المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني
المجموعةسنة 1431
التاريخ 1431/09/16
التوضيح
تتمحور هذه المحاضرة حول محاور ثلاث:
الأوّل: معنى كره الله ورضاه وهنا تطرح عدّة أسئلة:
ما الفرق بيننا وبين الله حتّى يكون هناك ما يكرهه الله ونرضاه نحن؟
ما معنى كره الله لشيء ورضاه به؟ هل يرجع ذلك إلى نفسه أم إلى العبد؟
الثاني: ما هي الاتّهامات الباطلة الموجّهة إلى الشيعة؟
الثالث: ما هو معيار الانتساب إلى مدرسة ما وصحّة العمل؟ وماذا يكون مصير الشيعيّ إذا مارس الكذب والتهمة والغشّ؟
هوالعليم
كره الله ورضاه ومعيار الانتساب إلى الحقّ
شرح دعاء أبي حمزة الثمالي - سنة ۱٤٣۱ هـ - الجلسة الرابعة
محاضرة القاها
آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ
قدّس الله سره
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام عل سيّدنا ونبيّنا محمّد وعلى آله الطيّبين الطاهرين
واللعنة على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين
"حجّتي يا الله في جرأتي على مسألتك مع إتياني ما تكره جودك وكرمك، وعدّتي في شدّتي مع قلّة حيائي رأفتك ورحمتك".
مستندي يا الله في الجرأة التي لديّ حيث أسألك رغم أنّي أشتغل بما هو مكروه لك وبما لا يرضيك وأبتعد عمّا لا يرضيك هو جودك وعطاؤك المصحوب بالعظمة والكرامة وسعة الصدر. هذه هي العلّة، وهذا هو الحجّة.
ما معنى كره الله لشيء؟
تقدّم للرفقاء في الجلسات السابقة أنّه ما الذي يؤدّي إلى بغض الله وكرهه؟ لأنّ الإمام هنا يقول إنّي آتي ما تكره: "مع إتياني ما تكره"، فعلينا أن ننظر أولاً ما هو ما يكرهه الله، ثمّ نبحث عن علّة سعينا وراءه، فلكلّ شيء علّة في نهاية المطاف، فلماذا لا نسعى إلى ما فيه رضاه؟ فهناك الكثير ممّا فيه رضاه، وهل ما فيه رضا الله ليس فيه رضانا نحن؟ وما يكرهه الله ويبغضه فلماذا لا نكرهه نحن أيضًا؟ وما الفرق بيننا وبين الله حتّى يكون هناك ما يكرهه الله ونرضاه نحن ونلتذّ به؟ ما هو الباعث هنا؟ ما هو السبب؟ ما الأمر الموجود هنا حتّى حصل هذا الاختلاف؟ أولسنا نحن عباد الله ومن منشأ واحد، أوليس وجودنا من وجوده، وحقيقتنا من حقيقته وذاته؟ فلماذا لا بدّ أن يقع هذا الاختلاف؟ إن كانت حيثيّتان وجوديّتان ترجعان إلى مكان واحد فلا معنى للاختلاف، ولا بدّ أن يريد كلاهما شيئًا واحدًا، فما يريده الله لا بدّ أن نريده نحن، لا أن نريد خلافه، وما لا يرضاه علينا أن لا نرضاه نحن، لأنّ وجودنا من جوده، ونشأتنا من حقيقة الذات الوجوديّة وهذا الأمر تصرّح به الآية الشريفة وليس لها مجرّد ظهور۱ فيه: {وَ نَفَخْتُ فيهِ مِنْ رُوحي}٢. فكيف يمكن لحقيقة خارجيّة وجوديّة واحدة أن تكون من حيث الأطوار والأعمال والتصرّفات والمرادات مخالفة في مرادها وتصرّفاتها وأطوارها لما نشأت عنه؟! فهذا المصباح المضيء هنا الآن ناشئ من تيّار كهربائيّ جاء إلى هذه المصابيح والمراوح وتبدّل في داخل المروحة إلى طاقة وحركة بهذا الشكل، وذاك أيضًا بدّل تلك الطاقة إلى هذه وتحوّل إلى نور، وكلاهما ناشئان من مصدر واحد، فالكهرباء الموجودة هنا والكهرباء الموجودة هناك لو أردتم أن تنظروا لرأيتم أنّ الأثر الذي هنا هو من مبدئه وليس من نفسه، فهذا المصباح الذي هنا وهذه المروحة التي هنا والتي تتحرّك وتدور من أين جاءت بهذه الطاقة والقوّة؟ هل جاءت بها من نفسها؟ إنّها متّصلة بالساعة، والساعة متّصلة بالمركز، والمركز متّصل بالأصل والمصدر الذي تؤخذ منه الطاقة الكهربائيّة. فهذا الأثر الذي ترونه أصله وقوّته وأعلاه من ذلك المصدر وذلك المنشأ، فمن هناك ظهرت تلك الحركة، غاية الأمر أنّها أُضعفت بمحوّلات وضعت في الطريق وخفّفت وخفّفت حتّى تحوّلت إلى ٢٢۰ فقد كانت في البداية بضعة آلاف فولت، وبضعة آلاف فولت لا يمكنها أن تحرّك هذه المروحة، تحرقها، ولو جعلت على هذا المصباح لأحرقته، ولكنّهم خفّفوها هكذا حتّى وصلت إلى هنا. فهذه الحركة التي ترونها في المروحة من أين هي؟ إنّها من هناك. وليس بينهما مخالفة بل هما متّفقان، غاية الأمر أنّ هذه ضعيفة وتلك قويّة، هذه ضعيفة وتلك قويّة، هذا هو الفرق فحسب، ولا زيادة على ذلك، فلا يمكن أن يكون هناك مظهر له أثر مختلف عن حقيقة مُظهره، ولا بدّ للمَظهر في ظهوره أن يكون له عين الأثر الذي لدى المُظهر والمصدر والمنشأ.
معنى آية {إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُور} وأمثالها
فلا بدّ هنا من دراسة المسألة من جذورها وأنّه لماذا يكون الله غير راض عن أمر ما؟ لماذا؟ لماذا يبغض الله هذا الأمر؟ لماذا يكره الله أمرًا ما؟ أفهل الكره وعدم الرضا متصّوران في ذات الله أيضًا؟ وهل ذات الله مثلنا تأنس بشيء وتتأذّى من شيء آخر؟! وطبعًا لدينا في القرآن الكريم: {إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُور}۱{وَ اللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنينَ}٢{يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ}٣{وَ الَّذينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّه}٤ فكلّ هذه الآيات وكذلك من صفات الباري تعالى صفة المحبّة، فلا شكّ في هذا الأمر، ولكن علينا أن نرى هل محبّة الله كمحبّتنا نحن أم تختلف؟ وكرهه ككرهنا نحن هكذا؟! عندما يحبّ الإنسان شيئًا ما فهذا يعني أنّه يلتذّ به في عالم الوجود، أفهل يعقل أن يكون هناك أثر مخالف لرضا الله ومخالف لإرادته؟ أفيمكن أمر كهذا أم هو محال؟ هل فكّرتم بذلك؟ هل يمكن أن يصدر في عالم الوجود عمل من إنسان ما من حيوان من جماد من أيّ شيء شئتم وسمّوه ما شئتم، من ملك من الملائكة بحيث يكون العمل مخالفًا لإرادته هو ورغبته؟! يعني يكون أقوى من الله، فهذا معناه في النهاية، الله لا يريد أن يتحقّق هذا العمل، ولكن نحن نتغلّب على إرادة الله ومشيئته ونقوم بذلك العمل المخالف لرضا الله، فهذا هو معنى ذلك، معنى الكره ومعنى الرضا في ذات الله. فهذا خطأ فاحش، إنّه يحكي عن عجز الذات المقدّسة وعدم قدرتها على تلك الظهورات في عالم الخلقة وفي عالم الشهادة، مثل أهل السنّة هؤلاء المساكين الذين ابتلوا بأيّ أناس من علمائهم الذين أقصى مهارتهم الاتّهام؟!
الاتّهامات الباطلة الموجّهة إلى الشيعة
هل قرآن الشيعة مختلف؟
عجيب رغم مرور كلّ هذا الزمان لا يتوقّفون عن اتّهام الشيعة! واقعًا عجيب جدًّا أفهل قرآن الشيعة يختلف عن قرآن غيرهم؟! تفضّل يا عزيزي واخط خطوتين وادخل إلى بيوت هؤلاء الناس، وانظر هل قرآنهم يختلف عن قرآنك، فهذا ليس أمرًا متعبًا. عندما أتحدّث معهم في بعض الرحلات وألتقي بهم أقول لبعضهم: أنا أدفع لك قيمة الرحلة، تعال فجأة وادخل بيوتنا قبل سابق إنذار، استحصل على رخصة زيارة وأنا أدفع قيمة الرحلة، فتعال وانظر فجأة قبل إخبار سابق، انهض وتعال فإنّي أقرأ عين هذا القرآن الذي تقرأه في المسجد الحرام، ما شاء الله فقد أهداني الرفقاء من هذه المصاحف عددًا بحيث إنّك تجد في كلّ غرفة بضعة منها، فكلّ من جاء أهداني منها، وقد وزّعت منها كثيرًا ومع ذلك في كلّ غرفة عدد منها، قلت له: إنّ القرآن الذي نقرأه هو عين هذا الذي لديك. فلم يكن يصدّق أنّي أقول الحقّ. قلت فتعال في نهاية المطاف فأنت إنسان وتختلف عن ذوات الأربع، فهل الإنسان هو الذي يجلس جانبًا ويتكلّم هكذا؟ هل هذا إنسان؟! هل هذا عاقل؟! ما دام الإنسان قادرًا على أن يحصل على شيء ما بسهولة فإنّه يمكنه أن يصل إلى كثير من الحقائق ويتّضح كثير منها، وتتضح له الكثير من الأهواء وكثير من الأمور النفسيّة وأنّه ما هي الأسباب وراء هذا الأمر؟ سنوات متمادية ومئات السنين من التفريق بين المسلمين، أفهل يمكن أن يحلّ الأمر بهذه البساطة، يجلسون هكذا ويبدأون… .
هل يقول الشيعة: خان الأمين؟
ومن الأمور التي يتّهمون بها الشيعة أنّهم يقولون: خان الأمين خان الأمين. أي كان من المقرّر أن ينزل جبرائيل أوّلاً بالرسالة والنبوّة على عليّ، ولكنّه خان وتدخّل من نفسه وتصرّف، وبدلاً من أن يأتي دار عليّ جاء إلى بيت النبيّ وأخذه إلى غار حراء وأنزل عليه النبوّة. كان عليه أن يعطيها عليًّا وينزل عليه، وهذه "الله أكبر" التي نقولها في نهاية التشهّد هي "خان الأمين". لقد التقيت بنفسي قبل سنتين حين تشرّفت بالزيارة في شهر رمضان برجل، فقد كان الحرم يبقى مفتوحًا في الليل، وقد سمعت أنّه حتّى في سائر الأيّام على ما يبدو صار يترك مفتوحًا تقريبًا، فكنّا نذهب قبل الأذان ببضع ساعات ثلاثة أو أربعة ساعات، فكان المكان خاليًا جدًّا، فكنّا نجلس قرب الضريح في مسجد المدينة قرب الضريح المبارك للنبيّ، وذات ليلة كنت جالسًا فرأيت رجلاً كبيرًا في السنّ وقورًا وكان من الواضح أنّه لم يكن من عامّة الناس بل كان ذا وزن، فجاء وصلّى ركعيتن هناك وأشار إلى قبر النبيّ وقرأ شعرًا نسيته مضمونه أنّه يا من يقول خان الأمين خان الأمين سيأتي الأمين يوم القيامة ويقف أمامك وعليك أن تجيبه، فكان يقرأ هذا الشعر ويكرّره، ولم يكن لي قدرة أن أقوم وأناديه وأقول له تعال لنجلس جانبًا ونتحدّث، لم أكن قادرًا، ولم أكن مستعدًّا أن أتحدّث. ولكن انظروا أنتم فمن الواضح أنّه لم يكن إنسانًا سيّئًا ومن الواضح من ملامحه أنّه لم يكن إنسانًا مغرضًا، ولكن كيف ملأوا رأس هذا المسكين بهذا الكلام حتّى صار يقول شعرًا في الطعن على الشيعة، أردت أن أناديه وأقول له: أتقبل بهذا النبيّ أم لا؟ فأنا لا أقول له لماذا تتّهم؟ فقط هل تقبل بهذا النبيّ أم لا؟
عموم مشكلة الاتّهام والكذب
واقعًا عجيب جدًّا وأيّ مشكلة هذه التي فينا؟! ليست فيهم وحدهم بل فينا نحن الشيعة أيضًا التهمة والكذب موجودان، أليسا موجودين! فلنقل جميعًا إنّهما موجودان، والله وحده يجب أن يحفظنا لقد اتّهم ذلك الرجل عليًّا والشيعة، ونحن نتّهم مسلمًا، وكلا الأمرين واحد لا يختلفان أبدًا، فكما يمنع أمير المؤمنين قسيم الجنّة والنّار يوم القيامة أمثال ابن تيميّة ويقول لهم: لماذا اتّهمتموني؟! لماذا اتّهمتني يا جناب ابن تيميّة؟! لماذا اتّهمتني يا جناب أبي هريرة؟! لماذا اتّهمتني يا سمرة بن جندب؟ لماذا يا معاوية؟! لماذا لماذا؟! فالإمام يأتي بهؤلاء جميعًا ويضعهم جانبًا وعليهم أن يجيبوا، وهكذا يأتي بنا نحن أيضًا ويسألنا لماذا اتّهمت هذا المؤمن؟! لماذا كذبت هنا؟ وبتلك اليد التي يلقي بها أبا هريرة في جهنّم يلقينيا أنا وأنت، اذهبا كلاكما إلى مكان واحد، لماذا؟ لأنّه لا يفيدني قول: أشهد أنّ عليًّا وليّ الله، المهمّ عندي أن تتبّع "أشهد أنّ عليًّا وليّ الله"، أمّا القول فيمكن للمسجّل ومكبّر الصوت وأمثالهما أن يقوله، شغّل جهازًا ما فيقول لك بعدد حبّات المسبحة: أشهد أنّ عليًّا وليّ الله، فكم اتّبعت هذه الشهادة؟! كم اتّبعت هذه الولاية؟ كم اتّبعت آثار الولاية؟ الفرق بيني أنا عليّ وبين عمر هو في هذا وأنّي اتبّعت الحقّ واتّبع هو الباطل، وإلا فلا أنا لي قرب من الله، ولا هو له بعد عنه، فلا هذا ولا ذاك، بل كلانا واحد، أنّا سعيت إلى الصدق وإلى الحقّ، وإلى الصفاء، وسعى هو إلى الخداع والغشّ، ألم يفعل ذلك؟! سعى إلى الكذب، سعى إلى التهمة، فصار هو عمرَ وصرت أنا عليًّا، هذا هو الفرق فقط، وليس هناك فرق آخر، دمُنا واحد، كرياتنا واحدة، والبلازما عندنا واحدة، عظامنا واحدة، كلانا إنسان، كلانا ولدنا من آدم أبي البشر، فحصول الظلمة لديه لأنّه قام بما يكره الله، اتّبع هوى النفس، وقد وضعت هوى النفس جانبًا، هو اتّبعه ولم أتّبعه أنا، هو قام بذلك ولم أقم به أنا، هذا هو السبب.
الالتزام بالصدق وبالضوابط في مواطن الضرر معيار انتسابنا إلى أمير المؤمنين
فحيث أنّك تدّعي اتبّاع طريقي فلماذا تقوم بعمل أدّى بعمر إلى تلك المنزلة، فإذن أنت منه، دقّقوا جيّدًا! وأهل العلم وأهل الفضل يلتفتون ماذا أريد أن أقول، فأنت إذ تكذب الآن كشربة الماء، وأنت إذ تغشّ كشربة الماء، وأنت إذ تمكر وإذ تقوم بألف عمل قبيح وباطل بحجّة التشيّع قائلاً: العقاب لأهل السنّة فلنفعل نحن ما يحلو لنا ولدينا رخصة. أنت إذ تفعل ذلك ماذا تفعل في الحقيقة؟ تفعل عين ما فعله ذاك، عين ما فعله، لقد خالف هو رسول الله. فعندما يكون قول الصدق لصالح الإنسان فليس من المهارة في شيء أن أكون صادقًا، وكلّ إنسان يقول الصدق في هذه الحالة، فالصدق هنا لصالح الإنسان ولتحصيل منافعه، ولا يضرّ بدنيا الإنسان، فالصدق هنا يحصّل الخبز للإنسان ولا يسلبه خبزه، فالصدق هنا ليس مهارة.
وعندما يكون الكذب مضرًّا بدنيا الإنسان فليس من المهارة عدم الكذب، فأيّ إنسان لا يكذب، ففي المكان الذي يؤدّي الغشّ إلى الإضرار بالإنسان وتفتضح المسألة ويعلم الفاعل ويراق ماء وجهه، فمن الذي يقدم على فعل كهذا؟ فإذن متى يثبت اتّباعنا لعليّ؟ كما قلت ليلة أمس أو قبلها۱: عندما يكون العمل الظاهري للإنسان مطابقًا للقواعد والموازين، هنا، وأمّا في الباطن فيمكننا أن نجد بواسطة الكثير من الأهداف جهات مختلفة وتعلّقات مختلفة.
أبو حنيفة نموذج مخالفة المعايير رغم عداوته للمنصور
فأبو حنيفة كان مخالفًا للمنصور الدوانيقي وطبعًا لا من البداية، بل لاحقًا، وكان المنصور يستفيد منه لمخالفته للإمام الصادق، وقد بيّنت ذلك في الجزء الثالث [من أسرار الملكوت]٢ وقدّمت فيه توضيحات مفصّلة نسبيًّا، والذين كتبوا في كتبهم أنّ أبا حنيفة من مفاخر الإسلام لا بدّ أن يجيبوا أمير المؤمنين يوم القيامة، لا بدّ أن يبرّروا كلامهم عند الإمام الصادق، فأبو حنيفة كان مخالفًا للمنصور الدوانيقي، ولكن لا فائدة من هذه المخالفة، أفهل كلّ مخالف للمنصور الدوانيقي هو على حقّ؟! ألم يكن خوارج النهروان أيضًا مخالفين لمعاوية؟! أفهل كانوا على حقّ؟ وهل كان طريقهم صحيحًا؟ كلاّ، بل المعيار هو ولاية عليّ، هذا هو المعيار، لا معاداة معاوية، وإلاّ فمن الممكن أن تعادي معاوية على ريالين اثنين، فهذه ليست مهارة، لا يعطيك مالك فتعاديه، لا يعطيك أجرة جمالك فتعاديه. فهناك ألف علّة وعلّة لذلك ولا علاقة له بحسن الإنسان وقبحه، إن قلت له: إنّ فوق عينك حاجبًا، عاداك وسبّك وصار عدوًّا، فالعداوة ليست شيئًا مهمًّا. ومحبّة علي أيضًا لا على أساس هذه الشهريّة وبيت المال، ففي كلّ شهر كان يرسل إلى البيوت، فقد كان أمير المؤمنين يفعل ذلك، كان يقسّم بيت المال كلّ شهر، هكذا ينقل في التاريخ، ولم يكن يتركه حتّى النهاية.
لقد كان أبو حنيفة عدوًّا للمنصور الدوانيقي، وفي النهاية اطّلع المنصور على رسالة أرسلها أبو حنيفة إلى بعضهم ليثوروا على المنصور فألقى به في السجن ومات في السجن.
إن كنت مستعدًّا أن ترسل الناس إلى حدّ السيف برسالتك فلماذا لا تأتي وتشارك الجمع في المعركة بنفسك؟! لا تحسن سوى أن تجلس في الكوفة وتدعو الناس إلى مخالفة المنصور أفهل في ذلك مهارة؟!
عدم تراجع أبي حنيفة عن حكم خاطئ بقطع يد
لقد كان أبو حنيفة كذا وكذا، وعلى الذين يقولون إنّه من مفاخر الإسلام أن يفتحوا أعينهم ويزيدوا من معلوماتهم قليلاً ويدركوا عمّن يقولون إنّه من مفاخر الإسلام خاضعين للأحاسيس، كان أبو حنيفة جالسًا كما يروى فيأتي أحدهم ويقول: إنّ فلانًا قد عثر عليه يسرق ـ وقد ذكرت هذه المسألة في الكتاب۱ ـ فقال: حسنًا فاقطعوا يده. فقال قائل: لقد فعل ذلك لهذا وهو ليس سارقًا، إنّه لم يسرق. فقال أبو حنيفة: عجيب! فقال له الرجل: حسنًا فلترسل إليهم أن لا يقطعوا يده فسيقطعون يد هذا المسكين الآن. فقال: لا بأس دعهم يقطعونها لا إشكال. فقطعوا يد هذا المسكين. لقد كان أبو حنيفة هكذا، ثمّ مع ذلك يصبح من مفاخر الإسلام! لا بأس أن تقطع يده فقد قلنا شيئًا. ما شاء الله ما شاء الله هكذا بهذه البساطة يقطعون يدًا! وهو يجلس ويقول: لقد قلت كلامي ومن العيب أن أتراجع، سيقول الناس إنّ القاضي أبا حنيفة لم يكن قد أدرك الأمر جيّدًا وتراجع عن كلامه، وهذا ليس جيّدًا ليس جيّدًا! فلن يترك عمله في هذه الدنيا بغير حساب، فكلّ شيء في هذه الدنيا يقع صحيحًا يقع صحيحًا!
هتك حرمة أحد العلماء في إحدى الجرائد وعدم التراجع عنه
أذكر أنّه ذات يوم بعد الثورة هُتكت حرمة أحد العلماء في إحدى الجرائد، ولن أوضّح أكثر فليس هذا مقام ذلك، وسأقتصر على الإجمال لكي تعلموا أنّ الدنيا ليست بغير حساب، فقد هتكت حرمة أحد العلماء، وكنت مطّلعًا على الأمر بنفسي، فذهب أحدهم إلى مسؤول تلك الجريدة وقال له: إنّ هذا الرجل عالم محترم من إحدى المدن، وأنتم فعلتم هذا! أفهل حقّقتم في الأمر حتّى قلتم ذلك وأرقتم ماء وجهه، أنتم تقولون إنّه كان على ارتباط بالنظام السابق وكلامًا من هذا القبيل، فمتى كان كذلك، وقد رأيت بنفسي هذا الرجل وكان صالحًا، وعندما سافرت بالقطار من طهران كان معنا في المقصورة نفسها، كان رجلاً مهتمًّا بنفسه وفاضلاً وصافيًا، وكان كبيرًا في السنّ. فقالوا: لا فقد كتبنا ذلك.
فقال لهم ذلك الرجل: حسنًا اذهبوا وحقّقوا.
فقال: حسنًا. فجاء رجل منهم وأخذ يحقّق في الأمر ويسأل أهل مدينته، واتّضح أنّ الأمر كان كذبًا محضًا، وأنّ الخبر كان كذبًا محضًا ولم يكن صحيحًا أبدًا، كان هناك عدد من الناس على مشكلة معه فأشاعوا ذلك ليريقوا ماء وجهه، فإراقة ماء وجه الآخرين وهتك حرماتهم كشربة الماء، وقد نقل لي الذي ذهب إليهم وعاتبهم بنفسه فقال: لقد ذهبت بنفسي إلى ذلك المسؤول عن الجريدة وقلت له: حسنًا هذا تقرير من أرسلتموه أنتم، ولكن لم تفعلوا شيئًا، فقال: حسنًا سنفعل. فقلت: افعلوا شيئًا ردّوا صحّحوا. قال: كلاّ لا أفعل ذلك.
ـ لماذا؟
ـ لأنّا إذا فعلنا ذلك أضعفنا الجريدة.
عجبًا! هتك حرمة مؤمن لا إشكال فيها، والاتّهام بالارتباط مع النظام السابق لا إشكال فيه، أمّا دفع الفعل الحرام وإصلاح خبر باطل يسبّب إضعاف الجريدة؟!
هذا النوع من التفكير ليس تفكير أمير المؤمنين، إنّه تفكير عمريّ، بكريّ عثمانيّ، تفكير معاوية.
حساب الكذب والغشّ وهتك الحرمات هو في الدنيا
وهذا النوع من التفكير يحاسب عليه الله في هذه الدنيا أيضًا، في هذه الدنيا، والرفقاء يذكرون قلت لكم لا ترتّبوا أثرًا على هذه المسائل فهي كغيرها، والجميع على منوال واحد، ولا اهتمام بالله، ولا صدق، وليس ذلك في مورد واحد فقط، نعم وكما يقول حافظ في شعره المعروف:
مى خور كه شيخ وشاهد ومفتى ومحتسب | *** | چون نیک بنگری همه تزویر می کنند |
یقول: اشرب الكأس فإنّ الشيخ والشاهد والمفتي والمحتسب إذا دقّقت النظر جيّدًا فإنّهم جميعًا مزوّرون.
فالله يحاسب الإنسان في هذه الدنيا، لقد هتكت حرمة مؤمن في هذه الدنيا ونحن نهتك حرمتك فيها أيضًا.
معاداة الخوارج لمعاوية لا تجعلهم محقّين
لقد كان خوارج النهروان أصحاب فكر خاصّ، فكر جافّ خاو وفارغ غير مرن عديهم الفهم، كانوا يقطعون ويفصّلون ويخيطون على أساس فكرهم الخاصّ ويكلّفون الجميع بطاعتهم، وكان من مخالفيهم عمرو بن العاص، وكان مخالفًا جدًّا لطريقتهم، وكانوا هم معادين لمعاوية، ولكن ألم يكونوا معادين لعليّ أيضًا؟ هل علينا أن ننظر إلى معاداة معاوية بنظرة واحدة ونبدي لهم التأييد والتشجيع على السواء؟ أم لا بدّ من النظر إلى الجهة الأخرى من العملة، فهذه العملة المضروبة، قد نقش عليها من البداية نقشان، ففي هذا الوجه منها نقش وفي الوجه الآخر نقش آخر، فلا يمكنكم الآن أن تقولوا إنّ هذه العملة لها هذا النقش، فهناك طرف آخر أيضًا، فلو كان لوجهي العملة نقش واحد لقلتم إنّ هذه العملة تحكي عن هذا الأمر، وهذه العملة التي ضربت الآن في بدنه وفي نفسه وفي روحه وفي رأسه هي بغض معاوية وبغض عليّ معًا، فكيف يمكن أن يؤيَّدوا؟! إنّه طريق باطل، فحتّى المخالفون لمعاوية لا يكفي لحسنهم هذا، وعلى الإنسان أن ينظر إلى هذه العداوة التي لهم مع معاوية ما هو منشؤها وما هو سببها؟ فربّما كان معاوية قد اشترى من رجل شيئًا ولم يدفع ثمنه فصار عدوًّا له وهو لا يعرف عليًّا ولا معاوية ولا الإسلام، إنّه مسيحيّ مثلاً.
ينقل أحدهم أنّ رجلاً كان قد ذهب إلى الكويت من هؤلاء ولن أوضّح أكثر، ذهب إلى الكويت، ولم يكن رجلاً متوازنًا منذ تلك الفترة التي كنت ألتقي به خلالها لم يكن متوازنًا، يقول: ركب ذات يوم في الكويت في سيّارة أجرة وكنت أنا جالسًا أيضًا، فبدأ بالحديث عن الحقوق والشرعيّة والخمس وسهم الإمام وأمثال ذلك، وأنّه عليك أن تجيب في ذلك العالم، هل دفعت خمسك يومًا؟ وكان يتقن اللغة العربيّة وعلى علاقة مع الذين في الكويت، والحاصل أنّ السائق لم يقل شيئًا، فتصوّر ذلك الرجل أنّ السائق قد استجاب له بالكامل والآن يخرج دفتره المصرفيّ ويقول له: خذ كلّ ما في حسابي فهذه هي الحقوق، فلمّا وصل قال له: شيخنا أنا مسيحيّ فلمن تقرأ العزاء أنت؟! اذهب وشأنك فأنا مسيحيّ ولست مسلمًا لأدفع لك الخمس والحقوق.
فلو فرضنا أنّ مسيحيًّا مثلاً أبغض معاوية وعاداه لأجل أمر ما، فهناك الكثير من الأعداء ولكن هل يمكن أن يواجهوا معاوية، أن يحاربوا يزيد، أن يحاربوا خليفة ما، فهذا ليس معيارًا،
المعيار في صحّة سلوك وصحّة عمل ما هو محبّة أهل البيت والولاية.
ما هو معيار صحّة عمل المستضعف؟
والذين لا اطّلاع لهم ومن المستضعفين يكون المعيار في حسابهم صحّة العمل نفسه في الخارج، ألأنّه مسيحيّ [يمكنه أن يفعل ما يشاء؟] إن كان مسيحيًّا فليكن ولكن هل هذا العمل الذي يقوم به صحيح أم باطل؟ إن كان مسيحيًّا أم يهوديًّا أو بهائيًّا أم شيوعيًّا فليكن ما شاء، فالمعيار هو صحّة العمل في الموارد المختلفة وفي المراتب المختلفة وفي المواطن المختلفة، لا في المواضع التي يشعر فيها أنّ هذا الفعل موضع اهتمام، فهذا لا فائدة منه، إنّه مرحليّ، لا مهارة فيه، إنّه يمثّل ولا فائدة منه، بل لا بدّ أن يكون عمله صحيحًا في الموارد المختلفة، وقوله صحيحًا في الموارد المختلفة، أن يكون الصدق حليفه دائمًا، أن يكون على صفاء، أن يكون مع الحقّ دائمًا، ورغم أنّ هذا الإنسان ليس تقيًّا لكنه يمكن أن يكون عمله وسلوكه مرضيًّا عند الله.
هل كان أبو حنيفة من مفاخر الإسلام لأجل عداوة المنصور؟
وحال أبي حنيفة هو هكذا أيضًا، فأبو حنيفة هذا الذي سمّيناه نحن بواحد من مفاخر الإسلام في ذاته عناد وخصومة للإمام الصادق، وكانت قد نقش إحدى وجهي عملته بعداوة الولاية، فهذا هو المهمّ مهما كان نقش الوجه الآخر من العملة، ففي يوم يكون على علاقة جيّدة مع المنصور وفي يوم تفسد علاقته به، فليكن، المهمّ أنّه هل نُقش على أحد وجهي عملة أبي حنيفة حبُّ الإمام الصادق أم بغضه؟ وبشهادة التاريخ وشهادة النقل وشهادة الأصحاب وشهادة أصحاب التراجم نُقش بغض الإمام الصادق، حتّى إنّه كان يقول: لقد خالفت جعفر بن محمّد في كلّ شيء. ثمّ يصبح من مفاخر الإسلام، لماذا؟ لأنّه قضى يومين في سجن المنصور ومات فيه، لقد مات فيه فإلى جهنّم، وإلى الدرك الأسفل، فمن ذلك السجن إلى الدرك وإلى أسفل الدرك ينتهي. هذا كلّه لأنّنا ننظر إلى الأمور من منظار سياسيّ فقط لا منظار الحقّ، لا ننظر من منظار الحقّ، نظرتنا سياسيّة، أفكارنا محض سياسيّة، وهذه الأفكار السياسيّة تتحقّق من دون التفات إلى الحقّ فتصبح أفكارًا ماديّة، وهذه بنفسها نوع من الماديّة، نوع من النزوع إلى المادّة، نوع من الاهتمام بالمادّة، الاهتمام بالظاهر بدون التفات إلى الحقّ، فنحن لا ننظر إلى الجهة الأخرى من العملة، لا نرى الجانب الآخر منها وأنّه لا خبر فيه عن الإمام الصادق، لا خبر فيه عن اتّباع وليّ الوحي وأهل البيت، لا خبر عن محبّة إمام الزمان، فماذا يصبح ذلك؟ يصبح عُمَرَ، يصبح إنسانًا مخالفًا ومنحرفًا كان في ذلك الزمان وهذا يعيش في هذا الزمان، الفرق الوحيد بينهما هو هذا، ولا فرق أبدًا، لقد صار الأمر دقيقًا أليس كذلك؟! جيّد جيّد أن نعرف هذه الأمور وندرك أيّة مدرسة قدّموا لنا.
قيمة مدرسة أولياء الله والعرفاء بالله
لم تصل هذه المدرسة التي وصلت إلينا بسهولة، هذه المدرسة التي وصلت إلينا والتي هي مدرسة الأولياء، مدرسة الأعاظم والأجلاّء، مدرسة أهل البيت لم تصل إلينا بسهولة، فيها الكثير من الدقّة، فهنا حسابات دقيقة، هنا الكثير من المسائل، وإن كان لا بدّ أن نجعل أسوة فمن نجعل؟ إن كان لا بدّ أن نتّبع مدرسة ما فأيّ مدرسة نتّبع؟ هل أيَّ إنسان تعلّم كلمتين وينتهي الأمر؟ أهكذا؟ أم علينا أن نضع أرجلنا في مدرسة ثبت فيها الحقّ والصدق، ثبتا فيها، صار لها سند، هذه المدرسة هي مدرسة العرفاء بالله والعلماء بالله وبأمر الله والمتابعين الحقيقيّين والأتباع الواقعيّين لأهل البيت، هذه المدرسة. ولذلك فإنّ كثيرًا من الناس هنا يغربلون، كثيرون يسقطون في هذا الغربال ويقعون على الأرض، يبقون في الأعلى بحسب مستوى صدقهم وتقرّبهم ومستوى إخلاصهم لأهل البيت وولاية إمام الزمان، ففي البداية يسقط الضعاف الصغار ثمّ الأكبر منهم ويبقى الذين لا غلّ لديهم ولا غشّ ولا خداع.
لقد دعُونا إلى هذه المدرسة، هذه المدرسة التي تتمحوّر حول إمام الزمان المعصوم عليه السلام وتتبلور على أساس ذلك، هذه المدرسة فقط وفقط وفقط وانتهى الأمر وغيرها كلّه هباء هباء، نعم كلّ إنسان بحسب مستواه وبينه وبين الله يعلم كيف يجب أن يكون.
هل يمكن أن يتحقّق ما هو خارج عن إرادة الله ورضاه؟
أمّا تلك المسألة التي [طرحناها في بداية الحديث والتي] هي أنّه هل يمكن أن يتحقّق في الخارج ما هو خارج عن إرادة الله ومشيئته؟ الخارج عن مشيئة الله يعني أن الله غير راض بهذه الإرادة والمشيئة، غير راض، فأنا لست راضيًا أكره القيام بعمل ما فيجبرونني عليه، فهذا ما يسمّى بعمل المكره، والمعاملة التي فيها إكراه باطلة وهذا معناها. كأن يكون هناك إنسان لا يريد فتاة معيّنة فيجبره والداه ويهدّدانه، وعلى أثر التهديد يتزوّج من تلك الفتاة، فهذا عقد باطل، لأنّه مكره. أو تكون هناك فتاة لا تريد رجلاً معيّنًا كزوج لها وتلزم على الزواج منه من قبل الأب أو الأمّ أو آخرين أو الحكومة أو أيّ جهة أخرى، فهذا عقد باطل باطل باطل باطل. لماذا؟ لأنّها مكرهة، وقد تحقّق الأمر خلافًا لما تريد. أو يكره إنسان على الإفطار فيفطر، فهذا وإن كان عليه أن يصوم غيره وصيامه ذلك اليوم باطل ولكنّه لم يرتكب ذنبًا، لماذا؟ لأنّه مكره، مضغوط عليه والله يقبل العمل مع الاختيار سواء في العبادات أو المعاملات أو العلاقات، سواء الشخصيّة أو العامّة، فلا بدّ أن يكون الإنسان مختارًا، له اختيار وله إرادة. فهل الأمر في الله أيضًا هكذا؟ يعني هل أكره اللهَ أحدٌ أن يرتكب هذا العمل في الخارج خلافًا لرضاه؟ هذا ليس صحيحًا، أو أنّه لم يكن راغبًا ولكن في النهاية حدث أمر كهذا، فهذا أيضًا ليس صحيحًا.
هذا البحث طويل وواسع ولا ينفع لليالي شهر رمضان، وإن كنّا طرحناه بعنوان مقدّمة لندخل في بحث كيفيّة كره الله ورضاه، فإذا أردنا أن نبحث هذا البحث من هذه الجهة ومسألة الإرادة التشريعيّة والإرادة التكوينيّة والرضى بالفعل والرضى بالعمل أو الرضى بالفاعل وأمثال ذلك ممّا يتضمّن أبحاثًا فلسفيّة، فسيكون له ذيل طويل من جهة، كما أنّ ليالي شهر رمضان لا تقتضي هذه الأبحاث الجافّة والعلميّة الصرفة، والحاصل أنّي شخصيًّا لست راغبًا في فتح هذا الباب والاستمرار في هذه المجال، ولكن سنتابع هذا البحث إن شاء الله للشروع في هذه المسألة التي هي أنّ كره الله يرجع إلى كرهنا نحن لا إلى كرهه هو، والجانب الآخر للمسألة والذي هو أبحاث فلسفيّة يبقى لفرص أخرى ومجالات أخرى إن شاء الله.
معنى كره الله لفعل من الأفعال
فقول الإمام السجّاد عليه السلام في هذه الفقرة: مع إتياني ما تكره يريد به كره الله المرتبط بنا نحن ولمصيرنا ولسعادتنا وفلاحنا ونجاحنا، فالله يكره بالنسبة لنا نحن لا بالنسبة إلى ذاته، فهذا العمل ليس مرضيًّا له، هذا العمل ليس مرضيًّا له بالنسبة إلينا نحن، كما لو كان هناك معلّم عطوف يربّي تلامذته ويعطيهم الواجبات ويحاسبهم وينظر في دفاترهم وكتبهم ويحذّرهم ويؤدّبهم فيبكي الطفل في هذا التأديب، يبتليه ببعض العقوبات رغم أنّه ليس راضيًا بأن يبكي هذا الطفل، ولكنّه يرى أنّه لا مجال ولا مفرّ من هذا التأديب، وعندما يعترض الطفل يقول له: ستدرك لاحقًا. فإذا كبر هذا الطفل وكبر وصار عمره يقرب من عشرين عامًا حينها يدرك لماذا كان ذلك التأديب في تلك السنوات من معلّم الصفّ الأوّل والثاني والثالث والرابع. فلولاها لما وصل إلى هذه المرتبة، وكان لسان حاله حينها إنّ ما أفعله هو من أجلك أنت وإلا فاذهب وارسب فما شأني أنا؟ فأنا أتقاضى أجرتي كلّ شهر وكلّ سنة، ثمّ أمضي ثلاثة أشهر الصيف بالسفر مع زوجتي وأولادي، أنت من ضاعت منه سنة، ضاع عمرك أفهل أنت راض؟! هل أمّك وأبوك راضيان بهذا؟!
حسنًا فهذا إجمال الأمر، وإذا وفّقنا الله نرى في الليلة القادمة وما بعدها ماذا نحصّل من حقائق في هذا المجال.
اللهم صل على محمد وآل محمّد