رسالةٌ بَديعةٌ

في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

رسالةٌ بَديعةٌ 2448
مشاهدة المتن

المؤلّف العلامة آیة الله السيد محمد الحسين الحسيني الطهراني

القسم التاريخ و الاجتماع


التوضيح

أُلّفت هذه الرسالة بالعربية في تفسير آية {الرجال قوامون على النساء} وتتضمّن دروساً استدلاليّة في مورد جهاد وقضاء وحكومة المرأة، وبحثاً في فلسفة حقوق المرأة والرجل، ومعنى تساوي حقوق المرأة والرجل، وحدود مشاركة النساء في الجهاد، وروايات وإجماع الفقهاء في عدم جواز تصدّي المرأة لمناصب الحكومة والقضاء وعدم جواز ورود النساء في مجلس الشورى.
وتضمّ هذه المجموعة مطالب تفسيريّة، روائيّة، فقهية، علمية، واجتماعية؛ كما جرى البحث فيها ـ للمناسبة ـ عن ولاية الفقيه.
وقد تُرجمت هذه الرسالة من قبل عدّة من الفضلاء إلى الفارسية لاستفادة العموم منها.
/۱٦٤
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

1

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

4
  •  

  •  

  • مقدِّمة الكتاب‌

  •  

  •  

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

5
  •  

  •  

  • بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‌

  • الحمدللَه الذي خَلَقَنا من نفسٍ واحِدَةٍ،

  • و خلق منها زَوْجَها، وَ بَثَّ منهما رِجالًا كثيراً و نِساءً۱،

  • و أخرجنا من الظُّلمات البهيميّة إلى الأنوار الإنسانيّة؛ 

  • و قَرَّب منازِلنا خلقاً بعد خلقٍ فَسَوّانا بإيداع الصِّفات الإلهيّة و النُّور الأحديّة؛

  • {فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ}٢.

  •  

  •  

  • ثُم شَرَّفنا بالتَّكليف، و أضافَنَا بالتَّشريف، و فَضَّلنا بالتَّكريم: {وَ لَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَ حَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ وَ رَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَ فَضَّلْناهُمْ عَلى‌ كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا}٣.

  • وَ سَخَّرَ لَنا مَا في السَّمَوَاتِ وَ مَا في الأرْضِ٤، وَ سَخَّرَ لَنا الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ دائِبَيْن وَ سَخَّرَ لَنا اللَّيْلَ وَ النَّهَارَ٥، وَ خَلَقَ لَنَا ما في الأرْضِ جَميعاً٦،

    1. اقتباس من الآية الاولي من سورة ٤: النساء، و هي قوله تعالي: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِى خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍۢ وَٰحِدَةٍۢ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَآءً}.
    2. الآية ۱٤ من سورة ٢٣: المؤمنون.
    3. الآية ۷۰ من سورة ۱۷: الإسراء.
    4. اقتباس من الآية ٢۰ سورة ٣۱: لقمان، و هي قوله تعالي: {أَلَمْ تَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِى ٱلْأَرْضِ}، و من الآية ۱٣ من سورة ٤٥: الجاثية، و هي قوله تعالي: {وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِى ٱلْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ}.
    5. اقتباس من الآية ٣٣ من سورة ۱٤: ابراهيم، و هي قوله تعالي: {وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ دَآئِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ }.
    6. اقتباس من الآية ٢٩ من سورة ٢: البقرة، و هي قوله تعالي: {هُوَ ٱلَّذِى خَلَقَ لَكُم مَّا فِى ٱلْأَرْضِ جَمِيعًا}.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

6
  • وَ آتانا مِنْ كُلِّ مَا سألْنَاهُ وَ إنْ نَعُدَّ نِعْمَةَ اللهِ لا نُحْصِهَا،- سبحانَك اللّهمَّ- إنَّ الإنْسَانَ لَظَلومٌ كَفَّارٌ۱.

  • و الصَّلاه و السَّلام على خيرِ مَنْ أوتيَ جوامِعَ الكَلِمِ وَ فَصْل الخِطابِ، صاحِبِ الشَّريعةِ الإلهيَّةِ و الدِّينِ القويمِ، الجائي من اللهِ بِنُورٍ و كِتابٍ مُبينٍ‌ {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَ يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَ يَهْدِيهِمْ إِلى‌ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ}٢، آمرِنا بالمعروفِ و ناهينا عن المنكر، و المُحِلِّ لنا الطَّيِّباتِ و المُحرِّم لنا الخبائِث و الواضع عنَّا الإصْرَ و الأغْلالَ التي كانَت عَلينا٣، القائِلِ بقوله الحقِّ و كلامِهِ الصِّدقِ: حَلَالُ مُحَمَّدٍ حَلَالُ إلَى يَوْمِ القِيَامَةِ وَ حَرَامُ مُحَمَّدٍ حَرَامٌ إلَى يَوْمِ الْقِيِامِةِ٤؛ و على آله الطّاهرينَ الحافظينَ لدينه، القَيِّمينَ لكتابه، الأولياءِ لُامَّتِهِ، صِلِاةً لا يَقْوى على إحصائِها غيرُك.

  • اللَهمَّ اجعلنا من الَّذين آمَنوا به وَ عَزَّرُوهُ وَ نَصَرُوهُ وَ اتَّبعوا النُّورَ الذي انزل مَعَه، و اجْعلنا من المُفْلِحينَ٥ بِهِ و بِوِلاءِ أوصيائِه و ذرِّيَّتِهِ الطَّيِّبة إنَّك سميعُ‌

    1. اقتباس من الآية ٣٤ من سورة ۱٤: ابراهيم، و هي قوله تعالي: {وَءَاتَىٰكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ لَا تُحْصُوهَآ إِنَّ ٱلْإِنسَٰنَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ}.
    2. اقتباس من الآية ۱٥ و ۱٦ من سورة ٥: المائده، و هي قوله تعالي: {قَدْ جَآءَكُمْ مِّنَ اللَهِ نُورٌ وَكِتَـ'بٌ مُّبِينٌ ، يَهْدِي‌ بِهِ اللَهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَ نُهُ سُبُلَ السَّلَـ'مِ} (الآية).
    3. اقتباس من الآية ۱٥٦ من سورة ۷: الأعراف، و هي قوله تعالي: {ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِىَّ ٱلْأُمِّىَّ ٱلَّذِى يَجِدُونَهُۥ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِى ٱلتَّوْرَىٰةِ وَٱلْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَىٰهُمْ عَنِ ٱلْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ ٱلْخَبَٰٓئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَٱلْأَغْلَٰلَ ٱلَّتِى كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِهِۦ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَٱتَّبَعُواْ ٱلنُّورَ ٱلَّذِىٓ أُنزِلَ مَعَهُۥٓ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ}.
    4. روى الحرُّ العامليّ في «وسائل الشيعه» كتاب القضاء باب ۱٢: وجوب التّوقف و الاحتياط في القضاء و الفتوى و العمل في كلّ مسألة نظريَّةٍ لم يعلم حكمها بنصّ منهم عليهم السلام، حديث الرقم ٤۷ من طبع المطبعة الإسلاميَّة، ج ۱۸، ص ۱٢٤، و الرقم ٥٣ من طبع البهادريّ، ج ٣، ص ٣٩۸ عن كتاب «كنز الفوائد» للكراجكيّ بإسناده المتَّصل عن أبي جعفر الباقر عليه السَّلام: قال: قال جدّي رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم: «أيُّها النّاس حلالي حلال إلى يوم القيامة، و حرامي حرام إلى يوم القيامة! ألا و قد بيَّنهمَا الله عزَّ و جلَّ في الكتاب، و بيَّنتهما لكم في سنّتي و سيرتي» (الحديث).
      وروى الكلينيّ في «أصول الكافي» ج ٢، كتاب الإيمان و الكفر، باب الشرايع، ص ۱۷ من طبع الحيدريّ بإسناده المتّصل عن سماعة بن مهران قال: قلت لأبي عبدالله عليه‌السلام: قول الله عزَّ و جلَّ: {فَٱصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلْعَزْمِ مِنَ ٱلرُّسُلِ}، كيف صاروا أولي العزم؟ قال: لأنّ نوحاً بعث بكتاب و شريعة- إلى أن قال عليه السلام- حتّى جاء محمَّد صلى الله عليه و آله، فجاء بالقرآن و بشريعته و منهاجه، فحلاله حلال إلى يوم القيامة، و حرامه حرام إلى يوم القيامة؛ فهؤلاءِ اولوالعزم من الرُّسل عليهم السلام.
      وروى أيضاً فيه، ج ۱، كتاب فضل العلم، باب البدع و الرَّأي و المقاييس ص ٥۸، عن عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن يونس، عن حريز، عن زرارة قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن الحلال و الحرام، فقال: حلال محمَّد حلال أبداً إلى يوم القيامة، و حرامه حرام أبداً إلى يوم القيامة، لا يكون غيره و لا يجيي‌ء غيره، و قال: قال عليّ عليه السلام: «ما أحدٌ ابتدع بدعةً إلّا ترك بها سُنَّةً».
    5. اقتباس من الآية ۱٥٦ من سورة ۷: الأعراف، و هي قوله تعالي: {ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِىَّ ٱلْأُمِّىَّ ٱلَّذِى يَجِدُونَهُۥ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِى ٱلتَّوْرَىٰةِ وَٱلْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَىٰهُمْ عَنِ ٱلْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ ٱلْخَبَٰٓئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَٱلْأَغْلَٰلَ ٱلَّتِى كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِهِۦ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَٱتَّبَعُواْ ٱلنُّورَ ٱلَّذِىٓ أُنزِلَ مَعَهُۥٓ ۙ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ}.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

7
  • النِّداءِ، و العن الَّذين بَدَّلُوا دينَك وَ حَرَّفوا كَلِمَتَكَ وَ سخِروا بإمامِك، و لا تكِلنا إلى آرائِنا و أهوائِنا، ربَّنا و تَقَبَّلِ الدُّعاءَ.

  • ثمَّ إنَّي لمَّا رأيتُ هجومَ الحَضارةِ الكفريَّةِ، الشَّرقيَّةِ منها و الغربيَّةِ على الشَّريعة الإسلاميَّة بنظامها الكامل و أساسها الكافل في حقوق الرِّجال و النِّساءِ و ما يُرى فيها من الاختلاف حسبَ ما تستدعيه الفطرةُ و تستحقُّه الغريزةُ، بأنَّ الاختلاف يوجب سلبَ حقوقهنَّ الطبيعيَّةِ في الاجتماع و طردَهُنَّ من إمكان اكتساب الكمالات النفسيَّةِ إلى زاويةِ الخمولِ و قعرِ البَيْتِ، ثُمَّ ما رأيت في جواب طائِفةٍ بأنَّ هذا المنع و التَّحريم إلهيّ لمراعاتِ المصلحةِ العامّةِ و هذا السّلب ضروريّ لبقاءِ المدينة الفاضلة، و جوابِ طائِفةٍ اخرى بمنع الاختلاف بتًّا و ادِّاءِ تساوي حقوقهم و حقوقهنَّ في جميع مراحلِ الحياةِ و الحضارةِ حتَّى الجِهاد و القَضاءِ و الحكومةِ، خَطَرَ ببالي أن أكتبَ حولَ هذه المسالة موجَزاً ممّا يُستفاد من الكتاب و السُّنَّة، مُؤيِّداً بما حكم العقلُ بما يَرى شأنَ الفِطرة، و ابَيِّن فيها الحقِّ في المقام و ضَعفَ ما في كلا الجوابينِ.

  • فنقولُ- و بالله الاستعانةُ و عليه التُّكلان و لا حولَ و لا قوَّةَ إلَّا بالله العليّ العظيمِ-: إنَّ بحثَنا هاهنا يقع في مرحلتين:

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

8
  • الاولى: البحث الكلّيّ عمّا يُستفاد من الفلسفة الإسلاميَّة بالنِّسبة إلى الرَّجلِ و المرأةِ على نهج عامٍّ.

  • و الثَّانيةُ: البحث الجزئيّ عمّا يُستفاد من الأدلَّة الشَّرعيَّةِ بالنِّسبةِ إلى تولي الجِهاد و القَضاء و الحكومةِ في حقِّ المرأة على نهج خاصّ.

  • أمَّا المرحلة الاولى فكلا منا فيها يقع في طيّ جهات.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

9
  •  

  •  

  • المرحلة الاولى

  •  

  •  

  • البحث الكلي عما يستفاد من الفلسفة الاسلامية في حقوق الرجل و المراة على نهج عام‌

  •  

  •  

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

11
  • الجهة الأولى: نظام العالم ... واحد

  • الجهة الاولى: إنَّ نظام العالم مع ما فيه من الكَثَرات، المُجرَّدات و المادِّيَّات، و المَلَكُوتيَّات و المُلكيَّات، و البسائِطِ و المركبَّات نظامٌ واحدٌ على أساس التَّوحيد الإلهيّ مبنيّ على قاعدة متينةٍ و طرزٍ بديعٍ و بناءٍ عظيم؛ كلُّ جزءٍ منه مرتبطٌ بالآخر بكمال الارتباط و الإتقان: {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْ‌ءٍ}۱، لا ينثلم بثُلْمَةٍ و لا ينفطر بفُطُورٍ: {ما تَرى‌ فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى‌ مِنْ فُطُورٍ}٢.

  • و لا يعرضه الباطل، و لا يعتريه لعبٌ و لهوٌ و عبثٌ:

  • {وَ ما خَلَقْنَا السَّماءَ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما باطِلًا ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا}٣.

  • {وَ ما خَلَقْنَا السَّماءَ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما لاعِبِينَ ، لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ‌٤؛ أَ فَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَ أَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ}٥.

  • بل أسَّسَه رَبُّة و أتْقَنَه مُدبِّره على بناء الحقِّ:

  • {وَ ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ}٦.

  • فإذن جميع ما في العالم الأعلى من العوالم و شؤونها و ما يُرى فيها من العقول المفارقه و المقارنة و النُّفوس الرُّوحانيَّةِ النَّاطقيَّةِ و الحيوانيَّةِ و النَّباتيَّةِ و الجماديَّةِ و غيرها حقُّ صِرفٌ، و حقيقةٌ بَحتةٌ، و واقعيَّة بلا مجازٍ، و صدقٌ بلا

    1. الآية ۸۸ من سورة ٢۷: النّمل.
    2. الآية ٣ من سورة ٦۷: الملك.
    3. الآية ٢۷ من سورة ٣۸: ص.
    4. الآية ۱٦ و ۱۷ من سورة ٢۱: الأنبياء.
    5. الآية ۱۱٥ من سورة ٢٣: المؤمنون.
    6. الآية ۸٥ من سورة ۱٥: الحجر.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

12
  • هزءٍ، متجليّاتٌ بجماله و جلاله، و متدلّياتٌ بعزّه و قوامه، و ظهوراتٌ لأسمائه و صفاته؛

  • {ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَ أَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ وَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}۱.

  • أفما حَسْبُنا قُولُه عَزَّ من قائِل: {سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَ فِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَ وَ لَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى‌ كُلِّ شَيْ‌ءٍ شَهِيدٌ ، أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْ‌ءٍ مُحِيطٌ}٢.

  • الجهة الثّانيه: البحث الكلّيّ في لزوم هداية الله تعالى كلَّ شي‌ء

  • الجهة الثانية: إنَّ اللهَ تبارك و تعالى لم يكن يُهمل الخلقَ بعد أن خَلَقَ، و لم يَتركه سُدى بل كان يُسيِّره بعد الخلق من بدءِ القابليَّةِ و الاستعدادإلى قُصوَى غايةِ الكمال من الفعليَّة و التَّماميَّة؛ كُلَّ شَي‌ء بحَسَبه؛ و هَدَاه إلى ما فَطَره و رَكَزَه فيه من القُوى إلى نِهاية مسيره بالتَّكوين و التَّشريع؛ و أعطى كُلَّ شَي‌ءٍ ما يحتاج إليه بحسب حاجته الفطريَّة و غريزته الطبيعيَّة؛ و يرزقه بلا فتورٍو لا تَعَبٍ في سبيل ما أودعه في جِبِلَّته و هويَّة وجوده و كينونة تحقُّقه.

  • أما تنظر إلى ما أجاب به موسى فرعونَ حين سأله و أخاه هارون عن ربِّهما بقوله: {رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى‌ كُلَّ شَيْ‌ءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى‌}٣.

  • و هذا جواب تامٌّ كاملٌ شاملٌ قد ادرج فيه لزومُ الهِدَاية بعد إعطاءِ كلِّ هويَّةٍ ما يُحَقِّقها من الوجود، و إفاضة كُلِّ ماهيَّةٍ ما تستحقُّها من الآثار.

  • و بهذه المثابة قوله عزَّ من قائِلٍ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ، الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى ، وَ الَّذِي قَدَّرَ فَهَدى‌}٤.

    1. الآية ٣۰ من سورة ٣۱: لقمان.
    2. الآية ٥٣ و ٥٤ من سورة ٤۱: فصّلت.
    3. الآية ٥۰ من سورة ٢۰: طه.
    4. الآية ۱ و ٢ و ٣ من سورة ۸۷: الأعلي.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

13
  • فَسُبحان من يُتمُّ أمرُه كلَّ شَي‌ء و في كلِّ شَي‌ء؛ و سُبحان من أطبق أمره على خلقه، و تشريعَه على تكوينه.

  • {كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ وَ أَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ}۱.

  • {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}٢.

  • فَسُبحانَ من أرسل الرُّسل و أنزل الكُتب و الموازين كي لا يَتَعدَّى الإنسانُ قَدرَه و لا يتجاوزَ عن حَدِّه:

  • {لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَ أَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَ الْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ}٣.

  • و لا يقول أحدٌ: {رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَ نَخْزى‌}٤.

  • و المحصِّل من الكلام أنَّ الدِّين القويم هو المتَّخذ من الفِطرة الإلهيَّة؛ و ما من قاعدة أو حكم كلّيّ أو جزئيّ إلّا مندرجةٌ تحتها مصلحةٌ كاملةٌ بلا تضادٍّ و لا تباينٍ بين سُّنةِ التَّكوين و التَّشريع؛ بل التَّشريع مُؤَيِّدٌ و مسدِّدٌ للتَّكوين و موجبٌ لتحريكِ الإنسانِ السَّاذِجِ من منازل الاستعدادِ و مراحل القابليَّة إلى كماله الغائِيّ و تمامه النِّهائيّ.

  • {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}٥.

    1. الآية ٢۱٣ من سورة ٢: البقرة.
    2. الآية ۱٦٥ من سورة ٤: النساء.
    3. الآية ٢٥ من سورة ٥۷: الحديد.
    4. الآية ۱٣٤ من سورة ٢۰: طه.
    5. الآية ٣۰ من سورة ٣۰: الرّوم.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

14
  • و على الأخصّ شريعة سيِّدنا محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه و آله و سلَّم، النُّورالمشرقِ، و الرُّوحِ المكمَّلِ، مُزكِّي النُّفُوسِ وَ مُطَهِّرِها، و التَّالِي لآياتِ اللهِ وَ مُبَيِّنِها، وَ مُعَلِّمِ الكتاب و الحِكْمَة، و مخرجِ النّاس من الظُّلمات إلى النُّوربإذن ربِّه و السِّراجِ المُضي‌ء.

  • {إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَ مُبَشِّراً وَ نَذِيراً ، وَ داعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَ سِراجاً مُنِيراً}۱.

  • الجهة الثّالثة: إنَّ نظام العالم لم يسلب عن كلِّ ذي حقٍّ حقُّه‌

  • الجهة الثَّالثة: إنَّ اللهَ عَزَّ و جلَّ لم يَسلُب عن ذي حقٍّ ولو بقدر ذَرَّةٍ، بل أعطاه من الحقوقِ على النَّهج الأوفر؛ لأنَّه تعالى عَدلٌ و يأمُر بالعَدل و القِسط و الوزنِ بالميزان المستقيم.

  • {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ}٢؛ {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ}٣؛ {وَ زِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ}٤.

  • و قد أورد في مواضعَ من كتابه‌ {وَ أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ}٥.

  • و أخبر في موارد كثيرة بأنَّه: {فَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ}٦؛ بل أخبر {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً}۷؛ و قال: {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ}۸.

  • و معلوم أنَّ من العدل إعطاء كلِّ ذي حقٍّ حقَّه بلا إفراطٍ و لا تفريطٍ. فالله سبحانه يُعطي كلَّ شَيْ‌ءٍ خَلَقَهُ حَسَبَ ما تستدعيه فطرتُهُ و تستجلبه‌

    1. الآية ٤٥ و ٤٦ من سورة ٣٣: الأحزاب.
    2. الآية ٩۰ من سورة ۱٦: النّحل.
    3. الآية ٢٩ من سورة ۷: الأعراف.
    4. الآية ٣٥ من سورة ۱۷: الإسراء.
    5. الآية ۱۸٢ من سورة ٣: آل عمران، و الآية ٥۱ من سورة ۸: أنفال، و الآية ۱۰ من سورة ٢٢: الحجّ.
    6. الآية ۷۰ من سورة ٩: التوبة، و الآية ٤۰ من سورة ٢٩: العنكبوت، و الآية ٩ من سورة ٣۰: الرّوم.
    7. الآية ٤٤ من سورة ۱۰: يونس.
    8. الآية ٤۰ من سورة ٤: النساء.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

15
  • غريزَتُه. فالإفراط تحكُّمٌ و تكليفٌ وراءَ التَّحمُّل، و تحميلٌ لما فوق القدرة و الطَّاقة. {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها}۱؛ بل‌ {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها}٢. كما أنَّ التَّفريط ظلمٌ و موجبٌ للمحروميَّةِ و التَّعطيل؛ {وَ لا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً}٣.

  • و حيث إنَّ الخلق و منه الإنسان لم يُخلق على وَتيرةٍ واحدةٍ و نهجٍ واحدٍ، بل يوجد في نوعه القويّ و الضَّعيفُ من جهة البُنيةِ البشريَّة و القوَّة المادِّيَّة، و من جهة الصِّفات الروحيَّة و الغرائِز الخُلقيَّة و التَّفكير و الإحساس و العواطف؛ فهو معجونٌ من موادّ مختلفة و صفات كثيرة، عَجَنَه ربُّه و ركَّبه مُدَبِّره على مدارجِ الاستعداد و مراتب الاستحقاق. أعطى الإنسانَ و منه الذَّكرُ و الانثى على مقدار ما أودع جلَّ و عزَّ في وجوده من القابليَّة، و كلَّف الذَّكر و الانثى كُلًّا على حسبِ ظرفه و سَعةِ محلِّه، و إلَّا لانقلب العدلُ ظلماً؛ و حاشاه أن يكون ظالماً.

  • فما يُرى من منع النِّساءِ عن جهات من الامور كالقَضاءِ، و الحكومة، و الجِهاد، و البُروز في أندية الرِّجال، و كشفِ الحجاب، و الجمعة، و الجماعة، و شهادة الجنائز، و الحضور عند القبور مع الجنازة، و رفعِ المشاقِّ عنها، ليس فيها جهةُ سلبِ حقٍّ عنهنَّ، بل إعطاءُ حقٍّ لهنَّ بالنَّحو الأتمِّ الأكمل.

  • و ذلك لأنَّه تبارك و تعالى لمَّا فطرهنَّ من أنواع الغرائِز و شَكِّلهنِّ بشاكِلَةٍ خاصَّةٍ راعي بالنِّسبة إليهنَّ ما هو صالح الأمر في حقِّهنَّ، و هو الكفُّ عن الجِهاد و القضاءِ و الحكومة و ما يضاهيها.

  • و هذا الكفُّ إنَّما هو حقٌّ إلهيّ أعطاهنَّ العليم الخبير، لا أنَّ حقَّهنَّ الأوَّليّ هو الجِهادُ و أمثالُه، و اللهُ مَنَعَهنَّ عنه و عن أشباهِه.

    1. الآية ۷ من سورة ٦٥: الطلاق.
    2. الآية ٢۸٦ من سورة ٢: البقرة.
    3. الآية ٤٩ من سورة ۱۸: الكهف.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

16
  • إن اللهَ تعالى لم يمنع ذا حقٍّ حقَّه، بل يُعطى كلَّ ذِي حقٍّ حقَّه؛ و إيَّاك و أن يشتبه عليك إعطاءُ حقٍّ من سلبِ حقٍّ.

  • إن الحقَّ الأوَّليّ للمرأة هو الكفُّ عن مَشاكِلِ الامور، لا أنَّ الحقَّ الأوَّليّ هو التَّرخيص فيها ثمَّ عرض عارضٌ إلهيّ و هو المنعُ عن إعمال هذا الحقِّ.

  • إن الحَقَّ الأوّلِيّ للمرأة هو الحجابُ و سترُ بدنها عن أنظارٍ شَهويَّةٍ موبِقَةٍ، لا أنَّ حقَّها الأوَّليّ هو السُّفور و الكَشف، و الله مَنَعَها عن هذا الحقِّ و ألزمَهَا الحجابَ و القرارَ في البيت.

  • أما و اللهِ لَقَد دَخَلَ التَّبديل و عَرَض التَّحريف، لا في مرحلة التَّكليم فقط بل في ساحةِ التَّفكير؛ حتَّى كأنَّ سُفورَ المرأة و كشفَها و دخولَها في جماعاتِ الرِّجال و تَصدِّيها للقَضاءِ و الحكومةِ و الجِهاد حقوقٌ أوليَّةٌ لها، و الشَّارع سَلَبَها عنها.

  • و هذا النحو من التَّحريف إنَّما هو الاستعباديّ الاستيلائيّ الفِكريّ، و هو تبديلُ مواضع المعاني عن محالِّها الأوَّليَّة وجلُها فيما لا يَستحقُّها.

  • و هذا من أعظم المصائب الواردة علينا من الكُفر الجاشِم لأنَّه بهذا التَّحريف كان قد أعمى بصائِرنَا عن إدراك واقع الأمر، لا أنَّه كان يكتفي بإعماءِ أبصارنا عن ظاهر الأمر.

  • و كم لهذه المسألة نظير في المعارف و الآداب، فكان الكُفر الحاسم قد أوقع علينا أشدَّ ضَرَباته بتحريف اللُّغات عن معانيها الواقعيَّة، و بتحريف المعاني مواضعها عن محالِّها اللّائِقَةِ بها.

  • نسأل اللهَ تعالى أن لا يُبقينا في العِمي بعدَ أن فَتَحَ عيونَنا بإحرازِ الرَّويَّة، و لا يَطْمِسَ بصائِرَنا بتعمية الحقيقة بعد أن نوَّرَهَا بإدراك البَصيرة؛ و لا يكلَنا إلى آرائِنا الزَّائفَةِ و أفكارنا الهالكة، فَنَذُوقَ وبَالَ أمرِنا و يكونَ عَاقِبَةُ

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

17
  • {أَمْرِها خُسْراً}۱، و لا يَجْعَلنَا مِمَّنْ أغْفَلَ قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِهِ وَ اتَّبَعَ‌ {هَواهُ وَ كانَ أَمْرُهُ فُرُطاً}٢.

  • الجهة الرّابعة: اختلاف الرَّجل و المرأة في القوى الظاهريَّة و الباطنيَّة

  • الجهة الرَّابعة: إنَّ من البديهيّ اختلاف الرَّجل و المرأة في جهاتٍ عديدةٍ، ظاهريَّةٍ و باطنيَّة، جسميَّةٍ و روحيَّةٍ، خَلقيَّةٍ، فِكريَّةٍ و عاطفيَّةٍ.

  • فاللهُ سبحانَه و تعالى دَرَّ عليهما من خزائِن رحمته و ملكوتِ بحار أسمائِه ما هو أليقُ بشاكِلَتِهِما و أحسنُ بتركيبهما.

  • {وَ إِنْ مِنْ شَيْ‌ءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَ ما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ}٣.

  • يكون الرَّجلُ شديدَ البَطْش، قويّ الأركان، متينَ الْبنيان، ذا قُوَّة تعقُّلٍ و تفكيرٍ حادٍّ و إحساسٍ متناسبٍ؛ و المرأةُ رقيقَ البنيان، لطيفَ الأركان، ذات إحساس حادٍّ و عاطفةٍ قويَّةٍ و تفكيرٍ متناسبٍ، بعكس ما يكون للرَّجل.

  • قد أودع اللهُ سبحانَه في كلٍّ منهما بَحَسَبَهِ ما هو لازمٌ له في الطَّريق الأحسن و النَّهج الأقرب إلى كَمال هويَّتهما و صَيرورةِ قابليَّتِهما فعليِّةً تامَّةً، حتّى تكون أثْمَرَتْ شجرةُ وجودِهما و نضجتْ ثمرةُ حَياتهما بلا تعطيلٍ و فتورٍ.

  • و أنت يا أيُّها العاقل! إذا فكَّرتَ في كيفيَّة ما أودع اللهُ فيهما من عالم الخِلْقَة، ثم ما يَتَرقَّب منهما في نِظام الوجود، لَتَرى المرأةَ ذاتَ تحمُّلٍ في أعباء الحمل، و إيداع النُّطفة التي هي أعظم تَجلٍّ إلهيّ في رَحِمِها التي هيمن أعظم جهازٍ في البَدَن، و المخاضِ و الولادةِ و الإرضاع، و التَّربية، و قد احتاجتْ إلى محبَّةٍ شديدة، و عاطفةٍ قويَّةٍ، و إحساس لطيفٍ، و ذوقٍ رقيقٍ كي تَتَحمَّلَ هذه المَشاكل، و تُرَتِّبُهَا بأدقّ ترتيبٍ، و تُنَزِّلُهَا بأحسنِ منزلة؛ و تحتاج‌

    1. اقتباس من الآية ٩ من سورة ٦٥: الطلاق، و هي قوله تعالي: {فذاقت وبال أمرها و كان عاقبة أمرها خُسراً}.
    2. اقتباس من الآية ٢۸ من سورة ۱۸: الكهف، و هي قوله تعالي: {و لا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا و اتّبع هواه و كان أمره فرطاً}.
    3. الآية ٢۱ من سورة ۱٥: الحجر.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

18
  • إلى السُّكونِ و القَرار، و فراغِ شغلٍ عن تحصيل النَّفقةِ و ترميمِ المعاش؛ بخلاف الرَّجل فإنَّه واقعٌ في معزل عن هذه الامور و غير مصادم بها؛ و الفطرة لا ينتظر منه في طَيّ هذه السِّلسلةِ الطَّويلةِ إلّا الاستيلاد؛ و لا مَؤُونة فيه بالنِّسبة إليه؛ فلابدَّ له من الْكَدِّ و السَّعيِ في المعاش، و تهيئة المَسكن و المَلبس و المَأكل و المَشرب، و ترميمِ البَيت من الآفاتِ و العاهاتِ، و ترتيب المنزل الاجتماعيّ على أحسنِ صورةٍ و أتَمِّ ترتيبٍ.

  • فعليه الخروج في طلب المنافع، و دفع المضارِّ و الجهاد، و الدِّفاع عن كينونة موجوديَّتهما و موجوديَّة المجتمع الذي يَعيشانِ فيه، و حَلِّ الامور و فَسْخِها، و الأخذ و البَطش و الدَّفع و الطَّرد بجسمهِ و عقلِه و ذِهنهِ.

  • فاللهُ- سبحانه و تقدَّس- أعطاه من قُوَّة الجِسم وَ ضخم العَظم، و من قُوَّة الفعل دون الانفعال، و التَّفكيرِ القويّ دون الإحساس، و من خُشونة الحَياة، و جُشوبة العَيش ما يستحقُّه بحسب خلقته و على نهج ما أودَعَه فيه من فطرته. و هذا هو التَّوزيع الصَّحيح و التَّقسيم السَّليم.

  • {إِنَّا كُلَّ شَيْ‌ءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ}۱؛ {وَ كانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً}٢؛ {وَ كُلُّ شَيْ‌ءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ}٣.

  • و هذا هو الحقُّ الَّذى وصف اللهُ سبحانَه نفسَه به بقوله: {بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ}٤. و هى الحكمة الَّتى تقتضى جَعْلَ كُلِّ شَيْ‌ء فى موضعه، و إعطاءَ كُلِّ ذى حقٍّ حَقَّهُ؛ و قد وصف اللهُ سبحانه نفسه بأنهَّ هو العليمُ الحكيمُ و أنَّه هو العزيزُ الحكيمُ فى آياتٍ كثيرة.

  • و هذا من ناحيةٍ؛ و من ناحيةٍ اخرى أنَّ بَين نفس الرَّجل و المرأة تجاذُباً

    1. الآية ٤٩ من سورة ٥٤: القمر.
    2. الآية ٣۸ من سورة ٣٣: الأحزاب.
    3. الآية ۸ من سورة ۱٣: الرّعد.
    4. الآية ٦٢ من سورة ٢٢: الحجّ.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

19
  • فعليّاً مغناطيسيّاً يَجذب كُلٌّ منهما صاحبَه، و يَجلبه بلا دافعٍ و لا مانعٍ؛ و استرسال هذا التّجاذب يُخِلُّ بأمر الزَّواج، و يُعطِّل أمر الأولاد، و يَهدم السُّكونَ المنزليّ، و يُهلك الحرثَ و النَّسل؛ {وَ اللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ}۱.

  • فاللهُ سبحانَه عيَّن مقدار التّجاذب وَحَدَّه على أساس الزَّواج، و الاستعفاف، و غضِّ البَصَر، و الحجاب، و عدم التّبرّج، و عدم الخضوعِ في القول، و القَرار في البيت.

  • دفع إشكال‌

  • و ما ربما يسمع من سفاهات بعض من لا خبرةَ له من أنَّ تقرير النِّساءِ في البيوت، و سَدْلَ الحجاب عليهنَّ، و عدمَ إشراكهنَّ مع الرِّجال في المعارك و الامور الخطيرة بالتَّصدِّي لأمر الولادة و الحضانة، هي التي أورثَت عليهنَّ الضَّعفَ في القوى البدنيَّة و التّفكيريَّة؛ فالضَّعف ثمرةٌ اكتسابيَّةٌ من هذه الرِّياضة الاجتماعيَّة، لا أمرٌ موهوبيّ غريزيّ؛ فكان معلولًا بها لا علّة لها.

  • يُبطله أوّلًا: أنَّ ما يُشاهد فيهنَّ من الضَّعف ليس مختّصاً بالمجامع التي تكون النِّساءُ فيها مُحَجَّبَةً و غيرَ مُداخلاتٍ في أعمال الرّجال؛ بل مشترك فيهنَّ و في غيرهنَّ، مع أنَّهنَّ يَحِضْنَ في كلِّ شهرٍ بلا تفاوتٍ منهنَّ بين الحَضَريَّة و البَدَويَّة.

  • و ثانياً: إنَّ اختلاف القوى في الذَّكر و الانثى ليس في دائِرة الإنسان فقطُّ، بل يسعى أقسام الحيوان بأنواعه، البَرِّيّ منه و البحريّ و الطُّيور؛ فالاختلاف مشهودٌ في أنواعه في ذَكَرِه و انثاه؛ فأينَ هذا من سُنَّةِ الحجاب؟.

  • و ما ربما يُتوهَّم بأنَّه يمكن أن يكون في أنواع انثى الحيوان حجابٌ أيضاً أوجب عليها الضَّعف، مدفوعٌ بأنَّه بناءً عليه يُعلم عندئذٍ أنَّ الحجاب لازم ضروريّ، أقَرَّه لها التَّكوينُ، فلا يَشُذُّ عنه حيوانٌ؛ فَلِمَ لا نلتزم به في‌

    1. الآية ٢۰٥ من سورة ٢: البقرة.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

20
  • الإنسان و نحكم فيه بالسُّفور؟!.

  • و إن لم يُستند بناءُ الضَّعف إلى الحجاب فلا فَرق في أصالة التَّفاوت في الحيوان و الإنسان بين الذَّكَر منه و الانثى.

  • و ثالثاً: إنَّ هذا التَّفاوت ناموسٌ كلّيّ في جميع أعضاءِ عالم المادَّة حتَّى الجمادات؛ لأنَّ القُوَّةَ الفعليَّةَ فيها أقوى من القُوَّة الإنفعاليَّة طُرّاً؛ و قد ثَبَتَ في العلوم الفيزياويَّة أنَّ مقدار قُوَّة البِرُوتُون التي هي مرتكزة في مركز الذّرّة و حاملةٌ للقُوَّة الفعليَّة المُثبِتَة على وَحْدِها تكون بقدر جميع قوى الإلكْتِرونات الإنفعاليَّة المنفيَّة التي تدور حولها.

  • الجهة الخامسة: موارد تساوي الرَّجل و المرأة و تفارقهما

  • الجهة الخامسة: إذا نظرنا إلى الرَّجل و المرأة من جهة اشتراكهما في الاجتماع المنزليّ في المدينة الفاضلة الإنسانيّة نرى لكل واحدٍ منهما سهماً مساوياً للآخر في تنظيم المنزل و اشتراك الاجتماع من حيث نفس التَّنظيم و الإشراك.

  • و إذا قايَسْنا كلَّ واحدٍ منهما مجرَّداً عن الآخر بحسب المواهب الطبيعيَّة الإلهيَّة فلا إشكال في تقديم الرِّجال على النِّساء من جهة البُنية القويمة و القُوَّة العقلانيَّة الحكيمة وَ سعةِ التَّفكير و قُوَّة التَّدبير.

  • {الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى‌ بَعْضٍ}۱. {وَ لَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَ لِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ}٢.

  • و أمَّا إذا لاحظنا كلَّ واحدٍ منهما في سلوكه الخاصِّ إلى الله تعالى و لقائِه و سيره في النَّشئات الكماليَّة و درجات الزُّلفى و القُربة، فالسَّبيلُ واضحٌ و الطَّريقُ مشهودٌ؛ فلا حاظرٌ يَمنع، و لا دافعٌ يَدفع، بل لكلٍّ منهما تشمير الذَّيل و الحركة من الظَّاهر إلى الباطن، و من الاعتبار إلى الحقيقة، و من الأهواءِ إلى الآراءِ، و من الدُّنيا إلى العُليا، و ممَّا سوى الله تعالى إلى التَّبتُّل إليه و النُّزول‌

    1. الآية ٣٤ من سورة ٤: النساء.
    2. الآية ٢٢۸ من سورة ٢: البقرة.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

21
  • في حرمِ قُدسِهِ و حريم عزِّه، {في مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ}۱.

  • انظر إلى قول الله تبارك و تعالى كيف جعلهما في درجةٍ واحدة في الغُفران و العظيم من الأجر: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَ الْمُسْلِماتِ وَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ وَ الْقانِتِينَ وَ الْقانِتاتِ وَ الصَّادِقِينَ وَ الصَّادِقاتِ وَ الصَّابِرِينَ وَ الصَّابِراتِ وَ الْخاشِعِينَ وَ الْخاشِعاتِ وَ الْمُتَصَدِّقِينَ وَ الْمُتَصَدِّقاتِ وَ الصَّائِمِينَ وَ الصَّائِماتِ وَ الْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَ الْحافِظاتِ وَ الذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَ الذَّاكِراتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَ أَجْراً عَظِيماً}٢.

  • و من أتمِّ الآيات في إفادة هذا المعنى قوله تعالى:

  • {وَ مَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى‌ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَ لا يُظْلَمُونَ نَقِيراً}٣.

  • وَ أتمُّ منها قوله تعالى:

  • {وَ مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى‌ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ}٤.

  • و أصرح منها معنى و أكملها مفاداً قوله تبارك و تعالى:

  • {مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى‌ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَ لَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ}٥.

  • حيث وعد اللهُ سبحانَه فيها بالحياة الطيِّبةِ و جزاءِ الأجر بأحسن الأعمال.

  • هذا كلُّه ما أردنا بيانَه في البحث عن المرحلةِ الاولى.

    1. الآية ٥٥ من سورة ٥٤: القمر.
    2. الآية ٣٥ من سورة ٣٣: الأحزاب.
    3. الآية ۱٢٤ من سورة ٤: النساء.
    4. الآية ٤۰ من سورة ٤۰: المؤمن.
    5. الآية ٩۷ من سورة ۱٦: النحل.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

22
  •  

  •  

  • المرحلة الثانية

  •  

  •  

  • الادلة الشرعية الفقهية حول مقام المراة في الجهاد و القضاء و الحكومة

  •  

  •  

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

23
  •  

  •  

  • الفصل الاول

  •  

  •  

  • البحث حول آية {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ}

  •  

  •  

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

24
  • وأمَّا المرحلة الثَّانيةُ و هو البحث عمّا يُستفاد من الأدلَّة الشَّرعيَّة الفقهيَّة بالنِّسبة إلى تصدِّي المرأةِ الجهادَ و القضاءَ و الحكومةَ.

  • فنقول فيها: البحث يقع في مقامين: الأوَّل: الآيات الواردة في القرآن الكريم. و الثاني الرّوايات الواردة عن المعصومين عليهم السَّلام.

  • أمَّا المقام الأوّل: فنبحث فيه عن آيتين: الاولى: قوله جلَّ و عزَّ:

  • {الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى‌ بَعْضٍ وَ بِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ}۱.

  • و قبل الخوض في ما يستفاد منها نُورد بعضَ ما أورده اللُّغَويُّون في معنى القَّوامُونَ، ثُمَّ نتبعه ببعض ما ذكره المُفسِّرون في تفسير الآية، ثمَّ نبحث عمَّا يستفاد منها.

  • أقوال اللُّغويِّين‌

  • أمَّا اللُّغويُّون: فقد أورد في «مجمع البحرين»: «قوله: {الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى‌ بَعْضٍ} (الآية). أي لهم عليهنَّ قيام الولاءِ و السِّياسة. و عُلِّل ذلك بأمرين: أحدهما موهبيّ من الله تعالى و هو أنَّ اللهَ فَضَّلَ الرِّجال عليهنَّ بامور كثيرة من كمال العقل و حسن التَّدبير و تزايد القوَّة في الأعمال و الطَّاعات، و لذلك خُصُّوا بالنُّبوَّة، و الإمامة، و الولاية، و إقامة الشَّعائِر، و الجِهاد، و قبول شهادتهم في كل الامور، و مزيد النَّصيب في الإرث و غير ذلك. و ثانيهما كَسبيّ و هو أنَّهم يُنفقون عليهنَّ، و يعطونهنَّ المُهور مع أنَّ فائِدة النِّكاح مشتركةٌ بينهما. و الباء في قوله بما فَضَّل اللهُ و في قوله‌ {بِما

    1. الآية ٣٤ من سورة ٤: النساء.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

25
  • أَنْفَقُوا} للسَّبَبيَّة؛ و ما مصدريَّة؛ أي بسبب تفضيل الله و بسبب إنفاقهم».

  • و في «أقرب الموارد»«قَام، يَقُوم، قَوْماً و قَوْمَةً و قِيَاماً و قَامَةً: انتصب، ضِدُّ قَعَدَ. و الأمرُ: اعتدل ... و قام الرَّجل المرأة و- عليها: مَانَها و قام بشأنها. (و قال في مادّة مَوَنَ: مَانَ، يَمُونه، مَوْناً و مُؤْنَةً: احتمل مونَتَه و قام بكفايته فهو مائِن).- إلى أن قال- القوَّام كشَدَّاد: الحَسَن الْقَامَة، و القَوِيّ عي القيام بالأمر و- الأمير؛ ج: قَوَّامون».

  • و في «صِحاح اللُّغة»«قِوام الأمر- بالكسر- نظامه و عماده؛ يقال: فلان قوام أهل بَيته و قِيامُ أهل بيته، و هو الذي يُقيم شَأنَهم؛ و منه قوله تعالى: {وَ لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً}۱، و قوام الأمر أيضاً: ملاكه الذي يقوم به».

  • و في «أساس اللُّغة»«و قَام الأمِيرُ على الرَّعيَّة: وَلِيهَا».

  • و في «نهاية» ابن الأثير في مادَّة قيم: «في حديث الدُّعاء: لَكَ الْحَمْدُ أنْتَ قَيَّامُ السَّمَوَاتِ و الأرْضِ؛ و في روايةٍ قَيِّمُ و في أخرى قَيُّومُ و هي أبْنية المبالَغَة، و هي من صفات اللهِ تعالى، و معناها: القائِم بامور الخلق و مُدبِّر العالم في جميع أحواله. و أصلها من الواو: قَيْوَام و قَيْوِم و قَيْوُوم بوزن فَيْعَال و فَيْعِل و فَيْعُول- إلى أن قال- و منه الحديث: مَا أفْلَحَ قَوْمٌ قَيِّمُهُمُ امْرَأةٌ».

  • وفي «لسان العرب»: «عن ابن برّيّ أنَّه قال: و قد يَجِي‌ءُ القيام بمعنى المحافظة و الإصلاح و منه قوله تعالى: {الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ}، و قوله تعالى: {إِلَّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً}، أي ملازماً محافظاً».

  • و في «تاج العروس»: «قال ابن الأثير: القَوْم في الأصل مصدر قامَ، ثمَّ غلب على الرِّجال دون النِّساءِ؛ و سُمُّوا بذلك لأنَّهم قَوَّامون على النِّساءِ بالامور التي ليس للنِّساءِ أن يَقُمْنَ بها؛ قال الجوهريّ: و منه قوله تعالى: {لا

    1. الآية ٥ من سورة ٤: النساء.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

26
  • يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ}؛ ثُمَّ قَال: {وَ لا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ}، أي فلو كانت النِّساءُ من القوم لم يقل: {وَ لا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ}- إلى أن قال- و القَيِّمُ: السَّيِّد وسائِس الأمر و هي قَيِّمَةٌ. و قَيِّم المرأةِ: زوجها في بعض اللُّغات، لأنَّه يقوم بأمرها و ما تحتاج إليه. قال الفرَّاء: أصل قَيِّم قَوْيِم على فَعْيِل، إذ ليس في أبنية العَرب فَيْعِل؛ و قال سيبويه: وزنه فَيْعِل و أصله قَيْوِم، و القَوَّام: المتكفِّلُ بالأمر».

  • و نقل فيه أيضاً عن ابن برّيّ ما نقل عنه في «لسان العرب»؛ و قد نقلنا عنه آنفاً.

  • آراء المفسّرين‌

  • و أمّا المفسِّرون: فقد ورد في تفسير «التِّبيان» لأبي جعفر الطُّوسيّ (ره):

  • «سبب نزول هذه الآية ما قاله الحسن و قتادة و ابن جريح و السّدّي: أنَّ رجلًا لَطَمَ امرأته، فجاءَتْ إلى النَّبيّ صلَّى الله عليه و آله و سلَّم تَلتمس القصاص، فَنَزَلَت الآية: {الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ}. و المعنى الرِّجال قوَّامون على النِّساءِ بالتأديب و التَّدبير لما فضَّل الله الرِّجَالَ على النِّساءِ في العقل و الرَّأي. و كان الزُّهريّ يقول: ليس بين الرَّجل و المرأة قصاص فيما دون النَّفس. و يقال: رجل قَيِّم وَ قوَّام و قَيَّام، و معناه أنَّهم يقومون بأمر المرأةِ بِالطَّاعةِ لله و لهم.

  • و قوله: {فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ}، قال قتادة و سفيان: معنى «قانتاتٌ» مطيعاتٌ لِلّهِ و لأزواجهنَّ. و أصل القنوت دوام الطَّاعة؛ و منه القنوت في الوَتر لطول القيام. و قوله: {حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللَّهُ} معناه: قال قتادة و عطاء و سفيان: حافظاتٌ لما غاب عنه أزواجهنَّ من ماله، و ما يجب من رعايته و حاله، و ما يلزم من صيانتها نفسه له»۱.

    1. «التبيان»، المجلد الأول من الطَّبع على الحجر، ص ٤٢٤.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

27
  • و في «مجمع البيان» للطَّبرسيّ: «يقال: رجل قَيِّم وَ قَيَّام و قَوَّام، و هذا البِناء للمبالغة و التَّكثير. و أصل القُنوت دوام الطَّاعة؛ و منه القنوت في الوَتر لطول القيام فيه.

  • قال مقاتل: نزلت الآية في سَعد بن الرَّبيع بن عمرو- و كان من النُّقباء- و في امرأتِه حبيبة بنت زيد بن أبي زُهَير، و هما من الأنصار. و ذلك أنَّها نشزت عليه، فَلَطَمَها، فانطلق أبوها معها إلى النِّبيّ، فقال: أفْرَشْتُه كريمتي فَلَطَمَها؛ فقال النَّبيّ: لتقتصَّ من زوجها. فانصرفتْ مع أبيها لتقتصَّ منه؛ فقال النِّبيّ: ارجعوا فهذا جبرائيل أتاني و أنزل اللهُ هذه الآية. فقال النَّبيّ صلَّى الله عليه وآله و سلَّم‌ «أردنا أمراً و أراد اللهُ أمراً، و الذي أراد الله خيرٌ» و رفع القصاص. و قال الكلبيّ: نَزَلت في سَعد بن الرَّبيع‌۱ و امرأتِهِ خولة بنت محمَّد بن مسلمة. و ذكر القصَّة نحوها. و قال أبو ورق: نزلت في جميلة بنت عبدالله بن ابيّ و في زوجها ثابت بن قيس بن شمّاس و ذكر قريباً منه.

  • و المعنى أي قيِّمون على النِّساءِ مُسَّلطون عليهنَّ في التَّدبير و التَّأديب و الرِّياضةِ و التَّعليمِ. {بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى‌ بَعْضٍ}‌ هذا بيان سبب تولية الرِّجال عليهنَّ، أي إنَّما وَلَّاهم اللهُ أمرَهنَّ لما لهم من زيادة الفضل عليهنَّ بالعلم و العقل و حسن الرَّأي و العزم»٢.

  • و في «رَوْح الجِنَان و رُوح الجَنَان» لأبي الفتوح الرَّازيّ بعد أن ذكر معنى القوّام و شأن نزول الآية على نحو ما ذكره الطَّبرسيّ (ره) قال: «في ملاك التَّفضيل في قوله: {فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى‌ بَعْضٍ} أقوال:

  • قالوا: إنَّ المراد العقلُ. و قالوا: زيادة الدِّين و اليقين، حيث إنَّ المرأةَ ناقصةُ عقلٍ و ناقصةُ دينٍ، لأنَّها ممنوعةٌ من الصَّلاة و الصِّيام أيَّاماً خاصَّةً في‌

    1. قال في «اسد الغابة»: «سعد بن الرّبيع بن عمرو بن أبي زهير بن مالك بن امري‌ء القيس الخزرجيّ: عقبيّ بدريّ، و كان أحد فقهاء الأنصار، و كان له زوجتان».
    2. «مجمع‌البيان»، طبع صيدا، المجلّد الثالث ص ٤٣.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

28
  • كلِّ شهر. و قالوا: بنقصان الشَّهادة حيث إنَّ شهادة امرأتين بمثابة شهادة الرَّجل الواحد {فَرَجُلٌ وَ امْرَأَتانِ}۱. و قالوا: بالتَّصرُّف و التِّجارات. و قالوا: بالجِهاد، حيث إنَّ الرِّجالَ مخاطبُون بقوله تعالى: {انْفِرُوا خِفافاً وَ ثِقالًا وَ جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}٢. و النِّساء مخاطَباتٌ بقوله تعالى: {وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ}٣.

  • و قال الرَّبيع: بالجمعة و الجماعات. و قال الحسنُ البصريّ: بالنَّفقة حيث إنَّها على عهدة الرِّجال دون النِّساءِ. و قالوا: بجواز تزويج الرَّجل أربعَ نساءٍ في الشَّرع و لا يجوز تزويج المرأة بأزيد من رجلٍ واحدٍ. و قالوا: بالطَّلاق لاختصاصه بالرِّجال. قال عليه‌السَّلام: الطَّلاقُ بَالرِّجالِ، والعِدَّةُ ب النِّساء و قالوا: بالميراث. و قالوا: بالدَّية، حيث إنَّ دية المرأةِ نصفُ دية الرَّجل. و قالوا: بالنُّبوَّة و الإمامة و الخِلافة.

  • قال رسول الله: «الَمَرْأةُ مِسْكينَةٌ مَا لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! وَ إنْ كانَ لَهَا مَالٌ؟ قَالَ: وإنْ كَانَ لَهَا مَالٌ. ثُمَّ قَرَأ: {الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى‌ بَعْضٍ}.

  • و روى أبوهُرَيرة: أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه و آله و سلَّم قال: «خَيْرُ النِّسَاءِ التي إذَا نَظَرْتَ إلَيْهَا سَرَّتْكَ، وَ إذَا أمَرْتَهَا أطاعَتْكَ، و إذَا غِبْتَ عَنْهَا حَفِظَتْكَ في مالِكَ و نَفْسِهَا» ثُمَّ قَرَأ: {الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ}»٤.

  • و في «تفسير عليّ بن إبراهيم القمِّيّ» قال: «يعني فرض اللهَ تعالى أن يُنفقوا على النِّساءِ. ثمَّ مدح النِّساءَ فقال: {فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ‌

    1. الآية ٢۸٢ من سورة ٢: البقرة.
    2. الآية ٤۱ من سورة ٩: التوبة.
    3. الآية ٣٣ من سورة ٣٣: الأحزاب.
    4. «تفسير أبي الفتوح»، الطبع المظفريّ، ج ۱، ص ۷٦۰ و ۷٦۱.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

29
  • لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللَّهُ} يعني بحفظ نفسها إذا غاب زوجُها عنها. و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله «قانتاتٌ» يقول: «مطيعاتٌ»۱.

  • و في «تفسير الصَّافي» للفيض القاسانيّ قال: «أي يقومون عليهنَّ قيامَ الوُلاةِ على الرَّعيَّة، بسبب تفضيله (أي تفضيل الله) الرِّجال على النِّساءِ بكمال العقل و حسن التَّدبير و مزيد القوَّة في الأعمال و الطَّاعات- إلى أن قال- و في «العِلَل» عن النَّبيّ صلَّى الله عليه و آله، سُئِلَ: مَا فَضْلُ الرِّجَالِ على النِّساءِ؟ فَقَالَ: كَفَضْلِ الْمَاءِ على الأرْضِ، فَبِالْمَاءِ تَحْيَى الأرْضُ، وَ بِالرِّجَالِ تَحْيَى النِّسَاءُ، وَ لَوْلَا الرِّجالُ مَا خُلِقَتِ النِّسَاءُ. ثمَّ تَلَا هَذِهِ الآيَةَ. ثُمَّ قَالَ: ألَا تَرَى إلَى النِّسَاءِ كَيْفَ يَحِضْنَ وَ لَا يُمْكِنُهُنَّ الْعِبَادَةُ مِنَ الْقَذَارَةِ، وَ الرِّجَالُ لَا يُصِيبَهُمْ شَيْ‌ءٌ مِنَ الطَّمْثِ»٢.

  • و في «مَنهج الصَّادقين» لفتح الله القاسانيّ اكتفى بما نقلنا عن «الصَّافي» في معنى الآية، و لم ينقل الرِّوايات الواردة في المقام‌٣.

  • و في «تفسير البرهان» أورد ما أورده الفيض في «الصَّافي» من الرِّوايات، و أضاف إليها رواياتٍ اخر غيرها واردة في المقام‌٤.

  • «و في «تفسير الجواهر» للطَّنطاويّ: «الرِّجالُ قَوَّامُونَ على النِّساءِ، قال: فهم كالولاة، و النِّساءِ كالرَّعيَّة»٥.

  • و في «جامع البيان عن تأويل آي القرآن» للطَّبريّ، قال في التفسير عن الآية: «و ذلك تفضيل الله تبارك و تعالى إيّاهم عليهنَّ، و لذلك صارُوا قُوّاماً

    1. التفسير، الطَّبع على الحجر في سنة ۱٣۱۱، ص ۱٢٥.
    2. «تفسير الصّافي»، طبع الإسلاميّة سنة ۱٣٤۸، ج ۱ ص ٣٥٣.
    3. «المنهج»، الطبع على الحجر سنة ۱٢٩٦، ج ۱، ص ٣۸۱.
    4. «البرهان»، الطبع على الحجر سنة ۱٢٩٥، ج ۱، ص ٢٢٦.
    5. «الجواهر» طبع مصر سنة ۱٣٥۰، ج ٣، ص ٣٩.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

30
  • عليهنَّ، نافذي الأمر عليهنَّ فيما جَعَلَ اللهُ إليهم من امورهنَّ». ثمَّ أورد ما روى بستَّة أسنادٍ عن قتادة و حسن و ابن جريح و السُّدّيّ حكاية لطْم الأنصاريّ امرأتَه على نَهج ما نقلنا ههنا عن «مجمع البيان»؛ و رَوَى بثمانية أسناد عن سفيان و مجاهد و عليّ بن أبي طلحة و قتادة و السُّدّيّ أنَّ المراد من الصَّالحات القانتات في قوله عزَّ و جلَّ: المطيعاتُ لأزواجهنَّ؛ و رَوى بستَّة أسنادٍ عن قتادة و السُّدّيّ و عطاء و سفيان و أبي هُرَيرة أنَّ المراد من الحافظات للغيب: الحافظات لأزواجهنَّ لما غاب من شأنهنَّ من حفظ أنفسهنَّ و أموالهم‌۱.

  • و في «تفسير ابن كثير الدِّمشقيّ» يقول تعالى: {الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ}، أي الرَّجل قَيِّم المرأة، أي هو رئِيسُها و كبيرها و الحاكم عليها و مؤدِّبها إذا اعْوَجَّتْ.

  • {بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى‌ بَعْضٍ}، أيْ لأنَّ الرِّجَالَ أفْضل من النِّساءِ، و الرَّجل خيرٌ مِن المرأة، و لهذا كنت النُّبوَّة مختصَّةً بالرِّجال، و كذلك الملك الأعظم لقوله صلَّى الله عليه (و آله) و سلَّم: «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَوْا أمْرَهُمُ امْرَأةً». رواه البخاريّ من حديث عبدالرَّحمن بن أبي بكرة، عن أبيه؛ و كذا منصب القضاءِ و غير ذلك.

  • {وَ بِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ}، أي من المهور و النَّفقاتِ و الكُلَفِ التي أوجب اللهُ عليهم لهنَّ في كتابه و سنَّة نبيِّه صلَّى الله عليه (و آله) و سلَّم؛ فالرَّجل أفضل من المرأةِ في نفسه، و له الفَضل عليها و الإفضال، فناسب أن يكونَ قيِّماً عليها، كما قال اللهُ تعالى: {وَ لِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ}- (الآية).

  • ثمَّ ذكر حديث الأنصاريّ و لَطْمه زوجَتَه و شأن نزولِ الآية فيهما عن البصريّ. ثمَّ رَوى ما رواه أبوهُريرة من حديث خير النِّساءِ الذي نقلناه عن «مجمع البيان». ثمَّ ذكر حديثاً عن الإمام أحمد، عن يحيى بن إسحاق، عن‌

    1. «جامع البيان» طبع مصر سنة ۱٣۷٣، المجلّد الخامس، من ص ٥۷ إلي ص ٦۰.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

31
  • ابن لهيعة، عن عبدالله بن أبي جعفر: أنَّ ابن قارط أخبره أنَّ عبدالرحمن بن عوف قال: قال رسولُ الله صلَّى الله عليه (و آله) و سلَّم: إذَا صَلَّتِ الْمَرْأةُ خَمْسَهَا، وَ صَامَتْ شَهْرَهَا، وَ حَفِظَتْ فَرْجَهَا، وَ أطَاعَتْ زَوْجَهَا، قيلَ لَهَا: ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أيّ الأبْوابِ شِئْتِ»۱.

  • و في «تفسير الكشَّاف» للزَّمخشريّ: «قَوَّامُونَ على النِّساءِ، عليهنَّ آمرين ناهين كما يقوم الوُلاة على الرَّعايا، و سُمُّوا قُوَّماً لذلك. و الضمير في بَعْضِهِمْ للرِّجال و النِّساءِ جميعاً، يعني إنَّما كانوا مُسيطرين عليهنَّ بسبب تفضيل الله بعضَهم و هم الرِّجال على بعض و هم النِّساءُ. و فيه دليل على أنَّ الولاية إنَّما تستحقُّ بالفضل، لا بالتغلُّب و الاستطالة و القَهر.

  • و قد ذكروا في فضل الرِّجال: العقلَ، و الحزمَ، و العزم، و القوَّة، و الكتابة في الغالب، و الفروسيَّة و الرَّمَي؛ و أنَّ منهم الأنبياءَ، و العلماءَ؛ و فيهم الإمامة الكُبرى و الصُغرى، و الجِهاد، و الأذان، و الخُطبة، و الاعتكاف، و تكبيرات التَّشريق عند أبي حنيفة، و الشَّهادة في الحدود و القصاص، و زيادة السَّهم و التَّعصيب في الميراث‌٢، و الحمالة، و القسامة، و الولاية في النِّكاح‌

    1. «تفسير ابن كثير» طبع دار الفكر، ج ٢، ص ٢۷٥ إلي ص ٢۷۷.
    2. - ممّا تفرّد به العامّة في مسائل الإرث هو مسألة العول و التعصيب. العول فيما إذا زادت الفرائض السِّتَّة (النصف و نصفه و نصف نصفه و الثلث و ضعفه و نصفه) على التركة. فالعامّة يردّون النقص على الجميع، و أمّا الخاصّة فلا يردّون النقص على من يكون له فرضان على تقديرين بل على من كان له فرض واحد. و التعصيب فيما إذا نقصت الفرائض عند التركة. فالعامّة يجعلون الفضل للعَصَبة، و أمّا الخاصّة فيردّون الفضل أيضاً على صاحب الفرائض بنسبة سهامهم بالقرابة. و ليس في مسائل الإرث خلاف يعتدّ به بين الشيعة و بين جمهور علماء السّنّة إلّا في هاتين المسألتين و قد تواتر عند الشيعة عن أئمة أهل البيت عليهم‌السلام إنّه لا عوّل و لا تعصيبَ. و لهم على نفيهما أدلّة من الكتاب و السّنّة مدوّنة في مواضعها من الكتب المفصّلة. فإذن حيث لا تعصيب عند الشيعة لا فضل للرجال على النساءِ من هذه الجهة. و أمّا الاعتكاف و تكبيرات التشريق فهما أيضاً مشتركان عندهم بين الرجال و النساء، و هكذا الولاية في النكاح في بعض الصّور.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

32
  • و الطَّلاق، و الرَّجعة، و عدد الأزواج و إليهم الانتساب، و هم أصحاب اللِّحَى و العَمائِمِ.

  • وَ بِمَا أنْفَقُوا، و بسبب ما أخرجوا في نكاحهنَّ من أموالهم من المهور و النفقات».

  • ثمَّ ذكر قضيَّة سعد بن الرَّبيع و امرأته و نزول الآية، و ذكر أنَّه بعد ذلك رفع القصاص، ثمَّ قال: «و اختلف في ذلك فقيل: لا قصاص بين الرَّجل و المرأةِ فيما دون النَّفس و لو شَجَّها، ولكن يجب العقل. و قيل: لا قصاص إلَّا في الجرح و القتل و أمَّا اللَّطمة و نحوها فلا.

  • {قانِتاتٌ}: مطيعاتٌ قائِماتٌ بما عليهنَّ للأزواج. {حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ}‌، الغيب خلاف الشَّهادة، أي حافظاتٌ لِمواجب الغَيب، إذا كان الأزواج غَير شاهدين لهنَّ حَفِظْنَ ما يجب عليهنَّ حفظُه في حال الغيبة من الفروج و البيوت و الأموال»۱.

  • و في «تفسير الدُّرّ المنثور» للسُّيوطيّ أورد في قوله تعالى: {وَ لا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى‌ بَعْضٍ}٢- (الآية).: «أخرج عبدالرَّزاق و عبدُ بن حميد و الترمذيّ و الحاكم و سعيد بن منصور و ابن جرر و ابن المنذر و ابن أبي حاتم من طريق مجاهد عن امِّ سلمة، أنَّها قالت: يا رسولَ الله! تَغزو الرِّجال و لا نَغزو و لا نقاتل فَنَستشهد، و إنَّما لنا نصف الميراث؟ فأنزل الله: {وَ لا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى‌ بَعْضٍ}، و أنزل فيها: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَ الْمُسْلِماتِ}.

  • و أخرج ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عبَّاس قال: أتَتِ امْرَأةٌ النَّبيّ صلَّى الله عليه (و آله) و سلَّم فقالت: يا نبيّ الله! للذَّكر مثل‌

    1. «الكشّاف»، الطبعة الأولي بمصر الشرقية، ج ۱، ص ٢۰٤ و ص ٢۰٥.
    2. سورة النساء، آية ٣٢.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

33
  • حظِّ الانثيين، و شهادة امرأتين برجل؛ أفنحن في العمل هكذا؟ إن عَمِلَتِ امرأةٌ حسنةً كُتبت لها نصفُ حَسَنة؟ فأنزل الله: (و لا تتمنوا فإنه عدل مني و أنا صنعته).

  • وأخرج سعيد بن منصور و ابن المنذر عن عكرمة قال: إنَّ النِّساءَ سألن الجِهادَ فقلن وَدِدْنَ أنَّ الله جعل لنا الغَزْوَ فنُصيب من الأجر ما يُصيب الرِّجال فأنزل الله: {وَ لا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى‌ بَعْضٍ}۱.

  • و أورد في قوله تعالى: {الرِّجالُ قَوَّامُونَ} - (الآية).، عدَّةَ رواياتٍ في شأن نزول الآية في لطم الرَّجل الأنصاريّ امرأته، فحكم رسول الله بالقصاص، فنزلت الآية. و في بعضها: نَزَلَت: {وَ لا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى‌ إِلَيْكَ وَحْيُهُ}٢.

  • و أخرج عبدالرَّزاق و البزَّار و الطَّبرانيّ عن ابن عبَّاس قال: جاءَت امرأةٌ إلى النَّبيّ صلَّى الله عليه (و آله) و سلَّم فقالت: يا رسول الله! أنا وافِدةُ النِّساءِ إليك؛ هذا الجهاد كتبه الله على الرِّجال فإن يُصيبوا اجروا، و إن قُتلوا كانُوا أحياءً عند ربِّهم يُرزقونَ؛ و نحن مَعاشر النَّساءِ نقوم عليهم، فما لنا من ذلك؟ فقال النَّبيّ صلّى الله عليه (و آله) و سلّم: «أبْلِغِي مَنْ لَقيتِ مِنَ النِّسَاءِ إنَّ طَاعَةَ الزَّوْجِ وَ اعْتِرَافَهَا بِحَقِّهِ تَعْدِلُ ذَلِكَ؛ وَ قَليلٌ مِنْكُنَّ مَنْ يَفْعَلُهُ».

  • و أخرج ابن أبي شيبة و أحمد عن معاذ بن جبل قال: قالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ (وَ آلِهِ) وَ سَلَّمَ: «لَوْ كُنْتَ آمِراً بَشَراً يَسْجُدُ لِبشَرٍ لأمَرْتُ الْمَرْأةَ أنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا».

  • و أخرج البيهقيّ في «شعب الإيمان» عن جابر قال: قالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ (وَ آلِهِ) وَ سَلَّم: «ثَلَاثَةٌ لَا تُقْبَلُ لَهُمْ صَلَاةٌ، وَ لَا تُصْعدُ لَهُمْ‌

    1. «الدّرّ المنثور»، طبع الإفست بطهران سنة ۱٣۷۷، ج ٢، ص ۱٤٩.
    2. «الدّرّ المنثور»، ج ٢، ص ۱٥۱. و الآية في سورة ٢۰: طه: ۱۱٤.
      «المصدر السابق»، ص ۱٥٢.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

34
  • حَسَنَةٌ: الْعَبْدُ الآبِقُ حَتَّى يَرْجِعَ إلى مَوَالِيهِ، وَ الْمَرْأةُ السَّاخِطُ عَلَيْهَا زَوْجُهَا، وَ السَّكْرَانُ حَتَّى يَصْحُوَ».

  • و أخرج ابن أبي شيبة و الحاكم و صحَّحه و البيهقيّ عن امِّ سَلَمَة قالَتْ: قالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ (وَ آلِهِ) وَ سَلَّمَ: «أيُّمَا امْرَأةٍ بَاتَتْ وَ زَوْجُهَا عَنْهَا رَاضٍ دَخَلَتِ الْجَنَّةَ».

  • و أخرج البيهقيّ عن أنس قال: جِئْنَ‌۱ النِّساءُ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ (و آله) وَ سَلَّمَ، «فَقُلْنَ: يَا رَسُولَ اللهِ! ذَهَبَ الرِّجَالُ بِالْفَضْلِ بِالْجِهادِ في سَبِيلِ اللهِ، أفَمَا لَنَا عَمَلٌ نُدْرِكُ بِهِ عَمَلَ الْمُجَاهِدِ في سَبِيلِ اللهِ؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ (وَ آلِهِ) وَ سَلَّم‌: مِهْنَةُ إحْدَاكُنَّ في بَيْتِهَا تُدْرِكُ عَمَل الْمُجَاهِديِنَ في سَبِيل اللهِ»٢.

  • و أتمُّ هذه الرِّوايات مفاداً و أكملها معنًى هو ما ذكره السُّيوطيّ في هذا المقام؛ و كذا نقله عنه سيِّدنا الاستاذ العلَّامة الطَّباطبائيّ- مُدَّ ظلُّه العالي- في «الميزان في تفسير القرآن»٣، و هو ما أخرجه البيهقيّ عن أسماءَ بنتِ يزيد الأنصاريَّة أنَّها أتت النَّبيّ صلَّى الله عليه (و آله) و سلَّم و هو بين أصحابه؛ فَقَالَتْ: «بِأبِي أنْتَ وَ امِّي، إنِّي وافِدَةُ النِّساءِ إلَيْكَ وَ اعْلَمْ- نَفْسِي لَكَ الْفِدَاءُ- أنَّهُ مَا مِنِ امْرَأةٍ كائِنَةٍ في شَرْقٍ وَ لَا غَرْبٍ سَمِعَتْ لِمَخْرَجي هَذَا إلَّا وَ هَيِ لي مِثْلِ رَأيي.

  • «إنَّ اللهَ بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إلَى الرِّجَالِ وَ النِّساءِ فَآمَنَّا بِكَ و بِإلَهِكَ الذي أرْسَلَكَ؛ وَ إنَّا مَعْشَرَ النِّساءِ مَحْصُورَاتٌ مَقْسُورَاتٌ قَوَاعِدُ بُيُوتِكُمْ وَ مَقْضَى شَهَوَاتِكُمْ وَ حَامِلَاتُ أوْلَادِكُمْ؛ وَ إنَّكُمْ مَعَاشِرَ الرِّجالِ فُضِّلْتُمْ عَلَيْنَا بِالْجُمْعَةِ، وَ الْجَمَاعَاتِ، وَ عِيَادَةِ الْمَرْضَى، وَ شُهُودِ الْجَنَائِزِ، و الْحَجِّ بَعْدَ الْحَجِّ، وَ أفْضَلُ‌

    1. هذا الإسناد إنَّما هو على لغة «أكَلُوني الْبَراغيثُ» أو تأكيداً.
    2. «الدّرّ المنثور»، ج ٢، ص ۱٥٣.
    3. «الميزان» الطبع الأول، ج ٤، ص ٣۷٢.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

35
  • مِنْ ذَلِكَ الْجِهَادُ في سَبِيلِ اللهِ، وَ إنَّ الرَّجُل مِنْكُمْ إذَا خَرَجَ حَاجّاً أوْ مُعْتَمِراً أو مُرابِطاً حَفِظْنَا لَكُمْ أمْوالَكُمْ، وَ غَزَلْنَا أثْوَابَكُمْ، وَ رَبَّيْنَا لَكُمْ أمْوَالَكُمْ، فَما نُشَارِكُكُمْ في الأجْرِ يَا رَسُولَ اللهِ؟.

  • فَالْتَفَتَ النَّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ (وَ آلِهِ) وَ سَلَّمَ إلى أصْحابِهِ بِوَجْهِهِ كُلِّهِ، ثُمَّ قَالَ: هلْ سَمِعْتُمْ مَقَالَةَ امْرَأةٍ قَطُّ أحْسَنَ مَنْ مَسْألَتِها في أمْرِ دينِهَا مِنْ هَذِهِ؟ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا ظَنَنَّا أنَّ امْرَأةً تَهْتَدِي إلَى مِثْلِ هَذَا.

  • فَالْتَفَتَ النَّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ (وَ آلِهِ) وَ سَلَّمَ إلَيْهَا، ثُمَّ قَال لَهَا: «انْصَرِ في أيَّتُهَا الْمَرْأةُ وَ اعْلِمي مَنْ خَلْفَكِ مِنَ النِّسَاءِ أنَّ حُسْنَ تَبَعُّلِ إحْدَاكُنَّ لِزَوْجِهَا وَ طَلَبَهَا مَرْضَاتَهُ وَ اتِّبَاعَهَا مُوَافَقَتَهُ تَعْدِلُ ذَلِكَ كُلَّهُ. فَأدْبَرَتِ الْمَرأةُ وَ هِيَ تُهَلِّلُ وَ تُكَبِّرُ اسْتِبْشَاراً»۱.

  • و في «تفسير البَيضاويِّ»: «الرِّجَالُ قَوِّامُونَ على النِّساءِ، يقومون عليهنَّ قيام الوُلاة على الرَّعيَّة. و عُلِّل ذلك بأمرين: وَهبيّ و كسبيّ. فقال: {بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى‌ بَعْضٍ}، بسبب تفضيله تعالى الرِّجال على النِّساءِ بكمال العقل و حسنِ التَّدبير و مزيد القوَّة في الأعمالِ و الطَّاعات، و لذلك خُصُّوا بالنُّبوَّة، و الإمامة، و الولاية، و إقامة الشَّعائِر، و الشَّهادة في مجامع القَضايا، و وجوب الجهاد، و الجمعة و نحوها، و التَّعصيب، و زيادة السَّهم في الميراث، و الاستبداد بالفِراق.

  • وَ بِمَا أنْفَقُوا مِنْ أمْوَالِهِمْ في نكاحهنَّ كالمَهر والنَّفَقَة- ثمَّ ذكر قصَّةَ سعدٍ و زوجتِه ثمَّ قال- فَالصَّالِحَاتِ قَانَتاتٌ مطيعاتٌ لِلّهِ، قائماتٌ بحقوق الأزواج.

  • {حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ} لمواجب الغَيْب أي يَحفظنَ في غيبة الأزواج ما يجب حفظه في النَّفس و المال. و عنه عليه الصَّلاة و السَّلام: «خَيْرُ النِّساءِ

    1. «الدّرّ المنثور»، ج ٢، ص ۱٥٣.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

36
  • امْرَأةٌ إنْ نَظَرْتَ إلَيْهَا سَرَّتْكَ، وَ إنْ أمَرْتَهَا أطَاعَتْكَ، و إنْ غِبْتَ عَنْهَا حَفِظَتْكَ في مَالِهَا وَ نَفْسِهَا» و تلا الآية. و قيل لأسرارهم»۱.

  • و في حاشية الشَّيخ زاده على «تفسير البيضاويِّ» ذكر عند قول البيضاويّ: «يقومون عليهنَّ قيام الولاة على الرَّعيَّة»: «مستفاد من صيغة القوَّام فإنَّه اسم لمن يكون مبالِغاً في القيام بالأمر مُسلّطاً عليه نافذ الحكم في حقِّه ليصير كأنَّه أميرٌ عليه؛ و القوَّام و القَيِّم بمعنًى واحد، و القوَّام أبلغ و هو القَيِّم بالمصالح و التَّدبير، و الاهتمام بالحفظ».

  • و ذكر عند قوله: «قَانِتَاتٌ أى مُطِيعاتٌ»: «و الطَّاعة عامٌّ فى طاعة الله و طاعة الأزواج. و الصَّالحات جمعٌ مُحَلًّى باللَّام فيحمل على الاستغراق، فيدلُّ على أنَّ كلَّ امرأةٍ صالحة لابدَّ أن تكون مطيعةً لله تعالى دائماً، و لزوجها كذلك، و أن تكون عند غيبة الزَّوج حافظة لموجب الغيبة. و ظاهر الآية إخبارٌ و المراد الأمر، فعلم منه أنَّ المرأة لا تكون صالحةً إلَّا إذا كانت مطيعةً لله تعالى و لزوجها حالَ حضوره و حافظةً لحقِّ الزَّوج و حرمته حال غيبته»٢.

  • و فى حاشية الشّهاب المسمَّاة بـ «عناية القاضى و كفاية الرَّاضى على تفسير البيضاويِّ»:

  • «قوله: «قيام الوُلاة على الرعيَّة- الخ» أى كقيامهم عليهم بالأمر و النَّهى و نحوه، و ليس مراده أنَّه استعارة. و الوَهبيّ ما فضَّلهم الله، و الكسبيّ الإنفاق الآتى. و قوله «بسبب- الخ» إشارة إلى أنَّ الباءَ سببيَّةٌ، و ما مصدريَّةٌ. و قوله «بالنُّبوَّة» على الأشهر، أو المراد الرِّسالة. و «الإمامة» تشمل الصّغرى و الكُبرى. و «الولاية» تولِّى أمرهنَّ فى النكاح، أو المراد ولاية القَضاءِ و نحوه. و «إقامة الشَّعائِر» كالأذان و الإقامة و الخطبة و الجمعة و تكبيرات التَّشريق عند

    1. «تفسير البيضاويِّ» المطبوع في متنه القرآن الكريم و هو في الهامش، ص ۱٢۱.
    2. «حاشية الشيخ زاده»، تكملة الجزء الأوّل، الطبعة العثمانية، ص ٣۱ و ص ٣٢.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

37
  • أبى حنيفة. و المراد بـ «الشّهادة فى مجامع القَضايا» مهمَّاتُها الَّتى من شأنها أن تفصل فى المحافل كالحُدود و نحوها ممَّا لا تقبل فيه شهادة النِّساءِ. و منهم من فسَّره بجميع الامور، و لا وجه له»۱.

  • و فى «تفسير مفاتيح الغيب» للإمام الفخر الرَّازيّ، بعد ذكره معنى القوَّام و إيراده القصَّة المعروفة قال: «إعلَم أنَّ فضل الرِّجال على النِّساءِ حاصلٌ من وجوهٍ كثيرةٍ، بعضها صفاتٌ حقيقيَّة، و بعضها أحكام شرعيَّة.

  • أمَّا الصِّفات الحقيقيَّة، فاعلم أنَّ الفضائل الحقيقيَّة يرجع حاصلها إلى أمرين: إلى العلم و إلى القُدرة؛ و لا شكَّ أنَّ عقولَ الرِّجال و علومَهم أكثر، و لا شكَّ أنَّ قدرتَهم على الأعمال الشّاقَّة أكمل؛ فلهذين السَّببين حصلت الفضلة للرِّجال على النِّساءِ فى العقل و الحزم و القدرة و الكتابة فى الغالب و الفروسيَّة و الرَّمى، و أنَّ منهم الأنبياءَ و العلماءَ، و فيهم الإمامة الكُبرى و الصُّغرى، و الجهاد، و الأذان، و الخطبة، و الاعتكاف، و الشَّهادة فى الحدود، و القصاص بالاتِّفاق، و فى الأنكحة عند الشَّافعيّ، و زيادة النَّصيب فى الميراث، و التَّعصيب في الميراث، و فى تحمُّل الدِّية فى القتل الخَطَأ، و فى القَسامة، و الولاية فى النِّكاح و الطَّلاق، و الرَّجعة، و عدد الأزواج، و إليهم الانتساب. فكلُّ ذلك يدلُّ على فضل الرِّجال على النِّساءِ»٢.

  • و فى «تفسير الخازن» لعلاءِ الدِّين البغداديّ، أورد المعنى و شأن النُّزول على نحو ما أورده الرازيّ فى تفسيره‌٣.

  • و فى «تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان» لنظام الدِّين النِّيسابوريّ، ذكر فى شأن نزول آية {وَ لا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى‌ بَعْضٍ}، أقوالًا:

    1. «حاشية الشهاب» طبع دار صادر بيروت، ج ٣، ص ۱٣٣.
    2. «مفاتيح الغيب» الطبعة العثمانية، ج ٣، ص ٣۱٦.
    3. «تفسير الخازن» طبعة مصر، مطبعة مصطفى محمّد، ج ۱، ص ٤٣٢.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

38
  • «منها ما عن المجاهد: قَالَتْ امُّ سَلَمَةَ: يا رَسولَ اللهِ يَغْزُو الرِّجالُ وَ لا نَغْزُو، وَ لَهُم مِنَ الميراثِ ضِعْفُ مَا لَنَا؟ فَنَزَلَتْ.

  • و منها ما عن قتادة و السدّيّ: لمَّا نزل قوله: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} قالَ الرِّجالُ: نَرْجو أنْ نُفَضَّلَ عَلَى النِّساءِ فى الآخِرَةِ كَما فُضِّلْنا فى الميراثِ، و قالَتِ النِّساءُ: نَرْجو أنْ يَكونَ الْوِزْرُ عَلَيْنا نِصْفَ ما على الرِّجالِ. و فى رواية: قُلْنَ: نَحْنُ أحْرَجُ، لأنَّ ضُعَفَاءَهُمْ أقْدَرُ عَلَى طَلَبِ المعَاشِ، فَنَزَلَتْ.

  • و منها قيل: أتَتْ وافدةُ النِّساء إلى الرَّسول و قالَتْ: رَبُّ الرِّجالِ و النِّساءِ واحدٌ، وَ أنتَ الرَّسول إلينا و إليهم، و أبونا آدمُ و امُّنا حَوّاءُ، فَمَا السَّببُ فى أنَّ اللهَ يَذكُر الرِّجالَ و لا يَذكُرنا؟ فَنَزَلَتِ الآية. فقالت: و قد سَبَقَنَا الرِّجالُ بالجِهاد، فَمَا لَنَا؟ فقال صَلَّى الله عليه (و آله) و سلَّم: «إنَّ لِلْحَامِلِ مِنْكُمْ أجْرَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ، و إذا ضَرَبَهَا الطَّلْقُ لَمْ يَدْرِ أحدٌ مَا لَهَا مِنَ الأجر؛ فإنْ أرْضَعَتْ كَانَ لَهَا بِكُلِّ مَصَّةٍ أجْرُ إحْيَاءِ نَفْسٍ».

  • و ذكر فى تفسير آية {الرِّجالُ قَوَّامُونَ‌}: «يقال: هذا قَيِّم المرأةِ وَ قوَّامها بناء مبالغة الَّذى يَقوم بأمرها و يَهتمُّ بحفظها، كما يقوم الوالى على الرَّعيَّة، و منه سُمِّى الرِّجال قُوَّاماً. و الضمير فى بَعْضَهُمْ للرِّجال و النِّساءِ جميعاً، أى إنَّما كانوا مُسَيْطرين عليهنَّ بسبب تفضيل الله بعضَهم و هم الرِّجالُ على بعضٍ و هم النِّساءُ».

  • ثمَّ ذكر جميع ما نقلناه عن الرَّازيّ فى وجه تفضيل الرِّجال على النِّساءِ، الَّذى يرجع محصَّله إلى العلم و القُدرة، و نسبه إلى القيل. ثمّ روى عن مقاتل حكايةَ سعد بن الرَّبيع و زوجته فى شأن النُّزول. ثمّ أفاد أنَّ معنى القانتات هو المطيعاتُ للّه و للزَّوج، و الحافظات للغيب: القائمات بحقوق الزَّوج فى غيبته و الغيبُ خلافُ الشَّهادة، و مواجبُ حفظ غيبة الزَّوج أن تحفظ نفسَها عن الزِّنا لئَلَّا يَلحق الزوجَ العارُ بسبب زناها، و لئَلَّا يَلحق به الولدُ الحاصلُ من نطفة غيره، و أن تَحْفَظ أسراره عن الإفشاءِ، و مالَه عن‌

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

39
  • الضِّياع، و منزلَها عمّا لا ي شرعاً و عرفاً۱.

  • و فى «تفسير الجامع لأحكام القرآن» للقرطبيّ، قال: «الرِّجَالُ قَوَّامُونَ على النِّساءِ، ابتداءٌ و خبرٌ، أي يقومونَ بالنَّفقة عليهنَّ، و الذَّبِّ عنهنَّ؛ و أيضاً فإنَّ فيهم الحكّامَ، و الامراءَ، و من يَغزو؛ و ليس ذلك في النِّساءِ. يقال: قَوَّام و قَيِّم».

  • ثمَّ قال: «نزلت الآية فى سعد بن الرَّبيع» و حكى القصَّة إلى آخرها. ثمَّ ذكر أقوالًا اخر فى سبب نزول الآية و هى ما ذكره أبوالفتوح الرَّازيّ فى تفسيره.

  • ثمّ ذكر فى وجه تفضيل الرِّجال: «أنَّه يقال: إنَّ الرِّجال لهم فضيلة فى زيادة العقل و التَّدبير فجُعل لهم حقُّ القيام عليهنَّ لذلك. و قيل للرجِّال زيادة قوَّة فى النَّفس و الطَّبع ما ليس للنِّساءِ؛ لأنَّ طبع الرِّجال غلب عليه الحرارة و اليبوسة، فيكون فيه قوَّة و شدَّة، و طبع النِّساءِ غلب عليه الرُّطوبة و البُرودة، فيكون فيه معنى اللِّين و الضَّعف؛ فجُعل لهم حقُّ القيام عليهنَّ بذلك، و بقوله تعالى: {وَ بِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ}٢.

  • و فى «روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم و السَّبع المثانى» للسيِّد محمود الآلوسيّ، قال: «ذكر الواحديّ فى سبب آيةِ {وَ لا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى‌ بَعْضٍ} ثلاثةَ أخبار:

  • الأوَّل: ما أخرجه عن مجاهد قال: قالت امُّ سَلَمة: يا رسول الله! تَغْزو الرِّجال و لا نَغزوا، و إنّما لنا نصفُ الميراث؛ فأنزل اللهُ تعالى الآية.

  • و الثّانى: ما أخرجه عن عِكْرَمَة: إنَّ النِّساءَ سألنَ الجِهادَ فقُلنَ وَدِدْنَ أنَّ الله جَعَلَ لَنَا الْغَزْ وَ فَنُصِيبُ مِنَ الأجرِ ما يُصيب الرِّجالُ، فَنَزَلَتْ.

    1. «تفسير غرائب القرآن»، مطبعة الحلبي بمصر، ج ٥، ص ٣٣ و ص ٣٥ و ص ٣٦.
    2. «تفسير القرطبى» طبعة دار الكاتب العربى، للطباعة و النشر بقاهرة سنة ۱٣۸۷، ص ۱٦٩.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

40
  • و الثَّالث: ما أخرجه عن قتادة و السدّيّ، قالا: لَمَّا نزل قولهُ تعالى: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} قال الرِّجال: إنَّا لَنَرْجُو أنْ نُفَضَّلَ عَلَى النِّساءِ بحسناتنا كما فُضِّلنا عليهنِّ فى الميراث، فيكون أجرنا على الضِّعف من أجر النِّساءِ. و قالت النِّساءُ: إنَّا لنرجو أن يكون الوِزرُ علينا نصفَ ما على الرِّجال فى الآخرة كما لنا الميراث على النِّصف من نصيبهم فى الدُّنيا؛ فأنزل الله تعالى «و لا تَتَمَنَّوْا» إلى آخرها».

  • و قال فى معنى‌ {الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ}: «أى شأنهم القيام عليهنَّ قيام الولاة على الرَّعيَّة بالأمر و النَّهى و نحو ذلك. و اختيار الجملة الإسميَّة مع صيغة المبالغة للإيذان بعراقتهم و رسوخهم فى الاتِّصاف بما اسند إليهم. و فى الكلام إشارة إلى سبب استحقاق الرِّجال الزيادةَ فى الميراث كما أنَّ فيما تقدَّم رمزاً إلى تفاوت مراتب الاستحقاق- إلى أن قال- و ضمير الجمع لكلا الفريقين تغليباً، أى قوِّامُونَ عليهنَّ بسبب تفضيل الله إيَّاهم عليهنَّ، أو مستحقِّين ذلك بسبب التَّفضيل، أو متلبِّسين بالتَّفضيل»۱.

  • و فى «تفسير لَطائِف الإشارات» للإمام القُشَيْريّ، عند قوله تعالى: {الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ} قال: «خُصَّ الرِّجَالُ بالقُوَّة فزيد بالحمل عليهم؛ فالحمل على حسب القوَّة؛ و العِبْرَةُ بِالقُلُوبِ وَ الْهِمَمِ لَا بِالنُّفُوسِ وَ الْجُثَثِ»٢.

  • و فى «تفسير بيان السَّعادة فى مقامات العبادة» قال عند هذه الآية: «قائمون عليهنَّ قيامَ الوُلاة على رعيَّتهم، مراقبون أحوالهنَّ، مقيمون اعوِجَاجَهنَّ».

  • و قال عند قوله تعالى: {بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى‌ بَعْضٍ}: «بتفضيله الرِّجال في الجُثَّة و القُوَّة و الإدراك و حسن التَّدبير و كمال العقل. {وَ بِما أَنْفَقُوا

    1. «تفسير الآلوسى» طبغ دار التراث العربى، ج ٥، ص ٢۰ و ص ٢٣.
    2. «تفسير القشيرى» طبع دار الكاتب العربى، للطباعة و النشر بقاهرة ج ٢، ص ٢٥.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

41
  • مِنْ أَمْوالِهِمْ} يعنى لهم فضيلة ذاتيَّة و فضيلة عرضيَّة، بكلٍّ يستحقُّون التَّفضيل و التَّسلُّط؛ فعليهم مراقبتهنَّ، و سدُّ فاقتهنَّ، و قضاءُ حاجتهنَّ؛ و عليهنَّ الإنقياد، و قبول نُصحهم، و حفظ غيبهم. فَالصَّالِحَاتُ منهنَّ لا يَخرجن ممّا هو شأنهنَّ و حكمهنَّ بل هنَّ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لأنْفُسهنَّ و أموال أزواجهنَّ لِلْغَيْبِ أى فى غيبهنَّ عن الأزواج، أو غيب الأزواج عنهنَّ، على أن يكون اللَّام بمعنى فى، أو حافظاتٌ للأشياء الغائِبة عن نظر أزواجهنَّ من أموالهم و أنفسهنَّ ما حفظ اللهُ»۱.

  • و فى «إرشاد العقل السَّليم إلى مزايا الكتاب الكَريم» المُسمَّى بـ «تفسير أبى السُّعود» أورد فى معنى الآية ما أورده الآلوسيّ فى «روح المعانى»٢، و الظَّاهر أنَّ الآلوسيّ اقتبس منه، لا عكس، حيث إنَّ الآلوسيّ توفِّى فى سنة ۱٢۷۰، و أبا السُّعود توفِّى فى سنة ٩۸۰.

  • و فى «تفسير الجَلالين» قال جلال الدِّين المحلّى: «الرجال قوامون مسلطون على النساء يؤدبونهن و يأخذون على أيديهن بما فضل الله بعضهم على بعض) أى بتفضيله لهم عليهنَّ بالعلم و العقل و الولاية و غير ذلك‌ (و بما أنفقوا عليهن من أموالهم فالصالحات منهن قانتات مطيعات لأزواجهن بما حفظ لهن الله حيث أوصى عليهن الأزواج»٣.

  • و فى «فى ظلال القرآن» للسَّيِّد القطب شرح فى معنى الآية شرحاً واسعاً و فصَّل تفصيلًا شاملًا؛ و بَرْهَنَ على أنَّ الحياةَ الإنسانيَّة فى المجتمع الإنسانيّ لا تدومُ إلَّا على منهج قيمومة الرِّجال على النِّساء بما أودع اللهُ فى فطرة كلٍّ منهما ما هو الأحسن و الأصلح بنظام التَّكامل فى الوجود. و نحن لم نورد بيانَه ههنا بعين عباراته، مخافة الإطالة فى الكلام‌٤.

    1. «بيان السعادة» الطبع على الحجر سنة ۱٣۱٤، ص ۱٩۷.
    2. «تفسير أبى السعود» طبعة الرياض، ج ۱، ص ٦٩۱ و ص ٦٩٢.
    3. «تفسير الجلالين» طبع دار الكتاب العربى، بيروت، لبنان ص ۱۱۰.
    4. «في ظلال القرآن» طبع دار احياء التراث العربى، الجزء الخامس، ص ٥۷ إلى ص ٦٢.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

42
  • و فى «الميزان فى تفسير القرآن» لُاستاذنا العلّامة الآية الباهرة الإلهيَّة الطباطبائيّ- قده- قال: «الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَ بِمَا أنْفَقُوا مِنْ أمْوَالِهِمْ، القَيِّم هو الَّذى يقوم بأمر غيره، وَ القَّوام وَ القَيَّام مبالغةٌ منه.

  • و المراد بما فضَّل اللهُ بعضَهم على بعضٍ هو ما يفضل و يزيد فيه الرِّجال بحسب الطَّبع على النِّساءِ و هو زيادة قوَّة التَّعقُّل فيهم، و ما يتفرَّع عليه من شدَّة البأس، و القوَّة، و الطَّاقة على الشَّدائِد من الأعمال و نحوها؛ فإنَّ حياةَ النَّساءِ حياةٌ إحساسيَّةٌ عاطفيَّة مبنيَّة على الرِقَّة و اللِّطافة. و المراد بما أنْفَقُوا مِنْ أمْوالهم أنْفَقوه فى مُهورهنَّ و نفقاتهنَّ.

  • و عموم هذه العلَّة يعطى أنَّ الحكم المبنيّ عليها أعنى قولَه: {الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ} غير مقصور على الأزواج بأن يختصَّ القوَّاميَّة بالرَّجل على زوجته؛ بل الحكم مجعول لقبيل الرِّجال على قبيل النِّساءِ فى الجهات العامَّة الَّتى ترتبط بها حياة القبيلتين جميعاً.

  • فالجهات العامَّة الاجتماعيَّة الَّتى ترتبط بفضل الرِّجال كَجَهَتى الحُكومة و القَضاءِ مثلًا اللَّذَيْنِ يتوقَّف عليهما حياة المجتمع، و إنَّما يقومان بالتعقُّل الَّذى هو فى الرِّجال بالطَّبع أزيد منه فى النِّساءِ؛ و كذا الدِّفاع الحَربيّ الّذى يرتبط بالشِّدَّة و قوَّة التَّعقُّل.

  • كلُّ ذلك ممَّا يقوم به الرِّجال على النِّساء.

  • و على هذا فقوله: {الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ} ذو إطلاق تامٍّ. و أمَّا قوله بعدُ: {فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ}- الخ، الظَّاهر فى الاختصاص بما بين الرَّجل و زوجته على ما سيأتى، فهو فرعٌ من فروع هذا الحكم المطلَق، و جزئِيّ من جزئِيَّاته، مستخرَج منه، من غير أن يَتَقَيَّد به إطلاقه.

  • قوله تعالى: {فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللَّهُ}،

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

43
  • المراد بالصَّلاح معناه اللُّغويّ و هو ما يُعَبَّر عنه بلياقة النَّفس. و القُنوت هو دوام الطَّاعة و الخُضوع.

  • و مقابلتها لقوله: {وَ اللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ} تُفيد أنَّ المراد بالصَّالِحَاتِ، الزَّوْجَاتُ الصَّالِحَاتُ، و أنَّ هذا الحكم مضروبٌ على النِّساءِ فى حال الإزدواج لا مطلقاً.

  • و أنَّ قوله‌ {قانِتاتٌ حافِظاتٌ} الَّذى هو إعطاءٌ للأمر فى صورة التَّوصيف أى لِيَقْنُتْنَ و ليحفظن- حكمٌ مربوط بشؤون الزَّوجيَّة و المعاشرة المنزليَّة، و هذا مع ذلك حكم يَتبع فى سعته و ضيقة عِلَّته، أعنى قيمومةَ الرَّجل على المرأة قيمومة زوجيَّة؛ فعليها أن تقنت له و تحفظه فيما يرجع إلى ما بينهما من شؤون الزَّوجيَّة.

  • و بعبارة اخرى كما أنَّ قيمومة قبيل الرِّجال على قبيل النِّساءِ فى المجتمع إنَّما تتعلَّق بالجهات العامَّة المشتركة بينهما المرتبطة بزيادة تعقُّل الرَّجل و شدَّته فى البّأسِ، و هى جهاتُ الحكومة و القَضاء و الحرب من غير أن يَبطل بذلك ما للمرأة من الاستقلال فى الإرادة الفرديَّة و عملِ نفسها بأن تريد ما أحَبَّت و تفعل ما شاءت من غيرِ أن يحِقَّ للرَّجل أن يعارضها فى شى‌ءٍ من ذلك فى غير المنكر فلا جناح عليهم فيما فعلنَ فى أنفُسهنَّ بالمعروف.

  • كذلك قيمومة الرَّجل لزوجتهِ ليست بأن لا تَنْفُدَ للمرأة فيما تملكه إرادةٌ و لا تصرّفٌ، و لا أن لا تستقلَّ المرأةُ فى حفظ حقوقها الفرديَّة و الاجتماعيَّة و الدِّفاع عنها و التوسُّل إليها بالمقدِّمات الموصلة إليها؛ بل معناها أنَّ الرَّجل إذا كان يُنفق ما ينفق من ماله بإزاءِ الاستمتاع، فعليها أن تطاوعَه و تُطيعَه فى كلِّ ما يرتبط بالاستمتاع و المباشرة عند الحضور و أن تحفظه فى الغيب، فلا تَخُونه عند غَيبته، بأن تُوطى‌ءَ فراشَه غيرَه، و أن تُمتِّع لغيره من نفسها ما ليس لغير الزَّوج التمتُّع منها بذلك، و لا تَخونه فيما وضعه تحت يدها من المال، و سلَّطها عليه فى ظرف الإزدواج و الاشتراك في الحياةِ المنزليَّة.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

44
  • فقوله: {فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ} أى ينبغى أن يَتَّخِذْنَ لأنفسهنَّ وصفَ الصَّلاح. و إذا كنَّ صالحاتٍ فهنَّ لا محالة قانتاتٌ أى يجب أن يَقْنُتْنَ و يُطِعنَ لأزواجهنَّ إطاعةً دائِمةً فيما أرادوه منهنَّ ممَّا له مساسٌ بالتَّمتُّع، و يجب عليهنَّ أن يحفظنَ جانبَهم فى جميعِ ما لهم من الحُقوق إذا غابُوا.

  • و أمَّا قوله: بما حَفِظ اللهُ، فالظَّاهر أنَّ «ما» مصدريَّةٌ، و الباءُ للآلة، و المعنى: إنَّهنَّ قانتاتٌ لأزواجهنَّ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ لَهم من الحقوق حيث شرَّع لهم القيمومةَ، و أوجب عليهنَّ الإطاعة و حفظَ الغيبِ لهم.

  • و يمكن أن يكون الباءُ للمقابلة، و المعنى حينئذٍ: إنَّه يجب عليهنَّ القُنوت و حفظُ الغيب فى مقابلة ما حَفِظَ اللهُ من حقوقهنَّ، حيثُ أحيَا أمرهنَّ فى المجتمعِ البشريّ، و أوجب على الرِّجال لهنَّ المَهرَ و النَّفقةَ؛ و المعنى الأوَّل أظهر»۱.

  • هذا كلُّه ما أردنا إيرادَه من بيان بعض اللُّغويِّينَ و المُّفسِّرين اللَّذَينِ تَمكَّنَّا من مراجعة كتبهم عاجلًا؛ نَعم لم نذكر ما فى تفسير المولى عبدالرَّزّاق القاسانيّ، و ما فى تفسير «روح البيان» للشَّيخ إسماعيل الحقِّيّ، و ما فى تفسير «عَرائِس البَيان» لأبى محمَّد روزبهان؛ لِما أنَّهم اقتصروا فى تفسير القرآن على المعانى الباطنيَّة، و التَّأويلات التى خارجة هى عمَّا نحن بصدده فعلًا من استخراج الحكم الشَّرعيّ.

  • و هؤلاءِ الَّذين نقلنا كلامَهم فى المقام، من أساطين العلم و الكلام، و جَهابذة الفِقه و الحديث و التَّفسير، و أعاظم أهل اللُّغة و الاشتقاق و ساير الفُنون العَربيَّة.

  • و قد نقلنا كلامَهم لما فيها من الفَوائِد الهامَّة فى معنى الآية، و سبب نزولها، و ما يستخرج منها من الأحكام الفقهيَّة.

    1. «تفسير الميزان» طبع الحيدرى سنة ۱٣۷٦، ج ٤، ص ٣٦٥ إلى ص ٣٦۷.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

45
  • نكتٌ ثمانية ملحوظة في الآية

  • و ها نحن الآن بحول الله و قوَّته نورد نِكاتاً من البَحث فى الآية المباركة: {الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى‌ بَعْضٍ وَ بِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ ، فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ} (الآية).

  • النُّكتةُ الاولى: قَوَّامُونَ صيغةٌ مبالغة فى القيام بالأمر، و هو أدلُّ فى المبالغة من القَيِّم و القَيَّام، و المراد منه القائِم بالأمر على المَقُوم عليه و المُسَيْطِر و المُسَلَّط و النَّافذ الحكم فى حقِّه مثل قيام الوالى على الرَّعيَّة و الأمير على المأمور فى الحفظ و الإدارة و التَّدبير وَ الذَّبِّ عنه فى طاري‌ءٍ يَشينه و يُوهِنه.

  • فالقوَّام هو المُسَيْطِر، و لمَقُوم عليه هو الَّذى يكون تحت سَيطرة القوَّام، كأنَّ حياتَه قائِمةٌ به و وجودَه محتاجٌ إليه.

  • و قد صرَّح بعضُ علماءِ علم النَّفسِ بأنَّ الرَّجل يَجد فى أوان بلوغه حسَّ قيمومته على امرأة يقوم بأمرها و يحفظها؛ و المرأة تَجد فى نفسها أوان بلوغها أنَّها تحتاج إلى رجلٍ تَتَّكى‌ءُ عليه، و أصل تَعتمد إليه، و وَليجةٍ تكون لها كَهفاً و مَلاذاً.

  • النُّكتةُ الثَّانية: الألف و اللَّام فى الرِّجال و النِّساءِ للعهد الذِّهنيّ؛ و لمكان دخولها على صيغة الجمع يفيد تعريف استغراق أفراد الجنس فى الخارج، فيُعطى أنَّ الحكم واردٌ على كلِّ واحدٍ واحداً من الأفراد من حيث تحقُّق معنى الجنس فيها؛ فيُفهَم منه أنَّ حكم القيام إنَّما هو لكلِّ واحدٍ من الرِّجال بالنِّسبة إلى كلِّ واحدٍ من النِّساءِ، ولكن لا بالمشخِّصاتِ الفرديَّة الموجودة فيهما من الأغراض و الصِّفات، بل لمكان تحُّقق معنى الجنسيَّة فيهما.

  • النُّكتة الثَّالثة: الإتيان بالجملة الإسميَّة فى المقام يدلُّ على الدَّوام و الاستمرار مضافاً إلى أنَّ القوَّامُون من المشتقَّات، و هى تدلُّ على الثُّبوت و الدَّوام، بخلاف الفعل و هو يدلُّ على معنى الحدث دون ثبوته؛ صَرَّحَ بذلك علماءُ الأدب.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

46
  • فإذن هذه الآية تدلّ بأبلغ وجه على أنَّ الرِّجال قائِمُونَ على النِّساءِ بأقوى قيامٍ دائِميّ استمراريّ. و الجملة و إن كانت إخباراً إلّا أنَّها وَقَعَت موقعَ الإنشاءِ، فأفادت معنى الأمر بوجهٍ بليغٍ.

  • النكتة الرَّابعة: تعليله عزَّ و جلَّ بقوله: {بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى‌ بَعْضٍ وَ بِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ} يدلُّ على أنَّ القيام إنَّما هو لعلَّة خارجيَّة واقعيَّة، لا أنَّه منوط بالاعتبار فقطّ.

  • و التَّفضيل الموهبيّ الإلهيّ هو ما يزيد فى الرِّجال بحسب الطَّبع على النِّساءِ، و ذلك بزيادة قوَّة التَّعقُّل فيهم، و ما يتفرَّع عليه من شرح الصَّدر و سعة التَّحمُّل فى الواردات النَّفسانيَّة، و الخواطر القارعة، و شدَّة البأس و القوَّة و الطَّاقة على الشَّدائِد من الأعمال و المصائِب.

  • و عموم هذه العلَّة يعطي أنَّ الحكم المبنى عليها أعنى قوله: {الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ} غير مقصور على الأزواج بأن يختصَّ القوَّاميَّة بالرَّجل على زوجته، بل الحكم مجعول لقبيل الرِّجال على قبيل النِّساءِ فى الجهات العامَّة الَّتى ترتبط بها حياة القبيلتين جميعاً.

  • فالجهات العامَّة الاجتماعيَّة الَّتى تنوط بشدَّة قوَّة التَّعقُّل و شدَّة البأس، هى الَّتى ترتبط بفضل الرِّجال، كالدِّفاع الحَربيّ، و الجِهاد، و الحكومة، و القَضاءِ.

  • فعلى هذا، التَّفضيل‌ {بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى‌ بَعْضٍ} يُعطى مناطاً عامّاً و مِلاكاً شاملًا ينطبقان على مورد الجِهاد و الحُكومة و القَضاءِ على وضوحٍ؛ بل هذه الموارد الثَّلاثة من أوضح مصاديق لزوم قيمومتهم عليهنَّ، و لا ينافى قولُه بعدُ: {فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ}- الخ الظَّاهر فى الختصاص بما بين الرَّجل و زوجته؛ فهو فرع من فروع هذا الحكم المُطلق و جزئِيّ من جزئِيَّاته و نتيجةٌ من هذا الأصل الكلِّيّ، من غير أن يَتَقَيَّدَ به إطلاقُه.

  • فالتَّمسُّك بهذه الآية المباركة هو الحَجَر الأساسيّ في الاستدلال على‌

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

47
  • منع النِّساءِ عن هذه الثَّلاثة و إن كانت هذه المسألة من مُسلَّمات الإسلام، و أجمع عليها الطائفتانِ من الخاصَّة و العامَّة؛ لكنّ الظَّاهر أنَّ معتمدَ المجمعين نصُّ الكتاب.

  • النُّكتة الخامسة أنَّ التَّعليل‌ {بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى‌ بَعْضٍ} يكون بمعنى (فضلهم الله عليهن)؛ فضمير الجمع المضاف إليه في‌ {بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ} لكلتا الطائِفتين تغليباً؛ و إنَّما عدل عنه إلى هذا التَّعبير لا لظهور المعنى فقطُّ كما في «روح المعاني، بل لإفادة الإشتراك في الجنس و أنَّ الرِّجَالَ وَ النِّساءَ جنسٌ واحدٌ و التَّفضيل إنَّما وقع في أفراد هذا الجنس لا في الأجناس المتغايرة، حمايةً لجانب المرأة حتّى لا تَتخيَّل أنَّها بسبب تفضيل الرَّجل عليها صارَت من جنسٍ آخر دون جنسِ الرَّجل.

  • و هذا من أدَب القرآن كي لا يقصر في شأن المرأة بشي‌ءٍ.

  • كما في قوله تعالى: {الْمُنافِقُونَ وَ الْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ}۱.

  • و أصرح منه قوله تعالى في سورة آل عمران بعدَ أن ذكر خمسَ آياتٍ في أحوال اوليِ الألباب بأنَّهم الَّذينَ يَذكُرون اللهَ قِيَامًا وَ قُعُودًا، و أنْهاه إلى قوله حكاية دعائِهم بتَوَفّيهم اللهُ مَعَ الأبْرارِ: {فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى‌ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ}٢؛ للدِّلالة على أنَّ إعطاء أجرِ العامل يَتَرتَّب على العمل بلا فرق في المقام بين أن يكون العامل ذَكراً أو انثى؛ فهما من جنسٍ واحدٍ لم يُلاحَظ فيه خصوصيّةُ الذُّكورة و الانوثة.

  • و في المقام دلَّت الآية على أنَّ القيام بالأمر للرَّجل لمكان لياقته بهذا المقام، لا يُخرجه من جنس المرأة إلى جنس أعلى من جنسها بل كان الطَّائِفتانِ من جنسٍ واحدٍ.

    1. الآية ٦۷ من سورة ٩: التوبة.
    2. الآية ۱٩٥، من سورة ٣: آل عمران.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

48
  • و أمّا ما قيل: إنَّ هذا التَّعبير للإبهام، للإشارة إلى أنَّ بعض النِّساءِ أفضل من كثيرٍ من الرِّجال فليس بشي‌ءٍ.

  • هذا كلُّه مضافاً إلى أنَّ اللهَ تعالى عبَّر في الآية السَّابقة عند النَّهي عن تَمَنِّي ما فَضَّلَ اللهُ به الرِّجال على النِّساءِ في بعض الامور كالإرث، بقوله: {وَ لا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى‌ بَعْضٍ لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَ لِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَ سْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْ‌ءٍ عَلِيماً}۱.

  • فجعل بَعْضَكُمْ مكان الرِّجال و البَعْضَ مكان النِّساءِ؛ و الأمر فيما نحن فيه كذلك.

  • و استواؤهما في مقام الجنس و الهويَّة لا يُنافي أفضليَّة بعضهنَّ على كثيرٍ منهم في مقام التَّربية و الفعليَّة.

  • النُّكتة السَّادسة: إنَّ تفريع قوله: {فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ}، و مقابلته لقوله: {وَ اللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ}، يفيدان أنَّ المرأة الصَّالحة، و هي التي تُرتَّب أمرَها على الحقِّ و العَدل، و تَتَّبع نظامَ الفطرة و الشَّرع، هي التي كانَت مطيعةً لزوجها، و تستمرُّ إطاعتُها له في حضوره، و تحفظه في نفسِها و ماله عند غيبته.

  • و أمّا المرأة التي تخرج عن الطَّاعة، و تَنْشُزُ عن تأدية حقوق زَوْجها، هي التي تَخرج عن مجرى حياتها الفطريَّة، فتحتاج بأن يُحْكَمَ عليها بالتَّأديب حتَّى تَعْتَدلَ و تَستقيمَ.

  • النُّكتة السَّابعة: أجمع الفُقهاءُ على أنَّه يُقتصُّ للمرأة من الرَّجل في الطَّرفِ من غير ردٍّ حتَّى تبلُغ ديةُ الطَّرف ثلثَ دية الحرِّ فصاعداً، فحينئذٍ يُقتصر على النِّصف؛ و هكذا الأمر في الجراح يتساويان فيها دِيةً و قصاصاً ما

    1. الآية ٣٢، من السورة ٤: النساءِ.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

49
  • لم تبلغ إلى ثلثِ الدِّيَة؛ فإذا بَلَغْتُهُ رُدَّتْ ديةُ المرأة إلى النِّصف؛ و مستند هذا التَّفصيل أخبار كثيرة.

  • و لا فرق في هذا التَّفضيل بين الزَّوج و زوجتهِ و بينَ غيرهما من أفراد الرِّجال و النِّساءِ؛ فإذا ضرب رجلٌ امرأتَه فَلَها القصاص؛ إلَّا في مقامٍ نَشَزَتِ الزَّوجة عن تأدية حقوقه. فما وردت من الرِّوايات في سبب نزول قوله تعالى: {الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ} في سَعْدِ بْنِ الرَّبيعِ بْنِ عَمْروٍ وَ زوجته: حبيبة بنت زيد حيث لَطَمَها فانْطَلَقَ أبوها معها إلى النَّبِيّ صلَّى الله عليه و آله و سلَّم فحكم النَّبيّ بالقِصاص ثمَّ حكم برفع القصاص بنزول جبرائيل و إخباره بآية {الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ} إلى آخر آيات النُّشوز و بَعْثِ الحَكَم إنَّما هو في خصوص مورد نُشوز المرأة، حيث صُرّح فيها بأنَّها نَشَزَتْ عليه.

  • فالنَّبيّ صلّى الله عليه و آله و سلّم إنَّما حَكَمَ بالقصاص، للحكم الكُلِّيّ الوارد فيه نظير آية {وَ إِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ}۱؛ و آية {وَ لَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ}٢.

  • لكنَّ الآية الواردة في المقام خَصَّصَتْ هذه العمومات بغير موارد نُشوز المرأة.

  • فدلَّت على أنَّهنَّ يَسْتَحْقِقْنَ الضَّرب إذا خيف منهنَّ النُّشوز. فالحكم الذي أراده رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلَّم إنَّما هو حكمٌ عامٌّ؛ و هذا الحكم الذي أراده الله حكم خاصٌّ و هو خيرٌ.

  • النُّكتة الثَّامنة: إنَّ الرَّجال لمّا كانوا قوَّامين على النساء بجهات من التَّفضيل فلا بدَّ من أن يُراعُوا جانِبَهنَّ؛ فلا يُؤذُوهنَّ و لا يشتموهنَّ و لا يضربوهنَّ، و أن يُلاحظوا فيهنَّ ما يُلاحِظ الرَّاعي في رعيَّته في المراقبة؛ قال‌

    1. الآية ۱٢٦، من السورة ۱٦: النّحل.
    2. الآية ۱۷٦، من السورة ٢: البقرة.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

50
  • رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلَّم: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَ كُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ».

  • قال في «الميزان»: «و من أجمع الكلمات لهذا المعنى مع اشتماله على اسس ما بني عليه التَّشريع ما في «نهج البلاغة»، و رواه أيضاً في «الكافي» بإسناده عن عبدالله بن كثير، عن الصّادق عليه‌السّلام، عن عليّ- عليه أفضل السَّلام-، و بإسناده أيضاً عن الأصبغ بن نباتة، عنه عليه‌السّلام في رسالته إلى ابنه: «إنَّ الْمَرأةَ رَيْحَانَةٌ وَ لَيْسَتْ بِقَهْرَمَانَةٍ». و ما روي في ذلك عن النَّبيّ صلَّى الله عليه و آله و سلّم: «إنَّمَا الْمَرأةُ لُعْبَةٌ مَنِ اتَّخَذَهَا فَلا يُضَيِّعْهَا». و قد كان يتعجَّب رسولُ الله صلّى الله عليه و آله و سلَّم: «كَيْفَ تُعَانَقُ الْمَرأةُ بِيدٍ ضُرِبَتْ بِهَا». ففي «الكافي» أيضاً بإسناده عن أبي مريم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلَّم: أيَضْرِبُ أحَدَكُمُ الْمَرْأةَ ثُمَّ يَظِلُّ مُعَانِقَهَا؟ و أمثال هذه البيانات كثيرةٌ في الأحاديث؛ و من التَّأمُّل فيها يظهر رأي الإسلام فيها»۱.

  • هذا كلُّه ما وفَّقنا اللهُ له من البحث عن الآية الاولى في المقام.

    1. «الميزان» الجزء الرّابع، ص ٣۷٣.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

51
  •  

  •  

  • الفصل الثاني

  •  

  •  

  • البحث حول آية {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}

  •  

  •  

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

52
  • أما الآية الثانية: فقول الله جلَّ و عزَّ: {وَ لَهُنَّ مِثْلُ الذي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَ لِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَ اللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}۱

  • المعروف هو الذي يعرفه الناسُ، و يقبله العرف من جهة الحضارة الاجتماعيّة المتداولة بينهم؛ و يقابله المنكر، و هو الذي يُنكره العرف و لا يقبله في الحياةِ الاجتماعيَّةِ. فالمعروف لابدَّ و أن يَحوي أمراً أمضاه العقل، و حكم به الشَّرع من سُنَّة الآدابِ و فضائِلِ الأخلاق.

  • و لمَّا كان الإسلام أسَّسَ شريعَتَه على بِناء الفطرة الواقعيَّة و الخِلقةِ الأصليَّةِ، يكون المعروف عنده ما يعرفه النَّاس إذا سَلكوا مَسلكَ الفِطرة، و لم يتعدّوا عن منهاجها القويم و صراطها المستقيم.

  • و من الأحكام المبنيَّة على هذا الأساس، تساوي الأفراد في الحكم الوارد عليهم؛ فيكون ما عليهم مثل ما لهم.

  • و لا يخفى أنَّ هذا التَّساوي على الطَّريق الأحسن لا يتحقَّق إلَّا مع حفظ ما لكلٍّ من الأفراد في المجتمع من الخصوصيَّات المعطاةِ من الفطرة و الآثار اللَّازمة للخِلقة في شؤون الحياة دون الاعتبارات المَوهُومة و الملاحظات المجعولة على أساس الوَهم في المدينة الدنيئة الخَسيسَة.

  • فلابدَّ في المدينة الفاضلة من مراعاة حال الضَّعيف و القويّ، و الجاهل و العالم، و المحتاج و الغنيّ، و ملاحظة كلِّ فطرةٍ في بنائِها الأوَّليّ؛ فتُعطى لها الموادَّ الحياتيَّة على ميزان الافتقار و مرتبة الاحتياج.

  • و هذه هي التَّسوية الصَّحيحة الواقعيَّة، و على هذا جرى الإسلام في الأحكام التي جعلها للمرأة و عليها؛ فجعل لها مثلَ ما عليها، مع حفظ وزنها

    1. الآية ٢٢۸، من سورة ٢: البقرة.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

53
  • في الحياة الفطريَّة التي أعطاها اللهُ تبارك و تعالى مع الرَّجل في دائِرة الاجتماع، للتَّناكح و التَّناسل.

  • الإسلام يرى أنَّ للرِّجال عليهنَّ درجةً في هذه المواهب الاجتماعيَّة؛ فقوله تعالى: {وَ لِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} قَيدٌ مُتمِّم للحكم السَّابق؛ فالكلُّ يفيد معنًى واحداً، و هو أنَّ النِّساءَ قد سَوَّت الفطرة بينهنَّ و بين الرِّجال من الأحكام مع حفظ ما للرِّجال عليهنَّ درجة في هذه المواهب الاجتماعيَّة.

  • فبهذا المعيار سوَّى اللهُ بينَهما و ضَرَبَ لهما الأحكام، فَجَعَلَ لهنَّ مثلَ ما عليهنَّ.

  • وجوه الاشتراك و الافتراق بين الرَّجل و المرأة

  • وعلى هذا البناءِ المَتين‌ سَوَّى الإسلام بين الرَّجل و المرأة من حيث تدبير شؤون الحياة في الإرادة و العمل؛ فكما أن الرَّجل مُستقلُّ الإرادة فيما يحتاج إليه البُنيةُ الإنسانيَّة في الأكل و الشُّرب و غيرهما من لوازم الحياة، فكذلك المرأة فلها أن تستقلَّ بالإرادة و العمل و تتملَّك نتيجةَ مصنوعاتها؛ إلَّا أنَّه قَرَّر الإسلام فيها خصوصيَّتين مَيَّزَها بهما الخلقةُ الإلهيَّة:

  • إحديهما: أنَّها بمنزلة الحَرث في تكوُّن النَّوع و نمائِه، فعليها يكون اعتماد النَّوع في بقائِه؛ فتختصُّ من الأحكام بما يختصُّ به الحَرث، و تمتاز بذلك عن الرَّجل؛ {نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}۱.

  • و الثَّانية: إنَّ خِلقَتها مبنيَّةٌ على رِقَّة الإحساس و دقَّة العاطفة و لطافة البُنْيَة. و هذا الخصوصيَّات لها مدخليَّة تامَّةٌ في أحوالها بالنِّسبة إلى الوظائِف الاجتماعيَّة التي تكون على عُهدتها، و عليها القيام بأدائِها في المجتمع‌الصَّالح.

  • و بهذه الفلسفة المُتَّخذة من الفطرة تنحلُّ جميعُ الأحكام المشتركة بينهما و الأحكام التي يختصُّ به أحدُهما في الإسلام. و قد تقدّم قولُه تعالى:

    1. الآية ٢٢٣ من سورة ٢: البقرة.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

54
  • {وَ لا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى‌ بَعْضٍ لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَ لِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَ سْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْ‌ءٍ عَلِيماً}۱ يُريدُ اللهَ تعالى بهذا البيان أنَّ الأعمال التي حَوَّلَت إليهما الفِطرة هي الملاك الوحيد فيما يختصُّ به الرَّجل من الفضل؛ فالرِّجال قوَّامون على النِّساءِ بهذا المعيار الرَّصين.

  • معنى تسوية الرَّجل و المرأة في الحقوق‌

  • فالمرأة تشترك مع الرَّجل في جميع الحقوق الاجتماعيَّة و الأحكام العباديَّة، فلها الاستقلال في التكسُّب و التملُّك و التعليم و التعلُّم و جلب منافعها و دفع مضارِّها، إلَّا ما كان خارجاً عن عهدتها بملاحظة هاتين الخصوصيَّتين اللَّتين أعطتهما الفطرةُ لبقاءِ النَّوع، و هما كونها حرثاً و فيها رقَّةٌ و لطافة؛ و بهما خرجت عن مرتبة الرَّجل في كونه فاعلًا و ذا بأس و حياةٍ تعقُّليَّةٍ.

  • فلم تتمكَّن المرأة من الأعمال الصَّعبة المحتاجة إلى خشونةٍ حادَّةٍ و تَحمُّلٍ شديدٍ؛ و عمدتها القتال و القضاءُ و الحكومة.

  • بخلاف الرَّجل الذي جُعل في فطرته هذا البأس و هذا التعقُّل، و هو الرّجل؛ فللرَّجل عليها درجةٌ، و هذه الدَّرجة هي درجة التعقُّل و البُنْيَة، و هي بسيطةٌ في العلم و الجسم، فللرِّجال عليهنَّ درجةٌ.

  • كما فضَّل اللهُ على معيارٍ كُلّيّ كِلًّا من المجاهدين على القاعدين درجةً بقوله عزَّ و جلَّ: {فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَ كُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى‌}٢.

  • فَفَضَّل اللهُ الرِّجال على النِّساءِ درجةً مع أنَّ ما لَهُنَّ مِثْلُ مَا عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ.

  • و هذا يوجب منعهنَّ عن القِتال و القضاءِ و الحكومة بتّاً و عن كثير من الأحكام تنزيهاً.

    1. الآية ٣٢ من سورة ٤: النساء.
    2. .الآية ٩٥ من مصدر السابق.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

55
  • و قد ورد في «تفسير عليّ بن إبراهيم القمِّيِّ» في قوله تعالى: {وَ لِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} قال: قال عليه‌السلام: «حق الرجال على النساء أفضل من حق النساء على الرجال» و هذا لا ينافي التَّساوي في الحُقوق كما بيَّنَّا.

  • تنبيهان:

  • الأوَّل: إنَّ الإسلام عند تقنينه جَعلَ أحكام الزَّوجيَّة على أساس خِلقة الفُحولة و الإناث، لأنَّ التَّجاذُب الجنسيّ الواقع فيهما ممَّا لا يُردُّ؛ و الطَّبيعة جَهَّزَت كلًّا منهما بتجهيزات خاصَّة لتوليد المثل؛ و لم تكن هباءً و لا باطلًا.

  • و هذا التَّجهيز لا غاية له إلّا بتوليد المثل لبقاءِ النَّوع. فَعَمَلُ النِّكاح مبنيّ على هذه الواقعيَّة؛ و لهذا رتَّب الأحكام على العِفَّةِ و الحجابِ و اختصاص الزَّوجة بالزَّوج و جَعلِ العِدَّة و نحو ذلك لإحكام هذا الأساس.

  • ولكنَّ القوانين الحاضرة الغربيَّة منها و الشَّرقيَّة قد وَضَعَت أساس النِّكاح على تشريك الزَّوجين في الحياة المَنزليَّة، و هي نوعُ اشتراك في العيش أضيقُ دائِرةً من الاجتماع البلديّ بدون لحاظ أصل التَّوليد و حفظِ الأولاد؛ و لذلك لم تكن القوانين الحاضرة مُتعرِّضة لشي‌ءٍ ممّا تعرَّض له الإسلام من العفَّة و الحِجاب و النَّفقة و غيرها.

  • الثّاني: زعم كثيرٌ من أبناءِ الزَّمان من الَّذين اكتفوا بظاهرٍ من القول، و لا خبرة لهم بالعلم، أنَّ معنى التَّسوية في حقوق الرَّجل و المرأة هو إعطاءُ كُلٍّ منهما من الأحكام و الوظائِف و الثَّمرات بعين ما يُعطى للآخر؛ و هذا شَطَطٌ من الكلام.

  • لأنَّهم لم يَدروا أنَّ معنى التَّسوية هو التَّعديل، و العدل إعطاءُ كلِّ ذي حقٍّ حَقَّه لا أزيدَ و لا أنقصَ، و إلّا لُادِّيَ إلى خلاف المطلوب و نَقض الغَرَض؛ كُلُّ شَي‌ءٍ جاوز عن حدِّه انعكس إلى ضدِّه.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

56
  • فمعنى التَّسوية بين كلِّ إنسان في الأكل و الشُّرب هو إعطاءُ كلٍّ منهم ما يَستحِقُّه، لا أن يُعطي كلٌّ منهم بقَدْر ما يُعطي الآخر كمًّا و كيفاً. فكيف و قد يحتاج الرَّضيع إلى قليلٍ من اللبن بامتصاصِهِ ثَدْيَ امِّه، و أمَّا البَطَلُ المِقْدَام قد يحتاج إلى نَعجةٍ يذبحها و يأكلها عن آخرها في دفعةٍ واحدةٍ؛ فكيف يُعقل التَّساوي بينهما.

  • إن لبن الرَّضيع لا يكفي لجُرعةٍ واحدةٍ لهذا البَطَل؛ و لقمةٌ وَاحدةٌ من لحم النَّعجَةِ كافيةٌ لهلاك الرَّضيع.

  • المريضُ يحتاج إلى الاستراحةِ و الحِمْيَة و شربِ الدَّواءِ؛ و المعافى يَسيحُ في الأرض مع أقراصِ خُبْزِهِ و ماءِ كوزِهِ؛ و الحكيم يُعطي كلَّ واحدٍ منهما ما هو لازم لحياتهما، فيُعطي الأوَّلَ للأوَّلِ، و الثَّاني للثَّاني؛ و لو عَكَسَ لأهلكهما بلا تأمُّلٍ، و حاشا للحكيم أن يَفْعَلَه، فَتنقلب حكمتهُ إلى سَفاهةٍ، و اسمُه الحكيمُ إلى السَّفيه.

  • و الذي تقتضيه الفِطرة في الوظائِف و الحقوق الاجتماعيَّة بين الأفراد أن يساوي بينهم في الحقوق؛ و هذا التَّساوي بمعنى إعطاءِ كلِّ ذي حقٍّ حقَّه، لا التَّساوي في الكمِّ و الكَيْفِ و الجِدَة و الأين و سائر الأعراض.

  • و لا يوجب أن يُحبي بعضٌ و يُضْطهد آخرون بإبطال حقوقهم، لكن مقتضى هذا المعنى من التَّسوية السَفَهيَّة أن يُبذَل كلُّ مقامٍ اجتماعيّ لكلِّ فردٍ من الأفرادِ، فيُعطى للمتعلَّم البسيط مَقامُ المعلِّم الشامخ، و للجَبانِ الضَّعيفِ مقامُ البَطَلِ الشُّجاع؛ و هل هذا إلَّا إفساد كلٍّ منهما ثمَّ إفساد المجتمع؟!.

  • بل الذي يقتضيه العدلُ الاجتماعيّ هو التَّساوي بين الأفراد بميزان حقوقهم الفطريَّةِ و استحقاقهم الاكتسابيّ، {لَها ما كَسَبَتْ وَ عَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ}۱.

    1. الآية ٢۸٦ من سورة ٢: البقرة.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

57
  • فالتَّساوي في نيل كلِّ ذي حقٍّ حقَّه لا يوجِب أن يُزاحم حقٌّ حقّاً أو يُهمِلَ أو يُبْطِلَ حقّاً على سبيل التحكُّم و البَغي و العُدوان.

  • و هذا هو الذي أفاد قولُه تعالى: {وَ لَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَ لِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ}.

  • فالآية نَادَت بأعلى صوتِها التَّساوي بينهما في عين تقرير الاختلاف و تثبيت التَّفاوت.

  • و أنت خبير بأنَّ المُساواة السَّفَهيَّة بين الرَّجل و المرأة على أنَّها لا يمكن أصلًا أن تتحقَّقَ و إلّا لانجرَّ إلى الالتزام بحمل الرِّجال النتائج و وضعِهم و ارضاعِهم إيَّاها فتكون حَرثاً، و إلى فُحُوليَّةِ النِّساءِ فيُتَّخَذْنَ للضِّراب؛ و هل هذا إلَّا اضحوكةٌ للشابِّ و الهَرِم؛ يُؤدِّي إلى خرابهنَّ و خرابهم و هَدمهنَّ و هَدمهم.

  • و ها نحن ننظر الآن إلى المَدَنيَّة الغربيَّة كيف هَدَمَت أساسَ الاجتماع المنزليّ، و أزالَت الرَّاحَةَ و السُّكونَ عن المجتمع بإدخال النِّساءِ في اجتماعات الرِّجال و إعطائِهنَّ من الحقوق ما يساوي كمَّاً و كيفاً بعين ما تعطيه الرِّجالَ من الحقوق.

  • أمَّا الإسلام فيُنازعُ هذا التَّفكير، و يُخاصم هذا التَّدبير، و يَحْكُم باشتراك الرَّجل و المرأة في اصول المَواهب الإنسانيّة و هي الاختيار و ما يتولَّدُ منه من الفِكر و الإرادة و العَمَل.

  • فللمرأة الاستقلال بالتَّصرُّف في جميع شؤون حياتها الفرديَّة و الاجتماعيَّة؛ و قد أعطاها الإسلام هذا الاستقلال على أتمَّ الوجوه؛ فصارت بنعمة الله و فضله مُستقلَّةً بنفسها، مُنفكَّةَ الإرادة و العمل عن الرِّجال، واجدةً لما لم يَسمح لها الدُّنيا في جميع أدوارها، وَ خَلت عنه صحائِفُ تاريخ وجودها؛ قال اللهَ تعالى: {فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِي ما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَ‌

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

58
  • بِالْمَعْرُوفِ}۱.

  • لكنَّها مع وجود هذه العوامل المشتركة في وجودها تختلف عن الرِّجال من جهةٍ اخرى؛ فإنَّه ثبت في علم وظائِف الأعضاءِ، أنَّ المتوسِّطةَ ما النِّساءِ تتأخَّر عن المتوسِّط من الرِّجال في الجهات الكماليَّة من بُنْيَتِها كالدِّماغ و القَلب و الشَّرائِين و الأعصاب و القامة و الوزنِ؛ و بِإثْرِ هذا تكون جُسمها أنعَم و ألطف كما أنَّ جسمَ الرَّجل أخشنُ و أصلبُ؛ و أنَّ الإحساسات اللَّطيفة كالحبِّ و رِقَّة القَلب و الميل إلى الجَمال و الزِّينَة أغلب عليها من الرَّجل، كما أنَّ التعقُّل أغلب عليه من المرأة.

  • و بالجملة حياتها حياةٌ إحساسيَّةٌ عاطفيَّةٌ؛ و حياة الرَّجل حياة تعقُّليَّةٌ تفكيريَّةٌ. و هذه العلَّة توجب أن يُفَرِّق الإسلام بينهما في الوظائف و التَّكاليف العامَّة الاجتماعيَّة التي يرتبط قوامُها بأحد الأمرين أعني التَّعقُّل و الإحساس.

  • فَخَصَّ القِتالِ و القضاءَ و الحكومة بالرِّجال، لاحتياجها المُبرم إلى التعقُّل؛ و الحياة التعقُّليَّة إنَّما هي للرَّجل دون المرأة؛ و خَصَّ حضانة الأولاد و تربيتَها و تَدبير المنزل بالمرأة، و جعل نَفَقَتها على الرَّجل، لتتمكَّن من القيام بهذه الامور.

  • فهل هذا إلَّا عدلٌ و إحكامٌ؟ (فللرجال عليهن درجة؛ {ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}٢ فسبحانك ما أعدلك و أحكمك؛ {كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ}٣.

  • هذا كلُّه ما استفدناه ممَّا أفاده الاستاذ الأكرم العلَّامةُ الطَّبَاطبائِيّ- قده-

    1. الآية ٢٣٤ من سورة ٢: البقرة.
    2. الآية ٩٦ من سورة ٦: الأنعام؛ و الآية ٣۸ من سورة ٣٦: يس؛ و الآية ۱٢ من سورة ٤۱: فصّلت.
    3. الآية ٣٤ من سورة ٤۰: المؤمن.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

59
  • في تفسيره‌۱، بتلخيصٍ و توضيحٍ منَّا.

  • تمَّ بحثنا بحَولِ اللهِ و قوَّته حَوْلَ الآيتينِ الكريمتين من القرآن العظيم.

  • و الآن بتوفيق اللهِ و تسديده نشرع في سائر الأدلَّة الواردة في المقام من الرِّوايات و الإجماع و الشُّهرة الجابِرَة. و نُقدِّم أوَّلًا البَحث عن سقوط الجِهاد عن المرأة، ثمَّ نبحث عن منعها عن القَضاءِ و الحكومة.

    1. «الميزان» ج ٢، ص ٢۷٣ إلي ص ٢٩٢.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

60
  •  

  •  

  • البحث حول جهاد المرأة

  •  

  •  

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

61
  • سقوط الجهاد عن المرأة عزماً

  • أمَّا جِهاد المرأة: فلا إشكال و لا خلاف في عدم وجوبه عليها، بل سقوطه عنها عزماً لا رخصةً، بل الإجماع حاصلٌ بقسميه؛ و قد أرسله الفُقهاءُ إرسال المسلَّمات، بحيث تُعدُّ هذه المسألة من المسائِل التي لا شبهةَ فيها.

  • قال الشيخُ (ره) في «النّهاية»: «و يسقط الجِهاد عن النِّساء و الصِّبيان و الشُّيوخ الكِبار و المجانين و المرضَى و من ليس به نهضةٌ إلى القيام بشرطه».

  • و ذكر ابنُ إدريس في «السَّرائِر» عَين هذه العبارة.

  • و قال في «المبسوط»: «و لا يجب الجهاد إلَّا على كلِّ ذَكَرٍ بالغٍ عاقلٍ- إلى أن قال- و أمَّا النِّساءُ فلا جِهاد عليهنَّ. و سُئِل النَّبيّ صلَّى الله عليه و آله و سلَّم: «هَلْ على النِّساءِ جِهَادٌ؟ قالَ: نَعَمْ، جِهَادٌ لا قِتَال فِيهِ: الْحَجُّ و الْعُمْرَةُ».

  • و قال العلَّامة في «القواعد»: «و لا يجب على الصَّبيّ و لا المجنون و لا العبد- إلى أن قال- و لا المرأة و الخنثى المشكل».

  • و قال المحقِّق في «الشَّرائع»: «يجب على كلِّ مكلَّف حُرٍّ ذَكَرٍ غيرِ هِمٍّ؛ فلا يجب على الصَّبيّ و لا على المجنون و لا على المرأة و لا على الشَّيخ الهِمِّ».

  • و قال العلَّامة في «التَّحرير»: «الذُّكورة يشترط في وجوب الجِهاد؛ فلا يجب على المرأة و الخُنثى المشكل؛ و من الْتَحَقَ بالرِّجال وجب عليه الجِهاد».

  • و قال في «التذكرة»: «يشترط في وجوب الجِهاد امورٌ ستَّةٌ: البلوغُ و العقلُ و الحُرِّيَّةُ و الذُّكُورةُ و السَّلامةُ من الضَّررِ و وجودُ النَّفقة- إلى أن قال- و النِّساءُ لا يجب عليهنَّ الجِهاد لِضَعفهنَّ عن القيام؛ و لهذا لا يُسهم لهنَّ».

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

62
  • و قال في «الجواهر» عند قول المصنِّف: «و لا على المرأةِ»: «بلا خلاف أيضاً بل الإجماع بقسميه عليه مضافاً إلى ضَعفها عن ذلك و قول أميرالمؤمنين في خبر الأصْبَغ: «كَتَبَ اللهُ الْجِهَادَ على الرِّجَالِ وَ النِّساءِ. فَجِهَادُ الرَّجُلِ أنْ يَبْذُلَ مَالَهُ وَ نَفْسَهُ حَتَّى يُقْتَلَ في سَبِيلِ اللهِ؛ وَ جِهَادُ الْمَرْأةِ أنْ تَصْبِرَ على أذَى زَوْجِهَا»، و لو باعتبار أنَّ التَّفصيل في معنى الجِهاد بينهما قاطعٌ للشركة».

  • و قال في «الرِّياض» لمّا عَدَّ الشَّروط۱ الثَّمانِيَة التي منها الذُّكورة: «بلا خلاف في شي‌ء من ذلك فيما أعلمه، بل عليه الإجماع في عبائر جماعةٍ كالمصرَّح به في «الغُنية» في الجميع- إلى أن قال- و في «المُنتهَي» في البلوغ و الذُّكورة، بل صرَّح فيهما و في الثَّاني و الثالث و العَمَى بالإجماع».

  • تنبيهات:

  • التَّنبيه الأوَّل: إنَّ القَدر المتيقّن من الجِهاد الذي كان مرفوعاً عن المرأةِ هو ما كان ابتداءً من المسلمين لدُعائِهم الكفَّار إلى الإسلام؛ و أمَّا سائر أقسام الجِهاد فالمنعُ فيها غيرُ معلومٍ بل الوجوب في بعضها مسلَّم.

  • قال في «المسالك» بعد أن شَرَط الذُّكورة: «إعلم أنَّ الجِهاد على أقسام: أحدها أن يكون ابتداءً من المسلمينَ للدُّعاءِ إلى الإسلام. و هذا هو المشروط بالبلوغ و العقل و الحُرِّيَّة و الذُّكوريَّة و غيرِها و إذن الإمام أو من نَصَبَه، و وجوبه على الكفاية إجماعاً.

  • و الثاني: أن يَدْهَمَ المسلمينَ عَدوٌّ من الكفَّار يريد الاستيلاءَ على بلادهم، أو أسْرِهم، أو أخذ أموالهم، و ما أشبهه من الحريم و الذرِّيَّة. و جِهادُ هذا القسم و دفعُه واجبٌ على الحرِّ و العبد و الذَّكر و الانثى إن احتيج إليها، و لا يتوقَّف على إذن الإمام و لا حضوره، و لا يختصُّ بمن قصدوه من المسلمين،

    1. و هذه الشروط عنده: البلوغ و العقل و الحرّيّة و الذكورة، و أن لا يكون هِمّاً و لا مُقعَداً و لا أعمي و لا مريضاً.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

63
  • بل يجب على من علم بالحال النُّهوضُ إذا لم يُعلم قُدْرةُ المقصودين على المقاومة، و يتأكَّد الوجوب على الأقربينَ فالأقربينَ؛ و يجب على من قُصد بخصوصه المدافعة بحسب المكنة؛ سواءٌ في ذلك الذَّكر و الانثى و السَّليم و الأعمَى و المريض و الأعرج و العبد و غيرهم».

  • و قال في «الرَّوضة البهيَّة»: «الجِهاد على أقسام: جهادٌ المشركين ابتداءً لدعائِهم إلى الإسلام. و جِهاد من يَدْهَمُ على المسلمينَ من الكُّفار، بحيث يخافون استيلاءَهم على بلادهم، أو أخذ ما لهم، و ما أشبهه و إن قَلَّ. و جِهاد من يُريد قتلَ نفسٍ محترمةٍ، أو أخذ مالٍ، أو سَبْي حريمٍ مطلقاً؛ و منه جِهاد الأسير بين المشركين للمسلمين دافعاً عن نفسه؛ و ربما اطلق على هذا القسم الدِّفاعُ لا الجِهاد و هو أولى. و جِهاد البُغاةِ على الإمام.- إلى أن قال- و الذُّكوريَّة شرط فلا يجب على المرأةِ هذا الجِهاد بالمعنى الأوَّل؛ أمَّا الثَّاني فيجب الدَّفع على القادر، سواءٌ الذَّكر و الانثى و السَّليم و الأعمى و المريض و العبد و غيرهم».

  • أقسام الجهاد في كلام كاشف الغطاء

  • أقسام الجهاد

  • و أبسط القول في المقام ما أفاده الشيخُ الأعظم كاشفُ الغِطاء (ره) في «كشف» ه بقوله: «الجِهاد ينقسم من جهة اختلاف متعلِّقاته إلى أقسام خمسة:

  • أحدها: الجهاد لحفظ بَيْضَةِ الإسلام إذا أراد الكُفّار المستحقُّون لغضب الجَبَّار الهُجومَ على أراضي المسلمينَ و بُلدانهم و قُراهُم، و قد استعدُّوا لذلك، و جمعوا الجموع لأجله، لتعلو كلمةُ الكفر و تهبط كلمةُ الإسلام، و يضربوا فيها بالنَّواقيس، و يَبْنُوا فيها البيعَ و الكنائِسَ و يُعلنوا فيها سائر شعائِر الكُفر، و يكون الشَّرع باسم موسى و عيسى عليهما السَّلام، و يشتدَّ الكفر، و يتزايد باستيلاءِ القائِلين بالتَّثليث و غيرها من المناكير۱، النَّافين في الحقيقة

    1. المناكر- خ ل.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

64
  • لوحدة الصَّانع الخبير، كالفرقة الأروسيَّة، خَذَلَهم الله بِمحمَّدٍ و آله.

  • و الواجب هنا أنَّه إن حَصَل من يقوم بذلك سَقَطَ عن المُكَلَّفين، و إلَّا وجب على جميع أهل الإسلام ممَّن له قدرةٌ على الهِجرة و مدخليَّةٌ في إذلال العَدوّ، و كلِّ من له قابليَّةٌ لجمع الجُنود و العساكر أن يقوم بهذا الأمر مع غَيبة الإمام و حضورِه عليه‌السَّلام.

  • و يُعتبر الاستئذان منه و حضور المجتهد و غيبته على نحو ما سيجي‌ء، و له الأخذ من أموال المسلمين بقدر الحاجة.

  • ثانيها: الجِهاد لدفع المَلاعين عن التّسلُّطِ على دماءِ المسلمين و أعراضهم، بالتَّعرُّضِ بالزِّنا بنسائِهم و اللَّواطِ بأولادهم؛ فيجب على ذلك على من غاب أو حضر مع عدم قيام الحاضرين به، و يجوز للرَّئيس المطاع في هذا القسم أن يأخذ من أموال المُسلمين ما يتوقَّف عليه دفعُ عدوِّهم مع قيامهم بالدَّفع مع حضور الإمام عليه السَّلام و عدم تسلُّطه، أو غيبته، و حضور المجتهد أو غيبته. و طلب الإذن منه أولى.

  • ثالثها: الجِهاد لدفعهم عن طائِفةٍ من المسلمين الْتَقَتْ مع طائِفةٍ من الكُّفار فخيف من استيلائِهم عليها.

  • رابعها: الجِهاد لدفعهم عن بُلدان المسلمين و قُراهم و أراضيهم، و إخراجهم منها بعد التَّسلُّطِ عليها و إصلاح بَيْضَة الإسلام بعد ثَلمها، و السَّعي في نجاة المسلمين من أيدي الكَفَرَة المَلاعين. و يجب على المسلمين الحاضرينَ و الغائِبينَ إن لم يكن في الثُّغور من يقوم بدفعهم عن أرضهم أن يتركوا عِيالَهَم و أطفالَهم و أموالَهم، و يُهاجِروُا إلى أعداء الله عن أولياءِ الله؛ فمن كان عنده جاهٌ بَذَلَ جاهَه، أو مالٌ بَذَلَ مالَه، أو سِلاحٌ بَذَلَ سِلاحَه، أو حيلةٌ أو تدبيرٌ صَرَفها في هذا المقام لحفظ بَيْضَةِ الإسلام و أهل الإسلام من تسلُّط الكَفَرَةِ اللِّئامِ.

  • و هذا القسم أفضل الجهاد، و أعظم الوسائل إلى ربِّ العِباد، و أفضل‌

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

65
  • من الجِهاد لردِّ الكُفَّار إلى الإسلام، كما كان في أيَّام النَّبيّ عليه و آله أفضل الصَّلاة و السَّلام.

  • و من قتل في تلك الأقسام، يقف مع الشُّهداءِ يَوم المحشر، و اللهِ هذا هو الشَّهيد الأكبر. فالسَّعيدُ من قُتِل بين الصُّفوف، فإنَّه عند الله بمنزلة الشُّهداءِ المقتولين مع الحُسَين عليه‌السَّلام يومَ الطُّفوف، قد زُخرفت لهم الجنان، و انتظر بهم الحُور العين و الولدان، و هم في القيامة أضيافُ سَيِّدِ الإنسِ و الجانِّ.

  • فمن عَلِم بأنَّه يجب عليهم‌۱ أن يقبل منِّي الكلام، و يأخذ عنِّي الأحكامَ الواردةَ عن سيِّد الأنام فليُخرج سَيْفَه من غِمده، و يرفَع رُمحَه من بُعده، و ينادِي بأعلى صوتِه: «أين غيرةُ الإسلام؟ أين الطَّالبون بثأراتِ شريعة سَيِّد الأنام؟ أين من بَاعُوا أنفسهم بالجنان و الحورِ و الولدانِ، و رضى الرَّبِّ الرَّؤُوف الرَّحمن؟ أين عبيدُ سَيِّدِ الأوصياءِ؟ أين الطَّالبون لأن يكونُوا من شُهَداءِ كربلاءَ؟ أين الدَّافعون عن شريعة سَيِّد الامم؟ أين الَّذين رُوِيَ في حَقِّهم أنَّ أكثَرَ أنصارِ صاحب الأمر العَجَمُ»؟.

  • خامسها: جِهاد الكُفر و التَّوجُّه إلى مَحَالِّهم لِلرَّدِّ إلى الإسلام، و الإذعان بما أتى به النَّبيّ الاميّ المبعوثُ من عند المَلِكِ العلَّام عليه و آله أفضلُ الصَّلاة و السَّلام. و هذا المقام من خواصِّ النَّبيّ و الإمام و المنصوبُ الخاصِّ منهما دونَ العامِّ، و يختصُّ به بعض الأحكام كما سيجي‌ء بيانه في تفصيل الأقسام، و باقي الأقسام يشترك فيه جميع الأنام.

  • فكلٌّ من هذه الأقسام الخسمة مندرج في الجِهاد على سبيل الحقيقة، و يجري على قتلاهم في المعركة حكمُ الشَّهيد في الدُّنيا و الآخرة، فيثبت لهم في الدُّنيا و الآخرة مع خلوص النِّيَّة ما أعَدَّه اللهُ للشُّهداء من الدَّرجات‌

    1. عليه- ظ.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

66
  • الرَّفيعة، و المراتب العليَّة، و المساكن الطَّيِّبة، و الحياةِ الدَّائِمةِ، و الرِّضوان الذي هو أعلى من كلِّ مكرمة.

  • و يسقط في الدُّنيا وجوبُ تَغسيلهم و تحنيطهم و تكفينهم إذا لم يكونُوا عُرَاةً؛ فَيُدْفَنون في ثيابهم مع الدِّماءِ- و لا يُنزع شي‌ءُ منها سوى ما كان من الفِرَى‌۱ و الجُلُودِ، و سوى ما كان إبقاؤه مضرّاً ضَرَراً عَظيماً على الوَرَثة- إذا قتل بين الصَّفَّين و أدركه المسلمون و لم يكن به رمقُ الحياة».

  • هذا كلُّه ما أفاده الشيخ الأكبر (ره)؛ و إنَّما أوردنا تفصيلَ كلامه، لما فيها من الفوائِدِ الهامَّةِ. ثمَّ قال: «وَ تفترق الأربعةُ المتقدِّمةُ عن الخامس بوجوهٍ»٢. فذكر أربعة عشر وجهاً في ما تفترق الأربعة المتقدِّمة عن القسم الأخير. و لمَّا دخل في الباب الثالث في بيان الشُّروط، غيَّرَ ترتيبَ الأقسام المذكورة ههنا فقال: «قد تَقدَّم بيانُ أقسام الجِهاد، و ذكرنا أنَّها تقع على وجوهٍ خمسةٍ، هي:

  • ما يكون لحفظ بَيْضَة الإسلام إذا أراد الكفّارُ الهجومَ عليها. و ما يكون لدفعهم عن بُلدان المسلمين و قراهم و أراضيهم و إخراجهم منها بعد سلطانهم عليها. و ما يكون لدفع الملاعين عن التسلُّط على دماءِ المسلمين، و هتك أعراضهم على نحو ما مرَّ. و ما يكون لدفعهم عن طائِفةٍ من المُسلمين الْتَقَتْ مع طائِفَةٍ من الكُفَّار، فخيف من استيلائِها عليهم و ما يكون لأجل الدَّعوة إلى الإسلام. و إقرارهم بشريعة خير الأنام صلَّى اللهُ عليه و آله»٣.

  • ثمَّ ذَكَرَ للجِهاد شروطاً ثمانيةً و قال: «سادسها الذُّكُورة فلا يجب على من عُلِم خروجُه عن حقيقتها أو شُكَّ فيه كالخُنثى المشكل و المَمْسُوح، و هذا مخصوصٌ بالأخير أو القسمين الأوَّلين»٤. انتهى.

    1. الظاهر الفِراءُ بالمدِّ، و هو جمع فَرْو: جبّة تتّخذ من أوبار الإبن.
    2. «كشف الغطاء» ص ٣۸۱.
    3. «المصدر السابق» ص ٣٩٥.
    4. «المصدر السابق» ص ٣٩٦.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

67
  • و من هذا البيان يتَّضح أنَّ سقوطَ الجِهاد عن المرأة إنَّما هو في القسم الأخير، و هو الدَّعوة إلى الإسلام أو مع القسمين الأوَّلين، و هما ما يكون لحفظ بَيْضَةِ الإسلام إذا أراد الكُفَّار الهُجُومَ عليها، و ما يكون لدفعهم عن بُلدانِ المُسلمين بَعد سلطانهم عليها.

  • و أمَّا في القسم الثَّالث و الرَّابع، و هما ما يكون المَلاعين عن التَّسَلُّط على دماءِ المسلمين و هتكِ أعراضهم، و ما يكون لدفعهم عن طائِفةٍ من المُسلمين الْتَقَتْ مع الكُفَّار فخيف من استيلائِها عليهم؛ فالجِهاد للمرأة ثابتٌ.

  • استقراء المؤلف لأقسام الجهاد

  • أقول: لقد وَفَّقَني اللهُ لإنهاءِ أقسام الجِهاد، و قد بَلَغَ اثني عَشَرَ قِسْماً.

  • القسم الأوَّل: الجِهاد ابتداءً من المُسلمين لدَعوة الكُفَّارِ و المشركينَ إلى الإسلام، كما في جِهاد المسلمينَ مع الرُّومِ و الفُرس و قبائِلِ المشركينَ و أهلِ الكتاب القاطنين في جزيرة العرب، الدعوتهم إلى التَّوحيدِ و دينِ الحقِّ. كما قال تعالى:

  • {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ، وَ خُذُوهُمْ وَ احْصُرُوهُمْ ، وَ اقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ ، فَإِنْ تابُوا وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}۱.

  • و قالَ تعالى: {قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ لا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَ لا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ لا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَ هُمْ صاغِرُونَ}٢.

  • و لمكان توسُّعٍ في الإسلام حتَّى يَشيع في العالم و يستقرَّ سلطنته على‌

    1. الآية ٥ من سورة ٩: التوبة.
    2. الآية ٢٩ من مصدر السابق.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

68
  • الدُّنيا و إحاطته بالنَّاس أمر اللهُ تعالى بالجِهاد مع الَّذين يَلُونَ المُؤمنينَ من الكُفَّار حتَّى يَجِدُوا شِدَّةً في التَّوحيد و إحكاماً في ذاتِ الله بقوله عزَّ و جلَّ:

  • {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَ لْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ}۱.

  • القسم الثاني: الجِهاد في الذَّبِّ عن بَيْضةِ الإسلام مع الكُفَّار المحاربينَ. فيجب على المسلمين الدِّفاع عن أنفسهم و نواميسهم و أموالهم، كما في غزوة بَدر٢ و احد و الأحزاب، كما قال تعالى:

  • {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى‌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَ يُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَ الْإِنْجِيلِ وَ الْقُرْآنِ وَ مَنْ أَوْفى‌ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ، التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ النَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ الْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}٣.

    1. الآية ۱٢٣ من سورة ٩: التوبة.
    2. غزوة بدر لم تقع ابتداءً من المسلمين لدعوة المشركين إلى الإسلام فلم تكن من القسم الأوّل. نَعَم، كان النّفر أوّلًا من المسلمين لأخذ أموال مشركي قريش في عير جاءت من الشّام فيها ثلاثون رجلًا أو أربعون فيهم أبوسفيان و مَخرمة بن نوفل و عمرو بن العاص. و لمّا سمع أبو سفيان الخبر أرسل أجيراً إلى مكّة و أمره أن يأتي قريشاً فيستنفرهم إلى أموالهم و يخبرهم أنّ محمّداً قد عرض لها في أصحابه. فتجهّز الناسُ سراعاً ليمنعوا عيرهم. فلمّا أقبل رسول الله و أصحابه يريدون بدراً لم يجدو العير، و أتاه الخبر من قريش بمسيرهم ليمنعوا عيرهم فنزل بدراً، و لمّا رأى أبوسفيان أنّه قد أحرز عيره أرسل إلى قريش: إنكم إنّما خرجتم لتمنعوا عيركم و رجالكم و أموالكم. فأبوا حتّى نزلوا بالعدوة القصوى من الوادي؛ و قال عُتبة: يا معشر قريش فارجعوا و خلُّوا بين محمّد و سائر العرب فإن أصابوه فذلك الذي أردتم و إن كان غير ذلك الفاكم و لم تَعرضوا منه ما تريدون. فأبوا إلّا عن القتال فإذن هيّأ رسول الله أصحابه للقتال، و وقع بينهم و بين المشركين ما وقع في يوم الجمعة صبيحة سبعَة عشرة من شهر رمضان. (لَخّصناه من سيرة ابن هشام ج ٢ ص ٤٤۰ إلى ص ٤٥٦).
    3. الآية ۱۱۱ و ۱۱٢ من سورة ٩: التوبة.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

69
  • و قال تعالى: {وَ قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَ لا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ، وَ اقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَ أَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَ الْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَ لا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ ، فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ، وَ قاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَ يَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ}۱.

  • وقال‌ تعالى: {وَ قاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ}٢.

  • القسم الثالث: الجهاد لدفع الكُفَّار المحاربين القاطنين في بلاد الإسلام، و استئصالهم، و إخراجهم عنها، و إزالة استيلائِهم على نواميس المُسلمينَ و منابِعِهِمْ و معادِنِهِم و جميعِ شؤونهم الحضاريَّة من السياسيَّة و الاقتصاديَّة و الاجتماعيَّة و المعارفيَّة و العسكريَّة.

  • قال الله تعالى: {فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَ جاهِدْهُمْ بِهِ جِهاداً كَبِيراً}٣.

  • و قال تعالى: {فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ وَ مَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً ، وَ ما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَ النِّساءِ وَ الْوِلْدانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها وَ اجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَ اجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً ، الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ الَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً}٤.

    1. الآية ۱٩۰ إلي الآية ۱٩٣ من سورة ٢: البقرة.
    2. الآية ٣٦ من سورة ٩: التوبة.
    3. الآية ٥٢ من سورة ٢٥: الفرقان.
    4. الآيات ۷٤ إلي ۷٦ من سورة ٤: النساء.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

70
  • القسم الرابع: الجهاد مع الكُفَّار الَّذين نكثوا أيمانَهم مع المسلمين و نَقَضُوا عَهْدَهم، و لم يُوفوا به و طَعَنُوا في الإسلام. قال الله تعالى: {وَ إِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَ طَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ ، أَ لا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ وَ هَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ وَ هُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَ تَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ، قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَ يُخْزِهِمْ وَ يَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَ يَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ ، وَ يُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلى‌ مَنْ يَشاءُ وَ اللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}۱.

  • القسم الخامس: الجهاد مع الكُفَّار كلَّما أرادوا مَكْراً على المُسْلمين، و احتالُوا على إهلاكهم و تضعيفِ بُنْيَتِهِمْ وَ هَدمِ دينهم و شعائرهم، و صدُّوا عن سَبيلهم الذي هو سبيل الله، و إن لم يُجهِّزوا الجُيوشَ و لم يَجمعوا الجُنودَ و العَسَاكَر.

  • قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى‌ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ ، لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَ يَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى‌ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ ، قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ وَ إِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ ، وَ قاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَ يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}٢.

  • القسم السادسُ: الجِهَادُ لدفع الكُفَّار في كلِّ ما أحَسَّ المسلمون منهم البَأس و الشدَّة و الغلظة. قال اللهُ تعالى:

  • {فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى‌

    1. الآية ۱٢ إلي ۱٥ من سورة ٩: التوبة.
    2. الآية ٣٦ إلي ٣٩ من سورة ۸: الأنفال.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

71
  • اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ اللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَ أَشَدُّ تَنْكِيلًا}۱.

  • القسم السّابع: الجِهاد لدفع الظَّالمين الَّذين أخرَجوا المسلمينَ من ديارهم و أبنائِهم، و ألزموهم بالجَلاءِ و ترك أموالهم، أو الدُّخول في منهاج الظَّالمين و ملَّتهم و أن يكونوا كما يكونون، قال اللهُ تعالى:

  • {فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَ أُوذُوا فِي سَبِيلِي وَ قاتَلُوا وَ قُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَ لَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَ اللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ}٢.

  • و قال تعالى: {لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَ لَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَ تُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ، إِنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَ أَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَ ظاهَرُوا عَلى‌ إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَ مَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}٣.

  • القسم الثامن: الجِهاد بأمر الإمام مع الطُّغاة الَّذين خَرَجوا عليه، يريدون نقضَ عهدِه و كَسرَ صَوْلَتِه و هَدمَ شأنِه و إزالةَ حكومتِهِ و إن كانوا مسلمينَ يُصَلّون و يَصُومُون. قال اللهُ تعالى: {انْفِرُوا خِفافاً وَ ثِقالًا وَ جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}٤.

  • و قال تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَ رَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ}٥.

  • القسم التّاسع: الجِهاد لقَلع مادَّة النِّفاق في بلاد الإسلام و قَمعِ‌

    1. الآية ۸٤ من سورة ٤: النساء.
    2. الآية ۱٩٥ من سورة ٣: آل عمران.
    3. الآيات ۸ و ٩ من سورة ٦۰: الممتحنة.
    4. الآية ٤۱ من سورة ٩: التوبة.
    5. الآية ٣۸ من من مصدر السابق.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

72
  • المنافقين الَّذين يُحِبُّون تَشيعَ الفاحشة في الَّذين آمنوا، يأمرون بالمنكر و يَنْهَوْنَ عَنِ المعروف، يُظاهِرون بالإسلام و ينتمون به ولكن قلوبهم مع الكُفَّار و الشَّياطين، يُحرِّفون الكَلِمَ عن مواضعه و لا يزالون يُؤَيِّدونَ رَسْمَ الْكُفر و مَحْوَ الإسلام.

  • قال اللهُ تعالى: {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَ الْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلَّا قَلِيلًا ، مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَ قُتِّلُوا تَقْتِيلًا ، سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَ لَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا}۱.

  • و قال تعالى: {وَ لا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا وَ مَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَ هُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ}٢.

  • القسم العاشر: الجِهاد لدفع المُحاربين للَهِ و لرسولِه و السَّاعين في الأرض الفسادَ بالقتل و الأسر و قطعِ الطَّريق و إشهار السَّيف و تَهديدِ المؤمنين و تَخويفهم في البلاد و القُرى و الجبال و الفَلوات. قال الله تعالى:

  • {إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ ، إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}٣.

  • القسم الحادي عشر: الجِهاد من طائِفةٍ من المُسلمين إذا اقتتلوا مع طائِفَةٍ اخرى منهم، و لم يَرْضَوا بالصُّلح، و كانوا باغين عليهم، حتّى تَفيئوا إلى أمر اللهِ. قال الله تعالى:

    1. الآية ٦۰ إلي ٦٢ من سورة ٣٣: الأحزاب.
    2. الآية ٢۱۷ من سورة ٢: البقرة.
    3. الآية ٣٣ و ٣٤ من سورة ٥: المائدة.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

73
  • {وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى‌ فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِي‌ءَ إِلى‌ أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَ أَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ، إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَ اتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}۱.

  • القسم الثاني عشر: الجِهاد في رَدِّ الظّالم عن ظلمه يريد الإعتداءَ على نفسِ الإنسان أو ماله أو حَرَمه أو عرضِه أو دينه؛ أو الإعتداءَ على أخيه المؤمن كذلك. قال رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلَّم: «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَظْلَمَةٍ فَهُوَ شَهِيدٌ».

  • فهذا الدَّافع مُجاهدٌ في سبيل اللهِ؛ فإذا قُتِل فهو شهيد تشمله إطلاقات آياتِ الجِهاد. مثل قوله تعالى:

  • {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَ إِنَّ اللَّهَ عَلى‌ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ، الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَ لَوْ لا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَ بِيَعٌ وَ صَلَواتٌ وَ مَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَ لَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}٢.

  • فالدِّفاع عن الحقِّ لازم بحيث يُحِبُّ اللهُ الجهر بالسُّوءِ من القَول عند المظلمة؛ قال تعالى: {لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ}٣.

  • فكيف كان، إذا أخلص المجاهدُ نيَّته في جميع هذه الأقسام للّه عزَّ و جلَّ و كان بجِهاده ذاهباً إلى الله تعالى، تَصِلُه المَثُوبات الموعودة من اللهِ من بقاءِ الأعمال و الرِّزق الحَسَن و الحياةِ عند الرَّبِّ و الفَرَح بما آتاهم الله من فضله و الاستبشار بالَّذين لم يَلحقوا بهم من خَلفهم بعدم الخوف و الحزن.

    1. الآية ٩ و ۱۰ من سورة ٤٩: الحجرات.
    2. الآية ٣٩ و ٤۰ من سورة ٢٢: الحجّ.
    3. الآية ۱٤۸ من سورة ٤: النساء.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

74
  • قال الله تعالى: {وَ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ}۱.

  • و قال تعالى: {وَ الَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ ماتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقاً حَسَناً وَ إِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}٢.

  • وقال‌ تعالى: {وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ، فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ يَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ ، يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَ فَضْلٍ وَ أَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ}٣.

  • و قال تعالى: {وَ لا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَ لكِنْ لا تَشْعُرُونَ}٤٥.

  • الجهاد الموضوع عن النساءِ و الموضوع لهنّ‌

  • إعلم أنَّ جميعَ هذه الأقسام من الجِهاد واقعٌ تحت واحدٍ من عنوانين:

  • الأوَّل: ما كانت المحاربةُ أوّلًا و بالذَّات من ناحية المسلمين علي‌الكُفَّار سَواءً كانت لدعوتهم إلى الإسلام أو لِسائر الأغراضِ المذكورة، أوعلى الطُّغاة الخارجين على الإمام، أو المحاربين لِلَهِ و لرسوله، و السَّاعينَ في الأرض الفَساد و إن كانوا مسلمين ظاهراً.

  • و هذا جِهاد يحتاج إلى الإذن من الرَّسول أو الإمام، و تجهيزه الجيوش و الأمر بالنَّفْر؛ و يختصُّ بالرِّجال لا غيرهم، على فرض الكفاية. و لعلَّ شيوعَ استعمال لفظ الجِهاد في هذا العنوان، أوجب نحو انصرافٍ فيه.

  • و هذا كما في القِسم الأوَّل و الرَّابع و الخامس و السَّادس و السَّابع و الثَّامن‌

    1. الآية ٤ من سورة ٤۷: محمّد صلّي الله عليه و آله.
    2. الآية ٥۸ من سورة ٢٢: الحجّ.
    3. الآية ۱٦٩ إلي ۱۷۱ من سورة ٣: آل عمران.
    4. الآية ۱٥٤ من سورة ٢: البقرة.
    5. لا يخفي أنّ كثيراً من الآيات التي استدللنا بها على مورد من هذه الموارد الإثني عَشَرة لا تختصّ به بل تعمّه و بعضَ الموارد الاخر أو جَميعها، فلا تغفل.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

75
  • و العاشر من الأقسام.

  • و الدَّليل على اختصاص هذا النَّوع من الجِهاد بالرَّجال فمضافاً إلى ظهور قوله تعالى: {قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ لا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ}، و قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ}، و قوله تعالى: {انْفِرُوا خِفافاً وَ ثِقالًا}، و نحوها من الآيات، في الرِّجال؛ و مضافاً إلى عدم ذكر المُجاهدينَ و المُجاهداتِ في قوله تعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَ الْمُسْلِماتِ وَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ وَ الْقانِتِينَ وَ الْقانِتاتِ وَ الصَّادِقِينَ وَ الصَّادِقاتِ وَ الصَّابِرِينَ وَ الصَّابِراتِ وَ الْخاشِعِينَ وَ الْخاشِعاتِ وَ الْمُتَصَدِّقِينَ وَ الْمُتَصَدِّقاتِ وَ الصَّائِمِينَ وَ الصَّائِماتِ وَ الْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَ الْحافِظاتِ وَ الذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَ الذَّاكِراتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَ أَجْراً عَظِيماً}۱، فيعلم منه عدم كون النِّساءِ في هذا العنوان عِدلًا للرِّجال. فتأمَّل؛ الرِّوايات الواردةُ عن النَّبيّ و الأئمَّة- عليهم الصَّلاة و السَّلام- الدالَّةُ على سقوط الجِهاد عنهنَّ؛ و قد تقدَّم في مطاوي بَحثنا عِدَّةٌ منها.

  • على أنَّ الإجماع حاصلٌ بقسميه و السِّيرة العَمَليَّة قائِمةٌ من زمن الرسول و من بَعده إلى زماننا هذا في كلِّ عَصْرٍ وَ مِصْرٍ على اختصاصه بالرِّجال.

  • الثَّاني: ما كانت المحاربةُ أوّلًا و بالذَّات من ناحية الكُفَّار على المُسلمين فيجب عليهم أن يدفعوا عن أنفسهم الضَّرر و يُجاهدوا بأموالهم و أنفسهم في سدِّ الخَطَر.

  • و هذا حكمٌ فطريّ أوَّليّ يجد كلٌّ في نفسه، و يحسُّ في وجدانه عند مواجهته للخَطَر؛ و حكمٌ عقليّ بوجوب دفع الضَّرر اليَقينيّ بل المحتمل؛ و حكمٌ شرعيّ للآياتِ و الرِّواياتِ الواردة في المقام.

  • و الجِهاد في هذه الأقسام لم ينط بأمر الإمام بخصوصه، بل إن كان‌

    1. الآية ٣٥ من سورة ٣٣: الأحزاب.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

76
  • حاضراً يأمُر و إلَّا لم يَسقط بل عليهم القيام؛ و لا يتخصُّ بالرِّجال بل يَعُمُّهم وَ يَعُمُّ النِّساءَ جَميعاً على فرض الكفاية.

  • و هذا كما في القسم الثاني و الثَّالث و التَّاسع و الحادي عَشَر و الثَّاني‌عَشَر.

  • معنى رفع الجهاد عن المرأة

  • التنبيه الثَّاني: إنَّ ما ذكرناه من عدم تَرخيص الجِهاد على النِّساءِ في الأقسام المذكورَة، إنَّما هو تولِّي القِتال بمعنى المقارَعة لا مطلق الحضور و الإعانة على الامور كمداواة الجَرْحَى مثلًا. صرَّح به العلَّامة الاستاذ الطَّباطبائيّ- قده- في تفسيره‌۱.

  • و قال العلَّامة (ره) في «التَّحرير»: «يجوز إخراج النِّساءِ للانتفاع بهنَّ، و يُستحبُّ إخراج العجائِز منهنَّ و يكره الشَّوابّ»٢. و قال في «التَّذكرة»: «ولو أخرج الإمام معه العبيد بإذن ساداتهم و النِّساءِ و الصِّبيان جاز الانتفاع بهم في سقي الماءِ و الطّبخ و مداواة الجرحى. و كان النَّبيّ صلّى الله عليه و آله و سلّم يُخرج معه امّ سليم و غيرها من نساءِ الأنصار و لا يخرج المجنون لعدم الانتفاع‌به»٣.

  • و قال الشَّيخ (ره) في «المبسوط»: «و كان النَّبيّ صلَّى الله عليه و آله يحمل معه النِّساءَ في الغزوات»٤.

  • فإذن يلزم على النِّساءِ تعلُّم مداواةِ الجَرحى من تجبير العَظم و عِلاجِ الجَرح و التزريقِ بالإبرة٥، و تعيينِ ضَغْطِ الدَّم و بعضِ أنحاء العَمليَّةِ كي يُعِنَ‌

    1. «الميزان» ج ٢، ص ٢۸٤.
    2. «التحرير» كتاب الجهاد، آخر صفحة ۱٣٤.
    3. «التذكرة» كتاب الجهاد، ص ۱.
    4. «المبسوط» كتاب الجهاد، ص ٥.
    5. مع رعاية عدم اختلاط النساء بالرِّجال و مع تقييد مداواتهنَّ الجرحَى الأجانب فيما يلازم ذلك النظر إلى ما يحرم النظر إليه أو المسّ كذلك بما إذا اقتضت الضَّرورة.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

77
  • المجروحين على مداواتهم، على فرض الكفاية. بل عليهنَّ تعلُّم سائِر الامور الفنيَّة الكهربائيَّة و المكانيكيَّة و المخابريَّة و الاستعلاميَّة و غيرها على كثرتها و تشعُّبها في اليوم، ما عدا المقارَعة و المقاتلَة، حتّى ينتفع بهنَّ في الحروب الإسلاميَّة.

  • التنبيه الثالث: إنَّ سقوط الجِهاد عن النِّساءِ لا يستلزم سقوطَ مَثُوبته عنهنَّ بالكلِّيَّة بل كلُّ امرَأة لازَمَت لنفسها الأحكامَ الإلهيَّة و أطاعت زوجَها في حضوره و حَفِظَته في غيبته، كان لها من الأجر ما كان للرَّجل الغَازي المجاهد في سبيل الله.

  • و قد تقدَّم روايةُ أسماءَ بنت يزيد الأنصاريَّة وافدة النِّساءِ إلى رسول الله صلّى الله عليه و آله و تكلُّمها معه‌۱، و رواياتٌ اخر دالَّةٌ على ما ذكرناه بأبلغ وجه.

  • روى الكلينيّ في «الكافي» «إنَّ جِهَادَ الْمَرْأةِ حُسْنُ التَّبَعُّلِ»٢.

  • قال العلَّامة في «المنتهي»: «الذُّكُورة شرط في وجوب الجِهاد، فلا تجب على المرأة إجماعاً، لِما رَوَتْ عائشةُ عن النَّبيّ صلَّى الله عليه و آله قالت: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! هَلْ على النِّسَاءِ جِهَادٌ؟ فَقالَ: جِهَادٌ لا قِتَالَ فيهِ: الحَجُّ وَ الْعُمْرَةُ. و في طريق الخاصَّة ما رواه الشَّيخ عن الأصبغ بن نُباتَة قال: قال أميرالمؤمنين عليه السَّلام: «كَتَبَ اللهُ الْجِهَادَ على الرِّجَالِ وَ النِّسَاءِ، فَجِهَادُ الرَّجُلِ أنْ يَبْذُلَ مَالَهُ وَ نَفْسَهُ حَتَّى يُقْتَلَ في سَبِيلِ اللهِ، وَ جِهَادُ الْمَرْأةِ أنْ تَصْبِرَ على مَا تَرَى مِنْ أذَى زَوْجِهَا وَ عَشِيرَتِهِ. و التَّفصيل في معنى الجِهاد بينمها قاطعٌ للشِّركة؛ و لأنَّها ليست من أهل القِتال لضَعفها و حورها، و لهذا لم يسْهم لها من الغنيمة؛ و لا نعلم فيه خلافاً»٣.

    1. نقلناها في كتابنا هذا ص ٤٢ عن «الدّرّ المنثور» ج ٢، ص ۱٥٣.
    2. «فروع الكافي» طبع الحيدري، ج ٥، كتاب الجهاد، ص ٩.
    3. «المنتهي» ج ٢، كتاب الجهاد، ص ۸٩٩.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

78
  • أقول: هذه الرِّواية المرويَّة عن الأصبغ رَواها في «الكافي» أيضاً عنه إلَّا أنَّه بدّل لفظة عَشِيرَتِهِ بِلفظه غَيْرَتِهِ‌۱.

  • و قال الشَّيخ في «المبسوط»: «و لا يجب الجِهاد إلّا على كلِّ حرٍّ ذَكَرٍ بالغٍ- إلى أن قال- و أمَّا النِّساءُ فلا جِهاد عليهنَّ. و سُئِل النَّبيّ صلَّى الله عليه و آله: هَلْ على النِّساءِ جِهَادٌ؟ قالَ‌: نَعَمْ، جِهَادٌ لَا قِتَالَ فِيهِ: الْحَجُّ و الْعُمْرَةُ»٢.

  • هذا تمام بحثنا الفِقهيّ في مسألة جِهاد المرأة.

  • فلنشرع الآن في البحث عن عدم جواز تولِّيها القَضاءَ و الحكومة.

    1. «فروع الكافي» ج ٥، ص ٩.
    2. «المبسوط» طبع المكتبة المرتضوية، ج ٢، ص ٥.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

79
  •  

  •  

  • الفصل الثّالث من المرحلة الثّانية

  •  

  •  

  • آراء الفقهاء في عدم جواز تولي المرأة الحكومة و القضاء

  •  

  •  

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

80
  • فنقول: لا إشكال و لا خلاف بين جميع المسلمين في عدم جواز تولِّي المَرأة الحكومَة؛ و أمَّا القَضاءُ فأجمع أصحابنا- رضوان الله عليهم- على عدم الجواز أيضاً، ولكنَّ أبا حنيفة من العامّة جَوَّز تَولِّيها القضاءَ في الامور التي تقبل شهادتها فيها؛ و ابن جرير أطلق؛ ولكنَّ الشافعيّ وافَقَنا في الحكم بعدم الجواز على الإطلاق.

  • و كان الجدير بنا أن نُفرِد البَحث عن كلِّ واحدٍ من القضاءِ و الحكومة على حدة، ولكن لمَّا تمسَّك كثيرٌ من الفقهاءِ- رضوان الله عليهم- برواياتٍ مشتركةِ الدِّلالةِ على عدم جواز تولِّيهما في حقِّها، فنحن أيضاً نقتفي أثَرَهم في البحث عنهما بسياقٍ واحدٍ.

  • فنقول: لابدَّ أوّلًا من بيان كلمات الأصحاب، و دلالتها على الاتِّفاق أو الإجماع في المسألة، و ثانياً التّحقيق في السِّيرة العمليَّة المستمرَّة على ذلك؛ و ثالثاً بيان الرِّوايات الدَّالَّة على المراد.

  • أقوال الفقهاء في المقام‌

  • أمَّا الأوَّل: فقد قال الشَّيخ في «المبسوط»: «الشَّرط الثَّالث في القاضي أن يكون كاملًا في أمرين كامل الخِلقة و الأحكام- إلى أن قال- و أمَّا كمال الأحكام فأن يكون بالغاً عاقلًا حُرّاً ذَكَراً، فإنَّ المرأة لا ينعقد لها القضاءُ بحالٍ؛ و قال بعضهم يجوز أن تكون المرأة قاضيةً، و الأوَّل أصحُّ؛ و من أجاز قضاءَها قال يجوز في كلِّ ما يقبل شهادتها فيه، و شهادتها تُقبل في كلِّ شي‌ء إلَّا في الحدود و القصاص». انتهى‌۱.

    1. «المبسوط» ج ۸ كتاب القضاء، ص ۱۰۱.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

81
  • و كلامه الأخير إشارة إلى ما ذهب إليه أبوحنيفة، على ما صرَّح به في «الخلاف».

  • و قال في «الخلاف»: «لا يجوز أن تكون المرأة قاضيةً في شي‌ء من الأحكام؛ و به قال الشَّافعيّ؛ و قال أبوحنيفة: يجوز أن تكون قاضيةً في ما يجوز أن تكون شاهدةً فيه، و هو جميع الأحكام إلّا الحدود و القصاص. و قال ابن جرير: يجوز أن تكون قاضيةً في كلِّ ما يجوز۱ أن يكون الرَّجل قاضياً فيه لأنَّها تُعَدُّ من أهل الاجتهاد. دليلُنا أنَّ جواز ذلك يحتاج إلى دليلٍ لأنَّ القضَاءَ حكمٌ شرعيّ؛ فمن (فمن قال) يصح (تصلح) له يحتاج إلى دليلٍ شرعيّ؛ و روي عن النَّبيّ صلَّى الله عليه و آله و سلَّم أنَّه قال: «لَا يُفْلِحُ قَوْمٌ وَلِيَتْهُمُ امْرأةٌ»؛ و قال عليه‌السَّلام: «أخِّرُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أخَّرَهُنَّ اللهُ». فمن أجاز لها أن تلي (تولَّى) القضاءَ فقد قدَّمها و أخَّر الرَّجل عنها؛ و قال: «مَنْ فاتَهُ (يابه) شي‌ءٌ في صَلاتِهِ فَلْيُسَّبِّحْ، فَإنَّ التَّسبيحَ لِلرِّجالِ وَ التَّصْفيقَ لِلنِّساءِ».

  • فالنَّبيّ صلَّى الله عليه و آله و سلَّم مَنَعها من النُّطق، لِئَلَّا يسمع كلامها مخافَة الافتتان بها؛ فإن (فبان) تمنع القضاءَ الذي يشتمل على الكلام و غيره أولي». انتهى‌٢.

  • و قال العلَّامة في «القواعد»: «يشترط فيه البلوغ و العقل و الذُّكورة و الإيمان و العدالة و طهارة المولد و العلم. فلا ينفذ قضاءُ الصَّبيّ و إن كان مُراهِقاً- إلى أن قال- و لا المرأة و إن جَمَعَتْ باقي الشَّرائِط». انتهى‌٣.

  • و قال في «التَّحرير»: «و يشترط في القاضي البلوغ و العقل و الإيمان و العدالة و طهارة المولد و العلم و الذُّكورة- إلى أن قال- لا ينعقد القضاءُ للمرأة في الحدود و غيرها». انتهى‌٤.

    1. يصحّ- خ ل.
    2. «الخلاف» طبع سنة ۱٣۸٢، ج ٢، كتاب القضاء، ص ٥٩۰.
    3. «القواعد» ج ٢، كتاب القضاء، ص ٢۰۱.
    4. «تحرير الأحكام» كتاب القضاء، ص ۱۷٩.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

82
  • و قال المحقِّق في «الشَّرائع»: «و يشترط فيه البلوغ و كمال العقل و الإيمان و العدالة و طهارة المولد و العلم و الذُّكورة- إلى أن قال- و لا ينعقد القضاءُ للمرأة و إن استكملت الشرائط». انتهى‌۱.

  • و الشَّهيد عَدَّ الذُّكورة من الشَّرائط في «اللُّمعة الدِّمشقيَّة»؛ و الشَّهيد الثَّاني أمضاه في شرحها «الرَّوضة البهيَّة»٢.

  • و قال أيضاً في «المسالك» عند قول المصنِّف: «و يشترط فيه الذُّكورة»: «و أمَّا اشتراط الذُّكورة فلعدم أهليَّة المرأة لهذا المنصب، لأنَّه لا يليق بحالها مجالسة الرِّجال، و رفع الصَّوت بينهم، و لابدَّ للقاضي من ذلك؛ و قد قال صلَّى الله عليه و آله و سلَّم: «لَا يُفْلِحُ قَوْمٌ ولِيتْهُمُ امْرَأةٌ» انتهى‌٣.

  • و قال المحقِّقُ السَّبزواريّ في «كفاية الأحكام»: «الطَّرف الأوَّل في القاضي، يشترط فيه البلوغ و العقل و الإيمان لا ريب فيه و لا خِلاف، و كذا اشتراط العدالة. و الظَّاهر أنَّه لا خلاف في اشتراط طهارة المولد و الذُّكورة. و اتِّفاق الأصحاب على اعتبار الشرائِط المذكورة منقولٌ في كلامهم و يعتبر فيه العلم بلا خلاف» انتهى‌٤.

  • و قال الشَّيخ محمد الحسن النَّجفيّ في «جواهر الكلام» عند شرح قول المحقّق: «و يشترط فيه ... و الذُّكورة»: «بلا خلاف أجده في شي‌ء منها، بل في «المسالك» هذه الشرائط عندنا موضع وفاق، بل حكاه في «الرياض» عن غيره أيضاً؛ و عن الأردبيليّ دعواء عدا الثَّالث و السَّادس، و «الغُنية» في العلم و العدالة و «نهج الحقّ» في العلم و الذُّكورة- إلى أن قال- و أمَّا الذُّكورة فلما سمعت من الإجماع و النَّبويّ: «لَا يُفْلِحُ قَوْمٌ ولِيَتْهُمُ امْرَأةٌ»: و في آخر: «لا

    1. «شرايع الأحكام» طبع محمد كاظم، كتاب القضاء، ص ٢۷٣ و ص ٢۷٤.
    2. «شرح اللُّمعة» طبع محمد كاظم، ج ۱، ص ٢۰۰.
    3. «المسالك» ج ٢، الصفحة الأولي من كتاب القضاء، و لم يكن صفحات الكتاب متميّزة بالعدد.
    4. «الكفاية»، الصفحة الأولي من كتاب القضاء، و لم يكن صفحاته متميّزة بالعدد.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

83
  • تَتَوَلَّى الْمَرْأةُ الْقَضَاءَ»؛ و وصيِّة النَّبيّ صلَّى الله عليه و آله و سلَّم المروَّية في «الفقيه» بإسناده عن حمَّاد: «يَا عَلِيّ! لَيْسَ على الْمَرأةِ جُمْعَةٌ وَ لَا جَمَاعَةٌ- إلى أن قال- وَ لَا تَوَلِّى الْقَضَاءِ»، مُؤَيَّداً بنَقصها عن هذا المَنصب، و أنَّها لا يليق لها مجالسةُ الرِّجال و رفع الصَّوت بينهم، و بأنَّ المُنساق من نُصوص النَّصبِ في الغيبة و غيرها، بل في بعضها التَّصريح بالرَّجل، لا أقلَّ من الشَّكِّ، و الأصل عدمُ الإذنِ». انتهى‌۱.

  • و قال السَّيِّد جوادٌ العامليّ في «مفتاح الكرامة» عند شرح قول العلَّامة في «القواعد»: «أمَّا المرأة فلِما ورد في خبر جابر، عن الباقر عليه‌السَّلام: وَ لَا تَوَلِّى الْقَضَاءَ امْرَأةٌ»: و قد أنكر الدَّليل المُقَدَّس الأردبيليّ (ره) إن لم يكن إجماع.

  • و هذا خبر منجبر بالشُّهرة العظيمة إن أنكر الإجماع مع ما ورد من نُقصان عقلها و دينها و عدم صلاحيَّتها في الصَّلاة للرَّجل، و إنَّ شهادتها نصف شهادةٍ غالباً؛ و قال في «الخلاف»: إنَّ أبا حنيفة جوَّز ولايَتها فيما تُقبل فيه شهادتُها، و ابنَ جرير أطلق» انتهى‌٢.

  • و قال خالُنا المولى أحمد النَّراقيّ في «مستند الشِّيعة»: و «منها (أي من الشرائِط) الذُّكورة بالإجماع كما في «المسالك» و «نهج الحقِّ» و «المعتمد»٣ و غيرها»٤.

  • و قال المَولى عليّ الكنيّ في كتاب «القَضاءِ»: «و كيف كان فشروط القَضاءِ هي البلوغ و كمال العقل و الإيمان و العدالة و طهارة المولد و الذُّكورة و العلم بلا خلافٍ في اعتبارها في القَضاءِ؛ و الإجماع محصَّلٌ و منقولٌ؛ ففي‌

    1. «الجواهر» طبع الملّفق، الصفحة الأولي و الثانية من كتاب القضاء، و الكتاب غير متميّز بالعدد.
    2. «مفتاح الكرامة» ج ۱۰، كتاب القضاء، ص ٩.
    3. «معتمد الشيعة» كتاب فقهٍ جليل لوالده العلّامة المولي مهدي النراقي، و هو جَدُّنا الأعلي من طرف الامّ.
    4. «المستند» ج ٢، كتاب القضاء، ص ٥۱٩.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

84
  • «المسالك» أنَّ هذه الشَّرائط عندنا موضع وفاق، و ادَّعاه في «كشف اللِّثام» بلفظة الوِفاق، و في «مفتاح الكَرامة» بلفظ الإجماع، و فيه أيضاً أنَّ هذه الشُّروط السَّبعة معتبرةٌ إجماعاً معلوماً و منقولًا حتَّى في «المسالك» و «الكِفاية» و «المفاتيح»، و في «الرِّياض» بلا خلاف في شي‌ءٍ من ذلك أجده بيننا، بل عليه الإجماع في عبائر جماعةٍ «كالمسالك» و غيرهِ في الجميع، و «شرح الإرشاد» للمقدَّس الأردبيليّ فيما عدا الثَّالث و السَّادس، و هو السَّابع هنا؛ و «الغُنية» في العدالة و العلم؛ و «نهج الحقِّ» للعلَّامة في العلم و الذُّكورة. انتهى. في «الدُّروس» لا ينعقد قضاءُ المرأة لإطباق السَّلف على المنع منه، و في «المسالك» أيضاً هو أي عدم انعقاد قضاءِ المرأة موضع وفاقٍ؛ و في «الرَّوضة» ادَّعى الإجماع على اعتبار غير العلم من هذه السَّبعة في موضعٍ، و عليه في موضعٍ آخر بل مواضع تأتي إليه الإشارة»۱. انتهى كلامه رفع مقامه.

  • و قال السَّيِّد عليّ في «الرِّياض» لمّا عدَّ الشُّروط السِّتَّة التي منها الذُّكورة: «بلا خلاف في شي‌ءٍ من ذلك أجده بيننا، بل عليه الإجماع في عبائر جماعة كـ- «المسالك» و غيره في الجميع- إلى أن قال- مضافاً إلى الأصل بناءً على اختصاص منصب القَضاءِ بالإمام عليه السلام اتّفاقاً فتوًى و نصًّا. و منه زيادةً على ما مضى المرويّ بعدَّةِ طرقٍ و فيها الصَّحيح في «الفقيه»: «إتَّقُوا الْحُكُومَةَ فإنَّمَا هِيَ لِلإمَامِ الْعَالِمِ بِالْقَضاءِ الْعَادِلِ في الْمُسْلِمينَ كَنَبِيّ أوْ وَصِيّ نَبِيّ، خرج منه القاضي المجتمع لهذه الشرائِط بالإذن من قِبَله، كما يأتي بالنَّصّ و الإجماع، و ليسا في فاقِدها كلًّا أو بعضاً». انتهى‌٢.

  • هذا ما تيسّر لنا من تصفُّح كلماتِ الأعلام من الفُقهاءِ العظام رضوان الله عليهم.

    1. «قضاء الكّني» ص ۱٢.
    2. «الشَّرح الكبير» ج ٢، الصفحةُ الأولي من كتاب القضاء، و ليست صفحاته متميّزة بالعدد.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

85
  • السِّيرة العمليَّة المستمرة

  • أمَّا السَّيرة: فلا إشكال في تَحَقُّقها في المقام؛ و معناها التزام المسلمين من الفُقهاءِ و العُلماءِ و الحُكَّام، الخاصَّة منهم و العامَّة، من زَمَن الرَّسول صلّى الله عليه و آله و سلَّم إلى زماننا هذا بعدم نصب المرأة للإمارة أو القضاءِ، مع وجود طائِفة من النِّساءِ ذوات علومٍ و دراياتٍ، و محاسن أخلاقٍ و مكرماتٍ، في طول الأحقاب حُقْباً بعد حُقْبٍ.

  • و نحن لمَّا تَصَفَّحنا آراءَهم في كتب السِّير و التَّواريخ، وَجدنا أنَّ امتناعَهم من نَصبهنَّ لهذا المقام لم تكن اتِّفاقيًّا، بل للإستناد بسُنَّة الشَّارع المعظَّم و الرَّسول المُكرَّم صلّى الله عليه و آله و سلَّم و للاقتفاءِ بمنهاجه القويم و سبيله المستقيم، بحيث لا يمكن لهم أن يَتَعَدَّوْا عنه. و هذه السِّيرة العمليَّة كالشُّهرة القوليَّة ممّا يكفي في الاستناد إليه.

  • إن قلت: إنَّ عدم النَّصب أمرٌ عدميّ، و غاية ما يستفاد منه عدم منصوبيَّة المرأة لهذا المقام في هذه المدَّة الطَّويلة، و لا يمكن أن يستفاد منه وجهُ عدم النَّصب؛ فالتَّمسُّك بالسِّيرة في أمثال هذه الموارد في غاية الإشكال.

  • قلت: لا إشكال في أن وُلاة الجور من الامويِّين و العبَّاسيِّين وَلُوا أمر هذه الامَّة أزيد من خمسمائة سَنَةٍ، و كذلك الَّذين جاؤُوا من بعدهم و اقتفوا آثارهم و حَذَوْا حَذْوهم، إلى زماننا هذا، و في الامَّة نساءٌ عالماتٌ بالأدب و الشِّعر و التَّاريخ و التَّفسير و الحديث، و ربما بَلَغَتْ جماعةٌ منهنَّ مرتبةَ الاجتهاد و صِرْنَ من أهل الاستنباط، و كثيرٌ منهنَّ ذوات صلاحيَّة وتقوى من الله، و مع ذلك لَم نَر حتَّى مورداً واحداً أنْ يُوَلُّوهنَّ الإمارة و القضاءَ.

  • و لم يكن إلَّا لعدم ملائمتِه رُوحَ الإسلام و الشَّريعة المحمَّديَّة؛ و لم يتمكَّنوا في أنظار العامَّة من المخالفة على ما هو في الضَّرورة كالبَديهيّ.

  • ولو لم يكن الإسلام مَنَعهنَّ عن هذه الامور الوِلائِيَّة لنصبوهنَّ في‌

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

86
  • المقامات العالية و جعلوهنَّ قاضياتٍ في المدائِن و الأمصار و فَوَّضُوا إليهنَّ ولاية النَّواحي المُعظمة من البلاد و الأقطار.

  • و إنَّ من الواضح كونَهم مشتاقين لهذا النَّصب، و كونَهنَّ مشتاقاتٍ لهذه المناصب؛ كيف و قد نرى أنَّهم وَلَّوا كثيراً من غِلمانهم و عَبيدهم وَ فوَّضُوا إليهم الامور السَّامية، و قَلَّدوهم المناصِبَ الخطيرة، فكيف يزهدون في إعطائِها لأمثال البَنات و الأخوات، مع ما يشاهد العامَّةُ من ابَّهَةِ جلالهنَّ و عظم شأنهنَّ، و يميلون إلى جانبهنَّ فيما هو موردٌ لأنظار الحَّكام السِّياسيَّة.

  • فبملاحظة هذه القرائن الحافَّة، الحاليَّة و المقاميَّة و المقاليَّة من كلِّ جانب و ناحية تصير السِّيرة العدميَّة البَهماءُ البَكماءُ، ذاتَ لسانٍ طَلِق، تنطق ببيانٍ ذَلِقٍ وجهَ انقادها و تحقُّقها في العالم الإسلاميّ؛ و في هذا غنًى و كفايةٌ.

  • و أمَّا الرِّوايات الواردة في المقام، فقبل الخَوض فيها لابدَّ من البحث في تأسيسِ الأصلِ المعتمد عليه عند الشَّكِّ في شرطيَّة شي‌ءٍ في القضاءِ أو الإمارة؛ فيُتمسَّك به عند فقدان الدَّليلِ الاجتهاديّ على شرطيَّتِهِ. و لقضاءِ البحث التَّام نحتاج إلى تمهيد مُقدِّمات:

  • المقُدِّمة الاولى: إنَّ القضاءَ و الإمارةَ مَن شُعَب الولاية؛ و الولاية أمرٌ عَظيمٌ مجَدُهُ، جليلٌ شأنُهُ، لأنَّها الحكومةُ على نفوس النَّاس و أموالهم و أعراضهم و أزواجهم و سائر شؤونهم بالإرادة و التَّصرُّف.

  • ففي الحقيقة هي القيادة إلى صالحهم المنوطة بالتَّمتُّع من جميع المواهب الإلَهيَّة، و إلى فعليَّة الاستعدادات الكامنةِ في نفوسهم و طبائعهم بنحوٍ أعلى و أكمل.

  • فإذا فُوِّضَت إلى أهلها وَ وَقَعَتْ في محلِّها، يتنعَّم النّاسُ في دنياهم و اخراهم؛ فيَسيرون إلى كمالهم الحقيقيّ، فيعيشون في الدُّنيا بأهنأ عيشٍ و أتمِّ راحة، مع الوصول إلى غاية الدَّرجات المُقدَّرة لهم في سيرهم الكماليّ؛

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

87
  • و في الآخرة يتلذَّذون بما هو ثمرةُ مساعيهم في الدُّنيا، لأنَّها مزرعة الآخرة و مَتجرها؛ فيتنعَّمون بما تَشْتَهِيهِ الأنْفُسُ وَ تَلَذُّ الأعْيُنُ.

  • و إذا لم تقع في مَحلِّها وَ وَقَعَتْ في يد غير أهلها، تَضيع النُّفوسُ و الاستعداداتُ المختفية فيها؛ فلا يصل حقٌّ إلى صاحبِهِ، فيكون العيشُ عيشَ البَهائم على مبنى الوَهْمِ و الشَّهْوَةِ و الغَضَبِ؛ كُلٌّ يَرى حياتَه في مَوْتِ الآخر، و صِحَّته في سقم الآخر، و غناه في فقر الآخر، فيصير المجتمع بِرْكَةً للسِّباع الضَّارية و الكلاب العاويَة و البهائم الهَاوية.

  • الآيات الواردة في ولاية الإمام عليه‌السَّلام‌

  • المقدِّمة الثَّانية: الآيات الواردة في القرآن الكريم تجعل الولاية على رِبْقَةِ الرَّجُلِ الإلَهيّ المتحقِّق بالحقِّ و الهادي إليه، و تدعو النّاس إلى لزوم الاتِّباع له فقطُّ، و هو المعصوم من هَوَى النَّفس الأمَّارة بالسُّوءِ و من الزَّلَل.

  • ۱- قال الله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ، فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْ‌ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَ الرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَ أَحْسَنُ تَأْوِيلًا}۱.

  • تقريب الاستدلال: إنَّ إطاعة اللهِ إنَّما هِيَ المتابَعَةُ للأحكام الإلهيَّة التي أنزلها في القرآن الكريم بِلِسان عربيّ مُبينٍ، نَزَلَ به الرُّوح الأمين على قلبِ نبيِّنا صلَّى الله عليه و آله لِيكونُ من المُنْذِرينَ.

  • و إطاعة الرَّسولِ ينقسم إلى قسمين:

  • الأوَّل: ما هو في الأحكام الجزئيَّة المُبيَّنة منه لِتعيين حدود الأحكام الكلِّيَّة و قيودها و شرائطها؛ و هذا يرجع إلى ناحية التَّشريع.

  • و الثَّاني: الأحكام الصَّادرة منه في الموضوعات الولائِيَّة حسب كونه والياً و إماماً للنَّاس. و لا مدخل للتَّشريع في هذا القسم؛ بل تترشَّح هذه الأوامر من‌

    1. الآية ٥٩ من سورة ٤: النساء.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

88
  • نفس النَّبيّ صلَّى الله عليه و آله و سَلَّم حسب إرادته و خُبرته بمصالح امور النَّاس و الحوادثِ الواقعةِ.

  • و هذان القسمان من الإطاعة مغايران لإطاعة الله التي هي الالتزام بالأحكام القرآنيّة، و لذا عَطَفَ إطاعةَ الرَّسول على إطاعة الله، و العطفُ دالٌّ على المغايرة. و لمكان تغاير سنخيَّة الإطاعتين كَرَّر لفظة الأمر بالإطاعة.

  • و أمَّا اولوا الأمر فأيّاً كانوا و مَهما كانوا لا حظَّ لهم في التَّشريع؛ و إنَّما حظُّهم ولاية الأمر و منصب الإمارة و الحكم بين النَّاس فيما اختلفوا فيه؛ فهم مشتركون مع الرَّسول من النَّاحية الثَّانيَة فقطُّ. و لهذا الاشتراك في كيفيَّة الولاية، أوجب اللهُ إطاعَتهم من دون تكرار الأمر بالطَّاعة.

  • إن اولي الأمر لا بدَّ و أن يكونوا معصومين من المعاصي و الخطايا، و إلَّا يكون الأمر بإطاعة الله و الرَّسول و الأمر بإطاعتهم أمراً بالضِّدَّين أو المتناقضين، و هو مستحيل، كما اعترف به الفخر الرَّازيّ في تفسيره.

  • و احتمال أنَّ وجوب إطاعتهم من قبيل وجوب إطاعة الوُلاة في زمن الرِّسول و أميرالمؤمنين- عليهما الصَّلاة و السَّلام- مِن انحصارها بالموارد التي لا تخالف حكم الله، و مِن تدارك موارد الخطأ بالمصلحة الحاصلة في انتصابهم، مدفوعٌ بأنَّ هذه الفرضيَّة و إن كانت صحيحةً في نفسها لكنَّها غيرُ مَحَطِّ ظهور الآية.

  • الآية ظاهرةٌ في وجوب طاعة اولي الأمر على نحو وجوب طاعة اللهِ و طاعة الرَّسول بسبكٍ واحدٍ و سياقٍ واحدٍ. فلا محيص عن الالتزام بكون اولي الأمر أفراداً من النَّاس معصومين من الخَطأ و الذَّنب. و قد أجمع المُسلمون أنَّه لا يدَّعي أحدٌ العصمةَ الوِلائِيَّة في هذه الآية في حقِّ أحدٍ إلَّا ما ادَّعاه الشِّيعة في حقِّ أئِمَّتِهِمُ الإثني عَشَرَ- صَلَوات الله و سلامهُ عليهم أجمعين-، فينطبق موردُ الآية عليهم طبعاً.

  • فائدةٌ: بما أنَّ الخطاب في هذه الآية للمؤمنينَ و قد أوجب اللهُ عليهم‌

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

89
  • إطاعةَ اولي الأمر، فعلى مدلول الآية لا يُعقل التَّنازع معهم في أمرٍ من الامور؛ فإذن ينحصر مورد التَّنازع في قوله تعالى: {فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْ‌ءٍ} بالنِّسبة إلى المؤمنين بعضهم مع بعض.

  • و حيثما كان المرجع عند التَّنازع هو الكتاب الإلهيّ و سنَّة رسوله، و هما اللَّذان وقعا في مصدر التَّشريع و الأحكام، فعند التَّنازع يُرجع إليهما كما نَطَقَتْ به الآية، و فسَّرها أميرالمؤمنين في كتابه للمالك الأشتر حين وَلَّاه مصرَ بقوله:

  • «وَ ارْدُدْ إلَى اللهِ وَ رَسُولِهِ مَا يُضْلِعُكَ مِنَ الْخُطُوبِ، وَ يَشْتَبِهُ عَلَيْكَ مِنَ الامُورِ؛ فَقَدْ قَالَ اللهُ تعالى لِقَوْمٍ أحَبَّ إرْشَادَهُمْ: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْ‌ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَ الرَّسُولِ}، فَالرَّدُ إلَى اللهِ الأخْذُ بِمُحْكَمِ كِتَابِهِ، وَ الرَّدُّ إلَى الرَّسُولِ الأخْذُ بِسُنَّتِهِ الْجَامِعَةِ غَيْرِ المُفَرِّقَةِ»۱.

  • ٢- و قال تعالى: {أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى‌ فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}٢.

  • تقريب الاستدلال: إنَّ بِناءَ الاستدلال على لزوم تبعيَّة الحقِّ، لأنَّه تعالى قال: {قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ}، بعد أخذ الإقرار عن المشركين بأنَّ شركاءَهم لا يَهدون إلَى الحقِّ بالاستفهام الإنكاريّ بقوله: {قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ}؟.

  • ثُمَّ رَتَّب على هذا المبنى معادلةً بين قوله: {أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ} و بين قوله‌ {أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى‌}، فقال: {أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى‌}. و معلوم أنَّ لَا يَهدِي يكون من باب الافتعال و أصله لا يَهْتَدي، فلجواز إدغام تائِه في الدَّال صار لا يَهدِي. إذا

    1. «نهج البلاغة» باب الكتب، ص ٩٣ و ص ٩٤، من طبع عبده بمصر.
    2. .الآية ٣٥ من سورة ۱۰: يونس.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

90

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

91
  • و نَتيجتُه أنَّ من كانت هدايته غيريَّةً۱ لا يمكن أن يَهدِي إلَى الحَقِّ؛ و الهادي إليه هو الذي تكون هدايتُه ذاتيَّةً إلهيَّةً و هو الذي يكون علمه حضوريّاً فعليّاً صانَهُ اللهُ من الزَّلَلِ و الخَطَايَا.

  • فالآية بمثابة قوله تعالى: {وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَ أَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَ إِقامَ الصَّلاةِ وَ إِيتاءَ الزَّكاةِ وَ كانُوا لَنا عابِدِينَ}٢. و قَوله تعالى: {وَ جَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَ كانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ}٣.

  • و بما ذكرنا تعلم أنَّ هذه الآية تدلُّ على لزوم العِصمة في الإمام القائِم بالامور و القاضي بين النَّاس؛ فالاستدلال بها على ولاية الفقيه كما ربما سُمِعَ من بعضٍ في خُطبته لصلاة الجُمعة غير تامٍّ.

  • هذا و إنَّا بحمد الله و حسن توفيقه قد عملنا كتاباً ضخماً في معرفة الإمام باللُّغة الفارسيَّة سَمَّيناه بـ «إمام شناسي» و بحثنا فيه عن هاتين الآيتين و غيرهما من الآيات الدَّالَّة على عصمة الإمام بما لا مزيد عليه.

  • ٣- و قوله تعالى: {يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَ لا تَتَّبِعِ الْهَوى‌ فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}٤.

  • تقريبه: أنَّ الله تعالى فَرَّع جوازَ الحكم بين النَّاس على كونه خليفته في الأرض؛ و خليفة الله هو الذي تجتمع في الصِّفاتُ العبوديَّة بتمامها المحاذية للصِّفات الربُوبيَّة لذاته- عزَّ شأنه- بتمامها؛ و لا تتحقَّق إلَّا بالعصمة، بل العصمةُ من لوازمها و آثارها.

    1. المراد من الهداية الغيريَّة ما يكون بغيره من الناس. و المراد من الهداية الذَّاتيَّة ما يكون بالله تبارك و تعالي.
    2. الآية ۷٣ من سورة ٢۱: الأنبياء.
    3. الآية ٢٤ من سورة ٣٢: السجدة.
    4. الآية ٢٦ من سورة ٣۸: ص.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

92
  • فما ربما يُتوهَّم أو يقال: إنَّ الآية فَرَّعَتْ وجوبَ الحكم على الخلافة لا جوازه، أو يقال: إنَّ الحكم بين النَّاس بالحقِّ فرعٌ للخلافة، فالتَّفريع وارد على القيد و هو الحِّقيَّة لا أصل الحكم، مدفوعٌ كما اعترف به الشَّيخ محمّد الحسن الآشتيانيّ- قدَّس سرُّه- في كتابه‌۱.

  • لأنَّ الأمر الوارد عقيبَ تَوُّهم الحَظر يفيد الجواز؛ و ظهور الآية في كون التَّفريع وارداً على الحكم الحقِّ بنحو القيد و المقيَّد معاً ممَّا لا إشكال فيه.

  • ٤- و قوله تعالى مخاطباً للرَّسولِ الأكرم صلّى الله عليه و آله و سلَّم: {إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ وَ لا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً}٢.

  • و الاستدلال بهذه الآية أيضاً يتوقَّف على انحصار لزوم التَّبعيَّة في الحقِّ، و عدم الفصل بين الحقِّ و الباطل بقوله تعالى: {فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ}٣.

  • فالحكم بين النَّاس بما أرى الله تعالى إنَّما هو الحكم بالحقِّ الذي لا يشوبه باطلٌ، و رَتَّبه تعالى على إنزاله الكتاب بالحقِّ على قلبه.

  • فنزول الكتاب بالحقِّ على قلبه الواعي للوحي الإلهيّ و المُتلقِّي للأسرار اللَّاهوتيَّة و الجَبروتيَّة و الملكوتيَّة، هي العلَّة التي ترتَّبَ عليها معلولُها و هو الحكم بين النَّاس بما أرى اللهُ و هو الحقُّ.

  • ٥- و قوله تعالى: {كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ وَ أَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ}٤.

    1. كتاب «القضاء» للآشتياني، ص ٣.
    2. الآية ۱۰٥ من سورة ٤: النساء.
    3. الآية ٣٢ من سورة ۱۰: يونس.
    4. الآية ٢۱٣ من سورة ٢: البقرة.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

93
  • و تقريب الاستدلال بها كما تقدَّم.

  • ٦- و قوله تعالى: {وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَ مُهَيْمِناً عَلَيْهِ، فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَ لا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ}۱.

  • و أردفه بُعَيْد هذه بقوله تعالى:

  • {وَ أَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَ لا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَ احْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ}٢.

  • و تقريب الاستدلال بها أيضاً كما سبق، لتفريع الحكم بما أنزل الله على نزول الكتاب بالحقِّ.

  • ۷- و قوله تعالى: {فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً}٣.

  • حيث إنَّه تعالى جعل نفس النَّبيّ الشَّريفة صلّى الله عليه و آله و سلَّم مركزاً للحكم تدور حولَه مشاجراتُهم و مخاصماتهم بحيث لا يَجدون في أنفسهم ثِقلًا و حَرَجاً ممّا قَضى.

  • فقضاؤه الحقُّ البَحت ينشعب من نورانيَّة نفسه المتجلِّى فيها النُّور الإلهيّ، و المتخلِّقة بأسمائه و صفاته سبحانه، و منها العلوم الكلِّيَّة.

  • ۸- و قوله تعالى: {وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَ مَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِيناً}٤.

  • حيث إنَّه تعالى قرن رسولَه صلّى الله عليه و آله و سلَّم بنفسه- إذا قضى‌

    1. الآية ٤۸ و ٤٩ من سورة ٥: المائدة.
    2. الآية ٦٥ من سورة ٤: النساء.
    3. .نفس المصدر السابق.
    4. الآية ٣٦ من سورة ٣٣: الأحزاب.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

94
  • أمراً- في سلب الاختيار عن الامَّة جميعهم من المؤمنين و المؤمنات؛ فليس لهم الخيرةُ قبالَ اختياره، و لا الإرادة حذاءَ إرادته، فحكمه حكم الله، و في الإحكام و المتانة و الاستقامة بمنزلة حكم الله تعالى.

  • الرِّوايات الدَّالَّة على ولاية المعصوم عليه‌السَّلام‌

  • و أمَّا الرِّوايات التي دلَّت على انحصار مقام الحكم في المعصومين من الرَّسول و الأئِمَّة عليهم السَّلام أيضاً كثيرةٌ، منها:

  • ۱- ما روى الكلينيّ محمَّد بن يعقوب عن عدَّةٍ من أصحابنا، عن سهل بن زهير، عن محمَّد بن عيسى، عن أبي عبدالله المؤمن، عن ابن مُسكان، عن سليمان بن خالد، عن أبي عبدالله عليه‌السَّلام قال: «إتقوا الحكومة، فإن الحكومة إنما هي للإمام العالم بالقضاء العادل في المسلمين، لنبي أو و صي نبي»۱.

  • و رواه الصَّدوق محمَّد بن عليّ في «من لا يحضره الفقيه» بإسناده عن سليمان بن خالد٢. و هو ثقةٌ و طريق الصَّدوق إليه حسن كالصَّحيح بإبراهيم بن هاشم. إلَّا أنَّه أتى بلفظ «كَنَبِيّ» مكانَ «لِنَبِيّ».

  • و رواه الشَّيخ محمَّد بن الحسن الطُّوسيّ في «التَّهذيب» بإسناده عن سهل بن زياد معنعناً عن الصَّادق عليه‌السَّلام بعين ما في «الكافي»٣.

  • ٢- و روى الكلينيّ عن محمَّد بن يحيى عن محمَّد بن أحمد، عن يعقوب بن يزيد، عن يحيى بن المبارك، عن عبدالله بن جبلة، عن أبي جميلة، عن إسحق بن عمّار، عن أبي عبدالله عليه‌السَّلام قال: قال أمير المؤمنين عليه‌السَّلام لِشُرَيْحٍ: «يَا شُرَيْحُ! قَدْ جَلَسْتَ مَجْلِساً لا يَجْلِسُهُ إلْا

    1. «فروع الكافي»، طبع دار الكتب طبع الإسلامية سنة ۱٣۷٩، ج ٥، ص ۱، كتاب القضاء.
    2. «الفقيه» طبع مكتبة الصّدوق، ج ٣، ص ٥، كتاب القضاء.
    3. «التهذيب» طبع دار الكتب سنة ۱٣۷٩، ج ٦، ص ٢۱۷، كتاب القضاء.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

95
  • نَبِيّ أوْ وَصِيّ أوْ شَقِيّ»۱.

  • و كذلك رواه الشَّيخ في «التَّهذيب» بإسناده عن محمَّد بن أحمد بعين ما في «الكافي»٢. إلَّا أنَّ الصَّدوق أورد في «الفقيه» مرسلًا عن أميرالمؤمنين، و فيه «جَلَسْتَ مَجْلِساً مَا جَلَسَهُ إلّا نَبِيّ- الخ»٣.

  • و الأوَّل يُفهم منه صُعوبة القَضاءِ بحيث ينحصر في المعصوم من النَّبيّ أو وصيِّه؛ و الثَّاني يُفهم منه أنَّ من زمان النَّبيّ إلى الآن ما جلس فيه إلَّا أحدُ هؤلاءِ الثَّلاثة.

  • قال المجلسيّ- رضوان الله عليه- في «مرآة العقول»: «لا يخفى أنَّ هذه الأخبار تدلُّ بظواهرها على عدم جواز القضاءِ لغير المعصوم، و لا ريب أنَّهم عليهم السَّلام كانوا يَبعثون القُضاةَ إلى البلاد، فلابدَّ من حملها على القضاءِ بالأصالة لهم، و لا يجوز لغيرهم تصدِّي ذلك إلَّا بإذنهم، و كذا في قوله: «لَا يَجْلِسُهُ إلَّا نَبِيّ»، أي بالأصالة. و الحاصل أنَّ الحصر إضافيّ بالنسبة إلى من جلس فيها بغير إذنهم و نصبهم عليهم السَّلام»٤.

  • ٣- و أتمُّ ما في هذه الرِّوايات و أحسنُها ما رواه الكلينيّ عن أبي محمَّد القاسم بن العَلاءِ، مرفوعاً عن عبدالعزيز بن مُسلم عن الرِّضا عليه‌السَّلام بمَرو، في حديثه الطَّويل الوارد في شؤون الولاية- إلى أن قال عليه السَّلام-: «إنَّ الإمَامَةَ أجَلُّ قَدْرًا، و أعْظَمَ شَأناً، و أعْلَى مَكَاناً، و أمْنَعُ جَانِباً، و أبْعَدُ غُوْراً مِنْ أنْ يَبْلُغَهَا النَّاسُ بِعُقُولِهِمْ، أوْ يَنَالُوهَا بِآرَائِهِمْ، أوْ يُقِيمُوا إمَاماً بِاخْتِيَارِهِمْ»٥.

    1. «الكافي» ج ٥، ص ٤۰٦، كتاب القضاء.
    2. «التهذيب» ج ٦، ص ٢۱۷.
    3. «الفقيه» ج ٣، ص ٥، كتاب القضاء.
    4. «مرآة العقول» الطبع على الحجر، ج ٤، ص ٢٣۱، كتاب القضاء و الأحكام.
    5. «أصول الكافي» ج ۱، ص ۱٩۸، باب «نادر جامع في فضل الإمام و صفاته».

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

96
  • هذا كلُّه بعضُ ما اخترناه ممَّا دلَّ على ولاية الإمام عليه‌السَّلام، و رعينا فيها غاية الاختصار.

  • الرِّوايات الدَّالَّة على ولاية الفقيه‌

  • المقدِّمة الثَّالثة: دلَّت رواياتٌ على أنَّ الأئِمَّة عليهم السَّلام كانوا ينصبون للوِلاية و القَضاءِ رجالًا بالخصوص أو على نهجٍ عامٍّ. و نحن نذكر بعضاً منها.

  • ۱- ما هو المعروف بمقبولة عُمر بن حنظلة، و هو ما رواه محمَّد بن يعقوب الكلينيّ، عن محمَّد بن يحيى، عن محمَّد بن الحسين، عن محمَّد بن عيسى، عن صفوان، عن داود بن الحصين، عن عُمر بن حنظلة قال: سَأَلْتُ أبا عَبْدِاللهِ عليه‌السَّلام عَنْ رَجُلَيْنِ مِنْ أصْحَابِنَا تَكُونُ بَيْنَهُمَا مُنَازَعَةٌ في دَيْنِ أوْ مِيرَاثٍ فَتَحَاكَمَا إلَى السُّلْطانِ أوْ إلَى الْقُضَاةِ، أيَحِلُّ ذَلِكَ.

  • فَقَالَ: «مَن تَحَاكَمَ إلَى الطَّاغُوتِ فَحَكَمَ لَهُ فَإنَّمَا يَأخُذُ سُحْتاً وَ إنْ كَانَ حَقُّهُ ثَابِتاً، لِانَّهُ أخَذَ بِحُكْمِ الطَّاغُوتِ وَ قَدْ أمَرَ اللهُ أنْ يُكْفَرَ بِهِ».

  • قُلْتُ: كَيْفَ يَصْنَعَانِ؟

  • قَالَ: «انْظُرُوا إلَى مَنْ كَانَ مِنْكُمْ قَدْ رَوَى حَدِيثَنَا وَ نَظَرَ في حَلَالِنَا وَ حَرَامِنَا وَ عَرَفَ أحْكَامَنَا فَارْضَوْا بِهِ حَكَماً، فَإنِّي قَدْ جَعَلْتُهُ عَلَيْكُمْ حَاكِمَاً؛ فَإذَا حَكَمَ بِحُكْمِنَا فَلَمْ يَقْبَلْهُ مِنْهُ فَإنَّمَا بِحُكْمِ اللهِ قَدِ اسْتَخَفَّ وَ عَلَيْنَا رَدَّ، وَ الرَّادُّ عَلَيْنَا الرَّادُّ على اللهِ، وَ هُوَ على حَدِّ الشِّرْكِ بِاللهِ».۱.

  • و رواه الشَّيخ في «التَّهذيب» عن محمَّد بن يحيى، عن محمَّد بن الحسن بن شمُّون، عن محمَّد بن عيسى مثلَه‌٢.

  • و لهذه الرواية تتمَّةٌ أوردها الصَّدوق في «الفقيه» و هو قوله:

    1. «فروع الكافي» ج ۷، ص ٤۱٢، و من الطبع على الحجر، ج ٢، ص ٣٥٩، كتاب القضاء و الأحكام.
    2. «التهذيب» ج ٦، ص ٢۱۸.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

97
  • قُلْتُ: فَإنْ كَانَ كُلُّ رَجُلٍ اخْتَارَ رَجُلًا فَرَضِيَا أنْ يَكُونَا النَّاظِرَيْنِ في حَقِّهِمَا، فاخْتَلَفَا فِيمَا حَكَمَا وَ كِلاهُمَا اخْتَلَفَا في حَدِيثِكُمْ؟

  • قَالَ: الْحُكْمُ مَا حَكَمَ بِهِ أعْدَلَهُمَا وَ أفْقَهُهُمَا وَ أصْدَقُهُمَا في الْحَدِيثِ وَ أوْرَعُهُمَا، وَ لَا يُلْتَفَتْ إلَى مَا يَحْكُمُ بِهِ الآخَرُ.

  • قَالَ: قُلْتُ: فَإنَّهُمَا عَدْلَانِ مَرْضِيَّانِ عِنْدَ أصْحَابِنَا لَيْسَ يَتَفَاضَلُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا على صَاحِبِهِ.

  • قَالَ: فَقَالَ: يُنْظَرُ إلَى مَا كَانَ مِنْ رِوَايَتِهِمَا عَنَّا في ذَلِكَ الذي حَكَمَا بِهِ الْمُجْمَعَ عَلَيْهِ أصْحَابُكَ فَيُؤْخَذُ بِهِ مِنْ حُكْمِنَا، وَ يُتْرَكُ الشَّاذُّ الذي لَيْسَ بِمَشْهُورٍ عِنْدَ أصْحَابِكَ؛ فَإنَّ الْمُجْمَعَ عَلَيْهِ حُكْمُنَا لَا رَيْبَ فِيهِ. وَ إنَّمَا الامُورُ ثَلَاثَةٌ، أمْرٌ بَيِّنٌ رُشْدُهُ فَمُتَّبَعٌ، وَ أمْرٌ بَيِّنٌ غَيُّهُ فَمُجْتَنَبٌ، وَ أمرٌ مُشْكِلٌ يُرد حُكْمُهُ إلَى اللهِ عَزَّ وَ جَلَّ.

  • قالَ رَسُولُ اللهِ صلَّى الله عليه و آله: «حَلَالٌ بَيِّنٌ، وَ حَرَامٌ بَيِّنٌ، وَ شُبُهَاتٌ بَيْنَ ذَلِكَ؛ فَمَنْ تَرَكَ الشُّبُهَاتِ نَجَى مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ، وَ مَنْ أخَذَ بِالشُّبُهَاتِ ارْتَكَبَ الْمُحَرَّمَاتِ وَ هَلَكَ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُ.

  • قُلْتُ: فَإنْ كَانَ الْخَبَرَانِ عَنْكُمْ مَشْهُورَيْنِ، قَدْ رَوَاهُمَا الثِّقَاتُ عَنْكُمْ؟

  • قَالَ: يُنْظَرُ فِيمَا وَافَقَ حُكْمُهُ حُكْمُ الْكِتَابِ وَ السُّنَّةِ وَ خَالَفَ الْعَامَّةَ، اخِذَ بِهِ.

  • قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، وَجَدْنَا أحَدَ الْخَبَرَيْنِ مُوَافِقاً لِلْعَامَّةِ وَ الآخَرَ مُخَالِفاً لَهَا؛ بَأيّ الْخَبَرَيْنِ يُؤْخَذُ؟.

  • قَالَ: بِمَا يُخَالِفُ الْعَامَّةَ فَإنَّ فِيهِ الرَّشَادَ.

  • قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، فَإنْ وَافَقَهُمَا الْخَبَرَانِ جَمِيعاً؟.

  • قَالَ: يُنْظَرُ إلَى مَا هُمْ إلَيْهِ أمْيَلُ حُكَّامُهُمْ وَ قُضَاتُهُمْ فَيُتْرَكُ، وَ يُؤْخَذُ بِالآخَرِ.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

98
  • قُلْتُ: فَإن وَافَقَ حُكَّامَهُمْ وَ قُضَاتَهُمْ الْخَبَرَانِ جَمِيعاً؟.

  • قَالَ: إذَا كَانَ كَذَلِكَ فَارْجَهْ، حَتَّى تَلْقَى إمَامَكَ، فَإنَّ الْوُقُوفَ عِنْدَ الشُّبُهَاتِ خَيْرٌ مِنَ الإقْتِحَامِ في الْهَلَكَاتِ‌۱.

  • قال في «المستند» بعد نقله شطراً من هذه الرِّواية: «و تضعيفُ هذه الرِّواية مع انجبارها بما مرَّ حتَّى اشتهرت بالمقبولة غير جيِّد أيضاً، إذ ليس في سندها من يتوقَّف في شأنه سوس «داود بن الحصين» و وثَّقه النَّجايّش، فلو ثبت ما ذكره الشَّيْخ و ابنُ عقدة مِن وقفه فالرِّواية موثَّقةٌ لا ضعيفةٌ؛ و عُمر بن حنظلة قد حكى عنه توثيقه؛ هذا مع أنَّ في السَّند قبلهما «صفوان بن يحيي» و هو ممَّن نقل إجماع العصابة على تصحيح ما يصحُّ عنه»٢.

  • أقول: هذا في سند الرِّواية؛ أمَّا دلالة المتن فهي كثرة الإشكالات الواردة عليها المذكورة في كتب الاصول ك- «رسائل» الشَّيخ و غيره، تَدلُّ على ثبوت الولاية لفقهاء الشِّيعة في المقامات الثَّلاثة: الفتوى و القضاءِ و الحكومة إجمالًا؛ فهي نظير آية النَّبأ حيث إنَّها أيضاً مع كثرة الإشكالات الواردة عليها في دلالتها على حجِّيَّة الخبر الواحد كما ذكره الشَّيخ- قدّه- تدلُّ على حجّيَّته.

  • ٢- ما رواه الكلينيّ عن الحسين بن محمَّد، عن معلَّي بن محمَّد، عن الحسن بن عليّ، عن أبي خديجة قال: قال أبوعبدالله عليه‌السَّلام: «إيَّاكُمْ أنْ يُحَاكِمَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً إلَى أهْلِ الْجَوْرِ، وَلَكِنِ انْظُرُوا إلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ يَعْلَمُ شَيْئاً مِنْ قَضَائِنَا، فَاجْعَلُوهُ بَيْنَكُمْ؛ فَإنِّي قَدْ جَعَلْتُهُ قَاضِياً فَتَحَاكَمُوا إلَيْهِ»٣.

  • و رواه الشَّيخ في «التَّهذيب» بعين هذا السَّند و المتن إلَّا أنَّه أتى بلفظ

    1. «الفقيه» طبع مكتبة الصدوق، ج ٣، ص ٩ إلي ۱۱، كتاب القضاء و الأحكام.
    2. «المستند» ج ٢ ص ٥۱٦ كتاب القضاء و الشهادات.
    3. «فروع الكافي» ج ۷، ص ٤۱٢، كتاب القضاء.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

99
  • قَضَايَانَا بدل قَضائِنا۱.

  • و رواه الصَّدوق عن أحمد بن عائِذ، عن أبي خديجة سالم بن مكرم الجمّال قال: قال أبوعبدالله جعفرُ بن محمَّد الصَّادق ... بعين هذا المتن إلَّا أنَّه أيضاً أتى بلفظ قَضَايَانَا٢.

  • و روى محمَّد بن الحرِّ العامليّ في «وسائل الشِّيعة» عن محمَّد بن الحسن بإسناده عن محمَّد بن عليّ بن محبوب، عن أحمد بن محمَّد، عن الحسين بن سعيد، عن أبي الجَهم، عن أبي خديجة قال: «بَعَثَنِي أبُو عَبْدِ اللهِ عليه‌السَّلام إلَى أصْحَابِنَا، فَقَالَ: قُلْ لَهُمْ: إيَّاكُمْ إذَا وَقَعَتْ بَيْنَكُمْ خُصُومَةٌ أوْ تَدَارَى بَيْنَكُمْ في شَيْ‌ءٍ مِنَ الأخْذِ وَ الْعَطَاءِ أنْ تَحَاكَمُوا إلَى أحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الْفُسَّاقِ؛ إجْعَلُوا بَيْنَكُمْ رَجُلًا مِمَّنْ قَدْ عَرَفَ حَلالَنَا وَ حَرَامَنَا، فَإنِّي قَدْ جَعَلْتُهُ قَاضِياً؛ وَ إيَّاكُمْ أنْ يُخَاصِمَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً إلَى السُّلْطَانِ الْجَائِرِ»٣.

  • أورد هذه الرِّواية الكَنِيّ في قضائِه‌٤، و شطراً منها النَّراقيّ في «المستند».

  • و اعلم أنَّ صاحبَ «المستند» عدَّ هايتن الرِّوايتين من الصّحاح، ثمَّ قال: «و وصف الرِّوايتين بعدم الصِّحَّة- مع أنَّه غيرُ ضائِرٍ عندنا مع وجودهما في الاصُول المعتبرة و انجبارهما بالإجماع المحقَّق و المحكيّ مستفيضاً، و في «المسالك» أنَّهما و المقبولةَ مشتهران بين الأصحاب متَّفقٌ على العمل بمضمونهما- غيرُ جَيِّدٍ؛ لأنَّ أولاهما رواها في «الفقيه» عن أحمد بن عائذ، عن أبي خديجة؛ و طريق «الفقيه» إلى أحمد صحيحٌ كما صرَّح به في «الرَّوضة»، و أحمد نفسه مُوَثَّق إماميّ.

    1. «التهذيب» ج ٦، ص ٢۱٩، كتاب القضاء.
    2. «الفقيه» ج ٣، ص ۱ و ص ٢، كتاب القضاء.
    3. «وسائل الشيعة» ج ٣، الباب ۱۱ من أبواب صفات القاضي و ما يجوز أن يفتي به ص ٣۸٥ من الطبع البهادريّ.
    4. «القضاء» للكني، ص ۱٢ و ص ۱٣.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

100
  • و أمَّا أبوخديجة و هو سالم بن مكرم و إن ضعَّفه الشَّيخ في موضع ولكن وثَّقه في موضع آخر و وثَّقه النَّجايّش، و قال الحسن بن عليّ بن الحسن: كان صالحاً؛ وعَدَّ في «المختلف» في باب الخُمس روايَته من الصِّحاح؛ و قال الاسترآباديّ في رجاله الكبير في حقِّه: «فالتَّوثيق أقوي»۱.

  • تحقيقٌ: إنَّ أبا خديجة هو سالم بن مكرم الجمّال الكوفيّ مولى بني أسَد، و قد يُكَنَّى بأبي سَلَمة، ثقةٌ روي عن أبي عبدالله و أبي الحسن عليهما السَّلام؛ و له كتابٌ يرويه عنه عدَّة من أصحابنا.

  • قال الشَّيخ محمَّد تقيّ التُّستريّ في رجاله: «قال العلَّامة في «الخُلاصة»: «قال الشَّيخ في موضعٍ إنَّه ضعيف، و في موضعٍ آخر إنَّه ثقة؛ و الوجه عندي التَّوقُّف فيما يرويه عند تعارض الأقوال».

  • ثمَّ قال التُّستريّ: «لا وجهَ لاضطرابهم فيه بعد اتِّفاق النَّجايّش و الكيّش على توثيقه و تبجيله، و سقوط تضعيف له بتعارض توثيقه له معه على نقل «الخلاصة»؛ مع أنَّ تضعيفَه مبنيّ على زعمه اتِّحاده مع سالم بن أبي سَلَمَة المُتقدِّم الذي ضَعَّفَه الغَضائِريّ و كذا النَّجاشيّ؛ بدليل أنَّه قال: و مكرمٌ يكنّى أبا سَلَمَة» و قال في آخر طريقة: «عن سالم بن أبي سلمة و هو أبوخديجة» مع أنَّ غيرَه جَعَل سالماً هذا نفسَ أبي سَلَمَة لا ابنه، فقد عرفت قول المشيخة و البرقيّ و الكيّش و النَّجايّش في ذلك.

  • و ممّا يوضح كون أبي سَلَمَة كأبي خديجة نفس هذا لا أباه أنَّ خبر شِراء العبدين المأذونين كلٌّ منهما الآخر رواه في «التَّهذيب» عن أبي خديجة، و «الكافي» عن أبي سَلَمَة». انتهى موضع الحاجة٢.

    1. «المستند» ج ٢، ص ٥۱٦. إلّا أنَّه بلفظ تَرادَي بدل تَدَارَي؛ و هكذا الأمر في «قضاءِ» الكني- قدّهما-.
    2. «المصدر السابق».
      «قاموس الرِّجال» ج ٤، ص ٢٩۷.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

101
  • و على هذا لا وجه لتوقُّف العلَّامة- قدّه- لابتنائه على تضعيف الشَّيخ، و هو غيرُ صحيحٍ لاشتباه الرَّجلِ عليه برجلٍ آخر ضعيف.

  • ٣- روى الصَّدوق في «معاني الأخبار»: قال: حَدَّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن الحسين بن يزيد النَّوفليّ، عن عليّ بن داود اليعقوبيّ، عن عيسى بن عبدالله بن محمَّد بن عمر بن عليّ بن أبي طالب، عن أبيه، عن جدِّه، عن عليّ [بن أبي طالب‌] عليه‌السَّلام قال: قال رسول الله صلَّى اللهُ عليه و آله و سَلَّم: «اللَّهُمَّ ارْحَمْ خلَفائِي، اللَّهُمَّ ارْحَمْ خُلَفائِي، اللَّهُمَّ ارْحَمْ خُلَفائِي. قِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ! وَ مَن خُلَفَاؤُكَ؟.

  • قَالَ: الَّذينَ يَأتُونَ مِنْ بَعْدي، يَرْوُونَ حَديثي وَ سُنَّتي‌۱.

  • و ذكر الحرُّ العامليّ: أنَّ الصَّدوق رواه في «عيون الأخبار» أيضاً٢.

  • أقول: إنَّ عليّ بن إبراهيم و أباه إبراهيم بن هاشم من أجلِّ الرُّواة و أقدمهم؛ و لا يخفى حالُهما مِن الجَلالة و المَتانة عند العلماءِ؛ و الحسين بن يزيد النّوفليّ أيضاً من الأعلام عَدَّه الشَّيخ في رجاله من أصحاب الرِّضا عليه السَّلام و عنونه في «الفهرست»، و قال: «له كتابٌ»، و النَّجايّش في رجاله قائِلًا بأنَّه «كان شاعراً و أديباً، و سَكَن الرَّيّ و مات بها، و له كتاب التَّقيَّة»٣.

  • و عليّ بن داود اليعقوبيّ رجلٌ معروفٌ عند الأصحاب‌٤.

  • و عيسى بن عبدالله بن محمَّد بن عمر بن أميرالمؤمنين عليه‌السَّلام عدَّه الشَّيخ في رجاله من أصحاب الصَّادق وَ عنونه في «الفِهرست»، و النَّجايّش في رجاله قائِلًا: «له كتاب يرويه جماعةٌ»٥.

    1. «معاني الأخبار» طبع مطبعة الحيدري ۱٣۷٩ ه-، ص ٣۷٤ و ص ٣۷٥.
    2. «وسائل الشيعة» ج ٣، الباب ۱۱، ص ٣۸٥ من الطبع البهادريّ.
    3. «قاموس الرِّجال» ج ٣، ص ٣٤٣.
    4. «المصدر السابق» ج ٦، ص ٤۸٦.
    5. «المصدر السابق» ج ۷، ص ٢۷٥.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

102
  • و أمَّا دلالة الخبر؛ فلمكان نسبة الخِلافة إلى الفقهاءِ الرَّاوينَ لحديث الرَّسول و سُنَّته، يمكن الاستدلال بنصبهم للوِلاية و القَضاءِ و الإفتاءِ؛ لأنَّ ظهور الخِلافة قيامُ الفقيه مقامَ النَّبيّ، و هو في كلّ ما ثَبَتَ له من المَزايا و الخواصِّ إلَّا ما خرج بالدَّليل، و هو خصائِص الإمامة.

  • ٤- في «نهج البلاغة»، من كلام له عليه‌السَّلام لكميل بن زيادٍ النَّخَعيّ:

  • قال كميلُ بن زياد: «أخَذَ بِيَدي أميرُالمُؤمنينَ عَلِيّ بْنُ أبِي طالِبٍ عليه السَّلام فَأخْرَجَني إلَى الْجَبَّانِ، فَلَّمَا أصْحَرَ تَنَفَّسَ الصُّعَدَاءَ ثُمَّ قَالَ: يا كُمَيْلُ إنَّ هَذِهِ الْقُلُوبَ أوْعِيَةٌ فَخَيْرُهَا أوْعَاهَا فَاحْفَظْ عَنِّي مَا أقُولُ لَكَ:

  • النَّاسُ ثَلَاثَةٌ: فَعَالِمٌ رَبَّانِيّ؛ وَ مُتَعَلِّمٌ على سَبِيلِ نَجَاةٍ؛ وَ هَمَجٌ رَعَاعٌ، أتْبَاعُ كَلِّ نَاعِقٍ يَمِيلُونَ مَعَ كُلِّ رِيحٍ لَمْ يَسْتَضِئُوا بِنُورِ الْعِلْمِ وَ لَمْ يَلْجَأوُا إلَى رُكْنٍ وَثيقٍ.

  • يَا كُمَيْلُ الْعِلْمُ خَيْرٌ مِنَ الْمَالِ. الْعِلْمُ يَحْرُسُكَ وَ أنْتَ تَحْرُسُ الْمَالَ، الْمَالُ تَنْقُصُهُ النَّفَقَةُ و الْعِلْمُ يَزْكُو على الإنْفَاقِ، وَ صَنِيعُ الْمَالِ يَزُولُ بِزَوالِهِ.

  • يَا كُمَيْلُ الْعِلْمُ دِينٌ يُدَانُ بِهِ، بِهِ يَكْسِبُ الإنْسَانُ الطَّاعَةَ في حَيَاتِهِ، وَ جَمِيلَ الأحْدُوثَةِ بَعْدَ وَفَاتِهِ؛ وَالْعِلْمُ حَاكِمٌ وَ الْمَالُ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ.

  • يَا كُمَيْلُ هَلَكَ خُزَّانُ الأمْوَالِ وَ هُمْ أحْيَاءٌ، و الْعُلَمَاءُ بَاقُونَ مَا بَقِيَ الدَّهْرُ؛ أعْيَانُهُمْ مَفقُودَةٌ وَ أمْثَالُهُمْ في الْقُلُوبِ مَوْجُودَةٌ.

  • هَا، إنَّ هَاهُنَا لَعِلْماً جَمّاً (وَ أشَارَ إلَى صَدْرِه) لَوْ أصَبْتُ لَهُ حَمَلَةً.

  • بَلَى أصَبْتُ لَقِناً غَيْرَ مَأمُونٍ عَلَيْهِ، مُسْتَعْمِلًا آلَةَ الدِّينِ لِلدُّنْيَا، وَ مُسْتَظْهِراً بِنَعَمِ اللهِ على عِبَادِهِ، وَ بِحُجَجِهِ على أوْلِيَائِهِ.

  • أوْ مُنْقَاداً لِحَمَلَةِ الْحَقِّ، لَا بَصِيرَةَ لَهُ في أحْنَائِهِ، يَنْقَدِحُ الشَّكُّ في قَلْبِهِ لأوَّلِ عارِضٍ مِن شُبْهَةٍ؛ ألَا، لَا ذَا وَ لَا ذَاكَ.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

103
  • أوْ مَنْهُوماً بِاللِّذَّةِ، سَلِسَ الْقِيَادِ لِلشَّهْوَةِ.

  • أوْ مُغْرَماً بِالْجَمْعِ وَ الإدِّخَارِ، لَيْسَا مِنْ رُعَاةِ الدِّينِ في شَيْ‌ءٍ؛ أقْرَبُ شَيْ‌ءٍ شَبَهَاً بِهِمَا الأنْعَامُ السَّائِمَةُ، كَذَلِكَ يَمُوتُ الْعِلْمُ بِمَوْتِ حَامِلِيهِ.

  • اللَّهُمَّ بَلَى، لَا تَخْلُو الأرْضُ مِنْ قَائِمٍ لِلّهِ بِحُجَّةٍ؛ إمَّا ظَاهِراً مَشْهُوراً أوْ خَائِفاً مَغْمُوراً؛ لِئَلَّا تَبْطُلَ حُجَجُ اللهِ وَ بَيِّنَاتُهُ. وَ كَمْ ذَا؟ وَ أيْنَ اوُلَئِكَ؟.

  • اولَئِكَ- وَ اللهِ- الأقَلُّونَ عَدَداً وَ الأعْظَمُونَ قَدْراً؛ يَحْفَظُ اللهُ بِهِمْ حُجَجَهُ وَ بَيِّنَاتِهِ حَتَّى يُودِعُوهَا نُظَرَاءَهُمْ، وَ يَزْرَعُوهَا في قُلُوبِ أشْبَاهِهِمْ.

  • هَجَمَ بِهِمُ الْعِلْمُ على حَقِيقَةِ الْبَصِيرَةِ، وَ بَاشَرُوا رُوحَ الْيَقِينَ، وَ اسْتَلَانُوا مَا اسْتَوْعَرَهُ الْمُتْرَفُونَ، وَ أنِسُوا بِمَا اسْتَوْحَشَ مِنْهُ الْجَاهِلُونَ، وَ صَحِبُوا الدُّنْيَا بِأبْدانٍ أرْواحُهَا مَعَلَّقَةٌ بِالْمَحَلِّ الأعْلَى.

  • اولَئِكَ خُلَفاءُ اللهِ في أرْضِهِ، وَ الدُّعَاةُ إلَى دينِهِ. آهِ آهِ شَوْقاً إلَى رُؤْيَتِهِمْ. إنْصَرِفْ إذَا شِئْتَ‌۱.

  • و روى هذا الخبر الشَّريف الصَّدوق في «الخصال» عن أبي الحسن محمَّد بن عليّ بن الشَّاه قال: حدَّثنا أبو إسحاق الخواصُّ قال: حدَّثنا محمَّد بن يونس الكريميّ، عن سفيان بن وكيع، عن أبيه، عن سفيان الثَّوريّ، عن منصور، عن مجاهد، عن كميل بن زياد، إلَّا أنَّه أتى بجملة: «يَا كُمَيْلُ مَحَبَّةُ الْعَالِمِ دينٌ يُدَانُ بِهِ، تَكْسِبُهُ الطَّاعَةَ في حَيَاتِهِ وَ جَمِيلَ الاحْدُوثَةِ بَعْدَ وَفَاتِهِ، فَمَنْفَعَةُ الْمَالِ يَزُولُ بِزَوَالِهِ» بدلَ قوله: «يَا كُمَيْلُ الْعِلْمُ دِينٌ يُدَانُ بِهِ؛ و أتى بجملة لِيَتَّخِذَ الضُّعَفَاءَ٢ وَليجَةً مِن دُونِ وَلِيّ الْحَقِّ بدلَ قوله: وَ بِحُجَجِهِ على أوْليِائِهِ.

  • ثمَّ قال الصَّدوق: «قد رويتُ هذا الخبر من طُرقٍ كثيرةٍ قد أخرجتُها في‌

    1. «نهج البلاغة» باب الحكم، طبع عبده بمصر، ص ۱۷۱ إلي ص ۱۷٤.
    2. في طبع الحروفيّ ص ۱۸٦، هكذا ورد: ليتَّخذه الضُّعفاءُ وليجةً.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

104
  • كتاب «إكمال الدِّين و إتمام النِّعمة في إثبات الغيبة و كشف الحيرة»۱.

  • و رواه أيضاً الشَّيخ الحسن بن عليّ بن الحسين بن شعبة الحرَّانيّ في «تُحف العقول» من قوله عليه‌السَّلام: «إنَّ هَذِهِ القُلُوبِ أوْعِيَةٌ فَخَيْرُهَا أوْعَاهَا إلى آخر الحكمة بعين ما رواه في «الخصال»، إلَّا أنَّه زاد لفظَ: ورُوَاةُ كِتابِهِ‌ عقيبَ‌ لِئَلَّا تَبْطُلَ حُجَجُ اللهِ وَ بَيِّنَاتُهُ، و في الآخر قال: يَا كُمَيْلُ اولَئِكَ امَناءُ اللهِ في خَلْقِهِ، وَ خُلَفَاؤُهُ في أرْضِهِ، وَ سُرُجُهُ في بِلَادِهِ، و الدُّعاةُ إلَى دِينِهِ؛ وَ اشَوْقَاهُ إلَى رُؤْيَتِهِمْ؛ أسْتَغْفِرُ اللهَ لي وَ لَك‌٢.

  • و رواه أيضاً الشَّيخ الأقدم أبو إسحق إبراهيم بن محمَّد الثَّقفيّ الكوفيّ في كتاب «الغارات» بإسناده عن محمَّد، عن الحسن، عن إبراهيم، عن أبي زكريَّا، عن الثِّقة٣، عن كميل بن زياد، بعين ما في «الخصال» من العبارة٤. و رواه أيضاً المفيد في أماليه في المجلس التَّاسع و العشرين‌٥.

  • و رواه جَدُّنا العلَّامة محمَّد باقر المجلسيّ- رضوان الله عليه-٦ في‌

    1. «الخصال»، الطبع على الحجر، ص ۸۷ و ص ۸۸.
    2. «تحف العقول» طبع مكتبة الصّدوق، ص ۱٦٩ إلي ص ۱۷۱.
    3. كأنَّ المراد من الثّقة الفضيل بن خديج بقرينة روايته كثيراً عن كميل بن زياد أو عبدالرحمن بن جندب بقرينة سائر الروايات لهذا المتن. (المحدّث الارمويّ).
    4. «الغارات» ج ۱، ص ۱٤۷ إلي ص ۱٥٤.
    5. «آمالي» المفيد، ص ۱٤٦.
    6. إنَّ جدَّتنا من طرف الأب و هي والدة والدي العالم المتظلّع السيّد محمّد الصّادق الحسيني الطّهراني- أعلى الله مقامه- كانت اختاً للعلامة الخبير الميرزا محمّد الطّهراني الشريف العسكري- أعلى اللهُ تعالى مقامه الشريف- صاحب كتاب «مستدرك البحار» فهو- قدّس سرّه- كان خال والدي رحمة الله عليه، و والدتها التي كانت جدَّتنا العُليا كانت من ذرّيّة العالم المِفضال الأمير محمّد صالح الحسيني صهر العلّامة المجلسي على ابنته فاطمة بيكم. فإذن يصير العلّامة المجلسي- ره- جدَّنا الأعلى من طرف الامّ.
      ذكر العالم الفاضل ابنُ خال والدي الميرزا أبوالحسن الشريف العسكريّ ابن الميرزا محمّد الخال: إنَّ والدنا كان في طيلة حياته يذكر مراراً بأنّا من ولد المجلسي- ره-، و يقول: كان أحد أجدادنا في معيّة القافلة في سفره إلى المشهد الرضوي لزيارة قبر مولانا الرّضا عليه‌السّلام صُودف بحملة التراكمة فاغير عليه و السَّارقون أخذوا منه كلّ ما كان معه و من جملته القرآن المقروّ بقراءة جدّي المجلسيّ المختّص به. و المغار عليه كان يذكر تلك الواقعة كراراً و يقول: إنّ استلاب هذا القرآن أوقع في نفسي همّاً عظيماً لما كان قرآن جدّي الذي وهب الله لي بالوراثة. ابن خالنا الميرزا أبو الحسن قال لي يوماً: إن سادات الطَّباطبائي في البروجرد أيضاً من أولاد المجلسي الأوّل من آمنة بيكم. و إنّي كلّما زرتُ آية الله البروجرديّ- رضوان الله عليه- كان يقول: إنَّا مِن أقربائِكم من طرف الامّ، و أنتم من بني أخوالنا.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

105
  • المجلَّد الأوَّل من «البحار» في باب «أصناف النَّاس في العلم و فضل حبِّ العلماءِ»، عن «الخصالِ» و «تحفِ العقول» و «الغاراتِ» و «نهج البلاغة» و شَرَحَه شرحاً نافعاً و قال في آخره: «و إنَّما بيَّنّا هذا الخبر قليلًا من التَّبيين لكَثرة جَدواه للطَّالبين، و ينبغي أن ينظروا فيه كلَّ يومٍ بنظر اليقين، و سَنُوضح بعضَ فوائده في كتاب الإمامة إن شاءِ اللهُ تعالي»۱.

  • و قال بعد نقله هناك أي في المجلَّد السَّابع من «البِحار» في باب «الاضطرار إلى الحجَّة» بعد أن نقله عن الصَّدوق في «إكمال الدِّين» بأسانيدَ متعدِّدة: «قد مَرَّ هذا الخبر بشرحه بأسانيدَ في باب فضلِ العلم». و أشار إلى وجوده في بعض الكُتُب الاخر كـ- «المحاسن» و «السَّرائِر» مع بيانه لبعض الفقرات‌٢.

  • أقول: أمَّا البحث عن سند هذه الرِّواية فنحن في غنًى عنه، خصوصاً بملاحظة ما ذكرناه من كثرة طُرقها بحيث يمكن أن يُدَّعى فيها الاستفاضة؛ على أنَّ احتواءَ متنه على المباني الرَّشيقة، و المعاني البديعة، و الحقائِق العالية، و الدَّقائِق السّامية ممَّا لا يمكن أن يخطر على قلب أحدٍ إلَّا من كان في معدن الولاية، و على دَوحة الإمامة- صَلوات الله عليه-.

  • و أمَّا عن دلالتها فقد قال المجلسيّ- قُدِّس سرُّه-: «لمَّا كانت سلسلة العلم و العرفان لا تنقطع بالكلّيَّة مادام نوع الإنسان بل لابدَّ من إمام حافظ للدِّين في كلِّ زمان، استدرك أميرالمؤمنين عليه‌السَّلام كلامَه هذا بقوله: «اللَّهُمَّ بَلَي» و في «النَّهج‌»: «لَا تَخْلُوا الأرْضُ مِنْ قائِمٍ لِلّهِ بِحُجَّةٍ إمَّا ظاهِراً

    1. «البحار» طبع الكمبانيّ، ج ۱، ص ٥٩ إلي ص ٦۱.
    2. «المصدر السابق»، ج ۷، ص ۱۰ و ص ۱۱.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

106
  • مَشْهُوراً أوْ خائِفاً مَغْمُوراً؛ و في «تُحف العقول»: «مِنْ قائِمٍ بِحُجَّتِهِ إمَّا ظاهِراً مَكْشُوفاً أوْ خائِفاً مُنْفَرِداً لِئَلَّا تَبْطُلَ حُجَجُ اللهِ وَ بَيِّناتُهُ وَ رُوَاةُ كِتابِهِ».

  • و الإمام الظَّاهر المَشهور كأميرالمؤمنين- صلوات الله عليه-، و الخائِف المغمور كالقائم في زماننا، و كباقي الأئِمَّةِ المستورين للخوف و التَّقيّة. و يحتمل أن يكون في الأئِمَّة عليهم السَّلام داخلين في الظَّاهر المشهور ... و على الثاني يكون الحافظون و المُودِعون الأئِمَّة عليهم السَّلام. و على الأوَّل يحتمل أن يكون المرادُ شيعَتَهم الحافظين لأديانهم في غيبتهم»۱.

  • أقول: إنَّ لزوم بقاءِ العِلم و العرفان في نوع الإنسان، و لزوم إمامٍ حافظٍ للدِّين في كلِّ زمان ممَّا لا إشكال فيه؛ إنَّما الكلام في أنَّ محطَّ سياق هذا الخبر هل هو للدِّلالة على لزوم إمام بالخصوص في كلِّ زمان، أو للدِّلالة على لزوم طائِفةٍ من العلماءِ الرَّبَّانيِّين، و منهم بل و على فوقهم الإمام في كلِّ حين؟.

  • ليس في هذا الخبر لفظُ الإمام و ما شابَهَه؛ و إنَّما فيه: «لَا تَخْلُو الأرْضُ مِنْ قائِمٍ لِلّهِ بِحُجَّةٍ إمَّا ظَاهِراً مَشْهِوراً أوْ خَائِفاً مغْمُوراً». و هذه عناوين كُلِّيَّة تنطبق في كلِّ برهةٍ و زمان على جمع من العلماءِ الرَّبَّانيِّين الحافظينَ للبيِّنات و الحجج، و المُودعون للعلومِ و الأسرار للنُّظَراءِ، و الزَّارعون للحقائِقِ و المعارفِ في قلوب الأشباه.

  • و معلومٌ أنَّ الإمام أعلى مصداق لانطباق هذه العناوين، لا أنَّها مُختصَّةٌ به. و ممَّا يُؤَيِّد ذلك أنَّ هذه الحكمة من البيان كانت بصدد تقسيم النَّاس على اختلاف أصنافهم و طبقاتهم الى ثلاث طوائِفَ: عالم ربَّانيّ، و متعلِّم على سبيل نجاةٍ و هَمَج رَعَاع؛ و ما فصَّله في ذيل هذه الجملة إنَّما هو تفسيرٌ لها.

  • و الإمام نفسُه أيضاً داخلٌ في هذا التَّقسيم، فهو من العلماءِ الرَّبَّانيِّين.

    1. «بحار الأنوار» ج ۱، ص ٦۱ من طبع الكمبانيّ.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

107
  • و هذا دليل على أنَّ القائِمَ بحجَّةٍ، المشهورَ منه و المغمورَ ليس خارجاً عن هذا التَّقسيم.

  • و احتمال حصر العالم الرَّبَّانيّ فيهم مع أنَّه لا شاهد له، يخالفه ما نقله المجلِسيّ عن أئِمَّة اللُّغة و الأدب بقوله: «و الرَّبَّانيّ منسوبٌ إلى الرَّبِّ بزيادة الألف و النُّون على خلاف القياس كالرقبانيّ. قال الجوهريّ: «الرَّبَّانيّ المتألِّهُ العارفُ بالله تعالي» و كذا قال الفيروزآباديّ؛ و قال في «الكشَّاف»: «الرَّبّانيّ هو شديد التَّمسُّك بالله تعالى و طاعته»، و قال في «مجمع البيان»: «هو الذي يَرُبُّ أمر النَّاس بتدبيره و إصلاحه إيَّاه»۱ انتهى.

  • و معلوم أنَّ في كلِّ خَلَفٍ عُدولًا من الفقهاءِ يُؤَيِّدون الدِّين المبين و يُشيِّدون النَّهج القويم، يُنَحُّون عنه تحريفَ الغالين و بِدَعَ الضَّالِّين؛ و ينطبق عليهم الرَّبَّانيّ في كلٍّ من هذه المعاني، حيث إنَّهم بتعلُّق قلوبهم بالأسرار الإلهيَّة صارُوا متألِّهين، و المتمسِّكين بدين الله، وَ مُربيّ النَّاس بتدبير امورهم و إصلاحهم إيَّاهم.

  • على أنَّه صَرَّح في الخبر الشَّريف بأنَّ الله يَحفظ بهم حُجَجه و بَيِّناتِه حتّى يُودعوها نُظَراءَهم وَ يزرعوها في قلوب أشباهِهم؛ و معلومٌ أن لا نَظيرَ للإمام و لا شبيهَ من الامَّة حَتَّى يصحّ إيداع النَّظير و زرعُ الشَّبيه.

  • فالمراد من النظراءِ و الأشباه جَماعةٌ من العُلَماءِ الرَّبَّانيِّين العامِلين تَدارَسوا و تعلَّموا و تتَلمَّذُوا في مكتب العُلماءِ الرَّبَّانيَّين تحت رعايتهم و حفظهم و كَلاءَتهم في كلتا مَرحَلتيِ العلم و العمل حتّى صَعدوا من سُلَّم العلم و المعرفة إلى أقصى مدارجه، و بَلغوا من منازل اليقين و التَّفويض و التَّسليم أعلى معارجه؛ فصاروا مثلَ المودُعين الزَّارعين علماءَ ربّانيِّين فَجَلَسوا على مَسند التَّعليم، و أخذوا بأيديهم أزمَّة الهِداية، و قادُوا النَّاس إلى مصالحهم، و حَفِظُوا بَيِّناتِ الله و حُجَجَه في الأرض، و هكذا كلُّ خَلَفٍ عن سَلَفٍ.

    1. «بحار الأنوار» طبع الكمبانيّ ج ۱، ص ٦۰.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

108
  • و يُؤيِّده أيضاً أنَّه روي في «تحف العقول»: «لِئَلَّا تَبْطُلَ حُجَجُ اللهِ وَ بَيِّنَاتُهُ وَ رُوَاةُ كِتَابِهِ؛ ورواةُ الكتاب هم العلماءُ المشتغلون المربوبون بتربية الرَّبَّانيِّين في كلِّ زمان».

  • و هذه الرِّواية صريحةٌ في ولاية العلماءِ الفقهاءِ حيث إنَّه عليه‌السَّلام حَصَر الولاية فيهم بقوله: «اولَئِكَ امَنَاءُ اللهِ في خَلْقِهِ؛ و خُلَفَاؤُهُ في أرْضِهِ، وَ سُرُجُهُ في بِلَادِهِ، وَ الدُّعَاةُ إلَى دِينِهِ» فعناوين الامناءِ و الخُلفاءِ و السُّرج و الدُّعاة تستلزم الخِلافة و الولاية الإلهيَّة في جميع شؤُونها الحقيقيَّة و السِّياسيَّة من الإفتاءِ و القَضاءِ و الحكومةِ بمراحلها و أنواعها.

  • و لعمري أنَّ هذه الرِّوايةَ العاليةَ الغاليةَ التي نصَّ المجلسيّ في شرحها بأنَّها كثيرة الجدوى للطّالبين و ينبغي أن يَنظروا فيها كلَّ يوم بنظر اليقين، من أدلِّ الرِّوايات الواردة على ولاية الفقيه العادل الجامع للشَّرائِط.

  • و ما أدري لأيّ جَهةٍ لم يُشر إليها الأعلام في باب القضاءِ و الحكومة، و لم يستند إليها الشَّيخ الأنصاريّ في «المكاسب» و النَّراقيّ في «المستند»، و لم- يذكروها من جملة أدلَّة ولاية الفقيه، مع أنَّها من أدلِّها و أصرَحها و أقواها سَنداً و متناً.

  • فإن قلت: لعلَّه لمكان بعض الخواصِّ و الآثار المذكورة فيها مثل قوله عليه‌السّلام: «هَجَمَ بِهِمُ الْعِلْمُ على حَقيقَةِ الْبَصِيرَةِ، وَ بَاشَرُوا رُوحَ الْيَقينِ ... وَ صَحِبُوا الدُّنْيَا بِأبْدانٍ أرْوَاحُهَا مُعَلَّقَةٌ بِالْمَلَاءِ الأعْلَي»، حملوها على طائِفةٍ من أهل اليقين، خارجين عن الدِّراسة و التَّعليم من المشتغلين.

  • قلت: لا وجه لهذا الحمل أصلًا، لأنَّه بعد أن حَصَر عليه‌السَّلام خلافةَ الله في أرضه و دعوته إلى دينه فيهم، لا مناص من أن يكون الدَّاعي الرَّبَّانيّ و الخليفةُ الإلهيَّة متَّصفاً بهذه الصِّفات، و إلّا لا يكون خليفتَه و داعياً إليه، بل يكون غاصِباً لهذا المنصب العظيم، مَطْروداً عن زُمرة عباد الله الصَّالحين و أوليائِه المقرَّبين.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

109
  • فالفقيهُ المنصوب من قِبَل الإمام و صاحب الولايةِ الكلِّيَّةِ الإلهيَّةِ، القائِم بالامور و الحاكمُ على النُّفوس و الأعراض و الأموال، و المُرَبِّي للبشر نيابةً عن الإمام لا بدَّ من أن يكون واجداً لهذه الصِّفات كما يدلُّ عليه الأخبار الكثيرة المستفيضة بل المتواترة بتقارن العلم و العمل، و النَّهي الوكيد عن تصدِّي الامور العامَّة من القضاءِ و الحكومة لغير العالم الرَّبّانيّ الخارج عن طَوع الهوى و المُطيع لأمر المولى؛ نعوذ بالله تعالى.

  • ٥- روى الشَّيخ الثَّقة أبومحمَّد الحسن بن عليّ بن الحسين بن شُعبة الحرَّانيّ في كتاب «تُحَف العُقول» في باب «ما رُوي عن الإمام التَّقيّ السَّبط الشَّهيد أبي عبدالله الحسين بن عليّ عليهما السَّلام» في ضمن خطبته في الأمر بالمعروف و النَّهي عن المنكر: «اعْتَبِرُوا أيُّهَا النَّاسُ بِمَا وَعَظَ اللهُ بِهِ أوْلِيَاءَهُ مِنْ سُوءِ ثَنائِهِ على الأحْبَارِ ...- إلى أن قال عليه‌السَّلام-:

  • «وَ أنْتُمْ أعْظَمُ النَّاسِ مُصِيبَةً لِمَا غَلَتُمْ عَلَيْهِ مِنْ مَنَازِلِ الْعُلَمَاءِ لَوْ كُنْتُمْ تَسَعُونَ ذَلِكَ بِأنَّ مَجَارِيَ الامُورِ وَ الأحْكَامِ على أيْدِي الْعُلَمَاءِ بِاللهُ الامَنَاءِ على حَلَالِهِ وَ حَرَامِهِ».

  • و ذَكَر- رحمه الله- أنَّ هذه الخطبة يروي عن أميرالمؤمنين عليه السّلام‌۱.

  • و لتوضيح هذه الرِّواية نقول: قال الشَّهيد الثَّاني في كتابه «منية المريد»:

  • «إنَّ العلومَ كلَّها ترجع إلى أمرين، علم معاملة و علم معرفة. فعلم المعاملة هو معرفة الحلال و الحرام و نظائِرهما من الأحكام، و معرفة أخلاق النَّفس المذمومة و المحمودة و كيفيَّة علاجها و الفرار منها. و علم المعرفة كالعلم بالله تعالى و صفاته و أسمائِه. و ما عداهما من العلوم إمَّا آلات لهذه العلوم، أو يراد بها عملٌ من الأعمال في الجملة كما لا يخفى على من تتَّبعها؛ و ظاهر أنَ‌

    1. «تحف العقول» طبع مطبعة الحيدري سنة ۱٣۷٦، ص ٢٣۷ و ص ٢٣۸.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

110
  • علوم المعاملة لا تراد إلَّا للعمل، بل لولا الحاجة إليه لم يكن لها قيمةٌ.

  • و حينئذٍ فنقول: المُحكِم للعلوم الشَّرعيّة و نحوها إذا أهمل تفَقُّدَ جوارِحِه و حفظَها عن المعاصي و إلزامها الطَّاعات، و ترقِّيها من الفرائِض إلى النوَّافل، و من الواجبات إلى السُّنَن، اتِّكالًا على اتِّصافه بالعلم و أنَّه في نفسه هو المقصود، مغرورٌ في نفسه، مخدوعٌ عن دينه، يلبس عليه عاقبة أمره».

  • ثمَّ مثَّل هذه المغرورَ بالمريض وَ شَرحه شرحاً نافعاً بما لا مزيد عليه‌۱.

  • أقول: فإذن العلماءُ ثلاثةٌ؛ عالمٌ بالله، و هو الذي تشرَّف بلقائِه تعالى، و أدرك توحيدَه الذَّاتيّ و الصَّفاتيّ و الأفعاليّ. و عالمٌ بأمر الله، و هو الذي تعلَّم من العلوم الرَّسميَّة التَّفكيريَّة قدراً يعلم به الأحكامَ الجزئيَّة في العبادات و المعاملات و السِّياسات و غيرها.

  • و عالمٌ بالله و بأمر الله و هو الذي تجلَّي في قلبه أنوار الملكوت، فخرج عن حبِّ الدُّنيا في حضيضِ النَّاسوت، و انشرح صدره للإسلام، و اتَّسع قلبه للقَبول، و تلقَّى النَّفحات السُّبحانيَّة من عالم الجبروت، فصار من أهل التَّوحيد في ذِروة اللَّاهوت، و عرف ربَّه بربِّه، و عرف الخلقَ بربِّه؛ فصار فانياً في ذاته تعالى باقياً ببقائِه؛ فسار في الخلق بالحقِّ، و تمَّ له الأسفار الأربعة؛ و هو العالم بالله و بأمر الله؛ و هذا هو الذي أشار إليه الحُسَين- صلوات الله عليه-: «بأنَّ مَجارِي امُورِ وَ الأحْكَامِ على أيْدِي الْعُلَماءِ بِاللهِ الامَناءِ على حَلَالِهِ وَ حَرَامِهِ».

  • فالعلماءُ بالله و بأمر الله هم المخصوصون بمزيد لطفه، بإدخاله إيَّاهم في حرم قدسه، و إشرابهم من صافي زلال علمه، و إفهامهم العلومَ الإصطلاحيَّة بنورٍ إلهيّ منه عن تحقيقٍ و شهودٍ.

    1. «منية المريد» طبع الرَّحلي على الحجر، ص ۱٦ و ص ۱۷.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

111
  • قال الله تعالى: {أَ فَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى‌ نُورٍ مِنْ رَبِّهِ}۱.

  • وقال تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ آمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَ يَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ}٢.

  • وقال تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً}٣.

  • فهم المأمونون على حَلاله و حَرامه، لا كلُّ من يَدرُس أيَّاماً قلائِلَ و حفِظ صفحاتٍ من الكُتُب بلا دِراية و لا رِعاية، و لا توحيد و لا معرفة، ثمَّ يجلس على كرسيّ التَّدريس و يُفتي عوام النَّاس العُميان، و يخاطبهم بما ضَبَطه و قرَّره في ذهنه، لا يَدري ما هو يقول و لا يُدرى، فَضَلَّ و أضلَّ عن سواءِ السَّبيل.

  • فأولى لهذه الطَّائِفَة المُتسمِّين بالفقه و الجالسين في منصب الحكم أن يُعرَض عنهم لقوله تعالى: (فأعرض عمن تولى عن ذكرنا و لم يرد إلا الحياة الدنيا- ذلك مبلغهم من العلم إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله و هو أعلم بمن اهتدى)٤.

  • قال شيخنا الاستاذ المحقِّق المدقِّق العلَّامة الفهَّامة الشَّيخ حسين الحلِّيّ- تغمَّده اللهُ برحمته- في مجلس الدَّرس عند بحثه عن ولاية الفقيه:

  • «و قال بعضُ العلماءِ: المراد من العلماءِ بالله في هذه الرِّواية قومٌ من أهل المعرفة رفضوا الدُّنيا عن قلوبهم، و أمِنوا من وساوس الشَّيطان و النَّفس الأمَّارة بإخلاصهم لله عزَّ و جلَّ و تفويضهم الأمر إليه، كما قال مولانا و إمامنا أميرُالمؤمنينَ- سلامُ الله عليه- في خطبته:

    1. الآية ٢٢ من سورة ٣٩: الزمر.
    2. الآية ٢۸ من سورة ٥۷: الحديد.
    3. الآية ٢٩ من سورة ۸: الأنفال.
    4. الآية ٣۰ من سورة ٥٣: النَّجم.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

112
  • وَ مَا بَرِحَ لِلّهِ- عَزَّتْ آلَاؤُهُ- في الْبُرْهَةِ وَ في أزْمَانِ الْفَتَرَاتِ عِبَادٌ نَاجَاهُمْ في فِكْرِهِمْ، وَ كَلَّمَهُمْ في ذَاتِ عُقُولِهِمْ، فَاسْتَصْبَحُوا بِنُورِ يَقَظَةٍ في الأسْمَاعِ وَ الأبْصَارِ وَ الأفْئِدَةِ، يُذَكِّرُونَ بِأيَّامِ اللهِ، وَ يُخَوِّفُونَ مَقَامَهُ، بِمَنْزِلَةِ الأدِلَّةِ في الْفَلَوَاتِ. مَنْ أخَذَ الْقَصْدَ حَمِدُوا إلَيْهِ طَرِيقَهُ، وَ بَشَّرُوهُ بِالنَّجَاةِ، وَ مَنْ أخَذَ يَمِيناً وَ شِمَالًا ذمُّوا إلَيْهِ الطَّريقَ، وَ حَذَّرُوهُ مِنَ الْهَلَكَةِ. وَ كَانُوا كَذَلِكَ مَصَابِيحَ تِلْكَ الظُّلُماتِ، وَ أدِلَّةَ تِلْكَ الشُّبُهاتِ.

  • وَ إنَّ لِلذِّكْرِ لَاهْلًا أخَذُوهُ مِنَ الدُّنْيَا بَدَلًا، فَلَمْ تَشْغَلْهُمْ تِجَارَةٌ وَ لَا بَيْعٌ عَنْهُ؛ يَقْطَعُونَ بِهِ أيَّامَ الْحَيَاةِ، وَ يَهْتِفُونَ بِالزَّوَاجِرِ عَنْ مَحَارِمِ اللهِ في أسْمَاعِ الْغَافِلينَ. وَ يَأمُرُونَ بِالْقِسْطِ وَ يأتَمِرُونَ بِهِ، وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ يَتَنَاهَوْنَ عَنْهُ؛ فَكَأنَّمَا قَطَعُوا الدُّنْيَا إلَى الآخِرَةِ وَ هُمْ فيهَا فَشَاهَدُوا مَاوَرَاءَ ذَلِكَ؛ فَكَأنَّمَا اطَّلَعُوا غُيُوبَ أهْلِ الْبَرْزَخِ في طُولِ الإقَامَةِ فِيهِ، وَ حَقَّقَتِ الْقِيَامَةُ عَلَيْهِمْ عِدَاتِهَا؛ فَكَشَفُوا غِطَاءَ ذَلِكَ لِاهْلِ الدُّنْيَا حَتَّى كَأَنَّهُمْ يَرَوْنَ مَا لَا يَرَى النَّاسُ، وَ يَسْمَعُونَ مَا لَا يَسْمَعُونَ ...- إلى أن قال عليه‌السَّلام-:

  • يَعِجُّونَ إلَى رَبِّهِمْ مِنْ مَقاوِمِ نَدَمٍ وَ اعْتِرَافٍ، لَرَأيْتَ أعْلَامَ هُدى، وَ مَصَابِيحَ دُجى، قَدْ حَفَّتْ بِهِمُ الْمَلَائِكَةُ، وَ تَنَزَّلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ، وَ فُتِحَتْ لَهُمْ أبْوَابُ السَّمَاءِ، وَ اعِدَّتْ لَهُمْ مَقَاعِدُ الْكَرَامَاتِ في مَقَامٍ اطَّلَعَ اللهُ عَلَيْهِمْ فِيهِ فَرَضِيَ سَعْيَهُمْ، وَ حَمِدَ مَقَامَهُمْ‌- إلى آخر الخطبة۱.

  • فهؤلاءِ هُمْ العُلماءُ بالله حقّاً؛ و هذا المقام منزلٌ رفيع و شأنٌ جليل لا تَصِلُ أيدينا إليه. نعوذ بالله من شرور أنفسِنا، وَ نتمسَّك بلطفه و كَرَمه.

  • ثمَّ قال قُدِّس سرُّه: و احتمل بعض العلماءِ أن يكون المراد من العلماءِ بالله في قوله عليه‌السَّلام: مَجَارِيَ الامُورِ و الأحْكَامِ على أيْدِي الْعُلَمَاءِ بِاللهِ‌، العارفين به بقرينة إضافتهم إليه سبحانه؛ والمراد من المَجاري مجاري الامور

    1. «النَّهج» الخطبة ٢٢۰، ص ٤٤٦ إلي ٤٤۸، من طبع عبده بمصر.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

113
  • التَّكوينيَّة حتَّى تدلَّ هذه الرِّواية على الولاية التَّكوينيَّة للعلماءِ بالله؛ لكن يُبعِّده ما ورد في ذيله: «الامْنَاءِ على حَلَالِهِ وَ حَرَامِهِ». انتهى كلامُه رفع مقامُه.

  • ٦- روى الشَّيخ الطَّبرسيّ في «الاحتجاج» عن التَّفسير المنسوب إلى العسكريّ عليه‌السَّلام عن الصَّادق عليه‌السَّلام في تفسير قوله تعالى: {وَ مِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ}۱ في جواب رجلٍ سأله عن علّة الفرق بين عوامّ اليهود و عوامّنا: «فَأمَّا مَنْ كَانَ مِنَ الْفُقَهَاءِ صَائِناً لِنَفْسِهِ، حَافِظاً لِدِينِهِ، مُخَالِفاً على هَوَاهُ، مُطِيعاً لأمْرِ مَوْلَاهُ، فَلِلْعَوَامِّ أنْ يُقَلِّدُوهُ. وَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْضَ فُقَهَاءِ الشِّيعَةِ لا جَميعُهُمْ؛ فَأمَّا مَنْ رَكِبَ مِنَ الْقَبَائِحِ وَ الْفَواحِشِ مَرَاكِبَ فَسَقَةِ فُقَهَاءِ الْعَامَّةِ فَلَا تَقْبَلُوا مِنْهُمْ شَيْئاً، وَ لَا كَرَامَةَ» (الحديث)‌٢.

  • و هذه روايةٌ مفصَّلة ذاتُ دقائِق و لطائِفَ، ذكر العسكريّ عليه‌السَّلام فيها مطالبَ نفيسةً في تفسير الآية، ولكنَّ الشَّيخ في «رسائل»- ه لم يذكرها بل اكتفى منها ببيان ما قاله الصَّادق في جواب الرَّجل السَّائِل.

  • و التفسير المنسوب إلى العسكريّ عليه‌السَّلام و إن كان محتوياً على مَطالبَ غير حَقَّةٍ و تناقضاتٍ واضحة لا يمكن أن تنسب إلى عالم فضلًا إليه عليه‌السَّلام، ولكن بعض ما فيه في غاية المَتانة و الدِّقَّة؛ و منه هذه الرِّواية.

  • و قد اعترف الشَّيخ- رحمه الله- بدلالة هذا الخبر الشَّريف اللَّائِحة منه آثار الصِّدق على جواز قبول قول من عرف بالتحرُّز عن الكذب و إن كان ظاهره اعتبار العدالة بل ما فوقها.

  • و ذهب السَّيِّد محمَّد كاظم الطَّباطبائِيّ- قدّه- في «عروت»- ه بأنَّه لابدَّ للمفتي مضافاً إلى كونه عادلًا، «أن لا يكون مُقبلًا على الدُّنيا و طالباً لها،

    1. الآية ۷۸ من سورة ٢: البقرة.
    2. «الاحتجاج» طبع النجف، ص ٢٦٣ إلي ص ٢٦٥.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

114
  • مُكِبّاً عليها، مُجدّاً في تحصيلها»، استناداً إلى هذه الرِّواية الشَّريفة۱.

  • و اعترض عليه السَّيِّد أبوالحسن الإصفهانيّ- قدّه- في حاشيته، بأنَّ «الإقبال على الدُّنيا و طلبها إن كان على الوجه المحرَّم فهو يوجب الفسق النَّافي للعدالة فيُغني عنه اعتبارها، و إلَّا فليس بنفسه مانعاً من جواز التَّقليد؛ و الصِّفات المذكورة في الخبر ليست إلَّا عبارة اخرى عن صفة العدالة». انتهى. و تبعه جمعٌ من الأعلام و اكتَفوا بالعدالة.

  • و فيه نظر، لأنَّ الرِّواية بظاهرها تدلُّ على لزوم ملكةٍ صالحةٍ في المُفتي، لا يقبل بها على الدُّنيا، و لا يطيع إلَّا أمر المولى، لا مجرَّد الملكةِ التي لا يصدر بها مجرَّد حرامٍ في الخارج و إن لم تكن السَّلامة الباطنيَّة محقَّقةً فيه، و بينهما بونٌ بعيد.

  • فالعدالة و هي ملكة الاجتناب عن المحرَّم بلا وصولٍ إلى درجة التَّقوى القلبيّ و الصَّفاءِ الباطنيّ لا تُجوِّز التَّقليد.

  • و لعلَّه إلى هذه الدَّرجة من النُّور الإلهيّ المُشرق أشار الشَّهيد الثَّاني في آخر كتابه: «مُنْية المريد»، بعد أن ذكر القَدر اللَّازم من العُلوم التي يجب تحصيلُه لمن أراد التَّفقُّه في الدِّين بقوله: «و لا يكون ذلك كلُّه إلَّا بهبةٍ من الله تعالى إلهيَّةٍ و قوَّةٍ منه قدسيَّةٍ توصله إلى هذه البغية، و تُبلِّغه هذه الرُّتبة؛ و هي العمدة في فقه دين الله تعالى، و لا حيلة للعبد فيها بل منحةٌ إلهيَّةٌ و نفحةٌ ربَّانيَّة بها من يشاءُ من عباده إلَّا أنَّ للجدِّ و المجاهدة و التوجُّه إلى اللهِ تعالى و الانقطاع إليه أثراً بيِّناً في إفاضتها من الجناب القدسيّ، {وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَ إِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}٢.

  • ۷- ما رَواه الرَّضيّ- رَحمة الله عليه- في «نهج البَلاغة» ضمن عهدٍ

    1. «العروة الوثقي» المسألة ٢٢ من أحكام التقليد.
    2. «منية المريد» ص ۸۰. و الآية ٦٩ من سورة ٢٩: العنكبوت.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

115
  • لأميرالمؤمنين عليه‌السَّلام، كتبه للأشتَر النَّخَعيّ لَمَّا ولَّاه مِصْرَ، عنه عليه السَّلام بقوله:

  • «ثُمَّ اخْتَرْ لِلْحُكْمِ بَيْنَ النَّاسِ أفْضَلَ رَعِيَّتِكَ في نَفْسِكَ مِمَّنْ لَا تَضِيقُ بِهِ الامُورُ، وَ لَا تُمْحِكُهُ الْخُصُومُ، وَ لَا يَتَمَادَى في الزَّلَّةِ، وَ لَا يَحْصَرُ مِنَ الْفَيْ‌ءِ إلَى الْحَقِّ إذَا عَرَفَهُ، وَ لَا تُشْرِفُ نَفْسُهُ على طَمَعٍ، وَ لَا يَكْتَفِي بِأدْنَى فَهْمٍ دُونَ أقْصَاهُ، وَ أوْقَفَهُمْ في الشُّبُهَاتِ، وَ آخَذَهُمْ بِالْحُجَجِ، وَ أقَلَّهُمْ تَبَرُّماً بِمُرَاجَعَةِ الْخَصْمِ، وَ أصْبَرَهُمْ على تَكَشُّفِ الامُورِ، وَ أصْرَمَهُمْ عِنْدَ اتِّضَاحِ الْحُكْمِ، مِمَّنْ لَا يَزْدَهِيهِ إطْرَاءٌ، وَ لَا يَسْتَمِيلُهُ إغْرَاءٌ، وَ اولَئِكَ قَلِيلٌ»۱.

  • ۸- في كتاب سُلَيم بن قيْس الهِلَاليّ ص ۱٤۸ في خطبةٍ طويلةٍ خطب بها عليّ أميرالمؤمنين عليه‌السّلام العبّاس عمَّه في مسجد رسول الله: (قال أبان عن سُلَيم) قال: «إنْتَهَيْتُ إلَى حَلْقَةٍ في مَسْجِدِ رَسُولِ الله صَلّى الله عَليهِ و آله و سلَّم لَيْسَ فيها إلَّا هَاشِميّ غَيْرُ سَلْمانَ وَ أبي ذَرٍّ وَ الْمِقْدادِ وَ مُحَمَّدِ بْنِ أبي بَكْرٍ وَ عُمَرَ بْنِ أبي سَلَمَةَ وَ قَيْسِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ.

  • فَقَالَ الْعَبّاسُ لِعَليّ- صَلواتُ اللهِ عليه-: «مَا تَرَى عُمَرَ مَنَعَهُ مِنْ أنْ يُغْرِمَ قُنْفُذاً كَمَا أغْرَمَ جَميعَ عُمّالِهِ؟ فَنَظَرَ عَليّ عليه‌السّلام إلَى مَنْ حَوْلَهُ، ثُمَّ اغْرَوْرَقَتْ عَيْنَاهُ، ثُمَّ قالَ: نَشْكُو لَهُ ضَرْبَةً ضَرَبَها فاطِمَةَ بِالسَّوْطِ فَمَاتَتْ وَ في عَضُدِها أثَرَةٌ كَأنَّهُ الدُّمْلُجُ».

  • ثُمَّ قَالَ عليه‌السَّلام: «الْعَجَبُ مِمّا اشْرِبَتْ قُلُوبُ هَذِهِ الامَّةِ مِنْ حُبِّ هَذَا الرَّجُلِ وَ صاحِبِهِ مِنْ قَبْلِهِ وَ التَّسْليمِ لَهُ في كُلِّ شَيْ‌ءٍ أحْدَثَهُ»- إلى أنْ قالَ عليه‌السّلام‌: إنَّ الْعَجَبَ كُلَّ الْعَجَبِ مِنْ جُهّالِ هَذِهِ الامَّةِ وَ ضُلّالِهَا وَ قادَتِها وَ سَاقَتِها إلَى النَّارِ، إنَّهُمْ قَد سَمِعُوا رَسُولَ اللهِ صَلى الله عليهِ و آله و سلّم يَقُولُ عَوْداً وَ بَدْءًا: «مَا وَلَّتْ امَّةٌ رَجُلًا قَطُّ أمْرَها وَ فِيهِمْ أعْلَمُ مِنْهُ إلّا لَمْ يَزَلْ أمْرُهُمْ يَذْهَبُ سَفالًا حَتَّى يَرْجِعُوا إلَى مَا تَرَكُوا».

    1. «نهج البلاغة» بابُ الرَّسائل، ص ٩٤.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

116
  • و أوّل من استدّل بهذه العبارة ردّاً على من شاغَلَ منْصَب الأعْلم و هو غيره سلمانُ الفارسيّ على ما فحصناه و وجدناه، لأنَّه من جلة اثْنيْ عَشَرَ رَجُلًا ردُّوا على أبي بكر لمّا صعد المنبر و يريد الخطبة يوم الجمعة خلافةً عن رسول الله بعد البَيْعة، و قام كلُّ واحدٍ منهم واحداً بعد الآخر، و استدلُّوا على إمامة الإمام أميرالمؤمنين عليه‌السلام ردّاً على خلافة الخليفة الانتخابيّ، و إنكاراً على تشاغله منصب الرَّسول صلّى الله عليه و آله و سلَّم.

  • أورد هذه القضيَّة أحمد بن خالد البرقيّ في «رجال»- ه؛ و عبدالجليل القزوينيّ في «النَّقض»؛ و الشَّيخ الصَّدوق في «الخصال»؛ و أبومنصور أحمد بن أبي طالب الطَّبَرسيّ في «الاحتجاج»؛ و السَّيِّد الأجلُّ عليّ بن طاووس في «كشف اليقين»۱؛ و أورده المجلسيّ في البحار٢ ، و كذلك المامقانيّ في «تنقيح المقال»٣ عن الثَّلاثة الأخيرة، بلا إشارة إلى روايتهما هذه القضيَّة.

  • و من جملة البراهين التي اتَّكأ عليها سلمانُ هو عدم جواز تصدِّي غير الأعلم مع وجوده، و ها نحن نأتي بعبارته. فأمَّا في «رجال» البَرْقيّ أتى بهذه العبارة: «ثُمَّ قَامَ سَلْمَانُ؛ وَ قالَ: يَا أبابَكرٍ! إلَى مَنْ تَسْتَنِدُ أمْرَكَ إذَا الْمَوْتُ نَزَلَ بِكَ؟ وَ إلَى مَنْ تَفْزَعُ إذَا سُئِلْتَ عَنْ أحْكامِ الامَّةِ عَمّا لَا تَعْلَمُ؟! أتَكونُ إمَاماً لِمَنْ هُوَ أعْلَمُ مِنْكَ؟ قَدِّمْ مَنْ قَدَّمَهُ اللهُ وَ قَدَّمَهُ رَسولُ اللهِ في حَياتِهِ»٤.

  • و أمَّا في «النَّقض» فقد أتى بهذه العبارة: «يَا أبابَكر! إلَى مَنْ تَسْتَنِدُ أمْرَكَ إذا نَزَلَ بِكَ الْقَضاءُ؟ و إلَى مَنْ تَفْزَعُ إذا سُئِلْتَ عَمّا لَا تَعْلَمُ (و ما عُذْرُكَ في التَّقَدُّمِ) وَ في الْقَوْمِ مَنْ هُوَ أعْلَمُ مِنْكَ»٥.

    1. على ما في «بحار الأنوار» ج ۸، باب كيفيّة غصب لُصُوص الخلافة و أهل الجلافة، ص ٤٢ و ص ٤٣ طبع الكمباني.
    2. نفس المصدر السابق.
    3. «تنقيح المقال» ج ۱، الفائدة الثانية عشرة، ص ۱٩۸ تا ص ٢۰۰.
    4. «رجال» البرقيّ ص ٦٤.
    5. كتاب «النقض» المعروف به «بعض مثالب النَّواصب في نقض بعض فضائح الرَّوافض»، ص ٦٥٩.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

117
  • و في «الخصال»؛ أتى بعين عبارة «النَّقض» بدون جملة: «وَ مَا عُذْرُكَ في التَّقَدُّمِ» التي أتينا بها في الهلالين‌۱.

  • و في «الاحتجاج» أتى بهذه العبارة: «يا أبابَكرٍ إلَى مَنْ تَسْتَنِدُ أمْرَكَ إذا نَزَلَ بِكَ مَا لَا تَعْرِفُهُ؟ وَ إلَى مَنْ تَفْزَعُ إذا سُئِلْتَ عَمَّا لَا تَعْلَمُهُ؟ وَ مَا عُذْرُكَ في تَقَدُّمِكَ على مَنْ هُوَ أعْلَمُ مِنْكَ، وَ أقْرَبُ إلَى رَسُولِ اللهِ، وَ أعْلَمُ بِتَأوِيلِ كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ سُنَّةِ نَبِيِّهِ؟!٢.

  • و روى السَّيِّد هاشم البَحرانيّ في «غاية المرام» عن الشَّيخ في «مجالس»- ه: قال: أخبرنا جماعةٌ عن أبي المفضَّل قال: حدَّثني أبوالعبَّاس أحمد بن محمَّد بن سعيد بن عبدالرَّحمن الهَمدانيّ بالكوفة، و قال: حدَّثنا محمَّد بن المفضَّل بن إبراهيم بن قَيسٍ الأشعريّ، قال: حدَّثنا عليّ بن حسَّان الواسطيّ، قال: حدَّثنا عبدالرَّحمن بن كثير، عن جعفر بن محمَّد، عن أبيه، عن جدِّه عليّ بن الحسين عليهم السَّلام، قال: «لَمَّا أجْمَعَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيّ عليهما السَّلام على صُلْحِ مُعَاوِيَةَ، خَرَجَ حَتَّى لَقِيَهُ، فَلَمَّا اجْتَمَعَا قَامَ مُعَاوِيَةُ خَطِيباً ...» إلى أن قال- «فَخَطَبَ الْحَسَنُ عليه‌السَّلام فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلّهِ الْمُسْتَحْمِدِ بِالآلآءِ وَ تَتَابُعِ النَّعْمَاءِ- إلى آخر خطبته الطَّويلة الجامعة.

  • و قال عليه‌السَّلام في ضمن خطبته: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه و آله و سلَّم: «مَا وَلَّتْ امَّةٌ أمْرَهَا رَجُلًا قَطُّ وَ فِيهِمْ مَنْ هُوَ أعْلمُ مِنهم لم يَزَلْ أمْرُهُمْ يَذْهَبُ سَفَالًا حَتَّى يَرْجِعُوا إلَى مَا تَرَكُوا»٣.

  • و أيضاً في «غاية المرام» ذكر مختصر هذه الخطبة بسندٍ آخر عن الشَّيخ في «مجالس»- ه؛ و ورد فيها عين هذه العبارة نقلًا عن رسول الله صلّى الله‌

    1. «الخصال»، ص ٤٦٣.
    2. «الاحتجاج» طبع النجف، ج ۱، ص ۱۰۰.
    3. «غاية المرام»، الطَّبع على الحجر ص ٢٩۸، في الحديث السَّادس و العشرين.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

118
  • عليه و آله و سلَّم‌۱.

  • ٩- روى الشَّيخ محمَّد بن الحسن الحرُّ العامليّ في «الوسائل» في الباب الحادي عشر من أبواب صفات القاضي و ما يجوز أن يفتي به، عن الصَّدوق محمَّد بن عليّ بن الحسين في كتاب «إكمال الدِّين و إتمام النِّعمة»٢ عن محمَّد بن عصام، عن محمَّد بن يعقوب، عن إسحاق بن يعقوب قال: «سَألْتُ محمَّدَ بنَ عُثمانَ العُمَريّ أنْ يُوصِلَ لي كِتاباً قَد سَألْتُ فيهِ عَنْ مَسائِلَ أشْكَلَتْ عَلَيّ؛ فَوَردَ التَّوْقيعُ بِخَطِّ مَولانا صاحِبِ الزَّمان عليه السَّلام: أمَّا مَا سَألْتَ عَنْهُ- أرْشَدَكَ اللهُ وَ ثَبَّتَكَ- إلى أن قال عليه‌السَّلام:

  • «وَ أمَّا الْحَوَادِثُ الْوَاقِعَةُ فَارْجِعُوا فِيهَا إلَى رُوَاةِ حَدِيثِنَا فَإنَّهُمْ حُجَّتِي عَلَيْكُمْ وَ أنَا حُجَّةُ اللهِ» الحديث.

  • و رواه الشَّيخ في كتاب «الغَيبة» عن جماعةٍ، عن جَعفر بن محمَّد بن قولويه و أبي غالب الزُّراريّ و غيرهما كلِّهم عن محمَّد بن يعقوب، و رواه الطَّبرسيّ في «الاحتجاج» مثله‌٣.

  • قال سيِّدنا و استاذنا العلَّامة السيِّد محمود الشَّاهروديّ- قدَّس الله سِرَّه-: «و كيف كان فلا ينبغي الإشكال في اعتبار سَنَده لدلالة التَّوقيع على علوِّ شأن إسحاق و سموِّ رتبته، بعد ملاحظة ما في متن التَّوقيع الرَّفيع من شواهد الصِّدق و الصُّدور فتدبّر و لاحظ»٤.

  • ۱۰- الرِّوايات الدَّالَّة على أنَّ العلماءَ ورثة الأنبياء مثل صحيحة أبي‌

    1. «غاية المرام» ص ٢٩٩، في الحديث السَّابع و العشرين.
    2. قال العلّامة آغا بزرگ الطّهرانيّ في «الذريعة إلى تصانيف الشيعة» ج ٢، ص ٢۸٣: «إكمال الدّين و إتمام النّعمة» و يقال له «كمال الدين و تمام النعمة» أيضاً في غيبة الحجة المنتظر عليه‌السلام و ما يتعلّق بها للشيخ الصدوق أبي جعفر محمّد بن على بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي المتوفّي سنة ٣۸۱ أوله: الحمدللّه الواحد الحيّ الفرد الصمد. طبع بطهران سنة ۱٣۰۱.
    3. «الوسائل» الطبع البهادريّ ج ٣، ص ٣۸٥.
    4. «كتاب الحجّ» طبع النجف ۱٣۸٣، الجزء الثالث، ص ٣٤۸، تقرير الجنّاتي.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

119
  • - البُختريّ و هي: ما رواه محمَّد بن يعقوب الكُلينيّ في «الكافي» عن محمَّد بن الحسين، عن أحمد بن عيسى، عن محمَّد بن خالد، عن أبي البُختريّ، عن أبي عبدالله عليه‌السَّلام قال: «إنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثةُ الأنْبِياءِ. وَ ذَلِكَ أنَّ الأنْبِياءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِرْهَماً وَ لَا دِينَاراً وَ إنَّمَا أوْرَثُوا أحَادِيثَ مِنْ أحَادِيثِهِمْ، فَمَنْ أخَذَ بِشَيْ‌ءٍ مِنْهَا فَقَدْ أخَذَ حَظّاً وَافِراً. فَانْظُرُوا عِلْمَكُمْ هَذَا عَمَّنْ تأخُذُونَهُ، فَإنَّ فِينَا أهْلَ الْبَيْتِ في كُلِّ خَلَفٍ عُدُولًا يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ وَ انْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ وَ تَأوِيلَ الْجَاهِلِينَ»۱.

  • و ما رواه الكلينيّ أيضاً عن محمَّد بن الحسن و عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد و محمَّد بن يحيى، عن أحمد بن محمَّد جميعاً عن جعفر بن محمَّد الأشعريّ، عن عبدالله بن ميمون القدَّاح؛ و عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمَّاد بن عيسى، عن القدَّاح، عن أبي عبدالله عليه‌السَّلام قال: قال رسول الله- إلى أن قال صلّى الله عليه و آله-: وَ إنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأنْبِيَاءِ، إنَّ الأنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَاراً وَ لَا دِرْهَماً وَلَكِنْ وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أخَذَ مِنْهُ أخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ»٢.

  • ۱۱- ما دلَّ على أنَّ الفقهاءَ امناءُ الرُّسل، و أنَّهم امَناءُ؛

  • مثل ما رواه الكُلينيّ في «الكافي» عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النَّوفليّ، عن السَّكونيّ، عن أبي عبدالله عليه‌السَّلام قال: قال رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلَّم: «الْفُقَهَاءُ امَنَاءُ الرُّسُلِ مَا لَمْ يَدْخُلُوا في الدُّنْيَا. قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ! وَ مَا دُخُولُهُمْ في الدُّنْيَا؟ قَالَ: اتِّبَاعُ السُّلْطَانِ. فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ فاحْذَرُوهُمْ على دِينِكُمْ»٣.

  • و ما رواه الكُلينيّ أيضاً عن محمَّد بن يحيى، عن أحمد بن محمَّد بن‌

    1. «الكافي» الأصول ج ۱، كتاب فضل العلم، الباب ٢، ص ٣٢ من طبع الحيدريّ.
    2. «اصول الكافي» ج ۱، ص ٣٤.
    3. «المصدر السابق»، ص ٤٦.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

120
  • عيسى، عن محمَّد بن سنان، عن إسماعيل بن جابر، عن أبي عبدالله عليه السَّلام قال: «الْعُلَمَاءُ امَنَاءُ، وَ أتْقِيَاءُ حُصُونٌ، وَ الأوْصِيَاءُ سَادَةٌ»۱.

  • ۱٢- ما دلَّ على أنَّ المؤمنين الفقهاءَ حصُونُ الإسلام؛

  • مثل ما رواه الكُلينيّ عن محمَّد بن يحيى، عن أحمد بن محمَّد، عن ابن محبوب، عن عليّ بن أبي حمزه قال: سمعت أبا الحسن موسَى بنَ جعفر عليهما السلام يقول: «إذَا مَاتَ الْمُؤْمِنُ بَكَتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ وَ بِقَاعُ الأرْضِ التي كَانَ يَعْبُدُ اللهَ عَلَيْهَا، وَ أبْوَابُ السَّماءِ التي كَانَ يُصْعَدُ فِيهَا بِأعْمَالِهِ، وَ ثُلِمَ في الإسْلَامِ ثُلْمَةً لَا يَسُدُّهَا شَيْ‌ءٌ، لأنَّ الْمُؤْمِنينَ الْفُقَهَاءَ حُصُونُ الإسْلَامِ كَحِصْنِ سُورَ الْمَدِينَةِ لَهَا»٢.

  • و ربما يستدلُّ بهذه الفقرة و اللَّتَين قبلها على الوِلاية و القَضاءِ، لمكان إطلاق الوراثة من الأنبياءِ فتشمل جميعَ مناصِب المُورِّث، و منها الوِلاية و القضاءُ؛ و كذا كونهم امناءَ و حصونَ الإسلام.

  • ولكنَّ الإنصافَ عدمُ دلالة روايات الوراثة، لورودها في مقام بيان فضيلة العالم. و الشَّاهد عليه أنَّ ذيل الحديثين صريحٌ في أنَّ المراد إرثُ العلوم و الأحاديث حيث قال في الاولى: «وَ ذَلِكَ أنَّ الأنْبِياءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِرْهماً وَ لَا دِينَاراً وَ إنَّمَا أوْرَثُوا أحَادِيثَ مِنْ أحَادِيثِهِمْ، فَمَنْ أخَذَ بشي‌ء منها فقد أخذ حظاً وافراً و قال في الثانية: ولكن ورثوا العلم فمن أخذ مِنْهُ أخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ».

  • و أمَّا كونهم حصونَ الإسلام و امناءَ الرُّسُل فلا بأس بالأخذ بإطلاقهما في كلِّ ما يرجع إلى حفظ الإسلام و مناصب الرُّسل من الوِلاية و القَضاءِ و الإفتاءِ و غيرها كما أنَّ حصنَ المدينة يحفظها على الإطلاق، و أنَّ الأمينَ أمينٌ في‌

    1. «اصول الكافي» ج ۱، ص ٣٣.
    2. «المصدر السابق»، ص ٣۸.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

121
  • جميع ما يرجع إلى المأمون عنه من مناصب الرِّسالة.

  • ۱٣- ما رَوى الرَّضيّ- رحمة الله عليه- في «نَهج البلاغة» عن أمير المؤمنين عليه‌السَّلام أنَّه قال:

  • إن أوْلَى النَّاسِ بِالأنْبِيَاءِ أعْلَمُهُمْ بِمَا جَاؤُوا بِهِ، ثُمَّ تَلَا: «إنَّ أوْلَى النَّاسِ بِإبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَ هَذَا النَّبِيّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا»۱ ثُمَّ قَالَ‌: «إنَّ وَلِيّ مُحَمَّدٍ مَنْ أطَاعَ اللهَ وَ إنْ بَعُدَتْ لُحْمَتُهُ؛ وَ إنَّ عَدُوَّ مُحَمَّدٍ مَنْ عَصَى اللهَ وَ إنْ قَرُبَتْ قَرَابَتُهُ»٢.

  • واعترض‌ على دلالتها الشَّيخ في «المتاجر» و على دلالة نظائِرها، بأنَّ «الإنصاف بعد ملاحظة سياقها أو صدرها أو ذيلها يقتضي الجزم بأنَّها في مقام بيان وظيفتهم من حيث الأحكام الشَّرعيَّة، لا كونهم كالنَّبيّ و الأئِمَّة- صَلَوات الله عليهم- في كونهم أولى النَّاس في أموالهم» إلى آخر ما ذكره. فتأمَّل.

  • و أورد النَّراقيّ في «عَوائِد الأيَّام» في البحث عن ولاية الفقيه رواياتٍ اخر أيضاً، منها:

  • ۱٤- المرويّ في «كنز» الكراجكيّ عن مولانا الصَّادق عليه‌السَّلام أنَّه قال: «الْمُلُوكُ حُكَّامٌ على النَّاسِ، وَ الْعُلَمَاءُ حُكَّامٌ على الْمُلُوكِ»٣.

  • فاعترض‌ عليه بأنَّ هذا الحديث ليس ناظراً إلى المدَّعى، بل ناظرٌ إلى المتعارف في الأزمنة من تبعيَّة السُّلطان لقول عالم الوقت من أيّ مِلَّةٍ.

  • فأجاب أستاذنا الشَّاهردويّ- رحمةُ اللهِ عليه- بأنَّ «مجرَّد الإخبار غيرُ مناسب لمقام الإمام بل اللَّائِق به أن يكون قولُه إنشاءً، فيتفرَّع عليه حينئذ أنَّ العلماءَ نُصِبُوا حُكَّاماً شرعيّاً على الملوك بحيث تَنْفُذ أحكامُهم عليهم. فحيث‌

    1. الآية ٦۸ من سورة ٣: آل عمران.
    2. «نهج البلاغة» باب الحكم، ص ۱٥۷.
    3. و ٣ «عوائد الأيّام» ص ۱۸٦، و ص ۱۸۷.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

122
  • إن شأنَ الملوك هو الوِلاية و القَضاءُ و إقامة الحدود و تنظيم معاش النَّاس، فهذه الامور منوطةٌ شرعاً بالعلماءِ، فهم ولاةٌ و حكَّامٌ على من كان مصدرَ هذه الامور»۱.

  • أقول: فيه نظر، لأنَّه على مذاق الشَّارع ليس لأحَدٍ أن يَحكم على النَّاس إلَّا أن يكون منصوباً من قبل الشَّارع؛ فالتَّفريق بين العلماءِ و الملوك ثمَّ تثبيت حكم الملوكُ على النَّاس غيرُ مستقيم. فالأولى تسليمُ الإشكال و الذَّهاب إلى أنَّ هذا الخبر ناظرٌ إلى بيان عُلُوِّ شأن العلماءِ حيث أنَّ الملوك مه كمال قُدرتهم و سَطوتهم خاضعون لمقام عِلمهم و دِرايتهم.

  • ۱٥- و منها: ما روي عن النَّبيّ صلَّى الله عليه و آله و سلَّم في كتب الخاصَّة و العامَّة أنَّه قال: «السُّلْطَانُ وَلِيّ مَنْ لَا وَلِيّ لَهُ»٢.

  • ۱٦- و منها: ما رواه في «جامع الأخبار» عن النَّبيّ صلَّى الله عليه و آله و سلَّم أنَّه قال: «أفْتَخِرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِعُلَمَاءِ امَّتِي، فَأقُولُ عُلَمَاءُ امَّتِي كَسَائِرِ أنْبِيَاءِ قَبْلِي»٣.

  • و منها: المرويّ في «الفِقه الرَّضويِّ» أنَّه قال: «مَنْزِلَةُ الْفَقِيهِ في هَذَا الْوَقْتِ كَمَنْزِلَةِ الأنْبِيَاءِ في بَنِي إسْرائِيلَ»٤.

  • ۱۷- و منها: المرويّ في «الاحتجاج» في حديثٍ طويلٍ قيل لأمير المؤمنين عليه‌السَّلام: «مَنْ خَيْرُ خَلْقِ اللهِ بَعْدَ أئِمَّةِ الْهُدَى وَ مَصَابِيحِ الدُّجَى؟ قالَ عليه‌السَّلام: الْعُلَمَاءُ إذَا صَلُحُوا»٥

  • و منها: المرويّ في «المجمع» عن النَّبيّ صلَّى الله عليه و آله و سلَّم أنَّه قال: «فَضْلُ الْعَالِمِ على النَّاسِ كَفَضْلِي على أدْنَاهُمْ»٦.

    1. «كتاب الحجّ» ج ٣، ص ٣٥۰ و ص ٣٥۱، تقرير الجنّاتيّ.
    2. «عوائد الأيَّام» ص ۱۸٦.
    3. «نفس المصدر السابق».
    4. «نفس المصدر السابق».
    5. «نفس المصدر السابق».
    6. «نفس المصدر السابق».

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

123
  • و منها: المرويّ في «المُنْيَةِ» أنَّه تعالى قال لعيسى عليه‌السلام: «عَظِّمِ الْعُلَماءَ وَ اعْرِفْ فَضْلَهُمْ، فَإنِّي فَضَّلْتُهُمْ على جَمِيعِ خَلْقِي إلَّا النَّبِيِّينَ وَ الْمُرْسَلِينَ كَفَضْلِ الشَّمْسِ على الْكَوَاكِبِ، وَ كَفَضْلِ الآخِرَةِ على الدُّنْيَا، وَ كَفَضْلِي على كُلِّ شَيْ‌ءٍ» (۱).

  • و منها: ما في التَّفسير المنسوب إلى الإمام العسكريّ عليه‌السَّلام إلى أن قال: «وَ قَالَ عَليّ بنُ محمَّدٍ عليهما السَّلام: لَوْلَا مَنْ يُنْتَقَى (*) بَعْدَ غَيْبَةِ قائِمِنَا مِنَ الْعُلَمَاءِ الدَّاعِينَ إلَيْهِ وَ الدَّالِّينَ عَلَيْهِ- إلى أن قال‌- لَمَا بَقِيَ أحَدٌ إلَّا ارْتَدَّ عَنْ دِينِ اللهِ، اولَئِكَ هُمُ الأفْضَلُونَ عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَ جَلَّ» (٢).

  • هذا و لا يخفى عدمُ دلالة هذه الأخبار على ما نحن بصدده من إثبات الوِلاية لأنَّ مَحَطَّ سياقها إثبات الفضل للعلماءِ، فليس لها اطلاقٌ في ثبوت شؤونهم، بل لها إهمالٌ من هذه الجهة.

  • ۱۸- و منها: ما رواه في «العِلَل» بإسناده عن الفَضل بن شَاذَان عن أبي الحسن الرِّضا عليه‌السَّلام في حديثٍ طويلٍ إلى أن قال عليه‌السَّلام: «فَإنْ قَالَ: فَلِمَ جَعَلَ اولِي الأمْرِ وَ أمَرَ بِطَاعَتِهِمْ»؟.

  • قِيلَ: لِعِلَلٍ كَثِيرَةٍ، مِنْها: أنَّ الْخَلْقَ لَمَّا وَقِفُوا على حَدٍّ مَحْدُودٍ وَ امِرُوا أنْ لَا يَتَعَدَّوْا ذَلِكَ الْحَدَّ لِما فِيهِ مِنْ فَسادِهِمْ، لَمْ يَكُنْ يَثْبُتُ ذَلِكَ وَ لَا يَقُومُ إلَّا بِأنْ يَجْعَلَ عَلَيْهِمْ فِيهِ أمِيناً يَمْنَعُهُمْ مِنَ التَّعَدِّي وَالدُّخُولِ فيمَا حَظَرَ عَلَيْهِمْ؛ لأنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ كَذَلِكَ لَكَانَ أحَدٌ لَا يَتْرُكُ لَذَّتَهُ وَ مَنْفَعَتَهُ لِفَسادِ غَيْرِهِ؛ فَجَعَلَ عَلَيْهِمْ قَيِّماً يَمْنَعُهُمْ مِنَ الْفَسَادِ، وَ يُقيمُ فيهِمُ الْحُدُودَ وَ الأحْكَامَ».

  • وَ مِنْهَا: «أنَّا لَا نَجِدُ فِرْقَةً مِنَ الْفِرَقِ وَ لَا مِلَّةً مِنَ الْمِلَلِ بَقُوا وَ عَاشُوا إلَّا بِقَيِّمٍ وَ رَئيسٍ لِما لَابُدَّ لَهُمْ مِنْ أمْرِ الدِّينِ وَ الدُّنْيَا. فَلَمْ يَجُزْ في حِكْمَةِ الْحَكيمِ أنْ يَتْرُكَ الْخَلْقَ مِمَّا يَعْلَمُ أنَّهُ لَابُدَّ لَهُمْ مِنْهُ وَ لَا قِوَامَ لَهُمْ إلَّا بِهِ،

  • _____________________________________________________

  • (*) و أورد في المحجَّة البيضاء، ج ۱، ص ٣٢ بلفظ: لَولَا مَنْ يَبْقَى.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

124
  • فَيُقاتِلُونَ بِهِ عَدُوَّهُمْ، وَ يَقْسِمُونَ بِهِ فَيْئَهُمْ، وَ يُقيمُ لَهُمْ جَمْعَهُمْ (جَماعَتَهُمْ- خ) وَ يَمْنَعُ ظَالِمَهُمْ مِنْ مَظْلُومِهِمْ».

  • وَ مِنْهَا: «إنَّهُ لَوْ لَمْ يَجْعَلْ لَهُمْ إمَاماً قَيِّماً أمِيناً حَافِظاً مَسْتَوْدَعاً لَدَرَسَتِ الْمِلَّةُ، وَ ذَهَبَ الدِّينُ، وَ غُيِّرَتِ السُّنَّةُ وَ الأحْكَامُ، وَ لَزَادَ فِيهِ الْمُبْتَدِعُونَ، وَ نَقَصَ مِنْهُ الْمُلْحِدُونَ، وَ شَبَّهُوا ذَلِكَ على الْمُسْلِمِينَ؛ لِانَّا قَدْ وَجَدْنَا الْخَلْقَ مَنْقُوصِينَ مُحْتَاجِينَ غَيْرَ كَامِلِينَ مَعَ اخْتِلَافِهِمْ وَ اخْتِلَافِ أهْوَائِهِمْ وَ تَشَتُّتِ أنْحَائِهِمْ؛ فَلَو لَمْ يَجْعَلْ لَهُمْ قَيِّماً حَافِظاً لِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ لَفَسَدُوا على نَحْوِ ما بَيَّنَّا، وَ غُيِّرَتِ الشَّرَائِعُ وَ السُّنَنُ وَ الأحْكَامُ وَ الإيمَانُ، وَ كَانَ في ذَلِكَ فَسَادُ الْخَلْقِ أجْمَعِينَ»۱.

  • أقول: الأولى جعل هذه الرِّواية الشَّريفة من أدلَّة ولاية الإمام عليه السَّلام، حيث إنَّها وَرَدَتْ في بيانِ عِلَل احتياج النَّاس إلى اولي الأمر؛ و قد عرفتَ أنَّ الأئِمَّة عليهم السَّلام هم المخصوصون بهذا العنوان.

  • اللَّهُمَ إلَّا أن يقال: العِلَل التي ذُكِرَتْ في هذه الرِّواية حيث إنَّها موجودةٌ في زمن الغيبة بعين ما هي موجودةٌ في زمن الحضور، فلابدَّ للإمام عليه السَّلام أن يُعيِّن على نحو التَّنصيص الخاصِّ أو على نحو العموم أفراداً من الامَّة يلي امورَهم؛ و ليسُوا إلّا فُقهاءَ عُدولًا مأمونينَ على الدِّين و الدُّنيا، حافظينَ للشَّريعةِ الغرَّاءِ، خبيرينَ بالحوادث، بصيرين بالامور.

  • ۱٩- ما هو المرويّ في «المستند» في كتاب القَضاءِ عن «غَوالِي اللَّئالي»: «النَّاسُ أرْبَعَةٌ: رَجُلٌ يَعْلَمُ وَ هُوَ يَعْلَمُ أنَّهُ يَعْلَمُ، فَذاكَ مُرْشِدٌ حاكِمٌ فَاتَّبِعُوهُ»٢.

  • و الإنصاف أنَّ لهذه الرِّواية إطلاقاً بالنِّسبة إلى باب القَضاءِ و الحكومة و الإفتاء و لا وَجه لاختصاصها بالقَضاءِ؛ و هي في المفاد نظيرةُ قول إبراهيم عليه‌السَّلام لأبيه آزر:

    1. «عوائد الأيّام» ص ٢. ۱۸۷.
    2. .«المستند» ج ٢، كتاب القضاء، ص ٥۱٦.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

125
  • {يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ ما لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا}۱.

  • و هذه بخلاف الرِّوايات التي دلَّت على أن القضاء أربعةٌ: لأنَّ القاضي في الاصطلاح منصرفٌ إلى من هو منصوبٌ للقَضاءِ لا الحكومة و الإفتاء؛ فتدلُّ على لزوم كون القاضي فقيهاً عالِماً.

  • روى الكُلينيّ في «الكافي» عن عدَّةٍ من أصحابنا، عن أحمد بن محمَّد بن خالد، عن أبيه رفعه عن أبي عبدالله عليه‌السَّلام قال: «الْقُضاةُ أرْبَعَةٌ، ثَلَاثَةٌ في النَّارِ وَ وَاحِدٌ في الْجَنَّةِ: رَجُلٌ قَضَى بِجُوْرٍ وَ هُوَ يَعْلَمُ فَهُوَ في النَّارِ، وَ رَجُلٌ قَضَى بِالْحَقِّ وَ هُوَ يَعْلَمُ فَهُوَ في الْجَنَّةِ». و قال عليه‌السَّلام‌: «الْحُكْمُ حُكْمَانِ: حُكْمُ اللهِ وَ حُكْمُ الْجَاهِلِيَّةِ، فَمَنْ أخْطَأ حُكْمَ اللهِ حَكَمَ بِحُكْمِ الْجَاهِلِيَّةِ»٢.

  • و رواه الشَّيخ في «التَّهذيب» عن أحمد بن محمَّد بن خالد مثلَه‌٣.

  • و رواه الصَّدوق في «الفقيه» عن الصَّادق عليه‌السَّلام مثلَه؛ ثمَّ ذَكَر له ذَيلًا و هو: «إنَّ مَنْ حَكَمَ بِدِرْهَمَيْنِ بِغَيْرِ مَا أنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَ جَلَّ فَقَدْ كَفَرَ بِاللهِ تَعَالَي»٤.

  • وفي «الخصال» عن محمَّد بن موسى بن المتوكّل قال: حدَّثنا عليّ بن الحسين السَّعد آباديّ قال: حدَّثنا أحمد بن أبي عبدالله البرقيّ، عن أبيه، عن محمَّد بن أبي عمير رفعه إلى أبي عبدالله عليه‌السلام قال: «الْقُضَاةُ أرْبَعَةٌ: قَاضٍ قَضَى بِالْحَقِّ وَ هُوَ لَا يَعْلَمُ أنَّهُ حَقٌّ فَهُوَ في النَّارِ؛ وَ قَاضٍ قَضَى بِالْبَاطِلِ وَ هُوَ لَا يَعْلَمُ أنَّهُ بَاطِلٌ فَهُوَ في النَّارِ؛ وَ قَاضٍ قَضَى بِالْبَاطِلِ وَ هُوَ يَعْلَمُ‌

    1. الآية ٤٣ من سورة ۱٩: مريم.
    2. «الكافي» ج ۷، ص ٤۰۷، كتاب القضاء.
    3. «التهذيب» ج ٦، ص ٢۱۸، كتاب القضاء.
    4. «الفقيه» ج ٣، ص ٤، كتاب القضاء.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

126
  • أنَّهُ بَاطِلٌ فَهُوَ في النَّارِ؛ وَ قَاضٍ قَضَى بِالْحَقِّ وَ هُوَ يَعْلَمُ أنَّهُ حَقٌّ فَهُوَ في الْجَنَّةِ»۱.

  • هذا تمام كلامنا في البحث عن ولاية الفقيه.

  • و إنَّما اقتصرنا فيه على شرائِط الوالي و القاضي و المفتي بالرِّوايات الواردة في المقام، و لم نذكر حدودَ ولايتهم و شرائِط المُولَّى عليهم؛ لأنَّه خارجٌ عن موضوع هذه الرِّسالة التي صُنِّفَتْ في حقُوق النِّساءِ.

  • و لعلَّ الله يُوَفِّقنا بعدُ لِعَمَلِ رسالةٍ بديعة في هذا المرام؛ و من أرادالاطِّلاع على الشرائِط و الحدود فعلًا فعليه المراجعة بكتاب «عوائد الأيَّام» للمولى أحمد النَّراقيّ، و «بُلْغَةِ الفقيه» للسَّيِّد محمَّد آل بَحر العُلوم، و «عناوين‌الاصول» للسَّيِّد عبدالفتّاح المراغيّ الحسينيّ رحمة الله عليهم.

  • نتيجة للمقدَّمات المذكورة

  • إذا عرفتَ هذه المقدَّمات، علمتَ أنَّ القَضاءَ و الحكومَة من أعظم امور النَّاس بل أعظم امورهم على الإطلاق، و لا شي‌ءَ أعظمُ منهما في الجامعة المَدَنيَّة؛ لأنَّهما الرُّوح في المُجتمع، و بالوِلايةِ قِوامُهُم و قِيَامُهُم؛ و هي منصبٌ إلهيّ من قِبَل الله تعالى من غير واسطةٍ أو بواسطة المنصوبة لا غير٢.

    1. «الخصال» الطبع على الحجر، ص ۱۱۸.
    2. و ينبغي لنا في المقام أن نذكر كلام العالم الخبير سماحة آية الله الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء في كتابه البديع: «أصل الشيعة و اصولها». قال- قدّه-: «لولاية القضاء و نفوذ الحكم في فصل الحكومات بين النّاس منزلة رفيعة و مقام منيع و هي عند الإماميّة شجن من دوحة النبوّة و الإمامة، و مرتبة من الرّياسة العامّة و خلافة الله في الأرضين؛ (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحقّ. فلا و ربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً ممّا قضيت و يسلّموا تسليماً). كيف لا و القضاة و الحكّام امناء الله على النّواميس الثّلاثة: النّفوس و الأعراض و الأموال، و لذا كان خطره عظيماً و عثرته لا تقال. و في الأحاديث من تهويل أمره ما تخفّ عنده الجبال مثل قوله عليه‌السلام: «القاضي على شفير جهنّم، و لسان القاضي بين جمرتين من نار. يا شريح قد جلست مجلساً لا يجلسه إلّا نبيّ أو شقيّ». و في الحديث النبوّيّ: «من جُعل قاضياً فقد ذبح بغير سكّين». إلى كثير من نظائرها. و الحكم الذي يستخرجه الفقيه و يستنبطه من الأدلّة إن كان على موضوع كلّيّ فهو الفتوى مثل: «إنَّ مال الغير لا يجوز التّصرف فيه إلّا بإذن مالكه. و إنّ وطءَ الزوجة حلال و وطءَ الأجنبيّة حرام». و إن كان على موضوع جزئي فهو القضاء و الحكومة. مثل: «إنَّ هذه زوجة و تلك أجنبيّة. و هذا مال زيد». و كلّ منهما من وظائف المجتهد العادل الحائز منصب النّيابة العامّة عن الإمام سوى أنّ القضاء الذي هو في الحقيقة عبارة عن تشخيص الموضوعات مع المرافعة و الخصومة أو بدونها كالحكم بالهلال و الوقف و النّسب و نحوها يحتاج إلى لطف قريحة و قوّة حدس و عبقريّة ذكاء أكثر ممّا تحتاجه الفتوى و استنباط الأحكام الكلّيّة بكثير. و لو تصدّى له غير الحائز لتلك الصفات كان ضرره أكبر من نفعه و خطاؤه أكثر من صوابه. أمّا تصدّي غير المجتهد العادل الذي له أهليّة الفتوى فهو عندنا معشر الإماميّة من أعظم الحرمات و أفظع الكبائر بل هو على حدّ الكفر بالله العظيم، بل رأينا أعاظم علماءِ الإماميّة من أساتيذنا الأعلام يتورَّعون من الحكم و يفصلون الحكومات غالباً بالصُّلح. و نحن لا نزال غالباً على هذه الوَتيرَة اقتداءً بسلفنا الصَّالح» («أصل الشيعة و اصولها» ص ۱٦۷ إلى ص ۱٦٩، طبع بيروت سنة ۱٣۷٩ الهجرية).

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

127
  • و لا يجوز التَّصرُّف في حقوق النَّاس بجميع شؤونهم إلَّا بإذن إلهيّ، لأنَّه تصرُّف في حقِّ الغَير، و لا يجوز إلَّا بإجازة وَليِّه، و هو اللهُ تَبارك و تعالى.

  • فإذا دلَّ الدَّليل على شرطيَّة شي‌ء فيها فيؤُخذ به لا محالة؛ و إذا لم يدلَّ على شرطيَّته أو على عدم شرطيَّته من دليلٍ اجتهاديّ نتمسَّك به، من ظهور آيةٍ أو روايةٍ أو انعقاد إجماعٍ أو سِيَرةٍ متَّبَعةٍ، فالأصل يقتضي عدم جوازِ الوِلاية و القضاءِ عندئِذٍ؛ عند الشَّكِّ، {وَ إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً}۱.

  • وجوب الكفِّ عند الشُّبهات الحقوقيّة

  • و قد دلَّت رواياتٌ على وجوب الكفِّ عند الشُّبُهات، و أظهر مصاديقها ما يكون في المسائل الحقوقيَّة التي يقتضي الأصلُ العَقليّ فيها أيضاً التَّوقُّف.

  • و قد وَرَدَتْ روايات كثيرةٌ دالَّة على أنَّ الوقوفَ عند الشُّبهة خيرٌ من‌الاقتحام في الهَلَكَة؛ مثل ما رَوى الحرُّ العامليّ في «الوسائل» عن الكُلينيّ، عن محمَّد بن يحيى، عن محمَّد بن الحسين، عن محمَّد بن عيسى، عن‌صفوان بن يحيى، عن داود بن الحصين، عن عُمَر بن حَنظَلة، عن أبي عبدالله عليه‌السَّلام في حديثٍ قال: «وَ إنَّمَا الامُورُ ثَلَاثَةٌ: أمْرُ بَيِّنٌ رُشْدُهُ فَيُتَّبَعُ؛ وَ أمْرٌ بَيِّنٌ غَيُّهُ فَيُجْتَنَبُ، وَ أمْرٌ مُشْكِلٌ يُرَدُّ عِلْمُهُ إلَى اللهِ وَ رَسُولِهِ. قالَ رَسُولُ اللهِ صلِّى الله عليه و آله و سلَّم: حَلَالٌ بَيِّنٌ، وَ حَرَامٌ بَيِّنٌ، وَ شُبُهَاتٌ بَيْنَ ذَلِكَ. فَمَنْ تَرَكَ الشُّبُهاتِ نَجَى مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ؛ وَ مَنْ أخَذَ بِالشُّبُهاتِ ارْتَكَبَ الْمُحَرَّمَاتِ‌

    1. الآية ٣٦ من سورة ۱۰: يونس، و الآية ٢۸ من سورة ٥٣: النَّجم.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

128
  • وَ هَلَكَ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُ- ثُمَّ قال في آخر الحديث- فَإنَّ الْوُقُوفَ عِنْدَ الشُّبُهَاتِ خَيْرٌ مِنَ الإقْتِحَامِ في الْهَلَكَاتِ»۱.

  • و رواه الصَّدوق بإسناده عن داود بن الحصين مثلَه‌٢.

  • و رواه الشَّيخ بإسناده عن محمَّد بن عليّ بن محبوب، عن محمَّد بن عيسى مثله‌٣.

  • و ما رواه الحرُّ أيضاً عن محمَّد بن يحيى، عن أحمد بن محمَّد، عن الحسين بن سعيد، عن الحسين (الحسن- خ) بن الجارود، عن موسى بن بكر بن داب، عمَّن حدَّثه، عن أبي جعفر عليه‌السَّلام في حديث أنَّه قال لِزيد بن عليّ: «إنَّ اللهَ أحَلَّ حَلَالًا، وَ حَرَّمَ حَرَاماً، وَ فَرَضَ فَرائِضَ، وَ ضَرَبَ أمْثَالًا، وَ سَنَّ سُنَناً»- إلى أن قال عليه‌السَّلام- «فَإنْ كُنْتَ على بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَ يَقِينٍ مِنْ أمْرِكَ وَ تِبْيَانٍ مِنْ شَأنِكَ فَشَأنَكَ، وَ إلَّا فَلَا تَرُومَنَّ أمْراً أنْتَ مِنْهُ في شَكٍّ وَ شُبْهَةٍ»٤.

  • و غير ذلك من الرِّوايات الكثيرة المستفيضة جدّاً الدّالّة على النَّهي الوكيد عن الاقتحام في موارد الشُّبهة.

  • و على هذا إذا شككنا في شرطيَّة الذُّكورة في القضاءِ و الوِلاية و الإفتاء، على فرض عدم قيام دليلٍ اجتهاديّ، فالأصل يقتضي الذُّكوريَّة، لا أنَّه يقتضي عدَمها. فَيترتّب عليه حرمةُ تصدِّي الامور الوِلائيَّة للمرأة بتّاً.

    1. «الوسائل» الطبع البهادريّ، ج ٣، ص ٣۸۷، كتاب القضاء.
    2. «نفس المصدر السابق».
    3. «نفس المصدر السابق».
    4. .«نفس المصدر السابق».

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

129
  •  

  •  

  • الفصل الرابع 

  •  

  •  

  • الروايات الدالة على عدم جواز تولي المرأة القضاء و الحكومة و الافتاء

  •  

  •  

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

131
  • و أمَّا الروايات الواردة في المقام، أي في عدم جواز القضاءِ و الحكومة للمرأة؛

  • ۱- فمنها صحيحة أبي خديجة المتقدِّمة: «انْظُرُوا إلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ يَعْلَمُ شَيْئاً مِنْ قَضَائِنا (قَضَايَانَا- خ) فَاجْعَلُوهُ بَيْنَكُمْ، فَإنِّي قَدْ جَعَلْتُهُ قاضِياً. فَتَحاكَمُوا إلَيْهِ».

  • و صحيحته الاخرى: «إجْعَلُوا بَيْنَكُمْ رَجُلًا مِمَّنْ عَرَفَ حَلَالَنَا وَ حَرَامَنَا، فَإنِّي قَدْ جَعَلْتُهُ قَاضِياً». حيث إنَّ الإمام عليه‌السَّلام جعل الرَّجل فيها قاضياً. فمورد النَّصب عنوان الرَّجل، فهو الموضوع لهذا المنصب؛ و أمَّا المرأة فغير منصوبة، و الأصل فيها يقتضي العدم.

  • و هكذا التَّوقيع الشَّريف: «وَ أمَّا الْحَوَادِثُ الْوَاقِعَةُ ارْجِعُوا فِيهَا إلَى رُوَاةِ أحَادِيثِنَا فَإنَّهُمْ حُجَّتِي عَلَيْكُمْ وَ أنَا حُجَّةُ اللهِ». لأنَّ الرُّواة جمع للرَّاوي و هو مذكَّرٌ.

  • و بهما يقيَّد ما كان ظاهره الإطلاق من الرِّوايات مثل مقبولة عمر بن حنظلة: «يَنْظُرَانِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مِمَّنْ قَدْ رَوَى حَدِيثَنَا وَ نَظَرَ في حَلَالِنَا وَ حَرَامِنَا وَ عَرَفَ أحْكَامَنَا فَلْيَرْضَوْا بِهِ حَكَماً، فَإنِّي قَدْ جَعَلْتُهُ عَلَيْكُمْ حَاكِماً»، لو لم نقل بانصرافها إلى الرِّجال من حيث عدم تعارف تصدِّي النِّساءِ القضاءَ في تلك الأعصار، و إلَّا لما كان فيها إطلاقٌ من بَدءِ الأمر حتَّى تحتاج إلى التَّقييد.

  • و أمَّا الآيات نظير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى‌ أَهْلِها وَ إِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ}۱.

  • و قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ وَ لا

    1. الآية ٥۸، من السورة ٤: النساء.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

132
  • يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى‌ أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا}۱.

  • و قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَ لَوْ عَلى‌ أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلى‌ بِهِما فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى‌ أَنْ تَعْدِلُوا وَ إِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً}٢؛

  • و المفهوم المستفاد من قوله تعالى: {وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ}٣، و في آخر: {هُمُ الظَّالِمُونَ}٤، و في آخر: {هُمُ الْفاسِقُونَ}*٥،

  • فلا يستفاد منها الإطلاق، لعدم كونها في مقام بيان حدود الحكم و شرائِطه حتَّى يتمسَّك به؛ كما افيد في آية الجمعة: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى‌ ذِكْرِ اللَّهِ وَ ذَرُوا الْبَيْعَ}، النَّاظِرة إلى الحكم وقت وقوع النِّداءِ لا إلى أصل الصَّلاة.

  • و كذا الآية في باب الصَّيد، أي صيد الكلاب: فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ}؛ لا إطلاق لها من حيثيَّة أنواع اللُّحوم، حتَّى يتمسَّك بها لحلِّيَّة اللُّحوم التي لم يَرد فيها دليلٌ.

  • و في المقام أنَّ الآيات ناظرة إلى لزوم الحكم بالعدل، و عدم مانعيَّة شنآن قوم عنه و عدم مانعيَّة القرابة من الوَالِدَين و الأقربينَ عن الحكم بالقِسط، سواء كانوا فقراءَ أو أغنياءَ؛ فإذن لا إطلاق لها.

  • و على فرض وجوده يقيَّد بالصَّحيحتين.

  • لا يقال: الدَّليلان مثبتان، فلا تنافي بينهما حتَّى يكون المرجع التَّقييد.

    1. الآية ۸ من سورة ٥: المائدة.
    2. الآية ۱٣٥ من سورة ٤: النساء.
    3. آيات ٤٤ و ٤٥ و ٤۷ من سورة ٥: المائدة.
    4. «نفس المصدر السابق».
    5. «نفس المصدر السابق».

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

133
  • لأنَّه يقال: أظهريَّة دليل المقيَّد في التّقييد تُقدِّمه على إطلاق دليل المطلق، فيقيِّده بعد وحدة الموضوع، كما في «أعتق رقبةً» و «أعتق رقبةً مؤمنَةً».

  • و سرُّ الأظهريَّة لغويَّة ورود الحكم على القيد على فرض عدم دخالته.

  • لا يقال: إنَّ الحكم بنفي القضاءِ عن المرأة استناداً إلى الصَّحيحتين الدّالَّتين على لزوم المراجعة إلى الرَّجل، منوط بحجِّيَّة مفهوم القيد و اللَّقب، و قد ثبت عدمها.

  • لأنَّه يقال: إنَّ عنوان الرَّجل في الدَّليل كان موضوعاً للحكم؛ و التمسُّك بالموضوعيَّة أمرٌ، و التمسُّك بمفهوم اللَّقب أمر آخر.

  • لأنَّ المفهوم معناه النَّفي عن المرأة، و ليس بحجَّةٍ كما افيد؛ ولكنَّ الموضوعيَّة مفادها عدم الدَّليل على صحَّة الرُّجوع إليها، لمكان عدم شمول اللَّفظ لها إلَّا بإلغاءِ الخصوصيَّة.

  • و لا وجه لإلغائها بعد ما تقرِّر في محلِّه من أنَّ دليل اشتراك التَّكليف لا يأتي في الموضوعات و المناصِب.

  • و المحصَّل أن القضاءَ منصبٌ، و لابدَّ من إحراز موضوعه بالدَّليل، ففي الرَّجل قام الدَّليل؛ و أمَّا في المرأة فجريان الأصل يحكم بالعدم.

  • و مفهوم اللَّقب على فرض حجِّيَّته هو ظهور الدَّليل في النَّفي عن المرأة، و هو دليلٌ اجتهاديّ، و حيث لا حجَّيَّة له، فلا دليل لنا اجتهاديّاً على النَّفي عنها؛ بل الدَّليل هو جريان الأصل التعبُّديّ.

  • نَعَم من نَهَض لإثبات عدمه في المرأة بالدَّليل الاجتهاديّ من الرِّواية فلابدَّ من التمسُّك بمفهوم اللَّقب؛ و حيث لا حجِّيَّة له بل لا مفهوم له فليس النَّاهضُ بناهِضٍ.

  • ٢- و منها رواية جابر عن الباقر عليه‌السَّلام: «وَ لَا تَوَلَّى الْمَرْأةُ الْقَضَاءَ

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

134
  • وَ لَا تَوَلَّى الإمَارَةَ». و استدلّ بها في «المستند»۱.

  • و رواية حمَّاد بن عَمرو الطَّويلة و مُرْسَلَتا المطلَّب بن زياد و عَمرو بن عثمان ٢.

  • رواية حمَّاد هي ما رواه الصَّدوق في باب النَّوادر من كتابه: «مَنْ لا يحضُرهُ الفَقيه» و هي وصيَّةٌ كاملةٌ تامَّةٌ من رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلَّم إلى عليّ بن أبي طالب عليه‌السَّلام.

  • بإسناد الصَّدوق إلى حمَّاد بن عَمرو و أنَس بن محمَّد، عن أبيه جميعاً عن جعفر بن محمَّد، عن أبيه، جدِّه، عن عليّ بن أبي طالب عليهم السَّلام، عن النَّبيّ صلَّى الله عليه و آله و سلَّم، أنَّه قال:

  • «يَا عَلِيّ! اوصِيكَ بِوَصِيَّةٍ فَاحْفَظْهَا، فَلَا تَزَالُ بِخَيْرٍ مَا حَفِظْتَ وَصِيَّتِي». ثُمَّ عدَّ أشياءَ كثيرةً إلى أن قال:

  • «يَا عَلِيّ! لَيْسَ على النِّسَاءِ جُمْعَةٌ، وَ لَا جَمَاعَةٌ، وَ لَا أذَانٌ، وَ لَا إقَامَةٌ، وَ لَا عِيَادَةُ مَرِيضٍ، وَ لَا اتِّباعُ جِنَازَةٍ، وَ لا هَرْوَلَةٌ بَيْنَ الصَّفَا وَ الْمَرْوَةِ، وَ لَا اسْتِلَامُ الْحَجَرِ، وَ لَا حَلْقٌ، وَ لَا تَوَلَّى الْقَضَاءَ، وَ لَا تُسْتَشَارُ، وَ لَا تَذْبَحُ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ، وَ لَا تَجْهَرُ بِالتَّلْبِيَةِ، وَ لَا تُقِيمُ عِنْدَ قَبْرٍ، وَ لَا تَسْمَعُ الْخُطْبَةَ، وَ لَا تَتَوَلَّى التَّزْويجَ بِنَفْسِهَا، وَ لَا تَخْرُجُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا إلَّا بِإذْنِهِ؛ فَإنْ خَرَجَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَعَنَها اللهِ وَ جَبْرَئِيلُ وَ مِيكَائِيلُ، وَ لَا تُعْطِي مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا شَيْئاً إلَّا بِإذْنِهِ، وَ لَا تَبِيتُ وَ زَوْجُهَا عَلَيْهَا سَاخِطٌ وَ إنْ كَانَ ظالِمَاً لَهَا»- (الحديث).

  • و رواها في «الوسائل» عنه بهذا الإسناد: «وَ لَا تَوَلَّى الْقَضَاءَ»٣.

  • ذكر الصَّدوق في المشيخة: «و ما كان فيه عن حمَّاد بن عمرو و أنس بن محمَّد في وصيَّة النَّبيّ صلَّى الله عليه وآله و سلَّم لأميرالمؤمنين عليه‌السَّلام‌

    1. «المستند» ج ٢، ص ٥۱٩.
    2. «نفس المصدر السابق».
    3. «الوسائل» ج ٣، ص ٣٦٩، كتاب القضاء.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

135
  • فقد رويتُه عن محمَّد بن عليّ الشَّاه بمرو الرُّود قال: حدَّثنا أبوحامد أحمد بن محمَّد بن أحمد بن الحسين، قال: حدَّثنا أبو يزيد أحمد بن خالد الخالديّ، قال: حدَّثنا محمَّد بن أحمد بن صالح التَّميميّ، قال: أخبرنا أبي: أحمد بن صالح التَّميميّ، قال: أخبرنا محمّد بن حاتم القطّان، عن حمَّاد بن عَمرو، عن جعفر بن محمَّد، عن أبيه، عن جدِّه، عن عليّ بن أبي طالب عليهم السَّلام.

  • و رويتُه أيضاً عن محمَّد بن عليّ الشَّاه، قال: حدَّثنا أبوحامد، قال: أخبرنا أبويزيد، قال: أخبرنا محمَّد بن أحمد بن صالح التَّميميّ، قال: حدَّثنا أبي، قال: حدَّثني أنس بن محمَّد أبو مالك، عن أبيه، عن جعفر بن محمَّد، عن أبيه، عن جدِّه، عن عليّ بن أبي طالب عليهم السَّلام، عن النَّبيّ صلَّى الله عليه و آله و سلَّم قال له: «يَا عَليّ اوصيكَ بِوَصيَّةٍ» و ذَكَر الحديثَ بطوله.

  • أقول: إنَّ حمَّاد بن عمرو يمكن أن يكون هو النَّصيبيّ، و هو غير مذكور؛ و هكذا أنس بن محمَّد. و في الطَّريق إليهما مجاهيل كأنَّهم من العامَّة.

  • لكنَّ الفقهاءَ- رضوانُ الله عليهم- ذكروا هذه الفصول من الوصيَّة في كُتُبهم، و بَثّوها في أبواب الفِقه، و استشهدوا بها في غير موضعٍ.

  • و أورد الصَّدوقُ هذه الفقرات المتعلِّقة بالنِّساءِ في كتاب «الخصال» عندَ عدِّه الأبواب التِّسعة عشر بالإسناد الأوَّل فقطّ؛ و أوردها الشّيخ الطبرسيّ في كتابه «مكارم الأخلاق».

  • و قوله: «لَيْسَ عَلَيْهِنَّ» ظاهر في عدم وضع هذه الامور على عهدتهنَّ، فلا تصحُّ منهنَّ. و ما قيل من أنَّ الإقامَة للصَّلاة و عيادةَ المريض و الجماعَة مرغوب فيها بالنِّسبة إليهنَّ، و إنَّما تتكفَّل الرِّواية لرفع الإلزام فقطّ، مع أنَّه قابلٌ للمناقشة و الذَّهاب إلى عدم المرغوبيَّة بالنِّسبة إليهنَّ كما هو الظَّاهر، لا

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

136
  • ينافي إبقاءَ ساير الفقرات على حالها من عدم الوضع في حقِّهنَّ، فلا تكون مطلوبة بحال.

  • قال في «الجواهر» بعد نقل الإجماع على عدم جواز تولِّيها القضاءَ: لما سمعتَ من النَّبويّ: «لَا يُفْلِحُ قَوْمٌ وَلِيَتْهُمُ امْرَأةٌ»؛ و في آخر: «لَا تَتَوَلَّى الْمَرْأةُ الْقَضَاءَ»، و وصيَّة النَّبيّ صلَّى الله عليه و آله و سلَّم المرويَّة في «الفقيه» بإسناده عن حمَّاد: «يَا عَلِيّ لَيْسَ على الْمَرْأةِ جُمْعَةٌ وَ لَا جَمَاعَةٌ»- إلى أن قال- «وَ لَا تَوَلَّى الْقَضَاءَ»؛ مؤيّداً بنقصها عن هذا المنصب و إنَّها لا يليق لها مجالسة الرِّجال و رفع الصَّوت بينهم، و بأنَّ المُنساقَ من نصوص النَّصب في الغيبة و غيرها بل في بعضها التَّصريح بالرَّجل، لا أقلَّ من الشَّكِّ و الأصل عدم الإذن» انتهى‌۱.

  • و قال في «مفتاح الكرامة»: «و أمَّا المرأة فلما ورد في خير جابر عن الباقر عليه‌السَّلام: «وَ لَا تَوَلَّى الْقَضَاءَ امْرَأةٌ». و قد أنكر الدَّليل المقدَّس الأردبيليّ- ره- إن لم يكن إجماع؛ و هذا خبر منجبر بالشُّهرة العظيمة إن أنكر الإجماع؛ مع ما ورد من نقصان عقلها و دينها و عدم صلاحيَّتها في الصَّلاة للرَّجل، و إنَّ شهادتها نصفُ شهادة غالباً» انتهى‌٢.

  • أقول: ما ذكره- رحمه الله- من جُبران الخبر بالشُّهرة، غير ما سبق منَّا من قيام السِّيرة المحققَّة في المقام؛ لأنَّ السِّيرة بنفسها دليلٌ تامٌّ لما نحن بصدده؛ و أمَّا انجبار الخبر بالشُّهرة فالحُجَّة هو الخبر ولكنَّ ضعفَه ينجبر بها.

  • ٣- رواياتُ أبناءِ نُباتَة و أبي المِقدام و كَثير: «لَا تُمَلِّكِ الْمَرْأةَ (لَا تَمْلِكُ الْمَرْأةُ خ ل) مِنَ الأمْرِ ما يُجاوِزُ نَفْسَهَا»٣.

    1. «الجواهر» الطبع الملّفق، كتاب القضاء، ص ٢.
    2. «مفتاح الكرامة» ج ۱۰، ص ٩، كتاب القضاء.
    3. «المستند» ج ٢، ص ٥۱٩، كتاب القضاء.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

137
  • و كذلك قول أميرالمؤمنين عليه‌السَّلام لابنه الحَسن عليه‌السَّلام في الوصيَّة التي كَتَبها بحاضِرَيْنِ، و هي من أحسن وصاياه؛ قال فيها:

  • «وَ لَا تُمَلِّكِ الْمَرْأةَ مَا جَاوَزَ نَفْسَهَا؛ فَإنَّ الْمَرْأةَ رَيْحَانَةٌ، وَ لَيْسَتْ بِقَهْرَمَانَةٍ»۱.

  • و الامور التي جاوَزَتْ نفسَها تحتمل أحدَ معنيين:

  • الأوَّل: الامور الخارجة عن شؤونها و ما تختصُّ بها من الامور الرَّاجعة إلى النِّساء.

  • الثَّاني: الامور الخارجة عن سَعَتها و عن حِيطَةِ قدرتها و التَّمكُّن عليها.

  • و هذا أقوى لمكان التَّعليل بأنَّها ريحانةٌ و لَيستْ بقهرمانة؛ و يُحتمل أن يُراد كلا المعنيين باستعمال «ما جاوز» في الجامع الأعمِّ؛ و لا ينافيه التَّعليل أيضاً بل يناسبه.

  • و معلوم أنَّ الحكومةَ و القضاءَ من الامور الصَّعبة، بل من أصعب الامور تحمُّلًا، و تَحتاجان إلى بسطةٍ في العلم و الجسم، وَ سَعةٍ في الإدراك، و بصيرةٍ عميقةٍ، و ذكاءٍ دقيقٍ، و صبرٍ جميلٍ، و إرادةٍ كافيةٍ، و قوَّةِ فعلٍ بلا انفعالٍ، و تأثيرٍ بلا تأثُّرٍ؛ و إلَّا لا نجرَّ إلى خلافِ المطلُوب، و لُادِّيَ إلى نقيض المَقصود من الكَسَل و الفَشَل و الوَهْنِ و الأفْنِ‌٢.

  • و لعلَّ ما أشار إليه- صلوات الله عليه- في الفقرة السَّابقة من هذه الوصيَّة و هو قوله: «وَ إيَّاكَ وَ مُشَاوَرَةَ النِّساءِ فإنَّ رَ أيَهُنَّ إلَى أفْنٍ، وَ عَزْمَهُنَّ إلَى وَهْنٍ»، يدلُّنا على هذا الأصل.

  • هذا مضافاً إلى أنَّ الحكومةَ و القضاءَ لا تَخلوان غالباً من المُشاورة؛

    1. «نهج البلاغة» باب الكتب ص ٥٦، من طبع عبده بمصر.
    2. ابن أبي الحديد ضبطه بسكون الفاء بمعني النقص، و المتأفّن المتنقِّص. قال: و من رواه بالتحريك فهو ضعيف الرَّأي. «شرح ابن أبي الحديد» ج ۱٦، ص ۱٢٣ و ص ۱٢٤.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

138
  • فإذا لم تكن نفوس النِّساءِ قابلةً لأن تُشاوَرَ فكيف تُجعل مركزاً للحكم و القَضاءِ و تَستدعي غيرَها للمشاورة؟

  • قال الشَّيخ محمَّد عبدُه عند شرح قوله عليه‌السَّلام: «فإنَّ الْمَرْأةَ رَيْحَانَةٌ وَ لَيْسَتْ بِقَهْرَمَانَةٍ»: «أين هذه الوصيَّة من حال الَّذين يَصِرفُون النِّساءَ في مصالح الامَّة بل و من يختصُّ بخدمتهنَّ كَرامةً لهنَّ»۱.

  • أقول: و بالتَّأمُّل الدَّقيق أيضاً في قوله عليه‌السَّلام بعد ذلك: «وَ لَا تَعْدُ بِكَرَامَتِهَا نَفْسَهَا، وَ لَا تُطْمِعْهَا في أنْ تَشْفَعَ بِغَيْرِهَا»٢، ما يدلُّنا على المقصود.

  • و بالجملة إنَّ في المرأة حالَة رقَّةٍ و لطفٍ و إحساسٍ و انفعالٍ مرتكزٍ في النَّفس، كما أنَّ خلقَتها الطَّبيعيَّة جُعلت للانفعال بالتَّأثُّر من النُّطفة و قبولها.

  • و هذه الرُّوحيَّة الانفعاليَّة تُنافي و تُخالف ما هو محتاج إلى فعلٍ قويّ و تأثيرٍ شديدٍ؛ كما في الحاكم و القاضي؛ و قد عرفتَ وصيَّة أميرالمؤمنين عليه السَّلام للأشتر في كتابه إليه:

  • «ثُمَّ اخْتَرْ لِلْحُكْمِ بَيْنَ النَّاسِ أفْضَلَ رَعِيَّتِكَ في نَفْسِكَ مِمَّنْ لَا تَضِيقُ بِهِ الامُورُ، وَ لَا تُمْحِكُهُ الْخُصُومُ، وَ لَا يَتَمادَى في الزَّلَّةِ، وَ لَا يَحْصَرُ مِنَ الْفَيْ‌ءِ إلَى الْحَقِّ إذَا عَرَفَهُ، وَ لَا تُشْرِفُ نَفْسُهُ على طَمَعٍ، وَ لَا يَكْتَفِي بِأدْنَى فَهْمٍ دُونَ الْخَصْمِ، وَ أصْبَرَهُمْ على تَكَشُّفِ الامُورِ، وَ أصْرَمَهُمْ عِنْدَ اتِّضَاحِ الْحُكْمِ، مِمَّنْ لَا يَزْدَهِيهِ إطْرَاءٌ، وَ لَا يَسْتَمِيلُهُ إغْرَاءٌ؛ وَ اولَئِكَ قَلِيلٌ».

  • و لعمري هذه الوصيَّة تليق أن تُكتب بالنُّور على أحداق الحُور، لا بِالحبر على الأوراق، و لا بالتِّبرِ على الأشْفَاق.

    1. تعليقة عبدُه ص ٥٦ من باب الكتب من «النهج».
    2. ورد في ضبط ابن أبي الحديد: في أن تشفع لغيرها باللَّام. «شرح ابن أبي الحديد» ج ۱٦، ص ۱٢٢، بتحقيق محمّد أبوالفضل إبراهيم.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

139
  • لطيفةٌ: إنَّ في استعارته عليه‌السَّلام بأنَّ المرأة ريحانةٌ سِرّاً عجيباً يَحوي جميع ما أسلفناه من لطافة المرأة و رقَّتها و إحساسها و سائر صفاتها؛ لأنَّ الرَّيحان بمعنى النَّبات الطَّيِّب الرّائِحة مثل الوَرد، و الرَّيحانة باقَة الرَّيحان و هي الحُزمة من الزُّهور و البقل الطَّيِّب الرائِحة. و حيث إنّ الرَّيحان حياته و تحقُّقه ببقائِه في الحدائق و البَساتين، متَّصلةً بتُخُومِهِ و مَباديه تحت ظلال الأشجار؛ و منه نهاية لطافتهِ إذا هَبَّتْ ريح شديد تناثَرَت أوراقُه و ذَهَبت لطافته و رائِحته، فيسرع إلى مرتبة البَوار و الهلاك؛ فكذلك المرأة حيث لم تخلق قهرمانةً حتّى تتحمَّل الشدائِد، و تحكم في الامور، و تتصرَّف فيها بأمرها، فلابدَّ من أن تحفظ في حَديقة المعارف و الكَرامات، و تشتغل بأمر نفسها و لا تتجاوز عنها.

  • فإذا ادخلت في أندية الرِّجال، أو جُعلت متصدِّيةً لِمَهامِّ الامور، هَبَّت عليها ريحٌ عقيمٌ فَكَسَّرتها، و سَلَبت عنها ما أودعه اللهُ في فطرتها من الغرائِز اللَّطيفة المناسبة لها، و أذهبت رائِحتَها الطَّيِّبةَ النَّفسانيَّةَ؛ و في ذلك إبطالٌ لوجودِها و صفاتِها؛ فظلمٌ لا يُغفر.

  • ٤- ما رواه البُخاريّ في موضعين من كتابه: الأوَّل في كتاب المَغازي، و الثَّاني في كتاب الفِتَن، قال: حدَّثنا عثمانُ بن الهَيْثَم، حدَّثنا عَوف، عن الحَسَن، عن أبي بَكرة، قال: «لَقَدْ نَفَعَنِيَ اللهُ بِكَلِمَةٍ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صلَّى الله عليه (وآله) و سلَّم، أيَّامَ جَمَلٍ فَاقَاتِلُ مَعَهُمْ. قالَ: لَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللهِ صلَّى الله عليه (وآله) و سلَّم، أنَّ أهْلَ فَارْسٍ‌۱ قَدْ مَلَّكُوا عَلَيْهِمْ بِنْتَ‌

    1. ذكر القسطلانيّ في «إرشاد الساري إلى شرح صحيح البخاريّ» في الجزء العاشر منه، كتاب الفتن ص ٢۱٩: «إنّ فارساً بالصَّرف في جميع النسخ، نسخ الحفّاظ أبي محمّد الأصيليّ، و أبي ذرّ الهرويّ، و الأصل المسموع على أبي- الوقت. و في أصل أبي القاسم الدّمشقيّ غير مصروف، و قال ابن مالك: كذا وقع مصروفاً، و الصّواب عدم صرفه. و قال في «الكواكب» يطلق على الفُرس و على بلادهم، فعلى الأوّل يجب الصرف إلّا أن يقال المراد القبيلة. و على الثاني يجوز الأمران كسائر البلاد.- إلى أن قال- و احتجَّ به (أي بهذا الحديث) من منع قضاء المرأة و هو قول الجمهور. و قال أبوحنيفة تقضي فيما يجوز فيه شهادتهنّ. و زاد الإسماعيليّ من طريق النّضر بن شميل عن عَوف في آخره: قال أبوو بكرة: فعرفت أنّ أصحاب الجمل لن يفلحوا» و ذكر في الجزء السّادس من «الإرشاد» كتاب المغازي ص ٥۱٣ عند شرحه لهذا الحديث: «و مذهب الجمهور أنّ المرأة لاتلي الإمارة و لا القضاء و أجازه الطبريّ و هي رواية عن مالك. و عن أبي حنيفة تلي الحكم فيما يجوز فيه شهادة النّساء».

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

140
  • كِسْرَى، قَالَ: لَن يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أمْرَهُمُ امْرَأةً»۱.

  • و هذا الحديث موجودٌ في جميع نسخ البخاريّ، القديمة منها و الحديثة، و في جميع شروحه كـ- «إرشاد السَّاري» و «عُمدةِ القَاري» و غيرهما.

  • و رواه أيضاً النَّسائِيّ بسند آخر في كتاب القَضاءِ عن أبي بَكرة، قال: «عَصَمَنِيَ اللهُ بِشَيْ‌ءٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلَّى الله عليه (و آله) و سلَّم؛ لَمَّا هَلَكَ كِسْرَى قالَ: مَنِ اسْتَخْلَفُوا؟.

  • قَالُوا: بِنْتَهُ. قَالَ: «لَنْ يُفْلِح قَوْمٌ وَلَّوْا أمْرَهُمُ امْرَأةً»٢.

  • و رواه أيضاً أبوعيسى الترمذيّ في باب ۷٥ من كتاب الفتن بين ما رواه النَّسائِيّ، و في ذيله قال (أي أبوبكرة): «فَلَمّا قَدِمَتْ عَائِشَةُ تَعْنِي الْبَصْرَةَ ذَكَرْتُ قَوْلُ رَسُولِ الله صلّى الله عليه (و آله) و سلَّم فَعَصَمَنِيَ اللهُ بِهِ». قال أبو عيسى: هذا حَديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‌٣.

  • و اللَّفظ أيضاً مختلف، فقد ورد أيضاً «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ أسْنَدُوا أمْرَهُمْ إلَى امْرَأةٍ». و رواه في «تحف العقول» بعين هذه العبارة٤. ولكن لمَّا رواه في «البحار» عن «تحف العقول» ابدل لفظةُ أسْنَدُوا إلى أسْدَوْا٥.

  • و في «نهاية» ابن الأثير أورده في مادَّة قَيَمَ: «مَا أفْلَحَ قَوْمٌ قَيِّمُهُمُ‌

    1. «صحيح البخاريّ» ج ٣، كتاب المغازي، ص ٦۰، و أيضاً في ج ٤ كتاب الفتن ص ۱٥٤، المطبوع في المطبعة العثمانية المصرية سنة ۱٣٥۱.
    2. «سنن النسائي» ج ۸، كتاب آداب القضاة، ص ٢٢۷، المطبعة المصرية بالأزهر.
    3. «الترمذي» ج ٤، ص ٥٢۷ و ص ٥٢۸، مطبعة مصطفي البابي.
    4. «تحف العقول» مطبعة الحيدريّ، ص ٣٥.
    5. «بحار الأنوار»، الطبع الجديد، ج ۷۷ ص ۱٣۸.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

141
  • امْرَأةٌ»۱.

  • و حكى في تعليقتها عن الهَرَويّ و اللِّسانِ: «مَا أفْلَحَ قوم قَيِّمَتُهُمُ امْرَأةٌ»٢.

  • وفي «الجواهر»: «لَا يُفْلِحُ قَوْمٌ وَلِيَتْهُمُ امْرَأةٌ»٣.

  • وفي «المستند»: «لَا يَصْلَحُ قَوْمٌ وَلِيتْهُمُ امْرَأةٌ»٤.

  • إعلم أنَّ هذا الحديث مشهورٌ عند العامَّة مستفيضٌ، ذكروه في كتبهم من التَّفسير و الحديث و التاريخ و السِّيرة، و حكى عنهم علماؤنا و ذكروه في كُتبهم الفقهيَّة، و استدلُّوا به في غير موضعٍ بحيث يمكن أن يُدَّعى انجبار ضعف سَنَدِهِ بالشُّهرة العَظيمة المحققَّة البالغة حدَّ الإجماع.

  • لا يقال: إنَّ انجبار السَنَد بالشُّهرة إنَّما هو فيما يعلم استناد العُلماءِ بالخَبَر؛ و في المقام غيرُ معلوم.

  • لأنَّه يقال: كفى في الاستناد إليه ذِكْره في الكُتُب و الاستشهاد به، بل الاستدلال بعنوان الحديث النَّبويّ صلَّى الله عليه و آله و سلَّم؛ و كثيرٌ من ضِعاف رواياتنا المعمولِ بها بانجبار سَنَدها بالشُّهرة لم يكن أزيد من هذه المثابَة؛ فللمتأمِّل البَصير و الفقيه الخبير غنًي و كفايةٌ.

  • و أمَّا أبوبَكرة الرَّاوي لهذا الحديث فهو من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلَّم، و سكن البَصرة و أقام بها و كان من رجالها المعروفين بالعبادة و الصِّدق، و لم يظهر لنا قدح له في كتب الرِّجال بل تَنَحِّيهِ عن أصحاب الجَمَل يدلُّ على بصيرته و إن لم تكن على حدٍّ يلحقه بأصحاب أمير

    1. «النّهاية» ج ٤، ص ۱٣٥.
    2. «نفس المصدر السابق».
    3. «الجواهر» كتاب القضاء، ص ٢، الطبع الملفَّق.
    4. «المستند» ج ٢، كتاب القضاء، ص ٥۱٩. و في «كنز العُمّال» ج ٦، ص ۱۱ حديث ٩٤ أسند إلي البخاريّ و الترمذيّ و ابن ماجه و أحمد بن حنبل أنّهم روّوا عن أبي بكرة: «لن يفلح قومٌ وَلَّوا أمرَهم امرأة». و فيه أيضاً ج ٦، ص ۱٥ حديث ۱٣۷ أسند إلي ابن أبي شيبة أنّه روي عن أبي بكرة: «لن يُفلح قوم أسنَدوا أمرَهم إلي امرأةٍ».

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

142
  • المؤمنين عليه‌السَّلام و الجِهاد بين يديه كأصحابه و شيعته المُوالين- رضوان الله عليهم أجمعين-.

  • ذكر ترجمته العلماءُ من أهل السُّنَّة. قال ابن حجر العسقلانيّ الشَّافعيّ في «الإصابة»: «نُفَيْع بن الحَرث و يقال: ابن مسروج، و به جَزَمَ ابنُ سعد، و أخرج أبوأحمد من طريق أبي عثمان النَّهديّ عن أبي بَكرة أنَّه قال: «أنا مولى رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلَّم فأبى النّاس إلَّا أن يَنْسبوني، فأنا نُفَيع بن مَسروح». و قيل اسمه مَسروح، و به جَزَمَ ابنُ إسحاق. مشهورٌ بكُنيته و كان من فُضلاءِ الصَّحابة و سَكَنَ البَصرة، و أنجب أولاداً لهم شهرةٌ. و كان تَدَلَّى إلى النَّبيّ صلَّى الله عليه و آله و سلَّم من حِصن الطَّائف بِبَكْرَة فَاشْتَهَرَ بأبي بَكْرَة. وَ رَوي عن النَّبيّ صلَّى الله تعالى عليه و آله و سلَّم؛ و رَوَي عنه أولاده»۱.

  • و ذكر ابنُ عبدالبرِّ في «الاستيعاب»: «أبوبَكْرَة الثَّقَفيّ اسمه نُفَيْع بن مَسروح، و قيل: نُفَيْع بن الحارث ... و امُّ أبي بَكرة سُمَيَّة جاريةُ الحارثِ بن كَلْدَة؛ و قد ذكرنا خبرَها في باب «زياد» لأنَّها امُّهُما؛ و كان أبوبَكرة يقول: «أنا مولى رسول الله صلّى الله عليه (و آله) و سلَّم» و يَأبَى أن يَنتسبَ، و كان قد نَزَلَ يَوْمَ الطَّائِف إلى رسول الله صلّى الله عليه (و آله) و سلَّم؛ فكان يقول: «أنا مولى رسول الله صلّى الله عليه (و آله) و سلَّم». و قد عُدَّ في مَواليه.- ثمَّ قال ...- قال أحمد بن زُهَير: إنَّ أبا بَكرة كان من فضلاءِ الصَّحابة، و هو الذي شَهِدَ على المُغيرَة بن شَعبة، فَبَتَّ الشَّهادة، و جَلَّده عُمر حَدَّ القَذْف إذ لم تَتمّ الشَّهادةُ؛ ثمَّ قال له عُمر: تُبْ تُقْبَلْ شَهادَتُكَ.

  • فقال له: «إنَّما تَسْتَتِيبني لِتَقْبَلَ شَهادَتِي؟

  • قال: أجَلْ.

  • قال: لَا جَرَمَ أنِّي لا أشْهَدُ بَيْنَ اثْنَيْنِ أبَداً مَا بَقيتُ في الدُّنْيا.

    1. «الإصابة» ج ٣ حرف النون‌نفيع‌ص ٥٤٢، مطبعة مصطفي محمّد بمصر سنة ۱٣٥۸.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

143
  • و رَوَى ابن عُيَيْنَة و ابنُ مسلم الطَّائِفيّ، عن إبراهيم بن مَيْسَرة، عن سعيد بن المَسَيِّب، قال: «شَهِدَ على المُغِيرَة ثَلاثةٌ، و نَكَلَ زيادٌ، فَجَلَّد عُمَرُ الثَّلاثَةَ؛ ثُمَّ اسْتَتَابَهُم، فَتَابَ اثْنانِ فَجَازَتْ شَهادتُهما؛ و أبي أبوبَكرة أن يَتُوبَ». و كان مِثْل النَّصل في العبادة حتَّى ماتَ.

  • قيل: إنَّ رسول الله صلّى الله عليه (و آله) و سلَّم كَنَّاه بأبي بَكرة، لأنَّه تَعَلَّقَ بِبَكْرَةٍ مِن حِصْن الطَّائِفَ، فَنزل إلى رسول الله صلّى الله عليه (و آله) و سلَّم.

  • و كان أولاده أشرافاً بالبَصْرَة بالولايات و العلم، و له عَقِبٌ كثيرٌ. و تُوُفِّي أبوبَكرة بالبَصْرَة سنةَ إحدى، و قيل: سنةَ اثنتين و خمسين، و أوصى أن يُصلِّي عليه أبوبَرزة الأسْلَمِيّ، فصلَّى عليه. قال الحَسَن البَصْريّ: لم يَنْزِل البَصرة من الصَّحابة ممَّن سَكَنَها أفضلَ من عِمْرانَ بن الحَصين و أبي بَكْرَة»۱.

  • ٥- روى أبوعيسى محمَّد بن عيسى بن سَوْرَة التِّرمَذِيّ في «صحيح»- ه في باب ۷۸ من كتاب الفتن، قال: حدَّثنا أحمد بن سعيد الأشْقَر، حدَّثنا يونس بن محمَّد و هاشِم بن القَاسِم قالا، حدَّثنا صَالْح المُرِّيّ، عن سَعِيدٍ الجُرَيْرِيّ، عن أبي عثمان النَّهديّ، عن أبي هُرَيرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه (و آله) و سلَّم:

  • «إذَا كَانَ امَرَاؤُكُمْ خِيَارَكُمْ، وَ أغْنِيَاؤُكُمْ سُمَحَاءَكُمْ، و امُورُكُمْ شُورَى بَيْنَكُمْ، فَظَهْرُ الأرْضِ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ بَطْنِها، وَ إذَا كَانَ امَرَاؤُكُمْ شِرَارَكُمْ، وَ أغْنِيَاؤُكُمْ بُخَلَاءَكُمْ، و امُورُكُمْ إلَى نِسَائِكُمْ فَبَطْنُ الأرْضِ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ ظَهْرِهَا».

  • قال أبوعيسى: هذا حديثٌ غريبٌ لا نَعْرِفُه إلَّا مِنْ حديثِ صَالِحٍ‌

    1. «الاستيعاب» ج ٤، كتاب الكني، باب الباءِأبوبكرةص ۱٦۱٤، طبعة نهضة مصر.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

144
  • المُرِّيّ. و صَالِحٌ المُرِّيّ في حديث غرائِبُ يَنْفَرد بها لا يُتَابَعُ عَلَيْها، و هو رجُلٌ صَالِحٌ‌۱.

  • ٦- الرِّوايات الواردة في النَّهي عن إطاعة النِّساءِ على الإطلاق؛ و مفادها مع فرض وِلايتهنَّ في الامور بالنِّسبة إلى القضاءِ و الحكومة في طَرَفِي النَّقيض.

  • فمنها: مرسلة من «لا يحضره الفقيه»: «يَا مَعاشِرَ النَّاسِ لَا تُطِيعُوا النِّسَاءَ على حَالٍ، وَ لَا تَأمَنُوهُنَّ على مَالٍ»٢.

  • و منها: رواية الحُسين بن المُختار: «إتَّقُوا شِرَارَ النِّساءِ، وَ كُونُوا مِنْ خِيَارِهِنَّ على حَذَرٍ؛ وَ إنْ أمَرْنَكُمْ فَخَالِفُوهُنَّ، كَيْلَا يَطْمَعْنَ مِنْكُمْ في الْمنْكَرِ»٣.

  • و منها: ما يأتي من «نَهج البَلاغة»: «فَاتَّقُوا شِرَارَ النِّسَاءِ، وَ كُونُوا مِنْ خِيَارِهِنَّ على حَذَرٍ؛ وَ لَا تُطِيعُوهُنَّ في الْمَعْرُوفِ حَتَّى لَا يَطْمَعْنَ في الْمُنْكَرِ».

  • ۷- الرِّوايات الدّالَّة على ضعف النِّساءِ في القُوَى و الأنْفُسِ و العُقُولِ، و أنَّهنَّ لَا يُسْتَشَرْنَ في الامور الرَّاجعة إلى السُّلطان و السِّياسة.

  • منها: ما في «نَهج البَلاغة» أنَّ أميرالمؤمنين عليه‌السَّلام عَدَّ من فَساد الزَّمان ما يكون السُّلطانُ فيه بمَشورة النِّساءِ، قال: «يَأتِي على النَّاسِ زَمَانٌ لَا يُقَرَّبُ فِيهِ إلَّا الْمَاحِلُ، وَ لَا يُظَرَّفُ فيهِ إلَّا الْفَاجِرُ، وَ لَا يُضَعَّفُ فيهِ إلَّا الْمُنْصِفُ، يَعُدُّونَ الصَّدَقَةَ فِيهِ غُرْماً، وَ صِلَةَ الرَّحَمِ مَنّاً، و الْعِبادَةَ اسْتِطَالَةً على النَّاسِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَكُونُ السُّلْطَانُ بِمَشُورَةِ النِّسَاءِ، وَ إمَارَةِ الصِّبْيَانِ‌

    1. «الترمذي» ج ٤، كتاب الفتن، ص ٥٢٩ و ص ٥٣۰، مطبعة مصطفي البابي بمصر.
    2. .«المستند» ج ٢، ص ٥۱٩، كتاب القضاء.
    3. .«النّهج» الخطبه ۷۸، ص ۱٢٩، طبع عَبدُه بمصر.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

145
  • وَ تَدْبِيرِ الْخِصْيَانِ»۱.

  • و منها: ما في «النَّهج» من وصيَّةٍ له عليه‌السَّلام لِعَسكرة قبل لقاءِ العدوِّ بِصفِّين؛ إلى أن قال عليه‌السَّلام: «فَإذَا كانَتِ الْهَزِيمَةُ بِإذْنِ اللهِ فَلَا تَقْتُلُوا مُدْبِراً، وَ لَا تُصِيبُوا مُعْوِراً، وَ لَا تُجْهِزُوا على جَرِيحٍ، وَ لَا تَهِيجُوا النِّساءَ بِأذًى وَ إنْ شَتَمْنَ أعْرَاضَكُمْ وَ سَبَبْنَ امَرَاءَكُمْ، فَإنَّهُنَّ ضَعيفَاتُ الْقُوَى وَ الأنْفُسِ وَ الْعُقُولِ. إنْ كُنَّا لَنُؤْمَرُ بِالْكَفِّ عَنْهُنَّ وَ إنَّهُنَّ لَمُشْرِكَاتٌ. وَ إنْ كَانَ الرَّجُلُ مِنَّا لَيَتَنَاوَلُ الْمَرْأةُ في الْجَاهِلِيَّةِ بِالْفِهْرِ أوِ الْهِرَاوَةِ٢ فَيُعَيَّرُ بِهَا وَ عَقِبُهُ مِنْ بَعْدِهِ»٣.

  • و منها: ما في «النَّهج» من أنّه عليه‌السَّلام لما ذَمَّ عائِشَةَ لذهابها إلى البَصرة راكِبةً لِجَمَلها للغَزَاةِ عليه، فقد نَسَبها إلى ضِغْنٍ خاصٍّ لها بالنِّسبة إليه عليه‌السَّلام، مضافاً إلى ما فيها من رأي النِّساءِ. و حَيْثُما دارَتِ النِّساءُ من حيث كونهنَّ نِساءً دار هذا الرَّأي معهنَّ.

  • قال عليه‌السَّلام: «وَ أمَّا فُلَانَةُ فَقَدَ أدْرَكَهَا ضَعْفُ رَأيِ النِّساءِ، وَ ضِغْنٌ قَدْ غَلَا في صَدْرِهَا كَمِرْجَلِ الْقَيْنِ، وَ لَوْ دُعِيَتْ لِتَنَالَ مِنْ غَيْرِي مَا أتَتْ بِهِ إلَيّ لَمْ تَفْعلْ، وَ لَهَا بَعْدَ ذَلِكَ حُرْمَتُهَا الاولَى، وَ الْحِسَابُ على اللهِ يَعْفُو عَمَّنْ يَشَاءُ وَ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ»٤.

  • هذا، و قد خطب‌ عليه‌السَّلام بعد حَرب الجَمَل و قال في خطبته المذكورة في «النَّهج»:

  • «مَعَاشِرَ النَّاسِ إنَّ النِّساءَ نَوَاقِصُ الإيمَانِ، نَواقِصُ الْحُظُوظِ، نَوَاقِصُ‌

    1. «النّهج» باب الحكم، ص ۱٥٩.
    2. الفِهْر- بالكسر- الحجر على مقدار ما يدقّ به الجوز أو يملأ الكفّ. و الهِرَاوة- بالكسر- العصا أو شبه الدَّبُّوس من الخشب.
    3. «النّهج» ج ٢، باب الكتب عدد ۱٤، ص ۱٥ من طبع عبده بمصر.
    4. «النَّهج» ج ۱، باب الخطب، خطبة ۱٥٤، ص ٢۸٣. و أورده الطبريّ في تاريخه عند ختام وقعة الجمل بأدني مخالفة في اللفظ، ج ٣، ص ٥٤٤.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

146
  • الْعُقُولِ. فَأمَّا نُقْصَانُ إيمَانِهِنَّ فَقُعُودُهُنَّ عَنِ الصَّلَاةِ وَ الصِّيَامِ في أيَّامِ حَيْضِهِنَّ. وَ أمَّا نُقْصَانُ خُظُوظِهِنَّ فَمَوَارِيثُهُنَّ على الإنْصَافِ مِنْ مَوَارِيثِ الرِّجَالِ. وَ أمَّا نُقْصَانُ عُقُولِهِنَّ فَشَهَادَةُ امْرَأتَيْنِ كَشَهَادَةِ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ. فَاتَّقُوا شِرَارَ النِّسَاءِ، وَ كُونُوا مِن خِيَارِهِنَّ على حَذَرٍ، وَ لَا تُطِيعُوهُنَّ في الْمَعْرُوفِ حَتَّى لَا يَطْمَعْن في الْمُنْكَرِ»۱.

  • و قد ذكر الشَّيخ محمَّد عَبْدُه عند شَرحه لقوله عليه‌السَّلام: «وَ لَا تُطيعُوهُنَّ في الْمَعْرُوفِ»، ما هذا لفظه: «لا يُريد أن يُترك المعروفُ لِمجرّد أمرهنَّ به فإنَّ في تَرك المعروفِ مخالفةَ السُّنَّة الصَّالحة خُصوصاً إذا كان المعروفُ من الواجبات. بل يُريد أن لا يكونَ المعروفُ صادراً عن مُجرَّد طاعتهنَّ، فإذا أمَرَتْ معروفاً لأنَّه معروفٌ و لا تَفعله امتثالًا لأمر المَرْأةِ.

  • و لقد قال الإمام قولًا صَدَّقَتْه التَّجاربُ في الأحقاب المُتَطاولة، و لا استثناءَ ممَّا قال إلَّا بعضاً منهنَّ وُهِبْنَ فِطْرَةً تَفُوق في سُموِّها ما اسْتَوَتْ به الفِطن أو تَقَارَب أو أخذَ سُلطانٌ من التَّربيةِ طباعَهنَّ على خِلافِ ما غُرِز فيها وَ حَوَّلها إلى غير ما وَجَّهَتْها الجِبِلَّة إليه‌٢.

  • أقول: استند الإمام عليه‌السَّلام ظاهراً على نُقصانهنَّ بما في الكتاب و السُّنَّة. أمَّا الكتابُ فقوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ}٣. و كذلك بالنِّسبة إلى الزَّوج و الزَّوجة، حيث إنَّ سَهم الزَّوج نصفُ مالِها إن لم يكن لها ولدٌ، و ربعُهُ إن كان لها ولدٌ؛ و إنَّ سَهم الزَّوجة ربعُ مالِه إن لم يكن له ولدٌ، و ثُمنُه إن كان له ولدٌ؛ و هكذا الأمر في أقرباء الأب، كما في حقِّ الأجدادِ و الجدَّات و الأعمامِ و العمَّات و الإخوةِ و الأخواتِ من ناحية الأبِ.

    1. «النَّهج» ج ۱، باب الخطب، ص ۱٢٩ من طبع عبده بمصر.
    2. التَّعليقة، ص ۱٢٩ من «النهج».
    3. الآية ۱۱ من سورة ٤: النساء.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

147
  • وعدَّ سبحانَه و تعالى في باب الشَّهادة على الاستدانة شَهادةَ امْرأتينِ بمنزلة شَهادةِ رَجُلٍ واحدٍ. قال تعالى: {وَ اسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَ امْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ}۱.

  • وأمَّا قُعُودهنَّ عن الصَّلاة و الصِّيام في أيَّام حيضهنَّ فيستفاد من السُّنَّة القطعيَّة؛ و ليس في الكتاب تصريح به. نَعم، يمكن أن يستفاد تَلويحاً بالنِّسبة إلى خصوص الصَّلاة حيث إنَّها مشروطٌ بالتَّطهير في قوله تعالى: {وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا}٢ و المقاربة مع النِّساءِ بعد الحيض مشروطة بالطهارة في قوله تعالى: {وَ لا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ}٣.

  • وهذه‌ الآية تدلُّ على أنَّ النِّساءَ في أيَّام حيضهنَّ غيرُ طاهراتٍ و يَحتجن إلى التَّطهير؛ و لمَّا دلَّت الآية الاولى على لزوم التَّطهير في الصَّلاة، فالجمع بين الآيتين يدلُّ على عدم صحَّة الصَّلاة في أيَّام الحَيض.

  • و ذلك بالشِّكل الثَّاني من القياسِ البُرهانيّ، بأن يُقال: لا شَي‌ء من الحَيضِ يَجتمع من التَّطهير، و كلُّ صَلاةٍ يجتمع مع التَّطهير، فينتج: لا شي‌ء من الحَيض يجتمع مع الصَّلاة؛ لتماميَّة مُقدِّمتَيه من اختلافهما إثباتاً و نفياً و كُلِّيَّة الكُبرى كما تحقّقَ في محلِّه.

  • و منها: قوله عليه‌السلام في ذمِّ أهل البَصرة؛ «كُنْتُمْ جُنْدَ الْمَرْأةِ وَ أتْبَاعَ الْبَهيمَةِ، رَغَا فَأجَبْتُمْ، وَ عُقِرَ فَهَرَبْتُمْ»٤.

  • و منها: قوله عليه‌السَّلام: «خِيَارُ خِصَالِ النِّساءِ شِرَارُ خِصَالِ الرِّجالِ: الزَّهْوُ وَ الْجُبْنُ وَ الْبُخْلُ. فَإذَا كانَتِ الْمَرْأةُ مَزْهُوَّةً لَمْ تُمَكِّنْ مِنْ‌

    1. الآية ٢۸٢ من سورة ٢: البقرة.
    2. الآية ٦ من سورة ٥: المائدة.
    3. الآية ٢٢٢ من سورة ٢: البقرة.
    4. «النَّهج» ج ۱، كتاب الخطب، الخطبة ۱٣، ص ٤٤، من طبع مصر مع حواشي محمّد عبده.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

148
  • نَفْسِهَا؛ وَ إذَا كَانَتْ بَخِيلَةً حَفِظَتْ مَالَها وَ مَالَ بَعْلِهَا؛ وَ إذَا كَانَتْ جَبَانَةً فَرِقَتْ مِنْ كُلِّ شَيْ‌ءٍ يَعْرِضُ لَهَا»۱.

  • و منها: قوله عليه‌السَّلام في حديثه لما شَيَّع جَيشاً يُغزيه: «أعْذِبُوا عَنْ ذِكْرِ النِّسَاءِ مَا اسْتَطَعْتُمْ»٢.

  • قال السَّيِّد الرضيّ- رحمة الله عليه- في معنى هذه العبارة: «و معناه اصْدِفُوا عن ذِكر النِّساءِ و شُغْل القلب بهنَّ، و امتَنِعُوا مِن المُقَارَبَة لهنَّ، لأنَّ ذلك يَفُتُّ في عضد الحَمِيَّةِ، وَ يَقْدَح في مَعَاقِدِ العَزِيمَة، وَ يَكْسِر عن العَدْو، وَ يَلْفِتُ عَنِ الإبعاد في الغَزْوِ. و كُلُّ مَنِ امْتَنَعَ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَقَد أعْذَبَ عنه، و الْعَاذِبُ وَ العَذُوبُ الممتَنع من الأكل و الشُّرب»٣.

  • أقول: إذا كان ذِكرُ النِّساءِ في الحرب و المخالطة معهنَّ يوجبان هذا الوَهن و الفَشَل فكيف بهما في أمر القَضاءِ و الوِلاية بالنِّسبة إليهنَّ، حيث إنَّهما من مراتب الرِّياسة العامَّة، فالحاكم والقاضي لابدَّ و أن يكونا شديدَي الأركان، قَوِيَّيِ البُنيان، ساطِعَيِ البُرهان و إلَّا لاضمحلَّت الدَّولةُ الإسلاميَّة بأصالتها و متانتها و قِوامها، و تَبَدَّلت بالجاهِليَّة الجَهلاءِ، و شاعَت آدابُ الكُفر و رسومُ الإلحاد كما في المُدُن الغربيَّة. أعاذَنا اللهُ منها.

  • هذا، و أنت خبير بأن الشَّارع لم يجعل لهنَّ الوِلاية بالنِّسبة إلى صِغارهنَ‌٤ مع وجدان الأب و الجدِّ، و مع فقدهما تصل النَّوبة إلى العَصَبَة٥

    1. «النَّهج» ج ۱، ص ۱۸۸.
    2. «النَّهج» ج ٢، باب الحكم الفقرة السابعة من غرائب كلامه بعد ٢٦۰ عدداً من حكمه، ص ۱٩٦، طبع عبده بمصر.
    3. المصدر السابق.
    4. أي أولادهنَّ الصِّغار.
    5. أي على القول به؛ قال في «المبسوط»: «الذي له الإجبار على النّكاح الأب و الجدّ مع وجود الأب و إن علا، و ليس لغيرهما ذلك من سائِر العصبات الّذين يرثون المال- إلى أن قال- فإن أردت ترتيب الأولياء على النساء قلتُ: الأولياء على ثلاثة أضرب: أب وجدّ، أو أخ و ابن أخ و عمّ و ابن عمّ، ومولى نِعمَ أوحاكم». (ج ٤ ص ۱٦٤ و ۱٦٥ طبع الحيدرىّ بطهران). ولكنّ المشهوربل المتّفق عليه عدم الولاية للعصبة عندنا. قال في «الجواهر»: «لا ولاية عندنا في عقد النكاح لغير الأب و الجدّ للأب و إن علا، و المولى و الوصيّ و الحاكم، بل الإجماع بقسميه عليه في غير الامّ و آبائها بل و فيهم لما تعرفه من ضعف الخلاف في ذلك. و أولويَّة العمّ و الأخ منهم مع التصريح في النصوص بنفي ولايتهما- إلى أن قال- نعم في خبر أبي بصير: «إنَّ الذي بيده عقدة النكاح هو الأب و الأخ و الرَّجل يوصي إليه، و الذي يجوز أمره في مال المرأة فيبتاع لها و يشتري» و في مرسل الحسن بن عليّ: «الأخ الأكبر بمنزلة الأب»، لكنّه منزَّلٌ على ضرب من التقيّة أو على إرادة الولاية العرفيّة بمعنى هؤلاء و أشباههم الّذين ينبغي لها عدم مخالفتهم إذا لم يضارّوها أو غير ذلك ممّا لا ينافي الإجماع عندنا على انحصار الولاية بالقرابة فيهما». («الجواهر» كتاب النكاح، الفصل الأوّل من الفصل الثالث في أولياء العقد، الطبع الملفّق غير معدود بالأعداد).

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

149
  • مع أنَّ الامَّ أولى و أحقُّ للوِلايَةِ لِقربتها الماسَّة. و السِّرُّ فيه عدمُ كفاية عقولهنَّ للقيام بالأمر فيَضيع الأولادُ أدباً و ديناً و مالًا.

  • قال أميرالمؤمنين عليه‌السَّلام في «النَّهج»: «وَ إذَا بَلَغَ النِّسَاءُ نَصَّ الْحِقَاقِ فَالْعَصَبَةُ أوْلَي»۱.

  • أي إذا بَلَغْنَ إلى زمان تزويجهنَّ فالولاية عليهنَّ من العَصَبَةِ أولى من الامِّ. و هذا دليلٌ على عدم ولاة الامِّ عليهنَّ.

  • هذا، و تمام البحث في ولاية الأب و الجدِّ في الفقه، و الآن خارجٌ عن محطِّ الكلام.

  • ۸- الرِّوايات الكثيرة المتواترة معنًى في جميع أبواب الفِقه، الدّالَّة على اختلاف الرَّجل و المرأة في الطَّهارة و الصَّلاة و الصِّيام و الجِهاد و النِّكاح و النفقة و الطَّلاق و العدَّة و الإرث و الوِلاية و القَضاءِ و الشَّهادة و الحُدود و القِصاص و الدِّيات؛ بحيث يمكن أن يقال: إنَّ هذا الاختلاف الواسع يَنبع و يترشَّح من عينٍ واحدةٍ و هي كلمتُهُ تعالى- {وَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا}٢؛ {وَ لِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ}٣.

    1. «النَّهج» ج ٢، باب الحكم، ص ۱٩٤.
    2. الآية ٤۰ من سورة ٩: التوبة.
    3. الآية ٢٢۸ من سورة ٢: البقرة.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

150
  • و رُوح هذا التَّفصيل سَرَى في جميع شؤون المرأة من القُوى البَدنيَّة و الخَواطِر التفكيريَّة و العَواطِف القلبيَّة.

  • و الإسلام- و هو الذي يَعْلُو وَ لَا يُعْلَى عَلَيْهِ‌۱- لاحظ جانبها من الحِفظ و الرّعاية أزيد من مراعاته لجانب الرَّجل، كي لا تَتَسرَّع إلى العَاهَات و الآفات، و تَبْقَى رَيحانَةُ وجودها عَطِرةً في جَوِّ الإنسانيَّة، و لا تَدنس طهارةُ ذاتها و عِصمةُ طبيعتها بتَيَّار الشَّهواتِ العَمياءِ في أيدي الرِّجال الخَوَنَة الفَسَقَة فيُلاعِبُوا بِها مُلاعَبةَ الكُرَة يداً بيدٍ، فجعل قيمومَتها بيد الرَّجل لا في الاستمتاع فقطُّ، بل في سائر الامور أيضاً.

  • فقد وردتْ رواياتٌ دالَّة على أنَّ نوافل المرأة كالاعتكاف و الصِّيام و الحجِّ و العُمرة لا تكون إلَّا بإذن زوجها٢، و أن لا يمينَ لها و لا نذَر و لا عهدَ إلَّا بإذنه، و لا تَخرج من البيت إلَّا بإذنه.

  • و هذه الرِّوايات كثيرةٌ جدّاً مُتفرِّقةٌ في أبواب الفقه كلِّه من الخاصَّة و العامَّة بحيث لا يمكن أن يستفاد منها تبعيَّةُ الزَّوجة في هذه الامور و ما شابَهَها يقيناً، و قيمومتُه لها إجمالًا.

  • قال رسول الله في وصيَّته لأميرالمؤمنين- عليهما الصَّلاة و السَّلام-: «يَا عَلِيّ لَا تَصُومُ الْمَرْأةُ تَطَوُّعاً إلَّا بِإذْنِ زَوْجِهَا»٣.

  • وَعدَّه سيِّدُ السَّاجدينَ عليّ بنُ الحسينِ عليهما السَّلام في جواب الزُّهْرِيّ‌٤ سائِلًا عن أقسام الصَّوم الواجب و الحرام و المكروه و المندوب‌

    1. رواه الخاصّة و العامّة عن رسول الله صلّي الله عليه و آله و سلّم.
    2. لم نجد في روايةٍ إناطة صَلَواتها النافلة بإذن زوجها، فالظاهر فيها التَّرخيص ما لم تناف حقوقه.
    3. «من لا يحضره الفقيه»، باب النوادر، ص ٣٦۷ من طبع مكتبة الصدوق.
    4. الزّهْرِيّ- بضمّ الزاي و سكون الهاء- أبوبكر محمّد بن مسلم بن عبيدالله بن عبدالله بن الحرث بن شهاب بن زُهْرَة بن كَلاب الفقيه المدني التابعي المعروف. و قد ذكره علماءُ الجمهور و أثنوا عليه ثناءً بليغاً. قيل أنّه قد حفظ علم الفقهاء السبعة و لقي عشرة من الصّحابة. و روى عنه جماعة من أئمة علم الحديث. و أمّا علماؤنا فقد اختلفت كلماتهم في مَدحه و قَدحه («الكنى و الألقاب» للمحدّث القمّي ج ٢، ص ٢۷۰ ط صيدا. و أورد ترجمته في «سفينة البحار» على التفصيل ج ۱، ص ٥۷٣).

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

151
  • و المأذون و غيرها، من صوم الإذن؛ حيث قال عليه‌السَّلام: «وَ أمَّا صَوْمُ الإذْنِ فَإنَّ الْمَرْأةَ لَا تَصُومُ تَطَوُّعاً إلَّا بإذْنِ زِوْجِهَا»۱.

  • و فى «الكافى» بإسناده المتَّصل عن أبى عبدالله عليه‌السلام قال: «لَا يَصِحُّ للْمَرْأةِ أنْ تَصُومَ تَطَوُّعاً إلَّا بِإذْنِ زَوْجِهَا»٢.

  • قال في «مِرآة الْعُقول» عند شرحه لهذا الكلام: «المشهور بين الأصحاب بل المتَّفق عليه بينهم أنَّه لا يجوز صومُ المرأة ندباً مع نهي زوجها عنه؛ و المشهور أيضاً عدم الجواز مع عدم الإذن». انتهى‌٣.

  • و أورد في «الميزان في تفسير القرآن» عن «الدُّرِّ المنثور» عن عبدِ الرَّزّاق في «المُصَنَّف» و ابنِ عَدِيّ، عن جابر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلَّم: «لا يُتْمَ بَعْدَ حُلْمٍ»- إلى أن قال- «وَ لا يَمِينَ لِزَوْجَةٍ مَعَ زَوْجٍ». (الحديث)‌٤.

  • و هذه الرِّوايات في مُختلف أبواب الفقه مَلأتْ صَحائِف الكُتُب؛ و وَرَدَتْ أيضاً في التَّفاسير و التَّواريخ و كُتُب الحديث و السُّنن ما تشابه تِلك.

  • نَهَى الإسلام عن الخَلوة معهنَّ، و نَهَى عن الجلوس في مجلس المرأة قبل أن تَذْهَبَ حرارتُه الحاصلة من جُلوسها، و نَهَى عن إمامتهنَّ للرِّجال، و جَعَل صفوفَ صلاتهنَّ خَلف صفوف الرِّجال كما يُعلم من الرِّوايات الواردة في تغيير القبلة.

  • و أمَرَهنَّ بغضِّ البَصَر كما في الرِّجال، و عدم الخضوع في القول حتَّى لا يَطْمَعَ الذي في قلبه مرضٌ، و ضَرب الحجابَ عليهنَّ و القرارَ في البيت‌

    1. «من لا يحضره الفقيه» كتاب الصِّيام، ج ٤، ص ۸۰، من طبع مكتبة الصدوق. و «الكافي» ج ٤، ص ۸٦.
    2. «الكافى» ج ٤، ص ۱٥۱، طبع الحيدرى سنة ۱٣۷۷.
    3. «مرآة العقول» ج ٣، ص ٢٣۸، من الطبع على الحجر.
    4. «الميزان» ج ٢، ص ٢٦٩.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

152
  • حتَّى قال النَّبيّ صلَّى الله عليه و آله و سلَّم في الرِّواية الواردة عن شيخ الطَّائِفة في «أمالي»- ه بإسناده المتَّصل عن عبدالله بن الحسن و عَمَّيهِ إبراهيم و الحَسَن ابْنَيِ الْحَسَن، عن امِهم فاطمة بنتِ الحُسين، عن جدِّها عليّ بن أبي طالبٍ: «النِّسَاءُ عَيّ وَ عَوْرَةٌ، فَاسْتُرُوا عَيَّهُنَّ بِالسُّكُوتِ، وَ عَوْرَتَهُنَّ بِالْبُيُوتِ»۱.

  • و قال أميرالمؤمنين عليه‌السَّلام في وصيَّته الواردة في «نهج البلاغَة» لابنه الحَسَن عليه‌السَّلام:

  • «وَ اكْفُفْ عَلَيْهِنَّ مِنْ أبْصَارِهِنَّ بِحِجَابِكَ إيَّاهُنَّ، فَإنَّ شِدَّةَ الْحِجَابِ أبْقَى عَلَيْهِنَّ؛ وَ لَيْسَ خُرُوجُهُنَّ بِأشَدَّ مِنْ إدْخَالِكَ مَنْ لَا يُوثَقُ بِهِ عَلَيْهِنَّ، وَ إنِ اسْتَطَعْتَ أنْ لَا يَعْرِفْنَ غَيْرَكَ فَافْعَلْ»٢٣.

  • حكم عدم جواز دخول المرأة في مجلس الشُّوري‌

  • فكيف يجوز مع ذلك أن يرخِّص لهنَّ في ورودهن في محافل الرِّجال بالقبض و الأخذ و البطش، و الأمر و النَّهي و رفع الصَّوت و المحاجّة و المخاصَمَة و ساير الامور اللَّازمة للقضاءِ و الحُكُومة.

    1. «الأمالي» ج ٢، ص ۱٩۷، طبع النجف الأشرف. و أورد السيوطيّ في جامعه الصَّغير باب الهمزة ج ۱، ص ٩۸ من الطبعة الرابعة مطبعة مصطفي البابي عن كتاب «الضُّعفاء»، للعقيليّ، عن أنس، عن رسول الله صلَّي الله عليه و آله و سلَّم إنَّه قال: «إنَّ من النِّساءِ عيّاً و عورةً فكفَّوا عَيَّهنَّ بالسُّكوت، و واروا عوراتهنَّ بالبيوت».
    2. «النهج» ج ٢، باب الكتب، ص ٥٦، طبع عبده بمصر. و هذا الإسناد هو ما قال فيه: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضَّل قال: حدَّثنا أبوعبدالله جعفر بن محمَّد بن جعفر الحسنيّ قال: حدَّثنا موسي بن عبدالله بن موسي الحسنيّ، عن جدِّه موسي بن عبدالله، عن أبيه عبدالله بن الحسن، إلي آخر الإسناد.
    3. و كفاك قول الله جلَّ و عزَّ في محكم كتابه في مقام تمجيد حُور الجنَّة و تَحسينها: {حْورٌ مَقْصُورَاتٌ في الخِيام} لأنَّ الخيام جمع خيمة و هي الفسطاط، و كونهنَّ مقصوراتٍ في الخيام أنَّهنَّ مصونات مخدَّرات لا يتبذَّلن كما عن جماعة منهم ابن عبّاس و أبي العالية. و قيل: مقصورات أي قصرن على أزواجهنَّ فلا يردنَ بدلًا منهم، كما عن مجاهدوا الرَّبيع؛ ذكره في «مجمع البيان». و هذا التمجيد يدلُّ على أنَّ أعظم حسن للمرأة و مجدٍ لها هو التَّحفُّظ و التَّستُّر و التَّحذُّر و عدم الابتذال، كما لا يخفى على المتفطِّن الخبير.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

153
  • و هذا الذي ذكرناه هو روح القوانين المجعولة في حقِّ المرأة، و يكون في التحقُّق و الثُبوت بمثابة الضَّروريَّاتِ من الإسلام.

  • و بما ذكرنا ظهر عدم جواز دخولهنَّ في مجلس الشُّورى، و إن كنَّ فقيهاتٍ ذواتِ اجتهاد و استنباط؛ لأنَّ هذا المجلس لا يكتفي بالمشاورة و البحث عن القوانين و الأحكام فقطُّ، حتَّى يقال: إنَّ النِّساءَ كنَّ باحثاتٍ عن العقائد و الأحكام في زمن الصَّحابة، فما معنى لمَنعهنَّ من العضويَّة في الشُّورَى؟.

  • بحث إجماليّ في ماهيَّة مجلس الشُّورى على الفلسفة الإسلاميّة

  • و ذلك لأنَّ مجلس الشُّورى في زماننا هذا له الرِّئاسة العامَّة في جميع‌الامور الوِلائِيَّة، له الهداية و الإرشاد إلى النَّهضات السِّياسيَّة، و له تعيين خطِّ مَشي الحُكومة في الامور الاجتماعيَّة و الحضاريَّة من الاقتصاديَّة و الأخلاقيَّةو التَّعليميَّة، و بإرادته تحقَّق الصُّلحُ و الحربُ في كلِّ زمان، و إقامة الوِزارةو تحكيم الدَّولة من البداءَة و انحلالها من البُنيان.

  • فَتَسميتُهُ بمجلس الرِّئاسة العامَّة أولى من تسميته بمجلس الشُّورى.

  • فوِزانها في الاجتماع إنَّما هو وزان القَيِّم الكافل بالامور. و ليس شأنهُ شأنَ الوكالة من قبل العامَّة حَتَّى يمكن القول بعدم الفرق في أعضائِه بين‌الرِّجال و النِّساءِ.

  • و ما ربما يتوهَّم أنَّ هذه الرِّياسةَ إنَّما تتحقَّق بتوكيل الرِّعايا و الآحادِ من الشَّعبِ، مدفوعٌ أوَّلًا: بأنَّ هذه الوكالة و إن تَحَقَّقَتْ من قِبَلِ الشَّعْب ولكنَّها لَيْسَتْ وكالَةً بل إعطاءُ ولايةٍ بشرائِط خاصَّة، و لا يجوز لهم نَقضُها أيضاً بعد ثبوتها. و ثانياً: أنَّ هذه الوِلاية و القيمومة لَيْسَتْ لآحاده حتَّى تنتقل بالوكالة إلي‌أعضاءِ الشُّورى.

  • و محصَّل الكلام أنَّه على الفَلسفةِ الإسلاميَّةِ ليس لكلِّ واحدٍ من آحاد الشَّعب ولايةٌ على نفسه حتّى ينقلها بالتَّوكيل إلى عُضو الشُّورى.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

154
  • و الوكالة تنقل الحقَّ الثَّابتَ للموكِّل إلى الوكيل لا يُوجِدُ الحقَّ له رأساً.

  • فأعضاءُ الشُّورى إن كانوا فُقَهاء صائِنين النَّفسَ حافظين الدِّينَ فلهم الولاية الشَّرعيَّة لا الوكالة؛ و إن لم يكونوا فقهاء لا يكون لدخولهم في هذا المنصب مُجوِّز شرعيّ لأنَّه دخولٌ في أمر الوالي بلا استحقاق، و تصرُّفٌ في شؤونه بلا إذن.

  • نَعَم على مفاد الفلسفة الغربيَّة من إعطاء ولاية لكلِّ واحد من الآحاد لنفسه تَتمُّ مسألة الوكالة. و لعلَّ تسمية عضو الشُّورى بالوكيل مُتَّخذة من هذا المكتب.

  • هذا كلُّه مع غضِّ النَّظر عما تُسُلِّم و تُحُقِّق في محلِّه من انحصار الحُكم و الولاية في الإمام- صَلَوات الله عليه- و بالفقيه الأعلم الأورع الخبير البصير المتجلِّي في قلبه أنوار الملكوت، و المُعْطَى الفرقانَ و النَّورَ الإلهيّ، بتفويضه الإمام إيَّاها و بنيابته عنه؛ فإذن ينحصر عمل الشُّورى بالتَّشاور فقطُّ.

  • و أمَّا على هذا المرام فالمانع من دخول المرأة في الشُّورى الأخبار الدالَّة على أنَّها لا تُسْتَشَار في الامور السِّياسيَّة و الوِلائِيَّة خصوصاً في محافل الرِّجال، إذا لم نَقُل بإطلاق قوله تعالى: {الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى‌ بَعْضٍ}۱، و قوله تعالى: {وَ لِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ}٢، و جريهما في أمثال هذه الموارد؛ فتأمَّل.

  • و على كلٍّ، شأنُ هذا المجلس الذي هو مركزٌ للإرادة و التَّصميم و محورٌ لصدور الأحكام و القوانين، إذا لم يُبْنَ على ما ذكرناه من مفاد الفلسفة الإسلاميَّة و الرُّوح الإسلاميّ، على نقطة متقابلة لولاية الإمام و الفَقيه، هو شأن الولاية بالبيعة العامَّة. فتَسمية آحاد أعضائِه بالوليّ و الكَفيل أولى من تسميتها بالوكيل.

    1. الآية ٣٤ من سورة ٤: النساء.
    2. الآية ٢٢۸ من سورة ٢: البقرة.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

155
  • و هذا أعلى مراتب الرِّياسةِ، و أقصى دَرَجات القيمومة، يخالف صريحَ قوله عزَّ و جلَّ: {الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى‌ بَعْضٍ}.

  • و أمّا احتمال انحصار مدلول الآية بالبُيوت، بأن يُراد قيمومتُهم عليهنَّ في مورد الزَّواج فمردودٌ بالإطلاق، و ليس فيها تقييدٌ بالبيوت أو تقييد قيمومتهم على خصوص نسائِهم، فإذن كان يقال‌ {الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ}.

  • هذا ولو سلَّمنا اختصاصَ الآية بمحيط الزَّواج نسأل أنَّ اللهَ تبارك و تعالى حيث لم يجعل المرأة قَيِّمة في دارها المحدودة بالامور الجزئِيَّة الخَسيسة فكيف يجعلها قَيِّمةً لجميع البيوتِ بيوتِ الامَّة و هي الدَّولة الإسلاميَّة؟ أو ليست قيمومةُ الحكومة المساوقة لقيمومة العامَّة أعظم من قيمومة البُيوت؟

  • و هل يمكن أن يتخيَّل أو يَتَفوَّه مسلمٌ بأنَّ الله تعالى جعل المرأة قيِّمةً للملايين من النُّفوس الذَّكر منهم و الانثى و لم يَجعلها قيِّمةً لزَوجها؛ بل و لم يَجعلها في درجته لا لَهُ و لا عَلَيه.

  • بل جعل الصَّالِحاتِ منهنَّ مطيعاتٍ للأزواج في الحضور، و حافظاتٍ لهم أنفسهنَّ و أموالَهم في الغيبة؛ قال تعالى: {فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللَّهُ}۱.

  • و قال عزَّ من قائِلٍ: {وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَ لا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى‌}٢.

  • وهل‌ يمكن التَّوفيق بين القَرار في البُيوت و بين البُروز في أندية الرِّجال‌

    1. الآية ٣٤ من سورة ٤: النساء.
    2. الآية ٣٣ من سورة ٣٣: الأحزاب.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

156
  • و رفع الصَّوت و إيراد الخُطَب و التَّنازع و التَّخاصم و المجادَلَة و المحاجَّة اللَّازمة لمن تصدَّى الامور العامَّة خصوصاً إذا كان الأمر الدَّائِر من الامور التي تحتاج إلى البَحث كما كان هو شأن أعضاءِ مجلس الشُّورى.

  • لا يقال: إنَّ الأمر بالقرار مختصٌّ بنساءِ النَّبيّ صلَّى الله عليه و سلَّم.

  • لأنَّه يقال: ما وجهُ الاختصاص بعد تشريكِ ملاكِ الخطابِ بينهنَّ و بين نساءِ المؤمنين؟ فهل يمكن أن يتفوَّه أحدٌ بأنَّ الأمر بعدم التَّبرُّج مختصٌّ بهنَّ، و أمَّا في حقِّ سائر النِّساءِ فالتَّبرُّجُ بنحو التَّبرُّج الجاهليَّة الاولى، و كذا الفَقَرات المذكورة فيما تقدَّم من هذه الآية كالخضوع بالقول لمن كان في قلبه مرضٌ، مُجازَةٌ مرخَّصٌ فيها؟

  • ثُمَّ إنَّ نساءَ النَّبيّ لم يكنَّ أضعفَ من سائر النِّساءِ في العقل و الدِّراية حتَّى يكون حكم القَرار و عدمِ الخروج مُختصّاً بهنَّ؛ و لم تكن سائر النِّساءِ أقوى منهنَّ حتَّى يكون حكم عدمِ القَرار و التَّصدِّى و الوِلاية و الخروج مختصًّا بهنَّ.

  • على أنَّا نرى أنَّ القرار في البُيوت ليس مختصًّا بهنَّ في موارد عديدة كالجِهاد و الجمعة و الجماعة و الحضور عند القَبر مع الجنازة و غيرِهما كما لا يخفى.

  • هذا كلُّه مع أنَّا لم نَرَ في زمن الرَّسول صلّى الله عليه و آله و سلَّم و لا في زمن الخُلفاءِ مورداً واحداً امِرَت النِّساءُ بالخروج و لا أن يَتَولَّينَ حكومةً و لا رياسةً و لا قضاءً.

  • توبيخ أميرالمؤمنين عليه‌السَّلام عائشة في حرب الجمل‌

  • وأمَّا عائِشةُ حيث‌ إنَّها بَرَزَتْ لعليّ أميرالمؤمنين عليه‌السَّلام صارَتْ مورداً للمؤاخذة و مَرمًى للتَّخطئة و هَدَفاً للمَلامة في ذلك الزَّمان فضلًا عن غيره في الأجيال؛ لا بما حارَبَتْ عليًّا عليه‌السَّلام فقطُّ، بل بما أنَّها امرَأةٌ ليس لها الخروج عن بيتها.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

157
  • كتب إليها أميرالمؤمنين عليه‌السَّلام على ما في «جَمْهَرَةِ رسائل العَرَب» نقلًا عن «الإمامة و السِّياسة» كتاباً:

  • «أمَّا بَعْدُ فَإنَّكِ خَرَجْتِ غَاضِبَةً لِلّهِ وَ لِرَسُولِهِ تَطْلُبِينَ أمْراً كَانَ عَنْكِ مَوْضُوعاً. مَا بَالُ النِّسَاءِ وَ الْحَرْبِ وَ الإصْلَاحِ بَيْنَ النَّاسِ؟ تَطْلُبِينَ بِدَمِ عُثْمَانَ»؟.

  • وَ لَعَمْرِي لَمَنْ عَرَّضَكِ لِلْبَلَاءِ، وَ حَمَلَكِ على الْمَعْصِيَةِ أعْظَمُ إلَيْكِ ذَنْباً مِنْ قَتَلَةِ عُثْمَانَ. وَ مَا غَضِبْتِ حَتَّى أغْضَبْتِ، وَ مَا هِجْتِ حَتَّى هَيَّجْتِ. فَاتَّقِي اللهَ وَ ارْجِعِي إلَى بَيْتِكَ»۱.

  • «و عائشةُ مع ذُكائِها و فطانتها لم يكن لها جوابٌ لعليّ عليه‌السَّلام إلَّا أن كَتَبَتْ له: «جَلَّ الأمْرُ عَنِ الْعِتَابِ، وَ السَّلامُ»٢.

  • و كَتَبَتْ إليها امُّ الْمُؤْمِنِين امُّ سَلَمَة كتاباً و حاجَّتْها بالقرآن في لزوم القَرار في البيت على ما في «الجَمهرة» نقلًا عن «شرح ابن أبي الحَديد» و «العِقد الفريد» و «الإمامة و السِّياسة»:

  • «مِنْ امِّ سَلَمَةَ زَوْج النَّبيّ صلَّى الله عليه (و آله) و سلَّم إلَى عائِشَةَ امِّ الْمُؤْمِنِينَ:

  • سَلَامٌ علَيْكِ، فَإنّي أحْمَدُ اللهَ الذي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ؛ أمَّا بَعْدُ فَإنَّكِ سُدَّةٌ بَيْنَ رَسولِ اللهِ صلَّى الله عليه (و آله) و سلَّم وَ بَيْنَ امَّتِهِ، وَ حِجَابُكِ مَضْرُوبٌ على حُرْمَتِهِ، قَدْ جَمَعَ الْقُرْآنُ ذَيْلَكِ فَلا تَنْدَحِيهِ‌٣، وَ سَكَّنَ عُقَيْرَاكِ فَلَا تُصْحِريهَا٤. اللهُ مِنْ وَرَاءِ هَذِهِ الامَّةِ».

    1. «الجمهرة» ج ۱، ص ٣۷۸، عن «الإمامة و السياسة» ج ۱، ص ٥٥.
    2. «الجمهرة» ج ۱، ص ٣۷٩.
    3. «السُّدَّة: الباب. فلا تندحيه: لا تفتحيه و لا توسّعيه بالخروج إلي البصرة. يقال: فلان في مندوحة أي في سعة.
    4. عُقر الدار: أصلها. و عُقيرَي مصغَّر كثريّا، و العقيري و العقيرة: الصوت أيضاً. لا تُصحريها؛ لا تبرزيها و تجعليها بالصّحراء.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

158
  • لَوْ عَلِمَ رَسُولُ اللهِ صلَّى الله عليه (و آله) و سلَّم أنَّ النِّسَاءَ يحْتَمِلْنَ الْجِهَادَ عَهِدَ إلَيْكِ؛ عُلْتِ عُلْتِ؛ بَلْ قَدْ نَهَاكِ عَنِ الْفُرْطَةِ۱ في الْبِلَادِ.

  • إن عَمُودَ الدِّينِ لا يُثَابُ بِالنِّساءِ إنْ مَالَ، وَ لَا يُرْأبُ بِهِنَّ إنْ صُدِعَ.

  • حُمَادَيَاتِ النِّسَاءِ غَضُّ الأطْرَافِ، وَ خَفْضُ الأصْوَاتِ، وَ خَفَرُ الأعْرَاضِ، وَ ضَمُّ الدُّيُولِ، وَ قِصَرُ الْوَهَازَةِ. مَا كُنْتِ قَائِلَةً لِرَسُولِ اللهِ صلّى الله عليه (و آله) وَ سلَّم لَوْ عَارَضَكِ بِبَعْضِ الْفَلَوَاتِ نَاصَّةً قَعُوداً مِنْ مَنْهَلٍ إلَى مَنْهَلٍ؛ قَدْ وَجِّهْتِ سِدَافَتَهُ‌٢ وَ تَرَكْتِ عُهَيْدَاهُ.

  • إن بِعَيْنِ اللهِ مَهْوَاكِ، وَ على رَسُولِهِ تَرِدِينَ.

  • وَ اقْسِمُ لَوْ سِرْتُ مَسِيرَكِ هَذَا ثُمَّ قِيلَ لي: يَا امَّ سَلَمَةَ! ادْخُلِي الْفِرْدَوْسَ لَاسْتَحْيَيْتُ أنْ ألْقَى مُحَمَّداً صلَّى الله عليه (و آله) و سلَّم هَاتِكَةً حِجَاباً قَدْ ضَرَبَهُ عَلَيّ.

  • إجْعَلِي بَيْتَكِ حِصْنَكِ، وَ وِقاعَةَ السَّتْرِ قَبْرَكِ حَتَّى تَلْقَيْنَهُ وَ أنْتِ على تِلْكَ أطْوَعُ مَا تَكُونينَ لِلّهِ إذَا لَزِمْتِهِ، وَ أنْصَرُ مَا تَكُونينَ لِلدِّينِ مَا حَلَلْتِ فِيهِ.

  • وَلَوْ ذَكَّرْتُكِ قَوْلًا مِنْ رَسُولِ اللهِ صلَّى الله عليه (و آله) و سلَّم تَعْرِفينَهُ لَنُهِشْتِ بِهِ نَهْشَ الرَّفْشَاءِ الْمُطْرِقَةِ. وَ السَّلام‌٣. و أورد اليَعقوبيّ في تاريخه‌٤.

  • و قال عمَّار بن ياسر لعائِشة حين فرغ القوم من الجَمَل على ما رواه الطَّبريّ في تاريخه:

    1. عُلت من عال يعول: جار و مال عن الحقّ. الفُرطَة: مجاوزة الحدّ و التقدّم.
    2. يُرْأبُ: يصلح. حُمَادَي: ما يحمد، حُمادَيَات النساء جمع حمادَي: ما يحمدنَ عليه. الخَفَر: شدّة الحياء. الأعراض جمع عِرض بالكسر: النفس و الجسد. الوَهازَة: الخطو. وجَّهْتِ سدافتَه: كشفتِ حجابه.
    3. «الجمهرة» ج ۱، ص ٣٥٣ إلي ص ٣٥٦ نقلًا عن «شرح ابن أبي الحديد» ج ٢، ص ۷٩. و «العقد الفريد» ج ٢، ص ٢٢۷. و «الإمامة و السياسة» ج ۱، ص ٤٥.
    4. «تاريخ اليعقوبي» ج ٢، ص ۱۸۰ من طبع بيروت سنة ۱٣۷٩.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

159
  • يَا امَّ الْمُؤْمِنِينَ! مَا أبْعَدَ هَذَا الْمَسِير مِنَ الْعَهْدِ الذي عُهِدَ إلَيْكِ!

  • قَالَتْ: أبُوالْيَقْظَانِ؟ قَالَ: نَعَمْ.

  • قَالَتْ: وَ اللهِ إنَّكَ مَا عَلِمْتُ قَوَّالٌ بِالْحَقِّ. قَالَ: الْحَمْدُ لِلّهِ الذي قَضَى لي على لِسَانِكِ‌۱.

  • توبيخ الصّحابة عائشة في حرب الجمل‌

  • و كَتَب زيدُ بن صوحان لها كتاباً، لمَّا دَعَتْه إلى نَصرها و تَخذيل النَّاس عن عليّ عليه السَّلام على ما رواه الطَّبريّ في تاريخه، و محمدُّ بنُ عَبدِ ربِّه الأندُلسيّ في «العقدِ الفَريد»، و اللَّفظُ الأخير:

  • مِنْ زَيْدِ بْنِ صُوحَانٍ إلَى عائِشَةَ امِّ الْمُؤْمنِينَ! سَلَامٌ عَلَيْكِ.

  • أمَّا بَعْدُ فَإنَّكِ امِرْتِ بِأمْرٍ وَ امِرْنَا بِغَيْرِهِ؛ امِرْتِ أنْ تَقِرِّي في بَيْتِكِ، وَ امِرْنَا أنْ نُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ؛ فَتَرَكْتِ مَا امِرْتِ بِهِ، وَ كَتَبْتِ تَنْهَيْنَنا عَمَّا امِرْنَا بِهِ. وَ السَّلَامُ‌٢.

  • ... فلمَّا دَخَل عليها ابنُ عبَّاس بَعد الوقعة و أعْلَمَها أنَّ أميرالمؤمنين عليه‌السَّلام أَمَرَها بالرُّجوع إلى بَيتها الذي أمرها اللهُ تَقِرَّ فيه، بَعد أن استأذَنَها و لم تأذَن و دخل بلا إذن؛

  • قَالَتْ: يَا بْنَ عَبَّاسٍ! مَا رَأيْتُ مِثْلَكَ تَدْخُلُ بَيْتَنَا بِلَا إذْنِنَا، وَ تَجْلِسُ على وَ سَادَتِنَا بِغَيْرِ أمْرِنَا.

  • قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَ اللهِ مَا هُوَ بَيْتُكِ، وَ لَا بَيْتُكِ إلَّا الذي أمَرَكِ اللهُ أنْ تَقِرِّي فِيهِ فَلَمْ تَفْعَلِي؛ إنَّ أمِيرَالْمُؤْمنِينَ يَأمُرُكِ أنْ تَرْجِعي إلَى بَلَدِكِ الذي خَرَجْتِ مِنْهُ»٣.

    1. «تاريخ الطبريّ» ج ٣، ص ٥٤۸.
    2. «المصدر السابق» ، ص ٤۷٩. و «العقد الفريد» ج ٤، ص ٣۱۷.
    3. «تاريخ اليعقوبي» ج ٢، ص ۱۸٣، ط بيروت ۱٣۷٩ الهجرية. و المسعودي في «مروج الذّهب» ج ٢، ص ٣٦۸ طبع دار الأندلس. و «العقد الفريد» ج ٤، ص ٣٢۸.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

160
  • و كَتَب إليها المالكُ الأشتر كتاباً من المدينة و هي بمكَّة:

  • أمَّا بعْدُ فَإنَّكِ ظَعِينَةُ رَسُولِ اللهِ صلَّى الله عليه و آله و قَدْ أمَرَكِ أنْ تَقِرِّي في بَيْتِكِ، فَإنْ فَعَلْتِ فَهُوَ خَيْرٌ لَكِ، وَ إنْ أبَيْتِ إلَّا أنْ تَأخُذِي مِنْسَأتَكِ وَ تُلْقِي جِلْبَابَكِ وَ تُبْدِي لِلنَّاسِ شُعَيْرَاتِكِ، قَاتَلْتُكِ حَتَّى أرُدَّكِ إلَى بَيْتِكِ وَ الْمَوْضِعِ الذي يَرْضَاهُ لَكِ رَبُّكِ‌۱.

  • ثمَّ إنَّ عليّاً أميرالمؤمنين‌ عليه‌السَّلام بَعدَ الواقعة جاءَها حتَّى وَقَف عليها فَضَرَب الهودَج بَقضيبٍ، و قال: «يَا حُمَيْرَاءُ، رَسُولُ اللهِ أمَرَكِ بِهَذَا؟ ألَمْ يَأمُرْكِ أنْ تَقِرِّي في بَيْتِكِ؟ وَ اللهِ مَا أنْصَفَكِ الَّذِينَ أخْرَجُوكِ إذْ صَانُوا عَقَائِلَهُمْ وَ أبْرَزُوكِ»٢.

  • و قد عرفتَ أنَّ أبا بَكرة استدلَّ على عدم جواز خروجها بقول الرَّسول صلّى الله عليه و آله و سلَّم: «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أمْرَهُمُ امْرَأةً».

  • على أنَّ عبدَالله بن عُمر أيضاً وَ بَّخَها و لَامَها على خروجها، و عائشةُ معَ ذلاقَةِ لسانِها و طَلَاقِةِ بَيانها وَ فَصاحَةِ كلامِها لم يكن عندها جوابٌ، و لم تَقُل: إنِّي خرجتُ للإصلاحِ بين امَّة محمَّدٍ رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلَّم، و لم تُجِبْ بأنَّ وجوبَ الْقَرار في البَيت إنَّما يُخصَّص بما إذا كان في البُروزمصلحةٌ عامَّةٌ أقوى من مصلحة القَرار؛ و كذا لم تُجِب بأنَّ إغاثَةَ المظلوم‌و الملهُوف أعظم عندالله من جمع الحِجاب و جَرِّ ذُيُول السِّتْرِ.

  • الحكم الإسلامي للمرأة أحسن نظام لكمالها و رُقاها

  • هذا تمام كلامنا في المقام؛ و قد تحصَّل منه أنَّ من له خبرةٌ بالقواعد العقليَّة و الأحكام الاجتماعيَّة، و كان قلبُه مُنوَّراً بالأحكام الشرعيَّة الإلهية، و كان عارفاً بسيَرةِ نَبيِّنا محمَّدٍ صلَّى الله عليه و آله و سلَّم و سُنَّتِه و منهاجِ الأئِمّة المعصومين- سلام الله عليهم أجمعين- يَعلم أنَّ هذا الأساس المتين الذي أسَّسَه وَ بناه الشَّارعُ الحَكيم للمرأة هو أحسنُ طَرحٍ لتكميل وجودها على ما

    1. «جمهرة رسائل العرب» ج ۱، ص ٣٥۸ نقلًا عن «شرح ابن أبي الحديد» ج ٢، ص ۸۰.
    2. «مروج الذهب» ج ٢، ص ٣٦۷.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

161
  • أعطاها الخالقُ العَليمُ من الجِبِلّةِ و الفِطرةِ، و أكمل نِظامٍ لها في النِّظام الأحسن الكُلِّيّ الذي بَنَى عليه جميعَ العَالَم.

  • فَجَعْلُ الرَّجُل قَوّاماً على المرأة، و في درجةٍ أعلى منها إنَّما هو بملاحظة خيرها المَحض و مصلحتِها الخالصة، و كلمةُ حَقٍّ على أصالةِ الواقع، و إعطاءُ حقٍّ لها بالنَّحو الأكمل الأتمِّ الأوفر.

  • و لولاه كانت تُسلَب عنها حقوقُها الأوَّليَّة، و يُتجاوز بها في عُمرها و حَياتها و عَيشها و مَالها وعِرضها و دِينها و دُنياها؛ و التَّجاوز ظلمٌ وَ تَعَدٍّ؛ وَ سَلبُ الحقِّ محكومٌ مطرودٌ.

  • الوصيَّة باللُّزوم للقرآن الكريم و عدم التفرُّق عنه‌

  • أيا أيُّها الَّذين‌ آمنوا لا تَرْفَعوا أيديَكم عن قرآنكم الكريم، و لا تَشْتَرُوا به الآراءِ الضَّالَّة، فإنَّها ثمنٌ بَخْسٌ، و لا تَنَازَلوا عن مُحكم آياته فإنَّه سقوطٌ و بَوارٌ.

  • {فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَ لا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ}۱؛ فلا تُذْهِبُوا طَيِّباتِكم في حَيَاتِكُمُ الدُّنيَا، و لا تقنعوا بالاستمتاع منها٢، فإنَّ المُؤمنَ كالجَبل الرَّاسخ لا تحرِّكُهُ العَواصفُ و الرِّياحُ الصُّفْر التي هَبَّتْ مِنْ قِبَلِ المَشرقِ و المَغرب؛ و لا تَتَوَجَّهوا يميناً و شِمالًا، و قِرُّوا على نَهجكم القويم و صراطكم المستقيم؛ ثَبَّتكُم اللهُ بالقَول الثَّابت في الحَياة الدُّنيا و في الآخرة٣، {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ}٤ (الآية).

    1. الآية ٣٣ من سورة ٣۱: لقمان. و الآية ٥ من سورة ٣٥: فاطر.
    2. اقتباس من الآية ٢۰ من سورة ٤٦: الأحقاف. {وَيَوْمَ يُعْرَضُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَى ٱلنَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَٰتِكُمْ فِى حَيَاتِكُمُ ٱلدُّنْيَا وَٱسْتَمْتَعْتُم بِهَا فَٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ ٱلْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِى ٱلْأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ}.
    3. اقتباس من الآية ٢۷ من سورة ۱٤: ابراهيم و هي قوله تعالي: {يُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱلْقَوْلِ ٱلثَّابِتِ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَفِى ٱلْءَاخِرَةِ}.
    4. الآية ۱۷۷ من سورة ٢: البقرة.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

162
  • و اعلَموا أنَّ فيكم رسولَ الله و سُنَّته و سِيرتَهَ، و هذا إمامُكم الحقُّ القائم بأمر الله- عجَّل اللهُ فَرَجَه- يَدلُّكم على الصِّراط الواضحِ و يَذُود عنكم كلِّ مانعٍ.

  • و هذا قرآنكم الكريم فاتَّخِذُوه وَلِيجَةً يأويكم من قِطَعِ اللَّيل المُظلم من الشُّبُهات في أنواره السَّاطِعَة المُحيية، و هو نورٌ و شِفاءٌ من كلِّ داءٍ.

  • و ارفَعوا أيديَكم به، و أذِّنُوا في جميع العالمَ بأنَّ الرِّجال قَوَّامُونَ على النِّساءِ، و بأنَّ لِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةً، وَ أعلِنُوا أهلَه عُلماءَهُم و امَرَاءَهم و اولي التَّفكير و الحَذاقة منهم و ذَوِي التَّدريس و الدِّراية بأنَّ هذا هو الطَّريق الواضح الذي لا مَخْلص للإنسان إلَّا أن يسير فيه، و لا نجاةَ من شرور الأهواء و الأنفس إلَّا أن يستريح تحت ظِلِّه، و لا رَيّ من الظَّمَأ: العَطَشِ الجاهليّ إلَّا بشرب مائِه البارد النَّعِيم.

  • و اعلَموا أنَّ أهل العالَم سَيُقْبلون على الإسلام و يتَّخذُون قرآنه كَهفاً و أحكامَه حِصْناً و مَلاذاً {حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَ يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ}۱. {وَ اللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ}٢ و يُظْهِرُ دِينَهُ على الدِّين كُلِّهِ وَلو كَرِه المُشْرِكُونَ‌٣.

  • فعلى المؤمن المُتعهِّد أن يأخذَ بالحقِّ، و يُقيم القِسطَ، و لا يتجاوز عن ميزانِ العدل.

  • {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ}٤.

  • {لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَ أَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَ الْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ}٥.

    1. الآية ٣٩ من سورة ۸: الأنفال.
    2. الآية ۸ من سورة ٦۱: الصّفّ.
    3. اقتباس من الآية ٩ من سورة ٦۱: الصّفّ: {هُوَ ٱلَّذِىٓ أَرْسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ}.
    4. الآية ٢٩ من سورة ۷: الأعراف. ٥ الآية ٢٥ من سورة ٥۷: الحديد.
    5. .الآية ٢٥ من سورة ٥۷: الحديد.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

163
  • و الحقُّ هو القِسطاس المستقيم، و هو الميزانُ الوحيد في الاعتبار.

  • {وَ الْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ}۱ {فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ}٢.

  • وعلى المسلم‌ الخبير البصير أن يطابق أعمالَه و أفعالَه على ما في الكتاب العزيز من الأحكام، و لا يَعبأ بما ذهب إليه العامَّة بأهْوائِهم.

  • {وَ لَنْ تَرْضى‌ عَنْكَ الْيَهُودُ وَ لَا النَّصارى‌ حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى‌ وَ لَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَ لا نَصِيرٍ}٣.

  • {قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى‌ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَ ما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ؛ قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَ نُسُكِي وَ مَحْيايَ وَ مَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ؛ لا شَرِيكَ لَهُ وَ بِذلِكَ أُمِرْتُ وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}٤.

  • ختام المطاف‌

  • هذا و قد آنِ أن نختم الرِّسالة؛ و إنَّما استوعَبنا البحثَ فيها لمزيد أهمِّيِّته، فصار بحمد اللهِ وَ منِّه بَحثاً قُرآنيّاً تفسيريّاً روائِيّاً فِقهيّاً تَاريخيّاً عِلميّاًاجتماعيّاً.

  • و قد وفَّقنا اللهُ تعالى بما وَعَدْنا سابقاً بتحرير هذه الرِّسالة البَديعة تتميماً لِشَذَرات اللَّئالي حولَ مسألة عدم جواز تولِّي المرأة القضاءَ و الحكومةَ، التي جمعناها في أواخر شهر رَمَضان المبارك في عامنا هذا؛ و له الحمدُ في الاولى و الآخرة؛ و آخِرُ دَعْوَانَا أنِ الْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ‌٥.

    1. الآية ۸ من سورة ۷: الأعراف.
    2. الآية ٣٢ من سورة ۱۰: يونس.
    3. الآية ۱٢۰ من سورة ٢: البقرة.
    4. الآية ۱٦۱ إلي الآية ۱٦٣ من سورة ٦: الأنعام.
    5. اقتباس من الآية ۱۰ من سورة ۱۰: يونس. {دَعْوَىٰهُمْ فِيهَا سُبْحَٰنَكَ ٱللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَٰمٌ وَءَاخِرُ دَعْوَىٰهُمْ أَنِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ}.

رسالةٌ بَديعةٌ - في‌ تفسير آية‌ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء

164
  • {رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ وَ اتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ}۱.

  • {رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَ هَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ}٢.

  • خُتمت‌ هذه الرِّسالة في اليوم الثَّاني و العشرين من شهر ذي القعدة الحرام سنةَ ألف و ثلاثمائة و تِسعَ و تِسعين من الهِجرةِ النَّبويَّةِ على هاجرها آلاف التَّحيَّة و السَّلام، و الصَّلاة و الإكرام.

  • و أنا الرَّاجي عَفو ربِّه: محمَّد الحُسين بن محمَّد الصَّادق الحُسينيّ الطِّهرانيّ ببَلدة طهران.

    1. الآية ٥٤ من سورة ٣: آل عمران.
    2. الآية ۸ من مصدر السابق.