16

الذكر والتمرّن في ميدان العمل على تحقيق الأسماء الإلهيّة في النفس

8802
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمعنوان البصري

المجموعةالورد و الذكر


التوضيح

تتحدّث هذه المحاضرة عن الذكر ودوره في التمرّن على تطبيق الأسماء والصفات الإلهيّة في نفس الإنسان، فبعد أن فسّرت المحاضرة السابقة معنى الأسماء الإلهيّة ودعاء الله بها، تبيّن هذه المحاضرة أنّ في الإنسان ودائع إلهيّة من أسمائه وصفاته على نحو الاستعداد، ويحتاج إخراجها إلى الفعليّة تمرينًا عمليًّا، تمامًا كما يحتاج الطالب الجامعيّ إلى التمرين في المختبر، ويحصل ذلك بأمرين:
أولاً: إدراك حقائق هذه الأسماء والصفات وذكر الله بها مع التوجّه إلى حقائقها ومفاهیمها.
ثانيًا: تطبيقها في ميدان العمل في المجالات المختلفة.
وهي تبيّن أنّ الجمع بين هذين الأمرين كان الفارق بين سلوك العلامة الطهراني وسلوك بعض تلامذة المرحوم الأنصاري رضوان الله عليهما. كما استشهدت لبيان دور التمرين والممارسة في تكوّن الخبرة بسيرة بعض مشاهير فنّي الرسم والخطّ.
وأثناء بيان وجود الصفات في النفس وأثرها في الأفعال المختلفة، توسّع المحاضر رضوان الله عليه ببيان دوران الدنيا على أساس الجهل، مستشهدًا بالعديد من صور ذلك كالاهتمام الكبير بكرة القدم ومعايير انتخاب الرؤساء و...

/۱۲
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

الذكر والتمرّن في ميدان العمل على تحقيق الأسماء الإلهيّة في النفس

1
  •  

  • هو العليم 

  •  

  • الذكر والتمرّن في ميدان العمل على تحقيق الأسماء الإلهيّة في النفس

  • شرح حديث عنوان البصريّ - المحاضرة ۱٦

  •  

  • ألقاها

  • آية الله الحاجّ السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدس الله سره

  •  

الذكر والتمرّن في ميدان العمل على تحقيق الأسماء الإلهيّة في النفس

2
  •  

  • أعوذ باللـه من الشيطان الرجيم

  • بسم اللـه الرحمن الرحيم

  • الحمد للـه ربّ العالمين

  • والصلاة والسلام على أشرف المرسلين

  • ورسول ربّ العالمين

  • أبي القاسم المصطفى محمّد وعلى آله الطيّبين الطاهرين

  • واللعنة على أعدائهم أجمعين 

  •  

  • لا تشغلني عن وردي!

  • قالَ الإمامُ الصّادقُ عليه السّلام لِعنوانِ البَصرى:

  • مَعَ ذلكَ لى أورادٌ فى كُلِّ ساعَةٍ مِن آناءِ اللَيلِ و النَّهارِ، فَلا تَشغَلنى عَن وِردى و خُذ عَن مالكٍ و اختَلِف إليهِ كَما كُنتَ تَختَلِفُ إليه.

  • یقول الإمام الصادق عليه السلام لعنوان البصريّ: لا تُضِعْ وقتي! فإنّ لي طوال الليل والنهار أورادًا وأذكارًا، وتردُّدك عليّ مانع منها؛ فلا تشغلني عن وردي واختلف إلى مالك كما كنت تختلف إليه. 

  • خلاصة الجلسة السابقة: الطلب من الله حاجة فطريّة تتحقّق بالعمل لا باللسان

  • تحدّثنا في الجلسة السابقة حول الآية الشريفة ‌ {وَ لِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى‌ فَادْعُوهُ بِها}۱ وكيفيّة الدعاء والطلب من الله والمقدّمات اللازمة لذلك. 

  • ثمّ هل ذاك الطلب أمر اعتباريّ أم حاجة فطريّة؟ أي إنّ طلب الإنسان من ربّه تحقّق الأسماء والصفات الإلهيّة في وجوده هل هو أمر خارج عن أهداف الحياة؟ وبالتالي فهل يسرّ الله إذا طلب عبده منه؛ فيجعله من المقرّبين والصالحين، وإن لم نطلب فإنّ جنّة الله ستبقى خالية، ولذلك فنحن أصحاب المنّة؟ أم أنّ الطلب حاجة فطريّة؟

  • لقد تقدّمت في الجلسات السابقة أبحاث حول حاجة الإنسان إلى الدخول في مقام الأسماء والصفات الإلهيّة، وضرورة رفع الحجب الظلمانيّة وإيصال الاستعدادات التي أودعها الله في الإنسان إلى الفعليّة. وذكرنا أنّ طريق السير والسلوك إلى الله مسير طبيعيّ وهو حاجة فطريّة وجدانيّة للبشر، فلو لم نطلب ماذا نصنع؟ وما هو تاج الكرامة الذي وضعه على رؤوسهم هؤلاء الذين ليسوا في مقام الطلب والذين يمضون حياتهم بغير هدف ونتيجة؟ لقد خرجوا عن مسيرهم الطبيعيّ، وضيّعوا الجوهرة الثمينة التي هي قابليّة أن يكونوا عقيقاً في يد السلطان، وجعلوها في أيدي الأطفال الذين يحطّمونها ويقضون على قيمتها واستعدادها للصقل والبلوغ إلى الكمال.

  • تقدّم أن معنى فقرة فادعوه بها في الآية الشريفة {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} هي أنّ على الإنسان أن يجعل نفسه تحت السيطرة التكوينيّة لأسماء الله ونفوذها وتأثيرها، أمّا الاقتصار على الجلوس والإمساك بالسبحة وقول يا الله، ثمّ القيام بما يحلو من الأعمال فهو خداع للنفس.

    1. . سورة الأعراف (۷) الآية ۱۸۰.

الذكر والتمرّن في ميدان العمل على تحقيق الأسماء الإلهيّة في النفس

3
  • وكما أنّ وجود الله المقدّس في مقام الذات هو حقيقة محضة وكمال مطلق، فإنّ الأسماء الإلهيّة التي هي رشحات من تلك الذات والصفات الإلهيّة التي هي لازمة لتلك الأسماء هي ذات حقيقة مطلقة وكمال مطلق بإطلاق الله وكماله۱؛ لذلك فإنّ من يريد أن يوصل نفسه إلى الكمال المطلق لا بدّ أن يسلك طرق الوصول إلى ذاك المقصد، ويمضي قدماً في ذلك الاتجاه.

  • فهل الغِيبة والتهمة وإتلاف الوقت وإساءة السلوك مع خلق الله وطلب المنافع للنفس والتمحور حول الذات في القضايا والمسائل المختلفة واتخاذ المعايير الشخصية لتقييم الأشياء هل كل ذلك طرق للوصول إلى الله؟ فلو أنّ إنساناً جلس وقام بما يهوى وخاض فيما يريد ثمّ سلى نفسه بكلمات من الأذكار والأوراد وآيات القرآن فعليه أن يعلم أنّه قد ضلّ الطريق ولم يزدد من الله إلا بعداً٢ فبمقدار ما يسير الإنسان على خلاف هذا الطريق فإنه يبتعد عن ذلك المبدأ ولا يترتب على أعماله أي أثر.

  • حاجة الإنسان إلى التمرّن على تطبيق أسماء الله في ذاته كحاجة الطالب إلى المختبر

  • إنّ حالنا مع أسماء الله يشبه حال طالب يدرس في جامعة، فلو أنهم لم يأخذوه إلى المختبر لما أمكنه أن يعرف الصواب والخطأ فيما درسه في علم و ظائف الأعضاء وأمثاله، فلا يمكنه أن يلاحظ آثار الميكروبات على الأعضاء والجوارح وأجهزة البدن، بل لا بدّ أن يرى ما يدرّسه أستاذه بعينه وبطريقة عمليّة، لا بدّ أن يرى بنفسه كيفيّة الدورة الدمويّة وتأثير الدواء والسمّ على الجهاز العصبي، ولا بدّ أن يطبّق عمليًّا ما قرأه في الكتب المختلفة، وأن لا يكتفيَ بها بشكل نظريّ حيث يمكن أن تتضمّن بعض الأخطاء.

  • فلو كان المطلوب أن يحفظ الإنسان ما يقوله الأستاذ حفظ الببغاء، فستكون هذه المعلومات في ذهنه وكأنها في شريط مسجّل، ولن يتمكّن من التصديق بها والشعور بها بوجدانه.

  • إنّ طالب الهندسة المعماريّة الذي يدرس كيفيّة بناء الجسور ومدّها ونصب الأعمدة وأمثال ذلك لا بدّ أن يحسب مقدار الضغط الناتج الذي سيكون على كلّ عمود، وأن يجرّب ذلك أيضاً عمليًّا؛ فمثلاً لا بدّ أن يشاهد كم يمكن للزاوية الموصولة بالجسر أن تنقص من الضغط عن كلّ سانتيمتر مكعّب منه. والحاصل أنّه إن لم يجرّب علومه ولم ينزل إلى ميدان العمل بعد سنوات من الدراسة، فإنّ مبنى من عدّة طبقات سينهار بسبب عدم تحمّل الضغط. 

    1. لمزبد من الاطلاع حول الكمال المطلق لأسماء الله وصفاته راجع معرفة الله جزء ۱ ص٢٢۸.
    2. الكافي ج۱ ص ٤٥.

الذكر والتمرّن في ميدان العمل على تحقيق الأسماء الإلهيّة في النفس

4
  • وجود الصفات والأسماء كذخائر في ذواتنا تتحكّم في أفعالنا

  • لقد أودعت في وجود كلّ واحد منّا بما يتناسب مع المواقع المختلفة صفات وذخائر، والآثار التي تنتج وتظهر عنّا هي نتيجة تلك الصفات والذخائر الموجودة فينا، وهذا أمر بديهيّ. فالإنسان الذي يتمتّع بقوّة من التدبير لا بأس بها لا بدّ أن يكون مسؤولاً لمؤسّسة، لا من هو أدنى منه، ولو استبدلنا مكان كلّ واحد بمكان الآخر لظهر الفساد، لأنّ العمل الخارجيّ معلول للصفات النفسيّة، وحسب قوّة وضعف تلك الصفات فإنّ العمل الخارجيّ أيضًا سيكون مختلفًا. إنّ إمام الجماعة في مسجد قرية يكفيه أن يعرف مقدارًا من مسائل الحلال والحرام وأحكام الزكاة، أمّا مجرّد الاطّلاع على المسائل ذات الصلة بالأبقار والأغنام فلا يكفي لإمام جماعة في مسجد مصلّوه من أصحاب المستوى العالي من الثقافة، وعندما يكون كلّ واحد من هذين الرجلين مكان الآخر فإنّ عمر أحدهما سيضيع هباءً، وأمّا الآخر فسيؤدّي إلى الإفساد. 

  • إدارة الدنيا على أساس الجهل

  • في السنوات التي تلت عام ۱٣٤٢ هـ ش۱ كان المرحوم الوالد رضوان الله عليه يدعو إلى مسجد القائم خطباء فضلاء جيّدي البيان يمكنهم أن يطرحوا المسائل المعاصرة، من أمثال المرحوم آية الله آذري الذي انتقل إلى رحمة الله مؤخّرًا، والمرحوم صدر البلاغي رحمه الله أيضًا. 

  • كان المرحوم صدر البلاغي بليغًا جدًّا حسن البيان، ورغم أنّي كنت حينها صغيرًا ابن ثمان سنوات تقريبًا، كانت عندي في تلك المرحلة روحيّة الفضول التي تجعلني أدقّق في كلّ شيء. وبعد انتهاء محاضرة المرحوم صدر البلاغي مساء كانت تأتي سيّارة توصله برفقة المرحوم العلامة إلى منزله، ثمّ توصلنا نحن إلى المنزل الذي كان لنا في شارع "آهنگ"، وقد كنت أنصت إلى الأحاديث التي كانت تدور أثناء الطريق، ولا زالت حتّى الآن في ذهني بدون أيّ تغيير. 

  • وفي ليلة من تلك الليالي حيث كان المرحوم العلامة جالسًا مع المرحوم صدر البلاغي في القسم الخلفيّ من السيّارة وأنا في القسم الأماميّ، دار الحديث حول كيفيّة إدارة المجتمع في الدنيا لا خصوص المجتمع الإيرانيّ وأنّها حول أيّ شيء تتمحور؟ فالتفت المرحوم العلاّمة إلى المرحوم صدر البلاغي وقال: 

    1. الموافقة لسنة ۱٣۸٣ هجري قمري و ۱٩٦٣ميلادي، وهي بدايات انطلاقة الثورة الإسلاميّة في إيران حيث ألقي القبض على آية الله السيّد الخميني رحمة الله عليه ثمّ أطلق سراحه. (م)

الذكر والتمرّن في ميدان العمل على تحقيق الأسماء الإلهيّة في النفس

5
  • يا سيّد إنّ الدنيا تدور على أساس الجهل، الجهل! انظر إلى القوانين التي تضعها الحكومات هل هي قوانين علميّة ومنطقيّة وعقلائيّة أم قوانين على أساس تحصيل الكثرة في الدنيا، والشهوة والوصول إلى المادّيات؟!

  • هل حصل حتّى الآن أنّهم إذا أرادوا أن ينتخبوا رئیس جمهوريّة في الدنيا اهتمّوا بشهاداته العلميّة؟! فمثلاً في الدعاية لانتخابات رئاسة الجمهوريّة في أميركا كانوا يأتون بفنّانين بمعنى أن يسلّموا الدنيا لفنّان. ولو سأل أحد رئیس جمهوريّة العراق أنّه مع غضّ النظر عن الرتبة العسكريّة التي لك، ما هو العلم والشهادة والاختصاص الذي لديك؟ فلا جواب لديه إلا أن يقول: اختصاصيّ وفنّي هو القتل وإبادة البلاد والبقاء وحدي. 

  • ولو أنّ عالمًا أو مخترعًا أراد أن يسافر من بلد إلى آخر، فإنّ أقصى ما يحدث هو أن يأتي مائة من الناس الذين يعرفونه والذين هم على تواصل معه لاستقباله، في حين أنّي بنفسي أذكر أنّه كتب في الجرائد في العهد السابق أنّه عندما جاء أحد الفنّانين من غير الإيرانيّين إلى إيران، فقد غصّت الشوارع إلى المطار وامتلأت إلى اثنين من الكيلومترات، وكلّ ذلك هو لأجل حكومة الجهل. 

  • فهل هذا الاستقبال العجيب للذين يسافرون من إيران إلى الخارج ويركلون الكرة بضعة ركلات بأقدامهم هو عمل مستند إلى العقل؟! وذلك أمر إن لم نقل أنّه يرتبط بنسبة ٩۰ % بالحظّ فإنّه على الأقل يرتبط به بنسبة ٦۰% فهذا هو عقلنا وعقل دنيا هذا العصر!

  • واللطيف هو أنّ رؤساء الناس أيضًا يهتمّون بهذه المسألة! فنحن كقاعدة وزعماء ومخطّطين ومحرّكين للمجتمع نحو الكمال، نعلن هذا الأمر للدنيا على أنّه ذو قيمة رفيعة، وهي لا تتوقّع منّا ذلك، وذلك انطلاقًا من الانفعال والتأثّر بهذا الأمر القائم على الأحاسيس. 

  • يقولون لو صرف واحد بالألف من هذه المبالغ العظيمة التي تصرف اليوم في الرياضة في الصحّة العالميّة لاقتلعت كافّة الأمراض عن وجه الأرض بشكل كامل، فهل من السلوك العقلائيّ أن نجعل كلّ هذا الفقر والمسكنة والمرض والهلاك في جانب، وركض هؤلاء السادة من هنا إلى هناك في جانب آخر؟! ولذلك كان يقول: إنّ الدنيا تدور على أساس الجهل. 

الذكر والتمرّن في ميدان العمل على تحقيق الأسماء الإلهيّة في النفس

6
  • معنى هذه الجملة أنّ محوريّة الدينا ليست هي العلم، فعندما تفتح المذياع، بدلاً من الحديث عن التكامل الأخلاقيّ والاكتشافات العلميّة، لا تجد إلا حديثًا عن الضرب والخطف والقتل وما أشبه ذلك، فهذه محوريّة الجهل لا العلم!

  • وعلى كلّ حال، فقد قال المرحوم العلامة هذا الكلام للمرحوم صدر البلاغي، وهو في الليلة التالية بيّن ذلك على المنبر وقال: انظروا إلى هذا العقل المفكّر يقول: إنّ الدنيا تدور على أساس الجهل. 

  • وبعد يومين وصلت إلى المرحوم العلامة من مديريّة الأمن ورقة أن تفضّلوا إلى مركز المديريّة بسبب إهانة خطيبكم لعالي المقام [الشاه]!

  • وقال له الذي تكلّم معه في المديريّة: نحن نعلم أنّ كلامكم صحيح، ولكن ليس كلّ ما يعلم يقال. فقال: إنّ هذا الكلام الذي طرحه السيد على المنبر كان كلامًا خصوصيًّا. فقال هو أيضًا: نحن أيضًا لدينا ألف كلام خصوصيّ، ولكن لماذا سمحتم أن يطرحه أمام الملأ؟ فأجاب المرحوم العلامة: هل هو صبيّ لكي أمنعه؟! إنّه خطيب معروف وفاضل وحسن البيان وهو بنفسه ينبغي أن يعرف ما يقول وما لا يقول.

  • والقصّة مفصّلة، والخلاصة أنّهم أخذوا تعهّدًا من المرحوم العلامة أن لا يدعو المرحوم صدرًا البلاغيّ.

  • نعم، إنّ سيطرة الفقر والهلاك في الدنيا وحرمان الكثير من البلدان حتّى من الإمكانات الأوليّة للسلامة والصحّة، ونشوء النزاع بين الجميع وشيوع الانحطاط الثقافي كلّ ذلك هو نتيجة الجهل.

  • فلكي تحافظ أميركا على قيمة القمح ثابتة في العالم، ترمي فائض القمح في البحر بدلاً من أن تعطيه لأفريقيا، فهذا من الجهل، وهؤلاء لم يفهموا اسم الله الرازق، ولم يصلوا إلى أسماء الله الودود والرحمن والرحيم. فلو أنّهم وصلوا لما فعلوا ذلك، ولما بقي إنسان واحد على وجه الأرض جائعًا يعاني المشكلات بغير معيل.

  • إنّ الطاقات الموجودة هي في تصرّف الجهل لا المنطق، فهل تنفق رؤوس أموال البلدان في الأمور التي تعود على المجتمع بالنفع؟! يستخرجون النفط من الآبار ویصرفونه فی التخيّلات والأوهام، في الأفلام والإعلانات، وما ينافي العفّة والكمال والتكامل، وفي سبيل انحطاط المجتمع. 

  • إنّ أهمّ شركات الإعلان والدعاية والإعلام هي في يد أميركا. ورئیس هذه الشركة رجل صهيونيّ، والله يعلم ما هي المسائل والأحداث وماذا سيجري على الناس في الأعوام القادمة! ففي إعلانات هذه الشركة لا يبثّ دعاءا كميل والصباح، ولكن تبثّ خمسة آلاف طريق للخيانة والجريمة والفاحشة وإبادة الأصالة والطاقات النفسيّة، والسقوط في المهالك وخسارة الكيان الإنسانيّ، والعقل والمنطق البشري. 

الذكر والتمرّن في ميدان العمل على تحقيق الأسماء الإلهيّة في النفس

7
  • وأن تسهّل أمور الفواحش والجرائم هو لأنّ الدنيا تتمحور حول الجهل.

  • وليس المراد من الجهل عدم التدبير، فعلى العكس هم في منتهى الإدارة والتدبير، وبقدر ما هم متخلّفون عن أسماء الرازق والودود والرحيم والعطوف، هم متقدّمون في الإدارة والتدبير، وقد جعلوا الناس خاضعين لألاعيبهم. 

  • أمران لتحقيق الأسماء الإلهيّة في وجودنا

  • يبرز الله تعالى رحمته في العوالم المختلفة من طرق وأدوات ووسائل مختلفة؛ ولكي يتمكّن الإنسان من تحقيق الأسماء الإلهيّة في وجود نفسه ويعبر من تلك الطرق، لا بدّ أن يهتمّ بأمرين في سلوكه:

  • الأمر الأوّل: معرفة الأسماء والصفات واتّضاح الجهة المنطقيّة للأسماء والصفات الإلهيّة، فمثلاً لا بدّ أن يتّضح للإنسان هل العدالة أمرجيّد أم باطل؟! هل الودّ والمحبّة قيمة أم أمر مخالف للقيم؟ هل العلم والوصول إلى المعرفة كمال أم نقص؟! هل المساعدة والرحمة والعطف وتنجية المساكين والإخوة في الدين من القيم أم من الرذائل؟!

  • وبعبارة أخرى على الإنسان أن يفهم أنّ الله تعالى يدبّر عالم الخلق بواسطة أسمائه وصفاته، ويدرك معنى الودود والعليم والقادر والعفوّ والغفور. فالغفور هو من يكفّ نفسه ويتجاوز ويعفو عند المقدرة على الانتقام، فهل هذه الصفة قيمة أم لا قيمة لها؟!

  • الأمر الثاني: أن يستعمل الإنسان هذه الأسماء والصفات بعد فهم ذلك، وأن يحقّقها في نفسه. فهذا هو معنى ما يقوله الأعاظم من أنّ "على الإنسان أن يقوم ويعمل ليلاً ليصرف في النهار." ۱ فالليل له سكينة وصفاء، وفي الليل تستريح النفوس التي هي في مقام المعارضة والممانعة والتضاد والتي هي مستعدّة للاتّصال بالإنسان من كلّ ناحية، لذلك على الإنسان أن يقوم من نومه، ويحدث ارتباطًا ويعمل بما يقوله الإمام الصادق عليه السلام ويطبّق في المجتمع نهارًا ما حازه في الليلة السالفة، فهذه الخطوة العمليّة هي كالتشريح بالنسبة إلى الدروس النظريّة.

  • والخلاصة هي أنّ على السالك في المرحلة الأولى أن يفهم معنى يا ودود، ومعنى التوحيد وظلم النفس والجهل في فقرة {لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}٢، ثمّ وفي المرحلة الثانية لا بدّ أن يشتغل بهذه الأذكار ليلاً، ثمّ يطبّقها في النهار وفي العلاقة مع نفسه والمجتمع والرفيق والشريك، هذه المسألة مهمّة. 

    1. . ولايت فقيه در حكومت اسلام، ج ٤، ص ٦۸؛ آيين رستگارى، ص ٤٢.
    2. . سورة الأنبياء (٢۱) الآية ۸۷. اربعين در فرهنگ شيعه، ص ٣٩: 
      لا معبود ولا مؤثّر في العالم إلّا ذاتك التي هي الأقدس، أنت منزّه عن كلّ حمد وثناء، ومن كلّ فكر وخيال ووهم وإدراك منّا لذاتك ذات الجلال (ونحن نطلب بأفكارنا ونيّاتنا الناقصة وعقلنا الضعيف وسعتنا الوجوديّة المحدودة، وأنت أعلى وأرفع من وهمنا وخيالنا) وإنّي بأفكاري وأعمالي هذه من أهل الخسران وظالم لنفسي. 

الذكر والتمرّن في ميدان العمل على تحقيق الأسماء الإلهيّة في النفس

8
  • لقد كان لي من العمر أربع سنوات حين كان المرحوم الأنصاري رضوان الله عليه يأتي من همدان إلى طهران وينزل في منازل أحد أنسبائه، أذكر أنّ تلامذته كانوا يأتون في الليالي ويقرؤون دعاء الجوشن، ويقولون معًا: 

  • «سُبحانَكَ يا لا إلهَ إلّا أنتَ، الغَوثَ الغَوثَ خَلِّصنا مِنَ النّارِ يا ربّ»۱ 

  • ولكن لم يكن اختلاف أسلوب المرحوم الوالد مع الأقارب والرفقاء بعد المرحوم الشيخ الأنصاري إلا في أنّه يطبّق في المجتمع المطالب التي كان يسمعها من أساتذته، أمّا الآخرون فقد اعتادوا على مجرّد الأوراد اللسانيّة والحديث عن الأعاظم وقراءة الشعر، وكانوا يسلّون أنفسهم بقراءة شعر حافظ ودعاء الجوشن في الليالي. ٢ 

  • إنّ دعاء الجوشن ليس بالدعاء اليسير، دعاء الجوشن حديث قدسيّ وكلام للّه نزل على نفس النبيّ على هيئة تختلف عن القرآن. ٣ ومن يقرأ هذا الدعاء يجد أنّه بيّن ألفًا وواحدًا من الأسماء والصفات والعلامات والأسامي الإلهيّة. ومعنى ذلك أنّه جعل نفسه تحت غطاء وسيطرة هذه الصفات، ولكن لا فائدة ولا نتيجة من مجرّد الذكر الدائم لفقرات هذا الدعاء، ومن يفعل ذلك يبقَ في مكانه. فلو ذكر مائة عام في كلّ ليلة ولكنّه لم يطبّق ذلك الذكر الليلي في النهار في السوق والعيادة والمصنع والمتجر والدرس والبحث العلميّ فلا فائدة تترتّب عليه. 

  • حاجة النفس إلى التمرين في كافّة الفنون

  • إنّ مسألة ضرورة تمرين النفس لا تختصّ بطريق الله، فالإنسان في تحصيل أيّة غاية من الغايات الدنيويّة لا يمكن أن يصل إلى هدفه بغير تمرين، فالتمرين يؤدّي إلى بلوغ الاستعدادات إلى مرحلة الفعليّة. 

  • حاجة الجميع حتّى النبيّ والإمام إلى ممارسة الذكر هي دوام الاستفاضة من الله المطلق في عالم البقاء

  • يتصوّر البعض أنّ السير والسلوك والحركة في طريق الله هي بسبب نزول الإنسان إلى الدنيا والتعلّق بها، ولأنّ حجاب الغفلة قد غطّى كامل وجود الإنسان، فإنّ هذه الحجب أدّت إلى حدوث بون بعيد بينه وبين المحبوب، ولذلك ولكي يطوي تلك المسافة الفاصلة لا بدّ من المجاهدة والمراقبة وأن يلاحظ تلك الأسماء والصفات الإلهيّة، ويعمل على أساسها. فهذا أمر صحيح ويستحقّ الدراسة، ولكنّ المسألة ليست تامّة. 

    1. . المصباح (للكفعمي) ص ٢٤۷.
    2. . راجع الروح مجرد، ص ٥۸.
    3. . راجع مُهَج الدّعوات، ص ٢٢۷.

الذكر والتمرّن في ميدان العمل على تحقيق الأسماء الإلهيّة في النفس

9
  • فالأسماء والصفات الإلهيّة التي تقوم بعملها بشكل منبسط ومفصّل وخارج عن الإجمال في هذه الدنيا وفي العوالم العليا، هي عبارة عن الآثار التي ترشّحت وانبعثت عن الذات الإلهيّة في مقام الإطلاق لا مقام المحدوديّة. 

  • فمعنى كون الله عالمًا هو أنّ علمه هو في مقام الإطلاق لا المحدوديّة، وليس لأحد حتّى الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله أن يصل إلى علمه. ومعنى كونه قادرًا هو أنّ قدرته هي في مقام الإطلاق وليس هناك أحد حتّى الذوات المقدّسة للأئمة عليهم السلام يمكنه أن يصل إلى منتهى تلك القدرة التي هي أثر تلك الذات ونتيجتها. 

  • فالولاية هي أثر من آثار الذات الحاكمة والغالبة على نفوس الأئمة عليهم السلام، ولكنّ الكلام هو في أنّ هذا الظهور إذا صار في قالب التعيّن فإنّه سيتنافى مع ذلك الإطلاق؛ لذلك فإنّ النبيّ الأكرم أيضًا رغم مقامه وعظمته التي تجعل جميع عوالم التكوين منبعثة من نفسه المباركة وتحت إرادته كان يقول حتّى نهاية عمره: «رَبِّ زِدنى فيكَ تَحَيُّرًا!» ۱ ومعنى الكلام النبويّ هذا هو: اللهمّ زد علمي بك، لأنّه ما لم يعلم الإنسان ويطّلع ويعرف موضوعًا ما، وما لم يطّلع على خصوصيّاته فلا يتحيّر، بل يتجاوز عن المسألة بنظرة عابرة. لو أعطينا قطعة من الألماس النفيس لطفل، فلأنّه خال من المعرفة يشرع باللعب بها، أمّا لو أعطينا هذه القطعة نفسها لخبير في الجواهر ومطّلع ومجرّب، فإنّه سيتحيّر. 

  • نحن لا ندرك شيئًا لنتحيّر ونقول: «رَبِّ زِدنى فيكَ تَحَيُّرًا» بل النبيّ هو الذي وصل إلى حقيقة علم الله واطّلع على الوجود الإطلاقيّ وغير المتناهي لله. فمن باب المثال يمكن أن يكون لي أنا اطّلاع على خصوص الطحين والسكّر الموجودين في هذه الحلوى، ولكنّ إنسانًا آخر ممّن له اطّلاع أكثر يمكن أن ينتهي إلى كافّة الموادّ الموجودة فيها، والآن لو أنّ النبيّ كان قد وصل إلى جميع مراتب علم الله كمن اطّلع على كافّة محتويات شيء من الأشياء، فلن يكون بعد ذلك من معنى لأن يقول كلمة «زِدنى» .

  • قصص وشواهد حول مراس أهل الرسم والخط وخبرتهم

    1. . الفتوحات المكّية، ج ۱، ص ٢۷۱ و ٢۷٢؛ ج ٢، ص ٥٤٥؛ فصوص الحكم، ص ۷٣؛ مرصاد العباد، ص ٣٢٦؛ شرح الأسماء الحسنى، ملّا هادى سبزوارى، ص ٥٣٥.

الذكر والتمرّن في ميدان العمل على تحقيق الأسماء الإلهيّة في النفس

10
  • قصّة عن الرسّام كمال الملك

  • يحكى في سيرة كمال الملك۱ ـ صاحب اللوحات الشهيرة والذي يمكن أن يقال إنّه رسّام لا مثيل له ـ أنّه في يوم من الأيّام يهدي بضعة لوحات من لوحاته الخاصّة إلى المكتبة الوطنيّة، وعوضًا عن إحدى هذه اللوحات يقوم مسؤول المكتبة بإرسال مبلغ له، فينزعج كمال الملك من هذه الحادثة ويعيد المبلغ ويقول لهم: إن كانوا يريدون أن يدفعوا لي قيمة لوحتي فليأتوا لواحدة من لوحاتي بنظير لكي أدفع أنا المبلغ الذي تقدّر به على وجه الأرض! 

  • ثمّ يأتي بواحدة من تلك اللوحات ويحضر أسطوانة يبلغ طولها ستين سانتيمرًا أو سبعين كان قد صنعها من الكارتون ويقول: عندما تنظرون إلى هذه اللوحة فلا تنظروا نظرة عابرة! ضعوا هذه الأسطوانة على زوايا اللوحة وانظروا بعين واحدة لكي تدركوا مهارة الرسّام وفنّه. 

  • وعندما ينظرون إلى اللوحة بهذه الطريقة يلتفتون كم كانت هناك من الأمور الدقيقة التي لم يلتفتوا إليها في النظرة الأولى! ووحده من كان من أهل الفنّ يمكنه أن يدركها ويعرفها!

  • وهنا نلتفت لماذا يقول الإمام الصادق عليه السلام لعنوان: مَعَ ذلكَ لى أورادٌ فى كُلِّ ساعَةٍ مِن آناءِ اللَيلِ و النَّهارِ. فالمعنى الذي يدركه الإمام عليه السلام من كلمة لا إله إلا الله لن يخطر أبدًا على أذهاننا، والإمام دائمًا يرى نفسه محتاجًا لاستجلاب الفيض من الله، ولو رأى نفسه مستغنيًا عن ذلك لما قال: لا إله إلا الله. 

  • وعلى كلّ حال، لا بدّ للوصول إلى هذه المرتبة من التمرين: التمرين في العبادة، في الصدق، في الارتباط الصحيح مع خلق الله والأسرة، وفي الاستقامة وتطبيق ما يريد الإسلام والأولياء تحقيقه في الواقع.

  • من الشروط المهمّة لهذا الطريق المراقبة، وهي تعني أن يستعمل ويطبّق السالك في النهار ما تعلّمه.

  • روز در كسب هنر كوش كه مِي خوردن روز *** دلِ چون آينه در زنگ ظلام اندازد٢
  • يقول: 

  • [نهارك فاسعَ لكسب الفنون *** وليلك خلِّ لشرب الخمور

  • فإنّ خمور النهار لَداء *** يُزيلُ الجلاءَ ويمحو الضياء ]٣

  • فعلى الإنسان أن يقوم ليلاً، وأن يكتسب في النهار فنون ذلك الليل. أمّا لو اكتفى بالصلاة التي هي لرفع التكليف ثمّ قضى حياته بذلك النحو المتعارف الذي يقولون فيه: لا ندري ماذا سيحصل؟! فعلينا أن نقول: وإلا فالغرام له أهل.٤

    1. كمال الملك رسام إيراني اسمه محمد غفاري، ولد في سنة ۱۸٤۷ وتوفي سنة ۱٩٤۰. يعتبر أحد أشهر رسامي إيران المعاصرين، وله آثار كثيرة ومهمة في قصور ملوك إيران ومراكزها الثقافية الكبرى. (م)
    2. . ديوان حافظ، غزل ۱٥۰.
    3. وترجمته الحرفيّة: اسعَ في النهار لكسب الحرفة و الفنّ، إذ إنّ شرب الخمرة نهارًا يُظلم القلب كما يُظلم الصدأ المرآة. والخمرة عندهم رمز للعبادة ومحبّة الله. (م)
    4. . ديوان ابن الفارض، ص ۱٦٢. 
      و إن شِئتَ أن تَحيا سَعيدًا فَمُت بِهِ‌***شهيدًا، و إلّا فَالغَرامُ لَهُ أهلُ‌



      فمَن لَم يمُت فى حبِّهِ لَم يعِش بِهِ‌ *** و دونَ اجتِناءِ النَّحلِ ما جَنَتِ النَّحلُ‌

الذكر والتمرّن في ميدان العمل على تحقيق الأسماء الإلهيّة في النفس

11
  • فللّه جماعة آخرون يأتون ويعملون بهذه المطالب ويصلون إلى منبع الوجود. 

  • قصّة عن الخطّاط السيّد حسين ميرخاني وأستاذه عماد الكتّاب

  • وقد كنت سابقًا أشارك في جلسات الخطّاط المعروف المرحوم السيّد حسين مير خاني۱ لتعليم الخطّ. وقد كان خطّاطًا معروفًا جدًّا، وحسب اعتقادي كان خطّه يفوق خطّ المير عماد٢ حُسنًا، وكانت له دار للكتابة في القسم الأسفل من شارع سعدي، وكان الخطّاطون يتردّدون على تلك الدار، وكانت لنا معه في كلّ أسبوع ثلاث جلسات، كلّ جلسة تستغرق ساعتين إلى ثلاثة يحدّثنا فيها عن كلّ شيء، وفي ربع الساعة الأخيرة كان يعطينا واجبًا. 

  • لقد كان الأخوان ميرخاني (السيد حسين الأخ الأكبر والسيّد حسن٣ الأخ الأصغر) كلاهما خطّاطَين، وكانت دار الكتابة التابعة للسيّد حسن في مقابل مسجد سبهسالار٤ في الطابق الأعلى، وأذكر أنّ المرحوم العلامة كان يراجع السيّد حسن لطباعة إعلانات مسجد القائم وکان هو یکتبها. ولا زال لديّ الكثير من نسخه الخطيّة للثالث من شعبان والنصف منه وعيد الغدير. وكان خطّا هذين الأخوين تقريبًا متساويين، ولكنّ السيّد حسين كان أكثر مهارة في تربية التلاميذ. 

  • وكان المرحوم السيّد حسين ميرخاني رجلاً ناضجًا وله نظريّات في مجاله، وفي يوم من الأيّام كان يتحدّث حول ضرورة أن يكون للإنسان اهتمام، وأنّه بدون اهتمام لا يصل إلى أيّ شيء فكان يقول: لقد كان أبي السيّد مرتضى الحسينيّ أيضًا خطّاطًا معروفًا. وقد نقل لي قصّة عن أستاذه عماد الكتّاب٥ حول الاهتمام فقال:

  • في أحد أيّام الأربعاء ذهبت إلى أستاذي عماد الكتّاب، فكتب الواجبات وقال لي: 

  • تمرّن على هذه الواجبات وأحضرها يوم السبت. وفي يومي الخميس والجمعة كتبت بدقّة عالية صفحتين، و ظنًّا منّي أنّي بذلت جهدًا كبيرًا، ذهبت يوم السبت عند الساعة التاسعة تقريبًا إلى دار الكتابة لعماد الكتّاب. 

  • وعندما وصلت رأيت أنّه قد وضع على الطاولة بضعة أنواع من الأقلام، وهيّأ عددًا كبيرًا من الأوراق كواجبات من الخطوط المختلفة، وكان لا يزال مشغولاً بالكتابة، فسلّمت وجلست. 

  • فقال: أين واجبك لأراه. فأريته الصفحتين. 

  • فألقى عليها نظرة ثمّ وضعها جانبًا وقال: من يوم الأربعاء إلى السبت لم تكتب سوى صفحتين؟! هذا المقدار من الأوراق التي بعضها فوق بعض هو فقط من الساعة الثامنة إلى التاسعة صباحًا بعد أن جئت إلى هنا! فهذا عملي حتّى غدوت عمّاد الكتّاب. 

    1. أحد أبرز الخطّاطين الإيرانيين المحدثين الذين تربّعوا على قمّة الخطّ الفارسي، وُلد في ٢٥ محرّم سنة ۱٣٢٥ في طهران، أخذ الخطّ في أوّل أمره مع أخيه حسن على أبيهما مرتضى بَرَغاني الذي كان يخطّ الكتب لطباعتها طباعة حجرية، وقد ساعد أباه في عمله هذا وهو في سن الثانية عشر، وقد ورثت الأسرة في الخطّ طريقة السلف مثل ميرزا رضا كَلْهُر وعماد الكتّاب. تُوفّي حسين ميرخاني في ۱٩ من شهر شعبان سنة ۱٤۰٢. اتّصف خطّه بالمرونة الكبيرة وحصل على الدرجة الأولى في خطّ النستعليق ووصل به إلى أعلى المراتب... ترأس جمعية الخطّاطين الإيرانيين، وتتلمذ على يديه مجموعة من الخطّاطين الإيرانيين المعاصرين، منهم أميرخاني، سلحشور، هادي حاجي آقاجاني، غلام حسين أميرخاني...(راجع: الخطّ العربي، نشأته، مبادئه، استخداماته. الربيز: عبد الناصر ونوس، الربيز: محمد غنوم، ۱٤٣۰-۱٤٣۱. منشورات جامعة دمشق، كلية الفنون الجميلة.) (م)
    2. مير عماد الحُسْنِيّ (٩٦۱ - ۱۰٢٤ هـ / ۱٥٥٤ - ۱٦۱٥م) هو خطاط فارسي، دخل بلاط الشاه عباس في أصفهان خطاطاً بارعاً. قُتل سنة ۱۰٢٤ هـ. (البهنسي, عفيف (۱٩٩٥ م). معجم مصطلحات الخط العربي والخطاطين (الطبعة الأولى). بيروت: مكتبة لبنان ناشرون. صفحة ۱٤٣.) (م)
    3. سيد حسن مير خاني (ت. ۱٤۱۰ هـ / ۱٩٩۰ م) هو خطاط، من أهل إيران، لمع في الخط وخصوصًا في خط النستعليق الذي مارسه لنحو خمسين عاما، ولُقب بسراج الکتاب. توفي بطهران عن عمر يناهز الثمانين، ترك ٢٣ أثرا فنياً بخطه، منها دواوين سعدي وحافظ الشيرازيين ومولوي. (يوسف, محمد خير رمضان. المستدرك على تتمة الأعلام. بيروت: دار ابن حزم. صفحة ۱٥٤.) (م)
    4. مسجد سبهسالار (بالفارسية: مسجد سپهسالار) هو مسجد تاريخي يعود إلى عصر القاجاريين، ويقع في طهران.
    5. وهو الذي كتب ما على مآذن مسجد سبهسالار.

الذكر والتمرّن في ميدان العمل على تحقيق الأسماء الإلهيّة في النفس

12
  • وكان المرحوم السيّد حسين مير خاني قد علّق على جدران دار الكتابة بعض كتابات تلامذته.۱ ويمكن أن يقال إنّ أفضل وأبرز تلامذته وهو الخطّاط المعروف جناب السيّد أمير خاني وهو لا يزال على قيد الحياة أسأل الله له التوفيق ، ولا يزال هناك له بعض الأعمال مثل: 

  • در كار خير حاجتِ هيچ استخاره نیست.٢ 

  • يقول: فعل الخير دومًا لا استخارة فيه.

  • وفي يوم من الأيّام يأتي المرحوم مير خاني بهذه اللوحة مع نموذج من تخطيطه هو لهذه العبارة، ويقدّمها لي ويقول: انظر ما الفرق بين هذين الخطّين؟ فنظرت وقلت: رغم عدم وجود فارق بينهما، ولكن يبدو أنّ خطّك يحمل نوعًا من الحسن والنضج يختصّ بهما.

  • فقال في الجواب: 

  • كنت أودّ أن أخبرك بهذا الأمر، هذا الحسن والنضج هما حصيلة ثلاثين سنة من العمل! وإن يبذِلِ الجهدَ طيلة ثلاثين عامًا فإنّ خطّه سيحتوي هذا النضج الذي لمستَه!

  • والغرض من ذكر هذه الحكاية هو أنّ الإنسان يمكنه بالمراس والتمرين أن يحقّق هذه الأسماء والصفات في نفسه ويصل إلى الكمال. 

  • مجلس تمام گشت و به آخر رسيد عمر *** ما همچنان در اول وصف تو مانده‌ايم٣
  • یقول: [ومجلسنا انقضى وعمرنا انتهى    ***    وفي بدایة وصفك لا زلنا حیاری].

  • تأتي الأفكار إلى الذهن وأنا مجرّد ناطق! أسأل الله التوفيق للعمل وتطبيق الأوامر التي عمل بها الأعاظم وحصلوا على نتيجتها، فإنّهم لم يريدوا أن يخدعونا بل وضعوا الحقيقة بين أيدينا.

  • وإن شاء الله سيجعل عمرنا وحياتنا الدنيا كما يحبّ ويرضى في وصول الاستعدادات إلى الفعليّة! ولن يحرمنا في الدنيا من زيارة أهل البيت عليهم السلام ولا في الآخرة من شفاعتهم! 

  • اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد

  •  

  •  

  •  

    1. وتلامذته معروفون وكانت بيننا وبينهم علاقة في ذلك الزمان. 
    2. . ديوان حافظ، غزل ۸۰:
      هر دم كه دل به عشق دهى خوش دمى بود *** در كار خير حاجت هيچ استخاره نيست‌

      يقول: 
      [نِعمَ وقتًا ما أسْلَمَ قلبُكَ للعشق فيه *** ففعل الخير دومًا لا استخارة فيه]
    3. . گلستان سعدى، ديباچه.