المؤلّفالعلامة آیة الله السيد محمد الحسين الحسيني الطهراني
المجموعةمباني الأخلاق
التوضيح
أهم محتويات المحاضرة:
- معنى الحجّ الأكبر؛
- شرح خطبة رسول الله في عيد الأضحى في مسجد الخيف؛
- ضرورت تبليغ كلمات النبيّ للآخرين؛
- ثلاثة وصايا وأمور صالحة من النبيّ لا توجب الكدورة في القلب؛
- إخلاص العمل لله؛
- أهميّة إخلاص النيّة عند تقديم المشورة للأفراد؛
- معنى الإخلاص؛
- ضرورة طلب الخير للقادة ولمتولّي حكومة المسلمين؛
- ضرورة البقاء مع جماعة المسلمين.
هو العليم
شرح خطبة رسول الله في عيد الأضحى
خطبة عيد الأضحى السعيد
مباني الأخلاق – المجلّس الثاني والعشرون
محاضرات ألقاها
سماحة العلّامة آية الله الحاجّ السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
قدس الله سره
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلّى الله على أشرفِ السُّفراء المُكرَّمين
خاتَمِ الأنبياء والمرسلين، حَبيبِ إلٰه العالمين
أبي القاسم محمّدٍ وعلى آله الطّيبين الطّاهرينَ
ولعنةُ اللَه على أعدائِهم أجمعينَ من الآنَ إلى يومِ الدّين
معنى الحجّ الأكبر
إنَّ يوم عيد الأضحى هو يوم ظهور الحجّ: یوم الحجّ الأکبر، يقول البعض: «الحجّ الأكبر هو ذلك الحجّ الذي يجتمع فيه يوم الجمعة مع عيد الأضحى»، وهذا الكلام شائع بين العوام. في عبارة «یوم الحجّ الأکبر» كلمة «أكبر» صفةٌ ليومٍ لا للحجّ؛ يعني: أكبر أيّام الحجّ هو يوم عيد الأضحى؛ لأنَّ ﴿أَيَّامٖ مَّعۡدُودَٰتٖ﴾۱ و ﴿أَيَّامٖ مَّعۡلُومَٰتٍ﴾،٢ هي اليومين أو الثلاثة الباقية ليحلّ عيد الأضحى وقبل أيّام التشريق، وهي تشكّل مجموع أيّام الحجّ. وأفضل يومٍ من جميع هذه الأيام، هو یوم الزّینة ویوم التَّروِیَة ویوم عرفة ویوم النفْر الأوّل ویوم النفْر الثّانی ونفس عيد الأضحى، لذلك هو اليوم الأكبر.٣
﴿وَأَذَٰنٞ مِّنَ ٱللَهِ وَرَسُولِهِۦٓ إِلَى ٱلنَّاسِ يَوۡمَ ٱلۡحَجِّ ٱلۡأَكۡبَرِ﴾؛٤ يعني: إنَّ هذا الإعلان وهذا الأذان من الله ورسول الله للمشركين في أكبر أيّام الحجّ! وهو يوم عيد الأضحى.
لقد نزلت هذه الآية في سورة براءة، وكان أمير المؤمنين هو الحامل لهذه الرسالة كي يقرأها على المشركين، وقد قرأ هذا الإعلان في جمرة العقبة في يوم عيد الأضحى على المشركين.٥ بناءً على ذلك ﴿يَوۡمَ ٱلۡحَجِّ ٱلۡأَكۡبَرِ﴾ هو عيد الأضحى.
نعم، هناك اصطلاح باسم «الحجّ الأكبر» وهو يُطلق على الحجّ مقابل العمرة، ويُطلق على العمرة الحجّ الأصغر؛ ويطلق على الحجّ بخصوصه على نحو الإطلاق الحجّ الأكبر، وبالطبع يطلق ذلك بشكلٍ نادرٍ وقليلٍ.
شرح خطبة رسول الله في عيد الأضحى في مسجد الخيف
لقد خطب رسول الله خطبةً في مكّة، كما خطب خطبةً في عرفات، وخطب ثلاثة خطب في منى. وكان يوم عيد الأضحى عندما حضر النبيّ إلى مسجد الخيف بعد رمي الجمرة وكان النّاس هناك، فخطب بهم وهي خطبةٌ غرّاء وفيها تفاصيل مميزة، وقد ابتدأها بهذه الكلمات:
ضرورت تبليغ كلمات النبيّ للآخرين
«نَصَر اللهُ عبدًا سَمِع مَقالَتي فوَعاها [أي: عبدًا أنصت إلى كلماتي جيّدًا، وفهمها جيّدًا، وحفظها جيدًا] وبلَّغها إلى مَن لم يَسمَعها».
أو: «إلیٰ مَن لم یَبلغها»؛ وإلى من لم تصله هذه الكلمات.
أو: «نضّر الله عبدًا»؛ أي: حفظ الله العبد الذي أصغى إلى كلماتي جيدًا، وجعلته حيًا ونضرًا وحيويًا ومبتهجًا، و... .
أو: «نضّر الله وجه عبدٍ»؛۱ أي: حفظ الله وجه وسحنة العبد الذي أصغى إلى كلماتي جيدًا، وجعله حيًا ونضرًا وحيويًا ومبتهجًا، و... .
وهذا الموضوع بالغ الأهميّة! فقد دعا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لهؤلاء العباد الذين أنصتوا وحفظوا وبلغوا. أمّا بالنسبة لعملهم وفوائد هذه المواضيع التي حصّلوها لأنفسهم فهي محفوظةٌ في مكانها؛ ولكن من ناحية حفظها وإبلاغها «إلیٰ من لم یبلُغْها»؛ فهذه المسائل ينبغي إيصالها لمن هم غير موجودين هناك، وإلى الذين لم تصلهم؛ فإنَّ «أبلَغَ، یُبلِغُ، إبلاغًا» و«بلَّغ، یُبلِّغُ، تبليغًا» لها معنى واحدٌ.
لماذا يجب أن نوصل هذه المسائل إلى الآخرين؟
«فرُبَّ حاملِ فقهٍ غیرِ فقیهٍ»، و «رُبَّ حاملِ فقهٍ إلیٰ من هو أفقهُ منه»؛٢ يعني: كم من الممكن أن يكون هناك أفراد أوصلوا هذه الكلمات إلى غيرهم، إلّا أنّهم لم يفهموها ولا يمتلكون سعة الفهم أيضًا، ولكن إذا أوصلوها للآخرين، فإنَّ هذا العلم لن يضيع ولن تزول؛ لأنَّه وصل إلى الآخرين. فمن باب المثال: لو أنّ جميع هذا الحشد الحاضر في الخطبة، لم يُدركوا هذه الكلمات، ولكنّهم تعلّموها جيّدًا وأخبروا البقيّة أنَّ رسول الله قال: كذا وكذا، فمن الممكن أن يكون هناك الكثير من الأفراد الذين يفهمون كلامه، إذن بالنتيجة لن يضيع أصل هذا الكلام أو يزول.
«فرُبَّ حاملِ فقهٍ غیر فقیه»؛ يعني: هو لم يفهم، ولكنّ أوصل الفقه.
«ورُبِّ حاملِ فقهٍ إلیٰ مَن هو أفقَه منه»؛ يعني: ربّما يكون هناك الكثير من حاملي الفقه يفهمون ذلك الفقه وذلك العلم وتلك الأفكار، ولكنّهم يُوصلونها إلى أفراد أفضل منهم، وأفقه منهم، وذواتهم أفضل، وسعتهم أكبر، ويدركون المسائل بنحوٍ أفضل.
لذلك من حيث المجموع، لا مفرّ من وجوب إيصال هذه الكلمات، سوءاً أكان حامل الفقه ليس فقيهًا، أم كان الحامل قد حمله لمن هو أفقه منه؛ فعلى كلّ حال على الجميع إيصال هذه الكلمات، وهذا الدعاء يُسدّدهم من خلف ظهورهم «نضّر الله وجه عبدٍ!»؛ إلهي، اجعل وجه من قام بهذا الفعل، مشعّاً ومُنيرًا ومليئًا بالبهجة! وأنتم عليكم استقبالهم بوجهٍ بِشر كي يوصلوا هذا الكلام.
ثلاثة وصايا وأمور صالحة من النبيّ لا توجب الكدورة في القلب
«ثلاثٌ لا يَغِلُّ عليهنّ قلبُ امرئٍ مُسلمٍ: إخلاصُ العمل لِلّه والنّصيحةُ لِأئمّة المسلمين واللّزوم لجماعتهم؛ فإنّ دعوتَهم محيطةٌ مِن ورائهم».۱
يعني: هناك ثلاثة أعمال وثلاث خصال لا يترتّب علينا أيّ كدورةٍ في أيّ وقتٍ ولا يتعب قلب الرجل المسلم والمؤمن منها (وكما يُقال: لا يغطّي الغبار القلب بسببها)!
فهذه الأعمال هي أعمالٌ جيّدةٌ بحيث إنَّ كلّ من يقوم بها، ويذهب هذا العمل إلى قلبه، فإنَّ قلبه طاهر مئة بالمئة وسيبقى طاهرًا. فمن الممكن أن يقوم الإنسان بعملٍ وهذا العمل هو عمل خيرٍ وحسنٌ أيضًا، ولكن يبقى في الإنسان أثر من الشوائب، مثل الإعجاب بالنفس والرياء والأغراض (النفسيّة) التي تعود على الإنسان بالأخير، أو يقوم الإنسان ببعض الأعمال الحسنة ولكنّها تعود بالمآل إلى نفسه. أمّا هذه الأعمال الثلاث التي أوصى بها رسول الله فلا تترك أيّ أثرٍ سيّءٍ على قلب المؤمن؛ يعني: هذه الأعمال الثلاث هي أعمال طاهرة ومُطهّرة مئة بالمئة، والقلب الذي يعبر من هذه الأعمال الثلاث لا يتلوث أصلًا ويعبر منها طاهرًا صافيًا وبدون أدنى شائبة. قال: «قلبُ امرئٍ مسلمٍ»، وليس «قلب امرئٍ».
إخلاص العمل لله
الأوّل: «إخلاصُ العمل لِلّه»؛ يعني: أن يعمل الرجل المسلم عمله وفعله من أجل الله.
جملةٌ قصيرةٌ، ولكنّها مليئةٌ جدًا بالمعاني! يسعى أن يكون عمله لله، فلا يكون في نيّته وفكره أسبابٌ بحيث يعود الأمر إليه أو بالمآل يعود إليه أو إلى أحد المتعلّقين به أو لأسرته وعشيرته أو لوالده وأمّه أو لأقاربه وجيرانه.
أهميّة إخلاص النيّة عند تقديم المشورة للأفراد
مثلًا: من الممكن أن يستشير الإنسان أحدٌ في أمرٍ ما، وبالطبع على الإنسان أن يكون أمينًا حين تقديم المشورة؛ لأنّه إنّما يسأل عن حقيقة الأمر وواقعه، ويضع فكر هذا الإنسان بديلًا عن فكره في هذا العمل؛ وعند ذلك إذا لم يقل ما يرى به الصلاح له في ما بینه وبین الله ـ ولو من أجل مراعاة بعض المصالح ـ فهذا التصرّف خيانةٌ! فأحيانًا تكون المصالح المراعاة تتعلّق به نفسه، ولذا لا يستطيع أن يقول حقيقة الأمر له، حسنًا لا إشكال في ذلك؛ مثلًا: إذا شاوره شخصٌ، ولكن لم يكن بإمكانه أن يذكر له واقع الأمر؛ لأنَّ ذكره سيُضرّ بهذا المستشير. ولكن أحيانًا يحدّد الإنسان واقع الأمر ويصل إلى حاقّ الواقع، ويعلم أنَّ صلاحه في هذا الأمر، ولكن تدخل بعض النقاط التي ستعود بالمآل عليه هو أو على بعض المتعلّقين به، فتدخل هذه النقاط في صفاء وطهارة هذه المشورة بمقدارٍ ما، وفي النتيجة تختلط الفكرة التي قدّمها له مع غايةٍ صغيرةٍ حصلت في نيته، ثمّ يقول له من حيث المجموع: نعم، إنّي أرى صلاحك في أن تقوم بهذا الفعل. هذا الفعل خاطئ. لذلك يقولون:
«المستشارُ مؤتمَنٌ»؛۱ والأمين يجب أن لا يخون الأمانة.
على الإنسان إمّا أن يقول للطرف الآخر: يا سيّدي أنا لست مؤهلًا لهذا الأمر، ولا يمكنني أن أجيبك، وإمّا أن يقول: أنا أعرف ولكن لا أستطيع القول؛ أو إذا لم يستطع القول، قدّم عذرًا، كأن تقول مثلًا: راجع زيدًا في هذا الأمر، فربما يستطيع أن يخبرك بحقيقة الأمر.
ولكن إذا لم يخبره بحاقّ الأمر مراعاةً منه لبعض المصالح الشخصيّة، ولو أنّ المقدار الناقص الذي ذكره يعود بالنفع على السائل، ولكن بما أنَّ هذا السائل استأمنه من خلال الاستشارة وأعتقد أنَّه سيخبره بما ينفعه مئة بالمئة ـ لا بإخباره ببعض الحقيقة فقط ـ حينها ينكشف للإنسان الكثير من المسائل وأنَّ على الشخص المستشار حين المشورة أن يفترض نفسه في ما بينه وبين الله مكان ذلك الشخص الآخر ويرى ما هي المصلحة الحقيقيّة والواقعيّة له، ولو كان في ذلك إلحاقٌ للضرر به [أي: بالمستشار]. فهذا الأمر مثله مثل الشهادة.
﴿وَمَن يَكۡتُمۡهَا فَإِنَّهُۥٓ ءَاثِمٞ قَلۡبُهُۥ﴾؛٢ يعني: لا يحقّ للإنسان أن يكتم الشهادة ومن يكتمها فقد أثم قلبه.
معنى الإخلاص
قال: «إخلاصُ العمل لِلّه»؛ يعني: أن يكون عمل الإنسان لله فقط.
يعني: عندما يريد الإنسان أن يقوم بعملٍ، فعليه أن يبحث، مثلًا: مثلما أنّ الإنسان عندما يريد أن يتناول الطعام يتفحّصه ويتأكّد أنّ هذا الطعام ليس ملوثًا، أو أنّه لا يحتوي على أشواك، ولم يختلط به شيءٌ، أو أنّ هذه الفاكهة ليست فاسدةً وتالفةً أو أنّ هذا الماء طاهرٌ، قال تعالى: ﴿فَلۡيَنظُرِ ٱلۡإِنسَٰنُ إِلَىٰ طَعَامِهِۦٓ﴾؛٣ فالعمل الذي يقوم به الإنسان هو غذاءٌ للروح ويجب أن يكون طاهرًا، وطهارته في أن يكون نابعًا من الإخلاص، يعني: على الإنسان أن يسعى لأن يخلو العمل من أيّ شائبةٍ تعود عليه في نهاية المطاف. وعندما يكون العمل بهذا النحو، فهذا العمل لن يترك أيّ أثرٍ سيّءٍ في قلبه؛ لأنَّ الأثر السيء وسوء العمل ليس لهما أيّ معيار سوى النيّة وأن ينسب الإنسان العمل لنفسه والغفلة عن الله في هذه الدنيا، والقيام بالعمل من أجل غايةٍ غير الله. وهذا العمل السيّء سواءً كان في حدّ ذاته عملًا متميّزًا ومستحسنًا في الخارج أم لم يكن كذلك؛ فإنَّه على كلا الحالتين لا يترك القلب حرًا؛ بل يُلقي هذا العمل ستارًا على القلب وحجابًا، ويغطّي القلب بالغبار، وهذا العمل لا يُوصف بأنّه «لا یغلّ علیهنّ» بل يغلّ على قلب الإنسان وعلى سبيله.
ليس المراد من «العمل لوجه الله» أن لا يقوم الإنسان بعمل لابنه أو لزوجته أو لرفيقه أو لجاره ويقول: يجب أن يكون العمل فقط لله؛ بل المراد هو أنَّ هذا العمل الذي يقوم به لهم يجب أن يكون لله، وإلّا فإذا أراد الإنسان أن يقوم بعملٍ لله ويفصل الله عن باقي العوالم والكائنات، فلن يعون ذلك الله!
«العمل لوجه الله» يعني: ينبغي أن تكون جميع الأعمال التي يقوم بها الإنسان من ذهابٍ وإيابٍ، وكذا السلام وردّ السلام، وكذا الخطابات والصلوات وتلاوة السور والعزاء والتلاوات، وكذا التعليم والتعلّم لأولئك الأفراد المرتبطين به. ينبغي أن تكون من ناحية البصيرة الإلهيّة، وليس من جهة المنفعة الشخصيّة؛ يعني: يعمل لأجلهم ويرتبط بهم ويُحبّهم، ولكن يكون ذلك من خلال الوجهة الإلهيّة. فإذا استمرّ بذلك وقوّى ذلك على الدوام: أصبح لديه «إخلاصُ العمل لِلّه»، وسيصل إلى المقصود.
والسبب في أنّنا لا نصل دفعةً واحدةً، هو لأنّنا نخلط أعمالنا ونشرك الله بها؛ وأمّا ﴿أَلَا لِلَّهِ ٱلدِّينُ ٱلۡخَالِصُ﴾۱ فليس متحقّقٌ. ومعنى «أشرکوا»: هو أنّنا نضمّ الله إلى غير الله؛يعني: نعمل من حيث المجموع من أجل إدخال السرور إلى قلب زيد وعمروٍ معًا، فنقوم بالعمل من أجلهما كليهما، لا فقط من أجل إسعاد زيدٍ. علينا أن نعمل من أجل إسعاد صاحب البيت ومن أجل الله ولا نضمّ إلى ذلك شيئًا آخر.
ولا يظنّنَ الإنسان أنّ هذا الأمر صعبٌ، كلّا ليس كذلك! فلو كان صعبًا، لما كُلّف الإنسان به. نعم هو صعبٌ، ولكن من ناحيةٍ أخرى، وهي أنّ الإنسان يُريد أن يعتاد على ذلك أوّلًا؛ لأنَّ الذهن قد أنس به، فقد استأنس تلك الأهواء وألفها مدّةً من الزمن، وعندما يُريد أن يسحب يده منها، يصبح الأمر ثقيلًا عليه قليلًا. ولكن بعد أن يدخل في هذا الوادي يصبح الأمر عاديّاً بالنسبة إليه؛ وحينها تصبح كل معاملةٍ يقوم بها أو رأيٍ يُبديه أو عملٍ يُؤدّيه فإنّه يكون من ناحية إلهيّة؛ وستتبدّل محبّته له إلى تلك المحبّة الإلهيّة وسيتبدّل عمله إلى عملٍ إلهيٍّ. وهذا ما يُسمى: «إخلاص العمل».
ضرورة طلب الخير للقادة ولمتولّي حكومة المسلمين
الثاني: «و النّصيحةُ لأئمّة المسلمين»؛ يعني: على الإنسان أن يطلب الخير للأئمّة وأصحاب التدبير ومن بيدهم حكومة المسلمين، يطلب لهم الخير، ويجعل طلب الخير متاحًا بين أيديهم أيضًا.
ومثلًا: إذا رأى الإنسان أنَّ إمام المسلمين يُخطئ في مكان ما، فعليه أن يذهب ويهمسَ له في إذنه؛ أو مثلًا: إذا كان هناك جيشٌ يتحرّك وليس لإمام المسلمين أيّ إطلاعٍ على هذا الأمر، ويعلم الإنسان أنّ الجيش قادمٌ من الطرف الفلاني وإذا لم يطلع إمام المسلمين فلن يُجهّز نفسه، وعندها سيهلك وسيهلك المسلمون أيضًا، عندها يجب عليه أن يذهب وينبهه على ذلك؛ أو مثلًا كان هناك أفراد يقولون كلامًا سيئًا خلف إمام المسلمين وهذا الكلام يُسيء له، فلا بدّ من إيصال الأمر إليه أمّا إذا لم يكن هناك من ضررٍ فلا داعي، وهناك العديد من الأمثلة على ذلك. وخلاصة الأمر: عليه أن يطرح كلّ نصيحة تخطر في البال وكلّ قولٍ نابعٍ عن الفكر الصحيح والتفكير الطاهر، وأن يذكرها للإمام.
وأمّا السكوت والتنحّي والقول لا شأن لي؛ كي يبقى في راحةٍ وكي يحيا في طيف أفكاره ولا يكون هناك ضررٌ من الدخول في هذه المجالس والمحافل، فلا معنى لجميع هذه الأمور هنا؛ لأنّ الفرض هو أنَّه إمام المسلمين، ورسول الله يقول حين يكون للمسلمين حكومةٌ وقائدٌ بعنوان الحكومة الإسلاميّة، فعلى جميع المسلمين أن يطلبوا له الخير!
كطلب الخير الذي يطلبه الإنسان لابنه أو أخيه. فإذا مرض طفل الإنسان فإنّه يطلب له الخير، أو إذا كان أخو الإنسان في معرض السقوط فإنَّه يطلب له الخير؛ وهكذا ينبغي أن يكون المسلمون جميعًا بالنسبة إلى إمام المسلمين فيطلبون له الخير، ويجب أن يوصلوا له طلب الخير وأن يُبيّنوه ويَذكُرُوه. فأحيانًا إذا كان فيه أو في من تحت يده وفي ذلك القسم والجانب من حكومته، فعلى الإنسان أن يوصله ولا يجتنب النصيحة بما يعتقد أنّه الصلاح فيما بينه وبين الله.
إذن هذا أيضًا ممّا «لا یغِلُّ علیهنّ»؛ لأنّه عندما يطلب الإنسان الخير لغيره، فهو لا يُريد شيئًا لنفسه، فهذه النصيحة ليست لنفسه بل هي للغير. وكثيرًا ما ينبغي عليه أن يطوي طريقًا صعبًا لإيصال هذه المصلحة وهذه النصيحة حتّى يُوصلها له، وهذه الصعوبة غير مرغوبةٍ للنفس، وبالتالي تؤدّي إلى تزكية قلبه؛ لأنّ هذا العمل كان لله أيضًا.
فالنّصيحةُ لأئمّة المسلمين مِن حيثُ إنّه إمامُ المسلمين ومِن حيثُ إنّ هذه النّصيحةَ نصيحةٌ لإمام المسلمين، نصيحةٌ لِلّه! وبالتالي فهذه النصيحة تندرج في هذا الطريق، وتندرج في العمل الذي يقوم به الإنسان ولا يبقى في قلبه غلٌّ منه؛ ويُصبح طاهرًا بعد ذلك.
ضرورة البقاء مع جماعة المسلمين
[الثالث: «و اللُّزومُ لِجَماعَتهم»؛ الأمر الثالث هو أنّه على الإنسان أن يكون مع جماعة المسلمين!
فلا ينعزل ولا يسير وحيدًا، وينبغي أن لا يعيش بمفرده! يجب أن يكون في الاجتماعات الإسلاميّة، ولا يقول: «لا فائدة في ذلك!» بل لوجوده بينهم فائدةٌ. فإذا بيّن معنى آيةٍ أو قام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو قام بالتوجيه أو دلّ على الخير ولو لمرّةٍ واحدةٍ، كان وجوده بينهم حجّةً وكان مؤثّرًا.
اللهمّ صلِّ على محمّد وآل محمّد.