13

الدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة

لا تطلب أقل من الله!

1
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمدعاء أبي حمزة الثمالي

المجموعةسنه 1421

التاريخ 1421/09/24


التوضيح

ما هو سبيل للدعوة إلى الله؟ وكيف يختلف عن سُبل الوصول إلى حكام الدنيا؟ وما هو أعظم مطلوب يمكن للعبد أن يسأله من ربّه؟ في هذه المحاضرة يوضح آية الله السيّد محمّد محسن الطهراني أن طريق الله هو طريق الحكمة واللين، وأنّه على السالك ألا يطلب في نهاية الطريق شيئًا سوى الله نفسه.

/۱۵
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

الدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة - لا تطلب أقل من الله!

1
  •  

  • هوالعلیم

  •  

  • الدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة

  • لا تطلب أقل من الله!

  •  

  • شرح دعاء أبي حمزة الثمالي - سنة ۱٤٢۱ هـ - الجلسة الثالثة عشرة

  •  

  • محاضرة القاها

  • آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدّس الله سره

  •  

  •  

الدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة - لا تطلب أقل من الله!

2
  •  

  •  

  • أعوذُ بالله مِن الشّيطانِ الرّجيم 

  • بسمِ الله الرّحمٰن الرّحيم 

  • وصلّى الله علَى سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفىٰ محمّدٍ 

  • وعلَى أهل‌ بيته الطّاهرينَ المعصومينَ 

  • واللّعنةُ علَى أعدائِهِم أجمعينَ‌

  •  

  •  

  • مقارنة بين سُبل المطالب الدنيويّة والأخرويّة

  • «اللَهُمَّ إِنِّي أَجِدُ سُبُلَ المَطَالِبِ إِلَيْكَ مُشْرَعَةً، وَمَنَاهِلَ الرَّجَاءِ إِلَيْكَ مُتْرَعَةً، وَالاسْتِعَانَةَ بِفَضْلِكَ لِمَنْ أَمَّلَكَ مُبَاحَةً!».

  • يا إلهي، إنّي أجد سُبل الطلب، والدعاء، والاستدعاء، والالتماس إليك مفتوحة! فكم طريقًا يوجد حتّى يقول الإمام السجّاد عليه السلام هنا: «أرى سُبل الطلب مفتوحة ولا أراها مغلقة»؟!

  • في المسائل الظاهريّة والأمور الدنيويّة، الطرق مختلفة، فعلى سبيل المثال، إذا أراد إنسان أن يذهب إلى رئيس دولة أو رئيس حكومة، فالطريق العادي هو أن يقدّم أولاً رسالة وطلبًا، ويذكر فيه لماذا يريد أن يراه ولماذا يريد أن يأخذ موعدًا؛ لأنّ وقتهم ثمين في النهاية، ولا ينبغي للإنسان أن يضيّعه! فيجب أن يكتب رسالة يقول فيها إنّ لديّ المشكلة الفلانيّة؛ مثلًا، لديّ قطيع وضاعت منه بقرة، وأريد أن أبحث عنها وأرى هل ذهبت إلى هذه القرية أم تلك، وهل أخذها أحد أم لا! أو كانت لديّ شاة وصدمتها سيّارة، وأمثال ذلك!

  • يقولون إنّه يجب عليك أولًا أن تقدّم رسالتك لنرى هل هي تستحقّ الكلام معه أصلًا وهل يمكن النظر في هذا الطلب أم لا؟! يجب كتابة رسالة وتسليمها لساعي البريد أو البوّاب، أو إلقاؤها في صندوق الشكاوى الموجود عند الباب ـ نحن لا نعلم أصلًا أين هو، وفي أيّ شارع من شوارع طهران! لا نعلم أيّ شيء! ـ ثمّ تُعطى تلك الرسالة لموظّف ليقرأها، وهو يعطيها لمن هو أعلى منه، وهكذا حتّى تصل إلى السكرتير أو السكرتيرة، وهي توصلها لمن هو أعلى، حتّى يروا على أيّ حال هل هي تستحقّ النظر فيها أم لا؟! وهل هناك فرصة أم لا؟! ثمّ تمضي الأمور في مجراها.

  • عادةً ما يصل الإنسان إلى نتيجة بهذه الطريقة بصعوبة، والقرائن تؤيّد هذا. فهذا طريق!

  • وهناك طريق آخر، وهو أن يسلك الإنسان طريقًا مختصرًا ـ وأنا لن أذكر الطرق التي تلي ذلك ـ ومن تلك الطرق أن يرى الإنسان أوّلاً مدير ومسؤول ذلك المكان، والذي قد يكون جاره أو ابن خالته، وهو بدوره يتحدّث مع من هو أعلى منه، وهكذا. والطريق الثالث هو أن يذهب الإنسان إلى رئيس الوزراء، ومن خلاله يوصل الرسالة والمطالب إلى مسامع الرئيس! ولدينا طريق مختصر آخر، وهو أن يكون للإنسان صداقة مع ابن رئيس الحكومة، لأنّ هذا الابن يرى أباه كلّ ليلة، وعندما يعود الأب إلى المنزل ليلاً، يسلّمه الرسالة فورًا ويقول: «لهذا الرجل رسالة، فاقرأها وانظر فيها». فيسلّمه الرسالة، والأب لا يستطيع أن يردّ طلب ابنه، فيقول: «قل له أن يأتي غدًا في الساعة كذا!». هذه طرق مختلفة لكي يوصل الإنسان مطلبه إلى مسامع رئيسه.

الدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة - لا تطلب أقل من الله!

3
  • ارتباط الإنسان بالله تكوينيّ لا اعتباريّ!

  • فهل الأمر في العلاقة مع الله هكذا أيضًا؟! هل طريق الله مليء بهذه التعقيدات والالتواءات؟! هل طريق الله يتطلّب رؤية هذا وذاك؟! وهل هنا أيضًا يجب أن ترى فلانًا، وتأخذ موعدًا مسبقًا، وهم يقولون إنّ المقابلة ممنوعة لأكثر من خمس دقائق، ويجب أن لا تصبح ستّ دقائق؟!

  • لقد ذكرنا في المحاضرات السابقة أنّ ارتباط الإنسان بالله ارتباط تكوينيّ لا تشريعيّ! الارتباط والربط التشريعيّ هو ربط اعتباريّ؛ وهذا الربط يكون أحيانًا موجودًا وأحيانًا غير موجود. فمثلًا، اليوم سكرتيره زيد بن أرقم، وغدًا يغيّرونه فيصبح عمروًا بن خالد، وبعد غد يتغيّر ويحلّ محلّه آخر؛ أما في ما يخصّ الله، فطريق الإنسان هو طريق السرّ، وطريق السرّ لا حاجب له ولا مانع!

  • حالات الإمام السجّاد عليه السلام في مناجاته مع الله

  • ينقل الأصمعيّ حكاية عن الإمام السجّاد عليه السلام فيقول: دخلت بيت الله والمسجد الحرام في منتصف الليل. وما إن أردت أن أطوف حتّى سمعت صوت أنين وبكاء يأتي من حجر إسماعيل! فلم أستطع الطواف. دخلت الحجر لأرى من هذا الذي يمسك بأستار الكعبة في منتصف الليل ويبكي وينتحب ويدعو الله ويتضرّع ويتوسّل.

  • تقدّمت، فرأيت شابًّا قد انسدلت خصلات شعره إلى ما تحت أذنيه وعليه سيماء الصالحين، فما إن وقع بصري على وجهه حتى غبت عن نفسي! فذهبت وجلست بجانبه، فرأيته يناجي الله ويقول: «يَا مَنْ قَصَدَهُ الْآمِلُونَ فَوَجَدُوهُ مَوْئِلاً...» أي يا من يطلبه المؤمّلون والراجون، فيجدونه ملجأ لطلباتهم...!

  • وهكذا بدأ هذا الشاب بهذه الأحاديث والمناجاة، ورفع إلى الله هذا الدعاء وهذه المناجاة، ثمّ أنشد أشعارًا مضمونها: «يا من بابه مفتوح للرحمة والمغفرة والطلب في كل الأوقات، الآن قد استراح الملوك والحكام والسلاطين في بيوتهم وقصورهم، ووضعوا على أبوابهم بوّابين وحجّابًا؛ ولكن يا إلهي، إنّ بابك مفتوح حتى في منتصف الليل، وباب بيتك مفتوح دائمًا لمن يقصد الدخول والولوج!».

  • أنشد قدرًا من الشعر، ثم بدأ بالمناجاة مرة أخرى وقال: «يا من لا يردّ دعوة المضطر! يا من يقضي حاجة المحتاج!». ثم بدأ مرة أخرى بإنشاد بضعة أبيات من الشعر. في هذه الأثناء، رأيت ذلك الشاب قد سقط على الأرض مغشيًا عليه من شدة البكاء!

الدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة - لا تطلب أقل من الله!

4
  • تقدمت ووضعت رأسه في حجري، وعندما نظرت، رأيته علي بن الحسين، الإمام السجّاد! من هول ما رأيت من أحواله وما جرى، وكيف كان يبثّ حاله، غلبني البكاء حتى سالت دموعي على جبين الإمام. فجأة فتح عينيه وقال: «من أنت؟». قلت: «عبدك وخادمك الأصمعي». فقال: «ماذا تريد؟!» قلت: «يا ابن رسول الله، ما هذه الحال التي أراها فيك؟! ما هذا الطلب الذي تطلبه؟! فوالله لقد خلق الله الجنة بطفيلكم، وخلق جهنم للمتمردين عليكم!».

  • فقال عليه السلام: «لا، ليست هذه هي المسألة! «إِنَّ اللهَ خَلَقَ الْجَنَّةَ لِمَنْ أَطَاعَهُ وَلَوْ كَانَ عَبْدًا حَبَشِيًّا، وَخَلَقَ النَّارَ لِمَنْ عَصَاهُ وَلَوْ كَانَ سَيِّدًا قُرَشِيًّا!»۱

  • الجنّة ثمرة الطاعة وحفظ الارتباط بالله

  • لا توجد محاباة في الجنّة، بل خلق الله الجنّة لكلّ من يطيعه. هنا لا يُقبل ابن رسول الله وحفيده، وابن الإمام الفلاني، وابن وليّ الله؛ بل الطاعة هي التي تدخل الإنسان الجنّة، أيًّا كان، والمعصية والذنب يدخلان الإنسان جهنّم أيًّا كان: «وَلَوْ كَانَ سَيِّدًا قُرَشِيًّا!».

  • لماذا يقول الإمام عليه السلام هذا الكلام؟! لأنّ ذلك الربط وتلك الجهة التعلّقية بين الإنسان والله موجودة دائمًا، ولا فرق بين منتصف الليل ومنتصف النهار، والفجر، وما بين طلوع الفجر، ووقت الغروب وهذه الأمور، بل حالة الارتباط هذه موجودة في كل الأوقات!

  • إذًا، الطريق للوصول إلى الله طريق واحد لا أكثر: ﴿ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾٢. يقول: ﴿سَبِيلِ رَبِّكَ﴾، ولا يقول: "سُبُل ربّك"! ﴿فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾٣.

  • الدعوة إلى سبيل الله بالموعظة والحكمة، لا بالقوّة والعصا

  • ادعُ إلى سبيل ربك بالموعظة، لا بالعصا والهراوة والبندقيّة! لا يا عزيزي! ادعُ بالموعظة والكلام والحسابات المنطقيّة. هذا هو سبيل الله، وآية القرآن تقول هذا، والإمام الصادق عليه السلام علّمنا هذا. يا عزيزي، اجلسوا وتحدثوا!

  • ﴿بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾؛ الحكمة تعني الأسس المحكمة؛ لا الأحلام، ولا الشعر، ولا لأن "مشهدي٤ حسن" بائع اللبن قال هذا، فأنا أفعل ذلك! لا، فهذه ليست حكمة؛ الحكمة تعني الأساس المحكم! ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ﴾٥؛ أي أنّنا أعطينا لقمان أسسًا ومعتقدات محكمة لا يمكن اختراقها، أعطينا لقمان أسسًا أخلاقيّة وسلوكيّة متقنة. الحكمة تعني هذا! ويُطلق على الحكيم اسم "حكيم" من هذا المنطلق، لأنّه يبني أسسه الفكرية والسلوكيّة على البرهان.

    1. بحار الأنوا ج ٤٦، ص ٨١ نقلاً عن مناقب ابن شهرآشوب: روى الأصمعي قال: كنت أطوف حول الكعبة ليلة فإذا شاب ظريف الشمائل وعليه ذؤابتان وهو متعلّق بأستار الكعبة ويقول: "نامت العيون وعلت النجوم وأنت الملك الحي القيوم، غلقت الملوك أبوابها وأقامت عليها حرّاسها وبابك مفتوح للسائلين، جئتك لتنظر إلي برحمتك يا أرحم الراحمين". ثمّ أنشأ يقول: 
      يـا مـن يجيـب دعـاء المضطر فـي الظلم***يـا كاشف الضـر والبلوى مع السقـم 
      قـد نـام وفـدك حـول البيـت وانتبهـوا***وأنت يـا حـي يـا قيـوم لـم تنـم
      أدعـوك رب دعـاء قـد أمـرت بـه***فارحـم بكائـي بحق البيـت والحـرم
      إن كـان عـفوك لا يرجـوه ذو سـرف***فمـن يجـود علـى العاصيـن بالنعـم
      قال: فاقتفيته فإذا هو زين العابدين عليه السلام.طاووس الفقيه: رأيته يطوف من العشاء إلى سحر ويتعبّد، فلما لم ير أحدًا رمق السمآء بطرفه وقال: إلهي غارت نجوم سماواتك، وهجعت عيون أنامك، وأبوابك مفتّحات للسائلين، جئتك لتغفرلي وترحمني وتريني وجه جدّي محمّد صلّى الله عليه وآله في عرصات القيامة، ثمّ بكى وقال: وعزّتك وجلالك ما أردت بمعصيتي مخالفتك، وما عصيتك إذ عصيتك وأنا بك شاكّ، ولا بنكالك جاهل، ولا لعقوبتك متعرّض، ولكن سوّلت لي نفسي وأعانني على ذلك سترك المرخى به علي، فالآن من عذابك من يتسنقذني؟ وبحبل من أعتصم إن قطعت حبلك عني؟ فواسا أتاه غدا من الوقوف بين يديك إذا قيل للمخفين جوزوا، وللمثقلين حطّوا، أمع المخفين أجوز؟ أم مع المثقلين أحط؟ ويلي كلّما طال عمري كثرت خطاياي ولم أتب، أما آن لي أن أستحي من ربّي؟! ثم بكى وأنشأ يقول :
      أتحرقني بالنار يا غاية المنى***فأين رجائي ثمّ أين محبّتي
      أتيت بأعمال قباح زرية***وما في الورى خلق جنى كجنايتي
      ثمّ بكى وقال: سبحانك تعصى كأنك لاترى، وتحلم كأنك لم تُعص، تتودّد إلى خلقك بحسن الصنيع كأنّ بك الحاجة إليهم، وأنت يا سيدي الغنيّ عنهم.ثمّ خر إلى الارض ساجدًا. قال: فدنوت منه وشلت برأسه ووضعته على ركبتي وبكيت حتى جرت دموعي على خدّه، فاستوى جالسًا وقال: من الذي أشغلني عن ذكر ربي؟ فقلت: أنا طاوس يا ابن رسول الله ما هذا الجزع والفزع؟ ونحن يلزمنا أن نفعل مثل هذا ونحن عاصون جانون، أبوك الحسين بن علي وأمّك فاطمة الزهراء، وجدّك رسول الله صلّى الله عليه وآله!؟ قال: فالتفت إليّ وقال: هيهات هيهات يا طاوس دع عنّي حديث أبي وأمّي وجدّي! خلق الله الجنة لمن أطاعه وأحسن، ولو كان عبدًا حبشيًّا ، وخلق النار لمن عصاه ولو كان ولدًا قرشيًّا. أما سمعت قوله تعالى﴿فاذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون﴾ والله لا ينفعك غدًا إلا تقدمة تقدّمها من عمل صالح.وفي معرفة المعاد، ج۱۰، ص ۸٥ عن «منتهى الآمال» ج ٢، ص ٩: يقول حمّاد بن حبيب في حديث له عن أحوال الإمام السجّاد عليه السلام في سفره للحجّ:فلمّا أن تقشّع الظلام، وثب (الإمام) قائماً و هو يقول: يَا مَنْ قَصَدَهُ الضَّالُّونَ فَأصَابُوهُ مُرْشِداً، وَ أمَّهُ الخَائِفُونَ فَوَجَدُوهُ مَعْقِلًا، وَ لَجَأ إلَيْهِ العَابِدُونَ فَوَجَدُوهُ مَوْئِلًا، مَتَى رَاحَةُ مَنْ نَصَبَ لِغَيْرِكَ بَدَنَهُ؟ وَ مَتَى فَرَحُ مَنْ قَصَدَ سِوَاكَ بِهِمَّتِهِ؟ إلَهِي! قَدْ تَقَشَّعَ الظَّلَامُ وَ لَمْ أقْضِ مِنْ خِدْمَتِكَ وَطَراً، وَ لَا مِنْ حِيَاضِ مُنَاجَاتِكَ صَدَراً، صَلِّ على مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ وَ افْعَلْ بِي أوْلَى الأمْرَيْنِ بِكَ يَا أرْحَمَ الرَّاحِمِينَ
    2. سورة النحل (۱٦) الآية ۱٢٥.
    3. سورة فصلت (٤۱) الآية ٣٤.
    4. لأنّ زيارة مشهد لم تكن متيسّرة للجميع بسبب بعدها كان من يزورها يسمّى مشهدي تمامًا كما يسمّى من يحجّ حاجًا، ومن يزور كربلاء بالكربلائي. (م)
    5. سورة لقمان (٣۱) الآية ۱٢.

الدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة - لا تطلب أقل من الله!

5
  • فالبرهان هو قضيّة وقياس، وذلك القياس مركّب من قضيتين أو أكثر، تكون أسس تلك القضايا قائمة على البديهيّات والضروريّات؛ أي أنّ اثنين زائد اثنين تساوي أربعة، لا أنّها تساوي أربعة ونصفًا أو خمسة! وذلك على خلاف الجدل، والمغالطة، والخطابة، والشعر وأمثال ذلك، التي تختلف مقدّماتها وقياساتها.

  • الفرق بين الجدل والشعر وطريق البرهان

  • في بعض الحالات، عندما يتحدّث الإنسان مع بعض الأفراد، يبدأ الطرف المقابل فجأة بإنشاد الشعر بدلاً من تقديم الدليل! والشعر ليس دليلاً! الشاعر قال الشعر لنفسه! هل لأنّه شعر، انتهى الموضوع والمسألة؟! لا يا عزيزي! لنحوّل هذا الشعر الآن إلى نثر. إذا أزلت الوزن من الشعر وغيّرت الكلمات، يصبح نثرًا؛ وإذا غيّرت ترتيب الكلمات في النثر، يصبح شعرًا، ولا فرق بينهما، إلا أنّ الشعر أوقع في النفوس، ولأنّ له وزنًا موزونًا، فهو أجمل وأكثر جاذبيّة؛ أما من وجهة نظر الأسس البرهانيّة وصحّة القضايا وسقمها، فلا مكانة للشعر أصلًا!

  • ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾۱، ﴿وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾٢. ما هو سبيل المجادلة؟ ذلك السبيل الذي هو أفضل! اجلسوا وقولوا: «السلام عليكم، كيف حالك يا رفيق؟!». 

  • ـ الحمد لله!

  • ـ كيف حالكم أنتم؟ 

  • ـ أنا بخير جدًّا! بوجه ضاحك؛ لا أن تتقطّب الحواجب ويعبس، وكأنّ سفينته قد غرقت! ثمّ يقول: «اسكت، ما هذا الكلام؟! ابتعد! اذهب! تعال!». يا عزيزي، اجلسوا وتحدّثوا بشكل صحيح! بعد يومين، سنذهب أنا وأنت إلى مكان آخر، وهناك سنضحك على كلّ الأعمال التي قمنا بها في هذه الدنيا!

  • تبدّد كل الاعتبارات والتخيّلات بعد الدنيا

  • تقول الآية الشريفة: ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ﴾٣. هؤلاء المؤمنون وعباد الله، والذين هم أناس طيّبون وأطهار، ولكن بسبب بعض المسائل وقصر النظر وعدم التروّي، توجد بينهم بعض المسائل والكدورات، نحن في يوم القيامة ننزع هذا الغلّ من قلوبهم وصدورهم ونخرجه؛ وعندما نخرجه، فكأنّه لم يكن هناك شيء [من الكدورة]، بل كأنّهم كانوا أصدقاء لسنوات طويلة في الدنيا ولم يكن بينهم أي شجار أو نزاع، لأنّ كل النزاعات كانت على مسائل تافهة لا حقيقة لها!

    1. سورة فصلت (٤۱) الآية ٣٤.
    2. سورة النحل (۱٦) الآية ۱٢٥.
    3. سورة الحجر (۱٥) الآية ٤۷.

الدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة - لا تطلب أقل من الله!

6
  • [مسائل من قبيل]: «لماذا أنت هكذا وأنا هكذا؟! و...». ولكن عندما يزول "ذاك" و"هذا" في ذلك العالم، لا يبقى إلا الإنسان نفسه والله، وكلّ هذه الاعتبارات والتخيّلات والتصوّرات تتبدّد هناك، تصبح فقّاعة، تصبح ﴿كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً﴾۱!

  • يجد الإنسان هناك أنّ كلّ هذه الكدورات كانت سرابًا، وأنّه كان يجري خلف سراب. بالطبع صحيح أنّ القضيّة تتّضح هناك؛ ولكنّ ما يحصل هو أنّ العمر الذي ضاع لن يعود! فماذا نفعل بهذا؟! صحيح أنّه ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ﴾؛ ولكنك صرفت عمرك أيّها المسكين هنا في الشجار! فبدلًا من الشجار كان بإمكانك أن تضحك، وبدلًا من أن تشغل ذهنك بهذا القدر، كان بإمكانك أن تبتسم! لأنّ هذا العمر لن يعود، وهذا يورث الحسرة!

  • نعم، إنّ الله بلطفه وكرمه يزيل ذلك الغلّ، ولكن ما فقدته، فلا يعود! [يقول الله تعالى]: هذا الواحد لن نرزقكم إياه! لقد أمضيت عمرك في هذه الأقاويل، وأضعت وقتك في هذه الأقاويل، وأنفقت رأس مالك في الهوى والباطل والمسائل الاعتباريّة والكثرات؛ فهذا لن نعيده! ولكن في النهاية، سنخرج الأحقاد والضغائن ونقوم بهذه الأعمال؛ ولكن على حدّ قول المرحوم العلامة، ليس الذكيّ والماهر من يكتفي بهذا فقط!

  • «اللَهُمَّ إِنِّي أَجِدُ سُبُلَ المَطَالِبِ إِلَيْكَ مُشْرَعَةً!». هذه العبارات للإمام السجّاد عليه السلام لها معانٍ كثيرة! إن شاء الله سأكون في خدمتكم لجلستين أو ثلاثة وأذكر بعض المواضيع في هذا الصدد.

  • الوصية بالنصيحة والموعظة الحسنة في القرآن والروايات

  • فطريق الله هو طريق الموعظة: ﴿ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾٢، فلا ينبغي أن تكون الموعظة بالضرب، فالموعظة بالضرب لا فائدة منها! ورد في رواية: «النُّصْحُ عِنْدَ الْمَلَإِ قَرْعٌ»٣؛ النصيحة في الملأ فضيحة! يجب على الإنسان أن يراعي هذه المسائل! إذا نصح أحدًا في جمع من الناس، فقد أراق ماء وجهه. بالطبع، في بعض الأوقات تكون هناك حاجة، [ولكن على أيّ حال للنصيحة] مكانها وطريقتها!

  • تأثير النصيحة بالكلام الطيب واللين

  • قال أحد الخطباء، وكان شيخًا كبيرًا وقد توفّي الآن: كنت أمشي في أحد أيّام الجمعة صباحًا باكرًا في شارع "آبشار" في طهران. فرأيت أحد هؤلاء الذين يحملون مفاتيح الجنان في الصباح ويذهبون إلى المسجد، ويقرؤون مثلًا دعاء يوم الأحد وزيارة عاشوراء وأمثال ذلك لمدّة ساعة أو ساعتين، ثمّ يلقون عباءاتهم على أكتافهم ويعودون إلى منازلهم وقد كان في الزمان السابق من أمثال هؤلاء وقد قلّوا الآن.

    1. سورة النور (٢٤) الآية ٣٩.
    2. سورة النحل (۱٦) الآية ۱٢٥.
    3. غرر الحكم، ص ۷٢۰؛ شرح نهج البلاغة، ابن ‌أبي ‌الحديد، ج ٢۰، ص ٣٤۱، أسرار الملكوت، ج ۱، ص ۱٦٢.

الدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة - لا تطلب أقل من الله!

7
  • ومن الجهة المقابلة، كانت تأتي امرأة، وكانت المسكينة ترتدي عباءة، ولكنها لم تكن قد غطّت نفسها به بشكل صحيح ومحكم. وعندما وصلت إليهما، رأيت هذا الرجل يقول لتلك المرأة المسكينة: «أيّتها الخبيثة، غطّي وجهك هذا الذي يشبه وجه القرد!». عندما نظرت، لم أرَ وجهها كالقرد فحسب، بل كان جميلًا جدًّا! فقلت في نفسي: «أين وجه القرد في هذه؟! يا له من رجل عديم الذوق ولا يفهم!». فقالت تلك المرأة: «حسنًا، ما دام من المفترض أن لا أغطّي وجهي هذا الذي يشبه وجه القرد، فلأكشف عن كلّ شيء!».

  • فخلعت عباءتها من على رأسها وطوته ووضعتها في حقيبتها وقالت: «هل ارتاح بالك الآن؟!». فغضب ذلك الرجل من أنّ هذه المرأة لا تخجل، والتفت إليّ وقال: «يا فلان، لقد حلّ آخر الزمان! ننصحها وننهاها عن المنكر، فانظر ماذا تقول! حتى أنّها خلعت شادورها!».

  • فتقدّمت وقلت: « اخجل من نفسك يا هذا! وجهك أنت الذي يشبه وجه القرد! هل هذه طريقة للنصيحة؟! على فرض أنّ هذه المسكينة كان وجهها مكشوفًا، فقد خلعت الآن عباءتها من الأساس ووضعتها في حقيبتها! كان يجب أن تتقدّم وتقول بلطف: "يا سيدتي المحترمة، أليس من المؤسف أن يشاهد الجميع مثل هذا الوجه وهذه الملامح؟! هذا الوجه خاصّ وهو لك، وقد أعطاك الله إيّاه و..."!».

  • يجب التحدّث بلغة طيّبة وليّنة، وحينها ستغطّي نفسها أكثر. فالنصيحة لها طريقتها أيضًا! [والآية تقول]: ﴿بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾، لا بالعصا!

  • طريق الله طريق اللين لا العنف!

  • في يوم آخر، كان واعظ آخر ـ وكان المرحوم العلامة يدعوه في بعض أشهر رمضان إلى مسجد القائم ـ يتحدّث عن كيفية النصيحة فقال: كنت في مكّة محرمًا. وفجأة سمعت صراخًا وعويلًا يرتفع من الطابق السفلي، وكان من الواضح أنّها معركة حامية؛ وذلك بين حجّاج محرمين! فقلت: "يجب أن أذهب وأنجدهم!". فذهبت فرأيت رجلاً كالمجرمين، قد طرح حاجًّا مسكينًا على الأرض وأمسك بالسكين في يده، والناس متجمعون وهو يشتم؛ وأيّ شتائم! فقلت له: «ماذا تريد أن تفعل؟!» قال: «يا حاج، أريد أن أؤدّبه!».

الدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة - لا تطلب أقل من الله!

8
  • قلت له: «يا رجل بهذه الطريقة التي تريد أن تؤدبه بها، لن يبقى منه شيء!». 

  • فقال: «لقد قال لي الكلمة الفلانيّة، أريد أن أؤدبه!». والآن، وهو في حال الإحرام، يشتم ويريد أن يؤدّبه! فقلت له: «أوّلاً، إذا قال لك كلمة واحدة، فقد رددت عليه بألف؛ ثانيًا، بهذه الطريقة التي تتعامل بها معه، أظن أنّه لن يبقى من الحاج شيء ليعود به إلى [أهله]!».

  • خلاصة القول، هكذا يأمر بعض الناس بالمعروف وينهون عن المنكر! وعلى أي حال، هذا العمل غير صحيح. طريق الله هو طريق اللين، لا طريق العنف! ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّـهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾۱. أي أنّك بلطف إلهيّ أصبحت ليّنًا، حسن البيان، حسن الخلق، وحسن السيرة! تتعامل مع الناس بلين وهدوء ورفق، لا بالصراخ والتهديد!

  • دأب وسلوك من لا منطق له ولا دليل

  • هذه التصرّفات هي لمن لا يملك برهانًا! هي لمن يعطي الناس قطنًا ويقول: «ضعوه في آذانكم حتى لا تسمعوا صوت محمّد عندما يقرأ القرآن!»، وذلك لأنّه لا يقوى على الحجّة. هذه التصرّفات هي لمن يلقي القاذورات على رأس النبيّ! لماذا؟ لأنّه لا يستطيع مجاراة آيات القرآن! هي لمن يرسل الأطفال ليرموا النبيّ بالحجارة، حتّى يسيل الدم من جبينه وقدميه! هذه تصرّفات أناس لا منطق لهم ولا دليل، فالإنسان الذي لديه دليل لا يرفع حجرًا! الإنسان الذي لديه منطق لا يلقي فضلات الحيوانات على رأس النبيّ!٢حقًّا أي جرأة ارتكبوها بحقّ النبيّ! أمر عجيب جدًّا!

  • عجز الإنسان أمام منطق الله

  • حسنًا، تعالوا أنتم أيضًا وردّوا على آيات القرآن! النبيّ لم يكمّم أفواهكم! أصلًا، كم يمتلك النبيّ من القوّة ليتعامل [مع كلّ هؤلاء]؟! النبيّ يعلن بصوت عالٍ: ﴿قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَـٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا﴾٣. حتى لو تظاهروا وتعاونوا!

  • لماذا لا يستطيعون فعل ذلك؟ لأنّ الكلام كلام منطقيّ، والله تعالى يقف خلف هذا الكلام. فهل يمكنكم أن تتحدّوا الله ومنطق الله؟! بل يقول: ﴿بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ﴾٤؛ فليأتوا بعشر سور! وفي آية أخرى: ﴿فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ﴾٥؛ لو استطاعوا فليأتوا بسورة واحدة فقط، مثل سورة النصر: ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّـهِ وَالْفَتْحُ﴾٦، ولكنّهم لا يستطيعون فعل ذلك!

    1. سورة آل عمران (٣) الآية ۱٥٩.
    2. راجع الکافی، ج ۱، ص ٤٤٩؛ أنساب الأشراف، ج ۱، ص ۱٢٥.
    3. سورة الإسراء (۱۷) الآية ۸۸.
    4. سورة هود (۱۱) الآية ۱٣.
    5. سورة البقرة (٢) الآية ٢٣.
    6. سورة النصر (۱۱۰) الآية ۱.

الدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة - لا تطلب أقل من الله!

9
  • هذا هو منطق الله. والآن، ما دام منطق الله بهذا الوضوح، فلماذا نعبس؟! فلنتعامل ببساطة وانبساط وابتهاج!

  • نموذج من سلوك النبيّ وتعامله مع الناس

  • عندما فتح جيش الإسلام قبيلة طيء، جاءت ابنة حاتم الطائي، وهي أخت عديّ بن حاتم، أسيرة إلى المدينة، ورأت أمير المؤمنين عليه السلام، ومكثت ثلاثة أيام في المدينة، وللقصّة تفاصيلها۱. خلاصة القول، عندما عادت إلى قبيلتها، سألها عديّ بن حاتم: «كيف وجدتِ النبي؟». 

  • قالت: «الأخلاق التي رأيتها منه لم تكن أخلاق سلاطين». 

  • قال عدي بن حاتم: «كيف؟». 

  • قالت: «كنت أقف في طريقه كلّ يوم عندما يخرج من المسجد متّجهًا إلى منزله. وفي أحد هذه الأيام وهو قادم من المسجد، رأيت امرأة عجوزًا قد جاءت ووقفت. نظرت فرأيت هذه العجوز قد تحدّثت معه ساعة كاملة ولم يقطّب جبينه، وكان يهزّ رأسه ويتحدّث ويضحك ويمزح معها! فقلت في نفسي: "إن كانت هناك أخلاق، فهي هذه الأخلاق! هذه أخلاق الأنبياء!". فالسلاطين ليسوا كذلك٢.

  • وكان النبيّ صلّى الله عليه وآله يمزح أحيانًا. جاءت إليه عجوز يومًا وقالت: «ادعُ لي أن أدخل الجنّة». فقال عليه السلام: «العجائز لا يدخلن الجنة». فبدأت تبكي. فانتظر النبيّ حتّى بكت جيّدًا، ثمّ قال: «إنّهن يصبحن شابّات ثمّ يدخلن!»٣. فكان النبيّ يمازح الناس أحيانًا.

  • تولّي الأنبياء أمور الناس بعد إصلاح بواطنهم

  • إنّ رؤية الإمام تختلف عن رؤية الحكّام والسلاطين، وبصيرة الإمام عليه السلام تختلف عن بصيرة أصحاب المال والسلطة. هؤلاء السلاطين لهم أمام الناس ظاهر مزيّن، ولكن لهم أيضًا باطن لم يُمسّ وتُرك على حاله، وذلك الباطن له صور مختلفة في الظاهر. الظاهر لا يصلح الباطن؛ سواء وضعت على رأسي قبّعة أم عمامة، باطني هو نفسه؛ ولو لم أضع أيًّا منهما على رأسي، فباطني هو نفسه أيضًا! العمامة والقبّعة واللحية وربطة العنق والعصا، كلّ هذه الأمور لا تصلح الباطن، لأنّ الباطن شيء آخر!

  • الأنبياء قد صلح باطنهم أولًا، ثمّ جاؤوا ليتولّوا زمام أمور الناس! صلح باطنهم أولًا وتغيّرت رؤيتهم، وتبدّلت علاقتهم بالله، واتّخذ ربطهم وتعلّقهم به صورة أخرى، ثمّ بتلك الرؤية وتلك البصيرة وبتلك الكيفيّة من الأخلاق المتبدّلة جاؤوا وتولّوا زمام أمور الناس! فهل التفتّم؟!

    1. إعلام الوری، ج ۱، ص ٢٥٢.
    2. السیرة النبویّة، ج ٢، ص ٥۷۸ ـ ٥۸۱.
    3. راجع النّوادر، للراوندي، ص ۱۰.

الدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة - لا تطلب أقل من الله!

10
  • هناك آية عجيبة عن النبي موسى عليه السلام يقول فيها الله: ﴿وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي﴾۱. «لقد صنعتك واخترتك لنفسي». لقد أوجدتُ أنا تلك الجهة التعلّقية بيني وبينك.

  • يقول حافظ رحمه الله: 

  • من که ملول گشتمی از نفس فرشتگان***قال و مقال عالمی می‌کشم از برای تو 
  • والمعنى: 

  • أنا الذي مللت من أنفاس الملائكة *** أحتمل من أجلك قيل وقال عالمٍ بأكمله 

  • يعني أنّي أولًا قد وصلت إلى مكان أصبح فيه كلّ ما سواك، كلّ موجودات العالم، الموجودات النورانيّة والملائكة، مصدر ملل لي! يعني أنّ الموجودات التي لا نراها حتّى في أحلامنا، تسبّب له الملل! انظروا إلى الفرق في الطريق من أين هو وإلى أين! لقد أصبحتُ هكذا، والآن بهذا الوضع آتي بين الناس!

  • هذا الإنسان لم يعد لديه "أنا" و"أنت"! هنا لم يعد هناك «لماذا حدث كذا ولماذا حدث كذا؟! لقد أُهينت الساحة المقدّسة لحضرة السيّد! حضرة السيد هكذا وهكذا»! إنّ له رؤية وفهمًا آخر تمامًا!

  • کار پاکان را قیاس از خود مگیر***گرچه باشد در نوشتن شیر، شیر 
  • والمعنى: 

  • لا تقِسْ أعمال الأطهار على نفسك [لمجرّد التشابه في الظاهر]؛ فكلمة"أسد" وكلمة "حليب" متشابهتا الحروف في الفارسيّة"شير" [وشتّان ما بينهما في الواقع].

  • معنى «سبيل» في آيات القرآن

  • السبيل يعني هذا النحو! سبيل الله يعني الطريق إلى الله. لذا ورد في كل آيات القرآن «سبيل»: ﴿سَبِيلِهِ﴾، ﴿سَبِيلِ رَبِّكَ﴾، ﴿سَبِيلِ اللَّـهِ﴾؛ وفي بعض الآيات، جاء جمع سبيل «سُبُل»: ﴿يَهْدِي بِهِ اللَّـهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾٢، وفي آية أخرى أيضًا: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾٣؛ فأولئك الذين يجاهدون ويراقبون ويحاربون النفس، نضعهم في سُبُلِنا.

  • حسنًا، كيف يكون الجمع في هذه المسألة؟ هنا حيث يقول: «نهدي الأفراد إلى سبلنا»، ما المقصود بـ«سبلنا»؟ إن شاء الله، إذا وفق الله، سأوضّح هذه الآيات في الجلسة القادمة.

  • تفاوت طلب الأفراد بسبب تفاوت الأسماء الإلهية

  • قبل أن نتناول هذه الآيات وكيفيّة معانيها، نقول باختصار: كما أنّ أسماء الله وصفاته الكليّة مختلفة، وأنّ الله تعالى له أسماء، وكلّ اسم له فعل خاصّ في العالم الخارجيّ، فإن طلب الأفراد يختلف كذلك بتناسب هذه الأسماء. يقول الإمام السجّاد عليه السلام: «اللَهُمَّ إِنِّي أَجِدُ سُبُلَ المَطَالِبِ إِلَيْكَ مُشْرَعَةً»؛ يا إلهي، أرى سُبل المطالب المطلوبة منك مفتوحة.

    1. سورة طه (٢۰) الآية ٤۱.
    2. سورة المائدة (٥) الآية ۱٦.
    3. سورة العنكبوت (٢٩) الآية ٦٩.

الدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة - لا تطلب أقل من الله!

11
  • لكلّ فرد طلب وحاجة، وحاجات وطلبات ونوايا الأفراد مختلفة. فانظروا إلى الأطفال، في أيّ حاجات يعيشون؟ غاية ما يطلبه طفل في الخامسة أو السادسة من عمره هو أن يحضر له أبوه لعبة عندما يدخل المنزل؛ وهو لا يهمّه أنّ أباه لا يملك مالًا ليدفع فاتورة الهاتف وأنّ هاتف المنزل سيُقطع. يقول الأب: «يا بنيّ، إذا أردت أن أحضر لك لعبة، فلن يبقى لديّ مال لأدفع فاتورة الهاتف!». 

  • فيقول الطفل: «يا أبي، ماذا نريد بالهاتف؟!» 

  • فيقول الأب: «حياتنا مرتبطة بالهاتف، وبدونه تنتهي حياتنا تمامًا!». 

  • فيقول: «أحضر لي لعبتي، ولا بأس لو لم يكن لدينا هاتف!».

  • أو على سبيل المثال يقول: «لا بأس لو لم يكن لدينا كهرباء في المنزل؛ نوقد نارًا، فهذا أفضل، ولو احترق البيت، فلا بأس!». لقد شهدت بنفسي منزلًا يحترق في مكان ما، وكان الأب والأم يلطمان رأسيهما، ولكن الأطفال كانوا يضحكون ويقولون: «ما شاء الله، كم هو جميل! انظر كم ترتفع النار!» وكم كانوا مستمتعين! حسنًا، هل الحقّ مع الأب والأمّ أم مع هؤلاء الأطفال؟! في النهاية، هذه أيضًا مشكلة، وخلاصة القول يجب أن نرى مع من الحقّ؟! نعم، الحق مع عليّ!

  • تحقّق «عليّ مع الحقّ والحقّ مع عليّ» في سرّ وضمير العلامة الطباطبائي

  • رحم الله المرحوم العلامة الطباطبائيّ رضوان الله عليه. كنّا ذات مرّة في مجلس، ودار الحديث هناك عن مسألة حكميّة بين المرحوم الملاّ علي النوري وفيلسوف آخر. ثمّ سأل سائل: "مع من الحقّ؟" فقال: «الحق مع الملاّ علي النوري، والحقّ مع علي!». نحن نذكر هذا الكلام منه. فهذا الرجل يسمّى حكيمًا! لأنّ كلامه صحيح ومتقن.

  • الحديث هنا لم يكن عن الإمام علي؛ فلماذا يقول: «الحقّ مع علي»؟! لأنّه لا يوجد حقّ غير علي، وإذا كان ذلك الملاّ عليّ قد قال كلامًا صحيحًا، فقد قاله ببركة عليّ، فهو من ألقى في رأسه أن يقول هذا الكلام! في عالم الوجود «عَلِيٌّ مَعَ الْحَقِّ وَالْحَقُّ مَعَ عَلِيٍّ»۱.

  • وهنا يعيد هذا الرجل العظيم (العلامة الطباطبائي) المسائل إلى أصلها ولا يتوقّف عند الوسائط. فهذه مسألة مهمّة يجب أن نتعلّمها؛ خاصّة في السلوك، هذه القضيّة مهمّة جدًّا، أن نعلم أين الأصل وأين الفرع، وألاّ نخلط بين الأصل والفرع، وألاّ ننسب المسائل المتعلّقة بالأصل ـ لا سمح الله ـ إلى أنفسنا! هذا لأنّنا نخطئ.

    1. کفایة الأثر، ص ٢۰.

الدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة - لا تطلب أقل من الله!

12
  • كلّ أمر حقّ فهو يرجع إلى أمير المؤمنين وإمام الزمان، ثمّ أجلس أنا هنا وأقول: «نعم، كانت أعمالنا هي التي أوصلت الأمور إلى هنا! نحن من فعلنا كذا! كنّا نحن، وكانت كلماتنا ونشاطاتنا!». فاذهب يا عزيزي! ماذا يعني «نشاطاتنا»؟! لماذا نفس كلامك هذا يسمعه فلان منذ خمسين عامًا ولا يبالي به؟! من الذي وضع الآن هذا الاستعداد في رأس هذا الرجل حتّى يفهم عندما تتكلّم، بينما نفس الكلام تقوله في أذن مجموعة أخرى لعشر سنوات ولا يبالون به؟!

  • من الذي وضع هذا الاستعداد؟ هل وضعته أنا أم وضعه واضع آخر؟! لماذا أنسبه لنفسي؟! يريد العلامة الطباطبائي أن يقول إنّه إذا كان المرحوم الملاّ عليّ النوري قد قال هذا الكلام الحقّ، فإنّه يعود إلى أمير المؤمنين.

  • قصّة تقديم طالب علم زيارة صدر الأصفهاني على زيارة أمير المؤمنين وإشكالها

  • كان الصدر الأصفهاني قد زوّج طالب علم، وذلك الطالب الذي أصبح بالطبع حجة الإسلام كان كلّما ذهب إلى النجف يزور قبر الصدر الأصفهاني أولًا ثمّ يذهب لزيارة أمير المؤمنين! أصلح الله عقله! اللهم آتنا علمًا ولا تجعلنا جهلاء إلى هذا الحد! فهل تعرفون لماذا كان يفعل ذلك؟! كان يقول: «لأنّ الصدر الأصفهاني زوّجني عندما لم يكن لدي مال وكنت محتاجًا!».

  • أيّها المسكين البائس، إنّ كلّ سلسلة العلل التي وضعت المال في يد الصدر الأصفهاني تأتي من نافذة أمير المؤمنين! فهذا بسبب الجهل! إنّ عدم إدراك مسائل الولاية يوصل الإنسان إلى هذا الحدّ، أن يقوم ويذهب إلى النجف ولكن قبل أن يزور أمير المؤمنين، يذهب إلى هناك! نعوذ بالله!

  • على أيّ حال، هذا القدر الذي نفهمه وننتقده هو من بركة أمير المؤمنين، فلا نظن أنّه منّا! أمثالنا كثيرون جدًّا، نحن مثل البقيّة والبقيّة مثلنا! حقًّا إنّ الأمر كذلك. كم من الأفراد وزنهم وإمكاناتهم بحجم ما لدينا. فأيّ إنسان وأيّ عامل وأي علّة تسدّ طريق إنسان ما بهذه الكيفيّة، ومن ناحية أخرى تفتح فكر آخر؟! فلماذا لا نكون شاكرين لوليّ نعمتنا، إمام الزمان؟! لماذا نتجاهل تلك الوقائع والأحداث الأصليّة والحقائق المتعلّقة بصاحب الولاية؟!

الدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة - لا تطلب أقل من الله!

13
  • حكاية عن المطالب غير المعقولة لبعض الناس

  • فلكلّ فرد طلب خاصّ. فماذا يطلب الإنسان من الله؟ الطلبات مختلفة، فماذا نطلب نحن من الله وما هو طريق الوصول إلى ذلك الطلب؟ كان هناك رجل ينقل للمرحوم العلامة قصّة، وكنت أنا أيضًا في ذلك المجلس أستمع. كان يقول:

  • في زمان المرحوم الشيخ عبد الكريم، كان ضغط رضا شاه على الحوزة العلميّة والطلاب ورجال الدين شديدًا جدًّا، وقد قام المرحوم الشيخ ببعض الإجراءات. ونشب خلاف كبير بين الحكومة ورجال الدين، وخلاصة القول أراد رضا شاه من جهة أن يكسب ودّ المرحوم الشيخ إلى حدّ ما. فجاء إلى قم، وتقرّر أن تعقد جلسة في منزل الشيخ عبد الكريم ليطرحوا مطالبهم ورضا شاه يلبّيها.

  • وبالطبع لم يأتِ رضا شاه، بل أرسل تيمورتاش إلى الحاج الشيخ عبد الكريم ليتحدّث معه ويرى ما هي مطالب ورغبات رجال الدين ليلبّيها. وفي ذلك المجلس، كان الجميع من العلماء والفضلاء جالسين، وفجأة قام شيخ من زاوية المجلس وقال: «أي دولة هذه؟! وأيّ وضع هذا؟! وأيّ أحوال هذه؟!». 

  • فقال تيمورتاش: «ماذا حدث؟! أي مسألة وقعت؟!». 

  • فقال ذلك الشيخ: «ركبت الحافلة لأذهب إلى طهران، فرأيت صوت الموسيقى مرتفعًا في المقهى الذي في منتصف الطريق!».

  • فقال تيمورتاش: «لقد أخطأ ابن الحرام! قولوا لي أيّ مقهى كان لأذهب الآن وأؤدّبه!». ثمّ قال: «أشكر السادة جزيل الشكر، وداعًا!» وقام وذهب. وعلى حدّ قول المرحوم العلامة: "كلّما نشب شجار بين الروس والإنجليز، كان رضا شاه يحسن معاملة الناس خوفًا من الروس؛ وكلّما تصالح الروس والإنجليز، كان يزيد ضغطه على الناس!". ولعلّ هذه المسألة أيضًا كانت في وقت ساءت فيه العلاقة بينهما.

  • يقول البعض: «اللَهُمَّ اشْغَلِ الظَّالِمِينَ بِالظَّالِمِينَ وَاجْعَلْنَا بَيْنَهُمْ سَالِمِينَ غَانِمِينَ!». يعني: يا إلهي، أوقع بين هؤلاء وأولئك، أوقع بين الروس والإنجليز حتى لا يتدخّل أحد في شؤوننا! فليشغلوا أنفسهم بدنياهم ونحن لا شأن لنا بدنياهم. ليطمئنّوا، وسنكتب ونوقّع أنّنا لا شأن لنا بدنياكم، عيشوا بسعادة! الروس والإنجليز وأمثالهم يريدون منّا هذا، حسنًا!

  • كان تيمورتاش في ذلك الوقت وزير البلاط، وفي الواقع كان رضا شاه الثاني، وكان شخصًا يأمر وينهى حتّى رئيس الوزراء؛ أي أنّ فروغي، رئيس الماسونية في إيران الذي كان رئيس الوزراء آنذاك، كان دائمًا يأخذ موعدًا مسبقًا للتشرّف بلقاء تيمورتاش! فمن كان هذا الذي يأخذ رئيس الوزراء موعدًا للتشرّف بلقائه! بالطبع، يقول البعض إنّها كانت من تدبيرهم، ويقول البعض الآخر إنّها لم تكن من تدبيرهم.

الدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة - لا تطلب أقل من الله!

14
  • فطرح ذلك الشيخ مسألة أنّ المقهى الفلاني يشغّل الموسيقى، فقال تيمورتاش: «الآن سأذهب وأؤدّبه! ماذا يظنّون؟! نعم، المملكة لها حساب، ولها قانون!». وبطرح هذه المسألة، ضاعت كل المسائل والقضايا! فهل التفتّم؟!

  • لا ينبغي أن يكون مطلبنا هكذا! عندما يكون من المفترض أن يجيبوا على كلّ المطالب، حينها يجب أن نحسب ماذا نطلب حتّى لا نُخدع في هذا الطلب!

  • وصيّة العلامة الطهراني لأحد تلاميذه: «لا تبادل جهودك بأقل منه!»

  • أحد أصدقائنا ورفقائنا الكرام، وأظنّ أنّه سيكون أكثر رضًا لو لم أذكر اسمه، كان مسؤولًا عن الترجمة في المؤسسة التي أسّسها المرحوم العلامة رضوان الله عليه في حياته، وأنا أعترف أنّه لم يتعب أحد مثله حقًّا. بالطبع، كلّهم تعبوا، حفظهم الله جميعًا وأيّدهم ووفّقهم، ولكن وضعه كان مختلفًا.

  • كان يقول: في أحد الأيام في أواخر حياة المرحوم العلامة، ذهبت إليه فقال لي: «حسنًا، يا جناب السيد فلان، كيف حالك؟ أي قسم من المسائل تولّيت؟». 

  • فقلت إنّي تولّيت قسم ترجمة الكتب. 

  • فقال: «يا سيد فلان، لا تبادل [جهودك] بأقل منه فتخسر!».

  • يعني هذه الجهود التي تبذلها، وهذا التعب الذي تتحمّله، والأعمال التي تقوم بها، إذا قال الله: "ماذا أعطيك في مقابلها وماذا تطلب منّي في مقابل هذه المسائل؟"، فقل: "لا أقنع بأقل منك بشيء"، وهو سيعطي! فليس ذلك صعبًا عليه، بل هو صعب علينا نحن؛ فالعشرة دنانير تختلف عن المائة دينار هذا بالنسبة لنا، أما بالنسبة له فهما واحد. بالنسبة له، الصفر، والواحد، والمائة، والمليون، والمليار كلها واحد؛ وما دام الأمر كذلك، فهو يغير أماكن الأصفار! إنّه يغير الصفر فقط، فالصفر الذي يجب أن يكون على هذا الجانب من الخط، يضعه على الجانب الآخر! فيصبح "الواحد": مليونًا أو مليارًا أو مائة مليار! فهل تلتفتون؟!

  • يقول المرحوم العلامة: «عندما يكون هو من سيعطي، فلماذا تطلبون القليل؟!». هذا القليل، قليل بالنسبة لك؛ والكثير، كثير بالنسبة لك؛ أما بالنسبة له فلا فرق بين القليل والكثير! أنت اطلب، فإن لم يعطِ فقل: "يا إلهي، نحن طلبنا وأنت لم تعطِ!". حينها نخفّض سقف المطالب. إن لم يعطِ، فاخفض الطلب! بالطبع، هناك شروط أيضًا، وبالطبع يجب أن يوفّق الله للشروط أيضًا.

الدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة - لا تطلب أقل من الله!

15
  • على أيّ حال، انتهى المجلس وبلغ العمر نهايته! إن شاء الله، سأذكر في الجلسة القادمة ماذا يجب أن نطلب، والموضوع واسع أيضًا. يقول الإمام السجّاد إنّ المطالب والدعوات والطلبات كثيرة، وكلّ سبل إجابتها مفتوحة. بالطبع، لا أريد أن أقول إنّ معنى هذا الكلام يقتصر على هذا. وبحسب تعبير الإخوة العرب، «شويّة شويّة»، أي نمضي رويدًا رويدًا لنرى إلى أي مدى يمكننا أن نقترب من مطالب الإمام السجّاد.

  • نأمل أن يمنحنا الله تعالى ـ كما ورد في الدعاء الرجبي: «اللَهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِمَعَانِي جَمِيعِ مَا يَدْعُوكَ بِهِ وُلَاةُ أَمْرِكَ؛ يا إلهي، أسألك ما يطلبه منك ولاة أمرك!» ـ ما يطلبه إمام الزمان! أي أنّ الإمام عليه السلام [في هذا الدعاء] يريد أن يقول إنّه يجب عليك أن تقفز وتخرج من مرتبة فكرك الناقص! [يا إلهي]، أنا لا أقول ماذا نريد منك، بل نقفز دفعة واحدة نحو ما يريده إمام الزمان! نحن لا نعلم أصلًا ماذا يريد، فقط كلّ ما يريده إمام الزمان، نحن نريده منك أيضًا!

  • أليس هذا جيدًا؟! الأمر يعود إلى كرمه، ونحن لن نتنازل عن ذلك. يقولون إنّ الإنسان إذا لم يعمل، فعلى الأقل يجب أن يكون له وجه للدعاء، ونحن أيضًا ليس لدينا إلا وجه الدعاء ولا نعمل شيئًا.

  • أُحِبُّ الصَّالِحِينَ وَلَسْتُ مِنْهُمْ***لَعَلَّ اللهَ يَرْزُقُنِي الصَّلَاحَا
  • نأمل أن يرزقنا الله الصلاح!

  •  

  • اللَهُمَّ صلِّ علَى محمّدٍ وآل محمّدٍ