المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني
المجموعةسنة 1431
التاريخ 1431/09/20
التوضيح
تتحدّث هذه المحاضرة حول محورين أساسيّين: اعتبار الولاية والرئاسة ـ ليلة القدر. وفضلا عن إشارات فيها إلى أبحاث أخرى تحاول الإجابة على الأسئلة التالية:
ما معنى الاعتبار والانتزاع وما هي أقسامه؟ وكيف يجري الاعتبار الصحيح؟ هل ولاية الله اعتباريّة أم حقيقيّة؟ هل الولاية والرئاسة في الإسلام ترجع إلى حقائق ذاتيّة أم أنّها مجرّد اعتبار؟ ما هي الصفات الذاتية التي يرجع إليها اعتبار الرئاسة في الإسلام؟
متى تبدأ ليلة القدر وما هي حقيقتها وما هو العمل الأفضل فيها؟
هو العليم
رجوع الاعتباريّات إلى الحقائق في الإسلام
شرح دعاء أبي حمزة الثمالي - سنة ۱٤٣۱ - الجلسة السابعة
محاضرة القاها
آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهراني
قدّس الله سره.
أعوذُ بِاللَه مِنَ الشَّیطانِ الرَّجیم
بِسمِ اللَه الرَّحمَنِ الرَّحیم
وصلَّى اللَه عَلَى سیدنا و نبيّنا أبي القاسم مُحَمّدٍ
وعلى آله الطّيبين الطّاهرين و اللعنة عَلَى أعدائِهِم أجمَعينَ
حُجَّتِي یا اللَه فِى جُرأَتِي عَلَى مَسئَلَتِك مَعَ إتیانِي مَا تَکرَهُ، جُودُك وَ كرَمُك، وَ عُدَّتِي فِى شِدَّتِي مَعَ قِلَّة حَیائِي، رَافَتُك وَ رَحمَتُك
إنّ حجّتي يا إلهي وسندي في جرأتي وطلبي ما أريد منك هو عبارة عن جودك وكرمك والحال أنّي أرتكب الذنوب وما تكرهه.
عدم إمكان كراهة الله لشيء إلا بلحاظ أنّ فيه مفسدة للمخلوق
تكلّمنا في الليالي الماضية حول بعض جوانب هذه الفقرة وذكرنا أنّ المقصود من الكراهة التي لدى الله ليس كراهة شخصه وذاته بل ترجع كراهته إلى المخاطبين والمكلّفين.
وبناء على القواعد الفلسفيّة والحكميّة والشواهد والآثار العرفانيّة والشهوديّة فإنّ كلّ ما يتحقّق في عالم الوجود إنّما ينشأ من ذات الباري تعالى، فإنّ ذات الباري تعالى وبواسطة أسمائها وصفاتها الكليّة تحدّد وتقيّد ذلك الفعل والصفة في قوالب الماهيّات الخارجيّة.
فجميع ما نشاهده أو لا نشاهده سواء في عالم الشهادة والطبع والملك الذي هو عالم الظاهر هذا الذي لا يتناهى، لأنّه لا يمكن أن يتصوّر لهذا العالم حدّ، سواء كان له حدّ أم لم يكن، فذلك أمر لا يحتمله فهم أحد من علماء الظاهر هؤلاء وأصحاب العلوم الظاهريّة والماديّة، فهؤلاء لا يمكنهم أن يعيّنوا حدًّا لهذا العالم، وكلّ ما قالوه حتّى الآن هو تخمين وحدس، ووفق القواعد الفلسفيّة أيضًا لا يمكن أن يفرض هذا العالم محدودًا أو غير محدود، وما أراد الحكماء أن يختبروه من الطبيعيّات باسم فلسفة، فهو عندهم ناقص وغير ناضج.
هل المكان حقيقيّ أم اعتباريّ؟
الأمر المسلّم هو أنّ المكان أمر اعتباريّ ولا حقيقة خارجيّة له، أروني المكان هنا! مكانًا هو غير الأعيان الخارجيّة، لا بدّ أنّكم تقولون هذا الفضاء الذي نجلس فيه. ولكنّ هذا أوكسيجين وليس مكانًا. لا بدّ أنّكم تقولون بين هذا الجانب من الجدار وذاك الجانب من الجدار الآخر. ولكن كلّ من هذين الجانبين هو جانب، فجانب هنا وجانب هناك، وأيّ شيء بينهما نسمّيه مكانًا؟! لا شيء! هناك شيئان متقابلان، ومن اقترانهما وكيفيّة المسافة الفاصلة بينهما ننتزع أمرًا، لا أنّه موجود.
ما معنى الاعتبار والانتزاع؟
نحن ننتزعه وليس له وجود خارجيّ، مثل سائر الانتزاعيّات التي أصلها شيء آخر، أمّا ذلك المنتزع فهو أمر اعتباريّ، جلست جماعة متماثلون لا فرق بينهم فقالوا: حسنًا سنختار من بيننا رئيسًا ومهما أمر أو نهى فإنّ على الآخرين أن يطيعوه. فنحن ننتزع هذه الرئاسة، فمن هذه المجموعة نستخرج عنوانًا، ووفق الدوافع التي لدينا والأغراض نقوم بهذا الانتزاع.
انقسام الانتزاع إلى راجح وغير راجح
فهذا الانتزاع إمّا انتزاع منشؤه عقلائيّ وراجح، أو غير راجح، مثل الأعمال التي يقوم بها المجانين، فمثلاً يجعلون واحدًا رئيسًا وآخر مرؤوسًا، وآخر وزيرًا، فقد رأيتم هذا أليس كذلك؟! إذا ذهبتم إلى مستشفى المجانين ترون ذلك بشكل واضح، وما أقوله لكم تشاهدونه بأعينكم. فالمنشأ الراجح مثل الرئاسة التي هي لله على جميع المخلوقات، والحكومة التي لله على جميع المخلوقات، لأنّ منشأ هذه الحكومة {وَ لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ}،۱{قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَ تَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ}.٢فأنت مالك الملوك، أنت سلطان السلاطين، أنت آمر الأمراء، وكلّ ما هو كائن يرجع إليك، وهذا الرجوع رجوع راجح، أي له حيثيّة ذاتيّة قد لوحظت هي عبارة عن الخصوصيّات والصفات والأسماء الإلهيّة والتي بملاحظتها يحكم على جميع المخلوقات وبملاحظة تلك الصفات يأمر جميع الموجودات، وبملاحظة تلك السيطرة والهيمنة والولاية الكليّة التي لديه هو وليّ العالم كلّه، فهذه الحيثيّة حيثيّة ذاتيّة، وليست حيثيّة انتزاعيّة.
ولاية الله ذاتية حدوثًا وبقاء
هي حيثيّة للحدوث وحيثيّة للبقاء، فنحن في حدوثنا نشأنا عن ذات الباري ونحن ظهوره، وكذلك في بقائنا نحن متدلّون ومتّكئون ومستندون إليه. افترضوا الآن فرضًا من باب الفرض أنّ الله انعدم، فإنّ جميع الموجودات تنعدم، مثل هذه الحركات والآثار من النور وحركة المروحة والمكيّف وهذه الأجهزة الإلكترونيّة الموجودة هنا والتي نشاهد حركتها، فهي بهذه الأشكال المختلفة والتنوّع الذي لديها ترجع إلى منشأ واحد، وذلك المنشأ ما دام موجودًا فهي موجودة، فإذا توقّف كما لو أوقفت محطة توليد الكهرباء فجأة وأطفئت فحينها لن يعمل هنا لا المروحة ولا المكيّف ولا هذه المصابيح تضيء ولن تسمعوا صوتي بهذا الوضوح والقوّة. لماذا؟ لأنّ المنشأ توقّف. فإذن علّة البقاء هي علّة الحدوث نفسها.
مثال الكهرباء وحركة المولّد لتقريب فكرة الخلق بعد الخلق
في كلّ آن ينشعب أو بعبارة أفضل يظهر أو يتحقّق أو يصدر ـ سمّه ما شئت ـ عن تلك الذات خلق جديد، فهذا الخلق الجديد وهذه الظاهرة والحيثيّة الحدوثيّة الجديدة إلى أيّ شيء هي مستندة؟ مستندة إلى تلك المحطّة التي هي في حال من الحركة الآن، فمع كلّ دورة لهذا المولّد توجد الكهرباء، والكهرباء التي توجد مع كلّ دورة له تختلف عن الكهرباء التي وجدت في الدورة السابقة له، وفي كلّ دقيقة يدور المولّد ما يقارب خمسة آلاف دورة، وكلّ دورة يدورها الآن تختلف عن سابقتها، فالسابقة أوجدت ظاهرة، والآن هناك ظاهرة أخرى، ولكن لأنّها متّصلة فنحن نحسبها واحدة ومستمرّة، والواقع أنّها ليست مستمرّة. ما معنى الاستمرار؟! وما هذا الكلام؟! واستمرار ماذا؟! الاستمرار في توالي الوجودات إنّما يصحّ بهذا المعنى، لا بمعنى التخلّق والتحقّق لوجود واحد ثمّ هذا الوجود الواحد بعينه يستمرّ ويتقدّم ويبقى، فهذا المعنى للدوام خاطئ، هذا الاستمرار باطل، كلّ هذا الكلام خاطئ، ليس لدينا استمرار.
أنتم الآن ترون هذه الأشياء أمامكم ساكنة وترون هذه الحركات فلماذا؟ لأنّ كيفيّة التقاط الصور وانتقالها إلى الدماغ متطابقة مع حركات تلك الأشياء الخارجيّة، وإلا لو لم تتطابق أو أنّ ذلك الشيء الخارجي تباطأ أو تسارع عمّا تلتقطه العين ونقل إلى الذهن أكثر من ٢٤ حركة في الثانية [لما أمكنت رؤية الحركة] ونظائر ذلك كثيرة وأمثلة ذلك كثيرة، فما إن يشعر الدماغ أنّ هناك ظاهرة خارجيّة ويدركها ويفصلها عمّا قبل وما بعد، تأتي الظاهرة التالية وتأخذ مكانها ولا تتيح للذهن أن يفكّر في تلك الظاهرة والصورة الجديدة الواردة ويميّزها عمّا قبلها وما بعدها، فتأتي الظاهرة الثانية من جديد وتأخذ مكانها، فلأنّنا نحن نعيش في الآنيّات فإنّ الماضي قد مضى، والمستقبل ليس موجودًا، وما إن يريد الآن فقط أن يفصل عن المستقبل والماضي تأتي صورة جديدة، ولا تتاح له الفرصة، وإذا تمّكن إنسان أن يكون ذهنه أسرع من الذهن المعتاد وأن تكون عمليّات الانتقال من الشبكيّة إلى الدماغ أسرع من المعتاد فإنّه سيرى تلك الحركة الامتداديّة أو الدائريّة في آناتها المختلفة، وسيرى فاصلة بينها وبين الحركة التالية، ولن يراها شيئًا واحدًا متّصلاً، وقد شوهد ذلك من بعض الأفراد أحيانًا.
عدم رؤيتنا للخلق المتجدّد ليس دليلاً على عدمه
فإذن هذه الحركة الاستمراريّة ما هو سببها؟ ولماذا ترون الآن وحدة هنا؟ بسبب أنّكم لا يمكنكم أن تلاحظوا عمليّات الخلق المتواليّة والمتعاقبة، فهذا من عجزنا نحن، هذا من نقصنا نحن عن الوصول إليها لا أنّها غير موجودة، هي موجودة ولكن نحن لا نراها. نحن لا ندركها. كم هناك من الأمواج في هذا المكان الذي نحن فيه الآن جالسون؟ كم من الأمواج الصوتيّة والنوريّة؟ كم من الأمواج التلفزيونيّة؟ كم من أمواج الراديو؟ فهذه الأمواج المختلفة التي هنا الآن ليست قابلة لأن نراها، نحن لا يمكن أن نشاهدها، وعدم مشاهدتها هذه ليست دليلاً على عدمها، ذاك الجهاز هو الذي يجعلها أمواجًا مناسبة لخصوصيّاتنا الوجوديّة والماديّة ويبدّلها، فلا بدّ أن يكون هناك مبدّل ومحوّل ليبدّلها إلى ما يمكن أن تسمعه آذاننا ضمن نسبة خاصّة لا أكثر ولا أقل، هذا إن وجد، أمّا إن لم يوجد فماذا ستكون بالنسبة إلينا؟ لن نتمكّن من الوصول إليها. أمّا أن نقول: كلاّ يا عزيزي إنّ أذني لا تسمع شيئًا هنا فإذن لا يوجد شيء. فهذا خطأ. يضعون على الفور إلى جانبك جهاز راديو كبيرًا جدًّا ويشغّلونه ويقولون: انظر ماذا هناك! انظر أيّ أمواج هنا! ما هي الأشياء التي تحيط بنا ونحن عنها غافلون.
شعر مولانا جلال الدين الرومي في نطق الكائنات
ولذلك يقول مولانا:
نطق آب ونطق خاك ونطق گِل | *** | هست محسوس حواس اهل دل |
جمله ذرات عالم در نهان | *** | ... |
یقول: نطق الماء ونطق التراب ونطق الطين محسوس لحواسّ أهل القلوب
كلّ ذرّات العالم في الخفاء *** ...
في الخفاء لا في الظاهر، ولو كانت في الظاهر لأمكن لأيّ إنسان أن يلتفت، كلّ ذرّات العالم في الخفاء… ولكن عليك أن تفتح عينك الخفيّة، فإذا فتحت عينك الخفيّة أدركت أيّ شعور لدى هذه الأشياء وهذه الموجودات وأيّ إدراك لها، وأيّ مسائل تدرك وإلى أيّ شيء تلتفت هذه الموجودات، إنّها تلتفت حتّى إلى ما لا نلتفت إليه نحن:
جمله ذرات عالم در نهان | *** | با تو میگویند روزان و شبان |
ما سمیعیم و بصیریم و هُشیم | *** | با شما نامحرمان ما خامشیم |
يقول: كلّ ذرّات العالم في الخفاء تخاطبك في الليل والنهار
نحن أولو سمع وأبصار وعقول ومعكم أيّها الأجانب صامتون.
نحن مستمرّون في أعمالنا، ومعكم أيّها الأجانب الأباعد صامتون، وهنا أسرار…، هنا الكثير من الأمور، هنا أمور لا بدّ أن يصل إليها الإنسان بنفسه، وأن يلمسها بنفسه، وإلاّ فإنّ الحديث عنها مشكل واستماعها أكثر إشكالاً، ولوازمها أشدّ وأشدّ. لذلك فمن الأفضل للإنسان وطبق ما أوصى به الأعاظم والأئمّة والأولياء أن نقبل بها ونعلم أن سعة دائرة الوجود ليست محدودة بإدراكنا الناقص، ليست محدودة بإدراكنا الناقص.
كس ندانست كه منزلگه معشوق کجاست | *** | این قدر هست که بانگ جرسی می آید |
يقول: لا أحد يعلم أين هو منزل المعشوق كلّ ما نعلمه أنّ هناك صوتَ جرس يتناهى إلى أسماعنا.
لقد أشاروا إلى ذرّة وزاوية، ونحن لا نعلم إلا أنّ هناك شيئًا ما ولا بدّ من البحث عنه، وأنّ الذين جاؤوا وأخبرونا بذلك لم يقولوا عبثًا ولم يكن لهم متّسع من الوقت أيضًا، ولم يكونوا مدينين لأحد بالكلام، كلاّ بل كانوا مجبرين أن يتكلّموا أحيانًا بشيء لعلّه يسبّب حركة وأمرًا ما، ولكن هناك جماعة من الناس بلا علم ولا فهم جاهلون لا قدرة لهم إلا على الإنكار، فقط يقولون: لا لا! لا يمكن لا يمكن! فقط لا لا، لا يمكن. مهارتهم هي في الإنكار لا أكثر. فلو أراهم أحد شيئًا لبقوا هكذا متحيّرين لا يدرون ما يقولون.
إنكار المنكرين لمعجزات النبيّ وكرامات الأئمّة صلوات الله عليهم
ألم يقولوا ذلك في زمان النبيّ؟! لقد قالوا إنّ معجزة النبيّ سحر. شقَّ القمر نصفين وهم يقولون: عجيب! هذا سحر لم نره من قبل، غير مسبوق، لم يكن لدينا سحر هكذا يؤثّر حتّى في السماوات وفي الأجرام السماويّة!
ـ حسنًا يا عزيزي إن كان سحرًا هكذا لا يمكن لأحد أن يقوم به فلتسمّه أنت سحرًا، وأنا أسمّيه معجزة. فما الفرق؟ لقد صارا شيئًا واحدًا. أن يقوم النبيّ بعمل…، فلنسلّم أنّه سحر، ولو جاء أحد بذلك فإنّا نؤمن به! أفتريد أن تهرب من الحقيقة بتبديل الألفاظ؟! فلتقل من البداية، ولترح نفسك ولا تسبّب لنا المتاعب، امض إلى شأنك، إن كنت تبحث عن الحقّ فلا التواء في هذا الأمر الذي هو بهذا الوضوح والبيان.
ـ كلاّ إنّه سحر وليس معجزة، إنّه كذا و… .
ـ لا بأس هو سحر فائتنا بمثله. نحن مخلصون لك طائعون، فائت بمثله، ائتنا بساحر يشقّ القمر، ائتنا في النهاية، ساحر يشير إلى صورة أسد على الستار كما فعل الإمام الرضا فيجعله أسدًا مفترسًا ويلتقم ذلك المخادع بلقمتين وينهي أمره، ويسقط المأمون مغشيًّا عليه وهو ينظر إلى ذلك الأسد الذي يزن ثلاثمائة كيلوغرامًا، ثمّ يأتي الأسد إلى الإمام الرضا ويرفع رأسه أمامه ويقول له: هل أقضي على هذا أيضًا؟ فيقول له الإمام: لا، ذاك يكفي. فيشير إليه فيعود إلى ذلك الستار ويعود صورة.
والجميع يضحكون الآن من ذلك ويقولون: ما هذا الكلام هذا سخريّة، ولا ينسجم مع العقل. لقد رأيت بعينيّ بعض الأمور، رأيت بعض الأمور ولا داعي لذكرها، رأيتها من الأعاظم ومن الأصدقاء، فكيف بالأساتذة وأمثالهم، فقد رأيت من أصدقائي أمثال هذه الأمور، فهذه أمور لا تحتاج أن يفكّر فيها الإنسان ويعترض عليها، ويشكّ فيها، هذه لأصحاب المراحل الأولى، لأطفال هذه المدرسة، فهذا ما يقع في النهاية.
حقيقة بقاء الأشياء واستمرارها
كان الحديث عن المكان، فهذا الذي هنا الآن هو أمر اعتباريّ وليس حقيقيًّا، إنّه أمر انتزاعيّ. وقبل كلامنا عن هذا الأمر كنّا نتكلّم عن الاستمرار والبقاء، فلننهه ثمّ نرجع إلى موضوع كيفيّة انتزاع المكان والأمور المكانيّة وأمثال ذلك.
فهذا الشيء الذي ترونه الآن أمرًا مستمرًّا واحدًا هو عبارة عن استمرار وجودات مختلفة ومتفاوتة كلّ وجود منها يختلف عن الوجود الآخر، وكلّ ظهور يختلف عن الظهور الآخر، ولكن هناك حلقة جعلت هذه الوجودات متّصلة بعضها ببعض، وتلك الحلقة التي وصلت هذه الوجودات ببعضها هي عبارة عن استمرار ودوام تلك الصفات والأسماء الكليّة التي هي بمثابة خيط المسبحة الذي يربط الحبّات بعضها ببعض حتّى صرتم ترون هذه المسبحة مسبحة واحدة، إنّ فيها مائة حبّة، فلماذا لم تنتثر هذه الحبّات المائة؟! لأنّها قد عبر من وسطها خيط مانع من تشتّتها، ويسبّب انسجامها ولا يسمح لها بالتفرّق، وبمجرّد أن تقطع هذا الخيط بالمقصّ فجأة تجد أنّها وقعت وتناثرت هذه هنا وتلك هناك، وخسرت كلّ حبّة منها حيثيّتها الجمعيّة وتفرّقت وتفرّدت.
إنّ ارتباط كلّ واحدة بذلك المبدأ، هذا الارتباط بعينه هو الذي أدّى أن لا تروا أيّ انفصال بين هذا الظهور وظهور آخر، ليس هناك أيّ انفصال، أي ليس بين هذين الظهورين هنا عدم. ليس هناك بين هذين الظهورين انفصال، فهذا الظهور الذي تجلّى الآن من قبل حضرة الحقّ هو نفسه بوجوده يسبّب ظهورًا آخر، وذلك الظهور الآخر يولّد ظهورًا آخر، وذاك أيضًا وهكذا يستمرّ ذلك ويبقى على هيئة سلسلة. فالبقاء هو حيثيّة الانتساب، وهكذا أيضًا هو حدوث كلّ حادثة بالنسبة إلى الحادثة السابقة وبالنسبة إلى الحادثة التالية، ونحن نسمّي ذلك استدامة واستمرارًا، ولكن ما هو في الواقع؟ إنّه ترتّب الظواهر والحوادث المختلفة بعضها إلى جانب بعض، هذا معناها.
مثل ذلك النور الموجود هنا، في كلّ ثانية يختلف عنه في الثانية التالية، أليس مختلفًا؟ الدليل على ذلك أنّ مولّده يدور الآن، ودورته هذه تختلف عن دورته السابقة، كلّ دورة تختلف عن الدورة السابقة وعن الدورة التالية ومع كلّ دورة هناك نور خاصّ يظهر، ولولا تلك الدورة لما كان ذلك النور، لما كان ذلك التوالي والتردّد والأمواج المتناوبة التي لا بدّ أن تمضي وتأتي لكي تشاهد أنت هذه الفوتونات، فلو لم تكن تلك الحركة الدائريّة من المولّد لما كان هذا النور، ولو كان النور يوجد من تلك الحركة الأولى لبقي إلى يوم القيامة، فالمولّد يدور مرّة واحدة فيكوّن لك طاقة كهربائيّة في منزلك إلى الأبد ولا يكون عليك أن تدفع كلّ شهر ثمن ما تصرفه من الطاقة الكهربائيّة، ولما قال أحد: لقد سجّلوا عليّ الكثير من صرف الطاقة، ولما قال آخر: سجّلوا عليّ القليل، أو قال ثالث: سجّلوا عليّ عشرة أضعاف وأمثال ذلك، فهذا كلّه بسبب هذا التصوّر الخاطئ، فلا بدّ لهذا المولّد أن يتحرّك دائمًا ويدور، ولكن حيث إنّ هذه الحركة والدوران مستمرّان فإنّ الحوادث والمخلوقات المترتّبة على هذه الحركة هي مستمرّة أيضًا، والحقيقة أنّه ليس هناك أمر واحد فقط وهذا الأمر يولد ويمشي في طريقه، كلاّ ليس واقع الحال هكذا، بل هناك أمور متعدّدة وظواهر متعدّدة مستمرّة ومتوالية بموازات حركة المولّد تلك، فلو انقطع فجأة لن يكون لديكم مصباح، فلو أغلقت تلك الفتحة التي تصبّ الماء على المولّد المائي لن يكون لديك هنا طاقة كهربائيّة، ولو توقّفت فجأة حركة الهواء التي تحرّك المولّد الهوائي لن يكون لديكم نور هنا، على الفور لن يكون. لماذا؟ لأنّ الأصل توقّف عن العمل، ذلك المنشأ والجذر توقّف.
كيف ترجع بعض الأمور الاعتباريّة إلى حقائق ذاتيّة؟
والأمور الانتزاعيّة والأمور الحقيقيّة هي هكذا أيضًا، فعندما نقول نحن الآن إنّ محطّة التوليد هي الأصل وهي الرئيس وهي الأمّ فهذا كلّه صحيح، لماذا؟ لأنّ هذه المسألة مسألة ذاتيّة، حيثيّتها حيثيّة ذاتيّة. الحيثيّة التي هنا والتي هي وجود ذلك الأساس الذي يسبّب السلطة، وجود تلك الصفة التي هي أساس الهيمنة، وجود تلك الحقيقة والظاهرة التي هي أساس الرئاسة، هي موجودة في محطّة الإنتاج، إنّها ليست انتزاعيّة. فهل نحن نتصوّر في أنفسنا أنّنا نعطي تلك الصفة لهذه المحطّة أو لا نعطيها؟ سواء أعطيناها أم لم نعطها فإنّ لها تلك الصفة وليست بأيدينا. والدليل على ذلك أنّه إذا توقّفت فلن يكون هنا نور، لن يكون هنا طاقة كهربائيّة، لن تكون هنا حركة، وسيعرق الجميع، فهذا هو الدليل على ذلك. فإذن انتزاع هذه الرئاسة وانتزاع الأصالة وانتزاع علوّ المرتبة وانتزاع الرفعة على هذه المجموعة والانتساب إلى تلك المحطّة، هذا الانتزاع هو انتزاع واقعيّ، هذا الانتزاع ليس اعتباريًّا؛ لأنّه يرجع إلى الحيثيّة الذاتيّة لا إلى الحيثيّة المجازيّة والاعتباريّة. فهذا نوع من الانتزاع.
وهناك انتزاع آخر أيضًا هو انتزاع اعتباريّ، كأن يكون هناك عدد من الأفراد جالسين وليس لأحدهم فضيلة على أحد، وعلمهم واحد، ومعرفتهم واحدة، وهم في كلامهم متساوون، وإمكاناتهم واحدة، والخصوصيّات التي لديهم واحدة، فنقول: حسنًا لا بدّ لهذه الجماعة في ظرف معيّن أن تطيع واحدًا منها، فلنقم فيما بيننا بكتابة الأسماء ونختار واحدًا منها بالقرعة، فإذا سحبنا القرعة صار هذا رئيسًا، فهذه الرئاسة الحاصلة هنا ليس لها أيّ بعد ذاتيّ فهذا مثل ذاك، لا فرق بينهما أبدًا، لم يختاروه رئيسًا لأنّ علمه أكثر، فلو كان الأمر كذلك لرجع إلى الحيثيّة الذاتيّة، ولن يكون اعتباريًّا. لم يختاروه لأنّ عمره أكثر وهذا يجعل له تجربة أكثر ويكون أكثر نضجًا، وله تجربة في حلو الحياة ومرّها وهو أكثر خبرة، كلاّ لم ينظروا إلى أنّ لديه امتيازًا بواحد من الاستعدادات والإمكانات النفسيّة الأفضل، كأن يكون تحمّله أكثر، وفي حالات الشدّة لديه صبر أكثر، وهو أكثر تحمّلاً للكلام الذي يطرح طوال السفر، فهذه كلّها صفات للإنسان.
معايير الرئاسة والمرجعيّة في الإسلام
ذات يوم بعث رسول الله جماعة في سريّة لتفيذ مهمّة قتاليّة، فاختار واحدًا منهم ثمّ قال إذا استشهد فابحثوا عمّن له هذه الخصوصيّات بحيث يكون أفقه، ثمّ إذا حصل كذا… فإن كان هناك من يعلم آية من القرآن أكثر فأمّروه۱، فحتّى مسألة الرئاسة في الإسلام ليست على أساس الاعتبار يا عزيزي، بل على أساس الواقع. مسألة الحكومة على أساس الواقع، حيثيّة الحكومة وحيثيّة الولاية وحيثيّة الأمر وحيثيّة النهي وحيثيّة السلطة هي على أساس العقل لا على أساس المخترعات وكيفما اتّفق وبالقرعة وأمثالها. فهذا قانون الغاب لا قانون حضارة عقلائيّة واجتماعيّة تريد أن تسير بالمجتمع على أساس عقلائيّ وتبلغ باستعدادات الأفراد إلى كمالاتها، فماذا يفعلون في مجتمع كهذا؟ من هو الذي يجعلونه رئيسًا؟ ينظرون من هو أكثر علمًا، من هو أكثر علمًا.
قال النبيّ إن كان أحدهم يعرف آية من القرآن زيادة على غيره… فإلى هذا الحدّ أعملت العقلانيّة في الإسلام، لا يجرون قرعة هكذا، بل لا بدّ لكي تجعلوا واحدًا ما رئيسًا أن تنظروا في خصوصيّاته ماذا تقتضي؟ الخصوصيّات التي يمكنه بواسطتها أن يدير هذه الجماعة، وأن يدبّر هذه الأذواق المختلفة، وأن يدير هذه الأمور وهذه النقائص، فمن الذي يمكنه أن يفعل ذلك؟ لا بدّ أن يكون أكثر اطّلاعًا، وأكثر علمًا، وأكثر تجربة، فلا بدّ من الإتيان بهكذا رجل وجعله رئيسًا. وطبعًا لا بدّ من رعاية الجوانب المختلفة هنا، لا بدّ من ملاحظة كونه أكثر بصيرة في مسألة الحكومة وفي مسائل الدنيا والخصوصيّات والأمور الاجتماعيّة، ولا بدّ أن يكون الأوّل من حيث الاطّلاع والعلم بالمسائل الشرعيّة والمباني الشرعيّة والمعتقدات الشرعيّة، ولا بدّ أن يكون الأكثر اطّلاعًا وخبرة في مسائل الدنيا وما يجري فيها، وكذلك بالنسبة إلى مسائل النفس والأمور الروحيّة، وإن شاء الله سنوضّح ذلك مفصّلاً في كتاب الاجتهاد والتقليد للمرحوم العلاّمة رضوان الله عليه، وسأبيّن هناك أنّ مسألة التقليد مسألة عقلانيّة وحجيّة التقليد ومشروعيّته ليست حجيّة ومشروعيّة عاميّة، بل مسألة عقلانيّة٢، فعلى أساس المبادئ والقواعد العقليّة تتبلور مسألة التقليد وتتّخذ لنفسها مشروعيّة، وليست بأن تخرج من بيتك فترى لائحة على مكتب فتدخل وتقول أعطني رسالة ثمّ تخرج، ليس التقليد هكذا. عليك أن تقوم وتبحث وتبذل الوقت وتشمّر عن ساعد الهمّة وتسافر وتتعامل مع مختلف الناس، وتتحدّث مع العلماء والأعاظم في هذا المجال، لا يومًا ويومين وعشرة أيّام وشهرًا، بل ولو بلغت سنوات فلا بدّ أن تتكلّم في الأمر وتحقّق، فإذا وصلت إلى اطمئنان قلبيّ وسكينة نفس حينها تسلّم زمام الأمور. فما معنى ذلك؟ معناه أنّك تسلّم أمر دينك وعرضك ودنياك وآخرتك لإنسان ما، وليس الأمر هكذا كيفما اتّفق! يا فلان تحدّث عن هذا، فإذا مات، فتحدّث عن ذاك وروّج له… أهكذا هو الأمر هكذا؟!
التقليد يعني تسليم زمام أمور الدين والدنيا لإنسان. فمن يعطي رأيًا إذا ما جاءه اثنان وتكلّما معه، ثمّ قبيل الظهر إذا جاء اثنان آخران يبدّل رأيه، كيف تسلّمه زمام دينك ودنياك؟ هذا الذي يبدّل رأيه بكلام اثنين كيف يمكننا أن نجعل سعادتنا أسيرة لأفكاره ونظراته وتصوّراته؟ هؤلاء الذي يميلون مع كلّ ريح ويتبدّل لونهم حسب المجالس ويقدّمون كلمات وتعابير وأحكامًا مختلفة حسب المصالح، كيف يمكن أن نسلّمهم أزمّة أمورنا؟
وقد ذكرت لكم أنّي كنت ذات يوم في محضر العلاّمة الطباطبائي فجاء رجل وأراد أن يسأله عن التقليد فقال له: عليك أن تقوم بهذه الأعمال. وكان قد جاء هو من طهران فقال: سيّدنا هذا يحتاج إلى سنتين! فقال له: هل يستحقّ الأمر ذلك أم لا؟! هل يستحقّ الأمر أن تبذل سنتين من عمرك وتبحث عمّن يجب أن تقلّده؟
اليوم ماذا نفعل نحن؟ نخرج ونسأل كم واحدًا؟ عشرون ثلاثون أربعون خمسون فكلّ من كان لديه أكثر نقصده ونقلّده، أهذا تقليد؟! طبعًا هذا نوع من التقليد في النهاية، هذا نوع! فماذا يقول الإنسان واقعًا؟! ماذا يقول الإنسان عمّا يراه ويسمعه؟! إن شاء الله تصلح الأمور. وعلى كلّ الحال الطريق مفتوح والمسير معروف وقد أوضِحتِ الحقائق، ومن أراد أن يسلك طريق رضا الله فإنّ الله يفتح له بابًا، وأمّا الآخرون فما أرادوا أن يفعلوه فليفعلوه.
فإذن كلّ ما في هذه الدنيا يرتكز إلى حقيقة، ففي مسألة الانتزاع والأمر الانتزاعيّ هناك رجحان لمعيار الانتزاع، وهناك أولويّة، وبواسطة تلك الأولويّة يتحقّق ذلك الانتزاع. يريد رسول الله أن يرسل جماعة إلى معركة فمن الطبيعيّ أن يواجهوا مسائل، واختلافًا في الأذواق، ألا يحدث ذلك بيننا؟! فواحد يقول: لنسلك هذا الطريق، وآخر يقول: لنمش الآن، وآخر يقول: الطقس حارّ. فكلّ إنسان يتكلّم بطريقة، فلا بدّ في النهاية أن يكون هناك واحد في البين ينهي النزاع. فمن هو الذي يقوم بذلك؟ فلو كنّا نحن لقلنا: من كان أكثر علمًا، وأكثر تجربة، ومن كان أكثر معرفة بالمنطقة، فنحن نلاحظ هذه الأمور في النهاية، من كان أكثر تحمّلاً. وأنتم تلاحظون هذا الأمر العقلائيّ والرجحان الخارجيّ وتلك الحيثيّة التي بواسطتها تقومون بجعل عنوان انتزاعيّ في مسألة الترجيح في الروايات المتعارضة في مضامينها، هذه الروايات الموجودة فأحيانًا تجد اختلافًا فيما ينقل عن الإمام، فانظر تجد أنّ الإمام هل تكلّم بغير المبادئ والقواعد العقلائيّة؟ انظر إلى أعلمهما، انظر إلى أصدقهما، انظر إلى أحفظهما وأضبطهما فالضبط يعني الحفظ۱، فهناك أناس جيّدون ولكن لا يمتلكون حافظة جيّدة فينقلون الكلام خلاف ما هو عليه، ينقلونه مخالفًا تمامًا! حسنًا فهذا النقل المخالف لما هو عليه الكلام لا إشكال فيه، ولكن عندما يكون الأمر مرتبطًا بالحكم وتكاليف الناس فإنّه يؤدّي إلى فاجعة.
لقد كنت بنفسي ذات يوم عند المرحوم العلاّمة وكان هناك آخرون أيضًا، فطرح أمرًا وقال كلامًا وأنّه تعاملوا مع الناس بهذا النحو. ثمّ خرجنا، وبعد أسبوعين سمعت كلامًا ينسب إليه أيضًا، فذهبت إلى ذلك الرجل الذي نقل هذا الكلام فقلت له: أنت قلت هذا؟ قال: نعم. فقلت: ممّن سمعته؟
فقال: كنّا جالسين فتكلّم العلاّمة بهكذا كلام.
فقلت: لقد كنت أنا حاضرًا أيضًا، فمتى تكلّم بكلام كهذا؟
قال: لا.
قلت: بما أنّ حافظتك ضعيفة فلماذا لا تجعل في جيبك ورقة وقلمًا بحيث تكتب في المجلس نفسه حتّى لا يحدث هذا؟
فقال: لا ليس الأمر هكذا.
قلت: هيّا لنذهب إلى العلاّمة لنرى ما حقيقة الأمر. فذهبنا وقال: لا! هذا ما قاله هو.
فانظروا يكون الإنسان جالسًا في غرفة فيقول إنسان ما كلامًا فيفهمه وهو في المجلس على نحو مغاير، فلا تسمح له ذاكرته أن يحفظه، يفهمه بشكل آخر، فالناس مختلفون والدواعي مختلفة، لذلك يقول الإمام الصادق عليه السلام إن كان هناك اثنان وكلاهما عالمان وكلاهما جيّدان ويمكن للإنسان أن يثق بهما ولكن عندما يكون هناك تعارض وتضادّ فماذا نفعل؟ فالإمام الصادق ليس موجودًا، فإمّا أن نعمل بكلام هذا أو بكلام ذاك، إمّا أن تعمل بكلامي أو بكلام ذلك الرجل الذي كان جالسًا في الغرفة ففي النهاية لا بدّ من العمل بواحد من هذين الكلامين أم لا؟! لا يمكن للإنسان أن يتركهما معًا، فماذا عليه أن يفعل هنا؟ يقولون: انظر إلى من كانت حافظته أقوى. فهذا هو المعيار العقلاني. والإمام الصادق عليه السلام قال ذلك أيضًا، انظر إلى أضبطهما وأفقههما، فهذا إضافة إلى العلم والحافظة لديه حدّة بحيث يفهم هل هذا الخبر من الإمام أم لا؟ وطبعًا يمكننا أن نجعل ذلك تحت عنوان العلم، ولكن إذا فسّرنا العلم بالمحفوظات والمعلومات وأمثال ذلك فيمكن أن يكون هناك فارق بينه وبين العلم.
أن يكون أكثر ارتباطًا بالإمام، لديه اطّلاع على دقائق الأمور، فاذهب إليه، فإذا ذهبت إليه تجد أنّه يقول: لا، هذا الكلام لا ينسجم مع الإمام الصادق، هذه العبارة لا تتلاءم مع كلمات الإمام، فيعلم أنّ كلام ذاك هو الصحيح. فهذه موازين بيّنها لنا الأئمّة أنفسهم، فانظروا أساس الدين هو الرجحان لا تساوي الطرفين.
فإذا كان منشأ الانتزاع واحدًا لدى الجميع فلن يكون هناك رجحان، والويل عندما يكون منشأ الانتزاع مرجوحًا، فماذا يعني ذلك؟ يعني أن يكون هناك عدد من الناس منهم عليّ المرتضى، ومنهم عبد الرحمن بن عوف، ومنهم أبو بكر، ومنهم عمر، ومنهم هذا وهذا، ثمّ نأتي ونقول إنّ الخليفة هو أبو بكر، واويلاه وايلاه فما هذا؟!
فهنا انتزعنا الرئاسة وانتزعنا الخلافة، فالخلافة صفة في النهاية، فما هو منشأ انتزاعها؟ أي ماذا رأينا في مقابل هذه الخلافة حتّى اعتبرناها وانتزعناها ونسبناها إلى أبي بكر أو عمر أو عثمان؟ ماذا كان لديهم ممّا ليس لدى عليّ؟ ماذا كان لديهم؟ أيّة صفة؟ علمهم؟ ما شاء الله ما شاء الله! كانوا إذا نظروا إلى أصابعهم الخمسة قالوا إنّها ستّة! هذا علمهم.
يهوديّ يسأل الخليفة: أين الله؟
جاء رجل فرأى هذا جالسًا على المنبر، وكان يهوديًّا، فقال أسألك سؤالاً، من هو خليفة رسول الله؟ فقالوا: تفضّل هذا الطويل الهامة جالس على المنبر يعظ وينصح. فقال: حسنًا. فهو لا يعلم الغيب، لا يعلم الغيب لا بدّ أن يسأل لا يمكنه أن يجري قرعة لعرف ما إن كان عليه أن يسلم أو لا، فالإسلام ليس بالقرعة، وليس بالتغاضي ثمّ انتخاب أيّ إنسان. فقد كان لديه شيء من العقل، عندما يريد أن يتّبع أحدًا يستعمل عقله. الحمد لله في هذا الزمان لا يوجد عقل أصلاً، هو إذ يريد أن يقوم بذلك يقول: ماذا عليّ أن أصنع؟ لا بدّ أن أسأل. فخليفة رسول الله هو يجلس في مكان رسول الله، هذا السؤال لو سألته للنبيّ لكان يجيب، والآن خليفته أيضًا لا بدّ أن يجيب، هذا أمر عقلانيّ ومنطقيّ في النهاية. فعندما يفتح طبيب ما عيادة فإذا أراد أن يسافر هل يضع مكانه بائع شمندر ليفحص نبض القلب ودقّاته عبر الجهاز؟ فهذا بدلاً من يجعل الجهاز على القلب يجعله في مكان آخر! وإذا أراد رئيس المستشفى أن يسافر شهرًا إلى مكان ما فمن يجعل مكانه؟! هل يجعل الحارس الذي على أوّل الزقاق؟ أم أنّه يجعل إنسانًا مثله؟ من حيث المعلومات، من حيث القدرة على العلاج، من حيث التوجّه ومن حيث البيان، فهذه كلّها أسس للترجيح وهي صحيحة أيضًا، صحيحة، فلا بدّ من جعل صاحب هذه الصفات.
والآن رسول الله يريد أن يفارق الدنيا فهل يستخلف من لا يفرّق بين يومي السبت والأحد؟ هل هذا صحيح؟! اثنان زائد اثنين يساوي اثنا عشر؟! ثمّ يصبح ذلك الرجل خليفة رسول الله، فانظروا واقعًا ماذا جرى على الإسلام وماذا يجري؟ لم يختلف الأمر أبدًا. صدّقوا! أقسم بذات الله المقدّسة إنّه ليس بين عقولنا وعقول من كان قبل ۱٤۰۰ سنة أيّ فارق ولو مثقالاً واحدًا، هي بنفسها بنفسها لم تُمسّ لقد أعطيت إلى ما بعد ۱٤۰۰ سنة كما هي دون أن تمسّ! ودون أن تفتح ودون أن يتدخّل بها، أليس كذلك؟! ألا ترون؟! هذا موجود في النهاية. فجاء ذلك الرجل فقالوا له: تفضّل واسأل. فقال: أأنت خليفة رسول الله؟!
قال: لقد اختاروني في النهاية، وأنا من باب الضرورة شعرت بالمسؤوليّة ويبدو أنّ هؤلاء أيضًا كانوا يتقنون هذا الكلام. فرأيت أنّ خلافة رسول الله ستبقى هكذا وليس هناك من يقوم بها، لم يكن لي بدّ، لأجل حفظ النظام، لأجل حفظ الإسلام، من أن أقبل. آه آه آه أيّها الكاذب! آه آه لقد مضى النبيّ فلو لم تقبل أنت بالخلافة فهل كان الإسلام سيبقى هكذا؟ كيف يجرؤون على هذا الكلام؟! عجيب جدًّا! لقد رأينا أنّ الناس التفّوا حولنا ولو لم نقبل لبقي هذه المسؤوليّة على الأرض دون أحد يحملها، فقبلنا بخلافة رسول الله. وحينها يبقى جليس داره. حسنًا لقد اقتنعنا بهذا الكلام فأجبنا على سؤالنا. أخبرني أين الله؟
لم يكن يعرف من القرآن سوى آية واحدة: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}.۱ فقال: الله في الأعلى.
فقال: فإذن ليس في الأرض إله؟!
فتعجّب ووجد أنّه لم يكن قد فكّر بذلك حتّى هذه اللحظة. لم يكن قد قرأ هذه الآية الأخرى: {وَهُوَ ٱلَّذِى فِى ٱلسَّمَآءِ إِلَٰهٌ وَفِى ٱلْأَرْضِ إِلَٰهٌ}٢ كان ينبغي أن تقرأ هذه الآية أيضًا على الأقلّ، لقد قرأ آية {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ولم يقرأ سائر الآيات. فقال له: فإذن الأرض لا إله فيها. فرأى أنّه أحرج فقال: اضربوه، لقد جاء ليلقي بينكم الشكوك. فضربوا ذلك المسكين، ولم يقم أحد ليقول له: أيّها الأحمق لقد جاء ليسألك فأجبه. فهل تدركون؟ هل وصلتم إلى الفكرة أم لا؟ وهل فهمتم الآن أنّ هناك دائمًا حمقى بما يكفي؟! ما شاء الله ما شاء الله بالمقدار الذي تريدونه. الشيء الذي قلّله الله هو العقل وإلا فهناك من الحيوانات إلى ما شاء الله، فهناك حيوانات تمشي على أربع أرجل، وهناك حيوانات تمشي على رجلين، عجيب حيوان ولكن له رجلان اثنان فقط، وعدد هؤلاء كثير جدًّا.
إنّه يسألك سؤالاً، اثنان زائد اثنين كم تساوي؟ لم يرفع عليك عصا ولا سبّك ولا أشعل النار في مسجدك، لم يفعل شيئًا من ذلك! جاء بهدوء وجلس:
ـ هل هذا هو خليفة رسول الله؟
ـ نعم.
ـ لديّ سؤال. هذا الله أين هو؟ هل هذا الكلام يحتاج إلى ضرب؟ هل يحتاج إلى شتم؟ هل يحتاج إلى عقاب؟ أفهل فهمتم بأيدي من وقع الإسلام؟ بأيدي أيّ نوع من الناس؟! يجعلون أمير المؤمنين جليس داره ثمّ يواجهون مشكلة في هذه الأمور، يتحيّرون هنا. حسنًا فلماذا جعلتم عليًّا جليس الدار؟! لماذا فعلتم ذلك وصرتم الآن عاجزين عن جواب بسيط بسيط بسيط، لقد جاء اليهوديّ إلى هنا يريد أن يُسلم أيّها الشقيّ، جاء يقول: أنا لست مفسدًا ولا شيئًا من هذا القبيل، أريد أن أكون مسلمًا، فأجيبوني كي أرجع إلى قبيلتي ومدينتي ودياري.
ـ اضربوه، إنّه يتآمر على النظام الإسلاميّ، إنّه يسبّب تشويش الأفكار، علينا أن لا نفسح الطريق لهؤلاء الأفراد. وأهل الضجيج والفوضى موجودون في النهاية، هناك أناس يريدون أن لا يضيع هذا الخليفة! فيثيرون الغوغاء ويقولون نعم لا بدّ من ضربه وإخراجه، لقد أخطأنا إذ سمحنا له أن يدخل المدينة، إنّه يؤدّي إلى الاختلاف في صفوف المسلمين. فضربوه وتلقّى ضربات قاسية ومضى وشأنه! وقصّته موجودة. وكان هناك سلمان أو أبو ذر فالتقى به على ما يبدو، ورأى أنّه تلقّى ضربات من رأسه إلى أخمص قدميه، وقد طأطأ رأسه يفكّر: لأيّ شيء جئت ثمّ ماذا حصل لي؟! لقد جئت أبحث عن الحقّ، ولكن أشرفت على الموت! نعم أهذه هي علامة البحث عن الحقّ؟ أهذه نتيجة البحث عن الحقّ؟! أهكذا؟!
فقال له [سلمان أو أبو ذر]: ماذا جرى؟ اصبر سأعود إليك. فمضى إلى أمير المؤمنين فقال: لقد أذلّ الإسلام. فقال له: لقد أذلّ من البداية. فجاء أمير المؤمنين، ومن المعلوم كيف انتهت الأمور وأسلم وتشهّد وقال: أشهد أنّك خليفة رسول الله وصرّح بذلك. فقال: تلقّ الآن تلقّ! من الذي ضربني؟ هل تجرأون الآن على القيام أمام عليّ؟ أشهد أنّك خليفة رسول الله، أنت خليفة النبيّ لا ذاك الذي على المنبر بلحيته الطويلة وعمامته الكبيرة يتحرّك هكذا ببطء! فالإنسان لا يصبح خليفة رسول الله بتكبير العمامة، ولا يصبح خليفة رسول الله بتطويل اللحية، ولا يصبح خليفة رسول الله بنشر حاملي العصيّ حول المنبر وتحته. فالمسألة ليست بهذه الأمور، الخليفة خليفة بأمور أخرى.۱
فهذا ترجيح للمرجوح، أن تقدّم المرجوح على الراجح، وهذا الانتزاع والاعتبار هما انتزاع واعتبار باطلان. لذلك فإنّ ابن أبي الحديد يقول وهو مخطئ إذ يقول ذلك: الحمد لله الذي فضّل المفضول على الفاضل! فهذا لا يستحقّ الحمد، الحمد لله الذي فضّل المفضول الذي هو أبو بكر على الفاضل، يخطئ الله لو فعل ذلك، فلماذا تلصق أخطاء الآخرين بالله يا جناب ابن أبي الحديد؟! أتنسب الأعمال الباطلة التي ارتكبها الآخرون إلى الله؟! الحمد لله الذي فضّل المفضول على الفاضل! كلاّ بل الله دائمًا يريد أن يتقدّم الفاضل على المفضول ويرجح عليه وتكون له الأولويّة عليه. فهذا الكلام خاطئ.
تشيّع مولانا جلال الدين الروميّ بسبب عدّه خلافة الخلفاء سوء القضاء
ولمولانا هنا كلام رفيع، فلا بدّ أن يكون هناك فارق بين مولانا وابن أبي الحديد، لا بدّ من فارق في النهاية، فمولانا يقول ذلك ولكن بعبارة عرفانيّة رفيعة! عبارة عجيبة جدًّا يقول فيها:
باز گو ای بازِ عرش خوش لقا | *** | ای پس از سوء القضا حسن القضا |
يقول: زد بيانًا يا بازيّ العرش جميل اللقاء يا من هو بعد سوء القضا حُسن القضا
ما شاء الله ثمّ بعد ذلك يقولون إنّه سنّي، مولانا سنّي! يقول: يا من هو قضاء الله، ففي البداية كان هناك قضاء سوء، ولا يقول إنّ الله اختاره، كان قضاء، كان تقديرًا ومشيئة، وهذا التقدير والمشيئة كان تقدير سوء بواسطة الميول النفسيّة والاختيار الشيطانيّ، لا أنّ الله يريد أن يفعل ذلك. كان التقدير في أن تأتي هذه الخلافة بعد رسول الله، فجاء أمر تلك الخلافة، لأنّهم لم يريدوا أن يقبلوا بأمير المؤمنين الذي هو الحقّ المطلق ومطلق الحقّ، لم يقبلوا بصاحب سرّ كهذا، فقال الله: حسنًا بما أنّكم لا تريدون، فإنّي أختار لكم هذا، ففي النهاية لا بدّ أن يكون أحد فوق رؤوسكم، لا بدّ أن يكون لكم وال، فإن لم تريدوا عليًّا فتفضّلوا هذا. فهذا هو سوء القضاء: ای پس از سوء القضا حسن القضا. يا من هو بعد سوء القضاء حسن القضاء. فعندما ذهبت القضاءات السيّئة، فمضى الأوّل ومضى الثاني ومضى الثالث جاء دور حسن القضاء، وما يريده الله يكون، من كان يجب أن يكون أوّلاً، من غصب حقّه، من جعل جليس الدار، جاء الآن. حسنًا أليس هذا تصريحًا ببطلان الخلفاء الثلاثة؟! إن لم يكن تصريحًا بذلك فما هو؟! إن لم يكن فما هو؟ وهل من يقول إنّ خلافة الخلفاء الثلاثة هي سوء القضاء يكون سنيًّا؟! فلو كان الأمر هكذا فأنت أكثر تسنّنًا من كلّ سنيّ، فأنت تُرى وتُسمع منك مسائل كثيرة.
فهذا هو معنى الأمر الاعتباريّ، إنّه اعتبار ولكنّه اعتبار باطل، اعتبار باطل.
وهناك أيضًا اعتبار للمتساوين، وهنا أيضًا نقول إنّنا مضطرّون، فالجميع متساوون، ولا بدّ من اعتبار واحد منهم، والأمر الواقعي الذي ينتزع منه متساو بين الجميع. أمّا ذاك الاعتبار فهو باطل ولا شكّ فيه، تجعل رجلاً ما خليفة هكذا.
لذلك فإنّ الأمور ومسألة الحكومة والآمريّة والخلافة في الإسلام لها حيثيّة عقلانيّة. فلو جعلت هذه المعايير بعضها إلى جانب بعض فلا يتمكّن العقل من الحكم بغيرها، سواء كان العقل عقل من يعتقد بالبهائيّة أو عقل إنسان مسلم، العقول لا الأمور النفسيّة وأمثالها، فهذه لا شأن لنا بها. عقولهم فطرتهم ضميرهم. فلو كان الأمر على أساس العقل فماذا كان ينبغي أن يحصل؟ حتّى ذاك الرجل يقول: كلاّ، فلو فرضنا أنّه بعد زمان النبيّ كان هناك رجل بهائيّ وخيّر بين أمير المؤمنين والخلفاء وسائر الناس وسئل: من يكون خليفة؟ هل كان سيقول: أبو بكر أم علي؟ كان سيقول عليّ. كان سيرى. ولو جاء بيهوديّ بعد النبيّ بحيث يحكم وجدانه وفطرته وعقله لا الأمور النفسيّة، هل كان أبو بكر أكثر نفعًا له أم عليّ؟ كلاّ! دعنا من المسائل الخلافيّة ولا نريد أن نبحث حولها، لو أنّه حكّم فطرته وحكّم عقله وكان يهوديًّا فمن هو الذي يجب أن يكون خليفة رسول الله؟ عليّ أم غير عليّ؟!
حوار بين المحاضر وبعض أهل السنّة في المسجد الحرام
وهذا الكلام بعينه قلته بنفسي لأهل السنّة، لقد قلته مرارًا ومرارًا أثناء الحوارات التي كانت لي معهم، وقد طالت ذات ليلة لساعتين ونصف في المسجد الحرام، فقلت لهم: أطرح عليكم سؤالاً، وقد ذكرت ذلك لكم أيّها الرفقاء، كنّا جالسين إلى جانب الكعبة، وكانوا عشرة أو اثنا عشر رجلاً، وكان بينهم عدد من أفراد الشرطة السعوديّة، حيث جاء هؤلاء وجلسوا، وكان ينصتون بشكل جيّد، كانوا يستمعون جيّدًا، لم يكونوا يتكلّمون، ولكن كان يستمعون جيّدًا. فقلت: لديّ سؤال ولم يعد لديّ وقت وعليّ أن أغادر، افرضوا أنّنا جميعًا نخرج الآن من الإسلام ونصبح مسيحيّين، وبدلاً من أن يأتي رجل مسيحيّ فلنخرج نحن من الإسلام، فأنا أترك تشيّعي، وأنتم تتركون تسنّنكم، نترك الإسلام ونصبح مسيحيّين. والآن أدركنا واطّلعنا وبحثنا وحقّقنا ورأينا أنّ الإسلام أفضل وأغنى دين نزل حتّى الآن، ونريد أن ننتحل هذه النحلة، فننظر فنجد أنّ فيه جماعات مختلفة، جماعة هي الشيعة، وجماعة هي السنّة، والسنّة أربع فئات والشيعة بضع فئات، وهكذا هناك أفراد مختلفون ونحل ومذاهب مختلفة. فقلت لهم: ماذا نصنع؟ أنا أسألكم سؤالاً: أليس علينا أن نحقّق ونرى، حسنًا فالنبيّ صحيح، لقد جاء النبيّ بالإسلام ونحن آمنّا وصرنا مسلمين، حسنًا فمن بين هذه الجماعات المختلفة والفرق المتفرّقة الموجودة هنا بأيّها نعتقد نحن؟ بأيّها نلتزم؟ هل نتّبع أمير المؤمنين أم أبا بكر؟ وهكذا سائر الأمور. هل هناك طريق سوى أن نقصد الكتب وننظر إلى التاريخ ونقرأ ونعرف خصوصيّات الأفراد، هؤلاء الأفراد الذين تنتسب إليهم هذه الفرق، الشيعة الى عليّ وأهل السنّة إلى أبي بكر وعمر وأمثالهما، هل هناك طريق غير رؤية منشأ الانتزاع الذي من أجله يفتخر الجميع بالاتّصال به، فأهل السنّة يفتخرون بأبي بكر بأنّنا متّصلون به لا بعليّ، فلو كانوا مرتبطين بعليّ لما اتّبعوا أبا بكر. ونحن نفتخر بأنّ الممسك بزمام أمورنا ورئيسنا ومولانا وإمامنا وخليفة رسول الله هو عليّ، فهم لا يقولون هذا، هم يفتخرون بأبي بكر. حسنًا نحن نقبل بذلك، فنذهب إلى الكتب وننظر إلى التاريخ، وننظر في أحوال هؤلاء، فإذا نظرنا إلى أحوالهم فهل علينا من ناحية عقليّة أن نقبل بأنّ من كان خليفة لرسول الله كان مستحقًّا لذلك أم لم يكن مستحقًّا؟ فطأطأ الجميع رؤوسهم ولم يتكلّموا، لم يرتفع صوت أيّ واحد منهم .
فقلت: أجيبوني! نحقّق من كتب أهل السنّة لا من كتب الشيعة، فهذه ميزة لكم، من كتبكم، والآن مكتبتكم موجودة، والصحاح موجودة وسنن الدارميّ موجود وسنن مسلم موجود، وسنن أبي داوود موجود، وكتب التاريخ موجودة، وسيرة الحلبي وهذه الكتب التي كتبت حول الخلفاء وخصوصيّاتهم، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد أحد عشر أو اثنا عشر جزءًا في شرح نهج البلاغة، فننظر ماذا قالوا حول أبي بكر وماذا قالوا حول عليّ، فهذا عالم كبير سنّي منكم، قلت: فماذا ستكون نتيجة هذا البحث؟ طأطأوا رؤوسهم. ثمّ قلت: انظروا هذه الكعبة هنا وقد أتممت لكم الأمر وأتممت عليكم الحجّة ولم أبق لكم شيئًا، فأنتم أنفسكم أخبر، أنتم وأنفسكم، فأنا لم أدخل من باب التشيّع كي تقولوا: رافضيّ! بل دخلت من باب أنّي رجل مسيحيّ أتكلّم معكم، فنحن كنّا مسيحيّين أصلاً، نحن مسيحيّون والآن نريد أن نسلم، ثمّ نختار أحد المذهبين. ثمّ قلت لهم: أستودعكم الله، وليس لديّ كلام بعد هذا. ولم يجبني منهم أحد.
فقد صار معلومًا إذن أنّ دين جميع الناس على أساس الهوى، الجميع على أساس الهوى، على أساس التصوّرات، على أساس التخيّلات، على أساس مشاعر الحبّ والبغض، على أساس المنافع، فهذا يقبض من ذاك راتبًا فيلطم لأجله على صدره، وذاك يتقاضى راتبًا من ذاك فيلطم لأجله على صدره، هكذا هي الحال! وإلا لو كان الإنسان يطوي طريق العقل وطريق المنطق لما كان له بدّ من أن يسلك طريق أولياء الله وطريق العقل، لذلك قالوا: إنّ طريق العرفاء وحده هو طريق العقل. لأجل هذا، لأنّ طريق العرفان هو الطريق الوحيد الذي يحافظ على الحريّة والتحرّر والصراحة و الصدق والصفاء في أعلى درجاتها. الجميع يقولون: تعال إلى هنا وتعال إلى هناك وطأطئ رأسك ولا تنظر إلى الأعلى، فقط هذا! فقط، سر نحو اليسار ولو اصطدم رأسك، سر نحو اليمين ولو ضرب دماغك، العرفان هو الوحيد الذي يقول: اجعل الله وحده معيارك لا سواه، عليك أن لا تجعل غيره معيارًا، وحتّى الأئمّة هم واسطة أيضًا، والأئمّة فقط لأنّهم متّصلون بذلك الجانب.
اعتبار الإمامة في صاحب الزمان اعتبار صحيح وله منشأ ذاتيّ
لذلك نرى هنا أنّ الاعتقاد بولاية الإمام المعصوم هو اعتقاد بالاعتبار الصحيح، وأنّ الحيثيّة حيثيّة ذاتيّة، لماذا نحن نقول إنّ إمام العصر هو إمامنا؟ لماذا؟ رغم هذا العلم الذي لدينا حسب زعمنا؟ لماذا؟ لماذا نقول إنّه هو وليّنا؟ لماذا نقول إنّه ناظر على أحوالنا؟! لماذا؟ لأنّ تلك الحيثيّة التي لا بدّ أن تكون مرجّحة وتلك الصفة التي تلاحظ حين الانتزاع موجودة في إمام العصر. فمن حيث العلم، ومع غضّ النظر عن كون علمه علمًا ولائيًّا وعلمه علمًا شهوديًّا وأمثال ذلك، فلا شأن لنا بهذا الكلام، ولنتحدّث فقط عن هذا العلم الظاهريّ والاكتسابيّ، وأمّا البحث في تلك الجوانب فهو مختلف. فمن حيث العلم اعتقادنا هو أنّ إمام العصر أرواحنا فداه أعلم الناس في الأرض، أعلم الناس، أبصر الناس في الأرض.
ثمّ لنذهب إلى الجوانب الأخرى، علمه بالغيب، هيمنته ولايته أشرافه على ما كان وما يكون، كونه واسطة في الفيض، فهذه أمور لا يمكن أن تقع في خيالنا، فلننظر إلى أمور الظاهر وحيثيّات الظاهر ونرى إن كان لا بدّ أن يكون هناك إمام فمن هو؟ لا بدّ أن يكون إمام العصر عجّل الله فرجه فقط. إنّ اعتبار الإمامة على نحو الحقيقة لا البطلان والاعتبار الباطل منحصر في ذات إمام العصر عجّل الله فرجه. فهذا هو الاعتبار الحقّ والاعتبار الصادق الذي يكون منشؤه حيثيّة ذاتيّة، لا شيئًا اعتباريًّا هو حيثيّة ذاتيّة.
فلماذا هو إمام؟ لأنّ له ولاية علينا. لماذا هو إمام؟ لأنّ له إشرافًا علينا. لماذا هو إمام؟ لأنّه مطّلع على ما سبق وما يكون وأمثال ذلك. لماذا هو إمام؟ لأنّه الأكثر إشرافًا على مصلحة الإنسان. ولا بدّ أن يكون إمامًا، فهذه هي الحقيقة. فمعنى الإمام هو هذا، فإذن انتزاع عنوان الإمامة وانتزاع عنوان الخلافة وانتزاع عنوان الحكومة لا يليق إلا بهذه الذات المقدّسة دون سواها، ففيها يمكننا العثور على هذه الحيثيّة بالحق وبالصدق وبالواقع، هذا هو هذا هو. وهو يصبح مثل الله، لأنّ الحيثيّة واقعيّة وذاتيّة، وطبعًا الموضوع أرفع بكثير من هذا الكلام، وقد حاولت أن أجعله بمستوى بسيط وواضح، وطرحته بشكل بسيط جدًّا وإلا فالأمر أرفع من هذه الكلام، فقضيّة إمام الزمان أرفع بكثير من ذلك.
فهذه الحيثيّة هي الحيثيّة الواقعيّة والحيثيّة الذاتيّة. وما دام الأمر كذلك وما دامت هذه الأمور الاعتباريّة أنواعًا بعضها انتزاع صحيح وبعضها انتزاع غير صحيح، فعلى الإنسان أن يتوجّه نحو أيّ نوع من هذه الانتزاعات؟ عليه أن يتوجّه نحو ذلك النوع من الانتزاعات الصحيحة.
حسنًا لهذا الكلام تتمّة وإن شاء الله في الليالي القادمة سنتحدّث عنه.
متى تبدأ ليلة القدر وما هي حقيقتها؟
إنّ ليالي القدر على الأبواب، والليلة القادمة هي ليلة التاسع عشر من الشهر المبارك، وبعد ليلتين ليلة الواحدة والعشرين، ليلة شهادة أمير المؤمنين، وبعدها كما هو معلوم ليلة الثالث والعشرون، وكما هو واضح فإنّ ليالي القدر هي فضاء لا فضاء مكانيّ بل برهة من الحالة المعنويّة والروحانيّة ترد على النفس الملكوتيّة للإنسان، وتسيطر على مثال الإنسان وشهادته. تلك الحيثيّة المعنويّة تسمّى ليلة القدر. وتبدأ هذه الحيثيّة من ليلة التاسع عشر، أي إنّها تشرع من أحوال وأجواء وفضاء ليلة التاسع عشر وتنتهي ليلة الثالث والعشرين. وهناك من يتصوّر أنّ ليلتي التاسع عشر والواحد والعشرين مستقلّتان عن ليلة القدر ولهما عنوان المقدّمة، أي أنّ حفظ الآداب ورعاية المراقبة ورعاية الموازين الشرعيّة في ليلة التاسع عشر ويوم التاسع عشر وكذلك في ليلة الواحد والعشرين هم مقدّمة لاستعداد الإنسان وتهيّؤ النفس لإدراك ليلة القدر في الثالث والعشرين، هكذا يتصوّرون.
وهذا الكلام يمكن تبريره، يمكن تبريره بهذا النحو. ولكن أظنّ أنّ التعبير الأدقّ هو أنّ ليلة القدر هي حيثيّة ما، وهي جوّ معنويّ خاصّ، كما شاهد الأعاظم وبيّنوا، ولكنّها غير قابلة للبيان ولا يمكن للعقول المتعارفة أن تدرك هذه الحقيقة، لذلك عبّروا عنها بليلة الثالث والعشرين. ولكنّ الذين هم من أهل الدقّة شيئًا ما، ولديهم معرفة ما بهذه الأمور، فإنّهم يلتفتون شيئًا فشيئًا إلى أنّها حالة يبدأ تبلورها من ليلة التاسع عشر وتصبح أكثر نضجًا شيئًا فشيئًا، تمامًا مثل الصورة التي يريد الرسّام أن يرسمها، ففي البداية يرسم الخطوط حول هذا الطائر، يرسم خطوطًا بسيطة، ثمّ إذا ما مضى وقت ما جعل هذه الخطوط أكثر إشباعًا في لونها، ثمّ بعد مدّة يعطيها هالة، وهكذا بعد مدّة يبدأ بالتفاصيل الدقيقة وبعد ساعة أو ساعتين ترى أنّه طائر عصفور أو بلبل جميل جدًّا قد جيئ به إلى هذه الصفحة، ففي أيّ زمان تحقّقت صورة البلبل هذه؟ هل في الثانية الأخيرة من تلك الساعتين أم من البداية؟ من البداية حينما أمسك الرسّام بالقلم بدأت رسة البلبل هذه، بدأت حتّى انتهى منها بعد ساعتين، فهذا هو الزمان الذي تحقّقت خلاله اللوحة.
وأمر ليلة القدر أيضًا هو هكذا. فإنّ تشكّل ليلة القدر يعني تشكّل تلك الحالة المعنويّة التي يتحقّق فيها تقدير الإنسان وأعمال الإنسان، والأمور التي ستقع للإنسان في العرض أو في الطول ومن ناحية السير المعنويّ، فكلّ ذلك يتحقّق في تلك الأجواء ويدخل إلى ليلة الثالث والعشرين، فتشكّل ليلة القدر هو من ليلة التاسع عشر أيّها الرفقاء، فمنذ ليلة التاسع عشر تبدأ تلك الخطوط البسيطة بالتشكّل، وفي ليل الواحد والعشرين تصبح أقوى، وفي ليلة الثالث والعشرين تصل إلى النقطة النهائيّة. لذا فإنّ رعاية المراقبة الخاصّة والتوسّلات والالتجاء إلى الله وإلى الأئمّة المعصومين وخصوصًا سيّد الشهداء عليه السلام وبالأخصّ الوليّ الحيّ إمام العصر عجّل الله تعالى فرجه الشريف أرواحنا فداه لا بدّ أن يبدأ من ليلة التاسع عشر وليس فقط في ليلة الثالث والعشرين، أي في ليلة التاسع عشر عليكم أن تعلموا أنّ الأمر يتشكّل، فهذه الحالة والتشكّل المعنويّ الذي يسمّى بالتقدير والمشيئة القضاء الإلهيّ الذي سيتحقّق تبدأ من ليلة التاسع عشر بالنضج شيئًا فشيئًا وتصبح أكثر دقّة، وفي ليلة الثالث والعشرين يتحقّق إمضاء إمام الزمان لها، فتصبح حتميّة، فإمضاء الإمام يختم جميع هذه الملفّات وهذه الأمور وإلا لبقيت... .
بي عنايات حق وخاصان حق | *** | ... |
يقول: بغير عناية الحقّ وخواصّ الحق. ومن هم خواصّ الحقّ؟ إمام الزمان، هو الخاصّ بالحقّ، ونحن جميعًا من العوامّ، هو خاصّ الحقّ:
بی عنایات حق و خاصان حق | *** | گر مَلَک باشد سیاه هستش ورق |
يقول: بغير عناية الحقّ وخواصّ الحقّ فإنّ سجلّ الجميع سيكون أسود ولو كانوا ملائكة.
حتّى جبرائيل لا بدّ أن يمضي له إمام الزمان في ليلة الثالث والعشرين، ميكائيل وعزرائيل، وأعمالهما وبرامجهما كلّ ذلك لا بدّ أن يمضيه هو، ويعطي سجلّ كلّ منهم بيده، يعطي سجلّ كلّ منهم بيده.
لذلك نرى في الروايات أنّ بعضها قالت ليلة التاسع عشر وبعضها قالت ليلة الواحد والعشرين وبعضها قالت ليلة الثالث والعشرين وبعضها قالت الليالي الثلاث معها. فهذا لأجل ما ذكرنا، نعم لدينا في بعض الروايات أنّ اهتمّوا أكثر بليلة الثالث والعشرين وذلك لأنّ فيها يحتم الأمر ويختم ويمضى في نهايتها، لذلك قالوا لا بدّ أن يكون اهتمامكم بليلة الثالث والعشرين أكثر وإلا فإنّ ليلة القدر تبدأ من الليلة القادمة، من ليل الغد وخصوصًا هذه الليالي القادمة.
عملنا في ليالي القدر
لذلك علينا أن نحمل عدّة التكدّي ونحملها إلى بيت إمام الزمان ونقول له: انظر ليس فيها أيّ شيء ليس فيها أيّ شيء.
كان هناك أحد الرفقاء أرسلته إلى أحد الأصدقاء، ثمّ سمعت أنّه ذهب إليه ولكنّه قال له: ليس لديّ شيء. وردّه. يا عزيزي أنا أيضًا أعرف أنّه ليس لديك شيء، ولو كان في يدك شيء لما أرسلته إليك. لقد أراد ذلك الرجل أن يتواضع. جميعنا خالو الوفاض، كلّنا لا نمتلك شيئًا، ومن كان يمتلك شيئًا فليأت لنرى، لنرى من الذي يصمد؟ وكم في يده؟ فليأت، من كان يمتلك شيئًا فليقم. جميعنا خالو الوفاض، هل يمكن لإنسان أن يلبّي دعوة كريم ويأخذ معه طعامًا؟! هل يمكن أن نذهب إلى إمام الزمان ونقول يا ابن رسول الله تعال وانظر انظر إلينا انظر ماذا لدينا! كم لدينا من العلم! كم لدينا من المال! كم لدينا من الوجاهة! كم لدينا من الشخصيّة! فماذا سيقول الإمام حينها؟ سيقول: ما شاء الله ما شاء الله بماذا تفتخر؟! أتفتخر بعلمك؟ أتفتخر بمالك؟ هذا المال المعلّق على ليلة واحدة.
قال [المثل]:
به جمالت مناز به یک تب بند است | *** | به مالت مناز به یک شب بند است |
والمعنى: لا تفخر بجمالك فإنّه معلّق على ارتفاع حرارتك ولا تفخر بمالك فهو معلّق على ليلة واحدة.
لا شيء لديك فبماذا تفتخر؟ بعلمك؟ أتفتخر بعلمك؟ العلم الذي يزول بمرض الزايمر! والعلم أمره سهل بل ينسى الإنسان نفسه وقميصه وبنطاله، أتفخر بهذا؟ فقد حصل وحصل كثيرًا أيضًا. فبأيّ علم تفخر؟!
وفدت على الكريم بغير زاد… فهذا هو الشعر الذي كتبه أمير المؤمنين عليه السلام على قبر سلمان رضوان الله عليه، وهو صواب وحقّ، وقد كتب ما يعتقد به ولم يكن يمازح ويجامل، فأمير المؤمنين ليس لديه مزاح [في هذا الأمر] ليتواضع، هذا واقعه، هل يقول: إلهي أنا متواضع فاعف عنّي، فرغم أنّ لدي الكثير من العلم فإنّي أغضّ النظر عنه، وجئت إليك ولا أنظر إليه؟! كلاّ يا عزيزي، لقد كتب الإمام على تراب قبر سلمان بإصبعه:
وفدت على الكريم بغير زاد | *** | من الحسنات والقلب السليم |
وحمل الزاد أقبح كلّ شيء | *** | إذا كان الوفود على الكريم |
لقد دخلت على إنسان كريم بغير زاد فما هو ذاك الزاد؟ إنّه الحسنات والقلب الصافي والطاهر، فلا قلبًا طاهرًا أملك ولا حسنات، لا شيء، انتهى كلّ شيء واسترحت. ثمّ يقول الإمام:
وحمل الزاد أقبح كلّ شيء | *** | إذا كان الوفود على الكريم |
عندما تقصد ضيافة عظيم على طعام الغداء فهل تأخذ معك طعامًا؟ أليس هذا إهانة؟ أليس إهانة؟ فإذن سلمان إذا دخل الآن فلا زاد معه، لا قلب سليم معه، ولا حسنات، لا شيء معه، فهذا اعتقاد هؤلاء، لم يكونوا يتواضعون، كانوا يعتقدون بهذه الأمور، كانوا يعتقدون.
ونحن أيضًا في هذه الليالي نحمل أدوات التكدّي بأيدينا ونمضي إلى إمام زماننا ونقول: انظر بنفسك لا شيء معنا، ليس إلا الهواء، وعاؤنا مليء بالهواء، لا شيء فيه، فصبّ فيه ما شئت أنت، نفوّض ونسلّم تقديرنا، نفوّض تقديرنا وإرادتنا ومستقبلنا إلى الإمام، ما يريده هو وما يراه هو صلاحًا فهو يختار لنا ويشاء ويقضي ونحن نرجّح اختياره على اختيارنا، وبدلاً من إرادتنا نجعل إرادته، فهذا الأمر لا بدّ من الاهتمام به في هذه الليالي إن شاء الله.
نسأل الله أن ينزل علينا من بركات هذه الليالي التي هي نتيجة شهر رمضان وحاصل شهر رمضان وغاية شهر رمضان والتي فيها تحصل تقديرات الإنسان، ويسير الإنسان على أساس هذه التقديرات. ونطلب من الإمام أن يجعلنا من شيعته الخلّص إن شاء الله.
اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد.