5

المعرفة بالطريق شرط الحركة إلى الله

خطوة بيقين خير من ألف خطوة بشك

56
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمدعاء أبي حمزة الثمالي

المجموعةسنة 1426

التاريخ 1426/09/08

جلسات المجموعة(9 جلسة)

التوضيح

ما هو الشرط الأساسي للسير إلى الله؟ وكيف نميّز بين الدليل الحقّ والوهم؟ تتناول المحاضرة أهمية اليقين والمعرفة في السلوك، وخطورة اتباع الأهواء والشبهات، مؤكدةً على ضرورة الاستناد إلى الحجيّة الذاتيّة للأولياء، ومستشهدة بأمثلة تاريخيّة كصلح الحديبيّة ومعركة صفّين ومقتل عثمان.

/۲۱
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

المعرفة بالطريق شرط الحركة إلى الله - خطوة بيقين خير من ألف خطوة بشك

1
  •  

  • هوالعليم

  •  

  • المعرفة بالطريق شرط الحركة إلى الله

  • خطوة بيقين خير من ألف خطوة بشك 

  •  

  • شرح دعاء أبي حمزة الثُّمالي ـ سنة ۱٤٢٦ هـ ـ الجلسة الخامسة

  •  

  • محاضرة القاها

  • آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدّس الله سره

  •  

  •  

المعرفة بالطريق شرط الحركة إلى الله - خطوة بيقين خير من ألف خطوة بشك

2
  •  

  •  

  • أعوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ

  • بِسمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ 

  • وَصَلَّى اللهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا أبِي القَاسِمِ مُحَمَّدٍ

  • وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ وَاللَّعنَةُ عَلَى أعدَائِهِم أجمَعِينَ

  •  

  •  

  • «مَعرِفَتي يا مَولايَ دَليلي عَلَيكَ وَحُبّي لَكَ شَفيعي إلَيكَ وَأنَا وَاثِقٌ مِنْ دَليلِي بِدَلَالَتِكَ وَسَاكِنٌ مِنْ شَفِيعِي إلَى شَفَاعَتِكَ.»

  • إنّ معرفتي وإدراكي، يا مولاي، هما دليلي ومرشدي إليك، ومحبّتي لك هي شفيعي إليك، وأنا على ثقة بأنّ هذا الدليل سيرشدني إليك. وواثقٌ ومطمئن بأنّ هذا الشفيع سيشفع لي عندك. فأنا واثقٌ من الدليل بأنّه تامّ، ومطمئنٌّ تمامًا إلى الشفيع بأنّك لن تردّ وجهه وستقبله.

  • لا سير بلا معرفة: لماذا المعرفة هي الشرط الأول للدلالة والهداية؟

  • حسنًا، لقد تقدّم للرفقاء بعض الكلام حول هذه الفقرة الأولى من كلام الإمام السجاد عليه السلام حيث يقول: «مَعرِفَتي يا مَولايَ دَليلي عَلَيكَ».

  • وذُكر أنّه حيثما تكون الدلالة، يجب أن تكون هناك معرفة. فلا يمكن لفرد أن يسلك طريقًا ويسير فيه هكذا دون أنْ تكون لديه معرفة بذلك الطريق. فهذا رجمٌ بالغيب، وسيرٌ على غير هدى. افترض أنّ هنالك فردًا يريد الذهاب إلى الطرف الآخر من المدينة، ليشتري سلعةً معيّنةً من متجرٍ ما هناك، أو ليشتري دواءً؛ فيقال له فرضاً إنّه في المكان الفلاني، فيقوم بفتح باب منزله وينطلق، دون أن يكون لديه العنوان، ودون أن يسأل أحدًا، ودون أن يصطحب معه مرشدًا خبيرًا. قد يذهب من هذا الاتجاه! وأي ضمانةٍ هناك؟ فلا يمكن للإنسان أن يتحرّك ويسير في الهواء.

  • في الدلالة [والهداية] تكمن المعرفة دائمًا، والمعرفة هي الشرط الأوّل للدلالة. وما لم تكن لدى الإنسان معرفة بالمقصد، فإنّ كلّ خطوة يخطوها تكون في الظلمة والجهل.

  • رفض السلوك الأعمى: لا مسير إلى الله بلا دليل ووعي

  • المسير إلى الله هو مسير اليقين، مسير الثبات والطمأنينة. يستند هذا المسير إلى أقوى الأدلّة العقليّة والنقليّة، وتدعمه أقوى السدود الإسمنتية. وليس الأمر هكذا كما يدّعي هؤلاء الدراويش والمتصوّفة المدّعون۱، أصحاب الزيّ والشعار فقط: «الآن تعالَ، وسترى لاحقًا»، «الآن تعالَ، وستدرك لاحقًا»، «الآن تعالَ، وستفهم لاحقًا»، «الآن تعالَ، وستشاهد لاحقًا». حسنًا، ربّما لا يشاهد لاحقًا، وربّما لا يكفي عمره لذلك. «الآن تعالَ، ولاحقًا...»، فعلى أيّ أساس تقول هذا؟ كما لو أنّ إنسانًا ذهب هكذا إلى صيدليّة وأخذ دواءً كيفما اتّفق وقال: «تناول هذا الآن، وستفهم غدًا!» نعم، غدًا سنجد أنفسنا في المغتسل والمقبرة. فعلى أيّ أساس تقول هذا؟!

    1. تحدّث المحاضر حول العرفان والتصوّف في كتابه حريم القدس، وانتهى هناك إلى أنّهما شيء واحد، قد تبرز فيه الأخطاء كأيّ مدرسة من المدارس والاتّجاهات كالفقه والكلام وما شابه. وهو لا يرى أنّ المتصوّفة والدراويش هم دائمًا منحرفون، ويشير هنا إلى المنحرفين منهم. قال فی حريم القدس ص ٦۰: ما يراه الكاتب هو نفس ما تقدّم وأنّه لا فرق بين مصداقي هذين العنوانين؛ سواء مصداق الفرد الكامل والسالك الواصل منهما، أو مصداق الفرد المتظاهر المرائي. (م)

المعرفة بالطريق شرط الحركة إلى الله - خطوة بيقين خير من ألف خطوة بشك

3
  • أيّ عاقل يضع قدمه في مسار لا يعرف شيئًا عن مستقبله ومآله؟! فهذا أحمق، أحمق، معتوه؛ الإنسان المعتوه يفعل هذا!

  • قصّة المجتهد ونصيحته العجيبة: أهكذا نختار من يدلّنا إلى الله؟!

  • ـ «الآن تعالَ، استمع لكلام السيّد فلان». 

  • ـ لماذا أستمع؟ حسنًا، آتي وأستمع لكلامك أنت، فلماذا أستمع لكلام السيّد فلان؟! فإذا كان المقرّر ألا يكون هناك دليل وراء كلام الإنسان، فلماذا آتي وأستمع لكلامك؟ لقد جاء أحدهم إلى هنا قبل بضعة أشهرٍ، وقال لي: «تعالَ الآن واستمع لكلام فلان». فقلت: «حسنًا، لماذا آتي وأستمع لكلامه؟ أستمع لكلامك أنت. ماذا تأمر؟ كل ما تأمر به نضعه على العين والرأس». إذا كان المقرّر أن [يأمرني] بدون دليل فلأتّبع أيًّا كان... مَن الذي كان يقول هذا الكلام يا سيّدي؟! الذي يدّعي الاجتهاد، الذي يدّعي الاستنباط، وليس بعيدًا أن يكون مجتهدًا، وهو مجتهدٌ أيضًا، يعني لا يقلِّد. ولكن أريد أن أقول هذا: كم أنّ أساسنا واهٍ! وكم نتعامل نحن مع الأمور بوهنٍ، وننظر إليها بلا تأمّل! «يا سيّدي تعالَ واستمع لكلام فلان الآن، سترى خيره». حسنًا، أذهب وأستمع لكلام هذا البقّال في أوّل الشارع! قلت له هكذا تمامًا، قلت: «حسنًا، إذا كان المقرر أن أستمع لشيء بدون دليل، فهناك عدّة بقّالين وحدّادين وغيرهم، أذهب إلى كلّ واحد منهم وأقول: يا سيدي، ما رأي حضرتكم في القضيّة الفلانيّة؟» فينظر إليّ بشيءٍ من الدهشة؛ هؤلاء لا يفهمون شيئاً من هذه الأمور أصلًا.

  • ذات مرّةٍ كان الملاّ نصر الدين۱ يمرّ بمكان، فرأى قرويًّا يحمّل حماره حطبًا ويأتي به، فتقدم إليه وقال: «هذا الحَطَبُ المُرَتَّبُ عَلى حِمَارٍ أسوَدِ اللَّونِ، بِكَمْ دِرهَمٍ تَعرِضُ الرِّطلَ الشَّرعِيَّ مِنهُ لِلبَيعِ والشِّرَاءِ؟» نظر إليه القروي وقال: «إن كنت تريد شراء حطب، فالمَنّ٢ بكذا، وإن كنت تريد الدعاء٣، فالمسجد هناك». الآن نقوم نحن، فإذا كان المقرر أن نقول شيئًا هكذا ويقول هو الآخر شيئًا ونستمع نحن، حسنًا، فلنذهب إلى هذا القصاب والبقّال والحدّاد وصانع الصفائح، ونقول: «يا سيّدي، ما رأيك بخصوص هذه القضيّة؟» فيقول: «ماذا تقول يا سيدي؟! ما الأمر؟! عن أيّ شيءٍ تتحدّث؟» 

    1. الملا نصر الدين في الثقافة الشعبيّة الإيرانيّة شخصيّة بمثابة شخصيّة جحى في الثقافة العربية. (م)
    2. وحدة وزن قديمة. (م)
    3. قال له ذلك لأنّ الملاّ نصر الدين كلّمه باللغة العربيّة وهي مشهورة بين الإيرانيّين لقراءة القرآن والدعاء. (م)

المعرفة بالطريق شرط الحركة إلى الله - خطوة بيقين خير من ألف خطوة بشك

4
  • ـ «يا سيدي أعطني برنامجًا سلوكيًا»! 

  • فيقول: «ما هو السلوك؟» «ما هذه الأمور؟ ما هذا الكلام الذي تقوله؟» 

  • ـ «أعطني برنامج كذا، تفكّرًا في النفس»! 

  • فيقول: «يا سيدي، نحن لا نفهم هذه الأمور، إن كنت تريد شراء لحم فالكيلو بكذا، مع عظمه بكذا وبدون عظمه بكذا». وهذه الأمور هي كذلك أيضًا.

  • تناقض عجيب: لماذا نحتاط للدنيا ونجازف في الدين؟

  • [يقول:] «الآن تعالَ واستمع لهذا الكلام، سترى خيره». «الآن تعالَ وقم بهذا العمل، انظر ماذا سيحدث؟» ماذا يعني هذا؟! حقًّا، ماذا يعني؟! الآن، لمن يقول هذا الكلام؟! أوّلًا، مَن الذي يقول هذا الكلام؟! وثانيًا، لمن يقوله؟! أقول: «يا سيدي، ألا تخجل أصلًا وأنت تقول هذا الكلام؟! ألا تخجل أصلًا؟! إنّ الكلام الذي لا نتوقعه من العوام، هل يجب أن نسمعه من أهل الفضل؟!» هل يتعامل العوام في معاملاتهم بهذه الطريقة؟! في التجارة، في العمل والكسب، هل يفعلون هكذا؟! أم حتى يعرفوا تفاصيل القضيّة من الألف إلى الياء و...؟! وعندما يريدون شراء منزل، هل يشترونه هكذا؟! إنّ كل ما قاله السمسار: «تعالَ واشترِ هذا المنزل بهذا السعر، سترى خيره». فيقول له: «أيّ خير أراه؟ أيّ خير أراه؟ أنت تريد أنْ تحصل على مالك، وتفرغ جيبنا؟ أرى خيره! أنت الذي ترى الخير في هذا، أمّا نحن؟!» فيقوم ويذهب ويجري ألفَ تحقيق: «يا سيدي، هل هذا المنزل غالي الثمن أم ليس غاليًا؟ وفي أيّ حيٍّ هو؟ ومَن جيرانه؟ وهذا الذي يبيع هذا المنزل، بأيّ دافع يبيعه؟ أيّ مشكلة حدثت لهذا المنزل حتى يبيعه؟» نقلّب الأمر ألف مرّة هنا وهناك، ثمّ يأتي ويجلس ويتحدّث: «كلاّ يا سيّدي، هذا المنزل غالي الثمن». وقولك: «سترى خيره» ماذا تعني به فأين هو الخير الذي وعدتني به؟! إنّ العوام لا يفعلون هذا، فهل علينا في طريقنا، في مدرستنا، أنْ نضع كلّ المعايير المنطقيّة جانبًا؟! وهل علينا أن نضع كلّ القواعد الابتدائيّة والأوليّة جانبًا؟! متى قال الله للنّاس أنْ يؤمنوا بالنبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله بدون دليلٍ؟! ومتى قال الله لهؤلاء النّاس أنْ يؤمنوا بموسى بن جعفر عليه السلام بدون دليلٍ؟! متى قال ذلك؟! متى قال الله لهؤلاء النّاس أنْ يؤمنوا بالإمام السجاد عليه السلام بدون دليلٍ؟! متى كانت لدينا مثل هذه المسائل حتّى تظهر هذه القضايا بعد ألف وأربعمائة عامٍ؟! «الآن تعالَ! الآن تعالَ هنا!» «الآن تعالَ» ماذا تعني؟! حسنًا، «لا تأتِ إذاً».

المعرفة بالطريق شرط الحركة إلى الله - خطوة بيقين خير من ألف خطوة بشك

5
  • كلام المرء مرآة نفسه: كيف يكشف الأسلوب العشوائي عن خلل باطن؟

  • إنّ الذين يتحدّثون بهذه الطريقة، فإنّ طريقة حديثهم هذه تكشف عن طريقة سير أنفسهم في هذه الدنيا. فيعرف الإنسان كيف يتعامل هؤلاء مع القضايا الحقيقيّة، ويعرف وظيفته تجاههم، وكيف يتعاملون مع المسائل الواقعيّة. فمَن كان طريقه قائمًا على الحقّ، فإنّ كلّ كلامه يتشكّل ويتّجه في هذا المسار. ومَن كان عشوائيًّا، يصبح إلهه إلهًا عشوائيًّا، ونبيّه نبيًّا عشوائيًّا، وإمامه إمامًا عشوائيًّا، لماذا؟ لأنّ نفسه قد تشكّلت وتآلفت مع العشوائيّة والوهن واللامبالاة وعدم التأمّل وهذه الأمور؛ فاليوم مع هذا وغدًا مع ذاك، واليوم لم يحصل شيء وغداً كذلك، وهكذا تمرّ الأيّام بين اليوم والغد، دون أن يكون له أساس أو قاعدة يرتكز عليها، ومهما قيل له: «يا سيّدي تعالَ وقفْ وتأمّل فلا يستجيب...»!

  • قصّة امتحان الرفقاء: لماذا يتزلزل الإيمان عند أول اختبار؟

  • في الزمن السابق، امْتُحِنَ أصدقاء ورفقاء المرحوم العلامة بواسطة امتحانٍ وقع، وفي الأحداث التي وقعت، امْتُحِنَ هؤلاء جميعًا. وكان المرحوم العلامة يقول: «لم يبقَ من هؤلاء الرفقاء إلا عددٌ قليلٌ يُعدّ على الأصابع؛ من عاميّهم، ومن غير عاميّهم، ومن أهل العلم منهم، ومن مجتهدهم، ومن الذي كان يأخذ البرامج من السيّد [الحداد] وكان مجتهدًا، حتّى الآخرون؛ كلّهم انقلبوا رأسًا على عقب، كلّهم صعدوا وهبطوا، كلّهم حدثَ فيهم قلقٌ واضطّرابٌ وتغيير وتبدّل وتحوّل». لماذا؟ لأنهم أخذوا المسألة بتهاون، أخذوا الأمر بتهاون. تهبّ ريحٌ، وتظهر أجواءٌ، يقع حدثٌ استثنائيٌّ، فيقول الجميع: «يا سيّدي، ماذا حدث؟ ها! أرأيت؟ لولا عناية الله لما وقع هذا الحدث!» عجبًا! فإذًا، في كلّ مكان يحدث فيه تغيّر وتحوّل، حتى لو كان المتضرّر في الطرف المقابل هو الإمام أو النبي، فينبغي أن نعطي الحقّ لذلك الطرف الآخر، لتلك الجهة؟!

  • قصّة معركة صفين وخدعة رفع المصاحف: هل نفضل الورق على القرآن الناطق؟

  • في معركة صفّين إذًا يجب أن نقول إنّ الحق مع معاوية، أليس كذلك؟! في النهاية معاوية انتصر، وأمير المؤمنين عليه السلام هُزم في الواقع. في معركة صفّين، غلبت حيلة الشيطان على جيش المسلمين، ومهما صرخ أمير المؤمنين عليه السلام وأصحابه، لم يُجْدِ نفعًا؛ فقد غلب الشيطان، أليس كذلك؟! أوقف الحرب. وهؤلاء الذين لا يؤمنون بآية واحدة من القرآن بدأوا برفع المصاحف على الرماح قائلين: «يا للهول! تعالوا لنعمل بالقرآن!» حاربتم ثمانية عشر شهرًا، لماذا لم ترفعوا المصاحف على الرماح قبل ذلك؟! لم يسألهم أحدٌ: «إذا كان القرآن حقًّا، فلماذا لم ترفعوا المصاحف على الرماح في اليوم الأوّل وأنهيتم المسألة؟!» لماذا بعد ثمانية عشر شهرًا، عندما وصل مالك الأشتر إلى خيمة معاوية، حينها رُفع القرآن؟! فانظروا كم النّاس حمقى، كم هم حمقى حقًّا! فلو سألوا سؤالاً واحدًا لهؤلاء الخوارج: «ألستم تقولون إنّ القرآن حقّ؟ حسنًا نقبل حسنًا، فلماذا لم يُرفع هذا القرآن على الرماح في البداية؟! بعد كلّ هؤلاء القتلى من الطرفين، المسلمين، من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام، ومن الطرف الآخر كانوا مسلمين أيضًا، بالاسم والظاهر مسلمين، لماذا لم يُرفع القرآن على الرماح حينها؟! ولماذا لم تنتهِ الحرب في ذلك الوقت؟! لماذا؟! لماذا يجب أن يُرفع القرآن على الرماح الآن؟!» حسنًا، هذه خدعة، ولعبة، وهذا مكرٌ؛ وهؤلاء الناس الحمقى، يا سيّدي، جاؤوا وقبلوا. حقًّا عجيب! ها!

المعرفة بالطريق شرط الحركة إلى الله - خطوة بيقين خير من ألف خطوة بشك

6
  • الآن مهما يصرخ أمير المؤمنين عليه السلام أنّي أنا كلام الله الناطق، أنا القرآن الناطق، أنا الذي أفسّر لكم هذه الآيات، أنا الذي أشرح لكم معنى هذه الآيات، أنا الذي أشرح معنى هذه الآيات، وأقول لكم ارموا هذه المصاحف. يقولون: «عجيب! أيعقل هذا؟»! فحينها فضّلوا الورق والحبر على حقيقة القرآن ومعناه وباطنه! هذا الورق الذي هو قشّ وقطن أو جلد أو خشب وحبر. القرآن بدون أمير المؤمنين عليه السلام قش، قش، قش، خشب، خشب شجر. إنّ القرآن يكون معجزة للإنسان إذا كان وراءه أمير المؤمنين عليه السلام؛ هو يأتي ويقول ما المقصود بهذه الآية وما المقصود بتلك الآية. وهذا القرآن حينئذ يكون له قيمة عندنا.

  • خطر الاعتماد على غير أهل البيت عليهم السلام في فهم الدين

  • القرآن يكون مفيدًا لنا إذا فسره الإمام الصادق عليه السلام لنا. لا أبو هريرة، ولا كعب الأحبار، ولا أبو حنيفة الذي حفظ بغض أهل البيت عليهم السلام في صدره حتّى لحظة موته. إلى هذا الحدّ كان هذا الرجل معاندًا! هذا أبو حنيفة نفسه، الذي وجد الكثير من الأنصار في يومنا هذا بحمد الله! يُقدَّم كمفخرة من مفاخر الإسلام، وكفرد مدافع، وتُكتب عنه مقالات اليوم، كمناصر لمدرسة الإسلام، يُقدّم الآن هكذا وكمحبّ للإمام الصادق عليه السلام! فيا للعجب! هذا أروع ما يكون! يعني يجعلون الليل نهارًا، والنهار ليلاً، والسواد بياضًا، فيقدّمونه هكذا! ولكنّ التاريخ لا يتغيّر؛ قولوا أصلًا إنّ أبا حنيفة ـ نعوذ بالله ـ أعلى من الإمام الصادق عليه السلام! هنيئًا لكم. حشركم الله مع أبي حنيفة ذاك، ولا حرمنا الله من التمسّك بذيل الإمام الصادق عليه السلام.

  • إنّ هذا القرآن له قيمة عندنا. والقرآن الذي يقول لنا أهل البيت عليهم السلام اقرأوه وفسروه هكذا وهكذا، هذا القرآن هو الذي له أهمية وقيمة عندنا. وإلا فهو ورق؛ كلّ هذه الكتب المطبوعة، واحد منها القرآن. وكلّ هذه الكتب العربية المطبوعة، القرآن واحد منها؛ كتب عربيّة، جرائد، مجلاّت، فلان، هذه الأمور. لأنّ الإمام عليه السلام هو باطن القرآن.

المعرفة بالطريق شرط الحركة إلى الله - خطوة بيقين خير من ألف خطوة بشك

7
  • قصّة بدعة صلاة التراويح: هل العبرة بالمظاهر أم باتّباع السنّة؟

  • يقول أمير المؤمنين عليه السلام: «باطن القرآن أنا، حقيقة القرآن أنا، يجب أن تسلّم لي حتّى يستقرّ كتاب الله هذا في نفسك. فإنْ سلّمت لي، فحينئذ تأتيك آيات القرآن بالنور». أليس هؤلاء السنّة الآن يحفظون القرآن كلّه ويقرأون جزءًا منه في صلواتهم هذه الليالي؟ أليسوا يحفظون القرآن كلّه؟ أليسوا موجودين الآن؟ يقرأون. إنّ الصلاة التي شرّعها النبيّ صلّى الله عليه وآله ـ صلاة التراويح ـ تصلّى فرادى، وهؤلاء وبسبب سنّة الخليفة الثاني السيّئة وبدعته، يصلّونها جماعة، خلافًا لأمر النبيّ صلّى الله عليه وآله الصريح! ثمّ يقرأون القرآن في وسطها ويرفعون أصواتهم ويراعون التجويد ويفعلون كذا وكذا، ويأتي أفراد من هنا وهناك، ويسمّونها بمظهر عظمة الإسلام وشوكته؛ يذهبون جميعًا إلى المسجد ويأتون جميعًا. لقد سمعت من الكثير من الأفراد، حتّى بعض هؤلاء المعارف والرفقاء، كانوا يقولون: «كنّا نذهب إلى سطح المسجد الحرام وننظر إلى هذه الصلاة المهيبة والعظيمة فتنتابنا حالة روحيّة!» فقلت لهم: «يا عديمي الشعور! الصلاة التي تُصلّى خلافًا لأمر رسول الله صلّى الله عليه وآله، هل هي سبب للجلال والجمال والنور والبهاء والمجد والعظمة؟! هذه صلاة تُصلّى خلافًا لأمر الإسلام، فلتنزل عليكم الصواعق! أين العظمة في هذا؟! أين الجمال في هذا؟! أين الجلال في هذه الصلاة؟! أين البهاء فيها؟! يا سيّدي لنذهب في شهر رمضان إلى مكّة، يا لها من ليالٍ! يا لها من صلوات!» أنتم تخطئون إن ذهبتم، بل اجلسوا في أماكنكم، وهناك صلّوا صلوات ليالي شهر رمضان إذا وفّقكم الله، وصلّوها فرادى، وحينها تكونون تابعين لأهل البيت عليهم السلام. اتّباع أهل البيت عليهم السلام يعني هذا.

  • فتنة العواطف: كيف تُعمي الأهواء عن اتباع الحق؟

  • هذه القضية تمامًا حصلت في الامتحان الذي وقع لجميع الرفقاء بشكل خاصّ. مثل ما حصل تماماً في قضيّة صلاة التراويح ـ ذهابٌ وإياب وضجّة هنا وهناك، وحركة وصعود وهبوط! ولكن ماذا؟! أنتم الذين تخضعون لتربية فردٍ، أقلّ ما يقال فيه إنّه مسؤول عن علاقتكم به يوم القيامة، كيف لم تأتوا وتسألوه عن هذه القضيّة: «أأفعل أم لا أفعل؟ أأذهب أم لا أذهب؟ أأقوم بهذا أم لا؟» هذا أقلّ القليل، أليس كذلك؟! هذا هو الحد الأدنى. فإن كنتم لا تقبلون بهذا، فلا مجال للكلام أصلاً! حسنًا، فليذهب المرء لشأنه، تماماً كما في صلاة التراويح تلك. إنّ هذا الذي قال الآن: «أنا أحمل عبئكم، وأنا أتعهّد، وأنا أتقبّل»، فأيّ مجال للكلام بعد؟! أيّ مجال للتفكير؟! أيّ مجال للشك؟! أي مجال للتريّث؟! ترون! هذه تصبح صلاة التراويح. فقط تتغيّر الصورة، يأتي الله بالأمر بشكل جميل ويُظهره بطريقة جذّابة. فهذه عبرة لنا أيّها الرفقاء، ولا أريد أن أروي حكايات وقصصًا، لا، فهذه عبرة. فلنرفع مستوى فهمنا، ولنرفع مستوى شعورنا، ولندقّق أكثر في عملنا ومسارنا. ولا نسلّم قلوبنا لأيّة جهةٍ، ولا نوجّه فكرنا إلى أيّ مكان، ولا نضع ضميرنا في أيّ موضع. وإلا، فهل قلوبكم أنتم كانت تحترق للإسلام أكثر من الأفراد الآخرين؟! وهل قلوبكم أنتم تحترق للإسلام والآخرون لا تحترق قلوبهم؟! هل أنتم تخافون من الغد والبقيّة لا يخافون؟! أهكذا هي القضيّة؟! أم لا!

المعرفة بالطريق شرط الحركة إلى الله - خطوة بيقين خير من ألف خطوة بشك

8
  • حسنًا! تمضي الأيام وتمضي، سنة، سنتان، ثلاث سنوات، وشيئًا فشيئًا يخفُّ ذلك الحماس، وتزول تلك الحالة، ثمّ يعلو صوتٌ من هنا، ويعلو صوتٌ من هناك، وتظهر نِقْمةٌ من مكان ما، ويبدأ الكلام من مكان آخر: «آه! ذاك الذي كنّا نظنّه لم يتحقّق! آه! ذاك الذي كنّا نتخيّله لم يتحقّق!» آه! لم يتحقّق، لم يتحقّق، لا شيء تحقّق! ماذا حدث؟! ضاع عمرنا هباءً. حسنًا، فلتتّعظوا، كان عليكم أن تستمعوا من البداية. في خضمّ هذا ضاع عمرنا! في خضمّ هذا أصبحنا تعساء! والعمر لا يعود! والله أيضًا يقول: «لقد حدّدت لك هذا القدر. حدّدت لك هذه السنوات، حدّدت لك هذه المدّة، كان عليك أن تجلس وتفكّر، لماذا لم تفكّر؟! لماذا غلّبت مشاعرك على وجودك قبل أن تُعمل فكرك؟» حتّى جاءت المشاعر وسيطرت على كلّ وجودك، فلم تترك مكانًا للفكر. لقد كنت في الليل تشغّل الراديو: «آه، ماذا حدث في المكان الفلاني؟!» إلى ما كنت تنظر، وتتابع ماذا حدث في المكان الفلاني؟ وكالة الأنباء الفلانيّة تقول كذا، فلان يقول كذا، يقولون كذا عن هذا، وعن هذا، عجبًا عجبًا!! هذا يقول كذا وذاك يقول كذا. ثمّ تقع قضيّةٌ واحدةٌ، أو تقع قضيّتان، ثمّ تجري أحداث لصالح المشاعر وتثبّتها. ولأنّه لو حدث عكسها، لقال الإنسان فجأة: «ماذا حدث؟!»

  • قصة صلح الحديبيّة: امتحانٌ في التسليم للنبيّ صلّى الله عليه وآله

  • يعني عكس ما حدث تمامًا في زمان رسول الله صلّى الله عليه وآله؛ فهذا في هذا الجانب وذاك في ذاك الجانب. لقد نزلت الآية: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ}۱، إن شاء الله ستدخلون المسجد الحرام، وستفتحون مكة، وستحلقون رؤوسكم وستقصّرون، فبعضكم سيحلق رأسه وبعضكم سيقصّر، {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ}. جاءت هذه الآية، والآن يريد الله أن يمتحن، الآن يريد الله أن يمتحن. فهل تعلمون أنّ هذا هو النبيّ صلّى الله عليه وآله؟ نعم. وأنّ هذا كلّه قرآن أيضًا؟! فلنتحرّك هذا العام ونذهب باتّجاه مكّة؛ فيتحرّكون ليفتحوا مكّة. ثمّ يؤدّوا العمرة هناك ويحلقوا ويعودوا إلى المدينة. فيتحرّك جيش الإسلام، ويصل إلى هناك، ويرى النبيّ صلّى الله عليه وآله أنّ المصلحة ليست في ذلك، فالقوى هناك كثيرة، والضعف غالب على هؤلاء، ولا يستطيعون القيام بهذا الأمر، ولن يصدر منهم شيء، فيضطّرون للصلح، وهو صلح الحديبيّة. ومَن الذي يبادر ليصالح؟! النبيّ صلّى الله عليه وآله هو من يصالح، وليس زيد بن أرقم، النبيّ صلّى الله عليه وآله هو من يصالح، ذاك الذي جاء بهذه الآية بنفسه، والآن هو يقول أريد أنْ أصالح. عجيب! «يا رسول الله، قطعنا كلّ هذا الطريق...!» ـ عجيب حقًّا، يعني يبدو أنّ المسألة كانت بنحو لم يُخبِر فيه النبيُّ صلّى الله عليه وآله أبدًا عن العاقبة والمستقبل، بل كتم الأمر ولم يصرّح بشيء. وأولئك المنافقون أو المخالفون كانوا دهاة وماكرين للغاية، ماكرون جدًّا! إنّهم يتظاهرون تمامًا ويقولون: «يا سيديّ لنذهب، لنذهب ولنصفّي حساب المشركين ونفعل كذا وكذا..». مع أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله يعلم أنّه سيتمّ الصلح، وإلا لو قرأ عليهم آيةً تفيد اليأس من البداية، لقالوا كلامًا، وألقوا شبهةً، أو أشاروا إشارة، فيبدأ الناس يتساءلون شيئًا فشيئًا: «ما الأمر؟ إنّا نسمع كلامًا غريبًا من النبي صلّى الله عليه وآله، ما الحكاية؟! إنّ الأمر مريب، حقًا لماذا نذهب؟! ما القضيّة؟!»

    1. سورة الفتح، الآية ٢۷.

المعرفة بالطريق شرط الحركة إلى الله - خطوة بيقين خير من ألف خطوة بشك

9
  • مقارنة مع موقف الإمام الحسين عليه السلام: الوضوح مقابل الامتحان

  • تمامًا كما في قضيّة الإمام الحسين عليه السلام؛ فالإمام الحسين عليه السلام منذ أن انطلق من المدينة قرأ آية اليأس للجميع، وصبّ الماء النقي على أيدي الجميع وقطع أملهم؛ وكلّ من جاء إليه قال له: يا عزيزي، نحن نذهب لنُقتل، وهؤلاء النساء والأطفال سيُسبون. هكذا ببساطة. وقد جاء الإمام عليه السلام إلى مكة، إلّا أنّ بعضهم لم يصدّقوا بعد، مع أنّ الإمام الحسين عليه السلام يقول ذلك بصراحة، لكنّهم لا يصدّقون. قال سلام الله عليه: «فَمَنْ كَانَ... موطّنًا على لِقَاءَ اللهِ نفسه فَلْيَرْحَلْ مَعَنَا، فَإنِّي رَاحِلٌ مُصْبِحًا إنْ شَاءَ اللهُ»۱. من يرد لقاء الله فليرحل معنا، لكنّ الناس يقولون: حسنًا، إنّ الذي يريد أنْ يذهب للقاء الله، لا يعني ذلك بالضرورة أن يذهب ويُقتل ويُستشهد؛ إنّما المقصود أنْ يكون معنا، المقصود أن يشاركنا في المسير. ولذلك رافق الإمام الحسين عليه السلام في حركته كثيرٌ من الخلق، ولو كانوا يعلمون بقضيّة ليلة عاشوراء، فهل كانوا مجانين ليسيروا من مكة أصلًا؟! كلّا، لم يكونوا يعلمون، لم يكونوا يعلمون. لقد مضوا معه ووصلوا إلى هناك أيضًا، ومرّت القضيّة، وعند كلّ منزلٍ وموقع كانوا يرون الإمام عليه السلام يتحدّث باستمرار عن الموت فيقول: «خُطَّ الْمَوْتُ عَلَى وُلْدِ آدَمَ مَخَطَّ الْقِلَادَةِ عَلَى جِيدِ الْفَتَاةِ»٢. ويتحدّث عن الموت، يتحدّث مع عليّ الأكبر عليه السلام بتلك الطريقة، يتحدّث مع مسلم بن عوسجة بهذه الطريقة، في الطريق يرى الفرزدق، يسأل عن أحوال الكوفة، فيقول: لقد قبضوا يا سيّدي على مسلم وقتلوه. لم أخرج من الكوفة إلا ورأيت رأس مسلم قد قُطع وجسدُه يُطاف به في أزقّة الكوفة وشوارعها. وكان الإمام عليه السلام يردّد دائمًا: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}٣. ورغم كلّ هذه العلامات، لم يكن هؤلاء الأفراد قد وَثِقوا بعد، لم يطمئنّوا، حتّى جاؤوا وبلغوا ليلة عاشوراء. في تلك الليلة قال الإمام عليه السلام: أيها القوم، هل تعتبرونني صادقًا أم لا؟ فيقولون: نعم، فيقول: اعلموا أنّ كلّ من يبقى هنا غدًا سيُقتل والسلام. «إنَّ اللَّيْلَ قَدْ غَشِيَكُمْ فَاتَّخِذُوهُ جَمَلًا»٤. الآن الليل قد حلّ ولا يرى أحد الآخر، والجيش أيضًا لا يراكم، فانطلقوا من هذا الجانب واذهبوا، امضوا وطأطئوا رؤوسكم واذهبوا. عندها فقط أدركوا الحقيقة، فقد رأوا من جهة جيشًا من ثلاثين ألفًا، ومن جهة أخرى كلام الإمام الحسين عليه السلام، فانكشف لهم التكليف بوضوح، وهنا أدركوا الأمر وانسحبوا.

    1. «لمعات الحسين» للعلّامة الطهراني، ص: ٢٣: من خطبة الإمام الحسين عليه السلام في مكّة المكرّمة حين عزم على الخروج إلى كربلاء: «...مَنْ كَانَ فِينَا بَاذِلًا مُهْجَتَهُ، وَمُوَطِّناً عَلَى لِقَاءِ اللهِ نَفْسَهُ، فَلْيَرْحَلْ مَعَنَا؛ فَإنَّنِي رَاحِلٌ مُصْبِحاً إ نْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى.» 
    2. المصدر السابق، ص: ٢٢.
    3. سورة البقرة، الآية ۱٥٦.
    4. لمعات الحسين، ص: ٣٤.

المعرفة بالطريق شرط الحركة إلى الله - خطوة بيقين خير من ألف خطوة بشك

10
  • ضعف الإيمان في الحديبيّة: قلّة الثابتين وكثرة المتزلزلين

  • ولكن في قضيّة النبيّ صلّى الله عليه وآله هذه لم يكن الأمر كذلك، لم يكن النبيّ صلّى الله عليه وآله يقول شيئًا، لم يكن يتحدّث أبدًا، فقط كان يقول: لنمض لفتح مكّة. فانطلقوا معه، وكلّهم مشحونون بالإحساسات والتصوّرات، كلّ واحدٍ في نفسه يقول: وَعَدنا زوجاتنا وأهلنا وأقاربنا بأنْ نفتح مكّة ونأتي بالغنائم وهذه الأمور؛ هكذا جاؤوا بهذه الإحساسات وغليان الأوهام والتخيّلات، ولم يفكّر أحدٌ منهم ويقُلْ: يا جماعة، هذه القافلة لها صاحب، دعونا نستمع لكلّ ما يقوله. ما معنى أنْ نخطّط في أنفسنا ونقول: نذهب..؟! ونفعل هذا ونفعل ذاك ماذا يعني ذلك؟! ما معنى أنْ نملأ عقولنا بأوهام الفتح والغنائم والانتصارات؟! من البداية، ماذا يعني هذا الكلام أصلًا؟! حقًّا من الجيّد أنْ يغلق الإنسان ذهنه من البداية عن مثل هذه الأمور، يغلقه بالكامل، ولا يدع الأمر يصل إلى هذا الحدّ. ماذا يعني هذا الكلام؟!

  • ثمّ يمضي النبيّ صلّى الله عليه وآله ويتقدّم حتّى يصل إلى مشارف الحديبيّة، وعندما يصل إلى الحديبيّة نفسها، فجأةً يرون أن يا للعجب النبيَّ صلّى الله عليه وآله يقول: لنصالح ثمّ نعود! فيقولون: يا رسول الله، ألم تقل إنّنا سنفتح مكّة؟ قال: بلى. فيقولون: فلماذا لم يحدث ذلك؟ فيقول: حسنًا، وهل حدّدت زمانه ووقته؟! إِنْ شَاءَ اللَّهُ {لَتَدْخُلُنَّ}۱ فيما بعد، وسندخل المسجد الحرام أيضًا. فوجدوا أنّهم لا يستطيعون ردّ كلام النبيّ صلّى الله عليه وآله، إذاً لا يستطيعون ردّ كلام النبيّ صلّى الله عليه وآله من جهة، ومن جهة أخرى هم ضعفاء وأذلّاء أمام أنفسهم الذليلة الأمّارة بالسوء؛ وأنْ ماذا سيجيبون نساءهم وأولادهم؟ ماذا سيجيبون الأقارب؟ ماذا سيجيبون الناس؟ إذ سيقولون لهم: «ماذا جرى أيّها الأعزة ؟! قطعتم كلّ هذا الطريق وعدتم إلى المدينة خاليي الوفاض؟ فأين فَتْحُكم؟ أين غنائمكم؟!» وهم بدورهم أيضًا بارعون جدًّا في هذه المواقف! وبمجرّد أنْ يحدث شيء يقولون لهم: اذهبوا إلى النبيّ صلّى الله عليه وآله واسألوه، فهم أنفسُهم لا يجيبون، كلّ الأعباء تقع هنا على عاتق النبيّ صلّى الله عليه وآله، هو الذي يجب أن يأتي ويجيب! ولكن لو كان هؤلاء راسخين، لأصبح كلّ واحد منهم هو النبيّ! ولقال: «ماذا جرى أيّها الأعزّة؟! ماذا تريدون؟! لم نفتح مكّة، لم نردْ أن نقوم بذلك، لم نشأ أن نفتحها، ذهبنا إلى مشارف مكّة وعدنا، فماذا تقولون؟ ماذا تقولون؟» 

    1. سورة الفتح، الآية: ٤۸.

المعرفة بالطريق شرط الحركة إلى الله - خطوة بيقين خير من ألف خطوة بشك

11
  • ـ «قطعتم كلّ هذا الطريق!» 

  • ـ «ما شأنكم؟ انطلقنا مع النبيّ صلّى الله عليه وآله وعدنا مع النبيّ صلّى الله عليه وآله ولا علاقة لكم».

  • هؤلاء، لأنّهم قُهِروا بتخيّلاتهم ومغلوبين لأوهامهم، ألقوا كلّ العبء على النبيّ صلّى الله عليه وآله. فأوّلاً، طأطأوا رؤوسهم أمام أقاربهم، ولا يملكون الجرأة أن يواجهوهم.

  • ـ «لماذا فعلتم هكذا؟» 

  • ـ «ماذا نفعل إذن؟ هذا رسول الله. نعم، ماذا نفعل إذن؟ ماذا عسانا نفعل؟! لا ندري...، فأحيانًا تحدث الأمور هكذا أيضًا، نعم، أحيانًا يحدث هذا، في النهاية علينا بالصبر، علينا بالمراعاة». 

  • هذه الأمور التي أذكرها لكم رأيتها بعيني في زمان الوالد رضوان الله عليه! رأيتها بعيني. يقولون: ماذا يمكن أن نفعل؟ نعم، كلّ ما يقوله النبيّ صلّى الله عليه وآله يجب الاستماع إليه. كم كان فيهم من وقفوا كالأُسُود، وحينما قالوا لهم: لم تفتحوا مكّة؟! قالوا: لا، لم نفتحها.

  • ـ لماذا لم تفتحوها؟!

  • ـ لا علاقة لكم!

  • كم كان عدد هؤلاء؟!

  • قصّة الحلق والتقصير: طاعة أم تردّد أمام أمر النبيّ صلّى الله عليه وآله؟

  • لم يلقوا اللوم على النبيّ أصلاً، فلماذا نلقيه على النبيّ صلّى الله عليه وآله؟ أصلًا نحن لم نرد أن نفتحها، فما شأنكم؟! حتّى لا يقوموا أولئك بعد ذلك ويسبّبوا مشاكل للنبيّ صلّى الله عليه وآله؛ إنّ أولئك لا شعور لديهم ولا أدب. بل يأتون ويزيدون الطين بلّة، يأتون ويسبّبون المشاكل، يسبّبون المشاكل. فكم عدد الذين تصرّفوا بوعيٍ؟! لم يكونوا أكثر من بضعة أفراد.

  • قال النبيّ صلّى الله عليه وآله: «احلقوا رؤوسكم». فيقولون له: «هذا العمل لا نستطيع فعله أيضًا، الآن نحلق رؤوسنا أيضًا!». ثمّ قالوا [أي الناس لهم]: «لم تفتحوا مكة، ولم تأتوا بغنائم، والآن تظاهرتم بأنكم حجّاج أيضًا؟!»، [فلم يجيبوهم جوابًا متينًا وأحالوهم على النبيّ صلّى الله عليه وآله] 

  • يقول أحدهم: كنّا في مجلسٍ، وكان هناك أحد الحاضرين يقول ـ بالطبع كان هو نفسه صاحب القصّة التي ينقلها، ولكنه قال صديقي، ولكن من القرائن فهمت أنّه هو نفسه ـ كان هناك أحد قرّاء العزاء يقرأ مجلسًا، فقال: «في العام الماضي أراد صديقي الذهاب إلى مكّة، فدعا الجميع والأقارب وهذه الأمور، ولكنّه في النهاية لم يتمكّن من الذهاب. فذهب لمدّة شهر إلى مشهد خوفًا من الفضيحة، ذهب لمدّة شهر إلى مشهد، وعندما عاد الحجّاج، حلق رأسه وتظاهر بكلّ ما يفعله الحجّاج، وقال مثلًا إنّه قدم في الحملة الفلانيّة وهذه الأمور، ثمّ جاء بعد ذلك ولم يعلم بذلك إلاّ زوجته وأطفاله، فجاؤوا بعد ذلك إلى المطار واستقبلوه برأس محلوق وملابس الحجّاج وهذه الأمور، أحضروا الحاجّ وأدخلوه المجالس وحضر التكريمات وما شابه». هذه تسمى زيارة خالصة للإمام الرضا عليه السلام لمدّة شهر! خالصة، لا غبار عليها! لا شيء! زيارة مائة بالمائة (ضحك من سماحته). وكان يقرأ العزاء أيضًا! 

المعرفة بالطريق شرط الحركة إلى الله - خطوة بيقين خير من ألف خطوة بشك

12
  • إذاً قالوا: «لم تفتحوا مكّة ولم تفعلوا شيئًا، والآن قمتم وحلقتم رؤوسكم ورجعتم!». فهنا ومن هذا الجانب، جاءت الإحساسات أيضًا، يعني تظهر الاحساسات وتقف أمام الحقّ المطلق والصدق المطلق والحقيقة المطلقة المتمثّلة بشخص رسول الله صلّى الله عليه وآله، ولا تدع كلامه يجد مكانًا في النفس ويستقر في النفس. فيخالف، ولا يحلق رأسه، أو يقصّر. يقال له: «احلق»، فيقول: «لا أفعل». ثمّ عندما يحين وقت الدعاء، يقول النبيّ صلّى الله عليه وآله: «رحم الله المحلّقين»۱. يرون أنّهم، ويا للعجب! قد خُدعوا. يقولون: «يا رسول الله، ادعُ لنا أيضًا». فيقول النبيّ صلّى الله عليه وآله مرّة أخرى: «رحم الله المحلّقين». هذه «رحم الله المحلّقين» هي كلام للّه يأتي على لسان النبيّ صلّى الله عليه وآله، يقول الله لهم: «أيّها الحمقى، كلّ ما لديكم هو من هذا النبيّ صلّى الله عليه وآله، والآن تخالفون أمره فتقصّرون ولا تحلقون؟! ثمّ تتوقّعون أن يدعو لكم أيضًا؟! تتوقّعون أن يدعو لكم أيضًا؟!» قال النبيّ صلّى الله عليه وآله مرّة أخرى وللمرّة الثالثة: «رحم الله المحلّقين». والمرّة الرابعة رأى أنّ الأمر سيّئ جدًّا، فقال: «والمقصّرين»٢؛ فليغفر الله للمقصّرين أيضًا. في النهاية ارتكبوا خطأً، خطيئة، فليشملهم الدعاء ولو قليلًا، نحن لا نتابع الأمر كثيرًا، هذا القدر كان كافيًا لهم.

  • الوليّ يرى ما لا نرى

  • والآن تظهر قضيّة المشاعر في هذا الجانب، بين هتافات بالذهاب والإياب ورفع الشعارات وحماسٍ يصعد وينزل. في ذلك الزمان، عندما كنت أتحدّث مع الرفقاء، كنت أرى أنّ كلّ الأذهان مشغولة بهذه القضايا؛ حسنًا، وذهني أنا أيضًا كان كذلك، ليس أنّها لم تكن موجودة، في النهاية لا يمكن لأحد أن يكون بمعزل عنها كلّيًّا...، ولكنّ المهمّ هو أنّه كان هنالك بعض الأفراد، مع التفاتهم لوجود هذه الملابسات والمشاهد، قد دفعوا بقلوبهم إلى جهةٍ واحدة بالكامل وسلّموها لمكان واحد. أما البقيّة فلا؛ فبعضهم بادر عملاً وبعضهم بقي قلبيًّا فقط، وإنْ كانوا يحتاطون في مقام الظاهر والعمل، لكنّ قلوبهم كانت تميل، وتدور في خواطرهم، وتفكّر، فتصعد وتهبط وتناقش، ولقد كانت كلّ نقاشاتهم مبنيّة على هذا الأساس. 

    1. «سنن البيهقيّ» ج ٥، ص ۱٣٤. عن كتاب «معرفة الإمام» ج٦، ص:٢۱٤. وعن كتاب «تفسير القمّي» ج٢، ص:٣۰٩.
    2. المصدر السابق.

المعرفة بالطريق شرط الحركة إلى الله - خطوة بيقين خير من ألف خطوة بشك

13
  • أمّا المرحوم العلامة رضوان الله عليه، فماذا كان يقول؟ كان ينظر إلى النهاية، يرى نهاية وجوهر المسألة، يرى أمام عينه سنوات وسنوات بهذا النحو. يقرأ كلّ الأذهان بوضوح وكلّ الأفكار تظهر أمامه كالمرآة. مثلاً، ذاك الذي يقضي نهاره وليله في حركةٍ دؤوبةٍ لا يخلع نعله عن قدميه ما هي نيّته يا ترى؟! الجميع ينظرون ويقولون: «ما شاء الله! هذا أبو ذر الزمان! هذا سلمان الفارسي! هذا المقداد! هذا عمّار! هذا حذيفة! هذا فلان.» أمّا الوليّ فيرى أنّه شيطانٌ. يرى، يا عزيزي أنّه شيطان. فلمن تبوح هذه القضيّة يا ترى؟ هل أفتح ما في قلبه وأضعه أمامكم حتّى تفهموا ما نواياه؟ ما أفكاره؟ لا! لست مأمورًا بذلك. ولكن أقل ما يمكنني أن أقوله: «اجلسوا في أماكنكم ولا تتحرّكوا». هذا فقط ما أقوله. لا أفشي السرّ، ولا أكشف المستور على الملأ، بل أحتفظ بالأمر في قلبي. غير أنّي أقول لكم جملة واحدة: «اجلسوا، وتأمّلوا ما القضيّة حتّى النهاية، اجلسوا هنا فقط، وانظروا كيف تصير الأمور.» كم بقي منهم؟ أشار بيده، بيدٍ واحدةٍ! وقال: بمقدار أصابع يد واحدة بقي منهم، والآخرون تفرّقوا على مراتب. فبعضهم ذهبوا عمليّاً ولم يعودوا ولم ينظروا وراءهم، فتلك مجموعة. وبعضهم ذهبوا ولم ينظروا وراءهم وبدأوا يلقون اللوم على العلّامة؛ هؤلاء كان عملهم رائعًا جدًّا!! وبعضهم ذهبوا وعادوا مرّةً أخرى. وبعضهم كانوا يذهبون ويأتون. وبعضهم لم يكونوا يذهبون وقلوبهم كانت هناك. وبعضهم كانت قلوبهم أيضًا في تردّد. هكذا كانت مراتب الناس، وكانت تفاعلاتهم مع هذه الأحداث تختلف بحسب هذه المراتب، بهذه الكيفيّة. 

  • أما وليّ الله فكيف هو؟ هادئٌ، ساكنٌ، ساكن. لو أنّ العالم كلّه ـ إيران أمرٌ هيّن ـ لو انضمّت أفغانستان، والعراق، والقوقاز، وتركمانستان أيضًا، وانضمّت آسيا بأسرها، والشرق الأوسط، وأستراليا، وأمريكا، وأوروبا، وتكاتف الجميع ليقولوا شيئًا واحدًا، لظلّ هو جالسًا يقول: «هذا ليس صحيحًا، وليس الأمر كذلك، ليس صحيحًا.» هكذا بهدوء وثبات وبدون أيّ قلق؛ لماذا يقول: «كلّا»؟ لأنّ القضيّة واضحة، والأمر واضح، واضح له. 

المعرفة بالطريق شرط الحركة إلى الله - خطوة بيقين خير من ألف خطوة بشك

14
  • لو قال الجميع: «يا عزيزي، هذه المصابيح كلّها مطفأة، وهذه المراوح كلّها لا تعمل، ولا تتحرّك.» فبماذا ستجيبهم، ستقول: «إذا كانت المصابيح مطفأة، فإذًا كيف نرى بعضنا البعض؟!» ويأتي الجار ويقول: «يا سيدي، أنت مخطئ، هذا المصباح مطفأ، المكان مظلمٌ تمامًا». ويأتي الجار الآخر تلو الآخر أيضًا، ويأتي الجميع، فماذا ستقول؟! ستقول: «قد فقدوا عقولهم.» ولن تقول: «أنا أخطأت!» بل تلقي اللوم على المخاطب، ولا تحمله على نفسك، فإن حملته على نفسك، فقد رسبت في الامتحان. فبدلًا من إلقاء اللوم على المتكلِّم ـ أي على المتكلِّم الذي يتكلّم بهذه المسائل ـ فإنّ أولئك الذين خرجوا من الامتحان ناجحين، هم الذين لو تكرّرت هذه الأوضاع مائة مرّة لقالوا: «هؤلاء مخطئون، وهذه المسألة خطأ، والأمر ليس كذلك، وليس بهذه الكيفيّة!»

  • قصّة مقتل عثمان وموقف أمير المؤمنين عليه السلام: العقل أم العاطفة؟

  • انظروا إلى أمير المؤمنين عليه السلام في أحداث عثمان فهو يقول: «لا تمسّوا هذا الرجل عثمانَ، دعوه هكذا، أبقوه حيًّا حتى يقضي عمره والله بنفسه يفعل به ما يشاء، كأن يسقط عليه حجرٌ من السقف فيموت، لا تقتلوه أنتم، أو يصاب بالحصبة أو الوباء فيموت، ولا شأن لكم به.»

  • ـ ولكن هذا غير مقبول، ففي الأمر ظلمٌ، وجورٌ، فقد كان ظالمًا، وكان مفسدًا، ولقد أفسد الأمور.

  • وإنّ أجواء ذلك الزمان والأحداث المهيّئة للإطاحة به والانقلاب عليه، هي التي تسبّبت في أن يُطرح كلام أمير المؤمنين عليه السلام أرضًا ـ فقد كان انقلابًا، نعم، كان الحدث حدثًا انقلابيًّا ـ فليبقَ كلامه مطروحًا على الأرض.

  • ألستم تريدون السير في طريق الله؟ حسنًا، هذا عليٌّ جالسٌ هنا، والأمر على عهدته، فما شأنكم أنتم؟! ماذا تريدون أنْ تفعلوا؟ هل تريدون إقامة حكومةٍ إسلاميّة؟ هذا الذي هو صاحب الحكومة الإسلاميّة يقول: «لا تفعل.» وهذا الذي هو مغصوبُ الحقّ، والمظلوم، والمغصوب الحقّ، والمسلوبُ الاختيار والإرادة، هو نفسه يقول: «لا تفعلوا شيئًا.» يقول: «لا تقوموا بأيّ شيء.» فنقول له: «لا! نحن أكثر منك معرفة!» بل بعضهم ظهروا اليوم ويقولون: «لم يكن الأمر هكذا! بل إنّ عليًّا وإن كان يقول لا بحسب الظاهر، لكنّه كان يحرّض في الباطن!» 

المعرفة بالطريق شرط الحركة إلى الله - خطوة بيقين خير من ألف خطوة بشك

15
  • نقول لهم: ما قلتموه هو كلام معاوية بعينه! قلتم كلام معاوية! إذًا كان معاوية على حقّ في أنّ عليًّا عليه السلام قتل عثمان، كان صادقًا! 

  • وهؤلاء الذين يقولون ذلك هم كأولئك، الذين يكتبون هذه المقالة ويقولون هذا الكلام، يحملون الشعور الذي كان في ذلك الزمان، بحيث لو جاء أمير المؤمنين عليه السلام الآن، لوضعوا كلامه وقالوا له: «لا نطيعك». ولو جاء النبيّ صلّى الله عليه وآله، لوضعوا كلامه جانبًا وقالوا له: «لا نطيعك». هو عين من قصّر شعره آنذاك ولم يحلقه! هذا هو ذاك، لكنّه الآن يكتب مقالةً، والآن يكتب كتابًا، والآن يدرّس، هذا هو ذاك. لكن ذاك كان قبل ألف وأربعمائة عام، وهذا ظهر بعد ألف وأربعمائة عام، لا يختلفان أبدًا. وإلّا ففي أولئك أيضًا كان هنالك علماء، أليس كذلك؟! كان هناك أفراد فضلاء وهذه الأمور في ذلك الزمان أيضًا. أمّا أمير المؤمنين عليه السلام فماذا كان يقول؟ كان يقول: «إن كنتم تفعلون ما تفعلون من أجل الله، فممثّل الله هو أنا، فماذا تقولون؟! إن كنتم تفعلون هذا من أجل حكومة الإسلام، فأنا الكلّ في الكلّ في الحكومة، الحاكم الأصليّ أنا، الحاكم الواقعيّ أنا، فماذا تجيبون إذًا؟! إن كنتم تفعلون هذا من أجل طريقكم، فطريقكم على عهدتي، فأيّ كلام لديكم لتقولوه بعد؟! أنا أتولّى طريقكم، أنا أتولّى مسيركم، وأنا أقوم بعملكم». يعني منطق أمير المؤمنين عليه السلام تامّ، حجّة أمير المؤمنين عليه السلام تامّةٌ، لا يستطيع أحد أنْ يجيب. من يستطيع ذلك؟ المشاعر والأحاسيس فقط! فقط المشاعر!

  • الشيطان والعواطف: من جنّة آدم عليه السلام إلى مآسي البشريّة

  • والمشاعر ما هي؟ هي الشيطان لا غير، أليس كذلك؟! الشيطان أيضًا يرافق المشاعر والانفعالات، بنفس هذه المشاعر أخرج والدينا من الجنّة وابتلانا بعد ذلك في هذه الدنيا. بهذا اللسان: «يا عزيزي، ماذا يوجد هنا؟ قم وتعالَ إلى الدنيا وانظر ماذا فيها، فيها بحرٌ، فيها سماءٌ، فيها أرضٌ، فيها تنزّهٌ، فيها لهوٌ ولعبٌ، كلّ ما يخطر في بالك، وفيها قتلٌ ونهب، كلّ ما تتصوّره موجود. ما الموجود هنا يا عزيزي؟! أنتما فقط جالسان هنا وقد تعبتما، فقط تنظر أنت إليها وهي تنظر إليك. قم وتعالَ إلى الأسفل، هناك أعمال أهم بكثير، تفضّلا.» 

المعرفة بالطريق شرط الحركة إلى الله - خطوة بيقين خير من ألف خطوة بشك

16
  • بالمشاعر والأحاسيس وهذه الأمور جاء وخدع أبانا وأمنّا هذين، جزاهما الله خيرًا وأنصفهما، فلقد خدعهما، فأكلا من هذه الحنطة (ضحك من سماحته). وإذا بهما جاءا إلى هنا، ويا للهول ويا للكارثة! «يا عزيزي، هناك كانت الملائكة تجلب لنا الطعام وتأخذه، وأمّا الآن؟! الآن يقولون لنا: يجب أن تقوم بنفسك وتزرع وتحرث وتفلح. والآن هذا يضرب ذاك وذاك يضرب هذا.» فمع أوّل قطعة من الأرض أعطوه إيّاها، قتل قابيل أخاه هابيل. هذه أوّل قطعة أرض، ثمّ الأراضي التالية التي ظهرت بعد ذلك، والغزوات، والمغول، ونيرون، وهكذا جنكيز، والآن أيضًا غيرهم، نعم! بأشكال مختلفة وأنواع مختلفة وحروب مختلفة، والحرب العالميّة الأولى، والحرب العالمية الثانيّة. ففي الحرب العالميّة الأولى قُتل ثمانية عشر مليون نسمة. ذاك قابيل المسكين قتل هابيلًا واحدًا. أمّا ثمانية عشر مليونًا لأجل ماذا؟! لأجل أنّي يجب أنْ أكون هنا وأنت لا تكون! لأجل هذا! فقط من أجل الخريطة التي ظهرت من هناك، فيجب أن تكون هذه الخريطة أعلى قليلاً! لأجل هذا تمامًا، لأجل خطٍّ واحد فقط. وإلا فالجبال في مكانها، والأنهار أيضًا في مكانها، والأشجار أيضًا في مكانها، والناس أيضًا في القرى والمدن في أماكنهم. فما بالك أنت؟! 

  • ـ «أنا لا أوافق! فحتّى ضفّة هذا النهر الآن هي ضمن حكومتي، ويجب أن تبتعد ستّة أمتار أبعد». ولأجل هذه الستة أمتار التي تبتعد عنها، يجب أن يُقتل ثمانية عشر مليون نسمة! هذا أوّل الأمر! ثمّ النزاع التالي على الأرض في الحرب العالميّة الثانيّة، حيث يُقتل واحد وخمسون مليون نسمة. وذلك أيضًا لأجل ماذا؟! لأجل الشيء نفسه! ثمّ يأتي أحدهم من الطرف الآخر ويقول: «لا! لنأخذ ذلك الخطّ، أزح الخريطة قليلاً إلى الطرف الآخر، لنوسّع خريطة ألمانيا قليلاً». إنّهم لا يطردون الناس، والمنازل أيضًا تبقى في مكانها، ولكن «أنا يجب أن أصبح حاكمًا هناك»، هكذا. انظروا! أوهام وخيالات! مشاعر وانفعالات! لا شيء غير هذا. أنا لمجرّد أنّني أريد أنْ أكون الحاكم في ذلك المكان، ماذا كانت النتيجة؟! لا بدّ أنْ يقتل اثنان وخمسون مليونًا! منهم اثنان وعشرون مليونًا فقط من ألمانيا نفسها. قُتل اثنان وعشرون مليونًا فقط من ألمانيا نفسها! هيّا تفضّلوا! تفضّلوا إلى هذه الدنيا! وانظروا الآن، انظروا إلى هذه المسائل، هذه الأشياء الموجودة في هذه الدنيا؛ لقد تركت تلك الجنة وجئت إلى هنا، فأُعطِيتَ هذا.

المعرفة بالطريق شرط الحركة إلى الله - خطوة بيقين خير من ألف خطوة بشك

17
  • خطوة بيقين خير من ألف خطوة بشك

  • وعليه فإنّ الطريق الذي يسلكه الإنسان يجب أن يكون طريقًا يقينيًّا. إنّ خطوةً واحدةً بيقين ـ كما كان المرحوم العلامة رضوان الله عليه يقول ـ أفضل من ألف خطوةٍ بشكّ! خطوةٌ واحدةٌ بيقين. أنتم تصلّون، ولكن إذا كانت الصلاة صلاةً مع شكّ، فلا فائدة منها، ولا روح فيها. إنّ الصلاة يجب أنْ تكون مع اليقين، ويجب أن تكون بطمأنينة. لماذا صلاة الوسواسيّ لا تنفع؟ لأنّها كلّها شكوك: «هل أنا طاهر أم لا؟ هل ثيابي نجسةٌ أم لا؟ هل أنا متّجه إلى القبلة أم لا؟»، {وَلَا الضَّالِّينَ} ۱هل يخرج ضادها من هناك أم من أعلى؟ هل يخرج من الحلق أم من تحت الحلق؟ هكذا، دائمًا في حالةِ شكٍّ وتردّد، فلا فائدة فيها أبدًا، ولا قيمة لها أبدًا، لا قيمة لها أصلًا! الصلاة لا بدّ أن تكون صحيحةً، إنّ الصلاة لا بدّ أن تكون بحالةٍ من الطمأنينة. إنّ الله طلب منّي هذا التكليف، فعليّ أنْ أقوم به ولا أفعل أيَ شيءٍ آخر. «خطوةٌ واحدةٌ بيقين أفضلُ من ألف خطوة بشكّ» لماذا؟! لأنّه في الشكّ لا توجد نيّة، بل تردّدٌ. حالة «لا أدري»، عندما تكون حالتك حالة «لا أدري»، تأتي هذه الـ «اللا أدري» وتصبح حجابًا على القلب؛ فعندما تريد حقيقة العمل وباطنه أنْ يدخلا القلب، تصل إلى هذا الحجاب فتقف. فلو صلّيت ألف ركعة بشكٍّ، فلا قيمة لها بمقدار «بسم الله الرحمن الرحيم» واحدةٍ بدون شكّ، بمقدار «بسم الله» واحدةٍ. ولو صلّيتم ألف ركعةٍ، لو سرتم ألف خطوة ولكن بدون إذنٍ، فلا قيمة لها أبدًا. وكذلك لو عبدتّم ألف عام. ألم يقل الإمام الصادق عليه السلام: «من صام الدهر كلّه، وعُمِّر عمر نوح، ومات بين الصفا والمروة، وفعل كذا، ولم تكن له ولاية أهل البيت عليهم السلام، فلا قيمة لهذه الأمور له بمقدار ذرة؟»٢ لماذا؟! لأنّها قشرة، والقشرة لا ثمن لها، فالعمل بدون القرآن الناطق لا قيمة له، والعمل بدون الولاية لا قيمة له.

  • "اليقين ثمّ الحركة": وصيّة الأعاظم للسير الآمن إلى الله

    1. سورة الفاتحة (۱)، الآية ۷.
    2. بحار الأنوار، ج ٢٧، ص ١٧٣: اَلْمُفِيدُ عَنِ اَلْجِعَابِيِّ عَنْ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مُسْتَوْرِدٍ عَنْ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ يَحْيَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَاصِمٍ عَنِ اَلثُّمَالِيِّ قَالَ: قَالَ لَنَا عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَيْنِ زَيْنُ اَلْعَابِدِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: «أَيُّ اَلْبِقَاعِ أَفْضَلُ؟» فَقُلْنَا: اَللَّهُ وَرَسُولُهُ وَاِبْنُ رَسُولِهِ أَعْلَمُ. فَقَالَ: «إِنَّ أَفْضَلَ اَلْبِقَاعِ مَا بَيْنَ اَلرُّكْنِ وَاَلْمَقَامِ وَ لَوْ أَنَّ رَجُلاً عُمِّرَ مَا عُمِّرَ نُوحٌ فِي قَوْمِهِ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً يَصُومُ اَلنَّهَارَ وَ يَقُومُ اَللَّيْلَ فِي ذَلِكَ اَلْمَوْضِعِ ثُمَّ لَقِيَ اَللَّهَ بِغَيْرِ وَلاَيَتِنَا لَمْ يَنْفَعْهُ ذَلِكَ شَيْئاً.»

المعرفة بالطريق شرط الحركة إلى الله - خطوة بيقين خير من ألف خطوة بشك

18
  • لذلك، فإنّ هؤلاء الذين يقولون: «تعالوا الآن، وسترون غدًا ماذا سيحدث، ستشاهدون»، هذه المدارس نفسها للدراويش وأمثالهم، والتي كانت وما زالت تغُفِل الناس وتضلّهم وتأخذهم إلى التخيّلات والاعتبارات وهذه الأمور؛ كلَّهم {هَبَاءً مَنْثُورًا}۱، لا قيمة علميّة لهم أبدًا، ولا قيمة لهم كطريق.

  • لذا كان [المرحوم العلامة] يقول: «إنّ الأعاظم كانوا يقولون من البداية: أولًا تيقّن من طريقك ثمّ تحرك. تيقّن من مسارك ثمّ اذهب. تيقّن من مدرستك ثمّ خذ البرنامج السلوكيّ. أوّلاً تيقّن من طريقك، يقينًا بحيث لو سألك الله يوم القيامة: لماذا فعلت هذا العمل؟ تستطيع أنْ تجيبه، تستطيع أنْ تجيبه. أمّا لو أنّك لا تستطيع أنْ تجيبه، فلا تفعل. إن كنت لا تستطيع، فلا تفعل!». قولهم صريحٌ جدًّا. إن كنت لا تستطيع أن تجيب، فلا تقم به. أو إذا لم يكن لديك يقين، فالظنّ الذي يمكن أن يحلّ محلّ اليقين في حالة عدم اليقين ويكون ذلك الظنّ حجّة، فليكن لديك ذلك على الأقل، أيْ الظنّ القائم على الدليل، وإن لم يكن فيه الانكشاف الباطنيّ والحقيقيّ. حسنًا، نعم، ففي بعض الموارد يحدث هكذا: يقوم الإنسان بعمل ما بناءً على الدليل والعمل بالاحتياط المتيقّن، وإنْ لم يصل إلى ذلك اليقين والانكشاف الباطني؛ غير أنّه ما دام مبنيٌّ على دليل، فالأمر مقبول. المهمّ أن يكون الطريق الذي يسلكه الإنسان ذا حجيّةٍ ذاتيّة. وإذا كانت حجيته عرضية، فيجب أن ينتهي هذا العرضيّ إلى الذاتي ويكون ذاتيًّا. فعندما يأمر الإمام عليه السلام الإنسان أمرًا، يكون لكلام الإمام حجيّة ذاتيّة، ولكنْ كلام أبي بصير ليس له حجيّةٌ ذاتيّةٌ، إلّا إذا قال الإمام الصادق عليه السلام: «ما يقوله لكم أبو بصير فاقبلوه». ماذا يصبح هذا؟ حجّةً. لماذا؟ لأنّه مستند إلى حجيّةٍ ذاتيّةٍ. الآن إذا لم تكن لدينا تلك الحجيّة الذاتيّة، ولم يكن ما لدينا مستندًا إليها، فماذا يكون ذلك؟ يكون رجمًا بالغيب، قذفًا في الغيب، ومشيًا على غير هدى، وسيرًا في العمى، سيرًا أعمى، سيرًا أعمى! إنّه قطع للطريق بدون دليل، فما هذا؟! إنّ اللهَ يؤاخذ الإنسان على ذلك.

    1. (الفرقان (٢٥) الآية ٢٣)

المعرفة بالطريق شرط الحركة إلى الله - خطوة بيقين خير من ألف خطوة بشك

19
  • معرفة الإمام السجّاد عليه السلام معرفة اليقين الذاتيّ الحجّة

  • هذا الذي يقوله الإمام السجاد عليه السلام: «مَعرِفَتي يا مَولايَ دَليلي عَلَيكَ»، معرفتي دليل إليك؛ أيّ معرفة هذه التي يقول الإمام عليه السلام عنها: «معرفتي دليل عليك؟» هل هذه المعرفة هي كمعرفة النّاس أم لا؟ لقد وصل الإمام عليه السلام إلى مقام اليقين، إلى مقام طمأنينة النفس؛ إلى مقام السكينة. معرفته هي المعرفة الحقيقيّة لعبد تجاه معبوده، تلك المعرفة الحقيقيّة هي نفس الحجيّة الذاتيّة التي ترشده وتهديه إلى المعبود، فشاء أم أبى فإنّها تهديه. شاء أم أبى تهديه.

  • قصّة العلامة والسيّد الحدّاد والامتحان: لماذا الثقة المطلقة بالوليّ؟

  • في كتاب "الروح المجرد" الذي رآه الرفقاء، لماذا يقول المرحوم العلامة للمرحوم الشيخ المطهّري أو للسيّد الكرمنشاهي سَلَّمَهُ اللهُ: «اذهب إليه والتقِ به بالسيّد الحداد ـ وامتحنه، واطرح كلّ ما لديك عليه، بهذا الجزم القاطع، اطرح كلّ ما لديك عليه، وحينها اتخّذ قرارك»؟ لماذا قال هذا الكلام؟ لأنّه يعلم ماذا هناك، يعلم ما الخبر. فلو ذهب المرحوم المطهّري إليه وسأله عن طريقه ومسألته وأموره، ولم يستطع أن يجيب ولم يجب أو توقّف في الجواب، حينئذ أيّ جواب كان لدى المرحوم العلامة ليعطيه للشيخ المطهّري؟ لكان قال: «يا عزيزي، ذهبنا وامتحنّا ولم يكن الأمر كذلك». حينئذ هل كان المرحوم العلامة سيقول مرّةً أخرى: «اذهب، الآن اذهب وسترى غدًا، أو الآن اذهب وسترى لاحقًا، الآن اذهب، الآن اذهب وخذ الأوامر، الآن أنت كذا وكذا...»؟ فيقول له: «يا عزيزي، هل تسخر منّي؟ أنت أوّلًا تقول اذهب وامتحنه، والآن بعد أن امتحنّاه وفسدت القضيّة، تقول مرّةً أخرى اذهب! ماذا يعني ذلك؟! ماذا يعني اذهب؟! ماذا يعني؟!» أمّا هذا القول بهذا الجزم القاطع: «اذهب وامتحنه واسأل ما تشاء.» لماذا؟! لأنّ الحجيّة لديه حجيّةٌ ذاتيّةٌ. هذا لا يحتاج إلى توصية بعدُ، هذا لا يحتاج إلى واسطة. يا عزيزي، هو موجود ذاك، والآن هذا المصباح مضيءٌ أمامك. إنّ حجيّة الشعاع لهذا المصباح حجيّة ذاتيّة لأنّه لا يحتاج إلى واسطة؛ إذ لا يحتاج أن تأتوا وتقولوا لي: «أيّها السيّد الطهراني، انظر هذا مضيء.» فأقول أنا بناءً على كلامكم: «نعم، على العين والرأس، مضيء.» لا يحتاج ذلك، بل أنظرُ بنفسي، وأفتحُ عينيّ فأراه، فلا يحتاج إلى واسطة، ولا يحتاج إلى رسالة. إنّ حجيّة هذا المصباح بنفسه قائمةٌ ودلالته دلالةٌ ذاتيٌّة. إنّ هذا الذي يقول: «اذهب إلى السيّد الحدّاد» لماذا؟ لأنّ السيّد الحداد شمسٌ، مصباحٌ؛ ولا يستطيع أن ينكر ذلك، حتّى لو أراد ذلك لما استطاع. لذا يبذل كلّ جهده، ويستفيد من كلّ معلوماته، ويستخدم كلّ إمكانيّاته؛ كلّ ما يمكن أنْ ينسبه في ذهنه إلى السيّد الحداد كنقاط ضعف، يحضره كلّه فيُغلق الباب أمامه، فلا يبقى شيءٌ بعد ذلك، وعندما لا يبقى شيءٌ، لا يبقى مجالٌ للشكّ، وتنتهي القضيّة. وإلا، لو كانت لا تزال في ذهنه بعض نقاط الضعف، لكان قال: «نعم، نعم، إنّه رجلٌ عظيم، وباختصار تحدّثنا معه، ولكن لا تزال هناك بعض النقاط في نفسي...». فماذا كان سيقول له العلّامة؟ «حسنًا، اذهب مرّةً أخرى، اذهب، استمرّ في الذهاب حتّى تتلاشى نقاط ضعفك بالكامل». لم يكن ليقول له: «لا! اترك نقاط ضعفك جانبًا، اترك الإحساس بالنقص جانبًا، واذهب إليه قبل أن يرتفع الضعف والنقص والوهم وهذه الأمور». فلو قال ذلك، لكان عمله خطأً. فلو قال المرحوم العلامة هذا الكلام، لكان هذا العمل خطأً، بدون أدنى شك يعني أنا ابنه أحكم ببطلانه وخطئه. لماذا؟! لأنّنا لم نتعلّم هكذا. والمنطق لا يحكم بهذا. ومدرسة أمير المؤمنين عليه السلام ومدرسة رسول الله صلّى الله عليه وآله ومدرسة الإمام الصادق عليه السلام ليست هذه. ومدرسة إمام الزمان عليه السلام ليست هكذا. إنّ إمام الزمان عليه السلام حقّ ومدرستُهُ أيضًا حقّ. وفي مدرسة إمام الزمان عليه السلام لا مجال للشكّ، لا مجال للشبهة، لا مجال للشبهة أبداً.

المعرفة بالطريق شرط الحركة إلى الله - خطوة بيقين خير من ألف خطوة بشك

20
  • "يقولون عن العرفاء...": هل نترك اليقين لظنّ الآخرين؟

  • السيد خسروشاهي الكرمنشاهي أيضًا كذلك، بالنسبة له أيضًا كذلك. يقول له: «يا سيّدي، أنت تسأله عن الأسفار، وتسأله عن فصوص الحكم لمحيي الدين، وهو يجيبك أفضلَ منْ محيي الدين نفسه وصدر المتألهين، فماذا تريد بعد؟» فيقول: «إذًا ما هذا الكلام الذي يقولونه عن العرفاء؟!» عجيب عجيب عجيب! ماذا حدث؟! معذرةً جدًّا! معذرةً جدًّا! لو جاء الآن جمعٌ وقالوا عن جنابكم كلامًا، هل تستندون إلى كلامهم؟! مثلاً، يأتون ويقولون: «السيد فلان كذا»، فماذا تقولون لهم؟ لو قال له المرحوم العلامة حينها: «يا عزيزي، إذًا لو جاء جمع وقالوا عنك إنّك كذا وكذا وكذا فلنقبل إذًا، لنقبل. لأنهم يقولون! هم يقولون السيّد كذا وكذا، هم يقولون السيّد كذا وكذا!» أنت هنا من أهل العلم، يا عزيزي، أنت بنفسك تمتحنه، فما شأنك بكلام هذا وذاك؟! «يقولون هذا عن العرفاء!» حسنًا، ماذا يقولون عن العرفاء؟! يقولون إنهم يعتقدون بوحدة الوجود؟! حسنًا، السيّد الحداد رضوان الله عليه يقول: «نعم، أنا أعتقد بوحدة الوجود، وما مشكلة وحدة الوجود؟!» من هم العرفاء؟! ماذا فعلوا حتى تقولوا الآن عنهم كذا وكذا...؟ أنت ترى هذا بنفسك، ترى صلاته، ترى صيامه، ترى سجوده، ترى طعامه، ترى نومه؛ ترى كلّ شيء بنفسك، أنت في بيته.

  • هنا يجب على الإنسان حقًّا أنْ يلجأ إلى الله. هذه الشمس مقابلُه ونحن نغمض أعيننا. هذا الحقّ مقابله ونحن نتشبث بالوساوس والمشاعر وهذه الأمور. المسألة مهمّة جدًّا، المسألة مهمّة جدًّا.

  • حسنًا، كنّا قد قرّرنا أنْ ننتهي الساعة العاشرة، والآن مضت خمس دقائق. ألم تتعبوا بعد يا رفقاء؟ لا؟! حسنًا، إذا اعترض علينا الآخرون حينئذ، فماذا نجيبهم؟! الآن أنتم تقولون لا ولنبقَ، ولكن يجب مراعاة البقيّة أيضًا. 

  • إن شاء الله يوفقّنا الله مرّةً أخرى لمثل هذه الليالي وهذه التوفيقات، لنحظى ببركة قراءة القرآن ودعاء المعصومين عليهم السلام بمحفل أنسٍ ونتحدّث بآلامنا مع الرفقاء. ففي النهاية، هذه كلّها أمور جيّدة، ومن الجيّد أنْ تُقال، وفي النهاية أنْ تُراجع، وأن تُمارس، وأنْ تُذكّرنا جميعًا. إنّ هذه مسائلَ أساسيّةٌ لها أهميّة عمليّة في سير السالك. وأنْ يقضي الإنسان يومًا واحدًا مع هذه الأمور أفضل من أنْ يقضي سنوات وسنوات دون الالتفات إليها والانشغال بالذكر والعبادة والفكر وهذه الأمور وحدها. 

المعرفة بالطريق شرط الحركة إلى الله - خطوة بيقين خير من ألف خطوة بشك

21
  • الكلام في هذه الفقرة كثير جدًّا وإن شاء الله نأمل إذا وفّق الله، أنْ نكون في خدمة الرفقاء في الليالي القادمة بحسب سعتنا وقدرتنا الناقصة وغير التامّة. 

  •  

  • اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ.