73

تقييد تدخّل المرأة في الشؤون الاجتماعيّة

علل وأسباب

8157
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمعنوان البصري

المجموعةالتدبير والأسرة


التوضيح

في هذه المحاضرة التي عقدها آية الله الحاجّ السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ رضوان الله تعالى عليه لإكمال حديثه عن الحقوق المتبادلة بين الرجل والمرأة، تحدّث سماحتُه عن مسألة تدخّل المرأة في الأمور الاجتماعيّة، من خلال استعراضه لدور عائشة في حرب الجمل، ثمّ أشار إلى خروج المرأة وسقوطها في خطر التبرّج، وعرّج سماحته بعد ذلك على بعض المقولات الواردة في نهج البلاغة عن المرأة؛ نظير: «وأمّا عائشَةُ فَقَدْ أدْرَكَها ضَعْفُ رأي النِساء»؛ وكذلك «وإنْ شِئْتَ أنْ لا يعْرِفْنَ غَيرَكَ فَافْعَلْ»، و«إنّ النِّسَاءَ نَوَاقِصُ‏ العُقُولِ‏»؛ مشيرًا إلى أنّ مهمّة العالم تقتصر على بيان الحقائق الواردة في مثل هذه العبارات كما هي من دون التدخّل فيها تحقيقًا للمصلحة الشخصيّة، أو إرضاءً للغير.

/۱٩
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

تقييد تدخّل المرأة في الشؤون الاجتماعيّة - علل وأسباب

1
  •  

  •  

  • هو العليم 

  •  

  • تقييد تدخّل المرأة في الشؤون الاجتماعيّة 

  • علل وأسباب

  •  

  • شرح حديث عنوان البصريّ - المحاضرة ۷٣

  •  

  • ألقاها

  •  آية الله الحاجّ السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدس الله سره

  •  

  •  

تقييد تدخّل المرأة في الشؤون الاجتماعيّة - علل وأسباب

2
  •  

  •  

  • أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

  • بسم الله الرحمن الرحيم

  • وصلّى الله على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم محمّد وعلى آل بيته الطّاهرين

  • واللعنة على أعدائهم أجمعين

  •  

  •  

  • كان كلامنا وبحثنا يدور حول نحو العلاقة التي يجب أن تكون بين الأب والأبناء، وبالعكس؛ وكذلك بين الزوجة والزوج، وكيف ينبغي أن تكون طاعة المرأة لزوجها، وحول الحقوق التي يمتلكها الرجل على زوجته، وكذلك الحقوق التي للمرأة والزوجة على زوجها؛ كما تحدّثنا قليلاً أيضًا عن حقوق الرجل على أبنائه؛ لكن، بما أنّ مسألة العلاقة بين الزوجين وكيفيّة التعايش بينهما تتّسم بحساسيّة ودقّة خاصّة، فإنّه يتعيّن علينا التفصيل فيها أكثر؛ وإذا تمكّنا بحول الله تعالى وقوّته من تسليط الضوء على بعض الإبهامات التي تعتري هذه المسألة، فإنّ ذلك سيكون ـ باعتقادي ـ أمرًا مناسبًا وفي محلّه؛ فللأسف، توجد العديد من الآراء المطروحة في هذا المجال، لكن: 

  • هر كسى از ظّن خود شد يار من *** واز درون من نجست اسرار من۱
  • تدخّل المرأة في الأمور الاجتماعيّة ودور عائشة في حرب الجمل

  • فمن خلال الرجوع للعبارات المنقولة في النصوص الدينيّة عن الأئمّة عليهم السلام، وحتّى في القرآن الكريم، قد يبدو هذا الموضوع بشكل مبهم ومجمل قليلاً، بل ومثير للشبهات إلى حدّ ما؛ ممّا يُفضي إلى إثارة مجموعة من التساؤلات، وتوقّع تقديم إجابات مناسبة لها، حيث إنّ معظم هذه الأسئلة ترتبط بالكلمات الواردة عن أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة بخصوص دور المرأة في دائرة الأمور الاجتماعيّة، وقدرتها على الحكم وإبداء الرأي في الحوادث الواقعة؛ ولدينا عدّة موارد من كلام أمير المؤمنين في نهج البلاغة تحدّث فيها عليه السلام عن هذا الموضوع؛ ومن بينها ما حصل بعد واقعة الجمل حينما أثارت عائشة ـ بمساعدة طلحة والزبير ـ الأمّة الإسلاميّة للقيام ضدّ أمير المؤمنين، وحرّضت على محاربته وقتله عليه السلام بواسطة الرسائل التي وزّعتها هنا وهناك، متذرّعة فيها بأنّها زوجة رسول الله؛ أي أمّ جميع المؤمنين.

  • فأوّل فتنة في الإسلام بعد عودة الخلافة إلى محلّها الأصليّ واستقرارها في مكانها الحقيقيّ انطلقت من داخل بيت رسول الله؛ أي من زوجة رسول الله الذي يُعدّ أقرب إنسان إلى أمير المؤمنين عليه السلام؛ فأن تبدأ الفتنة ضدّ أمير المؤمنين من زوجة هكذا شخصيّة هي مسألة بالغة الأهمّية، ومكتنفة بالعديد من الأسرار، حيث بعثت برسائل إلى هنا وهناك؛ والمثير للانتباه أنّها كانت في معارضتها لعثمان من أعدى أعدائه، وذلك بسبب بعض المسائل الاقتصاديّة والمعيشيّة؛ لأنّ عثمان أنقص سهمها من بيت المال عن المقدار الذي حددّه له كلّ من عمر وأبي بكر؛ فصار بذلك كافرًا عندها؛ ويبدو أنّ التكفير والارتداد اللذين راجا هذه الأيّام كثيرًا كان في الماضي أيضًا! فكانت تقول: «اقْتُلُوا نَعثَلاً فَقَد كَفَر»؛ لماذا صار كافرًا؟ لأنّه أنقص من سهمها! فانظروا هنا كيف وضعتها هذه العبارات التي نطقت بها في مكانتها الحقيقيّة! فلأنّه أنقص من سهمها من بيت المال، فقد أصبح كافرًا! اقتلوا نعثلاً! فنعثل كان رجلاً يهوديًّا يعيش بالمدينة، ويعرج في مشيته؛ وبما أنّ خليفتنا الثالث نحن المسلمون وجماعة المسلمين كان يعرج، فإنّها شبّهته به من حيث المظهر و...؛ وعلى أيّ تقدير، فإنّ زوجة رسول الله ثارت ضدّ أمير المؤمنين الخليفة الذي نصبّه الله تعالى واختاره الناس، وذلك عن طريق إساءة الاستفادة من مكانتها، ومن عواطف الناس المنفصلة عن العقل، ومن الأحاسيس التي تُغطّي العقل، ومن المشاعر التي تُقيّم المسائل بالاعتماد على التخيّلات والتصوّرات؛ فقامت ضدّ أمير المؤمنين والخليفة الذي نصبّه الله تعالى، ونصّبه الناس. 

    1. بيت شعريّ لمولانا جلال الدين الروميّ أعلى الله تعالى مقامه يقول فيه: خُيّل لكلّ واحد أنّه صار رفيقي وصاحبي، بَيدَ أنّ أحدًا لم يطّلع علي سرّي ومكنون ضميري؛ ولعلّ البيت الشعريّ التالي يُوضّح مراد سماحته رضوان الله تعالى عليه: وكلٌّ يدّعي وصلاً بليلى *** وليلى لا تُقرّ لهم بذاكا، والله العالم. المعرّب

تقييد تدخّل المرأة في الشؤون الاجتماعيّة - علل وأسباب

3
  • مقارنة بين طريقة تعيين أمير المؤمنين عليه السلام للخلافة وطريقة تعيين بقيّة الخلفاء

  • لقد تميّزت خلافة أمير المؤمنين عليه السلام بتوفّرها على الجهتين معًا، على العكس من الخلفاء السابقين، حيث ادُّعي كذبًا أنّ انتخاب الخليفة الأوّل كان بشكل حرّ وديمقراطيّ؛ في حين أنّه لم يكن كذلك. فالذي يطّلع على حكاية السقيفة وأخبارها يُدرك أنّ انتخابه كان بالجبر والقهر، بل إنّ خطّتهم شرعت قبل وفاة رسول الله؛ إذ كان يحصل تبادل للمعلومات من داخل منزله صلّى الله عليه وآله وسلّم عن طريق عائشة وحفصة؛ ومع وجود تصريح لرسول الله بضرورة مغادرتهم للمدينة وخروجهم منها، والذهاب إلى بلاد الروم من أجل محاربتهم، فإنّهم بقوا خارج المدينة، متذرّعين ببعض الحجج الواهية؛ وما إن ارتحل رسول الله عن هذا العالم، حتّى توجّهوا إلى سقيفة بني ساعدة من دون أن يسألوا عنه صلّى الله عليه وآله وسلّم أبدًا، وعن المنزل الذي تُوفّي فيه، وهل دُفن حيًّا أم ميّتًا!! فجمعوا بواسطة عملائهم تلك المجموعة من الناس، وخطبوا فيهم، وجعلوا [أبا بكر] خليفة للمسلمين، ولم يسمحوا بتاتًا بالحديث عن اسم أمير المؤمنين عليه السلام؛ وحينما جاء أحدهم، وقال: «وماذا عن عليّ؟»، فإنّ الثاني، أي عمر، جاء، وضربه بقبضته على فمه ضربة سالت بسببها الدماء منه؛ ثمّ جاء آخرون وانهالوا عليه باللكم والضرب؛ فبهذه الطريقة انتُخب الخليفة الأوّل؛ وهو انتخاب لم يحضره سلمان، ولا أبا ذرّ، ولا عمّار، ولا قيس بن سعد بن عبادة، ولا كبار المهاجرين؛ فلم يكن هناك أيّ واحد منهم، ولا طلحة، ولا الزبير، ولا العبّاس؛ مع أنّ هؤلاء كانوا من الأعيان والوجهاء؛ فبهذا النحو تمّت خلافة أبي بكر.

  • وأمّا خلافة عمر، فكانت هي أيضًا بواسطة وصيّة أبي بكر، ولم تكن هناك أيّة ديمقراطيّة، حيث قال أبو بكر: «الخليفة من بعدي عمر»، من دون أن يعترض أيّ أحد أو يقول: «دعونا نبحث هذه المسألة»؛ فجاء أولئك الناس، وقبلوا بذلك؛ أي أنّهم قالوا: «بما أنّ أبا بكر قال ...»؛ والعجيب هنا أنّ عمر استطاع من خلال الحيلة التي وضعها أن يُظهر ـ من جهة ـ أنّ حكومة [الخليفة اللاحق] لها منشأ ديمقراطيّ، وأن يحصُر من جهة أخرى هذه الحكومة في عثمان عن طريق الشروط والقيود التي وضعها؛ وهذا بحدّ ذاته له قصّة أخرى، بحيث إنّه أمر بضرب عنق كلّ من يُعارض؛ فأيّة خلافة هذه يا سعادة السيّد عمر؟! فهل قولك: «كلّ من يُعارض اضربوا عنقه مع الآخرَيَن» هو معنى الانتخاب؟! بمعنى أنّه وضع تلك الشروط بطريقة لا مناص فيها من اختيار عثمان كخليفة؛ وهذا بحمد الله تعالى من مفاخر إخواننا من أهل السنّة.

تقييد تدخّل المرأة في الشؤون الاجتماعيّة - علل وأسباب

4
  • وأمّا أمير المؤمنين، فكيف انتُخب؟ أوّلاً، أنّ انتخابه كان بنصّ وتصريح من رسول الله، وأمام ثلاثين ألف من الناس؛ هذا، مع أنّه ـ وكما ذكرت في بعض الجلسات ـ لو لم تكن حادثة عيد الغدير، ولم يحصل تصريح من رسول الله، وكان الناس يمتلكون مقدار حبّة شعير من العقل، لما جاز لهم اختيار غير أمير المؤمنين؛ وهذا أظهر من الشمس! أي أنّنا لا نحتاج لإثبات خلافة أمير المؤمنين إلى حادثة الغدير، ولا إلى نصّ رسول الله، ولا إلى آية: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِينًا﴾.۱

  • فها هو الآن أمامكم، والآخرون أيضًا موجودن، فتعالوا وانظروا بأنفسكم؛ فهذا السيّد من باب المثال له خمسة أصابع أو ستّة؟ فهذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإنّنا نجده يقول بنفسه: «سلوني قَبل أن تفقدوني»، واسألوني عن السماء أو الأرض، أو عن أيّ شيء تُحبّون؛ وهذه مسألة يستطيع طفل ذو خمس سنوات أن يحكم فيها، وليست معادلة رياضيّة بعدّة مجاهيل، حتّى نحتاج لكي يأتي كبار القوم، والخبراء، وأهل الحلّ والعقد، ويجلسوا جميعًا، ويحكموا فيها؛ لا أبدًا! فبوسعكم إيكالها إلى الأطفال؛ لأنّها واضحة جدًّا، ولا نحتاج فيها إلى التنصيب من قبل رسول الله، ولا إلى التعيين من قبل الباري عزّ وجلّ، ولا إلى الانتخابات، ولا إلى حادثة الغدير؛ لكن، مع اللجوء إلى كلّ هذه الأمور، فقد وقعت جميع تلك الأحداث؛ وهنا، علينا أن نستجير بالله تعالى من الجهل؛ وممّا يفعله حقًّا [بالإنسان]!

  • أي أنّ هذا الجهل يأتي، ويضع ستارًا على أبده المسائل الواقعيّة، ويُغطّي أوّل الأوّليات؛ وهذا بحقٍّ موجب للاعتبار بالنسبة إلينا! وأنا أقول لكم الآن: لو أراد المسلم حقيقةً أن يضع قدمه في طريق الله تعالى، فإنّ قراءة تاريخ أمير المؤمنين عليه السلام وسيرته تكفيه، ولا يحتاج إلى أيّ شيء آخر؛ أي أنّ الأحداث التاريخيّة والمسائل التي وقعت تكفيه؛ وهنا، نجد الناس يأتون عند أمير المؤمنين عليه السلام مع كلّ تلك المسائل التي تحدّثنا عنها، وينتخبونه؛ وحتّى أنّهم لم ينتخبونه، بل جاؤوا عنده متوسّلين بالقوّة، وكسروا باب بيته، وهذا الذي ينقله لنا التاريخ؛ فأخرجه الناس من منزله، وصاحوا: يا عليّ، لن نذهب من هنا حتّى تقبل! حسنًا، فما الذي كان بوسعه عليه السلام أن يفعله؟ لن نذهب حتّى تقبل ...! فهكذا كان انتخاب أمير المؤمنين؛ وفي هذه الحالة، فإنّ الناس قد انتخبوه، واختاره الله تعالى أيضًا، ورسول الله بيّن ذلك.

    1. سورة المائدة، الآية ٣.

تقييد تدخّل المرأة في الشؤون الاجتماعيّة - علل وأسباب

5
  • خروج المرأة وخطر التبرّج

  • لكن، مع كلّ ذلك، تأتي هذه المرأة العجوز.. زوجة رسول الله، وتمتطي الجمل، وتبعث بالرسائل إلى هنا وهناك تدعو فيها الناس إلى المجيء، مدّعيةً أنّ عليًّا هو قاتل عثمان! فتعالوا لكي تأخذوا بالثأر! واقتلوا عليًّا! فانظروا بالله عليكم، إلى ما آلت إليه الأوضاع! فأين ذهبت الآيات التي تقول: ﴿يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾۱، و﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى﴾٢؟ فبأيّ زمان تختصّ هذه الآيات القرآنيّة؟ أم أنّها لا ترتبط بنا نحن؟ يا نساء رسول الله، إنّ مكانتكنّ تختلف عن مكانة بقيّة الناس، فقرن في بيوتكنّ، واجلسن في منازلكنّ، ولا تذهبن للخارج؛ فالتبرّج يعني إبراز النفس، وإظهارها للناس؛ أجل، فهذه الآية هي أكثر الآيات التي يُعمل بها حاليًّا!!! حيث تجدهم يقولون: لا بأس في أن تُغنّي النساء للناس، بل ولا إشكال في أن تُغنّي المرأة منفردة! 

  • قبل عدّة أيّام، رأيت في مكان ما أنّ أحدهم أفتى بجواز مشاهدة نساء المسلمين في الأشرطة السينمائيّة عرايا!! فقلت: الحمد لله تعالى، لقد صارت الأمور جيّدة جدًّا!! فإلى الآن، كان الحديث عن اليهود والنصارى، وأمّا الآن، فصار بوسع المسلمين ولله الحمد الاستفادة من هذه الفيوضات!! فأصبح هذا هو معنى الفقاهة والمرجعيّة والتقليد.. نعوذ بالله، حيث تجدهم يقولون: «لا ضير في الأمر! من قال أنّ ذلك سيُثير الفتنة ويبعث على الفساد؟ فهو في حدّ نفسه لا يُواجه أيّ إشكال؛ أجل، إذا تسبّب في الفساد، فهذه مسألة أخرى!»؛ يا للعجب، فإذن أحضروا نساءكم، وأشركوهنّ في هذه الأفلام، وليشاهدهنّ الجميع! فهذا الذي يلزم من كلامكم؛ فانظروا الآن في أيّة أيادي سقط دين الرسول! ولا تتعجّبوا من ذلك؛ فقد أتى شريح القاضي، وأفتى بقتل الإمام الحسين، فلا يوجد أيّ عجب في ذلك يا عزيزي! ونحن نرى الآن بأمّ أعيننا كثرة الفتاوى ونقل الأقوال المتعارضة.

  • «وأمّا عائشَةُ فَقَدْ أدْرَكَها ضَعْفُ رأي النِساء»

  • لقد جاءت الجنرالة عائشة زوجة الرسول، وبدأت ...؛ ففي السابق، لم تكن حتّى جنديّة، ثمّ صارت فجأة جنرالة، حيث استيقظت في الصباح من النوم، وطفقت تكتب الرسائل؛ ونحن نعلم أنّ قائد الجيش يكون جنرالاً؛ فصارت بذلك جنرالة، حيث تحوّلت في ليلة واحدة من جنديّ ذي رتبة صفر إلى جنرال، فوضعت زوجة رسول الله النياشين والأنواط والأوسمة، وبدأت تبعث الرسائل إلى هنا وهناك: تعالوا لتقديم العون، وقتل عليّ قاتل عثمان وتقطيعه إربًا إربًا.. نستجير بالله تعالى! فالأمر بالنسبة إليها سهل كسهولة كشرب الماء! تعالوا، فعليّ قاتل! حسنًا، فما دخلك أنت بأن يكون قاتلاً لعثمان؟! أ فهل أنت وليّة دمه؟ عليّ قاتل عثمان! حسن جدًّا، فليأت أولياء عثمان، وليطلبوا القصاص بأنفسهم، فما دخلك أنتِ؟ فأنت يا زوجة الرسول، ما علاقتك بهذه المسألة؟ ومن الذي كلّفك بهذه المهمّة؟ هل أمرك الرسول بذلك؟ ولنفرض أنّ عليًّا قتل عثمان، فعثمان له أولياء، عليهم أن يأتوا، ويُثبتوا ذلك، وتبثّ المحكمة في هذا الأمر، وكلّ من ثبتت مسؤوليّته عن عمد يُعدمونه بحسب ما تقتضيه الشروط، ويقتصّون منه، ويقتلونه. لكن، مهما كانت الجهة التي تنظرون منها للمسألة، فإنّكم ترون بطلانًا في بطلان، وأحاسيس في أحاسيس، وخيالات في خيالات! لماذا؟ لأنّ الأمور صارت بيد سعادة الجنرالة عائشة! وهي التي أضحت تُحدّد للناس تكاليفهم؛ أجل، وأمسكت بأزمّة الأمور جيّدًا: اهجموا من هذه الناحية ...؛ وهذا ما لدينا في التاريخ: اهجموا من تلك الجهة، واضربوا من هذه الجهة، واضربوا من تلك الجهة ... وبعد أن أخمد أمير المؤمنين عليه السلام هذه الفتنة، وانتهت الحرب، ذكر عبارة إذا ضممناها إلى بقيّة العبارات، فإنّها تتضمّن معنى خاصًّا، حيث يقول فيها: «وأمّا عائشَةُ فَقَدْ أدْرَكَها ضَعْفُ رأي النِساء»؛ وبعد ذكر عبارات سيأتينا الحديث عنها إن شاء الله تعالى في الجلسات اللاحقة... لأنّني لا أشعر بأنّني على ما يُرام، وسأكل شرح هذه المسألة للجلسات القادمة، حيث كنت أريد اليوم أن أقتصر على ذكر مقدّمة للولوج في هذا البحث... يقول عليه السلام: «وأمّا عائشَةُ فَقَدْ أدْرَكَها ضَعْفُ رأي النِساء»: لقد أثارها ضعف رأي النساء، فأقدمت على هذا العمل؛ لكن، ماذا بوسعي أنا عليٌّ أن أفعل؟ «وأمّا حسابها، فالحسابُ على الله يعفو عن من يشاء ويعذب من يشاء»؛ فحسابها على الله؛ فهي زوجة رسول الله، وينبغي مراعاة حرمتها. «فالحسابُ على الله»، والله يعلم [ماذا يفعل]، ومن شاء عفا عنه، ومن شاء ...؛ وبحقّ، فإنّ كلام أمير المؤمنين لمعجزة؛ أي لو استمع إليه أحد لا دين له، ولكنّه منصف، لقال إنّه كلام أمير المؤمنين؛ وتجدر الإشارة إلى أنّ هدفي ممّا أريد قوله هو الوصول إلى مسألة سأتحدّث عنها لاحقًا؛ ومعنى ذلك: تعالوا، وانظروا إليه؛ فيا له من رجل! ويا لها من شخصيّة! ويا لها من نفس، بحيث إنّ [تلك المرأة] أحلّت كلّ تلك المصائب على رؤوس الناس، وحرّضتهم عليه؛ فقُتلت جماعة كبيرة من المسلمين من الجانبين: من هذا الجانب، ومن ذلك؛ إذ يبقى أنّ الذين انخدعوا بها مسلمون أيضًا، ولم يكونوا كفّارًا؛ أ وليس الأمر بهذا النحو الآن أيضًا؟ بل هو كذلك دائمًا، حيث نُشاهد وجود هذه الاصطفافات في كافّة الأحداث والاختلافات التي تقع، وأنّ هناك جماعة تُواجه جماعة أخرى اقتداءً بالبعض.

    1. سورة الأحزاب، الآية ٣٢.
    2. سورة الأحزاب، الآية ٣٣.

تقييد تدخّل المرأة في الشؤون الاجتماعيّة - علل وأسباب

6
  • فما الذي حصل في حادثة الثورة الدستوريّة؟ سارت جماعة خلف فلان، وجماعة أخرى خلف علاّن، فحصلت بينهم مواجهة، وضرب، وقتال؛ فهذه هي حقيقة الثورة الدستوريّة، والأمر بهذا النحو في كافّة الأحداث، بل ومنذ البداية كان كذلك، حيث كان كلّ واحد من طرفي النزاع يتوفّر على شخصيّات بارزة أثارت اهتمام الناس، وجذبت انتباههم؛ وإلاّ لما ذهب الناس في هذا الاتّجاه، أو ذاك.

  • وبعد هذا كلّه، يقول أمير المؤمنين: «فالحسابُ على الله»؛ أي: نحن لا شغل لنا مع عائشة؛ إذ تقتضي مراعاة حرمة رسول الله ألاّ نمسّها بسوء، والله تعالى هو الذي يعرف كيف يُعاملها. ثمّ إنّه ولكي يُظهر ذلك الاحترام ... لقد كانت حرب الجمل والأفعال التي قام بها أمير المؤمنين عجيبة جدًّا، إلى درجة أنّها تُصيب الإنسان بالدوار! فأيّة قدرة نفسيّة كان يمتلكها عليه السلام؟ وما هو الأفق الذي كان ينظر منه؟ وأيّ عالم كان يعيش فيه، بحيث لم يتسلّل إليه، ولو مقدار رأس إبرة من الحقد والغلّ والنقص والتخيّلات... أبدًا أبدًا أبدًا؟ بل ولا يُمكننا حتّى تصوّر تسلّل ذلك إلى نفسه! وحينئذ، تجد البعض يأتي، ويقول: إنّ كلام أمير المؤمنين عليه السلام هذا مجهول السند! وليس من الواضح نسبته له عليه السلام! ومن يا تراه يدّعي ذلك؟ أمثالي أنا! لو كان نهج البلاغة يتضمّن هذه العبارة فقط، لكفى ذلك لإبراز شخصيّة أمير المؤمنين؛ فمن بين الموارد التي تُثير التساؤل هنا، قوله عليه السلام: «وأمّا عائشَةُ فَقَدْ أدْرَكَها ضَعْفُ رأي النِساء» فما معنى ذلك؟ أ فهل إنّ النساء قصيرات النظر؟ وهل إنّ رأيهنّ غير مصيب؟ وما هو الدليل على أنّ رأيهنّ أدون من رأي الرجال وفكرهم؟ وهل إنّ هذه المسألة تنطبق على الواقع، أم أنّها غير منطبقة عليه، بل مجرّد ادّعاء؟ فهذه إحدى العبارات الموجودة في نهج البلاغة.

  • وصيّة أمير المؤمنين عليه السلام بحاضرين ودعوتها إلى تقييد العلاقات النسويّة

  • وتوجد أيضًا في نهج البلاغة عبارة أخرى وردت في الرسالة أو الوصيّة التي كتبها أمير المؤمنين عليه السلام إلى الإمام الحسن عليه السلام بعد رجوعه من صفّين؛ وذلك في موضع يُقال له «حاضرين»؛ وهي وصيّة عجيبة جدًّا يجب ـ برأيي ـ على كلّ مسلم وكلّ شيعيّ لأمير المؤمنين أن يُطالعها من وقت لآخر؛ أي أنّه لا يُمكن أن يكون الإنسان من شيعة أمير المؤمنين، ويرى نفسه مستغنيًا عن هذه الوصيّة؛ فهي تتضمّن مسائل عجيبة: «مِنَ الوالِد الفان المقر للزّمان ...»، بحيث إنّ ابن أبي الحديد يقول: إنّني لا أستطيع أن أخفي تعجّبي وحيرتي من العبارات التي ذكرها أمير المؤمنين في هذه الوصيّة؛ وهي الوصيّة التي قال عنها المرحوم العلاّمة رضوان الله تعالى عليه: مع وجود وصيّة أمير المؤمنين عليه السلام للإمام الحسن عليه السلام بحاضرين، فإنّ كتابة وصيّة، والأمر بالتقوى وأمثال ذلك باعث على الخجل؛ فهذه الوصيّة هي بعينها وصيّة أمير المؤمنين والتي ذكر فيها مسائل عجيبة، من بينها عدّة فقرات جاء فيها: «وإنْ شِئْتَ أنْ لا يعْرِفْنَ غَيرَكَ فَافْعَلْ»؛ وهذا بذاته ما يفعلونه الآن في مجتمعنا!! يا حسن، إذا استطعت أن تقوم بعمل تجعل به امرأتك لا تعرف ولا ترى سواك، فقم به .. إذا استطعت؛ وهذا يعني التأكيد على تقييد العلاقات النسويّة.

تقييد تدخّل المرأة في الشؤون الاجتماعيّة - علل وأسباب

7
  • وفي هذا العصر، ولله الحمد، حينما يُفتح باب المنزل، ويريد الضيف أن يدخل، فإنّ سيّدة البيت هي التي تستقبل الرجال أوّلاً وقبل زوجها، فتُصافحهم، بل وقد تحصل مسائل أخرى أحيانًا.. كلّ ذلك بحجّة ماذا؟ بحجّة الترحيب! ثمّ يدخل الضيوف، ويجلسون، ويتحدّثون، ويضحكون مع بعضهم و... ، ثمّ يقولون: «وما الضير في ذلك يا سيّدي؟ فالإسلام لم يمنع من البهجة والمرح، ولم يُحرّم التمتّع؛ وهو ليس دينًا عبوسًا؛ وأمّا هذا الدين [الذي تدّعونه]، فهو دين يختصّ بالعصر الحجريّ والزمن الماضي، ولم يعُد في هذا العصر مكان لمثل هذا الكلام ـ ماذا؟! ـ ولهذا، فإنّنا نقوم بهذه الأفعال»؛ حسنًا، لا مشكلة الآن في القيام بهذه الأعمال، لكن، في نهاية المطاف، ستأتي الآخرة، ولدينا روايات تتحدّث عن المعراج قال فيها الرسول الأكرم إنّه رأى نساء معلّقات من شعورهنّ، ويتعذّب كلّ أهل جهنّم من رائحتهنّ العفنة؛ فبمن تختصّ هذه الروايات؟ إنّها بأجمعها تختصّ بنا نحن؛ وهي تتحدّث عن أمور واقعيّة؛ ولو أنّنا قد نقول إنّ هذه الروايات غير صحيحة، وتفتقر إلى السند؛ بينما يكون كلّ ما نُريده نحن هو الصواب! وسيأتينا لاحقًا حديثٌ عن هذا الموضوع، حيث سنسعى بالتدريج لفتح باب البحث أمام هذه المسائل.

  • يقول عليه السلام للإمام المجتبى عليه السلام: «وإنْ شِئْتَ (أو) وإن تَقدِر أنْ لا يعْرِفْنَ غَيرَكَ فَافْعَلْ»؛ فإن استطعت ألاّ تعرف امرأتك وزوجتك غيرك، ولا ترى سواك ... فما حقيقة هذا الكلام؟ إنّه كلام صادر من فم أمير المؤمنين عليه السلام، ويتطابق مع الكلام الذي خرج من فم زوجته السيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام في جوابها لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم حينما سألها عن أفضل نساء العالم، فقالت له: إنّ أفضل نساء العالم هي المرأة التي لا ترى رجلاً، ولا يراها رجل. فجميع هذه الروايات [على حدّ زعمكم] كاذبة، ولا يتوفّر أيّ واحد منها على سند صحيح! أجل، لكن، يحتاج [ردّ هذه الروايات] إلى جرأة كبيرة، وعلى الإنسان أن يكون ذا جرأة عالية، لكي يسعى للعب بذيل الأسد.. قال أحدٌ لصاحبه: «إنّ هذا ذيل أسد، فلا تتلاعب ولا تستهن به!»؛ فمحاولة التلاعب بكلام السيّدة الزهراء وكلام أمير المؤمنين تتطلّب جرأة كبيرة؛ وحينئذ، سترون أنتم ماذا حصل، وما الذي سيحصل! وهذا كلام لا هزل فيه! فأن نأتي، ونتغاضى عن الأمور، ونمشي، ولا نمعن النظر في الأحداث، ونُغلق أعيننا، ثمّ نتوقّع أن يبقى العالم على ما هو عليه.. لا، لن يبقى كذلك! فهذا أيضًا من المواضع [التي تحدّث فيها أمير المؤمنين عليه السلام عن هذه المسألة]، وهناك أيضًا موضع آخر تحدّث فيها عنها؛ ولا أدري لماذا تكلّم عليه السلام عنها كلّها! حسنًا، لا بدّ أنّ ذلك كان بمقتضى ظروفه وحُكمه؛ لأنّ السلطة كانت بيده آنذاك، فسعى عليه السلام لإماطة اللثام عن جانب من هذه الحقائق.

تقييد تدخّل المرأة في الشؤون الاجتماعيّة - علل وأسباب

8
  • مقدّمة لتفسير مقولة أمير المؤمنين عليه السلام: النِّسَاءَ نَوَاقِصُ العُقُولِ

  • يقول أمير المؤمنين في هذا الموضع: «النِّسَاءُ عَيّ وَعَوْرَةٌ، فَاسْتُرُوا عَيَّهُنَّ بِالسُّكُوتِ، وَعَوْرَتَهُنَّ بِالْبُيُوت»۱؛ أي أنّهنّ قصيرات النظر وضيّقات التفكير؛ إذ يُراد من العيّ قصر التفكير، ويتّصف به الذي لا يكون تفكيره وقدرته على الاستيعاب كما يجب وينبغي؛ أجل، وكما أشرنا آنفًا، فإنّنا سنسعى لفتح باب البحث عن هذه المسائل، لكي يُرفع بحول الله تعالى وقوّته الإبهامُ والإجمالُ عنها وفقًا لما سمعناه من العظماء في هذا المجال، وبيّنه الأفراد المتّصلون بمنبع الوحي؛ فتتّضح بذلك إن شاء الله تعالى للرفقاء والأحبّة.

  • يقول الإمام عليه السلام إنّ النساء قصيرات النظر، وضعيفات الرأي، وعورة (وتُطلق العورة على الشيء الذي تتعيّن المحافظة عليه، وصيانته لكيلا تطاله أيدي الغرباء)؛ ولهذا، لا ينبغي مجادلتهنّ ومناقشتهنّ أبدًا؛ لأنّ الكلام معهنّ سيطول من دون الوصول إلى أيّة نتيجة؛ هل جرّبتم ذلك؟!!! أرجو من الله تعالى ألاّ تنزعج النساء منّي؛ فنحن نمزح فقط، كما أنّنا سنعمل لاحقًا إن شاء الله تعالى على معالجة المسألة مرّة أخرى، بنحو يُرضي الطرفين؛ إذ يُقال عنّي إنّني أتحيّز أحيانًا إلى فئة دون أخرى، ولا أراعي الأمور و...؛ لا، فأنا أقف إلى جانب الطرفين معًا. وأمّا كونهنّ عورة، فإنّه يوجب إسكانهنّ المنازل، وعدم خروجهنّ منها، وعدم سحبهنّ إلى الشوارع، ليكنّ بذلك على مرآى من أعين الرجال الماجنين؛ وهذا الكلام لمن؟ إنّه لأمير المؤمنين، ولم أقله أنا بنفسي.. فهذا أيضًا من الموارد [التي تحدّث فيها عليه السلام عن هذه المسألة]؛ وهناك أيضًا مورد آخر بحسب ما يحضرني؛ لأنّ الفرصة لم تسنح لي لمطالعة نهج البلاغة؛ ولعلّي أتحدّث أكثر عن هذا الموضوع في الجلسات اللاحقة إن شاء الله تعالى؛ ففي هذا الموضع، يقول عليه السلام: «مَعَاشِرَ النَّاسِ! إنّ النِّسَاءَ نَوَاقِصُ الإيمَانِ، نَوَاقِصُ الحُظُوظِ، نَوَاقِصُ العُقُولِ»؛٢ يا أيّها الناس، للنساء ثلاث خصائص: الأولى أنّ عقلهنّ ناقص، ويُعانين من ضعف العقل؛ والثانية أنّ حظهنّ ونصيبهنّ ناقص؛ والثالث أنّ إيمانهنّ ناقص، حيث تُعدّ عبارة (نواقص العقول ونواقص الحظوظ ونواقص الإيمان) أشدّ العبارات التي ذكرها عليه السلام بشأن هذا الموضوع حدّةً، وأكثرها إثارة للتساؤل؛ الأمر الذي أدّى إلى تعقيد إبراز رأي العظماء، والأشخاص الذين يسعون إلى بيان هذه العبارات وتفسيرها. لكن، يبدو أنّه علينا قبل الولوج إلى صلب البحث عن هذا الموضوع أن نلتفت إلى مقدّمة مفادها: من هو القيّم على الدين وصاحبه؟ من هو الوصيّ عليه؟ وهل نحن قيّمون على الدين؟ وبعبارة أخرى: هل علينا أن نطرح الدين وسط الناس بأيّة طريقة كانت؟ وهل علينا أن نعدّ أنفسنا أوصياء على الدين، ونرى لأنفسنا دخالة في تبليغه وبيان مسائله أكثر ممّا كلّفنا الله تعالى به، ونتجاوز حدودنا في هذه المسألة، ونطرح أنفسنا كأولياء للناس وللدين، وقيّمين عليهم؟ هل الأمر بهذا النحو؟ أم أنّ صاحب الدين فرد آخر، وقيّمه شخص مختلف؟ فبحسب ما وصل إلى أيدينا، وبَلَغه فهمُنا للروايات والأدلّة، وما يقتضيه العقل والنقل، فإنّ القيّم على الدين هو الله تعالى، حيث نستنتج من الآية الكريمة ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ﴾٣ ـ مع ما تتضمّنه من تأكيدات متكرّرة ـ أنّ الله تعالى هو الذي يُرسل الذكر؛ ويُراد بالذكر بيان الأحكام والمسائل المبتلى بها، وعرضها في الآيات الكريمة؛ وبشكل أعمّ، يُطلق الذكر على مضمون الدين والشريعة. ففي الاصطلاح الخاصّ، يأتي الذكر بمعنى القرآن؛ لكن، في اصطلاح عامّ، يُراد به مضمون الدين، وحقيقته، وذلك باعتبار أنّ هذا الدين هو الدين الخاتم الذي أنزل على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، حيث نسب الباري عزّ وجلّ إلى ذاته نزول هذا الذكر والمحافظة عليه، فقال: نحن الذين نزّلناه، ونحن الذين نُحافظ عليه أيضًا. ويبدو أنّنا تحدّثنا في الجلسات السابقة عن بعض جوانب هذه المسألة؛ وهنا، يأتي السؤال: ما هي مسؤوليّة العلماء وأهل الدين والعلم تجاه هذا الأمر؟ فالمسؤوليّة الملقاة على عاتقي أنا وأمثالي تنحصر في تبليغ الرسالة من دون الأخذ بنظر الاعتبار لأيّ شيء آخر، ومن دون الالتفات إلى أيّة مصلحة دنيويّة وعاطفيّة؛ إذ علينا بيان ما قاله الله تعالى: ﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيبًا﴾٤؛ فالذين يُبلّغون الرسالة الإلهيّة يخشون الله فقط، ولا يخشون قطع الرزق، ولا إلغاء الشخصيّة والمكانة، ولا فقدان المنصب والجاه؛ فخوفهم من الله تعالى، وليس من قطع الرزق، وذهاب الشخصيّة، وضياع المكانة، ولا حتّى من فقدان المحبوبيّة؛ لأنّ هذه المحبوبيّة تأتي يومًا، وترحل يومًا آخر؛ ولهذا، فهم يخشون الله تعالى وحسب: ﴿وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ﴾؛ فهذا هو الأمر الذي بيّنه الباري عزّ وجلّ. إنّ مهمّة علماء الدين تتمثّل في تبليغ الرسالة، والالتفات إلى أنّهم مسؤولون أمام أيّ واحد: أمام الناس وآمالهم وتوقّعاتهم، أم أمام الله تعالى وملائكته ومحاسبته ومساءلته؟ إذ عليهم أن يُحدّدوا موقفهم من هذه المسألة؛ فهذه هي مهمّتهم؛ لكن، للأسف، فإنّنا نُشاهد حاجة الإسلام إلى هذه الرؤية والأسلوب من التفكير في العصر الحالي أكثر من أيّ عصر آخر. ﴿وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيبًا﴾ فالله تعالى بذاته يكفي، من دون الحاجة إلى أيّ أحد آخر، وهو الذي يُحاسب؛ أم أنّ الناس هم الذين يُحاسبون؟ لا، أنّى لهم ذلك! فهم يأتون عند الإنسان يومًا، ويرحلون عنه يومًا آخر؛ ويُبادلونه الصداقة في اليوم الأوّل، ثمّ ينسون صداقتهم بأجمعهم في اليوم الثاني بسبب مسألة هامشيّة؛ وكأنّه لم يكن شيئًا مذكورًا! هذا كلّه بسبب مسألة هامشيّة لا أهمّية لها أبدًا؛ فكأنّه لم تكن هناك بينهم أيّة رفقة، ولم يكونوا يجلسون مع بعضهم لسنوات متمادية؛ وهذا في الدنيا؛ أي أنّ الله تعالى يُطلع الإنسان على ذلك في الدنيا، ناهيك عن يوم القيامة، حيث جاء في القرآن الكريم أنّ كلّ واحد يكون حاملاً ملفّه في يده؛ فيفرّ الأب من ابنه، والابن من أبيه، بل يهربون من بعضهم في هذه الدنيا!

    1. رسالة بديعة، ص ۱٥٢. المعرّب
    2. معرفة الله، ج ۱، ص ۱٩۸.
    3. سورة الحجر، الآية ٩.
    4. سورة الأحزاب، الآية ٣٩.

تقييد تدخّل المرأة في الشؤون الاجتماعيّة - علل وأسباب

9
  • ﴿وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيبًا﴾ فالله تعالى هو الحسيب، وهو الكافي من دون الحاجة إلى أيّ شخص آخر؛ فمن هؤلاء الأفراد الذين على الإنسان أن يستدعيهم للشهادة؟ من هم؟ على الإنسان أن يُصفّي علاقته بالله تعالى؛ وإلاّ، فمن هذا الذي يحتاج إليه الإنسان؟ هل يحتاج إلى بني جلدته؟ أبدًا! طهّر قلبك، وصفّ علاقتك بربّك، ولا تخش بعد ذلك من أيّ شيء؛ فهذا هو الكلام الأوّل والأخير الذي كان يقوله المرحوم الوالد.. لا تخف من أيّ شيء؛ فالقضيّة بأجمعها متوقّفة على هذه العبارة: صحّح علاقتك بالله تعالى، ولا تدع الخداع يتسلّل إليها، ولا تبنها على أساس مصلحتك الشخصيّة، واجلس، وفكّر في نوع العلاقة التي تربطك بربّك؛ وحينما تُصحّح هذه العلاقة، لا تخش بعد ذلك من أيّ شيء كيفما كان؛ وقد كان رضوان الله تعالى يقول مرارًا وتكرارًا: ﴿قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ﴾۱ قل الله؛ فمعنى «قل الله»: توجّه في كلّ مسألة إلى الله تعالى، واجعل له حسابًا بشكل واقعيّ، ولا تمزح مع نفسك ولا تُخادعها.. ﴿قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ﴾ ثمّ دع الجميع جانبًا؛ وباعتقادي الشخصيّ، دع حتّى حبرائيل وميكائيل جانبًا، ولا تلتفت إلى أيّ شيء.. قل الله: تمسّك بالله تعالى، وتخلّص من كلّ ما سواه؛ ولا يخفى أنّ المراد من ذلك أهل الدنيا والكثرات؛ فدع جميع أصحاب الكثرات جانبًا؛ وانظر حينئذ كيف ستسهل الأمور، ولا تعُد تغتمّ لأيّ شيء؛ غير أنّ المراد من عدم الاغتمام هنا ليس هو التخلّي عن القوانين، وعدم مراعاة القواعد؛ لا، بل المراد من ذلك خلوّ النفس من الهواجس والمخاوف؛ نظير: انتبه، إن تحدّثت بهذا الكلام، فما الذي سيحصل؟ انتبه، إن نطقت بهذه الكلمات، فمن سيكون المعنيّ بها؟ انتبه، إن تكلّمت عن هذه المسائل، فهل سيُعجب ذلك فلانًا، أم لا؟ لا ينبغي عليّ التفوّه بمثل هذا الكلام لأنّ علاّنًا حاضر في الجلسة... ﴿قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ﴾ تخلّص من كلّ شيء.. لماذا؟ لأنّك تمسّكت بالأصل.

  • اقتصار مهمّة العالم على بيان الدين وتبليغه كما هو من دون زيادة أو نقصان

    1. سورة الأنعام، الآية ٩۱.

تقييد تدخّل المرأة في الشؤون الاجتماعيّة - علل وأسباب

10
  • وهذا الموقف ينبغي أن يتّخذه أهل العلم أيضًا؛ إذ يتعيّن على هؤلاء أن يأخذوا بالاعتبار مسألة «قل الله» فقط، من دون بقيّة المسائل، سواءً كانت سياسيّة، أو غيرها؛ ولا يحسبوا حسابًا للمصالح والأمور الأخرى؛ وحينئذ، سنُشاهد تحوّلاً تامًّا في الأحكام، وتغيّرًا كاملاً في الآراء؛ فتتبدّل كافّة الخلافات إلى اتّفاق؛ إذ ما هو السبب في طروّ كلّ هذه الخلافات؟ سببه أنّني جئت أنا ومن هم مثلي أو غيري، وتمسّكنا بـ «ثمّ ذرهم»، وتخلّينا عن «قل الله»! أي: ذر الله، ثمّ دع بقيّة المسائل والأشياء وتشبّث بها! فهي نقد، بينما [ثواب] الله نسيئة! وهذا نظير مقالة عمر بن سعد [للإمام الحسين]: «برّ الريّ نقد، وشفاعة جدّك نسيئة»؛ فهكذا كان الأمر، وبهذا النحو أجاب ذلك الأحمق الإمام الحسين: برّ الريّ نقد، وأنا لن أتخلّى عن الثواب النقد! لكنّ ذلك الأحمق لم يكن يعلم أنّ الإمام عليه السلام كان يراه حينما سيذهب عند ابن زياد لكي يُريه ذلك الكتاب [ولاية العهد]، فيُمزّق كتابه أمام عينيه؛ فهو عليه السلام كان يرى ذلك، وهو لا يراه؛ ولهذا، قال له الإمام: «لن يجعل الله تعالى لك حظًّا من برّ الريّ»؛ تفضّل إذن! وحينئذ، أيّهما كان نقدًا؟ فمن الذي حصل على ثوابه نقدًا: أصحاب سيّد الشهداء، أم عمر بن سعد؟ هل يوجد أحد يعرف أين يقع قبر عمر بن سعد؟ وهل لأحد اطّلاع على ذلك؟ أجل، نحن على علم بمقامه أين يقع؛ فهو يقع في مكان حارّ وجيّد، بل وشديد الحرارة! لكن، أين يوجد أصحاب سيّد الشهداء؟ وحينئذ، أيّهما حصل على ثوابه نقدًا، وأيّهما نسيئة؟ ﴿قُلِ اللَّهُ﴾ فهذه هي المسألة المهمّة؛ إذ عليك أن تتمسّك بالله، ﴿ثُمَّ ذَرْهُمْ﴾ وتتخلّى عن الباقي؛ هذا، ومن المؤسف أن نُشاهد قصورًا بل وتقصيرًا في احترام القواعد، وصيانة الحقائق وبيانها، حيث يُخيّل للبعض أنّهم قيّمون على الدين، ويتوجّب عليهم الدفاع عنه في جميع الظروف، وبأيّ نحو كان، لكي يستميلوا قلوب مجموعة من الناس؛ لكن، هل يوجد ضير إذا لم يتمكّنوا من استمالتهم؟! وهل بوسع الإنسان التخلّي عن إحدى الحقائق بهدف استمالة ثلّة من الناس تقتات على تخيّلاتها وتوهّماتها؟! وهل يُمكنه أن يرفع يده عن كلام الله تعالى وكلام الإمام المعصوم لأجل نيل إعجاب الناس؟ هل بمقدوره التخلّي عن ذلك؟ فكيف يتسنّى لنا التدخّل في الدين بهدف إسعاد البعض؟

تقييد تدخّل المرأة في الشؤون الاجتماعيّة - علل وأسباب

11
  • قرأت في كتاب ما أنّ أحد العلماء في الزمان السابق عمد إلى وضع رواية تتحدّث عن ثواب السور القرآنيّة: فمن يقرأ سورة النحل مثلاً يُعطيه الله تعالى كذا في الدنيا، وكذا في الآخرة من الحور والقصور وأمثال ذلك؛ وهكذا بالنسبة لمن يقرأ سورة الدخان أو يس مثلاً، حيث وضع رواية تنسب كذبًا الثواب والأجر الكبيرين والنعم الكثيرة لمن يقرأ كلّ واحدة من السور القرآنيّة؛ فالتقى به أحد العلماء، وقال له: «ما هذا الكلام؟ من أتيت بهذه الرواية؟»؛ فأجابه: «رأيت أنّ الناس يقرؤون القرآن قليلاً، فصنعت هذه الروايات، لكي تزيد محبّتهم للكتاب العزيز»! فما هي حقيقة هذا الأمر؟ أن يكون الوعاء أكثر سخونة من الحساء!۱ وإقحام النفس في عمل القيّم على الدين وصاحبه؛ فما دخلك أنت بأن يقرأ الناس القرآن؟! عساهم ألاّ يقرؤوه مائة سنة؛ فما علاقتك أنت بذلك؟! هل أنت مجبور على وضع الروايات كذبًا، حتّى يقرأ الناس القرآن؟! عساهم ألاّ يقرؤوه من الآن إلى مائة سنة! أخبرهم بما هو موجود، وحسب، ومن شاء منهم أن يقرأ القرآن، فليقرأه، ومن لم يشأ، فهو حرّ؛ وإلاّ، فلمن خلق الله تعالى جهنّم؟! فلأجل من تُريد أن تحزن وتغتمّ؟! إنّ جهنّم مخلوقة لهؤلاء الذين يُغلقون أعينهم وأسماعهم؛ وحتّى لو صنعت لهم ألف رواية، فإنّهم لا يعملون بها.

  • إنّ تكليفنا يقتصر على اتّباع نفس ما عيّنه الله تعالى لرسوله ﴿لا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ﴾٢؛ أي: يا رسولنا، أنت لا تستطيع إدخال الكلام إلى مخّ الأصمّ؛ فالأصمّ أصمّ ولا يفهم؛ وليس مرادي من الأصمّ الذي تمزّق الغشاء الطبليّ لأذنه، بل مرادي منه الإنسان الذي أغلق عينيه وأذنيه أمام الحقائق، ولا يُريد أن يفهم؛ فمن يكون تأثيره أكثر: كلامي أنا، أم كلام رسول الله؟! فهل أثّر كلام رسول الله؟ ﴿إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ﴾٣ ﴿وَما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ﴾٤؛ فأنت لا تستطيع هداية العمي، وإرشادهم إلى صراط الهداية؛ لأنّهم أغلقوا أعينهم؛ فكلّما قال لهم الرسول: هذا هو الطريق، قالوا: أين هو؟ لأنّ أعينهم مسدودة، ويستمرّون في وضع الستار عليها، ويقولون: نحن لا نفهم هذا! حسنًا، لا ينبغي عليك أن تفهم، وابق على هذا الحال لألف سنة أخرى، فمن قال أساسًا إنّك تفهم؟!

    1. ترجمة حرفيّة لمثل فارسيّ يُراد به الإشارة إلى من يُدافع عن فكرة أو شخص أكثر من دفاع صاحب الفكرة أو الشخص عن نفسه؛ ويُعادل هذا المثل في العربيّة مثلٌ يقول: «لا تكُن ملكيًّا أكثر من الملك». المعرّب
    2. سورة النمل، الآية ۸۰.
    3. سورة النمل، الآية ۸۰.
    4. سورة النمل، الآية ۸۱.

تقييد تدخّل المرأة في الشؤون الاجتماعيّة - علل وأسباب

12
  • سمعت في خبر موثّق عن شخص حضر الواقعة التالية أنّ أحدهم حينما وصل إلى هذه الآية: ﴿الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ﴾،۱ قال: «أنا لا أفهم معنى هذه الآية».. لا تفهم؟! أجل، واضح أنّك لا تفهم، بل لا ينبغي عليك أن تفهم! فما عساك أن تفهم أنت! أ فهل فهمت كلّ القرآن، ولم تفهم هذه الآية فقط؟ وكان يحكي أحدهم ويقول: «أتيت من إحدى الدول الأوروبيّة، وكنت قد التقيت هناك بأحد علماء الدين المتواجدين في تلك الدولة، ويؤمّ مسجدًا؛ وفي إحدى الليالي، حينما سألوه عن تلك الآية (مع أنّ هذا الشخص قد توفّي)، قال: ما أفهمه أنا من الإسلام هو تساوي الرجل والمرأة في الحقوق! وأمّا هذه الآية، فأنا لا أفهمها»! ولو ذكرت اسم هذا العالم، لعرفتموه كلّكم؛ فنجده هنا يقول ذلك من باب السخريّة؛ وإلاّ، فما معنى عدم الفهم هنا؟ يعني أنا لا أقبل ذلك؛ إذ من الواضح هنا معنى الرجال، و"قوّامون" يعني أنّ لهم قوامة وولاية؛ كما أنّ المراد من النساء واضح أيضًا؛ وبالتالي، ما الذي يعنيه: إنّنا لا نفهم ﴿الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ﴾؟ يعني السخريّة، وعدم القبول، ويعني أنّه علينا حذف هذه الآية من القرآن الكريم؛ ومع ذلك، فإنّنا نأتي، ونُسلّم زمام الأمور بيد هكذا أناس!! فنجد هذا الشخص يأتي، ويقول: إنّنا لا نفهم ﴿الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ﴾؛ هل هذا واضح؟ وفي هذه الحالة، ما الذي علينا فعله؟

  • هل المراد من نقص عقل النساء النسيان؟

  • أو أن يأتي أحدهم، ويسعى منذ البداية لتجريد هذه العبارات بشكل تامّ عن معناها الحقيقيّ؛ ففي أحد الكتب، رأيت ... وتجدر الإشارة إلى أنّه إذا كنت أذكر هذه الأمور، فلأنّني أهدف من ذلك إلى أن تأخذ المسألة المبحوث عنها محلّها المناسب، وتتّضح كما هي. فتجدنا نقول إنّ كلّ ما هو موجود في نهج البلاغة صحيح، فنتحدّث عنه من أعلى المنبر، ونحكيه بأجمعه للناس، ونقرأ رسالة الأمير إلى مالك الأشتر، ونذكر عين عباراته عليه السلام؛ لكن، بمجرّد أن نصل إلى تلك المسائل، ندّعي أنّها ليست من نهج البلاغة، بل أضيفت إليه!! بالله عليكم، إنّ لقلّة الحياء حدّ أيضًا! فعليكم أن تخجلوا، ولو قليلاً! أو أن نأتي، ونُحرّف المسألة بنحو تامّ، ونقلب كلام الإمام عليه السلام. فلو كان أمير المؤمنين حاضرًا، ألن ينتابك الخجل؟ فقد قال عليه السلام: النِّسَاءَ نَوَاقِصُ العُقُولِ؛ فنأتي نحن، ونؤوّل كلمة العقل، ونقول: «ليس المراد منها نفس العقل، فمتى قيل إنّ النساء نواقص العقول؟! بل إنّ عقلهنّ أكبر من عقل الرجال! فما هذا الكلام؟!»، ويبدو أنّ هؤلاء صاروا يخجلون من رجوليّتهم! أو لعلّه حدث خطأ في خلقتهم، فلم يعودوا يُحبّون البقاء رجالاً؛ وكأنّ الطابع النسويّ صار غالبًا على مثل هؤلاء! فتجدهم يقولون: إنّ المراد من نقص العقل النسيان، وضعف الذاكرة؛ إذ المراد من كون النساء نواقص العقول أنّ ذاكرتهنّ أضعف من ذاكرة الرجال. وبالمناسبة، فإنّني أعتقد أنّ ذاكرة النساء ليست أضعف من ذاكرة الرجل، بل إمّا أنّها مساوية لها، أو أقوى منها، حيث يرجع ذلك إلى قلّة خوضهم في المسائل والأمور؛ فذاكرة المرأة جيّدة، ولا تختلف في شيء عن الرجل هنا.

    1. سورة النساء، الآية ٣٤.

تقييد تدخّل المرأة في الشؤون الاجتماعيّة - علل وأسباب

13
  • لكن، ما هو دليلهم على هذا القول؟ دليلهم هو الآية التالية التي يتّخذونها قرينةً بالباطل على كون المراد من العقل في عبارة «النِّسَاءَ نَوَاقِصُ العُقُولِ» قوّة الذاكرة: ﴿وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ﴾۱؛ ففي باب القضاء والمحاكمات، تقول الآية بلزوم الإتيان بشاهدين من الرجال ﴿وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ﴾؛ فإذا لم تجدوا رجلين ﴿فَرَجُلٌ وامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ﴾؛ أي أنّ امرأتين تُعادلان رجلاً واحدًا؛ وهذه ليست رواية بل آية قرآنيّة؛ ثمّ يقول الله تعالى بعد ذلك: ﴿أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى﴾؛ أي: لماذا قلنا إنّ امرأتين تُعادلان رجلاً واحدًا؟ لأنّ امرأة واحدة قد تسقط في الضلالة، فتأتي الأخرى، وتُذكّرها؛ كأن تقول لها: «لا، هكذا تمّت المسألة، وحينما كنّا نشاهد هذه القضيّة، تكلّم معه ذاك بهذا النحو ...»، فتنبّهها، وتُذكّرها، حتّى تشهد بالحقّ، ولا تُخطيء. وفي هذه الحالة، يأتي ذلك السيّد، ويقول: إنّ معنى أن تضلّ: أن تنسى؛ أي إذا نسيت إحداهما، فإنّ الأخرى تُذكّرها! حسنًا، أ فهل كان الله تعالى أخرسًا [والعياذ بالله] حتّى يعجز عن القول: أن تنسى إحداهما فتُذكّر ...؟! وهل يوجد موضع في القرآن جاءت فيه الضلالة بمعنى النسيان؟ هذا مع أنّه لدينا آيات كثيرة في الكتاب العزيز [وردت فيها هذه الكلمة] ﴿يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ ويُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ﴾؛٢ فهل تعني هنا: يشترون النسيان؟ على الإنسان أن يكون جاهلاً بالله تعالى إلى هذه الدرجة [حتّى يتفوّه بمثل هذا الكلام]! وعلاوةً على ذلك، فإنّه لدينا آية قرآنيّة جاءت فيها الضلالة في مقابل النسيان: ﴿قالَ فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى﴾٣، حيث يقول فرعون لنبيّ الله موسى: ما هي مسؤوليّة الناس الذين عاشوا في القرون الأولى تجاه مسألة الهداية؟ ﴿قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسى﴾؛٤ فالضلالة أتت هنا في مقابل النسيان؛ وحينئذ، نجد ذلك السيّد يُفسّر الضلالة بمعنى النسيان، ويقول: إذا نست إحداهما، فإنّ الأخرى ستُذكّرها! أوّلاً، ليس من المؤكّد أن تكون ذاكرة المرأة أضعف من الرجل؛ وثانيًا، لماذا تُعملون التحريف في هذه العبارة؟ أنّى يدلّ لفظ الضلالة على معنى النسيان؟ «تضلّ» من الضلالة بمعنى الزيغ؛ فإذا ضلّت إحدى النساء في مقام أداء الشهادة بسبب بعض الأمور كسيطرة العواطف، وعدم الفهم الصحيح للحادثة ﴿فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى﴾، فإنّ الأخرى تأتي وتُذكّرها؛ وهذا هو المعنى الصائب [للآية]؛ لكنّك تجدنا نعمد إلى الكلام الصريح لأمير المؤمنين، ونسعى من خلال التفسيرات السخيفة والكاذبة والباطلة لإبرازه بشكل مسوّغ، حتّى يُعجَب بنا حفنة من الناس.. عساهم ألاّ يُعجبوا بنا لمائة سنة! ومن قال: عليهم أن يُعجبوا بنا؟! فإذا قال أمير المؤمنين: نواقص العقول، فلماذا تسعون لطرق هذا الباب وذاك؟ لماذا تتوسّلون بالكذب؟ لماذا تُحرّفون هذه الآية القرآنيّة؟ ولأجل من؟

    1. سورة البقرة، الآية ٢۸٢.
    2. سورة النساء، الآية ٤٤.
    3. سورة طه، الآية ٥۱.
    4. سورة طه، الآية ٥٢.

تقييد تدخّل المرأة في الشؤون الاجتماعيّة - علل وأسباب

14
  • البيان الصحيح والواقعيّ لعبارة «نواقص العقول» لا يرد عليه أيّ إشكال

  • لا زلت أذكر أنّه في بدايات الثورة، عرضت جريدة "اطّلاعات" شرحًا وتفسيرًا لوصيّة أمير المؤمنين عليه السلام للإمام الحسن في حاضرين؛ وقد كان المرحوم العلاّمة يشتري الجرائد آنذاك لبعض الغايات، وهذه الجرائد لا زالت موجودة الآن؛ ففي ذلك الزمان، عمل ذلك الكاتب على ترجمة كلام أمير المؤمنين إلى أن وصل إلى هذه الفقرة: «وَإن شئِتَ أن لا يعرفنَ غَيرَك فَافعَل»، فحذف هذه العبارة، وانتقل للعبارات التي بعدها؛ فأيّ شيء يُسمّى هذا؟ يُسمّى الرقابة.. الرقابة على كلام أمير المؤمنين! فتجدهم يقولون: «هذا الكلام لا ينفعنا اليوم، هذا الكلام لا يتحمّله مجتمعنا المعاصر، هذه المسائل لن يأخذ بها المجتمع اليوم».. فليفعلوا ما يحلو لهم! أ فهل أنت وصيّ على المجتمع؟! فأنت الآن تقتطع من كلام أمير المؤمنين، وتُمارس الرقابة عليه؛ لكن، لأجل من؟ إن كان لأجل المجتمع، فمن الذي يحترق قلبه لأجل هذا المجتمع أكثر: أنت أم عليّ؟ لماذا لا ينبغي علينا الإفصاح عن الحقيقة؟ علينا أن نفهم الحقيقة بشكل صحيح، ثمّ نُفصح عنها؛ أجل، لا يُمكن لأيّ أحد كيفما كان أن يتصدّى للحديث عنها؛ وإلاّ، سيُؤدّي ذلك للفوضى، ولبيان المسائل بنحو خاطيء؛ وحينما سنصل إن شاء الله تعالى إلى شرح هذه العبارات من أجل إماطة اللثام عن المسائل المبحوث عنها، سنُدرك بحول الله وقوّته أنّ كلام أمير المؤمنين واقعيّ، ولا يُسبّب بتاتًا أيّ حزن أو ملل، ولن يُؤدّي إلى استياء أيّ أحد؛ لأنّه يحكي عن مسألة حقيقيّة وصحيحة؛ ومرادي أنّه إذا جرى بيان الحقائق وتفسيرها على ما هي عليه، فلن ينزعج أيّ أحد، ولن ينبغي عليه ذلك؛ وأمّا إذا قلنا: «إنّ النساء نواقص العقول» هكذا، فإنّه سيُقال لنا: إنّ هذا الكلام قبيح جدًّا! إذ كيف يقول الإنسان عن النساء إنّهنّ نواقص العقول؟ لكن، إن جئنا، وبيّنا المسألة، مع الأخذ بالاعتبار تلك القرائن والأمور التي تُحيط بها، فإنّ النساء سيعترفن بأنفسهنّ بأنّ المسألة هي بهذا النحو، ولن يرد عليها أيّ إشكال من الأساس، حتّى يُؤدّي ذلك إلى انزعاج أحد من الناس. فهذه من أعظم المساويء التي يقوم بها الإنسان؛ وقد ابُتلي مجتمعنا للأسف بها أيضًا؛ وذلك أنّه يسعى في جميع الظروف للقيام بما يرى فيه مصلحة، من دون أن يلحظ الواقع، أو يهتمّ بمعرفته؛ فلنلجأ إلى تبديل كلام أمير المؤمنين ألف مرّة، لكن، هل نستطيع كذلك تغيير الواقع، أم لا؟

تقييد تدخّل المرأة في الشؤون الاجتماعيّة - علل وأسباب

15
  • علّة إعطاء حقّ الطلاق للرجل دون المرأة

  • لقد شاهدت بأمّ عيني رئيس المحكمة العائليّة ـ وقد كان يتردّد عليه الناس كثيرًا ـ يقول: «إنّ نسبة سبعين في المائة من طلبات الطلاق التي تأتي للمحكمة يتقدّم بها النساء، وثلاثين في المائة يتقدّم بها الرجال»؛ فكان يلجأ إلى القيام بأحد الأعمال، وهو عمل جيّد جدًّا، بل وهكذا ينبغي أن يكون عليه الأمر، حيث كان يقول: «نحن لم نكن نعتني بهذه الطلبات، وكنّا نُرجع الناس، ونقول لهم مثلاً: اذهبوا الآن، وعودوا بعد شهر واحد، فالمكتب مملوّ بالطلبات، وعندنا أشغال كثيرة، وعلينا أن نُحقّق في المسألة»؛ فيذهب هؤلاء، وحينما يمرّ شهر واحد، تكون المشاكل قد انحلّت. وكان يقول: «من بين هذه السبعين في المائة، يتراجع ستّون في المائة عن طلبهم؛ بينما يتراجع عشرون في المائة من تلك الثلاثين في المائة من الطلبات التي تتعلّق بالرجال»؛ أي أنّه كان يقول لمخاطبيه بلسان الحال: انظروا بأنفسكم إلى النسب المئويّة للطلبات ...؛ فالحياة في نهاية المطاف يعيش فيها الرجل والمرأة، ولا توجد فيها المرأة فقط؛ وكلاهما يمتلك أولادًا، وله مشاكله الخاصّة، لكنّ كلامنا يدور حول مسألة التحمّل، والحكم، والرؤية، وكيفيّة التعامل مع هذه القضايا، حيث نجد أنّ سبعين في المائة [من طلبات الطلاق] ترجع إلى النساء، وثلاثين في المائة تعود للرجال؛ حسنًا، هذا هو عين كلام أمير المؤمنين، وهذا الذي قاله [ذلك المدير]، وما فعله كان صحيحًا ومرضيًّا؛ إذ لا ينبغي ترتيب الأثر [على تلك الطلبات]؛ لأنّ الخلافات تحصل، فيغضب هذا، وتغضب تلك، حيث إنّ الغضب حقيقة واقعيّة، والإنسان لا يبقى على حالة واحدة دائمًا، بل تعرضه أحوال مختلفة؛ فيحصل فجأة نزاع بين [الزوجين]، فيقول لها: «اذهبي إلى حال سبيلك»، وتقول له: «اذهب أنت إلى حال سبيلك»؛ ولهذا، لا ينبغي اتّخاذ القرار بكلّ سهولة، بل ينبغي تقييم هذه الأمور، ودراستها، ووضع كلّ شيء في مكانه المناسب؛ ولهذا، قال الإسلام: «الطّلاقُ بَيدِ مَنْ أخَذَ بالسّاقْ»۱؛ وهذا هو السبب لجعل الطلاق بيد الرجال؛ وحينئذ، نأتي نحن، ونبدأ في وضع القوانين ونقول: إذا صار الأمر بهذا النحو، فالطلاق بيد المرأة؛ وإذا صار الأمر بذاك النحو، فالطلاق بيد المرأة ... إنّ جميع هذه الأمور مخالفة للشرع، والطلاق يجب أن يكون بيد الرجل؛ أجل، بمقدور الرجل حين الطلاق أن يُعطي المرأة الوكالة في التطليق؛ وهذه مسألة أخرى؛ وأمّا إذا أُخذ حقّ الطلاق من الرجل منذ البداية، وأُعطي للمرأة، وصار الرجل مسلوب الاختيار هنا، فإنّ ذلك سيتعارض مع القوانين الشرعيّة. فلماذا قال الرسول إنّ الطلاق بيد الرجل؟ لنفس هذا السبب الذي جعل ذلك المدير يقول إنّ سبعين في المائة [من نسبة الطلاق تتقدّم بها النساء]؛ فلو تقرّر أن يُعطى حقّ الطلاق للمرأة أيضًا، فلن يستقرّ حجر على حجر؛ وأقولها بجدّ؛ لأنّ هذه المسألة واقعيّة! فمن الحقائق والواقعيّات أنّ قدرة الرجل على تحمّل القضايا أكثر بكثير من المرأة؛ لأنّ المرأة لطيفة؛ ولهذا، فإنّ لأحوالها وظروفها ومكانتها اقتضاءات خاصّة؛ وهكذا الشأن أيضًا بالنسبة للأحكام التي تُصدرها؛ وبالتالي، إذا أرادت أن تفرض على الرجل هذه الأحكام، فلن يُطلق عليه بعد ذلك اسم الرجل، بل سيُقال عنه إنّه امرأة! كأن تقول له: «لا تُصاحب فلانًا، وصاحب علاّنًا، اذهب إلى هنا، ولا تذهب إلى هناك»، فيُطيعها الرجل في ذلك؛ وهذه من الحقائق التي يرى فيها الإنسان تسليم الرجل إرادته واختياره للمرأة؛ وهنا، سيكون واضحًا إلى ماذا سيؤول إليه الأمر؛ أجل، لا شكّ في أنّ بعض النساء تكنّ أقوى من الرجل من الناحية الفكريّة؛ ففي كلّ أمر عامّ، قد تكون بعض الاستثناءات، غير أنّ الحكم يجري على أساس الأغلبيّة؛ فمن الممكن ألاّ يكون بعض الرجال في نفس المستوى الفكريّ مع زوجاتهم؛ وهذا أمر نشعر به في علاقاتنا؛ وسيأتينا حديث عن ذلك لاحقًا، حيث نُشاهد بأنّ المرأة قد تقود الرجل، وتُرشده في مجال الأحكام؛ لكن، يبقى أنّ بحثنا عامّ ومبنيّ على الأغلب، وليس جزئيًّا ومبنيًّا على موارد الاستثناء.

    1. حديث نبويّ: كنز العمّال، ج ٩، ص ٦٤۰، الحديث ٢۷۷۷۰؛ الجامع الصغير، ج ٢، ص ۷٥؛ سنن الدارقطني، ج ٤، ٣۷؛ شرح اللمعة، ج ٥، ص ٣٣٢، وج ٦، ص ٢٤.

تقييد تدخّل المرأة في الشؤون الاجتماعيّة - علل وأسباب

16
  • فلو جئنا إلى زهير بن القين، أ فلم تكن زوجته هي التي دلّته على الإمام الحسين؟! فهو لم يكن يريد الذهاب، وكان متردّدًا، لكنّها شجّعته على ذلك؛ وبالتالي، فقد تغلّبت عليه في تلك اللحظة، وكانت أفضل منه في ذلك الحين؛ لأنّها هي التي دفعته في ذلك الطريق، وصيّرته من أهل الجنّة؛ ولدينا نظائر كثيرة لهذه المسألة، لكنّها خارجة عن البحث العامّ الناظر للأغلبيّة، والذي تبتني عليه الأحكام والتكاليف الشرعيّة؛ فمن القبيح جدًّا أن يتغاضى الإنسان ـ وللأسف ـ عن هذه الحقائق لأجل بعض الاعتبارات.

  • نماذج لتحريف الحقائق إرضاءً للغير

  • ففي ذلك الزمان، كان المرحوم العلاّمة منزعجًا جدًّا من هذه المسألة؛ وأذكر أنّه كان يتحدّث في مسجد القائم عن موضوع معيّن لا يحضرني الآن؛ وذلك في بدايات الثورة؛ فطرح هذه المسألة، وقال: تعالوا، وانظروا إلى هذه الوصيّة التي تُرجمت في جريدة "اطّلاعات"؛ فحينما وصل المترجم إلى هذه العبارة، حذفها، ثمّ انتقل للعبارات والفقرات التالية.. حسنًا، فمن الوصيّ على الدين: أنت أم عليّ؟ تقولون: «أهل هذا العصر لا يُعجبهم ذلك»! أ فهل تُريدون تنزيه عليّ؟ إنّ عليًّا لا يحتاج للتنزيه؛ لأنّه منزّه بنفسه؛ وهل تسعون إلى تجميله في أعين الناس؟ وذلك بأن تحذفوا تلك المواضع، وتقتطعوا تلك الزوائد على حدّ زعمكم، فتصنعوا صورة جميلة وحسنة لعليّ يكون فيها منسجمًا مع الجميع، ويطرح فيها المسائل بشكل يلائم الكلّ؛ لكن، في هذه الحالة، لن يكون هذا الشخص هو عليًّا، بل سيضحى فنّانًا يُوائم نفسه ويُكيّفها مع كلّ سيناريو؛ وهنا سيُصبح عليّ مجرّد فنّان وممثّل أدوار.

  • إنّ عليًّا هو ذاك الذي يحكي عن الواقع، وينطق بالحقّ؛ ومن شاء فليقبل، ومن شاء فليرفض؛ وليست تلك هي وظيفته، بل وظيفة أمير المؤمنين هي بيان الواقع والوصول إليه؛ لكنّ هذه المسألة موجودة للأسف؛ وهي أنّنا لا نقدر في بياننا للحقائق على أن نُبّلغ للناس ما هو موجود بنحو شفّاف، وكما هو عليه الحال في الواقع؛ فتجدنا نقول شيئًا، ونخفي شيئًا آخر، ونبيّن الحقائق بما يتوافق مع رغباتنا؛ ويبقى أنّ هناك كلام كثير جدًّا بخصوص هذه المسألة.

تقييد تدخّل المرأة في الشؤون الاجتماعيّة - علل وأسباب

17
  • أذكر أنّه بعد ارتحال المرحوم العلاّمة رضوان الله تعالى عليه، كنت في مشهد، فجاءت إحدى جرائد خراسان، لكي أكتب لهم مقالة؛ لأنّ الجميع أحالوهم عليّ؛ لكن، حينما جاؤوا عندي، أحجمت عن ذلك بسبب بعض الاعتبارات، وبسبب نفس هذه المسائل [التي تحدّثنا عنها]؛ فاعتذرت منهم بأنّ وقتي لا يسمح، والفرصة لا تسنح لذلك؛ فقالوا لي: ولو مقالة مختصرة؛ فمهما امتنعت، لم يقبلوا؛ وبعد ذلك، أخذت تعهّدًا من ذلك الشخص أنّني سأكتب لهم مقالة، لكن بشرط ألاّ ينقصوا منها أو يزيدوا فيها كلمة واحدة؛ فقال لي: «حسن جدًّا، أنا أضمن لك ذلك»؛ وفي تلك المقالة، كتبت أنّ المرحوم العلاّمة رضوان الله تعالى عليه كان يقود الثورة في سنة ٤٢ ويُرشدها بمعيّة ورفقة قائد الثورة الإسلاميّة سماحة آية الله الخمينيّ؛ فذكرت فيها كلمة «برفقة»؛ وهذه بحدّ ذاتها لها حكاية مفصّلة؛ لكنّ الواقع كان بهذا النحو. وحينما طُبعت تلك المقالة، رأيت أنّهم لم يكتفوا بممارسة الرقابة عليها، بل حرّفوها، وكتبوا «بمتابعةٍ لقائد الثورة سماحة كذا»؛ وذكروا في ذلك الحين حتّى لفظ الإمام؛ فقاموا بهذا الفعل، لكن، أليس هذا حرام؟ لقد قدّمتم لي وعدًا، وأنا لم أكتب المقالة من نفسي، وحتّى أنّني أحجمت عن كتابتها، إلاّ أنّكم أصررتم عليّ، ولم تقبلوا بمغادرة المنزل، إلاّ بعد أن أسلّمكم إيّاها؛ ثمّ اشترطت عليكم ألاّ تحذفوا أو تزيدوا كلمة واحدة؛ وفي مقابل ذلك، لم تكتفوا باقتطاع العبارة، بل غيّرتموها؛ فهل هذا جائز؟ هل هذا ما يقوله الإسلام؟ لماذا ينبغي أن يكون الأمر بهذا النحو؟ إنّ هذه آفة أمسكت للأسف بخناقنا، بينما نحن اليوم في أمسّ الحاجة إلى الصراحة والشفافيّة، ويحتاج مجتمعنا المعاصر إلى الصدق؛ فعلينا أن نُبيّن الصافي والخالص الذي وصلنا من روّاد الدين والقادة إلى سُبُل السلام وأئمّة الهدى، وبَلَغنا من المصادر والأدلّة، من دون أن نزيد أو ننقص من أنفسنا أيّ شيء؛ وإلاّ، فما هي النتيجة؟ النتيجة هي هذه الخلافات والنزاعات والتناقضات التي نُشاهدها.. قال: «از ماست كه بر ماست»۱.

  • فعلينا أن نقول بكلّ صراحة: «أيّها السيّد! هذا ما ذكره الإمام عليه السلام، وهذه هي المسألة التي بيّنها، ولا دخل لي بالأمور الأخرى»؛ فطبقًا للآية القرآنيّة الصريحة، إرث المرأة نصف إرث الرجل؛ لكنّك تجدنا نأتي، ونُفتي بأنّهما متساويان في الإرث، حتّى لا يقدحوا فينا، ومراعاةً لدول العالم وحقوق الإنسان [على حدّ زعمهم]، ولأجل نيل بعض الترحيبات، ولكيلا يُقال إنّ الإسلام بهذا النحو أو بذلك النحو؛ حسنًا، إنّنا سنكون بذلك قد خالفنا تلك الآية القرآنيّة الصريحة؛ كما أنّ دية المرأة نصف دية الرجل.. لماذا؟ الله أعلم، وما دخلي أنا بذلك؟ وما علاقتي به؟ وإن كنت لا ترضى بهذا الأمر، فذلك شأنك! أ وهل يوجد من أجبرك على القبول؟ فلو تقرّر أن يكون الدين ... فنحن لا نستطيع أن نضع الآية القرآنيّة ﴿لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾٢ جانبًا، أو أن يُقال: «إنّ هذه الآية تختصّ بذلك الزمان، وعلينا أن نعمل من هذا الزمان فصاعدًا على تغيير الآيات، وعلينا أن نُبدّل القراءات والتفسيرات، فقد صار العصر بهذا النحو»! ما هذا الكلام أيّها السادة؟! هل تُريدون منّا أن تأتي ثلّة من شاربي الخمر وعديمي الفهم واللاأباليّين من أقصى العالم، فنتخلّى عن مبادئنا ومصادرنا المُحكمة من أجل إرضائهم؟ فما هي نتيجة ذلك؟ نتيجته: خسِر الدنيا الآخرة؛ فآخرتنا [بسبب هذه الأعمال] معلومة، ودنيانا هي كما ترون، بل وسترون أكثر من ذلك؛ كلّ ذلك لأجل ماذا؟ يا عزيزي، اعرض حكم الإسلام وحكم الله تعالى، وبيّن ما قاله الرسول، وحسب؛ ومن شاء أن يُعجبه ذلك، فبها ونعمة، ومن شاء ألاّ يُعجبه، فذلك شأنه!

    1. مثل فارسيّ مأخوذ من شعر لناصر خسرو تعريبه: «منّا وعلينا»؛ والمراد منه الإشارة إلى أنّ المصائب التي تحلّ بالإنسان تكون عادةً نتيجة لأفعاله السيّئة، يقول تعالى: ﴿وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْديكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثيرٍ﴾. المعرّب
    2. سورة النساء، الآية ۱۱.

تقييد تدخّل المرأة في الشؤون الاجتماعيّة - علل وأسباب

18
  • لقد سعى صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى هداية الناس طيلة ثلاثة وعشرين عامًا، فكم ظلّ منهم؟ بقي منهم ثلاثة! فلماذا إذن لجأ إلى إيجاد مسألة الغدير؟ ولماذا لم يقل لإسعاد الناس وإبهاجهم: «أيّها الناس، قوموا للانتخابات، فالديمقراطيّة هي الحاكمة، فانتخبوا من تشاؤون»! فهذا كان سيُعدّ أفضل! وإذا كان النبيّ يسعى لإرضاء الناس، لماذا لم يقترح عليهم الشخصيّة الأكبر سنًّا، والأطول لحية، والأبيض شعرًا، والأكثر وجاهة عندهم؟ لماذا لم يفعل ذلك؟ لأنّه كان يخشى من عاقبته ﴿وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ﴾،۱ وكان يقف عند رأسه [قوله تعالى]: إن لم تقم بهذا العمل، فكأنّك لم تكن رسولاً أبدًا، ولم تفعل أيّ شيء بتاتًا! فالله تعالى لا يمزح حتّى مع نبيّه، ولا يمزح مع أيّ أحد؛ ولهذا، [فقد بلّغ] صلّى الله عليه وآله وسلّم ذلك مع أنّه كان يعلم [بعدم امتثال الناس]؛ والشاهد على ذلك أنّه أخبر عدّة مرّات عمّا سيحصل من بعده، وقال مرارًا وتكرارًا وفي موارد مختلفة: «فإنَّكُمْ لاتَعْلَموُنَ ما تَفْعَلوُنَ بَعدي»؛ فهو كان يعلم إذن؛ ولهذا، فقد أخبر عن ذلك لمرّات عديدة؛ لكن، مع ذلك كلّه، فقد كان صلّى الله عليه وآله وسلّم مسؤولاً: أنا مكلّف، وسأؤدّي مهمّتي، فيا أيّها الناس، إنّ عليًّا خليفة؛ ولا دخل لي ببقيّة الأمور؛ فإن تعملوا بما أقوله لكم، فأنتم الذين ستنجون؛ وإن لم تعملوا به، فالويل لكم أنتم! فهذا هو مفاد الكلام الذي قاله الرسول، لكنّهم لم يعملوا به، ونكصوا بأجمعهم، إلاّ ثلاثة منهم: سلمان وأبو ذرّ والمقداد، ثمّ التحق بهم عمّار بعد ذلك، فصاروا أربعة؛ فهؤلاء الأربعة أو الخمسة هم حصيلة ثلاثة وعشرين سنة من التبليغ والرسالة.

  • وحينئذ، على من سيحترق قلبي أنا؟! فإذا كان النبيّ [مع عظمته] قد قام بكلّ تلك الأعمال طيلة ثلاثة وعشرين سنة، فتفرّق الجميع من حوله، على من سيحترق قلبي أنا؟ على شخص سيسعد [بتلك الأمور]، وعلى أفراد يقولون إنّ المسألة بهذا النحو، وبذلك النحو! عساك ألاّ تُسلم أيّها السيّد من الآن إلى مائة سنة للأمام، وصر كافرًا، فأنا لستُ وصيًّا عليك، بل أنا مجرّد طالب من طلبة العلم، قرأت كتابين، وتوصّلت بمقتضى الأدلّة إلى فهم معيّن، فآتي، وأطرح ما فهمتُه؛ فإن شئت، فاقبل، وإن شئت، فلا تقبل؛ سواءً كنتَ رجلاً أو امرأة، من دون أيّ فارق.

    1. سورة المائدة، الآية ٦۷.

تقييد تدخّل المرأة في الشؤون الاجتماعيّة - علل وأسباب

19
  • انتفاء الذكورة والأنوثة في العوالم العلويّة

  • فإذا تعدّى الرجل على المرأة، فإنّهم سيلقون به على رأسه في جهنّم؛ لأنّ الله تعالى لا يُجامل أيّ أحد؛ وإذا خرجت المرأة عن طاعة زوجها، فإنّ كافّة أعمالها ستذهب هباءً منثورًا؛ من دون أن يُجاملها الله تعالى أبدًا؛ وسيأتينا في الجلسات اللاحقة إن شاء الله تعالى حديثٌ عن عدم وجود فارق بين الرجل والمرأة في عوالم ما بعد البرزخ والمثال، وفي عالم الملكوت، وأنّ هذه الاختلافات توجد بأجمعها في عوالم البرزخ والمثال والمادّة والناسوت، بينما لا وجود في العوالم العلويّة بتاتًا للذكورة والأنوثة؛ لأنّ الأرواح والنفوس هناك تكون واحدة؛ فهذه الاختلافات ترتبط بهذا العالم الذي يُعتبر عالمًا للتربية، والامتحان، وبروز الفعليّات، وإيصال الاستعدادات للفعليّة؛ والله تعالى جعل لكلّ واحد طريقًا خاصًّا، بحيث لا يُمكن أن يمشي إثنان في طريق واحد؛ فحينما يذهب مريضان عند الطبيب، فإنّه لا يصف لهما نفس الدواء، ولا يعطيهما نسخة واحدة منه، بل يفحصهما، فيقول لأحدهما: «عليك أيّها السيّد أن تشرب الدواء»، ويقول للآخر: «عليك أن تخضع للتصوير بالأشعّة السينيّة، وتُجري عمليّة»؛ فنحن نظنّ أنّ الدين عبارة عن استنساخ وإعادة طباعة! فندّعي أنّ [الأحكام] واحدة بالنسبة للجميع، فالإرث واحد، والقصاص واحد، والتساوي في كلّ شيء، ثمّ يُخيّل إلينا أنّنا أتينا بفقه جديد ومعاصر؛ في حين أنّنا لم نقم إلاّ بإظهار جهلنا وإثباته.

  • نرجو من العليّ القدير أن يفتح أبصارنا بحوله وقوّته، ويحفظنا من هذه المهانات والزلاّت التي لا ينتج عنها إلاّ ضياع ديننا، وانسداد طريقنا، وتوقّف حركتنا، وانفصالنا عن مصدر التشريع ومنبع الوحي.

  • اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد