6

الجمع بين الحلم والعلم، ميزان السالك الحقيقي

الحلم في السياسة

3
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمدعاء أبي حمزة الثمالي

المجموعةسنه 1421

التاريخ 1421/09/09


التوضيح

لماذا غالبًا ما يؤدي العلم إلى التكبّر؟ كيف يجمع المؤمن بين علمه وحلمه؟ ما هو المقياس الحقيقيّ لتقدّم السالك في طريقه إلى الله؟ وهل طول الصحبة للأولياء دليل على الكمال؟ تجيب هذه المحاضرة لآية الله السيّد محمّد محسن الحسيني الطهراني عن هذه الأسئلة، موضّحةً أن ازدياد الحلم والتواضع هو علامة الصدق في السلوك لا مجرد ادعاء المعرفة أو الصحبة.

/۱٤
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

الجمع بين الحلم والعلم، ميزان السالك الحقيقي - الحلم في السياسة

1
  •  

  • هوالعلیم

  •  

  • الجمع بين الحلم والعلم، ميزان السالك الحقيقي

  • الحلم في السياسة

  •  

  • شرح دعاء أبي حمزة الثمالي - سنة ۱٤٢۱ هـ - الجلسة السادسة

  •  

  • محاضرة القاها

  • آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدّس الله سره

  •  

  •  

الجمع بين الحلم والعلم، ميزان السالك الحقيقي - الحلم في السياسة

2
  •  

  •  

  • أعوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيمِ 

  • بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 

  • وَصَلَّى اللهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا أَبِي القَاسِمِ مُحَمَّدٍ 

  • صلَّى الله عليه وآله وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ 

  • وَاللَّعْنَةُ عَلَى أَعْدَائِهِمْ أَجْمَعِينَ

  •  

  •  

  • «وَالحَمْدُ للهِ الَّذِي يَحْلُمُ عَنِّي حَتَّى كَأَنِّي لَا ذَنْبَ لِي فَرَبِّي أَحْمَدُ شَيْءٍ عِنْدِي وَأَحَقُّ بِحَمْدِي»؛ 

  • الحمدُ يستحقُّه ويليقُ به الإلهُ الذي مع كوننا نرتكب الذنوب، فهو حليمٌ وصابرٌ في تعاطيه معها ويغضّ الطرف عنها، لدرجة وكأنّنا لم نرتكب ذنبًا. فربُّنا هو أكثر الموجودات حمدًا عندي، وهو الأجدر بحمدي من كلّ موجود.

  • فكما أنّه «أَحْمَدُ شَيْءٍ» فهو «أَحَقُّ بِحَمْدِي» أيضًا؛ فـ «أَحْمَدُ شَيْءٍ» تعني أنّه يحتمل الحمد أكثر ويتقبّله أكثر، و «أَحَقُّ بِحَمْدِي» تعني أنّه الأكثر استحقاقًا للحمد.

  • اقتران الحلم بالعلم من صفات المؤمنين

  • تقدّم في الجلسات الماضية فيما يتعلق بالحلم وأقسامه، أنّ الحلم هو الصبر وضبط النفس وعدم إبداء ردّة فعل تجاه عمل غير مناسب يحدث في الخارج؛ وإلا فلو كان العمل مناسبًا، لما كان للحلم معنى. فإذا كان إنسان ما صبورًا وضابطًا لنفسه تجاه عمل غير مناسب أو خطأ، يُقال له: حليم.

  • وعادةً يكون الذين يملكون علمًا ويكتسبون معرفة ولديهم مخزون من العلم غير حلماء، ويتصرّفون بعنف تجاه المسائل والأمور، بحيث لا توجد فيهم حالة الصبر والحلم. ولدينا رواية عن أمير المؤمنين عليه السلام حول صفات المؤمنين، حيث يقول الإمام: «يَمْزِجُ الحِلْمَ بِالعِلْمِ»۱.

  • المؤمنون دائمًا يمتلكون الحلم إلى جانب العلم. وكأنّ هذا العلم يجلب نوعًا من الغرور للإنسان يجعله غير مستعدّ للتعامل مع الآخرين. الجميع هكذا، وكلّ من يحصل على تخصّص ويبرز في مجال ما فهو لا يقبل أن يتحدّث معه أحد بخصوص ذلك التخصّص. فعلى سبيل المثال، إذا قيل لبنّاء جيّد جدًّا وماهر ومتقن لعمله: "عملك هنا خطأ" أو "يجب أن تفعله هكذا"، فسيقول: «هل أنت أعلم أم أنا؟! اذهب وشأنك!». أو إذا رسم مهندس خارطة واعتُرضَ على عمله، فإنّه يقول: «ما هذا الكلام الذي تقولونه؟! اذهبوا وانشغلوا بأعمالكم!». أو إذا راجع إنسان طبيبًا وتدخّل في عمله، يقول الطبيب: «اذهب إلى طبيب آخر!». أو إذا سُئل عالم عن مسألة ما وأطالوا الكلام قليلاً، يقول: «اذهبوا، ليس لدي وقت ولا مزاج!».

    1. الكافي، ج ٢، ص ٢٣۰؛ نهج البلاغة (عبده)، ج ٢، ص ۱۸۸.

الجمع بين الحلم والعلم، ميزان السالك الحقيقي - الحلم في السياسة

3
  • عادةً، يكون العلم مصحوبًا بنوع من التكبّر والتبختر، ولا فرق بين العلم والحرفة. الحرفة والمهنة والتخصّص في أيّ مجال تسلب من الإنسان الحلم في التعامل مع الآخرين.

  • كون العارف حليمًا بمحوريّة التوحيد

  • على سبيل المثال، إذا سأل طفل في السابعة أو العاشرة من عمره سؤالًا شرعيًا، فهل شوهد أنّه يجاب بهدوء وسكينة واطمئنان وتعامل مناسب؟! إما أن يجيبوه بجواب غير مناسب، أو يقولون له: «اذهب يا ولد، فهذه المسائل ليست في مستواك!». أو يقولون: «اذهب وأحضر من هو أكبر منك ليسأل!». لماذا الأمر هكذا؟! أليس الطفل في عالمه إنسانًا وبشرًا أوليس له روح؟!

  • هذه الأمور تحكي عن أنّ هذه العلاقات خارجة عن محوريّة التوحيد ودائرته، وتندرج في حيطة الكثرة. والعارف والسالك ينظر إلى الطفل كما ينظر إلى الكبير، ويتعامل مع الطفل كما يتعامل مع شخص في الخمسين أو الستين من عمره؛ لأنه يمتلك نفسًا وإدراكًا.

  • انكشاف حقيقة ابن السيّد الحداد رحمه الله 

  • قرأتم في قصّة السيّد الحدّاد رحمه الله في كتاب "الروح المجرّد" أن تصوّره عن ابنه كان أنّه مجرّد طفل توفّي، ولكنّ الله أراه روح هذا الطفل، فكبرت هذه الروح واتّسعت حتّى شملت شرق العالم وغربه تحت حيطة وجودها. فالمسألة ليست مسألة مرور الأيام والليالي والسنوات والشهور. السنوات والشهور تكبّر الجسد وتزيد المادّة والمدّة؛ مثلًا، الطفل الذي يزن خمسة كيلوجرامات يصبح خمسين كيلوجرامًا، لكنّ روحه لا تختلف، فالروح هي الإنسان، والعارف يتعامل مع روح الطفل لا مع جسده الصغير الضئيل.

  • الالتفات إلى منشأ العلم والصفات للابتعاد عن التكبّر والتبختر

  • العلم هو ظاهرة تحصل للإنسان بعناية من الله، فلماذا يتكبر الإنسان ويتبختر بشأنه؟! فهل أحضرتم هذا العلم من جيبكم أنتم حتّى تفخروا به الآن على الآخرين؟! هذه المهنة وهذا التخصّص وهذا الذكاء وهذه الموهبة التي اكتسبتموها الآن، من أعطاكم إياها؟! من الذي ميّزكم من بين سائر الموجودات بهذه الخصوصيّة وجعلكم متفوّقين في هذه الصفة؟! من فعل ذلك غير الله؟! تلك الدقّة التي توجد الآن في عملك الفنّي، وتلك اللطافة التي في حرفتك، من أعطاك هذه اللطافة وهذا الذوق وهذا الفكر؟!

الجمع بين الحلم والعلم، ميزان السالك الحقيقي - الحلم في السياسة

4
  • هذه المسألة عجيبة حقًّا! يُنقل أنّ كمال الملك كان رسّامًا ماهرًا جدًّا، وكان يمتلك ذوقًا وقريحة عجيبة في الرسم والتعبير الفنّي والإبداع! وكان في زمان محمّد علي شاه. يقولون إنّه رسم يومًا في منزله صورة كاملة الطول لغلام أسود بملابس قليلة، بنفس الهيئة التي يعيشون بها في الغابات؛ هذه الصورة موجودة الآن في المتحف. ودعا محمد علي شاه يومًا إلى منزله ووضع هذه الصورة مقابل الباب. كانت الصورة تبدو حقيقيّة وطبيعيّة لدرجة أنّه عندما دخل محمّد علي شاه منزله ووقعت عينه على هذه الصورة، سقط أرضًا من الخوف! لأنه لم يكن يتصوّر من تلك الصورة شيئًا سوى أن هذا الشخص يريد الآن أن يهجم!

  • الآن يوجد تمثال للسيّدة مريم وهي تحمل عيسى عليه السلام في حضنها، في متحف في كنيسة القدّيس بطرس في الفاتيكان. كُتب عن هذا التمثال: هذا التمثال نُحت من الرخام، وعمل عليه ثلاثة رسّامين ونحاتين لمدّة ٢۷ عامًا، وكان أحدهم ليوناردو دافنشي الذي كان نحّاتًا عجيبًا جدًّا. عمل هو وحده على هذا التمثال لمدّة ثمانية عشر عامًا، وهو من الآثار التي يقولون إنه لا يمكن تقديرها بثمن. عندما ينظر الإنسان إلى هذا التمثال، يرى جميع العروق والشعيرات الدموية في الجسد بدقة في هذا التمثال!

  • اعترافات المخترعين والعلماء بوجود منشأ وحقيقة ماورائية

  • ما هذه القريحة التي أعطاها الله للإنسان؟! ماذا يفعل هذا الإنسان حقًّا؟! كيف استطاع الإنسان أولًا أن يرسم هذا الشكل ثمّ ينفّذه بيده؟! هاتان مسألتان، وهذه معجزة! فلو أعطونا الآن حجرًا وقالوا لنا اصنعوا منه شيئًا، فلن نستطيع وسنكسره! فما هذا الفنّ حقًّا، ومن أين جاء هذا الذوق وهذه الموهبة؟!

  • بعض هؤلاء الأفراد يعترفون بأنفسهم أنّ هذه المواهب ليست بأيدينا، بل هي من مكان آخر. سُئل أديسون: «ما هو الاختراع أو الاكتشاف؟» قال: «٩٩ بالمائة جهد و۱ بالمائة كشف وإلهام». طبعًا هو أخطأ في هذه العبارة، ففي الواقع كلّ الاختراع والاكتشاف هو ذلك الكشف والإلهام، وذلك الجهد هو شرارات تنبعث الواحدة تلو الأخرى وتشجع الإنسان باستمرار على المحاولة مجدّدًا حتّى يصل إلى تلك النقطة. ولكنّه على الأقل اعترف بقدر ما.

الجمع بين الحلم والعلم، ميزان السالك الحقيقي - الحلم في السياسة

5
  • يُسأل آينشتاين: «ما هو الاختراع والاكتشاف؟» فيقول: «اتصال الإنسان بالمبدأ هو الذي أدّى إلى الاختراع». هذه الجمل من هؤلاء الأفراد، بالنظر إلى أنّهم هم المدّعون، لها أهمية كبيرة! طبعًا، هو في أواخر عمره تغيّرت أحواله قليلًا ووصل إلى حالة من العزلة والانعزال، وكان يبدي ندمًا عجيبًا على ما فعله ويقول: «ليتني كنت قد وصلت إلى ذلك الإله الذي عرّف به حافظ الإيرانيّين! وليتني كنت أعرف الفارسيّة لأتعرّف على الله من لسان حافظ الذي استطاع بالشهود ـ لا بالفكر والإدراك ـ أن يحيط بذلك المبدأ!».۱

  • على أيّ حال، يوجد كل أنواع البشر، ولا ينبغي لنا أن نتصوّر أنّ الطريق يخصّنا وحدنا وأنّنا زهرة الكون وأنّ الله لنا حصرًا! لا يا عزيزي، فالله للمسلمين، واليهود، والنصارى، والمجوس، والزرادشتيّين، والملحدين؛ الله للجميع. ومن بين هؤلاء الملحدين واليهود والنصارى، ينمو موحّدون قلّما يأتي مثلهم! فلا ينبغي أن يُتصوّر الأمر هكذا، فمسؤوليّتنا كبيرة جدًّا!

  • تعارض التكبّر والتبختر مع توحيد الله

  • على أيّ حال، من أين أتت هذه المواهب؟! فلماذا يتكبّر الإنسان ويفتخر على الآخرين؟! التكبّر يعني أن يسحب بساطه من الماء ويترك البقيّة لأمواج البحر! النظر بتبختر يعني أن يفصل الإنسان دائرته الخاصّة عن عالم الوجود ومجرى الكينونة؛ يفصل الإنسان حصته، يفصل فراشه، يرسم خطًا حول نفسه ويقول إنني منفصل عن الآخرين ولا شأن لي بهم، وهذا مخالف للتوحيد، ففي التوحيد ليست المسألة هكذا.

  • معيار ترقي السالك هو ازدياد الحلم والمحاسن لا كثرة المعية مع الأعاظم

  • العارف ينظر إلى الطفل بنفس النظرة التي ينظر بها إلى الكبير، ويرى الجميع مظهرًا له ولا يلاحظ فرقًا. لذا، من بين الأوامر، بل أهمّ أمر سلوكيّ للسالك، هو أنّه كلّما تقدّم، يجب أن يزداد حلمه تجاه المسائل وغضّ طرفه تجاه القضايا! فلا يتصوّر أنّه كان في خدمة المرحوم العلامة عشرين عامًا وأنه أصبح الآن شيئًا، ليس الأمر كذلك! لقد مضى عليك عشرون عامًا من الوجود عنده، وهذه خسارة كبيرة وليست فخرًا، لأنّك لم تصل بعد إلى ما كان يجب أن تصل إليه!

    1. راجع حول هؤلاء العلماء ونتاجات الحضارة الغربية: نور ملكوت القرآن ج٣ ص ٢٥ وج٢ ص ٢٥۰.

الجمع بين الحلم والعلم، ميزان السالك الحقيقي - الحلم في السياسة

6
  • من يتصوّر أنه كان عند المرحوم العلامة قبل عشرين أو ثلاثين عامًا وله امتياز على الآخرين، يجب أن يُبكى على حاله! إلا إذا كان للإنسان في مرور هذا الزمن نصيب مقدّر، فتلك مسألة أخرى. أما من كان تفكيره أن يتباهى على الناس بوجوده عند أستاذ، ويتعارض مع الآخرين من أجل الفخر والمباهاة بتلك المسألة، فيجب أن يُبكى على حاله، لأنه لم يكن له نصيب!

  • كلّما بقي الإنسان عند عظيم أكثر، فيجب أن يعلم أنّه بمقدار مرور هذا الزمن، أصبح حمله أثقل وأمره أصعب! لا يجب عليه أن يدع حمله يزداد، ولا يجب أن يفعل ما يجعل الشيطان يتسلّل إليه ويضع عليه حملًا آخر بالإضافة إلى الحمل الذي لديه! كلّ هذا حمل.

  • أن يقول قائل: "لقد بقيت عند المرحوم العلامة عشرين عامًا، ويضعونني في مكانة فلان"، فهذا حمل، وفي الواقع أصبح حملًا على كتفيه. أو يقول مثلًا: "لقد حضرت عند المرحوم العلامة ثلاثين عامًا، وسمعت كلامه، والآن يقارنونني بطفل!"، فكلّ هذا حمل. أنت الذي كنت عنده ثلاثين عامًا، لا ينبغي أن تكون لديك الآن مثل هذه الحالة، فماذا كنت تفعل في تلك المدّة؟!

  • هل سمعتم يومًا كلامًا واحدًا من المرحوم العلامة طوال حياته، سواء عندما كان عند المرحوم الأنصاري أو عندما كان عند السيد الحداد رحمهما الله، أنّه قال لتلميذ: "لقد كنت عند هؤلاء الأعاظم عشرين عامًا"؟! أو يقول: "أنتم لا تعرفون مع من تتعاملون؟!" أو يقول: "لا تنظر إليّ هكذا، لقد حضرت عند الأعاظم؟!". إذا سمع أحد شيئًا، فليخبرني أنا ابنه، لعلّ فهمي لأبي يزداد! أنا لم أسمع، وليس فقط لم أسمع، بل سمعت عكس ذلك! قيل لنا: «اسلكوا الطريق كما سلكه السالكون»، فلماذا لا نسلك نحن ذلك الطريق؟!

  • عجيب جدًا أنهم سلكوا الطريق ووصلوا في النهاية إلى نتيجة ـ لو لم يصلوا لقلنا هذا طريق كبقية الطرق ولا يُعلم إن كان سيصل إلى نتيجة ـ ونحن أنفسنا نعترف بأن هذا الطريق قد وصل إلى نتيجة، ولكن الحديث هو أنّه لماذا نحن لا نسير؟! يا إلهي، ما هذه المسألة التي تجعلنا نهرب من الخير؟! عجيب جدًّا أنّنا نهرب من الصفات الحسنة! ما هذا المرض الذي ابتلينا به؟! ما هذه المصيبة التي وقعنا فيها ونهرب من الالتفات إلى الصفات الحسنة؟!

الجمع بين الحلم والعلم، ميزان السالك الحقيقي - الحلم في السياسة

7
  • الأعاظم ليس فقط لديهم بيانات في عباراتهم وكلامهم حول هذه الأمور، بل أصل طريقة تعاملهم ومشاهدة أحوالهم هي بمثابة بيان! أي أنّ مجرد مشاهدة أحوال عظيم تجاه الآخرين هي بمثابة إظهار وبيان!

  • حدثت مسألة لأحدهم مع المرحوم العلامة، فأرسل إليه سماحته رسالة بأن تفضّل وإن كان لديك أمر ما، فاطرحه ـ ففي مثل هذه الحالات لو كنّا نحن لقلنا: لم يكن خطأنا، فمن لديه مسألة فليأتِ هو ويحلّها ـ ولكن ذلك الرجل لم يأتِ لأنّ يده كانت فارغة، ولو كانت يده ممتلئة، لأتى وقال: لهذه الأسباب لديّ مشكلة معك؛ في النهاية إما أن يدينه ويعتذر منه سماحته، أو أن يجيبه المرحوم العلامة وتحلّ المسألة طبعًا. ولكن لأنه ليس لديه شيء ليقوله، يقول: "ماذا أقول له الآن لو ذهبتُ؟! هي قضيّة أنا اختلقتها، فماذا أجيب عن هذه القضيّة وماذا أقول له؟!". لذا لم يأتِ، وذهب وذهب، حتّى ذهب تمامًا! حتّى أن المرحوم العلامة أرسلني أنا نفسي وقال: "اذهب وتحدّث معه". فذهبت أنا أيضًا في شهر رمضان وقت الإفطار إلى منزله لأتجاسر قليلاً وأقول إنّني أتيت للإفطار، ولكنّه لم يدخلني إلى بيته وقال: «ليس لديّ حديث ولا لقاء!». فعدت ولم أنزعج.

  • تلك هي طريقة الأعاظم، والأعاظم يتعاملون مع مثل هذه المسألة بهذه الطريقة. هؤلاء لم يكونوا هكذا منذ البداية، ولذا نالوا نتيجة أعمالهم وشاهدوها، ورأينا نحن أيضًا ما هو هذا الطريق وما هو ذاك الطريق. الآن بما أنّ الأمر كذلك، فلماذا لا نتبع طريقة الأعاظم؟! إذا كان أمر ما صحيحًا، فلماذا يجب أن يُنسى ويُلقى في غياهب النسيان؟! هل يكفي مجرّد المجيء وعقد مجلس والوجود مع جماعة ونسب النفس إلى هذا التيّار؟! إن كان هذا كافيًا، فلا يتعب أحد نفسه كثيرًا! أو أنّ كلّ هذا الكلام والمجيء والذهاب هو من أجل الوصول إلى حصة ونصيب، والإنسان الذكي والماكر هو انتهازي ويستغلّ كلّ فرصة للوصول إلى مقصوده.

  • صوفی ابن‌الوقت باشد ای رفیق***نیست فردا گفتن از شرط طریق‌۱ 
  • يقول: 

  • فليكن الصوفي ابن الوقت يا رفيق *** وليس قول "غدًا" من شرط الطريق

    1. مثنوی معنوی.

الجمع بين الحلم والعلم، ميزان السالك الحقيقي - الحلم في السياسة

8
  • في ذم صفة الحرباء

  • طبعًا، المراد من "ابن الوقت" هنا هو معناه الصحيح، وليس الفهم الآخر هو المقصود، لأن "ابن الوقت" يُطلق على الأفراد المتقلبين في المزاج والذين يتلونون كل يوم بلون! يقولون إن فلانًا له صفة الحرباء (بوقلمون صفت). ليس المقصود "بوقلمون" (الديك الرومي)، فهو طائر أكبر من الدجاج المنزلي، ولكن "بوقلمون" (الحرباء) هو نوع من الحيوانات أكبر من السحلية ويشبه الضب ولكنه أصغر منه. يقول سعدي:

  • باد در سايه درختانش***گسترانیده فرش بوقلمون۱ 
  • يقول: 

  • وفي ظل أشجاره قد بسطت *** الريح بساط الحرباء

  • وهذه الحرباء، أينما ذهبت، تأخذ لون ذلك المكان، مثلًا إذا ذهبت إلى مرج أخضر يصبح لونها أخضر، أو إذا ذهبت إلى جذع شجرة، تأخذ لون قشرة الشجرة. توجد مادّة تحت جلدها لها قابليّة عالية جدًّا للتلوّن. كمبيوتر دماغها يخلط هذه الألوان مع بعضها بسرعة كبيرة، ووفقًا لما التقطته عينها من صورة، يعطي النتيجة لنظامها تحت الجلد. حقًا من عجائب الله!

  • بعض الأفراد هكذا أيضًا؛ يلقون عليك السلام ويسألون عن حالك، ولكن من وراء ظهرك يقولون أمورًا أخرى هنا وهناك! اليوم هم على حال وغدًا على حال آخر! لا قدّر الله علينا هذه المصيبة، خاصة بالنسبة للعالم الديني الذي إذا كان هكذا فإن أمره قد انتهى! بعض الأفراد كانوا في زمن الشاه على حال، وعندما قامت الثورة أصبحوا على حال آخر! فقال أحدهم: «عندما كانت المظاهرات في قم وكانوا يضربون ويقتلون، في ليلة كان فيها هجوم الشرطة عنيفًا جدًّا وسقط منا ضحايا، هربت ودخلت زقاقًا وطرقت باب منزل، ففتحوا الباب فجأة ودخلت أنا إلى المنزل دون تردّد ودون إذن. فرأيت شخصًا جالسًا على مائدة طعام وعليها أنواع الأطعمة والأشربة. جلست أنا في زاوية وبدأ ذلك الشخص يذمّ قائلًا: "هؤلاء الذين ثاروا على الشاه لا يفهمون وهم جهلة! هؤلاء لا يفهمون ماذا يفعلون! فما هذا الوضع؟! لقد ضاع الأمن!". وخلاصة القول ذمّ هذه المظاهرات والناس. ثمّ تغيّرت الأيام والشهور ومضت الأوضاع وقامت الثورة والحمد لله تشكّلت الحكومة الإسلامية، فرأيت أنّه أصبح رئيسًا في مكان ما! ذهبت إليه يومًا وقلت: "حاج آقا، كيف حالكم؟!". (كان ذلك الشخص يعرفه من تلك الليلة وطبعًا كان بينهما معرفة سابقة). قال لي في جوابي: "الحمد لله نحن في ظل حكومة الإسلام! واجب على الجميع أن يساعدوا، وكل من يجلس فهو حرام وخلاف الشرع! هذه الآن حكومة إمام الزمان عليه السلام!". 

    1. گلستان سعدی.

الجمع بين الحلم والعلم، ميزان السالك الحقيقي - الحلم في السياسة

9
  • فقلت: "مولانا هل تذكرون تلك الليلة التي كانوا يطلقون فيها النار على الناس وكنتُ قد هربت وأتيت إلى منزلكم وكنتم على مائدة سمك؟!". فقال: "اخرج، ليس الآن وقت هذا الكلام!" وطردني من مكتبه!».

  • هذا الرجل له صفة الحرباء ومتقلّب، وليس لأنه تاب الآن، بل لو عاد الزمن، لعاد كما كان سابقًا. كم هو جيد أن يكون الإنسان ثابتًا على مبدئه ـ أي مبدأ كان لا فرق ـ وألا يكون كل يوم على حال!

  • حريّة المرحوم العلامة الطهراني في سنّ الشباب

  • كان المرحوم العلامة يقول: «عندما كنت في المعهد الفنيّ، كان لدينا معلّم شيوعي ولكنه كان رجلًا منطقيًا؛ أي عندما كان الإنسان يتحدّث معه، كان يستمع تمامًا ثم يقول وجهات نظره. مع أنه كان من الواضح أنني ابن رجل دين، وكان هو لا يطيق رجال الدين أصلًا ويعارضهم بشدة! ـ لا أدري ماذا كان قد رأى من رجال الدين! ـ ولكنه لم يكن من النوع الذي يقول: "اذهب، ما هذا الكلام؟!". أو يسخر ويلعب ولا يستمع من البداية ولا يلتفت ويوجّه انتباهه إلى مكان آخر. مرّة كنت قد خرجت من الصف، فسمعته يقول لبقيّة الأولاد: "إذا أردتم أن تصلوا إلى مكان ما، فيجب أن تكونوا مثل الحسينيّ هذا! لقد درّست كل هذا الوقت وقمت بالتعليم، ولكني لم أرَ حتى الآن طفلًا منطقيًا مثل هذا الحسيني! مع أنه يعلم أنني أكره رجال الدين، إلا أنه يسمع كلامي، وعندما يتعامل معي، فكأن هذه المسألة غير موجودة أصلًا، ويستمع إلى كلامي بوجه منفتح وبشاشة وصبر وتحمّل!"».

  • اقتراح المرحوم العلامة الطهراني بالتفاوض مع الشاه في سنة ٤٢ الشمسية

  • منذ البداية، كان عمل المرحوم العلامة صحيحًا ومبنيًا على حساب! فإن كان هذا الرجل شيوعيًّا، فليكن، ففي النهاية يجب على الإنسان أن يسمع الأمر ويرى ماذا يقول وما هو كلامه وموضوعه؟ يهوديّ ونصرانيّ، حسنًا فليكن، ما المشكلة؟! يسمع الإنسان كلامه، يقبل الصحيح ولا يقبل الباطل. ولا فرق، وقد عاش سماحته بهذا الفكر حتى سنة ٤٢۱، والآن في سنة ٤٢ يريد أن يدخل الثورة بهذا الفكر، فيرى أنّ هناك عوائق.

    1. الموافق لسنة ۱٩٦٣م وهو تاريخ بدايات النشاط السياسي والثقافي للثورة الإسلاميّة.

الجمع بين الحلم والعلم، ميزان السالك الحقيقي - الحلم في السياسة

10
  • كان رأيه، وكان نقاشه مع آية الله الخمينيّ حول هذا الأمر، وهو أنّه يجب علينا أن نتفاوض ونتحاور مع الشاه، فربّما يقبل؛ فهو في النهاية بشر وإنسان، ولديه وجدان وفطرة. كان في مسار باطل وفساد، حسنًا فليكن، ألم يتحدّث كلّ هؤلاء الأنبياء مع المشركين! ماذا كان يفعل الشاه ولم يفعله المشركون في زمان النبيّ؟! كان الشاه يشرب الخمر، وهم كانوا يشربون أيضًا، بل وأكثر. نزل القرآن لهؤلاء الشاربين للخمر والسكارى والزناة وذوات الأعلام. لم يأتِ القرآن ابتداءً لأصحاب السجّادات وقائمي الليل!

  • لدينا في التاريخ أنه عندما كانت النساء يأتين إلى رسول الله ليأخذ منهنّ البيعة، كان يعتبر أحد شروط الإسلام أن لا يزنين بعد الآن، وكان يتغاضى عما فعلنه من زنا حتى ذلك الحين! ثم تعود هؤلاء النساء ويحدث لهن تحول وانقلاب ويصبحن من العابدات الصالحات المتّقيات كذا وكذا.

  • كان الشاه يسرق، ألم يكونوا يسرقون؟! هؤلاء المشركون أنفسهم كانوا ينهبون قوافل قريش، وإذا غلبوا ضعيفًا ضربوه، أو إذا رأوا في مكان ما فتاة أو امرأة جميلة خطفوها، أو إذا رأوا أن قافلة ما ليس لها شوكة ومكانة، أرسلوا بضعة نفر لينهبوها. ماذا كان يفعل الشاه ولم يفعلوه هم؟! جاء القرآن فأسلم فئة منهم وعاندت فئة؛ طبعًا الكثير منهم استشهدوا أيضًا!

  • التحول والانقلاب العجيب للفضيل بن عياض بسماع آية من القرآن

  • كان الفضيل بن عياض لصًّا وقاطع طريق، وبتعبير السادة "حرامي". فكان يقف على رأس العقبة، وكلّ من يمرّ من هناك، يضربه ويأخذ أمواله ويفعل ما يحلو له. ولكنّ سماع آية في جوف الليل من شيخ كبير، أحدث فيه تحوّلاً: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ﴾۱؛ ألم يأتِ الوقت للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله؟!

  • فقال هو: «يَا رَبِّ! قَدْ آنَ؛ نعم، لقد حان الوقت». وفي النهاية، وصل هذا الفضيل من لصّ قاطع طريق إلى مكانة أصبح فيها من أصحاب الإمام الصادق الخواصّ، والأمور التي قالها الإمام الصادق للفضيل، قالها لعدد قليل من أصحابه! يقول المرحوم الحكيم آقا رضا إلهي قمشئي في شعره:

    1. سورة الحديد (٥۷) الآية ۱٦.

الجمع بين الحلم والعلم، ميزان السالك الحقيقي - الحلم في السياسة

11
  • آنِ خدای دان همه مقبول وناقبول***من رحمةٍ بَدا و إلی رحمةٍ یئول 
  • خلقان همه به فطرتِ توحید زاده‌اند***این شرک عارضی بود و عارضی یزول‌ 
  • يقول: 

  • اعلم أنّ الكل، المقبول وغير المقبول، ملك للّه *** من رحمة بدأ وإلى رحمة يؤول

  • كلّ الخلائق وُلدوا على فطرة التوحيد *** وهذا الشرك عارض، والعارض يزول

  • فهذه الأعمال عارضة، وإذا ما سنحت الفرصة المناسبة، ترى فجأة أنّ الفطرة والوجدان يومضان ويحرقان كلّ هذه العوارض ويزيلانها، وكأنّ الإنسان وُلد من جديد. يُنقل عن الفضيل أمر عجيب جدًّا، وأنه ذهب إلى الإمام الصادق عليه السلام فقال له الإمام إنه يجب عليك أن تذهب وتسترضي كلّ أولئك الذين سرقتهم على رأس العقبة، وتعيد إليهم أموالهم! وكان هناك مبلغ من المال، أعاده كلّه لأصحابه ولم يبق سوى قميص وسروال، والسلام! ثمّ ذهب إلى يهوديّ كان قد سرق ماله أيضًا. فقال له: «أتيت لأطلب منك الحل ولكن ليس لديّ مال». 

  • فقال ذلك اليهودي: «لا أسامحك، يجب أن تعطيني مالي». ومهما قال إنه ليس لديه مال، لم يكن ليقبل. فقال له: «ماذا أفعل؟!». قال ذلك الرجل: «بما أنك تقول هكذا، فقد وضعت ذهبًا تحت هذه المرتبة التي تجلس عليها، أحضر تلك النقود الذهبيّة وأعطها لي، على الأقل لأرى أنك أعطيتني النقود وتقنع نفسي!». فأخذ هو من تحت المرتبة بعض النقود وأعطاه إياها. وعندما أعطاه النقود، قال هو: «أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمّدًا رسول الله» وأسلم. فقال له الفضيل: «لماذا أسلمت؟!». قال: «أردت أن أختبرك وأرى إن كنت صادقًا أم لا، وإلا فلم يكن تحت تلك المرتبة ذهب أصلًا! لقد سمعت في الكتب القديمة أنه إذا تاب شخص من أمّة نبيّ آخر الزمان توبة حقيقية، فإنه عندما يضع يده تحت المرتبة، يُخرج ذهبًا!»۱.

  • هؤلاء هم أنفسهم بنو الإنسان، وهؤلاء هم أنفسهم الذين لديهم فطرة، والآن هم يفعلون أفعالاً باطلة أيضًا. يجب على الإنسان أن تكون لديه مثل هذه الرؤية. كان حديث المرحوم العلامة مع السيّد الخميني هو أنّه يجب علينا أن نتفاوض مع الجميع، لا أن نستثني أحدًا، فهو أيضًا بشر، لقد ارتكب عملًا باطلًا. فنحن أيضًا نسلّم بذلك، لقد أفسد، ونحن أيضًا نسلّم بإفساده، هو فاسق، ونحن أيضًا نسلّم بفسه، وهذه الأمور موجودة، ولكنّ القرآن جاء للجميع. الكتاب الإلهيّ نزل على الإنسان بما هو إنسان، لا على إنسان كان منذ البداية نقيًّا وطيّبًا وطاهرًا وقائمًا الليل ومتهجّدًا وكسلمان وأبي ذر. يجب علينا أن نؤدّي واجبنا ورسالتنا، فإن كانت هناك قابليّة، فسيقبل، وإن لم تكن هناك قابليّة، فحسابه يختلف.

    1. تذکرة الأولياء، ص ٦۷.

الجمع بين الحلم والعلم، ميزان السالك الحقيقي - الحلم في السياسة

12
  • شموليّة رسالة النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم

  • كانت رسالة النبيّ رسالة عامّة، كانت شاملة للجميع، لم تكن تستثني أحدًا. لذا، كان هذا النبيّ نفسه يرسل الرسائل إلى الحكّام. فأرسل رسالة إلى المقوقس حاكم مصر، والنجاشي حاكم الحبشة، وخسرو برويز ملك إيران. أرسل رسالة إلى ملك الروم بواسطة جعفر الطيار. بوعض هؤلاء قبلوا وأسلموا؛ فحاكم مصر وحاكم اليمن وحاكم الحبشة قبلوا وأسلموا. وحاكم الروم كان نصرانيًّا فنظر بتردّد وترك المسألة معلّقة. وخسرو برويز مزّق رسالة النبيّ. أنت حاكم، وملك الحبشة حاكم أيضًا! فاجلس وفكّر وتأمّل! لماذا تمزّق رسالة النبيّ؟! مزّقتها، حسنًا، ولكن اعلم أن غيرة الله لا تسمح بذلك أيضًا! هذا عبدي وأنت أهنت عبدي، وهذه مسألة مهمّة جدًّا!

  • غيرة الله تجاه إيذاء المؤمن

  • مسألة إيذاء المؤمن مسألة مهمّة وعجيبة جدًّا! حفظنا الله إن شاء الله من هذه الفتن، فيا لها من فتنة عجيبة! وكما يقول ذلك الشعر: 

  • می بخور منبر بسوزان***مردم آزاری نکن
  • يقول: 

  • اشرب الخمر وأحرق المنبر *** ولكن لا تؤذِ الناس!. 

  • فأذى الناس يعني كسر قلب مؤمن. يقول النبيّ: «قَلْبُ المُؤْمِنِ عَرْشُ الرَّحْمَنِ»۱، فلا تؤذِ الناس! مزّقت رسالة النبيّ، فقطع الله يدك عن السلطنة؛ قتله ابنه مع بضعة نفر في نومه!

  • يجب على الإنسان أن يكون لديه حلم إلى جانب العلم، وأن يكون حليمًا. فمن هو الذي نعرفه أعلم وأكثر اطلاعًا على الأمور من الله تعالى؟! هو مع كلّ هذا له حلم، ولكنّ حلمه مختلف. 

  • الحلم من النوع الأول يؤدّي إلى الاستدراج

  • وقد تقدّم أنّ للّه ثلاثة أنواع من الحلم:

  • الحلم الأول: حلم خطير، وهو أن الله يصبر باستمرار، ولكنّ هذا الصبر ينتهي بهلاك وبوار الإنسان، لا بصلاحه! ﴿وَالَّذِينَ كَذَّبوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ﴾٢. هذا الصبر يخفض الإنسان شيئًا فشيئًا وببطء. فعلى سبيل المثال، عندما تريد طائرة أن تهبط، لا تلقي بنفسها فجأة من ارتفاع عشرة كيلومترات من فوق المطار إلى الأسفل، لأنها لو فعلت ذلك، لاصطدمت رؤوس الركاب بالسقف وتأذّوا. بل تنزل ببطء من مسافة خمسة عشر أو عشرين فرسخًا. أحيانًا تنزل ببطء شديد لدرجة أن شخصًا نائمًا يفتح عينيه فجأة فيرى أن الطائرة في ساحة المطار وتريد أن تقف. يقول ذلك المسافر: "عجبًا! كنّا في الأعلى ولم يكن الأسفل ظاهرًا أصلًا، فكيف هبطنا فجأة هنا؟!". فيقال له: "لقد نزلت ببطء". ولكن عندما تكون الطائرة في حالة طيران وأحيانًا تتحرّك وتتأرجح وتتحرّك فجأة، يستيقظ النائم فورًا ويسأل ماذا حدث؟!

    1. بحار الأنوار، ج ٥٥، ص ٣٩.
    2. سورة الأعراف (۷) الآية ۱۸٢.

الجمع بين الحلم والعلم، ميزان السالك الحقيقي - الحلم في السياسة

13
  • الآية الشريفة تقول أيضًا: ﴿سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ﴾؛ سننزلهم ببطء! هنا أيضًا، يقف الإنسان ثابتًا ويقول: "الحقّ معي والمسألة كذا"، ومهما تكلّمنا فكأنّه لا يسمع! وعندما ننظر إلى حاله، نلاحظ أنّه اختلف عن ما قبل ستّة أشهر، بل إنّ حاله أصبح أسوأ! أنظر أحيانًا إلى بعض الأفراد فأقول: يا إلهي! حقًّا هل هذا هو نفسه الذي كنّا نراه في زمن المرحوم العلامة؟! فلماذا أصبح هكذا؟! وما هذه الهيئة؟! لقد أصبح الوجه عجيبًا حقًا! نعوذ بالله، يا له من تغيير! جانب العناد والغرض يثبت فيه الكدورة باستمرار، ومع كلّ كدورة تثبت، يتغيّر حال هذا الإنسان باستمرار. طبعًا، نسأل الله أن يحفظنا ويحفظ الجميع من هذه الفتن!

  • فكلّ هذه آيات يريها الله للإنسان، وكيف أنّه عندما تتحدّث مع إنسان بكلمتين، لا يستطيع أن يجيب ولكنّه يصر على كلامه الباطل! فلو أجاب لما كانت هناك مشكلة، لا مثل ذلك الذي قال له المرحوم العلامة: «إن كان لديك كلام، فتعال واطرحه علينا»، ولكنّه لم يأتِ وقال: «أنا لن آتي والحقّ معي!». وتمضي بضعة أيام ويتوفّى المرحوم العلاّمة، وهذا الرجل يغوص باستمرار في الظلمات ويغرق فيها ﴿ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ﴾۱

  • لزوم اختبار النفس ومحاسبتها

  • لذا علينا دائمًا أن نختبر أنفسنا وألا ننسى هذا الاختبار! فإن لم يكن ممكنًا كلّ ساعة، فعلى الأقلّ مرّة في اليوم، من الضروريّ مثلًا في الليل أن نقارن أنفسنا بالأمس ونرى ما هو الفرق بيننا وبين الأمس من حيث مواجهة الحقّ وقبوله في أنفسنا! وأن نعيد النظر في أعمالنا ونضع استعدادنا لقبول الحق على المحكّ. هذه الممارسة المستدامة والمستمرّة تؤدّي إلى أن يكون الإنسان دائمًا في حالة تهيّؤ واستعداد.

  • الوقوع في الغفلة والإمهال علامة على متانة مكر الله وكيده

  • تقول الآية الشريفة: ﴿وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ﴾٢ "الآن سأصفّي حساباتكم وسأريكم كم هو كيدي متين وقويّ!". ومتانته تكمن في أنّني لا أدعكم تشعرون، وأبقيكم في غفلة تامّة وأنتم تصرّون على رأيكم وتقولون: "لا، فالمسألة هكذا!". ولا تدرون أنّي ﴿أُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ﴾. وأنّك قد خُدعت!

    1. سورة النور (٢٤) الآية ٤۰.
    2. سورة الأعراف (۷) الآية ۱۸٣.

الجمع بين الحلم والعلم، ميزان السالك الحقيقي - الحلم في السياسة

14
  • أحيانًا يضعون قبّعة۱ ليليّة تغطي فقط إلى ما فوق الحاجبين، وأحيانًا تكون هذه القبّعة مثل قبّعات زمان الشاه التي كانت كالإناء وتغطي حتّى الرقبة، وأحيانًا تأتي القبعة حتّى بطن الإنسان وسرّته وتلتصق بالسرّة ولا تترك شيئًا، وهذا هو ﴿خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾٢. هذا الحلم هو حلم يوجب البوار والهلاك. 

  • إن شاء الله، من الجلسة القادمة إذا شاء الله، سنتحدّث عن القسمين الآخرين من الحلم. فيما يتعلّق بهذا النوع من الحلم، فمهما أردتم من أمور وحكايات وعظات ونصائح، فهي موجودة. فلنسأل الله ألا يأخذنا بهذا الحلم وبالقسم الثاني من الحلم! أما القسم الثالث من الحلم فهو جيّد وحلو، وهو القسم الثالث نفسه الذي يعلّمنا إيّاه الإمام السجّاد عليه السلام فيقول: «الحَمْدُ للهِ الَّذِي يَحْلُمُ عَنِّي كَأَنِّي لَا ذَنْبَ لِي»؛ الله حليم، أي نذنب ولكنّه يعاملنا وكأنّنا لم نذنب أصلًا وهو لا ينقص شيئًا ويقول: "لقد أغمضنا أعيننا!". هذا الحلم حلم عجيب! ولكن أين وفي أيّة حالة وبأيّ شروط، سنعرض ذلك لاحقًا.

  •  

  • اللَهُمّ صلِّ على محمد و آل محمد

    1. القبّعة كناية عن الخديعة. (م)
    2. سورة البقرة (٢) الآية ۷.