمسها ومسّها فأيّة مصيبة كانت ستحلّ بكم؟! كيف كان بإمكانكم الوصول إلى الكمال؟ لصرتم حديدًا، لصرتم سجّادًا، لصرتم أعمدة، لما أدركتم فلا إدراك لديكم، ما هو ذنب عمود الجدار هذا؟ لا ذنب له، فلو أخذته وضربت به رأس إنسان وكسرته فمات هل يقتصّ من هذا الحجر؟! يجب أن يقتصّ من هذا الحجر لأنّه قتل إنسانًا؟! لا بدّ من تقطيعه؟! لا يفعلون له شيئًا، بل يجعلونه أملس ويستفيدون منه، وإنّما يحاكمون ذلك الذي استفاد منه، لا ذنب لهذا الحجر، إنّه لا يفهم، فلو لم يجعل الله فينا هذا الإحساس من البحث عن الحقيقة وإدراك الواقع فماذا كنّا سنصنع في هذه الدنيا؟ 

  • فلنعلم إذن ما هي المشكلات التي نجلبها على أنفسنا؟ الأمر الذي هو وسيلة لتكاملنا نقضي عليه بأيدينا؟ يا لك من إنسان أحمق يتلف كلّ ما يقدّم إليه من إمكانات كالأب الذي يجعل لابنه مالاً فيلقيه في البحر كلّه، ويقول: لم يعجبني، رأيت أنّه كثير فألقيته في البحر! فكيف سينظر هذا الأب إليه؟! يقول: يا لخسارة الشعير الذي كنت أطعمك إيّاه حتّى كبرت. 

  • هذه الحالة هي حالتنا نحن، فنحن لا نختلف عن ذلك الطفل ابن السنوات الخمس أو السبع، كلانا نعيش هذه الحالة، إلا أنّنا بواسطة الكثرات وبواسطة التخيّلات وبواسطة الأمور الاعتباريّة وبواسطة الأمور المجازيّة التي لا صلة لها بنا نتلف ما يرتبط بنا وما هو معنا ومنضمّ إلينا ومرافق لنا، وفجأة نلتفت إلى أنّ كلّ من سعينا وراءه وتركنا الحقائق من أجله، قد سار في سبيله. 

  • ـ لقد أتعبت نفسي من أجلك. 

  • سيقول: كان بإمكانك أن لا تفعل ذلك! يقولها بصراحة: كان بإمكانك أن لا تفعل. 

  • ـ لقد بدّلت الحقيقة كذبًا من أجلك، وكتبت في هذا السجلّ كذبًا. 

آثار الفطرة الإلهيّة ومعنى فزع الإمام من ذنوبه

8
  • ـ كان بإمكانك أن لا تفعل… 

  • لا شيء، انتهى كلّ شيء ومضى. لقد أتلفت نفسه وحرّف التاريخ أيضًا. لقد أحلّ المصيبة بنفسه وبالمجتمع كما أسقط نفسه من الوجود، ومضى هو أيضًا وذاك لا يحرّك من أجله ساكنًا. 

  • حينها يدرك أن يا لهول المصيبة التي أحلّها بنفسه، حينها يدرك أنّ عليه أن يجيب على هذه الأعمال التي قام بها كلّها، وإن لم يجب فإنّهم يذيقونه عذابًا يذكّره بزمان كونه رضيعًا. أفهل مملكة الله فوضى؟! يذيقون الإنسان ما يذكّره بآبائه وأجداده من العذاب. 

  • الفطرة وقصّة النبيّ مع الذي كان يريد قتله

  • لقد جاء ذلك الرجل إلى رسول الله، ذلك الرجل المشرك، وكان بإمكانه أن يفعل ذلك، كان بإمكانه أن يقتل النبيّ. فقال: يا محمّد من ينجيك منّي؟ من ينجيك؟ فانظروا بقي النبيّ نائمًا كما هو ولم يكلّف نفسه حتّى بتحريك رأسه وقال: «الله الله الله» ثلاث مرّات، بنوع من الهدوء، وهذا الهدوء عجيب جدًّا، وذلك الاطمئنان للنفس والذي به وباليقين والاطمئنان يقول حقًّا: الله، ولا يقول هزلاً. لا داعي إلى أن يمسك برأسه، ولا داعي إلى أن ينتهز فرصة ويقفز من وراء الشجرة ويمسك برجله، يقول وهو على حاله نائم: من الواضح أنّ الله هو الذي ينجيني، فأنا نائم كيف يمكنني أن أنجي نفسي وأنت مجرّد سيفك فوق رأسي؟! ما إن رفع سيفه هبّت ريح عاصفة وحرّكته فاصطدم بالشجرة وسقط السيف منه، فأمسك به النبيّ ووقف فوق رأسه وقال: «من ينجيك منّي»؟ وانعكس الأمر فقال: انظر إنّه سيفك وليس لي، فسيفي في الخيمة وقد جئتُ إلى هنا بدون سيف، فبدأ المشرك بالارتجاف، فهو لا يقين لديه ولا يزال فجًّا ولم يلق تربية، فهذا المشرك لا بدّ أن يخضع للتربية، لم ترتبط نفسه بعد بصقع الملكوت لكي يقول بهدوء: الله. بل بدأ بالتعتعة. فقال له النبيّ: لا تتتعتع! قل: الله. فقال: الله.

  • فأعطاه النبيّ السيف وقال: تفضّل خذ السيف. ذلك السيف الذي كان بيده. فبما أنّك تعترف بأنّ الله ينجيك، وتلك الحقيقة التي هي واحدة عندي وعندك وليست عندي أكثر منها عندك، هي واحدة عند كلينا ومتساوية، وأنت اعترفت وأقررت بتلك الحقيقة التي أعترف أنا بها، وكلانا واحد، فإذا كان الأمر هكذا فلا مشكلة بيننا وخذ سيفك. فنظر الرجل وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنّ محمّدًا رسول الله وآمن والتحق من حينه بجيش النبيّ.۱ 

    1. الكافي (ط - الإسلامية)، ج‌۸، ص: ۱٢۷‌: عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام «نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ تَحْتَ شَجَرَةٍ عَلَى شَفِيرِ وَادٍ فَأَقْبَلَ سَيْلٌ فَحَالَ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ، فَرَآهُ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَ الْمُسْلِمُونَ قِيَامٌ عَلَى شَفِيرِ الْوَادِي يَنْتَظِرُونَ مَتَى يَنْقَطِعُ السَّيْلُ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ لِقَوْمِهِ: أَنَا أَقْتُلُ مُحَمَّداً. فَجَاءَ وَ شَدَّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله بِالسَّيْفِ ثُمَّ قَالَ: مَنْ يُنْجِيكَ مِنِّي يَا مُحَمَّدُ؟ فَقَالَ: رَبِّي وَ رَبُّكَ. فَنَسَفَهُ جَبْرَئِيلُ عليه السلام عَنْ فَرَسِهِ فَسَقَطَ عَلَى ظَهْرِهِ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وَ أَخَذَ السَّيْفَ وَ جَلَسَ عَلَى صَدْرِهِ وَ قَالَ: مَنْ يُنْجِيكَ مِنِّي يَا غَوْرَثُ؟ فَقَالَ: جُودُكَ وَ كَرَمُكَ يَا مُحَمَّدُ. فَتَرَكَهُ فَقَامَ وَ هُوَ يَقُولُ: وَ اللَّهِ لَأَنْتَ خَيْرٌ مِنِّي وَ أَكْرَمُ».

آثار الفطرة الإلهيّة ومعنى فزع الإمام من ذنوبه

9
  • فانظروا هكذا يتعامل أولياء الله مع المشركين والكفّار، مع الكفّار الذين لا يؤمنون بالله أصلاً، يعطيه السيف بيده ويقول له: خذه. فهل نحن هكذا أيضًا؟! نعم نحن أرفع من النبيّ بمائة درجة، أفهل يمكن لأحد أن يعترض علينا؟! نريه اعتراضًا يجعله يتذكّر أيّام طفولته! نفهمه مع من يتكلّم. 

  • هذا المنهج هو منهج أولياء الله أولئك الذين قلوبهم متّصلة، الذين ينظرون إلى الناس من تلك النافذة، من نافذة الصفاء والطهارة.

  • ما معنى: إذا رأيت مولاي ذنوبي فزعت؟

  • تقدّم أنّ الإمام السجّاد عليه السلام عندما يقول لله في الدعاء: «إذا رأيت مولاي ذنوبي فزعت". عندما أرى ذنوبي أخاف وأضطرب ويرتعش بدني، ففزعت تعني أصبت بالرعشة لا مجرّد القلق، بل يرتجف بدني، متى يأتي الفزع إلى الإنسان؟ عندما يشعر بتلك الحقيقة المخيفة في وجوده. 

  • قصّة خوف أحد العلماء الواعظين من الموت

  • كان هناك أحد العلماء في مشهد وكان من الفضلاء وكنت ألتقي به أحيانًا وكان لي معه كلام، فقد كان هذا الرجل يتكلّم مع الناس وينصحهم ويرتقي المنبر، وكان رجلاً فاضلاً عالمًا، كان يتحدّث عن الله وعن النبيّ وعن المعاد والموت، وكان يكثر من الحديث عن الموت وفراق الدنيا وأمثال ذلك، وكان رجلاً معروفًا، وذات يوم مرض وتوجّه إلى هنا وهناك ولكنّه أدرك في النتيجة أنّ مرضه حادّ وليس مرضًا بسيطًا، فلم يكن يرضى، وكان بعضهم يحذّرونه فلم يكن يقبل، وكان يقول لمن حوله: لنذهب إلى ذاك المكان. في النهاية قالوا له: الجميع متّفقون على أنّ لديك مرضًا من ذاك النوع ولن تعيش أكثر من ستّة أشهر، فلا تتعب الجميع واذهب وأنجز أعمالك فهذا وقت مناسب جدًّا. 

  • عندما أدرك أنّ أمره قد انتهى، بدأ يرتجف وبقي لا يقرّ له قرار مدّة طويلة، ولم يكن أحد يجرؤ على الكلام معه لشدّة انزعاجه بسبب معرفته بالحقيقة، فحتّى تلك اللحظة كان يقول: ليت ولعلّ وربّما وإن شاء الله اخطأوا والجهاز أعطاهم النتيجة خاطئة والمختبر فيه مشكلة و… ولكنّهم قالوا الكلام الأخير ووقع هذا الأمر في قلبه وأحسّ بالموت بكامل وجوده فأصيب بصدمة، فلماذا؟ لأنّه لم يكن مستعدًّا للمغادرة، لقد كان المسكين يتكلّم عن الموت، ولكن فقط كان باللسان، وكان يسير في طريقه في هذه الدنيا، لم يكن المسير مسير السير نحو الآخرة، بل كان مسير الإبقاء في الدنيا، يريد أن يبقي نفسه فيها ويلصقها بها، فالإبقاء يعني الإلصاق، أن يلصق نفسه في هذه الدنيا، وإلاّ فقد كان عليه أن يفرح بالموت أن الحمد لله استرحنا، إنّها ستّة أشهر وبعدها نستريح ونتخلّص، نصبر هذه الأشهر الستّة ففي النهاية ستنتهي. 

آثار الفطرة الإلهيّة ومعنى فزع الإمام من ذنوبه

10
  • لقد أغلق الباب على نفسه ويقال إنّ الناس كانوا يريدون أن يعودوه ولكنّهم كانوا يواجهون بحالة تجعلهم يندمون على عيادته، فلم يكن يسلّم ولا يجيب ولا كانت له قدرة على التعامل مع الناس، كان غارقًا في نفسه، وبدلاً من أن يعيش ستّة أشهر لم يبق أكثر من شهرين وقد عجّل على نفسه بأربعة أشهر وأنقص من ذلك السجلّ، مات بعد شهرين الفاتحة مع الصلوات! ودّع دار الفناء شيخنا حجّة الإسلام ومضى، إن شاء الله اذهب وكان ينبغي أن تذهب قبل هذا ما دام وضعك هكذا وما دمت تمثّل على الناس كلّ هذه المدّة. 

  • لماذا كلّ هذا؟ لأنّه لم يكن هناك حقيقة، لا واقع لهذا الكلام الذي يقوله، لو كان له واقع لما حصلت لديه تلك الحالة من الفزع، فالإمام السجّاد عليه السلام يرى نفسه في حالة جيّدة وينظر إلى أنّه يطوي شهر رمضان هكذا وليالي شهر رمضان هكذا، والقرآن والدعاء، وهو يرى أنّ هذا هو من الله أيضًا، فنحن نسلّم أنّ معرفة الإمام عليه السلام ليست كمعرفتنا، فهو يرى أنّ هذا توفيق من الله، والهداية من الله، والاهتمام بهذه الأمور هو من الله، كلّ ذلك هو من الله، ولكن في النهاية من أين جاءت هذه النظرة حين يقول: إذا رأيت مولاي ذنوبي فزعت؟ من أين جاءت ياء المتكلّم هذه؟ عندما أنظر إلى ذنوبي يسيطر عليّ الفزع، هكذا يقول الإمام: «إذا رأيت مولاي ذنوبي فزعت"، فالإمام السجّاد لم يذنب، فلماذا؟ لماذا يقول الإمام هكذا؟ إلهي إذا نظرت إلى ذنوبي سيطر عليّ الفزع، أستوحش، أستوحش من النتيجة، من العاقبة، ممّا أشعر به وأرى أنّه سيحلّ بي بعد هذا. فما هو المبرّر المنطقيّ لذلك؟ وهكذا سائر الموارد التي لدينا في دعاء أبي حمزة هذا حيث يقول ـ وإن شاء الله الرفقاء يقرأونه لاحقًا ولا أعتقد أنّنا نصل إليه أبدًا في السنة القادمة وما بعدها فضلاً عن هذه السنة، ففي كلّ سنة نتقدّم بمقدار نصف صفحة، ولكن ليقرأ الرفقاء حتمًا دعاء أبي حمزة ولا ينتظروا توضيحي وشرحي ولا يحرموا أنفسهم من فيوضات هذا الدعاء العجيبة الغريبة والتي هي إكسير حياتنا الأخرى، حقًّا هي إكسير، وقد جعل الإمام السجّاد في دعاء أبي حمزة الثمالي هذا كامل سجلّ حياتنا في أيدينا، فهذا نحن، فكلّ ما سنواجهه في حياتنا من علاقات وتعلّقات وقطع تعلّقات ومحيطين بنا الذين سيغادرون في يوم ما، حتّى أمس كانوا يقولون: نفديك بأرواحنا، واليوم تسلّم عليهم فلا يردّون عليك السلام قربة إلى الله، فلا مصلحة في ذلك، هؤلاء منحرفون ومرتدّون وكفّار. ألم يقولوا ذلك؟! ألم يقولوا للبعض إنّهم ارتدّوا؟ ونحن أيضًا سمعنا، فكثير منهم إذا مشينا في هذا الجانب من الشارع مشوا في ذاك الجانب منه، فماذا حصل؟! أنا لم أتغيّر لم أنقص ولم أزد، وزني هو كما كان ليس فيه تغيير وتبدّل، فماذا حصل إذن؟! فهذه كلّها كانت بركات وقد حدّثنا عنها الإمام السجّاد في هذا دعاء أبي حمزة هذا شعرة بشعرة، كيف هي زوجتك معك؟ وكيف هو زوجك معكِ؟ وكيف هو ابنك وكيف هو جارك وكيف هو صديقك وكيف هم معارفك ورفاقك وأقاربك والغرباء وغيرهم وخيالاتك؟ فالإمام عليه السلام يبيّن جميع وجودنا، لذلك فإنّ قراءة هذا الدعاء والتدبّر فيه حسب اعتقادي لا يختصّ عند السالك بأيّام شهر رمضان، فالتدبّر في دعاء أبي حمزة الثمالي من أوجب الواجبات، فكما كان يقول المرحوم العلاّمة حول حديث عنوان البصري بالنسبة إلى سالك طريق الله، وأنّه يجب أن يقرأ في كلّ أسبوع مرّتين وكان قد وضعه في جيبه وبقي معه حتّى آخر عمره، وكنت قد رأيته، وكان يقول: أنا أطالع حديث عنوان البصريّ عن الإمام الصادق عليه السلام في الأسبوع مرّتين، فالإنسان يحتاج إلى التكرار، يحتاج إلى أن تضرب المطرقة على رأسه بانتظام، يحتاج إلى التنبيه والتذكير بشكل دائم وإلا… 

آثار الفطرة الإلهيّة ومعنى فزع الإمام من ذنوبه

11
  • أهميّة الرفيق

  • فكم أوصي أنّنا بحاجة إلى الرفيق وإلى هذه المجالس، فلماذا؟ لأنّ الإنسان إذا ما خرج عن هذه الدائرة حلّت مسائل أخرى شيئًا فشيئًا، فهذه ليست أمورًا يمكن أن تترك الإنسان وشأنه، فشئت أم أبيت تأتي وتجذب الإنسان شيئًا فشيئًا، وبمقدار ما ينجذب من هذا الجانب فإنّه يقل من اهتمامه في ذاك. 

  • محرم دل نیست جای صحبت اغیار***دیو چو بیرون رود فرشته درآید 
  • يقول: ليس حرم القلب موضعًا لكلام الغرباء إذا ما خرج الشيطان جاءت الملائكة

  • لا يمكن أن يكونا معًا هنا، لا يمكن أن يسكنا معًا هنا، فإمّا أن يكون المكان لهذا أو لذاك، فكم أكّد الأعاظم مرارًا أنّ على الرفقاء أن يكونوا معًا، وعلى الرفيق أن لا يشرّق ويغرّب، وعلى الرفيق أن لا يجلس في أيّ مجلس، فاذهبوا الآن إلى هذه المجالس وانظروا ماذا يقال فيها، طبعًا لا حاجة إلى الذهاب إليها، فهو ليس بجيّد، نعم لا بأس بأن يختبر الإنسان أحيانًا فيرى أنّ ما يقال ليس بعيدًا عن الواقع كثيرًا، فيذهب الإنسان إلى أهل الصلاح والصلاة، أمّا أهل غير الصلاة فلهم شؤونهم وربّما كانوا خيرًا منّا بكثير، علينا أن لا نرضى عن أنفسنا، ربّما كان كثير منهم أطهر منّا أصفى. 

  • معنى حديث: النظر إلى وجه العالم عبادة

  • فليذهب الإنسان إلى هذه المجالس وليستمع إلى كلامهم وحديثهم وينظر حول ماذا يتحدّثون؟ يتكلّمون معًا لساعتين حول ماذا؟ فلينظر بعد ساعتين هل يتعب أم لا؟ انقبض قلبه أم لا؟ تقول انقبض قلبي فيضحكون! فنحن لا ندرك شيئًا! انقبض قلبه! حصلت لديه حالة انقباض! فما هذه الأشياء التي اخترعتموها وألصقتموها بالإسلام وبالدين؟! لقد جئتم بأشياء جديدة! ما معنى انقباض القلب؟! أم أنّ لها حقيقة وأنت المسكين مخدّر فلا تشعر، فلو ضرب الإنسان المخدّر بالسكين وأدخلت إلى بطنه لما أحسّ، وكأنّه ملقى كالحجر، نعم لو ذهبنا نحن لتخدّرنا بواسطة تلك الأحوال والأجواء، فلا ندرك قبضًا ولا بسطًا، لا روحانيّة ولا ظلمة، لا نفهم شيئًا، فتأكيد الأعاظم أنّ على الإنسان أن يكون دائمًا مع رفيق، أن يكون مع إنسان ينطبق عليه: النظر إلى عالم يذكّرك الجنّة عبادة۱. هذا معناه، معناه النظر إلى عالم والحديث ومجالسة عالم يذكّرك بالجنّة، لا بمعاملات الدنيا والتجارة. ولدينا في النهاية، أليس لدينا علماء تجّار؟! ما شاء الله تجّار وأيّ تجّار، لدينا المقدار الذي تريد، النظر إلى هذا العالم لمائة سنة الشيء الوحيد الذي لا يذكّرك به هو الجنّة، يذكّرك بألف شيء آخر غير الجنّة، وما أقوله أنا بنفسي كنت مبتلى به، فلندع ذلك، فهذا هو معنى العبادة، وهذا معنى ما يقوله الأعاظم من أنّ على الإنسان أن يجلس مع الرفيق مع إنسان مع عالم الجلوس معه عبادة، فنظرة إلى العلاّمة الطباطبائي تجعل روحك تحاول التحليق خارج بدنك، وبنظرة واحدة وكلام واحد من العلاّمة الطباطبائي تشعر أنّك لست في هذا العالم، فهذا هو مراد رواية المعصوم، معناها أن تجلس دقيقتين عند المرحوم العلاّمة. 

    1. الكافي (ط - دار الحديث)، ج‌۱، ص: ٩٥‌: عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّٰهِ عليه السلام، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللّٰهِ صلى الله عليه و آله: قَالَتِ الْحَوَارِيُّونَ لِعِيسىٰ: يَا رُوحَ اللّٰهِ، مَنْ نُجَالِسُ؟ قَالَ: مَنْ تُذَكِّرُكُمُ اللّٰهَ رُؤْيَتُهُ، وَيَزِيدُ فِي عِلْمِكُمْ مَنْطِقُهُ، وَيُرَغِّبُكُمْ فِي الْآخِرَةِ عَمَلُهُ».
      من لا يحضره الفقيه، ج‌٢، ص: ٢۰٥‌: «النَّظَرَ إِلَى الْكَعْبَةِ عِبَادَةٌ وَ النَّظَرَ إِلَى الْوَالِدَيْنِ عِبَادَةٌ وَ النَّظَرَ فِي الْمُصْحَفِ مِنْ غَيْرِ قِرَاءَةٍ عِبَادَةٌ وَالنَّظَرَ إِلَى وَجْهِ الْعَالِمِ عِبَادَةٌ وَ النَّظَرَ إِلَى آلِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله عِبَادَةٌ‌».

آثار الفطرة الإلهيّة ومعنى فزع الإمام من ذنوبه

12
  • كان هناك رجل رحمه الله كان فاضلاً وعالمًا كان يلقي المحاضرات في مسجد القائم في مثل أيّام شهر رمضان هذه في بعض السنوات، وكان رجلاً صالحًا وعالمًا، وحيث إنّه كانت له أعمال أخرى سوى زيّ العلم والمعنويّة وكانت له اشتغال في الحقوق، لم يكن زيّه وهيئته مناسبًا بالكامل لشأن رجل الدين، وقد دعاة المرحوم العلاّمة في إحدى السنوات إلى مسجد القائم، وكان ذلك في زمان الشاه في الزمان السابق، فكان يتكلّم وكانت محاضراته جيّدة، وكان من أهل الفضل وعالمًا يستفاد منه، فكنّا نرى أنّه هيئته كانت تتغيّر شيئًا فشيئًا ففي اليوم الخامس واليوم السادس كانت لحيته تطول، وفي اليوم العاشر كان يلبس قباءً ولا يقتصر على الدشداشة وفي اليوم الثاني عشر والثالث عشر كان كلامه يتغيّر، إلى أن حدث أمر ما واعترض واحد من الناس على آخر، فغضب ذلك الخطيب، ولمّا جاء في اليوم التالي إلى المسجد وصعد المنبر بدأ بتمجيد إحدى الشخصيّات رغم أنّه كان يتأذّى من ذلك ولم يكن يسرّه التمجيد وكان ينبّه بشكل جادّ على أنّ هذا المنبر منبر رسول الله، وأذكر أنّ بعضهم كان يريد أن يمجّده فكان يقول هذا منبر رسول الله فلا تلوّثه بمسائل الدنيا وبهذا الكلام الحادّ. والحال الآن هو هكذا فما لم يمجَّد الداعي لا يدعى الخطيب مرّة أخرى، وينقص له من الهديّة، وفي السنة القادمة لا يدعى… ولم يكن أسلوب ذلك الخطيب هكذا، وقد ذكرت لكم بعض الشيء حوله، ولكنّه عندما صعد المنبر بدأ بالتمجيد لذلك الرجل الذي لم يكن حاضرًا ولكن حيث إنّ الناس كانوا قد شاهدوا في اليوم السابق بعض الأمور وسمعوا بعض الكلام، قال لهم: أفهل أنتم عمي؟ ألا ترون أنّ شخصيّة كهذه تجلس هنا وقد قضى عمره في هذا الكتاب وهذه العلوم؟! أفهل أنتم عمي حتّى تحاكموا العلماء هكذا؟! وكان ينقل عن أحد المنحرفين الذين تحدّثوا عن العلماء، فأدّى ذلك إلى تشويش المجلس، ثمّ قال ضمن كلامه هذه العبارة اللطيفة: أنا لا أعرف هذا الرجل في أيّ حال هو من حيث شخصيّته، ولكن يكفي أنّي أشعر أنّ من يجلس معه يتغيّر شاء أم أبى. وكانت عبارة جميلة جدًّا، لا أدري ما هو التأثير الذي يتركه هذا الرجل سواء تكلّمت معه أم لم تتكلّم، بمجرّد أن تجلس معه تتغيّر. فقلت في نفسي: نعم هذا واضح، فأنت بنفسك شاهد صدق على ذلك بالمقارنة بين يومك الأوّل الذي جئت فيه وكلامك الآن. 

آثار الفطرة الإلهيّة ومعنى فزع الإمام من ذنوبه

13
  • فهذا الرجل يصبح مصداقًا لهذه الرواية: النظر إلى عالم يذكّرك الجنّة. أعني المرحوم العلاّمة، هذه هي المسألة، انظر إلى عالم يذكّرك الجنّة، يذكّرك الآخرة، يخرجك من الكثرات ويغيّر حالك وأجواءك، يغيّر تعلّقاتك ويصحّح ميولك، فمن هو هذا؟ من كان من البداية حتّى النهاية في مستنقع التوهّمات والتخيّلات والتكالب على أمور الدنيا؟ من؟ من كان في كلامه ألف رياء وخدعة، يتساقط من كلامه عن الله الرياء والخداع والنفاق؟ أهذا يذكّرك الجنّة؟ أم ذاك الذي إذا قال "الله" فإنّه يقولها بكامل وجوده؟ عندما يقول: "الحقّ" فإنّه يقولها بجميع وجوده وخلايا بدنه، فهذا هو من يذكّرك الجنّة، ولا بدّ من اتّباعه، فإذا لم يتّبعه الإنسان فماذا سيحصل؟ سيبتعد ويبتعد وهذا الابتعاد يسلب منه الحقيقة شيئًا فشيئًا وقليلاً قليلاً وبهدوء وبطء وكما يقول إخواننا العرب: "شوية شوية" ويحلّ بدلاً من ذلك المجاز، وتنقص الحقائق. 

  • وبعد مدّة من الجلوس يرى أنّ ميله إلى هذا الأمر لم يعد كالسابق ولا يدري من أين حصل ذلك؟ وهو ينظر إلى هذا الأمر نظرة مختلفة، ويعطي حولها رأيًا مختلفًا، فقد كان سابقًا يقول إنّ الحقّ مع هذا، ولكنّه الآن بصعوبة يقول: الحقّ مع هذا، يعرف ولكن يقول بصعوبة، فماذا حصل حتّى صار يقول بصعوبة؟ أيّة حادثة اتّفقت حتّى صار يقول بصعوبة؟ ذاك هو السبب، فالجلوس مع أهل الدنيا يؤدّي إلى أن يصعب ذلك عليه، الجلوس مع أناس ميلهم ورغبتهم وإرادتهم هي الدنيا والوصول إليها والتقدّم على الآخرين وسدّ طريقهم وتحصيل المنافع، والقول علينا أن نقوم بهذا لنمنعهم، علينا أن نقوم بهذا قبلهم فلا يتمكّنون من القيام به، فهذا كلّه دنيا، وإن كان شكله مختلفًا، فلا يشترط أن تكون الدنيا مالاً ورئاسة، فقد تكون كتابًا وطباعة كتاب، فلنطبع كتابنا قبله فلا يتمكّن من منافسته، فهذا دنيا، هذا دنيا بلا شكّ، خذ الكتاب واطبعه فإن طبعته قبله فبها وإن تأخّر فقد تأخّر، قم بما عليك. فهنا تؤثّر هذه النيّة في العمل. ولندع الحديث عن هذا الأمر. 

  • فما هي الحقيقة التي رآها الإمام السجّاد عليه السلام حتّى صار يقول لله: إذا رأيت مولاي ذنوبي. فأنت لم ترتكب ذنبًا، هل هو تصوّر الذنب؟ فتصوّر الذنب ليس ذنبًا، بل الإمام السجّاد عليه السلام يجعل نفسه موضع أحد المذنبين. لا بدّ من تفسيرها بهذا لأنّ الإمام لم يذنب، فالذنب هو ما جاء في الرسائل العمليّة مثل الزنا وشرب الخمر واللواط والسرقة والشطرنج والموسيقى و… و[ترك] الواجبات كالصلاة والصيام والخمس والزكاة والحجّ وفروعها ممّا قرأناه، فأيّ من ذلك ارتكبه الإمام السجّاد؟! فعلينا أن نقول إنّ الإمام يضع نفسه موضع إنسان مذنب وهو يتكلّم مع الله بلسانه! يقول: إلهي أنا مثل هذا المذنب. كلاّ فحتّى لو كان الأمر هكذا فلا ينبغي أن يقول الإمام أنا مذنب، بل عليه أن يقول: إنّ وضعي يشبه وضع المذنب، والحال أنّ الإمام لا يقول ذلك، الإمام يقول: إذا رأيت مولاي ذنوبي فزعت. فنحن ليس لدينا ذنوب سوى هذه المحرّمات. 

آثار الفطرة الإلهيّة ومعنى فزع الإمام من ذنوبه

14
  • بعضهم يبرّر ذلك بأنّ الإمام قال ذلك من أجلنا! ماذا ماذا قال من أجلنا؟! فما هذه الدموع؟! فإذن هو يمثّل أمام الله! يمثّل مسرحيّة! مثل الفنّانين الذين رأيتموهم مثلاً عندما يموت ابنه يبكي والحال أنّ ابنه لم يمت… فمن أين تأتي هذه الدموع؟! يتحيّر الإنسان من أمره وكأنّه قد دفن ابنه أمام عينيه، فهذا هو الفنّ فنّ التمثيل، وقد كان يسمّى سابقًا بالرقص والآن يسمّى التمثيل ولم يتغيّر إلا الاسم، فيقال فلان ممثّل، طبعًا لا إشكال فيه في الأمور التربويّة، وليست كلّ موارده باطلة. 

  • للممثّل حالة يمكنه معها أن يجعل نفسه مكان الآخرين وأن يخلق في نفسه آثاره ويوجدها فيها، فهل الإمام هكذا؟ يعني يجعل نفسه في مكان الآخرين؟ فأنت عندما تجعل نفسك مكان آخر فقد تخلّيت عن هويّتك ولم تعد أنت الإمام السجّاد، أنت شخصيّة أخرى كما أنّ هذه الممثّلة الآن تمثّل دور الأمّ التي فقدت ابنها فتذرف الدمع بحيث إذا نظر أيّ إنسان إليها بكى لأجلها فالمشاهد أيضًا يبكي ويبكي، فإذن أنت تخلّيت عن هويّتك وتبدّلت إلى إنسان آخر، فلست أنت الإمام السجّاد، وصرت إنسانًا آخر، والحال أنّ الإمام يقول: أنا الإمام السجّاد علي بن الحسين بهذه الخصوصيّات عندما أنظر إلى ذنوبي أفزع، فالمسألة دقيقة فما هو السبب؟ 

  • من جديد انتهى الوقت وإن شاء الله نكمل لاحقًا، ومن جديد بقي لليلة أخرى، لا تقلقوا لدينا عشرون ليلة أخرى أو أكثر فلسنا مثل السنة الماضية حيث سافرت إلى هنا وهناك وجئت أواسط شهر رمضان. 

  • فكم جلسة كانت لنا السنة الماضية؟ كانت خمس أو ستّ ليال. وطبعًا كان من المقرّر هذه السنة أن أسافر أيضًا ولكن فجأة تغيّر الأمر وحصل بدا، فالله يريد أن نستفيد أكثر من خدمة الرفقاء. 

  • وعلى كلّ حال دعونا نفكّر في هذه المسألة لنرى إلى أين ينتهي تكفيرنا، وكيف نبرّر هذا الأمر، وكيف نحلّ هذه المشكلة لأنفسنا، فإذا ما حلّت هذه المسألة فسنكون قد أدركنا الحقيقة، وسرّ الأمر وسرّ الحقيقة الذي هو مقام العبوديّة والذي هو متحقّق في الأئمّة على النحو الأوفى والأكمل، فأدعية الأئمّة وبكاؤهم من الإمام السجّاد عليه السلام والإمام الصادق عليه السلام وأمير المؤمنين وسيّد الشهداء: «إلهي أنا الفقير وأنت الغنيّ وهل يرحم الفقير إلا الغنيّ»۱ في مناجاة أمير المؤمنين في الليالي القادمة ألا نقرأ تلك التي في مسجد الكوفة حيث يقرأها الإمام وهو يبكي بكاء شديدًا فهل كان الإمام يقول ذلك لأجل الآخرين؟! أم أنّه هو نفسه كان يناجي الله؟! إن لم يقل الإمام حقيقة الأمر لله فلمن يقولها؟! أفهل يمكن أن يتكلّم مع الله بالمجاز؟! أفيمكن أن أتكلّم مع الله بالمجاز؟ يقول الله: شكرًا لك تتكلّم معي بالمجاز والاستعارة والكناية وأمثال ذلك، أم أنّك إذا أردت أن تتكلّم مع الله فلا مجاز ولا كناية، إلهي هذا أنا بصراحة، لقد أذنبت بالأمس، ارتكبت حرامًا، لقد قمت بما يخالف رضاك ويوجب غضبك وما نهيت عنه، هكذا يجب أن يتكلّم مع الله بهذا النحو الذي كان أمير المؤمنين يتكلّم به وكان سيّد الشهداء يتكلّم به والذي لو بحثت في الدنيا كلّها [لما وجدت غيرهم يقول ذلك]، خلافًا لمن يقول إنّ الغمم كان يقول أنا الذي… من أجلنا نحن، أفيمكن أن يقول الإمام في الصحيفة السجّاديّة: «أنا الذي أعطيت على معاصي الجليل الرشا»٢؟ فمتى وفي أيّ زمان وأين؟ هذا الإمام السجّاد الذي لم يكن في طفولته يلعب مع الأطفال وكان يقف جانبًا وينظر إليهم، ومن البداية كانت علامات الإمامة بادية على الإمام السجّاد فكيف يقول ذلك؟ ما هي حقيقة الأمر؟ إن شاء الله موعدنا الليلة القادمة لنرى إن كنّا غدًا سنقع في ما وقعنا فيه الليلة أم سنفي بوعدنا، الأمر بيد الله، فعندما جئت الليلة كنت أريد أن أبحث حول هذا الأمر فجاء كلام آخر ولست أحمل مسؤوليّة ذلك ولم أقصّر. 

    1. المزار الكبير (للمشهدي)، ص: ۱۷٤‌: «مَوْلَايَ يَا مَوْلَايَ أَنْتَ الْغَنِيُّ وَ أَنَا الْفَقِيرُ، وَ هَلْ يَرْحَمُ الْفَقِيرَ إِلَّا الْغَنِيُّ».
    2. مصباح المتهجد، ج‌٢، ص: ٥۸٩‌

آثار الفطرة الإلهيّة ومعنى فزع الإمام من ذنوبه

15
  • وعلى كلّ حال فهذه ليالي شهر رمضان، والهدف أن نأتي ونجلس ونتكلّم بهذا الكلام ونأمل أن تنزل الرحمة عند ذكر الصالحين وأن يشملنا شيء منها إن شاء الله.