9

اشتراك الناس بالأعمال على حسب النوايا

و كيف يمكننا اللحوق بعاشوراء في زماننا؟

375
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمدعاء أبي حمزة الثمالي

المجموعةسنة 1430

التاريخ 1430/09/17

جلسات المجموعة(10 جلسة)

التوضيح

كيف صحّ لجابر بن عبد الله الأنصاري أن يقول للإمام الحسين أشهد أنّي كنت معكم والحال أنّه كان في المدينة؟ وما معنى حديث رسول الله من أحبّ قومًا حشره الله معهم؟ وكيف لعن الإمام بني أميّة قاطبة والحال أنّهم لم يشاركوا جميعًا في قتل الإمام الحسين عليه السلام؟
تبيّن هذه المحاضرة ذلك من خلال التأكيد على النيّة وأنّها معيار الثواب والعقاب والطاعة والمعصية.
/۱۷
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

اشتراك الناس بالأعمال على حسب النوايا - و كيف يمكننا اللحوق بعاشوراء في زماننا؟

1
  •  

  • هو العليم

  •  

  • اشتراك الناس بالأعمال على حسب النوايا

  • كيف يمكننا اللحوق بعاشوراء في زماننا؟

  •  

  • شرح دعاء أبي حمزة الثمالي - سنة ۱٤٣۰ هـ ق - الجلسة التاسعة

  •  

  • محاضرة القاها

  • آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهراني

  • قدس الله سرّه

  •  

  •  

اشتراك الناس بالأعمال على حسب النوايا - و كيف يمكننا اللحوق بعاشوراء في زماننا؟

2
  •  

  •  

  • أعوذ باللَه من الشیطان الرجیم‌

  • بسم اللَه الرحمن الرحیم‌

  •  

  •  

  • «إذَا رَأَيتُ مَولَايَ ذُنُوبِي فَزِعتُ، وَ إذَا رَأَیتُ كرَمَك طَمِعتُ، فَإن عَفَوتَ فَخَیرُ رَاحِمٍ، وَ إن عَذَّبتَ فَغَیرُ ظَالِمٍ».

  • عندما أنظر إلى ذنوبي تسيطر عليّ حالة من الوحشة، وعندما أنظر إلى كرمك وعظمتك تحصل لديّ حالة من الميل والرغبة بنعمك، فإن عفوت فأنت أرحم الراحمين، وإن عذّبت فلست بظالم؛ وذلك لأنّي أنا ظلمت نفسي، وهذا الظلم لم يكن قد فرض عليّ من قِبل أحد.

  • خلاصة ما سبق

  • تقدّم للرفقاء أنّ الذنب ليس هو ذلك العمل الماديّ، بل الذنب أو الطاعة كلاهما عبارة عن تلك النيّة التي لدى الفاعل للإقدام على العمل الذي يرضاه الله والسير في طريقه، أو نيّة الفاعل في الإقدام على العمل الذي يسخطه الله والسير في طريقه، فالحالة في الصورة الأولى هي حالة العبادة والعبوديّة وحالة الطاعة والانقياد، وفي الصورة الثانية حالة الإنكار والمواجهة والعناد والأنانيّة، وعلى الحالة الأولى يترتّب الثواب والدرجات والتكامل والترقّي والنور والبهاء والبهجة، وعلى الحالة الثانية الظلمة والعقاب والنيران والسخط والغضب واللعنة والطرد من رحمة الله، سواء وفّق ذلك الإنسان للقيام بذلك العمل أم لم يوفّق، فالأمر سواء في الحالين.

  • لماذا صحّ قول جابر الأنصاري للحسين وأصحابه: أشهد أنّي كنت معكم مع أنّه لم يكن معهم؟

  • عندما انطلق سيّد الشهداء عليه السلام من المدينة نحو مكّة، لم يتمكّن جابر بن عبد الله الأنصاري من مرافقته، فسار الإمام، وطبعًا لم يكن جابر يعلم بما ستؤول إليه الأحوال، وربّما لم يكن وضعه يسمح له بالسير معهم. وهناك من يقول في حقّه كلامًا ويحاكمه، والحال أنّا لم نكن في ذلك الزمان، وليس لدينا اطّلاع على وضع جابر حين هجرة سيّد الشهداء عليه السلام، فلا يمكننا أن نحاكمه من عند أنفسنا.

  • لذلك فقد سار الإمام وجرى ما جرى، فاضطرب جابر كثيرًا وانقلبت أحواله، فانطلق من المدينة نحو كربلاء ليزور مزار سيّد الشهداء عليه السلام. فلمّا وصل خاطب الإمام، والجميع يعرفون قصّته حيث قال جملة مخاطبًا بها سيّد الشهداء عليه السلام: أشهد أنّي كنت معكم وأنّي معكم، وجميع ما قمتم وما جرى عليكم أنا شريك فيه۱. فجابر لم يكن ليتكلّم بالباطل، كلام جابر دقيق. ولمّا اعترض عليه عطيّة أن كيف كنت مع الإمام الحسين وتعدّ نفسك في تلك المرتبة؟! فأنت تدّعي ادّعاء عظيمًا وأنّ جميع الأحداث قد جرت عليك أيضًا والحال أنّا كنّا في منزلنا في المدينة ولم نقم بشيء؟! كنّا نبيت ونجلس في منزلنا، ولم يكن لدينا خبر عن هذه الأحداث؟! 

    1. بحار الأنوار، ج ٩٨، ص ١٩٦: والذي بعث محمّدًا بالحقّ لقد شاركناكم فيما دخلتم فيه.

اشتراك الناس بالأعمال على حسب النوايا - و كيف يمكننا اللحوق بعاشوراء في زماننا؟

3
  • فنقل جابر رواية عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وقال: سمعت حبيبي رسول الله صلّى الله عليه وآله قال: «من رضي بعمل قوم فهو معهم ومن أحبّ قومًا فهو معهم»۱. فمن أحبّ قومًا بحيث أدّت تلك المحبّة إلى أن يتّحد قلبه معهم… فالمحبّة تختلف ولها درجات، فبعضهم يحبّون ما لم يصبهم أذى، فإذا أوذوا قالوا: نرجو المعذرة! نحن نحبّ إلى هنا، ومن الآن فصاعدًا نسألكم الدعاء ونرجو المعذرة. وهذا يحبّ حقًّا وليس عدوًّا، ولكن كم يبذل في سبيل هذه المحبّة؟!

  • معنى حديث النبيّ من أحبّ قومًا حشر معهم وبيان مراتب المحبّة

  • الكلام هو في هذا، هل المحبّة هي إلى ذاك المستوى الذي يسبّب أن يجعل الإنسان مصيره مصير محبوبه؟! هل هي إلى هذا الحدّ أم لا؟! محبّتنا نحن جميعًا هي بنسب خمسة بالمائة وعشرة بالمائة، فمن الواضح أنّا نفرّق بين الإمام الحسين عليه السلام ومخالفيه، لا نحبّ يزيد وشمرًا وابن زياد وسنان، فهؤلاء فسّاق فجّار من الدرجة الأولى، ولكن هل نحن مع الإمام الحسين عليه السلام؟! هل نريد لأنفسنا الآن بعد ۱٤۰۰ سنة ونحن جالسون تحت مكيّف الهواء في إحدى ليالي شهر رمضان ونتحدّث مع بعضنا، وننقل الأفكار وأحداث التاريخ، هل نريد ذلك المصير الذي كان لسيّد الشهداء عليه السلام؟! حسنًا، لكلّ شيء حسابه، ولكنّنا لم نذق حرارة يوم عاشوراء وبضعة أيّام من العطش، ولم نذق السهم والسيف والرمح والحجر والمقلاع، فهل ذقنا ذلك؟! وأمر الإمام الحسين عليه السلام واضح وطريقه واضح، فما هو السهم؟! ائتوا بالدبّابة لتمشي عليّ، فهذا السهم وهذا السيف أمرهما سهل فلتمش الدبّابة عليّ ولتمش المدفعيّة عليّ، فنحن ليس لدينا سوى طريق واحد واضح، ونحن لا نتراجع عن طريقنا فالموت موت ولا يختلف بأيّة طريقة كان، هل نحن في ذلك المستوى بحيث نختار لأنفسنا ذلك المصير الذي اختاره الإمام وأصحابه ونسير في ذلك الطريق غاية الأمر أنّ تاريخنا الآن متأخّر ۱٤۰۰ سنة؟! فهذا ليس بأيدينا نحن، ولكن كلّ يوم من أيّامنا هو عاشوراء، وكلّ يوم من أيّامنا هو يوم امتحان ويوم تقييم وأخذ للعلامة! وهذا الأمر موجود في مختلف الأمور والأحداث وعلى الإنسان أن يعلم أنّه لو كان سيّد الشهداء عليه السلام الليلة ليلة السادس عشر من شهر رمضان ۱٤٣۰ هـ فماذا كان سيصنع؟! 

    1. قال عطية: فقلت لجابر: كيف ولم نهبط واديًا، ولم نعل جبلاً، ولم نضرب بسيف، والقوم قد فرّق بين رؤوسهم وأبدانهم وأولادهم وأرملت الأزواج؟! فقال لي: يا عطيّة سمعت حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: «من أحبّ قومًا حشر معهم، ومن أحبّ عمل قوم أشرك في عملهم». والذي بعث محمّدًا بالحقّ إنّ نيّتي ونيّة أصحابي على ما مضى عليه الحسين وأصحابه.

اشتراك الناس بالأعمال على حسب النوايا - و كيف يمكننا اللحوق بعاشوراء في زماننا؟

4
  • هذه هي حقيقة الأمر، والنتيجة أنّه ليس دائمًا هناك مائدة وخبز وحلوى، وأمرنا لا ينتهي عند المشاركة في المجالس والكلام والوعظ وأمثال ذلك! فالعمل بالتكليف له مكانه، ولكن إلى أيّ حدّ نحن مستعدّون للعمل بالتكليف؟ فليس التكليف دائمًا شرب ماء وتناول للحلوى، بل هناك أشياء أخرى، ونحن حتّى الآن لم نرَ سوى الحلوى والشاي والماء البارد والجلوس تحت المروحة والمكيّف، وربّما يتحوّل الأمر إلى شيء آخر ويتغيّر التكليف! فهل لدينا استعداد للسير في طريق سيّد الشهداء عليه السلام ببصيرة لا خبط عشواء، ولا بالنظر إلى هذه الناحية وتلك وإلى الشعارات الحماسيّة وأمثالها، ليس بذلك بل ببصيرة وعلم بالتكليف؟ وكم هيّأنا أنفسنا للتكليف؟! فلنزن أنفسنا الآن كم هيّأناها لهذا الأمر، والتقدير الإلهيّ ليس بأيدينا نحن، فنحن لسنا عالمين بالتقدير ولا بالمشيئة ولا اطلاع لنا، ما له أهميّة عندنا ويرتبط ببحثنا هذا هو أنّا إذا كنّا مكان سيّد الشهداء عليه السلام وأصحابه واتّضحت لنا تلك الظروف بالعقل والوجدان والدليل والحجّة الشرعيّة بشكل واضح فكم يمكننا أن نخطو في ميدان السباق نحو الرحمة الإلهيّة؟! كم لدينا الجرأة على ذلك؟ كم لدينا الهمّة على ذلك؟ كم فكّرنا في هذا الأمر؟ هل فكّرنا في هذا الأمر؟! هل قيّمنا هذا الأمر؟! 

  • يقول جابر: أشهد يا حسين أنّي كنت معك، كنت معك في الشدائد والمتاعب، وفي الحرّ والعطش والمرارة، كنت معك في الجراح التي أصيب بها بدنك، فتلك الجراح التي أصابت بدنك أصابت بدني أنا. وكان صادقًا فيما يقول ولم يكُ كاذبًا، لم يكن جابر إنسانًا كاذبًا بل كان صادقًا، فعندما كان يدّعي أمرًا كان ادّعاؤه صدقًا وصوابًا، فالجراح والسيوف والرماح التي أصابتك أشهد أنّها أصابتني أنا، لقد تقطّع بدني إربًا وقد جرح بدني بالسيف وفصل رأسي عن جسدي! 

  • وبيان جابر هو هذا: لقد صمدتُ حتّى النهاية، يقول جابر: لقد بقيتُ حتّى نهاية الأمر، غايتها أنّي لم أكن في كربلاء، لم أكن. حسنًا، فكيف تحكم الرحمة الإلهيّة والعدل الإلهيّ والصدق الإلهيّ حول جابر الذي يدّعي ذلك ويجعل نفسه في معرض محاكمة الوجدان؟! كيف يحكم العدل الإلهيّ حول هكذا إنسان لم يتمكّن من الكون في كربلاء، وحصل له مانع ولم يكن الأمر باختياره؟ هل يقول له: لم تأتِ وقد أخطأت! فهذا شأنك ولا علاقة لك بكربلاء! متى أتيت إلى كربلاء؟! أنت لم تعان العطش، أنت لم تعان الجوع، أنت لم تصَب بجرح وبضربة سيف في بدنك، لقد أتيت بعد أربعين يومًا، وتدّعي أنّك كنت معنا! فما هذا الكلام؟! ما هذه الادّعاءات؟! 

اشتراك الناس بالأعمال على حسب النوايا - و كيف يمكننا اللحوق بعاشوراء في زماننا؟

5
  • لو أنّ جابرًا طلب الله إلى المحكمة وقال: ماذا كان تقصيري حين لم أوفّق للكون في كربلاء؟! فبماذا سيجيبه الله؟! حقًّا بماذا سيجيبه الله؟! فأنا لم أتمكّن من المجيء.

  • ما الفرق بين عبد الله بن جعفر وجابر الأنصاري؟

  • وقد كان هناك آخرون لم يتمكّنوا من المجيء إلى كربلاء، فعبد الله بن جعفر الطيّار زوج السيّدة زينب سلام الله عليها، عندما أراد سيّد الشهداء عليه السلام أن ينطلق ذهبت إليه السيّدة زينب سلام الله عليها وقالت: أنا لا يمكن أن أبتعد عن هذا الأخ وقد شرطنا عند العقد أنّي لن أبتعد عن أخي وأنت قبلت، ولكنّي أريد أن أعرف رأيك في هذا الأمر. فقال عبد الله: أنا على شرطك، فاذهبي أنت. حتّى أنّه أرسل ابنيه أيضًا، فقد كان له ابنان فقال لها: اصحبيهما معك وكوني مع الحسين أينما كان ولا تبتعدي عنه. ولكنّ عبد الله نفسه لم يصحب الحسين، انظروا إنّه يرسل زوجته، فالسيّدة زينب عليها السلام هي المرأة الوحيدة من بني هاشم، وكان بإمكان عبد الله أن يقول: أنت زوجتي وأنا لست راضيًا فلماذا تذهبين؟! هو عليه وظيفة وتكليف وحدثت له مشكلة ولذلك هو خارج، أمّا أنا فأريد زوجتي أريد أن أكون مع زوجتي وأبنائي، لقد واجه هو أمرًا كهذا وبيعة فما شأننا نحن؟! نحن لدينا حياتنا وهو لديه حياته. ولكنّ عبد الله لم يقل هذا الكلام، لم يقله، بل أرسل عياله معه وقال: أنا راض، راض بتمام معنى الكلمة، أنا لا أخرج ولكن اخرجي أنت وخذي معك هذين الشابّين، أرسل مع السيّدة زينب ابنيه وفلذتي كبده وهو يعلم أنّ أمرًا ما سيحدث! ولكنّه هو نفسه لم يأت! أي لم يأت مائة بالمائة. فهكذا كانت قصّة عبد الله بن جعفر، بحيث إنّه عندما رجع الأسرى إلى المدينة وشاهد الناس تلك الحادثة، كان له غلام فقال كلامًا أمام الناس وأنّ كلّ ما أصابنا من مصائب هو بسبب الحسين، وربّما أراد به أن يتملّق إلى سيّده أو له غرض آخر لا نعلمه فقال هذا الكلام… .

اشتراك الناس بالأعمال على حسب النوايا - و كيف يمكننا اللحوق بعاشوراء في زماننا؟

6
  • السيّدة زينب تالية تلو الإمام

  • فقد كان لعبد الله ابنان خسرهما واستشهدا، لقد استشهد ابنا السيّدة زينب سلام الله عليها في كربلاء، وبعضهم يقول ابن واحد وبعضهم يقول اثنان، والعجيب أنّ السيّدة زينب سلام الله عليها لم تخرج عند شهادة ابنيها حتّى لا يراها الإمام الحسين عليه السلام. وإنّه عجيب جدًّا! حقًّا هذا عجيب! فالسيّدة زينب سلام الله عليها كان أمرها عجيبًا في حركاتها وسكناتها، وحقًّا يقف الإنسان حائرًا أمامها وأنّه كيف يمكن لامرأة أن تصل إلى هذه المراتب مراتب الإمامة؟! فالسيّدة زينب لم يكن ينقصها إلاّ مرتبة الإمامة، ولكنّها كانت تالية تلو الإمام، كانت تالية تلو الإمام، فذلك الصبر العجيب، والتحمّل العجيب! حقًّا إنّه لعجيب وكلام عجيب فأيّة سعة صدر، وإذا أردت أن أتحدّث عنها باختصار فإنّها في حادثة عاشوراء كانت الثائرة الوحيدة في وجه بني أميّة والتي أبطلت مؤامرتهم من دون مساعدة أحد، نعم أحيانًا كانت أمّ كلثوم تتكلّم أيضًا والإمام السجّاد عليه السلام تكلّم في المسجد الأمويّ، فحادثة المسجد الأمويّ أعلنت نهاية خلافة بني أميّة بواسطة تلك الخطبة التي ألقاها الإمام السجّاد عليه السلام، فقد كان الأمر في غاية الغرابة. ولكنّ الإنسان الذي كانت جميع الأنظار متوجّهة إليه وكان يدير الأمور ويدير الجميع ويدبّر أمرهم وينظّمهم ويخطّط لهم هو السيّدة زينب سلام الله عليها. وإنّه لأمر عجيب جدًّا، وعندما أفكّر وأفكّر في مواقف السيّدة زينب سلام الله عليها أصل إلى مواضع لا ينالها الفكر، فهذه الأحداث وهذه العظمة كانت أمرًا خارقًا، كانت أمرًا خارقًا، وكان أمرًا منها غير طبيعيّ؛ فلا يمكن أن نقيسها بالذين هم في هذه الدنيا، وذلك لأنّها بلغت مقام الجمع الناشئ من التوحيد الغالب على الأسماء والصفات، بحيث جمعت في دائرة نفسها جميع الأسماء والصفات حتّى تمكّنت هكذا من تطبيق قاعدة الوحدة في عين الكثرة في جميع هذه الأحداث والشدائد، وعملت على إبرازها وإظهارها، فمن لم يصل إلى التوحيد ولم يتحوّل قلبه ولم يبق بالله لا يمكنه أن يقوم بما قامت به السيّدة زينب سلام الله عليها، لا يمكنه ذلك! وإنّه لغريب حقًّا وفي غاية الغرابة، ونحن نقول هكذا ما سمعناه، ونسأل الله أن يوّفقنا لإدراك ذلك لكي نعي ما أريد أن أقوله، وأنّه كيف تمكّنت تلك المرأة من الالتزام بإجراء المشيئة الإلهيّة في عالم الكثرة بدقّة بحيث لم تتخلّف عنها ولو بمقدار رأس إبرة، وهذا لا يتحقّق إلا بالوصول إلى مقام البقاء بالله والفناء في ذاته والعمل والتدبير في أحداث هذا العالم بواسطة ظهور الأسماء الكليّة وطلوعها وسيطرتها. 

اشتراك الناس بالأعمال على حسب النوايا - و كيف يمكننا اللحوق بعاشوراء في زماننا؟

7
  • ماذا فعل عبد الله بن جعفر بغلامه عندما عرّض بالحسين عليه السلام؟

  • حسنًا فعبد الله هذا عندما تكلّم غلامه بذاك الكلام وأنّ المصائب التي حلّت بنا هي بسبب الحسين عليه السلام غضب فجأة وبدأ بشتم هذا الغلام وسبّه وضربه بنعله، وبصفعةٍ على وجهه أخرجه من الغرفة، وهو يقول له: أما تستحي من هذا الكلام فتنسب إلى إمام زماننا هذا الأمر؟! فقد كان عبد الله بن جعفر في هذا المقام، ولكنّ السيّدة زينب سلام الله عليها كانت تختلف عن زوجها، فهذه هي حقيقة الأمر، لقد جاءت وسارت معه ووقفت وثبتت على عهدها ووصلت إلى نهاية الطريق، وأنهت الأمر بسلامة من دينها، ولكنّ عبد الله بقي في وسط الطريق، والله يثيبه بهذا المقدار، بمقدار تقديمه ابنيه فداء للحسين، فتقديم الابن ليس بالأمر السهل، وليس التخلّي عن زوجته بالأمر السهل، زوجة كالسيّدة زينب التي لا يتمنّى أن يفارقها لحظة واحدة، لم يكن حاضرًا أن يتخلّى عنها لحظة واحدة، فمحبّة عبد الله للسيّدة زينب سلام الله عليها كانت مضرب المثل بين رجال المدينة، ولا بدّ أن يكون محبًّا لامرأة كهذه تتميّز بتلك الخصائص، لقد كانت محبّته لها مضرب المثل فإذا أرادوا أن يضربوا مثلاً كانوا يقولون: انظر كم يحبّ زوجته وهو واله بها. ومع ذلك تخلّى عنها، فهذا ليس بالأمر السهل، ليس بالأمر السهل حقًّا. ولكن في الوقت نفسه لا يبلغ درجة المائة في المائة. 

  • مقدار معيّة جابر للإمام الحسين عليه السلام

  • أمّا جابر فيقول كلاّ، لقد كنت أنا بدرجة مائة في المائة! لقد كنت حتّى نهاية الأمر، ولم يكن يكذب في ذلك، فجابر لم يكن يكذب، بل كان يقول حقًّا، لقد كنت وأنا موجود، فلو أراد الله تعالى أن لا يعطي جابرًا تلك المرتبة من مراتب الشهادة وقال له: لم تكن حاضرًا ولم يصبك سهم ولا سيف، وقد جئت الآن تقرأ العزاء هنا وتنوح على قبر الإمام الحسين، حسنًا فنحن نثيبك على هذا، فقد قطعت مسافة الطريق إلى هنا، ولكن للشهادة حساب آخر. فلو أنّ جابرًا أراد أن يحاكم الله فبماذا يجيبه الله؟! أجيبوني أنتم جواب الله! فجابر يقول: لقد كنت أريد أن آتي وأنت تعلم أنّي ثابت على ذلك، فأنت الله، فلو أردت أن أخدع الناس وأقول ما ليس في قلبي فلا يمكنني أن أخدع الله والملائكة، فأنت تعلم أنّي كنت أريد أن آتي وأنا ثابت على ذلك حتّى النهاية، ولكنّي لم أتمكّن وطرأ مانع لم يكن باختياري، وقد خلقتني بشرًا، لم تخلقني كالملائكة مجرّدًا عن الزمان والمكان، بل مقيّدًا بالزمان والمكان، ومقيّدًا بإعداد العِدّة والعُدّة، ولا بدّ من رفع الموانع وإيجاد المقدّمات وهذا ما لم يكن متوفّرًا لي أنا كجابر. فبماذا يجيبه الله؟! 

اشتراك الناس بالأعمال على حسب النوايا - و كيف يمكننا اللحوق بعاشوراء في زماننا؟

8
  • لا جواب، لا جواب على ذلك، فلو كنّا مكان الله لا أعتقد أنّ لدينا جوابًا رغم كلّ الألوهيّة التي نسلّم بها وهي على عيوننا، ولكن لا أعتقد أنّ لله هنا جوابًا يمكن أن يجيب به. لماذا لا ننال ذلك الثواب؟ لماذا؟ لماذا لا بدّ أن ينال حبيب بن مظاهر ومسلم بن عوسجة في الكوفة ذلك الثواب أمّا أنا الذي كنت جار الإمام الحسين عليه السلام في المدينة فلا ينالني لماذا؟ ما هو السرّ في ذلك؟! 

  • وجواب ذلك هو أنّني أنا الله وأنا حاكم وحكمي حكم بالعدل وبالقسط وعلى أساس الباطن: 

  • ما درون را بنگریم و حال را***...
  • يقول: نحن ننظر إلى الباطن والحال

  • وحكومتي حكومة العدل، أنظر إليك فأرى أنّك أنت جابر بن عبد الله  تقول صدقًا بأنّك لو كنت لبقيت حتّى النهاية، ولو قتلت عشر مرّات لقلت في المرّة الحادية عشرة أيضًا: أنا حاضر هنا مثل الآخرين، مثل سائر من بقي يوم عاشوراء الذين لو قتلوا عشر مرّات لقالوا: هذا أفضل، أضف عليها عشرة أخرى، عشر مرّات أخرى نكرّر بها أنسنا مع محبوبنا. 

  • بعض أحوال أصحاب الحسين عليه السلام

  • وحقًّا كان لهم هذا الذي أقول، لقد كان أملهم أن لا يموتوا مرّة واحدة فقط، كانوا يقولون: من الخسارة أن نموت مرّة واحدة، خسارة أن نصاب بضربة واحدة ونموت، من الخسارة أن يصيب سهم قلبنا ونموت. والله كان هؤلاء يأملون أن يتكرّر ذلك متواليًا ويتمكّنوا من أن يقتربوا أكثر فأكثر من معدن النور ونبع البهاء والعظمة لسيّد الشهداء عليه السلام، فقد كانوا يرون أنفسهم أنّهم بهذا العمل يقتربون أكثر فأكثر، فليتكرّر مرّة أخرى لماذا يكون لمرّة واحدة؟! إن كان الإنسان سيجد طريقًا بواسطة ذلك ويرِدُ إلى ذلك الحرم والحريم فلماذا يقتصر على مرّة واحدة فلتكن مرّتين وثلاث مرّات. لأنّ هذا فيه صعوبات في النهاية فالسيف عندما كان يصيبهم لم يكن خدشًا كما لو لسعتنا بعوضة فخدشنا مكانها، بل كان سيفًا يصيبهم ويدخل أعماق أبدانهم، ولكنّهم بسبب هذه الحالة وتلك المكانة كانوا يجدون ذلك عذبًا وكانوا يأنسون بهذه الحالة من التعب، كانوا يلتذّون بهذا التعب المسيطر عليهم. 

اشتراك الناس بالأعمال على حسب النوايا - و كيف يمكننا اللحوق بعاشوراء في زماننا؟

9
  • والحاصل أنّ هناك الكثير من الأمور التي على الإنسان أن يعيشها لكي يلتفت إلى أنّهم لم ينالوا تلك الدرجات بالمجّان، لم ينالوها عبثًا. 

  • إنّ قصّة جابر هذه هي عين ما نحن فيه، عين ما نحن فيه. 

  • جوانب من أحداث سنة ۱٣٤٢ ه ش والنيّة التي كانت وراءها

  • وعندما بدأ المرحوم العلاّمة سنة ٤٢۱ وما قبلها بمواجهة نظام الشاه برفقة آية الله الخميني رحمة الله عليه وسائر العلماء كالشهيد مطهّري والشيخ صدر الدين الحائري والسيّد عبد الحسين دستغيب الشيرازي والسيّد القاضي الطباطبائي التبريزي والعلاّمة الطباطبائي، فقد كان يعمل برفقة هؤلاء الأعاظم من أهل العلم، وكان هناك من غير أهل العلم أيضًا من العسكريين وغيرهم، مثل العقيد القرني الذي كان مع هؤلاء، وكان هناك اتّفاق على الاستمرار بالعمل حتّى النهاية، حينها أوّل ما كان يطرحه المرحوم العلاّمة على هذه المجموعة هو أخذ العهد عليهم والبيعة على أنّ الطريق الذي نسلكه فيه جميع الاحتمالات، فالأمر واضح أنّ فيه إلقاء قبض وسجنًا وتعذيبًا وحتّى إعدامًا وأمثال ذلك، وقد كان الذين يعملون في هذه النواة المركزيّة بهذه النيّة وهذا الهدف. 

  • وكان من هؤلاء الشيخ جواد الفومني الرشتي رحمه الله، وكان رجلاً صافيًا ومخلصًا، ولا يُذكر له اسم، وكان يذكّرهم دائمًا، وقد كنت بنفسي حاضرًا في بعض تلك الجلسات، وكنت أبلغ من العمر ما يقارب ستّ سنوات، ولكنّ أحداث تلك الجلسات الآن تشبه فيلمًا مصوّرًا في ذهني وأنّه ماذا قال فلان وماذا قال فلان ومن اعترض ـ وكثير من ذلك لا مصلحة في ذكره الآن ـ ومن قال ومن خالف ومن وافق، وعندما كان يرجع من المسجد كان أحيانًا يذهب إلى منزل الشهيد مطهّري وكان منزله آنذاك في زقاق آبشار في شارع الري، وكنت أنا صغير السنّ كنت في غاية الصغر طفلاً في السابعة أو الثامنة، ولا زلت أذكر كلامهم حول الأحداث والوقائع التي كانت حينها، وقد كانت كثيرة، والحاصل أنّه كان هذا العهد وكان دائمًا يسوق رفقاءه إلى هذا الأمر وأنّا سرنا في هذا الطريق الذي يحتمل فيه كلّ شيء، فلينظر كلّ واحد ما إن كان بإمكانه أن يسير حتّى النهاية بهذه النيّة أم لا؟ فإن كان بإمكانه فبها، وإلا فمن لا يمكنه ذلك فهو مسؤول بينه وبين الله أن لا يبرز حالته هذه، ونحن نجعله في درجات لاحقة، فلا مشكلة في ذلك، نجعله في الدرجة الثانية أو الثالثة. فقد كان هناك درجات من الناس في النهاية، وكثير من الناس الذين هم على قيد الحياة الآن لم يكونوا مشاركين في تلك الحلقة الأولى حينها، ولكن يقال إنّهم كانوا في الحلقة الأولى، كلاّ ليس الأمر هكذا بل كانوا في الحلقات والمراتب اللاحقة. وأنا أذكر ذلك، ولا إشكال في أن يأتي إنسان ما، ولكن من أراد أن يكون في الحلقة الأولى فنحن نتوقّع منه توقّعات معيّنة لا تتحقّق من دون ذلك الاستعداد، فمن لم يكن في هذه الحالة فلا يمكن أن يقال له أيّ كلام، حيث يمكن أن يبتلى في اليوم التالي ثمّ لا يتمكّن من حفظ نفسه، ويمكن للإنسان أن لا يحتمل ويبوح بالأسرار.

    1. الموافقة لسنة ۱٩٦٣ والتي تعدّ منعطفًا أساسيًا في تاريخ الثورة الإسلاميّة، حيث كانت حكومة الشاه قد أقرّت بعض القوانين المخالفة للإسلام فاعترض عليها علماء الدين وتمّ اعتقال آية الله الخمينيّ (ره)، وتسمّى تلك الأحداث بأحداث ۱٥ خرداد. (م)

اشتراك الناس بالأعمال على حسب النوايا - و كيف يمكننا اللحوق بعاشوراء في زماننا؟

10
  • فإذن من الجيّد أن ينظر إلى الحقائق ويصنّفها في مراتب ومستويات فلا يقول كلّ حقيقة لأيّ إنسان، استر ذهبك وذهابك ومذهبك.۱ أمّا الذين كانوا من أمثال السيّد دستغيب والشيخ صدر الدين والمرحوم العلاّمة الطباطبائي رضوان الله عليه والذي لم يكن يشارك كثيرًا في تلك الجلسات ولكنّ المرحوم العلاّمة كان على ارتباط معه وكان يطرح عليه المعطيات، وهذا من الأخبار التي لم تذكر حتّى الآن في أيّ مكان، وأنا الآن أعلن أنّ تلك التحرّكات التي كانت آنذاك كانت تحت نظر العلاّمة الطباطبائي مباشرة بواسطة العلاقة التي كانت بينه وبين المرحوم العلاّمة والذي كان يطرح عليه مجريات الأحداث، وكان معهم أيضًا آية الله الميلاني وكان رحمة الله عليه رجلاً جليل الشأن في غاية الجلال، وقد سمعت من العلاّمة الطباطبائي أنّه قال: لم أكن أستطيع إرجاع أحد في التقليد إلى غير آية الله الميلاني، والمرجع الذي أهتمّ به هو آية الله الميلاني، وقد انتقل آية الله الميلاني إلى رحمة الله قبل العلاّمة الطباطبائي، فقد توفّي في زمان الشاه وقبل تلك الأحداث، وكان رجلاً جليل الشأن بعيدًا عن هوى النفس بعيدًا عن هوى النفس، وقد سمعت هذا المدح له من المرحوم العلاّمة والعلاّمة الطباطبائي في ذلك المجلس الذي كانوا فيه فأيّدوا هذا الكلام بهزّ رأسيهما، فقد كان هذا النوع من العلماء في تلك الجلسات.

  • ما معنى قول جابر إنّي مع الحسين؟ 

  • يقول جابر: أنا معكم. فما معنى ذلك؟ يعني أنّنا الآن وفي هذه الظروف كيف يمكننا أن نقيّم أنفسنا بالنسبة إلى موقع سيّد الشهداء عليه السلام والتكليف الذي يأتينا من قبله؟ كيف نقيّم أنفسنا؟ ولا بدّ من الاهتمام بأنّ مصير سيّد الشهداء هو المصير الذي ينتظرنا؟! نحن لا اطّلاع لنا على المستقبل وما يدرينا به؟! ربّما يكون هكذا وربّما لا يكون، نحن لدينا منهج وطريق نسير فيه وسنموت إمّا بحادث أو بمرض الأنفلونزا الطارئ حديثًا، ففي النهاية سينتقل الإنسان إلى ذلك العالم بنحو من الأنحاء، ولكنّ الكلام هو أنّه ألا نتمكّن أن نكون في نفس الحالة التي كان عليها جابر بن عبد الله الأنصاري قبل ۱٤۰۰ سنة رغم أنّه لم يشهد كربلاء ولم يتمكّن من الحضور ولم يدرك أحداثها ولم يستشهد في ركاب الإمام؟ أم أنّ حالتنا هي عين حالة جابر بن عبد الله ؟ فما معنى ذلك؟

    1. التحفة السنيّة للسيد عبد الله الجزائري مخطوطة صفحة ٣٣۰ منسوبة إلى الحكماء.

اشتراك الناس بالأعمال على حسب النوايا - و كيف يمكننا اللحوق بعاشوراء في زماننا؟

11
  • معناه أنّ علينا أن نلتزم بالحقّ في كلّ مجال وفي كلّ مكان وفي كلّ حكم، فما نرى أنّه حقّ لا بدّ أن نلتزم به، والمكان الذي نرى أنّه باطل علينا أن لا نكون فيه، علينا أن لا نتكلّم بما يوافق الباطل، على اللسان أن لا يتحرّك بذلك، علينا أن لا نقضي بالباطل، علينا أن لا نجعل أنفسنا أعوانًا ومساعدين للظالم، علينا أن نكون إلى جانب الحقّ، علينا أن نتّبع الحقّ ولا نقصّر في ذلك، إن كان التكليف يقتضي أن نتكلّم فلنتكلّم بالحقّ، وإن كانت الأحداث تريد أن تسوقنا إلى الباطل فعلينا أن نقف في مواجهتها ولا نسلّم للباطل ونظلم، فهذه هي حالة جابر بن عبد الله الأنصاري بالنسبة إلى واقعة عاشوراء، فإن كنّا كذلك فهذا هو المطلوب مهما كانت النتيجة وإلى أيّ موضع انتهى بنا الأمر، وإن لم نكن هكذا فقد وضعنا خمسة بالمائة من رأس المال أو عشرة بالمائة رأينا فيها مصلحة فتكلّمنا، وفي موضع آخر لم نرَ مصلحة بل يمكن أن تؤدّي إلى الضرر، فسكتنا في المكان الذي لا بدّ أن نتكلّم فيه وأمسكنا ألسنتنا، ورغم كلّ ما كنّا ولا زلنا نرتجزه للنّاس طوال هذه المدّة فقد تراجعنا في الوقت الذي علينا أن نقدم فيه، وها نحن ندوس على ما كنّا نقوله، ولا نرتّب أثرًا على ما نعتقد به.

  • فما هذه الحالة؟ إنّها الخسارة، يخسر الإنسان ويرسب في الامتحان ويرفض، نعم نحن لا شأن لنا بما يُحكم علينا به وما سيقوله الناس وما سيكوّنونه عنّا من تصوّرات في أذهانهم وكيف يحكمون على من دعا الناس إلى العدل سنوات متمادية والآن اختبأ ولبس لباس العافية. فالناس يدركون جيّدًا، الناس يحدّدون جيّدًا، والناس ينظرون إلى الأحداث ويميّزون بين الادّعاء وبين الحقيقة، حتّى الأطفال يمكنهم ذلك فكيف بالكبار؟ حسنًا لا شأن لنا بالناس ولكن ماذا نصنع بوجداننا نحن بيننا وبين الله؟ وما هو موقفنا أمام وجداننا وأمام الله؟! فلنفترض أنّه لا يوجد أيّ إنسان، لا يوجد أناس يحاكموننا ويقولون هؤلاء جميعهم من نوع واحد وأمثال هذا الكلام وأنّهم فارغون لا يملكون شيئًا وقد رأينا ما يجب أن نرى، فلنفترض أنّه لا يوجد أحد أليس الله موجودًا؟ أليس هناك وجدان؟! أليس هناك غدٌ ينتظرنا؟ أليس هناك يوم قيامة؟ وهكذا الزمان يجري فيأتي يوم ويمضي؟ ما دام جابر يقول: أشهد الله أنّي كنت معكم وفي جميع الأحداث فهذا يعني أنّي وقفت أمام جيش يزيد وأمام جيش ابن زياد، وأمام جيش ابن سعد، وأنا أرى تلك الأحداث في وجودي. فانظروا إنّ جابرًا لم يصنع شيئًا، لقد جلس في داره في المدينة ولكن كيف يقول ذلك؟ ما هو لسان حاله؟! هذا ما أقوله أنا بنفسي في شرح وتوضيح وتفسير كلام جابر هذا الذي قال: سمعت حبيبي رسول الله يقول: «من أحبّ قومًا حشره الله معهم ومن أحبّ حجرًا حشره الله معه».

اشتراك الناس بالأعمال على حسب النوايا - و كيف يمكننا اللحوق بعاشوراء في زماننا؟

12
  • فهذا معنى عدالة الله، يقول الله لا داعي لأن تأتوا بي إلى المحكمة، فبدلاً من الاتّهام والمحاكمة أنا مسلّم من البداية، يقول الله: أنا رافع يدي من البداية بكلّ وضوح، تفضّل هذا جزاؤك وهذه مكانتك وهذه خصوصيّتك، وهذا خلوصك وهذا إخلاصك، فأنا أنظر إلى خلوصك وأقيّمه. يقال إنّ الدولة عندما تأخذ الحليب من المُزارع يمكن أن يكون قد أضاف إليه الماء. فيوضع في جهاز يقيس نسبة الصفاء فيه، فبما أنّك أضفت إليه عشر كيلوات من الماء فلا بأس ولكنّنا ندفع قيمة هذا المقدار من الحليب، فلنفترض أنّك وضعت فيه الماء بمقدار خمس كيلوّات فلا قيمة لها أبدًا، ونحن ندفع لك مقدار الحليب الخالص فلماذا تتعب نفسك؟! لقد حملت خمسة كيلوّات على ظهرك هكذا، وتسبّبت لنفسك بالتعب ثمّ لا فائدة، خذ تومانًا واحدًا، أو خذ مائة تومان، أنت تعطي كيلوًّا واحدًا من الحليب ونحن نعطيك ثمنه، أو تعطي كيلوّين فنعطيك ثمنهما فلماذا تضيف الماء؟ ليس لإضافة الماء هذه من فائدة سوى الحمل والثقل والتعب والخسارة. كن من البداية خالصًا! يقول الله: نحن لدينا جهاز نضع فيه العمل فنرى كم تقدّمت، كم هي النسبة المئويّة لتقدّمك، ونجري ذلك لجميع الناس واحدًا واحدًا، فكم واحدًا نحن الآن هنا؟ لا يوجد اثنان متماثلان في المرتبة ولكلّ مرتبته الخاصّة به، فمن هو الذي يعلم بهذه المرتبة؟ وحده الله والإمام عليه السلام والنبيّ صلّى الله عليه وآله ولا اطّلاع لأحد آخر على ذلك، نحن نأتي ونحسب، فإن كنت في هذه الحالة التي تكون مستعدًّا فيها أن تقف حتّى النهاية وليس مهمًّا بالنسبة إلينا الـ ۱٤۰۰ سنة التي مضت، فهذه السنوات الـ ۱٤۰۰ لم تكن باختيارك أنت، إنّها باختيارنا نحن، نحن نعلم أنّا لو خلقناك قبل ۱٤۰۰ سنة لنهضت وشاركت في كربلاء في ركاب الإمام الحسين عليه السلام، ونحن أخّرناك ونحن جعلنا زمان ولادتك في هكذا زمان. فهذا لم يكن باختيارنا نحن البشر، إنّه من فعل آبائنا وأجدادنا الذين هم أيضًا عباد لله وليس لهم دور في هذا الأمر، وهو مرتبط بالمشيئة الإلهيّة، والله يسألنا عمّا يرتبط بنا نحن، لا عمّا لا يرتبط بنا. وما دام الأمر هكذا فنحن ننظر إلى هذه الحالة بعد ۱٤۰۰ سنة، فإن كنت في كربلاء على أحوالها ومصائبها وعطشها وبلائها فإلى أيّة درجة كنت تصمد وتثبت؟ هل مثل ذلك الذي كان يقول: يا ليتني كنت معكم فأفوز فوزًا عظيمًا، فأروه ذات ليلة أنّه كان في كربلاء أمام الإمام الحسين فرمي الإمامُ بسهم فانحنى هو من أمامه فأصاب جبين الإمام عليه السلام، ثمّ رموا سهمًا آخر ولكنّه انحنى أيضًا من جديد، فقالوا: ما شاء الله! ما شاء الله! فاستيقظ من نومه فقال: هذا مستواك فلا تقل عبثًا: يا ليتني كنت معكم فأفوز فوزًا عظيمًا،! فقد أريناك في عالم الرؤيا، وكان المنام جيّدًا، يقال إنّ الرؤيا الصادقة تكشف ما في الضمير، تكشف للنّاس ما في ضمائرهم. 

اشتراك الناس بالأعمال على حسب النوايا - و كيف يمكننا اللحوق بعاشوراء في زماننا؟

13
  • ما معنى: يا ليتني كنت معكم فأفوز فوزًا عظيمًا

  • وهنا نلتفت إلى أنّ ذلك العمل والكون في يوم عاشوراء ليس هو المهمّ، فلو كان الحضور بنفسه هو المهمّ فلن يكون لغير الحاضرين نصيب إذن، فليس الحضور بنفسه هو المهمّ إذن، المهمّ هو حضور القلب والنفس مع الإمام الحسين عليه السلام، والإمام الحسين ليس محصورًا في يوم تاسوعاء ويوم النصف من شعبان وقبل ۱٤۰۰ سنة و۱۰۰ سنة، الإمام الحسين موجود دائمًا، سيّد الشهداء موجود دائمًا له حضور وله حياة وحياته الظاهريّة حتّى حضوره وحياته الظاهريّة هي في حياة ابنه بقيّة الله. 

  • فإذن علينا أن لا نقول الآن يا ليتني كنت معكم فأفوز فوزًا عظيمًا۱، فالإمام الحسين عليه السلام يقول: أنا الآن موجود، وهذا ابني، هذا المهديّ، هذا المهديّ الموعود، إنّه ابني إنّه نفسي نفسي، لا يختلف عنّي قيد أنملة، فقط أنا أب وهو ابن ولا يختلف الأمر أبدًا، كلامه كلامي، سلوكه سلوكي، وأمره أمري ونهيه نهيي، وليس بيني وبينه أي اختلاف في الإمامة، فهذا ابني موجود الآن فإن لم يكن الإمام الحسين موجودًا أليس إمام الزمان موجودًا؟! إنّه موجود، وإمام الزمان يقول الآن: لا تذهب بعيدًا فتقول: يا ليتني كنت معكم فأفوز فوزًا عظيمًا. فما معنى هذا فأنا حيّ حاضر وموجود هنا، فتفضّل لأرى ما هو مقدار قوّتك؟ ألست أنا حيًّا؟! ألست أنت تقول إنّي حيّ؟! ألست أنت تقول إنّي أرى؟! إنّا غير ناسين لذكركم ولا مهملين لمراعاتكم٢ وأمثال ذلك ممّا جاء عن الإمام وأنّكم جميعًا بمرأى منّي ومنظر، جميعكم، ألست تقول ذلك بنفسك؟ أنت إذ تدّعي اتّباعي لماذا تكذب؟! أنت إذ تقول يا ليتني كنت… واللهم عجّل لوليّك… وأمثال هذا الكلام فلماذا تقول باطلاً؟! ألست أنا حيًّا؟! ألست أسمع كذبك الآن؟! إن قلت إنّي لا أسمع فلا شيء ففي النهاية اختلفت الطرق وانفصلت، ولكنّك إذ تقول إنّي أسمع فلماذا تكذب عليّ أنا إمام الزمان؟! أنت تكذب عليّ أنا وهذا أعظم الكذب أن يكذب الإنسان على إمامه لا على حسن وحسين والجيران والأقارب وأمثالهم، أن يكذب الإنسان على إمام زمانه، أن ينافق على إمام زمانه، فأنا إمام الزمان الآن إن كنت حاضرًا غير غائب ماذا كنت أصنع في هذه الحادثة؟ ركّز جيّدًا وافتح أذنيك ولا تدسّ رأسك في الرمال، افتح هاتين الأذنين! لو كنت أنا إمام الزمان هنا فهل كنت سأفعل ما تفعله أنت الآن هنا؟ لو فعلتُ فعلك هذا لما كنت ابن النبيّ! فكيف نقول بعد ذلك: يا ليتني كنت معكم فأفوز فوزًا عظيمًا؟! تفضّل فأنت موجود الآن معنا ولا حاجة إلى عاشوراء ولا حاجة إلى التفكير بـ ۱٤۰۰ سنة خلت، لا حاجة إلى شيء من ذلك، الآن إمام الزمان حيّ حاضر وانتهى الأمر، حيّ حاضر، نحن بأنفسنا نقول ذلك، نحن نعتقد ذلك، نحن نعتقد أنّ الإمام حيّ وحاضر ومشرف علينا ويرانا، يرانا. ثمّ بعد ذلك نفعل ما يحلو لنا ممّا لا يفعله أيّ فاسق ثمّ نعد أنفسنا أتباع إمام الزمان عليه السلام! نعم نحن شيعة إمام الزمان وندعو لظهوره ونعدّ لظهوره، أفهل الطريق ترابيّ لتعدّه لظهوره؟! وا أسفاه على إمام الزمان الذي يحتاج إليّ وإلى أمثالي لنعدّ لظهوره وأمثال هذا الكلام، كلاّ بل هناك أناس آخرون يأتون ويعدّون، لا أنا ولا أمثالي.

    1. اقتباس من الآية الشريفة ۷٣ من سورة البقرة.
    2.  بحار الأنوار ج ٥٣، ص ۱۷٥.

اشتراك الناس بالأعمال على حسب النوايا - و كيف يمكننا اللحوق بعاشوراء في زماننا؟

14
  • أين تكمن حقيقة المشاركة في كربلاء مع الإمام أو ضدّه ولماذا لعن الإمام بني أمية قاطبة؟

  • والحاصل أنّه ماذا عن حادثة كربلاء؟ ماذا عنها؟ هل الطاعة هي عين ذهاب أولئك وفداؤهم للإمام الحسين عليه السلام والسير في طريق الإمام الحسين عليه السلام؟!

  • لو كان الأمر كذلك فينبغي أن لا يقول جابر إنّي معكم؛ لأنّ جابرًا لم يفعل ذلك.

  • وهل الذنب هو مجيء هؤلاء وارتكابهم تلك الجريمة التاريخيّة وقيامهم بتلك الفاجعة من جيش يزيد وعمر بن سعد وشمر وسنان وعبيد الله وأمثالهم؟ هل الذنب هو عين عمل هؤلاء؟ 

  • لو كان الأمر كذلك فيجب أن لا يكون اللاحقون بهم شركاء معهم في ذلك الظلم، فلماذا قال الإمام السجّاد عليه السلام: «اللهمّ العن بني أميّة قاطبة»۱ لأنّهم رضوا بفعال آبائهم. فبنوا أميّة الذين جاؤوا بعد مائة عام ومائتي عام وبنو مروان الذين حكموا وبنو العبّاس الذين جاؤوا وجعلوا الناس يترحّمون على بني أميّة، جعلوا الناس يترحّمون عليهم بسبب جرائمهم التي كانت باسم الإسلام، الجرائم التي فاقت جرائم بني أميّة وبني مروان، فقد كانت جرائم بني العبّاس عجيبة، باسم الإسلام وباسم اتّباع شريعة النبيّ صلّى الله عليه وآله، نعم نحن أبناء عمّ النبيّ، ألم يكن هارون يقول: نحن أبناء عمّ النبيّ ونحن أولى بالخلافة منهم؟! لقد تربّعوا على عرش الخلافة بعنوان الثأثر لدماء ابن رسول الله واستولوا على الحكم، ثمّ بعد ذلك قطّعوا ابن رسول الله إربًا إربًا! فماذا فعل هارون؟! وماذا فعل المنصور؟! وماذا فعل المأمون؟! وماذا فعل المعتصم؟! وماذا فعل المتوكّل؟! ألم يكن بنو العبّاس هكذا؟! ألم يكونوا خلفاء رسول الله؟! ألم يكونوا أبناء عمّه؟! ألم يؤلّفوا حكومة إسلاميّة ويقولوا إنّ حكومتنا إسلاميّة؟! ألم يكونوا يخطبون خطبة الجمعة ويصلّون صلاة الجمعة؟! يقول الشاعر: والله ما فعلت أمية فيهم معشار ما فعلت بنو العباس. 

  • فهكذا كان بنو العبّاس، هم أبناء عمّ النبيّ وكانوا يعتمّون بالعمائم، عمائم خضر أو صفر، فنحن أبناء عمّ رسول الله، وقد اعتمّ المأمون بعمامة سوداء، ومن زمانه صارت العمامة السوداء شائعة، فصار الأمر رائعًا جدًّا! فسماحة حجّة الإسلام المأمون العبّاسي قدّس الله سرّه سيخطب، وسماحة حجّة الإسلام هارون الرشيد وآية الله المنصور الدوانيقي!! وكان لهؤلاء مجالسهم وهم يعتمرون العمائم! ألم تروا صورهم؟! صورهم المرسومة؟! فقد كانت لهم عباءات وكانوا أكثر أناقة وترتيبًا منّا، يا له من منظر عظيم! فجاء الناس ونظروا: ما شاء الله المنصور الدوانيقي آية الله جالس هناك ويقول: أنا ابن عمّ النبيّ أيضًا، أنا ابن عمّ النبيّ أيضًا، وقد جئت وجلست. ولكن انظر ماذا في الحقيقة! ماذا يجري في قلبه النحس والفاسد والظلمانيّ؟! يأتي ويستدعي الإمام الصادق عليه السلام ويدسّ له السمّ ولا يرفّ له جفن، يقتل ابن رسول الله، يأتي هارون ويعذّب موسى بن جعفر سنوات في السجون ولا يأبه لهذا العجوز ابن رسول الله إمام الشيعة. وما هو ذنبه؟! ماذا ارتكب موسى بن جعفر هذا سوى أنّه لا يرضى بك؟! فليكن لا يرضى بك أفهل يجب أن تعذّب كلّ من لا يرضى بك وتلقي به في السجن؟! ألهذا صرت خليفة وطلبت بدماء آل رسول الله؟ جئت وقاتلت بني مروان وسقت آلاف الناس إلى القتل لكي تصل أنت إلى السلطة والخلافة فإذا انتهيت إليها أتيت بابن ذاك النبيّ من المدينة وألقيت به في السجن؟! ومن هذا السجن إلى ذاك ثمّ إلى سجن بغداد وما جرى مع السندي بن شاهك، ثمّ انتهى الأمر إلى أن يدعو الإمام موسى بن جعفر عليه السلام إثر التعذيبات التي ذاقها في السجن على يد شرطة حكومة بني العبّاس الإسلاميّة قائلاً: اللهمّ عجّل فرجي في مماتي اللهمّ عجّل فرجي في مماتي٢. فإلى أين كان قد وصل هذا الإمام، وأيّة حالة يواجه حتّى صار يقول الحمد لله الذي فرّغني لعبادته٣ فقد وجدت مكانًا هادئًا بعيدًا عن الضوضاء والناس والأزمات أدعو فيه وأشتغل بنفسي. سأل هارون السجّان عنه فقال: إنّه لا عمل له إلا السجود يصبح فيسجد حتّى الظهر، ثمّ يسجد حتّى الغروب، هذا عمله هذا عمله. فقال: لا أصدّق. فقال: تعال وانظر بنفسك. جاء فنظر من أعلى النافذة فقال لا أرى شيئًا. فقال له: إذا بقي إنسان لسنوات طويلة في السجن فإنّه يصبح جلدًا على عظم، أترى تلك العباءة الملقاة على الأرض؟! إنّها موسى بن جعفر عليه السلام. هذا ورجلاه مقيّدتان بالأغلال والزناجير، ومع ذلك كان الإمام يقول: أنا راض بذلك. فقال: لا يمكن هكذا، هذا السجن يمرّ عليه بشكل جيّد.

    1. كامل الزيارات ص ۱۷٦ في زيارة عاشوراء المرويّة عن الإمام الباقر: «وَلَعَنَ اللهُ بَني اُمَيَّةَ قاطِبَةً».
    2. عيون أخبار الرضا عليه السلام، ج‌۱، ص: ٩٣-٩٤: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ مَاجِيلَوَيْهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِنَا يَقُولُ‌ لَمَّا حَبَسَ الرَّشِيدُ مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ ع جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ فَخَافَ نَاحِيَةَ هَارُونَ أَنْ يَقْتُلَهُ فَجَدَّدَ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ ع طَهُورَهُ‌ فَاسْتَقْبَلَ بِوَجْهِهِ الْقِبْلَةَ وَ صَلَّى لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ ثُمَّ دَعَا بِهَذِهِ الدَّعَوَاتِ فَقَالَ «يَا سَيِّدِي نَجِّنِي‌ مِنْ‌ حَبْسِ‌ هَارُونَ‌ وَ خَلِّصْنِي مِنْ يَدِهِ يَا مُخَلِّصَ الشَّجَرِ مِنْ بَيْنِ رَمْلٍ وَ طِينٍ‌ وَ يَا مُخَلِّصَ اللَّبَنِ‌ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَ دَمٍ‌ وَ يَا مُخَلِّصَ الْوَلَدِ مِنْ بَيْنِ مَشِيمَةٍ وَ رَحِمٍ‌ وَ يَا مُخَلِّصَ النَّارِ مِنَ الْحَدِيدِ وَ الْحَجَرِ وَ يَا مُخَلِّصَ الرُّوحِ مِنْ بَيْنِ الْأَحْشَاءِ وَ الْأَمْعَاءِ خَلِّصْنِي مِنْ يَدِ هَارُون»‌.
    3. الإرشاد ٢: ٢٤٠، الفصول المهمة: ٢٢٠: «اللهم إنّك تعلم أنّي كنت أسألك أن تفرغني لعبادتك ، اللهم وقد فعلت، فلك الحمد»

اشتراك الناس بالأعمال على حسب النوايا - و كيف يمكننا اللحوق بعاشوراء في زماننا؟

15
  • كيفيّة تحوّل نفس هارون الرشيد

  • فكم يمكن لهذه النفس البشريّة أن تكون قاسية! فأنت لم تكن هكذا يا هارون، لم تكن على هذه الحالة من القسوة، ولكن يا للعجب، فهذه الحالة تحصل شيئًا فشيئًا لا دفعة واحدة، وقد قيل في البداية يسرق السارق بيضة ثمّ دجاجة ثمّ إلى أين ينتهي؟ يسرق جملاً، شيئًا فشيئًا فلو قيل له في شبابه اسجن موسى بن جعفر عليه السلام لقال: لو قطعتم رأسي لا أفعل مثل ذلك، لا ألقيه في السجن، ولكنّا نرى الآن أنّه ليس كذلك، يصل إلى السلطة، يتعلّق بها شيئًا فشيئًا، يتعلّق بالحكومة والأمر والنهي، يرفع من يريد وينزل من يريد، فإذا تعلّق بذلك جيّدًا وجاء الجنود وقدّموا عرضًا عسكريًّا، وجاؤوا إليه وقالوا له: نحن بأمر الخليفة مهما أمر سمعًا وطاعة، من هؤلاء الأوباش الذين يحيطون بالإنسان وهم فاسدون فاسقون فجرة باعوا دينهم رغبة بدنياهم، فيأتون ويتملّقون ويرفعون الإنسان إلى الأعلى مثل البالون الذي يطيّر في الهواء وفجأة ينفجر في الأعلى! فمن هم هؤلاء؟ يأتون شيئًا فشيئًا ويفسدون حالة الإنسان، ويبدّلون له تلك الحالة التي كان عليها قبل عشرين عامًا عندما وصل إلى الخلافة، فليس الأمر بيوم واحد، يقتلون إنسانًا ويقولون: لقد خالفك فلان فاقطع رأسه. لقد خالف فلا بأس لماذا تريدون أن تقتلوه؟! بأيّ حقّ تريد قتل من خالفك؟ هل زنا؟! هل ارتكب ذنبًا؟! هل قتل نفسًا حتّى تقتله؟! خالفك فليخالفك فهل أنت نبيّ؟! هل أنت نبيّ يا هارون؟! هل أنت جبرائيل؟ هل نزل عليك الوحي؟! حسنًا جلست على عرش السلطة فلتجلس ولكن لماذا تقتل من خالفك؟! على أيّ أساس؟! يقتل يقتل يقتل وشيئًا فشيئًا يصل الدور إلى موسى بن جعفر عليه السلام. تتهيّأ هذه النفس ثمّ ماذا بعد ذلك؟ الحمد لله لدينا فقهاء، لدينا أبو حنيفة ويحيى بن أكثم وأمثالهما فيأتون ويقولون لي: حقّك، يجب أن تفعل ذلك! لا بدّ من حفظ الخلافة الإسلاميّة! من يخالف ويشقّ عصا المسلمين ويسبّب تفريق جمع المسلمين ويحملون عليك أمثال هذا الكلام، وأثقالك ليست يسيرة، فيضيفون عليها، وهذه النفس التي هي بنفسها كانت مستعدّة للانحراف، يضيفون عليها حتّى تختمر بشكل جيّد وتشتدّ، حينها تقوى الأهواء وتصبح مستعدّة شيئًا فشيئًا، والآن لنذهب إلى الأساس، والأساس هو إمام الشيعة في المدينة، فلنذهب إلى موسى بن جعفر عليه السلام، فلنذهب إلى موسى بن جعفر عليه السلام فهو النواة الأساس، ماذا جرى حتّى وصل إلى هنا؟! إنّ موسى بن جعفر لا شأن له بك ولا عمل له معك، وموسى بن جعفر نفسه يقول لأصحابه لا تتكلّموا، وموسى بن جعفر هذا يقول لهشام بن الحكم: اصمت لا تتكلّم! وموسى بن جعفر هذا يقول للمعلّى بن خنيس: لا تهلك نفسك! ولكنّه لم يصغ! فجاؤوا وآذوه وآذوا الإمام أيضًا، ولكن مع ذلك كان الناس يأتون ويذهبون ويقولون: كلا يا عزيزي هذا لا يصنع شيئًا ولا خطر له، إنّه جالس في المدينة والناس يأتون ويذهبون وهو يبيّن لهم الأحكام. ولكنّ هارون يقول: أنا لا أحتمل أن أرى أحدًا في مقابلي وقد صار قطبًا والناس يطوفون حوله، أنا الخليفة العبّاسي، أنا حاكم الإسلام، وفي خلافتي العبّاسيّة لا يمكنني أن أرى إنسانًا أمامي. لا يمكنه أن يرى فيقبض على موسى بن جعفر عليه السلام ثمّ يقتله على تلك الحالة وبتلك الطريقة. كيف يمكن للإنسان أن يكون هكذا؟! كيف يمكن للإنسان أن يبلغ هذا المستوى ويقدم على عمل كهذا ويصدر عنه أمر كهذا؟! 

اشتراك الناس بالأعمال على حسب النوايا - و كيف يمكننا اللحوق بعاشوراء في زماننا؟

16
  • نتيجة بحث النيّة 

  • فإذن هؤلاء الذين كانوا في كربلاء لم يكن ذنبهم ذات ذلك العمل الذي قاموا به يوم عاشوراء، الذنب هو نيّتهم حين جاؤوا بتلك النيّة ووقفوا أمام الحقّ وواجهوا إمام زمانهم، فتلك النيّة هي الذنب، وتلك النيّة متحقّقة أيضًا بعد عاشوراء!! فلو كان ذلك العمل هو الذنب فالذين يأتون بعد عاشوراء هم بريئون رغم أنّهم مخالفون للإمام الحسين عليه السلام، ورغم أنّهم مخالفون للطريق، ورغم أنّهم مخالفون للنبيّ، بمجرّد أنّهم لم يكونوا في عاشوراء فهم أبرياء ولا مشكلة لديهم أبدًا. والحال أنّ الإمام عليه السلام يقول: اللهمّ العنهم جميعًا! العن جميع الذين كانوا والذين سيكونون ويسيرون على هذا الطريق.

  • فإذن اتّضحت بشكل كامل هذه النقطة وهي أنّ العمل في حدّ نفسه ليس معيارًا في كون العمل طاعة أو ذنبًا، ذلك العمل الذي يتحقّق في الخارج. فما هو الذنب إذن؟ الذنب هو تلك الحالة التي يريد الإنسان أن يقوم بالعمل بواسطتها، سواء قام بالعمل كأن يوفّق الإنسان أن يقوم بطاعة معيّنة أو معصية معيّنة، فهذا العمل تحقّق في الخارج، فهذه الحالة أحيانًا لا تتمكّن من تحقيق العمل في الخارج، فلو تحقّقت لفسد كلّ شيء… .

  • أتذكرون قبل مدّة ذكرت في أحد مجالس عنوان البصري أنّه بعد الحرب العالميّة الثانية طالب الناس في سويسرا ـ التي هي مهد الديموقراطيّة والحريّة والثقافة والتي هي مضرب المثل لجميع الدول والشعوب في رعاية شعبها للقوانين، وقد كانت كذلك قديمًا، ولكن هل عمل هؤلاء هو على أساس وجدانهم أو على أساس القانون؟! إنّه على أساس القانون وقد اعتادوا أن يفعلوا ذلك، وهم يعلمون أنّ هناك قانون فوقهم ويلاحقهم، فهذا القانون يلاحقهم ـ طالب الناس برفع القانون وقالوا القانون يخالف الحريّة، وجميع الناس أحرار ولهم عقول وإدراك، فجاؤوا أمام البرلمان في جنيف وقاموا بمظاهرات، فقالوا لهم: حسنًا نحن نرفع القانون، وكلّ إنسان يعمل بدافع من نفسه فيقف عند الإشارة الحمراء، وكلّ إنسان إذا حصلت له مشكلة مع جاره هو بنفسه لا يعتدي عليه، وكلّ إنسان يقوم بحقوقه الاجتماعيّة، وفي تلك المدّة التي رفع فيها القانون فسدت الدولة، ووصل الأمر أنّ الجيش نزل إلى الشارع فلم يعد يتأتّى من الشرطة وأمثالها ضبط الأمن فنزل الجيش إلى الشوارع بقوّاته المدرّعة ليخمد الاضطراب، والله يعلم ماذا حصل حينها، وأنتم بأنفسكم تعلمون.

اشتراك الناس بالأعمال على حسب النوايا - و كيف يمكننا اللحوق بعاشوراء في زماننا؟

17
  • فالإنسان الذي ينوي ذلك ولكن إذا أزيل ضغط القانون من أمامه فعل ما يحلو له هل يثيبه الله على عمله؟! كلاّ فأين هي الطاعة؟ بل هذا الإنسان هو في حال معصية، فمن كان بهذه النيّة فهو في كلّ آن وفي كلّ ساعة في حالة معصية، تمامًا مثل من توفّرت له الظروف فقام بكلّ ما ينوي، لا يختلف عنه أبدًا، فلو أنّه صارت الحكومة يومًا ما في هذه الدنيا على أساس النوايا لا أساس الظاهر… أمّا الآن فليس في الدنيا من له علم الغيب فهم مجبورون أن تكون المحاكمات على أساس الأعمال فمن تخلّف عن القانون لاحقوه ومن لم يتخلّف لم يلاحقوه، بل يلاحقونه أحيانًا! فلو كان هناك جهاز يبيّن نوايا الناس والدولة تسنّ قانونًا أيضًا على النيّة فإن كانت نيّتك المخالفة حاكمناك، وإن كانت نيّتك الاعتداء حاكمناك، وإن كانت نيّتك السرقة حاكمناك، ولا شأن لنا بالعمل الخارجيّ بل بالنيّة، لو كان الأمر هكذا لامتلأت جادّة قم إلى تبريز صفًّا واحدًا للمحاكمة، وعلى الجميع أن يحاكموا فردًا فردًا ويحاسبوا، ولكنّ الله هنا قد ستر علينا في الوقت الحالي وعاملنا بعفوه وستره.

  • أو لو فرضنا أنّ الله جعل على جبين كلّ منّا صفحة ساعة مثل شاشة التلفاز، ما إن ننوي المعصية يظهر رقم واحد، فإذا وصل الإنسان إلى رفيقه عند الظهر رأى على جبينه رقم ٦٦، فمن الصباح حتّى الآن ما شاء الله أراد أن يعصي ستًّا وستّين مرّة، إمّا أن يقفز من أعلى الجدار وإمّا أن يهبط على جاره أو لا أدري ماذا يفعل. وذاك الآخر يكون قد كتب على ساعته ۱٥٤ وذاك مثلاً يصل إلى ۱۷٦۸ كلّ بحسب نواياه، وهذه الساعة تسجّل. وهذان الملكان المقيمان هنا يسجّلان ويسجّلان، ولكن حتّى الآن لم يجعل الله لنا ساعة كهذه، وبدلاً من تلك الساعة هؤلاء الملكان الآن يسجّلان: ثواب، عقاب، ثواب، عقاب، ذنب طاعة، يكتبان على الدوام. 

  • فإذن أعتقد أنّه اتّضح جيّدًا للرفقاء والأصدقاء أنّ الذنب ليس عبارة عن ذلك العمل الذي نقوم به، والطاعة ليست عبارة عن العمل الذي نقوم به، بل إن كانت حالتنا تجاه ذلك العمل الذي نريد القيام به حالة خير فتلك الحالة هي الطاعة، وفي النتيجة فإنّ ذلك العمل الخارجيّ يصبح طاعة؛ وإن كانت تلك الحالة التي في النفس حالة شرّ سمّيت تلك الحالة معصية وذنبًا، وبمقتضى العليّة حيث إنّ العمل الخارجيّ مسبّب عن تلك الحالة ومعلول لها يسمّى الفعل الخارجيّ الحاصل بواسطة تلك الحالة ذنبًا أيضًا، وإلا فإنّ العمل الخارجيّ لا هو معصية ولا طاعة، لا شيء منهما، بل هو عمل مثل سائر الأعمال و «إنّما الأعمال بالنيّات»۱. ولذلك لدينا أنّ الله تعالى رفع قلم التكليف عن عدد من الطوائف، سنتحدّث عنها في الجلسات القادمة.

    1. مسائل علي بن جعفر و مستدركاتها، ص: ٣٤٦‌ بحار الأنوار، ج٦۷ ، ص٢۱۱.