المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني
القسمعنوان البصري
المجموعةالتدبير و النظام الاجتماعي
التوضيح
هو العليم
ضرورة الشورى في إدارة الحياة الاجتماعيّة
شرح حديث عنوان البصريّ - المحاضرة ٥٩
ألقاها
آية الله الحاجّ السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ
قدس الله سره
أعوذ بالله من الشّيطان الرّجيم
بسم الله الرّحمن الرّحيم
الحمد لله ربّ العالمين
وصلّى الله على سيّدنا ونبيّنا وحبيب قلوبنا وطبيب نُفوسنا
أبي القاسم محمّد وعلى آله الطّيّبين الطّاهرين
واللعنة على أعدائهم أجمعين الى يوم الدين
ولا يدبر العبد لنفسه تدبيرًا
قال إمامنا الصادق عليه السلام لعنوان البصري: أن لا يرى العبد لنفسه فيما خوله الله ملكًا لأن العبيد لا يكون لهم ملك، يرون المال مال الله يضعونه حيث أمرهم الله به ولا يدبر العبد لنفسه تدبيرًا.
فيجب أن لا يدبّر العبد لنفسه وأن لا يسعى إلى تنظيم الأمور على أساس كيفيّة أفكاره والوصول إلى نواياه وآماله.
تقدّمت بعض الأمور حول هذه الفقرة ووصل كلامنا إلى أنّ أوامر الإسلام والشرع في التطبيق الدقيق والتدبير لجميع الأمور الشخصية والاجتماعيّة والحركات الفرديّة والاجتماعيّة هو لأجل الوصول إلى نقطة الكمال الشخصي والكمال الاجتماعي. وقد ذكرنا بعض الأمور في التوفيق بين هذه الفقرة الشريفة وما لدينا حول التدبير من معطيات عقليّة وعرفيّة وشرعيّة.
وحديثنا الآن هو حول كيفيّة تنظيم الأمور الاجتماعيّة في الحكومة الإسلاميّة وإن شاء الله سننهي ذلك ضمن ثلاث أو أربع جلسات أخرى. لأنّ المسألة طالت وسنتحدّث على شكل فهرس وبالإجمال، وإن شاء الله إذا وفق الله لاحقًا سنكتب ذلك بشكل مفصّل. وهذا وعد إلى حين يوفّق الله، ويقول الأصدقاء أنت فقط تعطي الوعود، ولكنّ حافظًا يقول أيضًا:
هزار وعده خوبان يكى وفا نكند
والمعنى: ألف وعد من الصالحين ولا وفاء بواحد
وبالطبع نحن لسنا منهم، فالاعتراض باق، الصالحون يعدون ولكن في النهاية بمقتضى كرمهم وعلوّ شأنهم وجلالهم يفون، ولكنّ هذا الأمر لا ينطبق علينا، ونحن معترفون بقصورنا وتقصيرنا.
أهميّة مبدأ الشورى في إدارة الحياة الاجتماعيّة
من المسائل المهمّة في كيفية العلاقات الاجتماعية وإدارة المجتمع مبدأ الشورى الرفيع، وهذا المبدأ المهم في الحكومة الإسلامية يمكن أن يقال إنه الأساس لاستمرار المجتمع، بحيث أنه لو لم يحظ هذا المبدأ المهمّ بالاهتمام الكافي، لاصطدم مسير استمرار الحكومة على أساس العقل وعلى أساس المنطق بالعقبات، ولخضع إلى تغيّر وتبديل. والآية الشريفة تدلّ على هذا المعنى أيضًا، ففي الآية الشريفة {وأمرهم شورى بينهم}۱ أمور المسلمين هي على أساس الشورى على أساس الاستفتاء، على أساس الاقتراح، على أساس تبادل الأفكار ووجهات النظر والآراء. الآية من الآيات المسلمة والتي لا تقبل التأويل وهي أصل من أصولنا العقائدية المسلّمة، فمع غضّ النظر عن كونها مبدأ اجتماعيًّا مهمًّا هي أصل عقائديّ أيضًا.
والآن ما علّة هذا الأمر؟ لماذا يجب أن تكون الشورى في مجتمع المسلمين؟ ولماذا يجب الاستفادة من وجهات نظر مختلف الناس من أي صنف كانوا في سبيل تسيير الأمور؟ وماذا يحدث عند عدمها؟ وما هي المشكلات التي يصاب بها المجتمع؟
لم تكن هذه المسألة موضع اهتمام كبير قبل مدّة، أعني قبل الثورة الإسلامية الإيرانيّة؛ لأنه لم تكن هناك هناك ظروف مناسبة للدخول في هذه المسائل ودراستها، فقد كانت الحكومة حكومة طاغوت وحكومة ظلم وحكومة كفر، حكومة تحكم هذا المجتمع على أساس الاعتقاد بما يخالف مبادئ الإسلام ، وتتوسل إلى القوة والظلم لهذا المجتمع وخصوصًا مجتمع المسلمين. فطرح مسائل كهذه في تلك الظروف لا معنى له في النهاية، فالأمر أمر إنسان واحد مطاع وفي النهاية الأمور بأيدي أفراد معدودين، وقد كنا نشاهد تنحية العقلاء والناضجين عن الأمور المهمّة للدولة.
بعض الحقائق حول الحركة الدستوريّة وخلفيّاتها الاستعماريّة
ورغم أنّه خلال عهد الحركة الدستوريّة جرى الحديث حول هذا الأمر وكتب بعضهم في هذا المجال وقدموا بعض المسائل للنّاس، ولكن حيث إنّ هذه المسألة لم تدرس كما ينبغي وطرحت على عجالة ولم يستفَد من جميع الناس للوصول إلى النتيجة، ولم يقدِّم رأيه في هذا الأمر إلا عدد يسير من العلماء، ونحّي الكثير من الأعاظم عن هذا الموضوع. ففي النتيجة مسألة بهذه الأهمية يرتبط بها موت مجتمع بأسره وحياته صارت تحت تصرّف فئة خاصّة من العلماء والمنظّرين، وأُقصيَ سائر الأعاظم والعلماء عن دائرة طرح الآراء، وربّما إعمال رأيهم، ولذلك أصابنا ما أصابنا، ثمّ تبيّن أنّ جميع ذلك كان له صلة بالخارج وارتباط بما هو خارج حدود وثغور هذه الأمّة المسكينة التي لا اطّلاع لها على شيء، ولم تكن تسعى إلا إلى التغيير والتحوّل.
وقد ذكرت يومًا ـ لا أدري إن كان هنا أو في مكان آخرـ أنّه حتى الذين كانوا سبّاقين في هذا المجال اعترفوا في النهاية أنّهم خدعوا، وأحد هؤلاء الذين كانوا جادّين في هذا الأمر وكانوا يعملون من منطلق الحميّة الدينية، ومن منطلق التدين والحميّة الدينيّة ولأجل الله، المرحوم الآخوند محمد كاظم الخراساني، والذي دعا الناس إلى الحركة الدستورية وبالطبع نحن لا يمكننا أن ننكر أنّه يمكن أن نجد في حركته مواضع لم يُعمل فيها الاهتمام الكافي حتى تراجعت حركته فجأة فالشيخ فضل الله النوري عُلّق على المشنقة بسبب مخالفته للحركة الدستورية فشنق عالم وتقي ليس بالأمر الهيّن، فقد كان الشيخ فضل الله النوري رحمه الله رجلاً عظيمًا جدًّا ويقال إنّه كان من تلامذة الميرزا الشيرازي رحمه الله وعندما كان يتعلّم عنده في سامراء صادف رواية ولا يُدرى أين رآها وفي الليل جاء إلى الميرزا الشيرازي رحمه الله وقال: لقد رأيت رواية اليوم تتحدّث عن أحد أحداث آخر الزمان وهي أنه يعدم عالم طبري لأجل دفاعه عن الدين، وقد خطر في قلبي أنّ هذا العالم الطبري هو أنا. فضحك الميرزا وقال: نعم هو هكذا.لأنّ الميرزا رحمه الله كان من أصحاب القلوب وأصحاب الحال، ومتى حصل هذا الأمر قبل سنوات كثيرة من ظهور الحركة الدستوريّة في زمان ناصر الدين شاه مثلاً وبعد ناصر الدين شاه جاء مظفر الدين شاه، ثمّ محمد علي شاه ثم بعد سنوات... على كلّ حال كان الشيخ فضل الله رحمه الله رجلاً عظيمًا جدًا، ففي النهاية هذه أمور لا يمكن التجاوز عنها بسهولة لا بدّ من الاهتمام بها أمّا القراءة والمطالعة هكذا والاستماع والمرور عنها ببساطة فليس صحيحًا.
حتى الآخوند محمد كاظم الخراساني نفسه عندما التفت تعجّب من واقع هذا البلد فجميع شعارات الحركة الدستورية وجميع الإعلانات واإسلاماه وانبيّاه وامحمّداه كانوا يأتون بها إلى المدن ويقتلون الناس. فأتباع ستار خان وباقر خان وأشباههم كانوا يأتون بهذه الشعارات وفجأة التفت الآخوند محمّد كاظم أنّ المسألة ترجع إلى الانجليز، وكافّة هذه الخطط قد طرحت هناك للسيطرة على الأوضاع ولإزالة الدين وعقائد الناس، ومنذ أن التفت الاستعمار إلى أنّ نفوذ كلمة مرجعيّة الشيعة كالميرزا حسن الشيرازي أعلى الله مقامه والذي كان رجلاً لا يمكن أن نرى أمثاله إلا في عالم الرؤيا. وحتى في عالم الرؤيا لا نراه. فنحن لم نر في الرؤيا مثله ومثل حالاته ومستوى معرفته ومستوى بصيرته ومستوى بصيرته القلبيّة، حيث لم يأت بعده إلى مرجعيّة الشيعة مثله. بعد أن التفت أنّ الاستعمار له نفوذ كلمة هكذا، بفتوى واحدة وبحكم واحد حتّى زوجة ناصر الدين شاه كسرت النارجيلة أمامه وزوجة ناصر الدين شاه لا شيء يذكر، بل حتّى الخدم الذين كانوا هناك فزوجة إنسان ما علاقتها بزوجها واضحة، الخدّام والعبيد عند ناصر الدين شاه كانوا يأتون بالنارجيلات ويكسرونها أمام عينيه، وهذا أمر عجيب جدًّا، حينها أدرك الاستعمار أنّه لا بدّ من البحث عن حيلة، وعندما سمع الميرزا الشيرازي بهذا الخبر بكى. قالوا: هل بكاؤك بكاء شوق لأنّ خادمة ناصر الدين شاه مثلاً عندما يريد أن يخالفك تقول له إنّ ذلك المرجع حكم بتحريم التنباك
ـ أنا الملك وأحكم بخلافه.
تأتي خادمة ناصر الدين شاه وتقف أمامه وتقول: أنت ملك البلاد والميرزا نائب إمام زماننا ونحن لا نجعل كلام إمام الزمان تحت أقدامنا. وكلام الشاه ـ هل التفتم ـ أحسنت بارك الله بك. لو أننا نفعل ذلك دائمًا لكان عملنا صحيحًا.
لو كنّا نلتفت دائمًا فانظروا خادمة تقف أمام الملك وتقول: مَن عليّ أن أخافه ليس أنت، أنت ملك أنت يمكنك أن تلقيني في السجن، لديك هذه القوّة الظاهريّة ونحن سنعيش عمرًا سواء في السجن أو في المنزل، وفي النهاية بعد يومين سنكون كلانا تحت التراب، أنت يقتلونك برصاصة، ونحن نمرض ونموت بمرض، أو أنت تعدمنا لا فرق. كلانا يوضع بدننا تحت التراب وحينها يُعلم من المتقدّم أنا أم أنت، الآن في هذين اليومين نضرب من قال هذا الكلام نقضي عليه ونلقيه في السجن نعم من يتكلم أمام الملك أمام ناصر الدين شاه يلقونه في السجن، لا إشكال، لا إشكال.
قصّة إرسال هارون الجارية إلى زنزانة الإمام موسى بن جعفر عليه السلام وتبدّل أحوالها
لقد كان موسى بن جعفر في السجن أيضًا، إنّه إمام، إمام عالم الوجود، إمام جميع الخلائق، إمام جميع الملائكة، إمام جميع العوالم، ولكنّ حكمة الله قضت أن يمضي إلى السجن.
فيقول أمضي. لا يمكن لهارون أن يرى إنسانًا في مواجهته، لا يمكنه أن يراه، أيًّا يكن فإنّا نزيله، نضربه نقتله نلقيه في السجن، لا بأس ألقه. ماذا قال الإمام الحسين عليه السلام؟ قال الإمام الحسين هل لديك إحاطة بأكثر من هذه الروح التي في بدني؟ هل لديك تسلط؟ هل يمكنك أن تأخذ ديني؟ ديني ليس تحت تصرّفك. هل يمكنك أن تأخذ معرفتي؟ هل يمكنك أن تأخذ ارتباطي مع الله؟ إن كان بإمكانك ذلك فعلينا أن نفكّر بأمرما. ما يمكنك أن تفعله هو أن تفصل بين نفسي وبدني فتفضّل وافصل في هذه اللحظة! تعال قليل من الحديد يفعل ذلك أيضًا. إن استطعت فخذ تعلّقي بالله وحينها عليّ أن أفكر بمسكنتي وسوء حظّي. إن استطعت فخذ معرفتي وحينها عليّ أن أفكّر. إن استطعت فخذ تلك الحقائق، تلك الأمور، تلك النعم، تلك الألطاف، وما أعطاه الله. إن استطعت فخذ الله منّي. تفضّل وإلا فخذ روحي. إن لم تأخذها فإن جرثومة تأتي وتأخذها، فهذا ليس عملاً مهمًا، إن لم تقم به أنت فسيقوم به الفيروس، فلم تقم بشيء مهم، إن لم تأخذها فإنّ خليّة سرطانيّة ستأتي وتأخذها لم تقم بشيء مهم لم تفعل شيئًا تقول أنا كذا أنا كذا نحن نفعل نحن نقيد نحن لدينا قوّة، هذا ليس مهارة فيأخذ موسى بن جعفر ويلقيه في السجن ثمّ ولكي يستغفله ويا له من أحمق! أتريد أن تستغفل موسى بن جعفر أتريد أن تقول للناس: إنّ إمام الشيعة مثل سائر الناس هو من أهل الدنيا أيضًا ومن أهل الرئاسة هو من أهل عبادة المال وعبادة النساء وأمثال ذلك؟! فيرسل إليه جارية من جواري الدرجة الأولى في الجمال ولا نظير لها، يرسلها إلى موسى بن جعفر في السجن ليميل إليها موسى بن جعفر شيئًا فشيئًا، حيث لا يوجد أحد فيبدأ بالصلاة والسجود والسجدات الطويلة ليسجد صباحًا ويرفع رأسه ظهرًا، هكذا كانت سجدات موسى بن جعفر حسنًا لم يكن هناك أحد، كانت هناك الأغلال والزناجير، الآن ما شاء الله ما لا نراه في الرؤيا نراه في اليقظة في النهاية شيئًا فشيئًا: السلام عليكم كيف الحال أهلا وسهلاً بورك مجيئكم ففي النهاية يختلف الأمر في اليوم الأوّل صلاة في اليوم الثاني يظهر ميل شيئًا فشيئًا، فتبتعد الصلواة جانبًا. ويرسل هو بضعة جواسيس أن انظروا إمام الشيعة، هذا إمام الرافضة الذي يفتخرون به، إنّه كغيره لم تكن الأمور مهيّئة له.
هذا يحتاج إلى شقاء عظيم. أنت واقعًا قليل الفهم حتى تريد أن تنظر إلى حال هذا الإنسان ووضعه. وقد فعل المأمون هذا الأمر بعينه مع الإمام الرضا عليه السلام فأرسل إليه من اللواتي فأجابه الإمام بأنّي ابيضت لحيتي ومضى أوان هذا الأمر، فلتكن مباركة لك. كتب إليه رسالة أن قد ابيضت لحيتي ومضى أوان هذا الأمر؛ فلتكن مباركة لك. هذه هي الأعمال التي يقوم بها أهل الدنيا فالآن هذه الأعمال معروفة نعم يقومون بها.
على كل حال جاءت تلك الجارية ـ وأنا أسعى أن أنقل هذه القصة بالعبارات التي استعملها المرحوم العلاّمة عندما نقلها، نعم ما ذكرته لم يكن من تلك العبارات بل أضفته من نفسي ـ فجاءت تلك الجارية فرأت موسى بن جعفر يسجد صباحًا ويرفع رأسه ظهرًا، رأته عند الظهر يصلّي صلاة الظهر ثمّ يسجد وعند الليل يرفع رأسه من السجود، لم يطل الأمر يومين حتّى سجدت هذه الجارية، حتى صارت تسجد عند الصباح وترفع رأسها عند الظهر، لم يكن هذا في اليوم الأول، في اليوم الثاني عند الظهر سجدت ورفعت رأسها عند العصر. هل التفتم؟ هذا إمامٌ. فمع من تتعامل أنت أيها المكسن السيء الحظ؟! فجاؤوا أخذوها وقالوا لهارون لم أنت جالس لقد أرسلت جارية لتخدعه؟ تعال وانظر ماذا جرى على هذه الجارية إنها تسجد عند الصباح وترفع رأسها عند الظهر، تسجد عند الليل وترفع رأسها عند الصباح، رأى أنّ الأمور ليست على ما يرام وقد ساءت جدًّا، وقد حلّ وقت الفضيحة فدعا الجارية، فلمّا جاءت رأى أنّها ليست هي ليست هي التي كانت قبل بضعة أيّام أصلاً لا طاقة لها، إلى أين تنظر؟ ماذا ترى عيناها؟ أين أفكارها؟ يتكلم معها فلا تدرك. لقد أدّى إليها موسى بن جعفر حسابها، دفع إليها نصيبها، قال أنت تريدين أن تخدعيني فخذي. هنيئًا لها ويا لسعادتها إذ وصلت إلى المقصود والمطلوب فهذه السعادات لا تكون نصيب أيّ إنسان. ومهما تحدّث معها هارون كان يرى أنها في عالم آخر. أصلا لا تعي ما يقول، يقول لها ماذا تريدين؟ فتقول فقط خذني إلى موسى بن جعفر في تلك الزنزانة. يقول ألقيك في زنزانة مرة أخرى؟ تقول هذا ما أريده من الله، هكذا تقول أنا أريد من الله أن أذهب إلى الزنزانة، الآن لم يعد السجن بالنسبة لي سجنًا. سابقًا كان سجنًا الآن السجن بالنسبة إليّ أن أكون عندك، هذا بالنسبة إليّ سجن، فقال: خذوها إلى السجن وبعد بضعة أيّام فارقت الدنيا. هذه هي قضيّة الإمامة أنت تريد أن تكذب فاكذب وانظر من الذي يتقدّم أنت أم الإمام تريد أن تلقيه في السجن لتطفئ نور الإمام فيقع النور على قدمك، قدمك تصبح تحت النور لا يمكن للإنسان أبدًا أن يجعل رجله فوق النور ما إن يرد أن يضعها فوقه فإن النور يسقط فوق رجله، يمكنك بالقوّة أن تلقي موسى بن جعفر في السجن يومين أو ثلاثة أو أربعة أو لسنة أو لبضع سنوات، ولكن حكومة موسى بن جعفر وولايته باقية على حالها، إنّها لا تفنى أبدًا. حسنًا لقد طال بنا الكلام.
علّة بكاء الميرزا الشيرازي بعد التزام الجميع بفتواه
رأووا أنّهم أخطأووا والتفتوا إلى حقيقة الأمر، يقول عندما بكى الميرزا الشيرازي سألوه. قال: الآن التفتّ أنّهم لن يهدؤوا بعد الآن، الآن بعد أن أدركوا نفوذ الكلمة، الآن بعد أن أدركوا كيف لمرجعيّة الشيعة تأثير بين الناس ونفوذ في قلوبهم لن يجلسوا بعد الآن، وبكائي هو لهذه المصيبة التي ستحلّ على رؤوس المسلمين، لماذا؟ هذا ما أقوله أنا على لسانه فالميرزا الشيرازي يريد أن يقول: أنا سأموت بعد يومين ومن سيأتي من بعدي لن يكون مثلي. هل التفتم؟ هو لم يقل. هو يتأدّب، هو يتواضع، نحن نقول عنه، لم يعد هناك ميرزا شيرازي آخر في الميدان ليعيّن الحقيقة وليكتشف تلك الأمور، وليحدّد أين يضع قدمه وأين يتوقّف، هذا الأمر يتأتّى منه هو. لذلك يبكي لأنّ الاستعمار سيأتي ويطرح الحركة الدستوريّة وفجأة يلتفتون أنّهم خُدعوا، كلاّ هذه الخدعة سيطرت عليهم بالكامل، أراد أن ينبّه الناس ويعلن الجهاد على الانجليز فقدّموا له في تلك الليلة قهوة وسمُّوه فقتل في اليوم التالي، سار الآخوند رحمة الله عليه من النجف وجاء إلى الكوفة بات ليلته، واستيقظ الناس في الصباح فوجدوا أنّه فارق الحياة، فعُلم أنّ ذلك الذي يقدم القهوة والشاي في المطبخ وفي المقهى كان عميلاً للإنكليز وقد دسّ له السمّ في قهوته فلم يستيقظ عند الصباح، وأعدموا سائر الذين كانوا معه واحدًا واحدًا. بعضهم بسهم الغيب وبعضهم في الليل وبعضهم في النهار وبعضهم يرسلون إليه الأوباش ويصطنعون معه مشكلة فيأخذ الانجليز بأزمة البلاد ثم يأتي رضا شاه ويقضي على الدين هل التفتم؟ كل هذا لأيّ شيء؟ لأجل أنّ تلك الأعين البصيرة وتلك الأنظار المفتوحة التي كانت ترى ما هو أعمق من الأمور العادية قد نحّيت عن الميدان، لم يكن هنا إلا أناس يقيسون الأمور وفق المعايير المتعارفة، فما يدرينا ماذا وراء الستار؟ إنما يعلم ما وراء الستار من قال لي سيأتي يوم يتسبب فيه هذا الرجل ببلاء على هذه البلاد لا يمكن تداركه، وقد نقلت ذلك للأصدقاء، من هذا الرجل الذي لم أكن أعلم اسمه حين ذاك؟ رئيس الجمهورية الأول بعد الثورة، هؤلاء أعينهم بصيرة وهؤلاء نحّوا جانبًا، وفي أحداث الحركة الدستوريّة كان الأمر هكذا أيضًا.
والآن هذا الأصل المهمّ وأمرهم شورى بينهم لأيّ شيء هو؟ لماذا يجب أن يكون في المجتمع وبين المسلمين شورى؟ الأمر واضح وضوح معادلة (٢+٢=٤) لأنّ المجتمع لا بدّ أن يسير على أساس اعتدال المزاج لتحصيل كماله، لا بدّ أن يسير على أساس العقل والفهم، على أساس تأمين العدالة ونشر العدالة بجميع الشؤون والحيثيّات الاجتماعيّة، لذلك فالأمر واضح وكلّ من نسأله ولو كان صغير السن لماذا يجب أن تكون في المجتمع مشورة؟ سيقول: لأن الإنسان ممكن الخطأ الأمر واضح جدًّا. هذا لا يحتاج إلى دليل وبرهان، دائمًا المشورة تؤدّي إلى تضاؤل احتمال الخطأ، وبدون المشورة يرتفع احتمال الخطأ.
والمجتمع الذي فيه خطأ والمجتمع الذي فيه اشتباه، هذه الاشتباهات لا تدعه يصل إلى الكمال الكافي، بل من الممكن أحيانًا أن تؤدّي إلى عواقب لا يمكن تداركها، لدينا اشتباه أو لدينا اشتباهات إلى ما شاء الله؛ نحن نخطئ بين الصلاة الثلاثيّة والرباعيّة فنصلي الثلاثيّة رباعيّة، فهذا خطأ، وإنكار الله أيضًا خطأٌ، فذاك خطأ أيضًا ولكنّ ما صلة هذا بالأمر؟ نعم لأنّ المجتمع لا بدّ أن يكون على أساس العقل وعلى أساس الدراية، وكلّ إنسان ينبغي أن يختار أفضل طريق وأفضل منهج سواء في الأمور الشخصيّة أو الاجتماعيّة أو الأسريّة أو في علاقاته مع الناس الآخرين في أيّ أمر وفي أيّ قضيّة.
فمثلاً أنا الآن يجب أن أستريح وإن لم أسترح سأمرض ، إن لم أسترح سأمرض وأسقط وتتعطل أعمالي الأخرى، الآن يجب أن أتناول الطعام، إن لم أتناوله سأمرض، سأصاب في معدتي، سأتأذّى، ثمّ يصبح هذا الأمر مشكلة، الآن يجب أن لا آكل، الآن يجب أن لا أتكلّم بهذا الكلام، الآن يجب أن أقوم بهذا العمل، في جميع الموارد سواء منها الشخصيّة أم العامّة أو الاجتماعيّة يجب أن يكون العقل والاعتدال حاكمين على أمور الإنسان. هذا القانون قانون مهم.
إذن لماذا نحن نشاور، لماذا في الدنيا هذه المجالس؟ لماذا في الدنيا مجالس تشريعيّة ومجالس للتخطيط؟ لماذا؟ لكي يقلّلوا من نسبة الخطأ، لو كان من المقرّر أن يطيع الجميع وزيرًا في دولة في كلّ ما يقول فمن المعلوم ماذا سيحل بتلك الدولة، لو كان من المقرر أن يطاع الملك في كل ما يقول من قبل ثمانمئة مليون من الناس ومليار من الناس ومئتي مليون من الناس وخمسين مليون من الناس، فيقولوا: نعم نعم يا سيدي. فمن الواضح ماذا سيحلّ في تلك الدولة.
فلكي نقلّل من احتمال الخطأ لا بدّ من طرح هذا الأمر كقانون عقلائي وكقانون اجتماعي وكعقيدة لا لكي يشارك الناس ولكي يعطَوا أهميّة واحترامًا؛ فهذا كلّه شكليّات، وهذا كله اعتبارات، فأنا شخصيًّا لا أريد أن يمنّوا عليّ بمنّةٍ كهذه وأن يعطوني قيمة وأن أكون طرفًا للمشاورة في أمر، كلا فلو كان هناك عمل صحيح فلنكن خارج الشورى مئة عام ليس مهمًّا، المهمّ أن يكون هناك عمل صحيح، هذا هو المهمّ. أما أن يُهتّم بالإنسان ثمّ يذهب الطرف الآخر ويقوم بما يحلو له فما هذه المنّة التي يمنّ بها على الإنسان؟! فما هذا؟!
كان هناك في العهد السابق رجل يقول: إنّ فلانًا في أعماله التي يقوم بها يدعو جماعة ويطلب منهم المشورة. قلت له: كلا هذا كلّه تمثيل هذا كله...
قال لا أنا بنفسي كنت في مجلس كان هناك جماعة وكذا...
فقلت له: هل هناك مجلس آخر هذه المرّة؟
قال: نعم هناك مجلس آخر، ولحسن الحظ نحن مدعوون ويجب أن نذهب، فهناك أمر سيحدث. فقلت لذلك الرجل: حسنًا إذا ذهبت إلى ذلك المجلس فاسأله حول تلك المسألة التي ستحدث واطرح هذا الأمر بحماس فالمسألة مسألة حماس ـ وبالطبع فإنّ ذلك الرجل قد انتقل إلى رحمة الله منذ مدّة بعيدة، تقريبًا قبل أربعة عشر عامًا أو خمسة عشر عامًا أو ستة عشر عامًا ـ فقال: حسنًا هذه أيضًا واحدة من الأمور المهمّة. وعندما انعقد المجلس جرى الحديث حول بعض الأمور فاقترح هذا الرجل قائلاً: حول هذا الأمر الذي سيحدث دعونا نطرح الأمر وننظر ما هو رأي السادة قال: فجأة رأيت أنّهم حرفوا الكلام عن مساره إلى موضع آخر. فقلت مرة ثانية: ماذا حصل بهذا الأمر؟ في النهاية ماذا حصل؟ يجب أن نفكّر بهذا الأمر! فقلت له: آه هل رأيت؟ نعم نطرح مسألتين أو ثلاثًا من المسائل العادية المتداولة التي لا يختلف الحال فيها ثمّ نقول: لقد شاورنا في الأمور. فالشورى ليست هكذا، بل لا بدّ أن تطرح كأصل عقائدي وأنّه ما هو المعيار للشورى في الحكومة الإسلاميّة؟ المعيار هو الصون من الخطأ والزلل في تقديم الخطط الاجتماعيّة أو الوصول بهما إلى الحد الأدنى في البرامج الاجتماعية.
لا معنى للشورى مع وجود المعصوم عليه السلام ولا عبرة فيها بالأكثريّة
فما دام المعيار هكذا فهل يجب في زمان رسول الله أو في زمان الإمام ايضًا أن يراعى ذلك؟ فلو طرح رسول الله أمرًا فهل يجب أن تقولوا لا بدّ من الشورى والعمل برأي الأكثريّة أم لا؟ كلاّ لماذا؟ لأنّ المعيار للشورى ليس هو كثرة الناس وتقديم الخطّة، الآن في هذا المجلس مثلاً مائتا إنسان، ثلاثمائة إنسان ونريد أن نتشاور في أمر ما، فهناك مائتا إنسان يدلون بآرائهم فلو صاروا أربعمائة فما هو الفرق؟ ولوصاروا ألفًا فبماذا يختلف الأمر؟ هل كثرة الآراء هي المهمّة أم الوصول إلى المطلوب والوصول إلى النتيجة هو المهم؟ إن كان الوصول إلى المطلوب والنتيجة هو المهمّ فسؤالي هو هذا : لو فرضنا أنّ المعلّم يطرح بين تلامذة الصف الأول أمرًا فيه مصلحتهم ويرتبط بحياتهم وخصوصيّاتهم كما لو كان هناك مثلاً ثلج يتساقط في الخارج، الثلج يتساقط في الخارج فيقول: أيّها الأولاد هل ندرس أو نخرج ونلعب بالثلج؟ فكم واحدًا سيقول نبقى في الصفّ؟ لا أحد. الجميع يقولون: فلنذهب لنلعب بالثلج. الآن يريد المعلّم أن يعمل، جميعنا نقول: كلا. لماذا كلا لأجل عقل هذا المعلم وتجربة المعلم وتقدُّم هذا المعلم في العمر على أفكار هؤلاء الأولاد الطفوليّة. لو سألنا طفلاً تريد أن تدرس أو تلعب؟ سيقول: أريد أن ألعب من الصباح حتّى المساء. لكنّ أبويه يقولان: كلاّ ويشجّعانه أن اذهب وادرس اذهب. ويأتون له بالألعاب، اللعب إلى جانب الدرس حتّى يترقّى شيئًا فشيئًا فيلتفت إلى أنّ الحقّ كان مع أبويه.
لو عملنا الآن وفقًا لرأي الطفل: هل تريد الذهاب إلى المدرسة أم تريد اللعب في المنزل؟
ـ لا ، أريد أن ألعب. حسنًا، إلعب هذا العام.
في العام الثاني: هل تريد اللعب أم...؟
ـ لا ، ما زلت أريد اللعب. عندما يكبر هذا الطفل هو نفسه سيديننا ـ أرجو الالتفات، فهذه مسألة مهمّة جدًّا ـ هذا الطفل نفسه سيديننا أمام وجدانه وأمام الناس أن لماذا تركتموني عندما لم يكن عقلي مدركًا ولم أكن أعرف مصلحتي ومفسدتي، لماذا تركتموني؟ ألم تكن أبي؟! ألم تكن مسؤولاً عني؟! ألم تكن مسؤولاً عن أموري ، فلماذا فعلت هذا؟ ومهما يقول الأب: لقد فعلتُ ما تريد. سيقول: عبثًا فعلتَ ما أريد! وليس للأب جواب على هذا السؤال. وليس هذا الطفل وحده بل المجتمع يدينه، والحكيم يدينه أيضًا، كما يدينه الشرع والتكليف والله، وعليه أن يجيب يوم القيامة. يقول الله: لماذا لم تدع هذا الطفل يدرس؟! لماذا؟! يقول: لقد كانت هذه رغبته.
ـ كانت هذه رغبته! فلماذا جعلتُك وليّه! لماذا جعلتُك كفيلاً له ، لماذا جعلتُك مسئولاً عن شؤونه! فقط لتجلس وتشاهد؟!
عقل رسول الله وفهم رسول الله فهم أرفع من البشر. ولو جاء العالم كلّه يقول: نختار هذا الطريق، ويقول رسول الله: لا بل ذاك الطريق. فسيكون حرامًا أن يرجّحوا رأيهم على رأي رسول الله، فهو محرّم قانونًا ومحرّم عقلاً. فبما أنّي أدركت أنّ رسول الله هو رسول من عند الله وقوله (فصل وما هو بالهزل)۱، ولا يتكلم عبثًا وهو مشرف على الناس مطّلع على القضايا الاجتماعيّة ، مطّلع على المصالح، ومطّلع على المستقبل، عندما يكون هذا هو الحال فلا أستطيع أن أعمل خلاف رسول الله، رغم أنّ قلبي يسير في اتّجاه آخر، فلو ذهبت وعملت فسيكون الحال كقضيّة الحركة الدستوريّة. الناس يخرجون من بيوتهم ويطالبون بالإسلام فمتى إذن؟ لأيّ زمان كنّا نقول هذا إذن؟ لأي زمان كنّا نقول هذه الأمور؟ هؤلاء الناس يأتون. سيّدي، انظر وانظر! الحشود تأتي وتأتي. أيّها السادة ثلاثون ألف رجلاً كانوا يصلّون خلف مسلم في الكوفة ثلاثون ألف رجلاً كانوا يصلّون في الكوفة هل تشرّفتم بزيارة مسجد الكوفة؟! إن كنتم تشرّفتم فإن شاء الله توفّقون مرّة أخرى، وإن لم تكونوا ذهبتم، وفّقكم الله لزيارة هذه الأماكن المقدسة في أسرع وقت ممكن، فمسجد الكوفة كبير جدًّا، ثلاثون ألفًا ليست بشيء، أعتقد أنه يمكن أن يحتوي مائة ألف مصلّ! نعم أكثر من ذلك يصلي في مسجد الكوفة هذا. هنا كان أمير المؤمنين يصلّي، هنا كان مسلم يصلّي، وكان يتحدّث إلى الناس ويبيّن الأمور، وذات ليلة جاء ولم يكن أحد خلفه. هؤلاء الناس بعينهم، هؤلاء الذين يقولون: جعلت فداك، وأمثال ذلك، لقد اعتادوا أن يأخذوا ماء الوضوء للتبرّك به فيمسحوا به وجوههم، هؤلاء الذين ينظرون إلى الظاهر، ينظرون إلى الحشود وإلى الكثرة، يقولون يا للعجب! لقد انتهى الأمر، انتهى أمر يزيد. انتهى أمره! انظر إلى هذا الحشد! ثلاثون ألف رجل، ثلاثون ألف سيف، ثلاثون ألفًا من الخيل، فسنذهب ونضرب، وماذا سنفعل، سنقلب الشام رأسًا على عقب. سنقضي عليها، سنفعل كذا وكذا، ونفعل كذا وكذا. سيدي، وبشائعة، وشيء يسير من المال والدراهم والدنانير، وبإشاعة أنّ جيش يزيد الآن على ثمانية فراسخ، وغدًا سيقضون عليكم، لم يبق حتّى رجل واحد.هل التفتّم الآن إلى مستوى اعتقاد الناس؟ لم يقف معه حتّى رجل واحد. على الأقل كان يجب أن يخرج اثنان لينظرا ما إن كان هناك شيء عند الثمانية فراسخ أم لا، لا ولكن رجعوا جميعًا بسبب هذه الإشاعة إلى منازلهم وغلّقوا الأبواب. أين ماء الوضوء وأين البرَكة! إلى أين ذهب كلّ هذا؟! وهنا وكما قالوا في يومنا هذا. يلتفت الإمام الهادي عليه السلام ويقول: ما العمل عند الشك؟! يقول الإمام: استخدم عقلك، استخدم عقلك! لذا انهض وانطلق وانظر. افترض أنّك رأيت... اجلس وفكّر، لأيّ غاية تعيش أنت؟ من أجل ماذا تريد الحياة؟ لماذا تريدها؟ إمامك الآن قد أرسل مسلمًا، وإمامك الآن أرسل نائبه، في رسالة كتبها لأهل الكوفة ، يقول الإمام: أرسلت إليكم أخي، وهو يعبّر عن مسلم كأخ، ثمّ بعد ذلك أنت تدير ظهرك؟! إن أدرت ظهرك لمسلم فهذا أمر بسيط، ولكن لماذا أتيت إلى قتال الإمام الحسين بعد ذلك! إنّ ترك مسلم يستتبع قتال الإمام الحسين، هناك طأطأت رأسك وقلت: إن شاء الله لا يرى الله، غادرت المسجد، وذهبت إلى البيت، فقلت: الله لا يرى! يقول الله: حسنًا سأغمض عيني عن الأمور الأخرى، وأكلك إلى نفسك! وإذا أغمض الله عينيه فالويل الويل! انظر ماذا سيحلّ بهذا العبد؟ يذهب ويأخذ برأس الإمام الحسين. لقد كان خلف مسلم ثمّ ترك الصلاة ومضى وقتل ابن النبيّ ولو استطاع لقتل النبيّ أيضًا. لقتل النبيّ. ما هذه الحالة؟! هي لأنّ الإنسان لم يستخدم الفهم.
مخالفة المسلمين للنبيّ في التخطيط لمعركة أحد
عندما يقول رسول الله شيئًا فيجب أن لا نقول لماذا ولأيّ شيء؟ (إنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ * وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ)۱ في معركة أحد جمع رسول الله الناس أن ماذا تريدون أن نصنع؟ لم يأت أحد ليقول: يا رسول الله نحن كما تريد، نحن نطيع ما تأمر. أي أنّهم في الحقيقة لم يقبلوا برسول الله كإنسان أعلى درجة منهم، أعلى قليلاً ، أنت مثلاً تستدعي إنسانًا ما لتصميم هذا المنزل إذا أردت أن تعدّل فيه، ما دمت واثقًا به فإنّك تستمع إلى كلّ ما يقوله. لا نريد أن نتحدّث الآن عن حقيقة رسول الله ما هي وأنّه قاب قوسين، وكل العوالم تحت تصرّفه، وله إشراف على كلّ الأمور وما عنده وما عنده، هل تعدّه أنت أعلى منك أم لا؟! أعلى بقليل منك! قال قائل منهم: نبقى هنا. قال النبيّ: هل نبقى هنا في المدينة وندافع عنها أم نخرج؟! قال بعضهم: نخرج. وفضّل رسول الله أن يبقوا في المدينة المنوّرة ، فإذا جاء الكفّار وجاء المشركون، فنحن ندافع ، فقام بعض الناس، بمن فيهم حمزة هذا، حمزة عمّ الرسول، فحمزة هذا رجل عظيم، إنه رجل شريف، إنه رجل مضحٍّ، لقد كرّس حياته كلّها للنبيّ، كلّ ذلك صحيح، ولكن يا سيّد حمزة، مع كامل الاعتذار، مع كامل الاعتذار، ومع كامل الأدب، ومع كامل التواضع، يجب أن نقول هذا الأمر بكلّ تواضع ونحن نأمل في شفاعتك! فالحمزة يشفع لنا! لا تعتقدوا [أنّ أمره يسير]، ولكن لكلّ شيء حسابه [وينبغي أن لا تجعلنا محبّتنا له نتغاضى عن موقفه]! فلكلّ شيء مقامه. كان ينبغي أن لا تقول لرسول الله: علينا أن نخرج. ما الذي فكر به حمزة حينها؟ أنا بطل. يقولون: نقاتل في المدينة! هذا للعجزة ، هذا عمل الجبناء، يذهبون إلى البيوت ويرشقون بالحجارة من فوق الأسطح، وأمثال ذلك، فما هذا الكلام، على المحارب أن يذهب إلى الصحراء، للمواجهة في الصحراء! ما كان يقوله كان يقول أيضًا لله، أي أنّه كان يقول إنّ على المشركين أن يأتوا ويروا. أمّا أن نقف في أزقتنا! ورجل يرمي بالحجارة من هنا، وآخر من هناك، فلا، ليروا شجاعة المسلمين! انظروا تضحية المسلمين! حسنًا، لقد كان يعرف في النهاية من هم خصومه هناك، فقد كان لديهم أيضًا أبطال، كان يرى من العار أنّ يقاتل الحمزة في الأزقة! وقد بنى المتاريس فيها! أنت على حقّ، انهض وتعال إلى الصحراء، فالقتال في الصحراء وجهًا لوجه والحرب حرب أبطال. قال هذا وقال آخرون: إنه محقّ وأيّدوه. فقالوا: نعم نحن نريد القتال. فقال النبيّ: انتهى الأمر، نعم، حسنًا نحن نخرج. هنا لم يواجه النبيّ بعد ذلك. وبعد أن مضت مدّة وانفضّ المجلس وخلَوا بأنفسهم، وسمعوا الأخبار عن عددهم ونوعيّتهم، رأوا أنّ الأمر مختلف، ليس لديهم قوّة توازيهم في الخارج. قالوا: آه يا له من خطأ! فعندما لا يستطيع الإنسان عليه أن يسلك طريقًا عقلانيًّا. عندما لا يستطيع الإنسان، يجب عليه اتباع طريق العقلاء. أمّا أن يعاند ورغم أنّه يعلم أنه لا يستطيع يقول: يجب أن نموت! فاذهب وألق بنفسك عن السطح لتموت، ما دمت لا تستطيع المواجهة فلماذا تقول: يجب أن نموت. ما دمت لا تستطيع القتال، فلماذا تقول: إنّ علينا الذهاب إلى الصحراء للقتال هناك! تعال إلى البيوت، وفي النهاية هؤلاء يهاجمون إنّهم قادمون. لذلك فاختر طريقًا عقلانيًّا، اتّخذ مسارًا عقلانيًا لتتنصر، وإلا فمت وارم بنفسك من أعلى السقف إلى البئر، فالموت واحد في النتيجة. نعم فهذا ليس صحيحًا. هذا مخالف لطريق العقلاء. لذلك رأوا أنهم كانوا مخطئين. يجب أن يأتوا ويحاصروهم في المدينة المنورة ، عليهم أن يدخلوا شوارع المدينة ، ويغلقوا مكانًا، ويهاجموا من مكان واحد. هذا هو المكان الذي يمكنهم فيه السيطرة عليهم. جاؤوا وقالوا للنبي: يا رسول الله أخطأنا. فقال النبيّ: القرار الذي أتّخذه لا أتراجع عنه. وهذا أمر من الله. لو أردتم كان بإمكانكم أن تؤيّدوا ما قلناه سابقًا، قال النبيّ: ما كان لنبي إذا لبس لامته أن ينزعها حتى يلقى العدوّ٢. وبعد ذلك خرجوا ورأيتم ما حدث للمسلمين! لقد عصت تلك الجماعة ونزلت والتفّ عليهم خالد بن الوليد بخمسمائة فارس وهاجمهم من الخلف، وقتل الأحد عشر رجلاً الذين كانوا على رأس الجبل، وماذا حدث للآخرين وللرسول! لقد كسرت الخوذة في جبين الرسول، وكسرت أسنان الرسول، وأصيب أمير المؤمنين بتسعين جرحًا، ولمَ هذا كلّه؟ لأنّهم لم يسمعوا كلام رسول الله. حسنًا أيّها السادة، فهذا يعلم ما لا تعلمون، لو خرجتم ثمّ حدثت مشكلة لجعلتموها في عهدة النبيّ والأمر سهل عليه. يا رسول الله أنت أمرتنا! وهو يقول أيضًا: ما دمت أنا أمرتكم فأنا مسؤول أمام الله. لكن الآن هل يمكنكم أن تجيبوا الله أنتم؟! أنتم الذين طلبتم الخروج هل يمكنكم أن تجيبوا الله بعد أن كان ما كان؟ طبعًا لقد غفر الله للجميع، والذين استشهدوا أيضًا نالوا درجات رفيعة. لكن لماذا لا نختار العمل الأفضل؟ لماذا لا نقوم بالأفضل؟ هذه نقطة دقيقة للغاية. إنها نقطة حسّاسة للغاية.
الاقتراح على المعصوم خطأ ولو كان حول الصلاة
ذات مرّة كنت في مشهد ـ والآن خطر لي أن أذكر هذه المسألة ـ كنت في مشهد وكنت أتحدّث، وأذكر أنّي كنت أتحدّث عن أحداث ظهر عاشوراء، عندما يكون الإنسان مع الإمام عليه السلام، فما معنى أن يقترح الإنسان؟! ما معنى أن تطرح أمرًا؟! فما يفعله الإمام عليه السلام هو المطلوب. فعلى سبيل المثال لو كان الإمام جالسًا يتحدّث إلى إنسان، فبمجرّد أن يحين وقت غروب الشمس، يقول: يا ابن رسول الله! حان وقت الغروب الآن؛ فلا ينبغي الكلام، ولننهض ونصلّي ولا يفوتنا فضل الصلاة أوّل الوقت، فهل هذا صحيح؟! كلاّ. يريد أن يجلس ويتكلّم، فأنت أيضًا تجلس، أتنهض والكون مع الإمام هو الأساس بالنسبة لنا. لماذا؟ لأنه هو الحقّ. نعم مع غيره... ـ لقد انقضى الوقت ولم نصل إلى ثلث ما أردنا قوله. والوعد لجلسة أخرى كالمعتاد ـ الوجود مع الإمام هو الأصل، لأنّ الإمام هو الحقّ. والحقّ الخالص لا يقبل الجدال، فإن صلّى فقم وصلّ معه. وإن لم يصلّ، فاجلس وتحدّث، فربّما لا يكون الإمام قادرًا حينها، بطنه تؤلمه، لا يستطيع ، يتركها لوقت لاحق. ما المشكلة في هذا؟! ألا ينبغي أن يتألّم الإمام؟! إنّه يتألّم مثل أيّ إنسان آخر. يقول أنا الآن أنتظر بضع دقائق ثمّ أنهض وأصلّي. يا ابن رسول الله الآن وقت المغرب ، الملائكة تنتظر صلاتي لترفعها. لقد أخّرتني، وأنا أريد أن أستفيض، هذه العقول المتحجّرة توجد حركة الخوارج في مقابل الحقّ. الذين يأتون ويريدون التدخّل والاقتراح وأمثال ذلك.
كنت أتحدّث عن هذا الموضوع، ووصلت إلى قضيّة عاشوراء وسيّد الشهداء واقتراح أبي ثمامة الصيداوي. فعندما وصلت إلى هذا الموضوع، قلت إنّ أبا ثمامة الصيداويّ اقترح الصلاة على الإمام الحسين عليه السلام ظهر عاشوراء: يا ابن رسول الله لقد حان وقت الصلاة. طبعًا أؤكّد أنّ علينا أن لا نخلط في الموضوع، فنحن لا ندري كيف كانت حال أبي ثمامة الصيداوي في ذلك الوقت؟ فأحيانًا قد تسيطر الوحدة على المجموعة الموجودة. هذه الوحدة هي وحدة ولاية الإمام عليه السلام وسيطرته على تلك الجماعة، بحيث تصبح المجموعة بأكملها بحكم الإمام؛ بحكم سيّد الشهداء. ثمّ بعد ذلك يصبح لسان أبي ثمامة الصيداويّ لسان الإمام الحسين، ويصبح لسان مسلم بن عوسجة لسان الإمام الحسين، ويصبح لسان حبيب بن مظاهر لسان الإمام الحسين، أي الوحدة هي التي تحكم ذلك. نحن لا ننظر إلى قضية أبي ثمامة الصيداوي على أنّها من هذا القبيل. بل نقول: لو كنّا على ما نحن عليه الآن، فنحن لا نبلغ إلى تلك المرحلة، ولا ندرك شيئًا منها، فمع غضّ النظر عن تلك الوحدة، يجب أن لا نقترح. الإمام الحسين يريد أن يصلّي، أو لا يريد الصلاة ، لا يريد حتّى أن يصلي ، فما شأننا نحن؟! قلت إنّ قضية أبي ثمامة الصيداوي مختلفة؛ فقد كانت الوحدة قد سيطرت على كلّ أهل كربلاء وكان اللسان لسانًا واحدًا. تمامًا كما لو اقترح أبو الفضل. كأنّ عليًّا الأكبر قد اقترح، فهو من هؤلاء الأصحاب، هو منهم. لا، فبعيدًا عن ذلك، فقضية كربلاء قضية لا يمكن مقارنتها بأيّ شيء. كربلاء حدث واحد في تاريخ البشريّة، لم يكن له مثيل ولن يكون له مثيل. ومن قال إنّ لها مثيلاً فهذا كلامه هو. قضيّة كربلاء قضيّة بعيدة عن كلّ أفكارنا وخيالاتنا وأوهامنا، نعم أوهامنا لماذا؟ لأنّ الإمام الحسين هو الحقّ، ولا ينبغي للإنسان أن يقترح أمام الحقّ. ماذا يريد أن يقترح؟! أفهل لدينا ما هو أعلى من الحقّ! ليس هناك أعلى من الحقّ! فماذا يريد الإنسان أن يقترح؟! ففعله حقّ، ولسانه حقّ، وقدمه حقّ وكلامه حقّ.
فقضيّة الإمام وقضيّة المعصوم مستثناة من موضوع الشورى. وحول مسألة رسول الله ـ طبعًا لا زال هناك كلام. وإن شاء الله نتركه للجلسات اللاحقة، نظرًا لكونها مسألة مهمة، فمن الأفضل إعطاء المزيد من التفاصيل حولها ـ فمسألة طاعة رسول الله وطاعة الإمام المعصوم عليه السلام مستثناة من الشورى. لماذا؟ لأنّنا نريد من الشورى أن نصحّح الخطأ أو نقلّل من الخطأ، ولا خطأ في كلام المعصومين، فإذن الشورى منتفية، اثنان إلى اثنين أربعة. تارة تريد أن تبدي رأيك، وأن تظهر نفسك، حسنًا، فتعال وأرني ما تريد، تعال وأبرز ما تريد.
قال قائل: أريد أن أكون مشهورًا ، ومهما صنعت لم أشتهر. قيل له: ابتدع في الدين تصبح مشهورًا. وفي اليوم التالي اخترع أمرًا من عند نفسه؛ فذاع في كلّ مكان: آه ، فلان قال هذا! أصبحت مشهورًا في النهاية.
فتارة تريد أن تطرح نفسك، حسنًا فافعل ما تريد! وتارة تريد أن تطرح نظريّة موافقة للحقيقة ومعتدلة، فماذا لدينا أعلى من نظريّة الإمام؟! المشكلة هنا أنّه لماذا يدعو الإمام عليه السلام الناس إلى الشورى ولماذا يدعو النبيُّ؟ وفي حالة عدم وجود هؤلاء؟ نترك هذه التساؤلات إلى وقت آخر.
اين سخن بگذار تا وقت دگر
يقول: دع هذا الكلام إلى وقت آخر.
نتمنّى أن يثبّتنا الله تعالى على صراط الأئمة عليهم السلام وأن يكشف لنا حقائق وتعاليم التشيّع والتشيع الخالص.
اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد