6

التأسي برسول الله بعنوانه قدوةً حسنةً

بياناتٌ حول آية: (لقد كان لكم في رسول اللَه أسوة حسنة...)

10378
مشاهدة المتن

المؤلّفالعلامة آیة الله السيد محمد الحسين الحسيني الطهراني

القسممحاضرات العلامة الطهراني

المجموعةمباني الأخلاق

التاريخ 1397/02/29


التوضيح

أهم محتويات المحاضرة:
لزوم التأسي بالنبي الأكرم بعنوانه أسوةً حسنةً في كافّة جهات حياة الإنسان؛
حدُّ كمال كلّ أمّةٍ بمقدار حدّ كمال نبيّ تلك الأمّة؛
بيان مقدار تأسّي الإنسان بالنبي الأكرم بواسطة محكّ الامتحان؛
كيفيّة التأسي بسنن النبيّ الأكرم؛
لزوم دفع الشهريّة لطلاب العلم بطريقة تحفظ ماء وجههم؛
آثار التأسّي والاقتداء برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم؛
كيفيّة اتباع النبيّ الأكرم في المسائل ومشاكل الحياة؛
التنافي بين اتباع النبي واتباع سنن الكفر والآداب الجاهليّة؛
كيفيّة تبعيّة أمير المؤمنين وتأسّيه بالرسول الأكرم؛
كلمات أمير المؤمنين في كيفيّة التأسّي بنبيّ الإسلام؛
بناء منهج النبيّ الأكرم على أساس الحقّ؛
علّة تعدد زوجات رسول الله؛
صبر الرسول الأكرم وتحمّله أمام المؤامرات والأذيّة المتكرّرة من بعض زوجاته؛
أسباب محبّة النبيّ الأكرم للسيّدة فاطمة الزهراء وتعلّقه الشديد بها؛
حسد بعض زوجات النبيّ وحقدهنّ تجاه السيّدة فاطمة الزهراء؛
ولقد انتقلت العداوة والحقد تجاه السيّدة الزهراء من داخل بيت النبيّ إلى خارجه؛
سبب خلود حقيقة السيّدة الزهراء سلام الله عليها؛
بشارة رسول الله للسيّدة الزهراء حين احتضاره.

/۲۲
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

التأسي برسول الله بعنوانه قدوةً حسنةً - بياناتٌ حول آية: (لقد كان لكم في رسول اللَه أسوة حسنة...)

1
  •  

  • هو العليم 

  •  

  • التأسي برسول الله بعنوانه قدوةً حسنةً

  • بياناتٌ حول آية: ﴿لَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِي رَسُولِ ٱللَهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ...﴾

  • مباني الأخلاق - المجلّس السادس

  •  

  • محاضرات ألقاها 

  • سماحة العلّامة آية الله الحاجّ السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدس الله سره

  •  

  • طهران، مسجد القائم، ٢٩ صفر المظفر ۱٣٩۷ هـ . ق

التأسي برسول الله بعنوانه قدوةً حسنةً - بياناتٌ حول آية: (لقد كان لكم في رسول اللَه أسوة حسنة...)

2
  •  

  •  

  • أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم

  • بسم الله الرَحمٰن الرَحيم

  • الصّلاةُ والسّلامُ على سَيّدِنا محمّدٍ وآلهِ الطيّبين‌

  • ولعنةُ اللَه على أعدائِهم أجمعين مِن الآنَ إلى يومِ الدّين‌

  •  

  •  

  • لزوم التأسي بالنبي الأكرم بعنوانه أسوةً حسنةً في كافّة جهات حياة الإنسان

  • ﴿لَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِي رَسُولِ ٱللَهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ لِّمَن كَانَ يَرۡجُواْ ٱللَهَ وَٱلۡيَوۡمَ ٱلۡأٓخِرَ وَذَكَرَ ٱللَهَ كَثِيرٗا﴾.۱ 

  • هذه الآية هي الآية الحادية والعشرون من سورة الأحزاب المباركة، ومفادها ما يلي:

  • «لقدْ جعل الله عزّ وجلّ لكم رسول الله أسوةً حسنةً!»

  • الأسوة: ما يُتَأسّى به؛٢ وتطلق الأسوة على ذلك المحلّ والمقصد والهدف والقدوة والأنموذج الذي يقيسون عليه سائر الأشياء ويقارنوها به.

  • «يا أيّها المسلمون! لقدْ جعل الله ـ لكم ولمنفعتكم ولمصلحتكم ـ في الرسول أسوةً حسنةً، مِن أجل أولئك الأفراد الذين يرجون لقاء الله ويعتقدون بيوم القيامة ويذكرون الله كثيراً .. ويتذكّرون الله كثيراً».

  • فالأسوة الحسنة لهؤلاء الأفراد هو النبيّ، يعني: يجب أن يتأسّوا بنبيّهم في كافّة الجهات؛ لأنّ الله جعلَ لهم نبيّهم أسوةً، وهذه الأسوة هي أسوةٌ حسنةٌ؛ وليس لديه أيّ نقطةُ ضعفٍ أو نقطةٌ ظلمانيّةٍ أو نقطةُ سوءٍ، فهو حسنٌ من جميع الجهات، لذلك يجب أن يتمّ التأسّي به من جميع الجهات.

  • للنبيّ جهاتٌ متعدّدةٌ؛ جهاتٌ معنويّةٌ وروحانيّةٌ وملكاتٌ وأخلاقٌ وصفاتٌ وآدابٌ. والآداب تعني: آداب الحياة وآداب العلاقات العائليّة والآداب الفرديّة والآداب الاجتماعيّة وأدب الصلح وأدب الزواج وأدب الطلاق وأدب التجارة وأدب الزراعة، فجميع هذه الأمور آداب. والأشخاص الذين يريدون أن يتأسّوا بالنبيّ من جميع هذه الجهات، هم أولئك الذين يرجون لقاء ربّهم ولقاء اليوم الآخر، والعاشقون لله!

  • ولكن هناك أفرادٌ آخرون لا يعتقدون بالنبيّ كأسوةٍ، مع أنّهم أسلموا، إلّا أنّ إسلامهم ليس على أساس رجاء لقاء الله ويوم القيامة ونيل الشفاعة! لذلك تجد أنّ هؤلاء قد آمنوا وأسلموا، واستفادوا من الإسلام منذ بزوغ فجره، إلّا أنّ ذلك لم يكن على هذا الأساس! لقد آمن هؤلاء وهم يقبلون بنبيّهم أيضًا، ويعتقدون بالنبيّ واقعًا، وكانوا يُشاركون في الحروب مع النبيّ، ويأخذون من الغنائم، ويتزوّجون من المسلمين،‌ ولكن إذا نظرت إلى حقيقة قلوبهم فلا وجود لرجاء لقاء الله، ولقاء يوم القيامة، ولا لعشق الله ولا إلى الشوق إليه بحيث يذكرون الله على الدوام. فأصلًا لا طاقة لهؤلاء الأشخاص في أنْ يتخّذوا النبيّ أسوةً لهم من جميع الجهات، فيتّخذونه قدوةً في بعض الجهات ولا يتّخذونه قدوةً في جهاتٍ أخرى، فيرضَوْن بالنبيّ ويقبلون به بالمقدار الذي يتناسب مع أهوائهم النفسيّة وأفكارهم الشخصيّة، وفي المقابل يردّون تلك الأمور التي لا تنسجم معهم!

    1. سورة الأحزاب (٣٣)، الآية ٢۱.
    2. الصّحاح، ج ٦، ص ٢٢٦۸.

التأسي برسول الله بعنوانه قدوةً حسنةً - بياناتٌ حول آية: (لقد كان لكم في رسول اللَه أسوة حسنة...)

3
  • هناك أحكام في شريعة النبيّ؛ مثلًا: من أحكام النبيّ الجهاد وأخذ الغنيمة من الكفّار، وأخذ الأسرى وتربيتهم في البيوت وتقريبهم من الإسلام وجعلهم يسلمون. والبعض يُحبّ هذه الأعمال كثيرًا، وما إنْ يُعلنِ النبيُّ الجهاد حتّى يلبّوا النداء! بالإضافة إلى ذلك، فإنَّ الجهاد نوعٌ مِن عرضِ العضلات وإبراز المحاربين للشجاعة، وجمع الغنائم ومن ضمنها الغنائم النفيسة جدًا والتي يُمكن أن يكون له سهمًا منها، أو أن ينال كلّ منهم سهمًا من هذه الغنائم. ولكن مثلًا تلك الآية التي تقول: يجب عليك الصوم! فهذه الآيات شاقّة، ولذلك لم تتوافق معهم!

  • بعض الأفراد منعزلون ومن أهل الصوم والعبادة ولكن بهذا المعنى [الظاهري]. وبمجرّد أن تنزل آيات الصيام يقبلون بها جميعًا، ولكن حينما تنزلْ آيات الجهاد يتغيّرَ لونهم، ويصيبَهم الصداع، وتخفق قلوبهم! ويأتون على الدوم إلى محضر النبيّ ويقولون له: «يا رسول الله! هل تشملنا هذه الآيات أم أنّه هناك استثناءً؟!» فإذا أجابهم النبيّ صراحةً: «تشملكم أيضًا!»، أخذوا بالتعلّل: «نحن معذورون، وبيوتنا عورةٌ (مكشوفة)، ولا كفيل للنساء والأطفال، وخلاصة الأمر يجب ان نفعل شيئًا حيال ذلك!»؛ وفي النهاية كانوا يفرّون من عِبء الحرب!

  • أمّا ذلك الشخص الذي يقبَلُ بالنبيَّ، فإنّه يتّبع النبي دون غيره في جميع أطواره وأحواله، ولا يتّبع أحدًا سواه في كافة شؤونه، ويضع عَمَله أسوةً له؛ ذلك لأنّ هذا النبيّ عبدٌ صالحٌ، ورجلٌ تجاوز هواه، ولا تبتني أفكاره على أساس التخيّلات الشيطانيّة والوهّم؛ إنّه شخصٌ ملكوتيٌّ، سافر وكانَ سفره عجيبًا جدّاً، وكان لطيفًا جدّاً وكانَ سفره أفضل من‌ سائر الأنبياء، فهو خاتم النبيين وقدْ طوى كلّ الطرق المهلكة والمنجية للنفس، وسمع وشاهد آثار النفس، وشاهد الجنان، وشاهد طبقات جهنّم، وطوى العقبات، وتحدّث مع الملائكة ،وتكلّم مع أرواح الأنبياء، ورأى كلّ شي‌ءٍ، وورد إلى حرمَ الله؛ والآن أتى إلينا وبدأ يُخبرنا عن كلّ ذلك!

  • حدُّ كمال كلّ أمّةٍ بمقدار حدّ كمال نبيّ تلك الأمّة

  • واقعًا أيّ نعمةٍ هذه التي مَنّ الله بها علينا بأن جعل هذا النبيّ لنا! إذ لو كنّا موجودين قبل النبيّ أو في الأمم السابقة فأيّ بلاء كان حلّ بنا! مثلا: لو كنّا أمّة النبيّ شعيب، أو أمّة النبيّ موسى، أوأمّة النبيّ عيسى فرغم أنّهم كانوا أنبياء عظماء جدًا، إلّا أنّهم ليس على قدم المساواة مع حضرة رسولنا، ومنزلتهم كالبواب بالنسبة إلى حضرته! فمنهج النبيّ، والإسلام، والتوحيدُ الذي أتى به، وهذه العجائب التي أفصح عنها القرآن المجيد عن أحوال النبيّ، لا تقبل المقارنة مع الأنبياء العظام أصلًا! ولو كنّا من أتباع تلك الأمم لكانَ حدّ كمالنا هو الترقّي لتلك المرحلة التي أراد أن يحركّنا إليها نبيّ تلك الأمة؛ إلاّ أنّنا وبحمد الله تحتَ ظلّ تعليمات رسول الله وولايته التشريعيّة والتكوينيّة، يُمكننا أنْ نبلغ المقام الذي يريد أن يحرّكنا إليه، وهناك فرقٌ كبير بين هذه الحركة وتلك!

التأسي برسول الله بعنوانه قدوةً حسنةً - بياناتٌ حول آية: (لقد كان لكم في رسول اللَه أسوة حسنة...)

4
  • بيان مقدار تأسّي الإنسان بالنبي الأكرم بواسطة محكّ الامتحان

  • على الإنسان أنْ يجلس ويحلّل قلبه ويتفحّصه ليرى ما إنْ كان واقعاً قد قَبِلَ بالنبيّ كما ينبغي ويليق، أم لا؟ لأنّ نفس الإنسان في العديد من المواقع تبدو جيّدة أمام نفسها، ويذهب الإنسان إلى القاضي بنفسه ويشعر أنّ نفسه كاملةً وأنّه في أعلى درجة من الإسلام؛ ولكن ما إنْ يُبتلى بامتحانٍ يتّضح أنَّ الأمر ليس من هذا القبيل!

  • هناك قصّة مشهورة، حيث يقولون:

  • إنَّ زوجة العلاّمة الحلّي كانت مجتهدة بين نساء زمانها، وكانت النسوة يدْرُسنَ عندها، وكان لديها مدرسة تدرّس فيها النساء.

  • إذ يُمكن للمرأة أن تصبح مجتهدةً، وإذا أصبحت مجتهدةً حرم عليها التقليد، ويجب عليها العمل وفقًا لفتواها؛ رغم أنّها لا تستطيع أن تُفتي لغيرها إلّا أنَّ فتواها حجّةٌ بالنسبة لنفسها. وقد نقلوا هذا الأمر والعُهدَةُ علَی النّاقِل:

  • كانت النساء ـ لمدّة متمادية ـ تقول للعلاّمة الحلّي: «أجِزْ لنا أنْ نصلّيَ خلفَ امرأتك لتكن هي إمام جماعتنا!» إلاّ أنّه كان لدى العلامة الحلّي شيء من التردّد حيال هذه الإجازة، حيث كان يقول: «علاوة على الاجتهاد الذي يمكن للمرأة أن تكتسبه، لا بدّ من وجود العدالة بتمام معناها، وأنا لا أعلم واقعًا ما إنْ كانتْ قدْ بلغت هذه المرتبة أم لا؟».

  • وخلاصة الأمر قالت هؤلاء النسوة: «في النهاية هي امرأتك، ومن ناحيةٍ أخرى الرأي والفتوى كذا وكذا، ونحن نراها أعلى من العدالة! فكيف لا تقبل بعدالتها؟!» فأجاب العلامة: «حسنًا قوموا الآن بامتحانها، اذهبوا إليها وقولوا لها: ”لقد تزوّجَ العلاّمة من امرأةٍ أخرى!“ فإذا لم تتبدّل حالها فلا مشكلة في البين، وأمّا لو ظهرَ عليها تبدّل في حالها، وشرعتْ بالويل والعويل.. فاعلموا أنّ الأمر ليس كما ظننتم!».

  • سرّ النساء، وقلنَ: سنذهبُ الآن وننقل هذا الأمر لزوجة العلاّمة، وهي بالطبع سوف تجيب قائلة: «هذه سنّة النبيّ، وإن كان قد تزوج فما الإشكال؟!» فذهبوا إلى زوجته وأخبروها. وحينما ذهبوا كانت منشغلة بالدرس، وصادف أنّها كانت تُدرِّس النساء من أحد الكتب الدرسيّة التي كانت كلّها مخطوطات في ذلك الزمان، وكان أمامها كتابًا مفتوحًا، وكان هذا الكتاب أحد كتب العلامة الحلي أيضًا، فكانت تقرأه وتدرّسهم إيّاه، وما إن قالوا: «لقد تزوج العلامة مِن امرأة أخرى!» حتّى أخذت الكتاب وألقتْه في الماء من شدّة غضبها! وبذلك اتضحت المسألة!

التأسي برسول الله بعنوانه قدوةً حسنةً - بياناتٌ حول آية: (لقد كان لكم في رسول اللَه أسوة حسنة...)

5
  • نعم، دعونا لا نتحاملَ على النساء! فالأمر كذلك بالنسبة لبعض الرجال، فهذه المسائل موجودة بينهم تزيد أو تنقص، غاية الأمر أنّنا في نتكون ذلك في شؤوننا، وهنّ في شؤونهنَّ، فنحن نكون كذلك في بعض الجهات وهنّ في بعض الجهات!

  • كيفيّة التأسي بسنن النبيّ الأكرم

  • فلا يظننّ الإنسان أنَّه يستطيع دخول الجنّة ـ تلك الجنّة التي كان النبيّ فيها، والتي عاينها في سِدرة المنتهى ـ دون أنْ يتأسّى به! وكلّ كلام آخر فهو بلا طائل، على الإنسان أنْ يتأسّى بالنبيّ! هذه هي حقيقة المسألة.

  • كان النبيّ يُعفي لحيته، ونحن أيضًا علينا أن نعفيها، وانتهى الأمر! والآن لو أتيتم بألف دليلٍ ودليلٍ وقلتم: «ما الدليل الشرعيّ على إعفاء اللحى؟۱ هل الرواية ضعيفة أم قوية؟؛ وهل سيرة العلماء ثابتة أم غير ثابتة؟» فجميع هذا الكلام لن يَصل بكم إلى مكان، ولا مفرّ من ذلك! من كان يحبّ النبيّ صلّى الله عليه وآله، فعليه أن يكون مثله!

  • فالنبيّ لا يعجبه أن تُحلق اللحية. وهو لم يفسح المجال لسفراء «خسرو پرويز» بلقائه ثلاثة أيّام لأنّهم كانوا حليقي اللحى؛ وبعد ثلاثة أيّام قال لهم: «من الذي أمركم أنْ تصنعوا ذلك في أنفسكم فتحلقوا لِحاكُم وتُسبِلوا شواربكم؟!فقالوا: «أمَرَنا رَبُّنا بذلك»؛ أي: حاكمنا ورئيسنا أمرنا بذلك!، فقال لهم النبيّ صلّى الله عليه وآله: «أمّا ربّي فأمَرَني أن أعفو اللِّحى وأحُفَّ الشَّوارِب».٢ 

  • من يحبّ الله يجب أن يكون محبًّا للنبيّ، وأن يحبّ آدابه، ويحبّ لباسه، ويحب حذائه، ويحب جواربه! عليكم أن انظروا، ماذا كان لباس النبي؟ وكيف كان قميصه؟ وهل كان خاتمه في يده اليمنى أم اليسرى؟ كيف كانَ شكل بيته؟ كيف كانتْ عشرته للأشخاص؟ هل كان يتحيّر كثيرًا؟ وهل كان يضحكُ كثيراً؟ وكيف كان سلوكه؟ وكيف كان يتصرّف؟ وماذا كان يسمّي أبناءه؟ لقد سمّى النبيّ أولاده: طيّب، وطاهر، وقاسم، وفاطمة، وزينب، وإبراهيم٣ لأنّ النبيّ كان يحبّ هذه المعاني، وكان يحبّ إبراهيم، ويحبّ زينب، ويحبّ طاهر، ويحبّ طيّب! وماذا سمى أمير المؤمنين أبناءه؟٤ وقد وهب الله للإمام الحسين ثلاثة أو أربعة ذكور، وقد أسماهم «عليّاً» جميعًا!٥ لأنّه كانَ يحبّ عليّاً، ولا شأن له بالآخرين، فهو عاشقٌ لعليّ! وهذه الأمور من لوازم التأسّي والمحبّة!

    1. لمزيد من الإطلاع على الروايات الدالة على وجوب إعفاء اللحى، راجع: من لا يحضره الفقيه، ج ۱، ص ۱٣۰.
    2. تاريخ الطبري، ج ٢، ص ۸٢٦؛ مجمع التّواريخ، ص ٢٥۱؛ شرح الكافي، المولى صالح المازندراني، ج ٦، ص ٢٦٥، التعليقة، مع قدرٍ من الاختلاف في كافّة المصادر.
    3. الطّبقات الكبرى، ج ۱، ص ۱۰۷؛ المعارف، ص ۱٤۱؛ الهداية الكبرى، ص ٣٩.
    4. راجع: الطبقات الكبرى، ج ٣، ص ۱٤.
    5. الإرشاد، ج ٢، ص ۱٣٥.

التأسي برسول الله بعنوانه قدوةً حسنةً - بياناتٌ حول آية: (لقد كان لكم في رسول اللَه أسوة حسنة...)

6
  • وأمّا الذي يسمّي ابنه «اردشير»۱ أو «فرنگيز» فهو يحبّ تلك المدرسة، ويحب مدرسة «زردشت»، ويحب المجوس! فمبارك عليك! ولكن ما معنى أن يسمّي شيعة أمير المؤمنين أبناءهم بهذه الأسماء: «فرنگيز»، و«شهلا»، و«مهلا»، و«گيتا»، «ميترا». أو سائر الأسماء التي لا يمكن فهمها ولو استعنّا بالاسطرلاب! ما هذا في نهاية المطاف؟! وكلّما تأمّل الإنسان في ذلك سوف يجد أنّ هذا الاسم يُشير إلى تلك الحقيقة! فحينما نقول: سماحة الشيخ محمّد، فإنَّ «سماحة الشيخ محمّد» تُظهر تلك الحقيقة!

  • هذا الطفل الذي وُلد، هو معصومٌ، وأقبل من عالم الجنّة؛ فلماذا يختم الإنسان على جبينه بختمٍ باطلٍ، ويجعله أسودًا مظلمًا! فما معنى «زهره» و«شهره»؟! لقد ختمَ على بطاقة هويّته بختمِ البطلان وأبطلها منذ بداية الأمر! وأمّا لو أسميناه: عليّاً، فمعناه عالي المرتبة، يعني: هو متأسي بمدرسة عليّ بن أبي طالب! كذلك لو سمّاه محمّدًا، يعني: هو من شيعة الرسول، ومن أتباع هذه المدرسة! وكذا لو أسماها زينبًا، يعني: الشخص المتميّز في زمانه ودهره، يعني: افتخار كافّة أهل العالم! كذلك لو سمّاها فاطمة، فيعني: سرّ النبيّ! كذلك لو سمّاها صدّيقة، زهراء، حوراء، إنسيّة، راضية، مرضيّة، فجميعها من ألقاب السيّدة فاطمة عليها السلام! عليّ، محمّد، تقيّ، نقيّ، جعفر، موسى، جميعها أسماء للأئمّة! هذه هي مدرسة الأئمّة!

  • ولكن إذا تجاوزنا هذه الأسماء، فإنّ تلك الروح ستتجاوز أيضًا! يعني: في الوهلة الأولى التي اتجهتم فيها نحو اسمٍ آخر، تكون روحكَ قد ذهبت نحو ذاك الاسم بشكل أسرع، وتكون قد أبطلت نفسك؛ لا أنّك قد أفسدت ذلك الطفل المعصوم الذي لا حيلة له! وأوّل من يأتي يوم القيامة ويأخذ بتلابيبك [هو ذلك الطفل المعصوم]، فيقول لك: أنا كنتُ طفلًا معصومًا، فلماذا جعلتني باطلًا؟! فما هو هذا الاسم الذي وضعته لي؟ وقد أبطلت نفسك أوّلًا! هذه مسألةٌ مهمّةٌ!

  • لقد سألني أحد الأشخاص ذات مرّةٍ: «يا سيّد لماذا سمّى الشيخ الفلاني ابناه "فؤاد" و"فيصل"؟»، فأجبته: أنا أخبرك: «لقد كان عاش هؤلاء حياتهم في درجةٍ كبيرةٍ من التعاسة والعجز والاتجاه نحو الحياة المادّيّة إلى الحدّ الذي لا يعرفون معه غير الترف والسيادة، وبما أنّ هؤلاء يعتقدون أنَّ هذه الأسماء هي مظهر البهجة والتكيّف والاستقلاليّة، لذا رغبوا في تسمية أبنائهم بأسماء من هذا القبيل!» إنّ هذه التسمية تنبئ عن هويّة ذلك الذي سُمّي بها إلى آخر العمر؛ وتدلّ على أخلاقه؟ وما هو سلوكه، وما هو منهجه وسلوكه؟ وتدلّ على ذلك دلالة جيّدة! وسوف تكون حياته متطابقة مع هذه الهوية التي اختارها بنفسه لنفسه، واختارها على هذا الأساس! تجده يُربّي ابنه من مال سهم الإمام والخمس مع ألف كذبة من أجل أن يزوّج أبنائه من [الطبيبة أو] الطبيب الفلاني أو من [تلك المهندسة أو] ذلك المهندس! لأنّ هذا التعيس، قدْ أتعسَ حظّه إلى درجة أن لحق بهذا الطبيب وذاك الطبيب، ولحق بذلك المهندس وألقى عليهم التحية، ونظر إليهم على أنَّهم أعلى شأنًا منه واستصغر شأن نفسه! ففي الوهلة الأوّلى التي شاء أن يُحلّق بها وجد أنّه لم يستطيع فعل ذلك الآن، ولذا يلقى مهمّة التحليق على جناحي ابنه؛ ولكن هذا التحليق ضلالٌ؛ لا تحليق عفة ولا تحليق حقّ!

    1. اسم مُؤسّس السلسلة الساسانيّة. (المحقق)

التأسي برسول الله بعنوانه قدوةً حسنةً - بياناتٌ حول آية: (لقد كان لكم في رسول اللَه أسوة حسنة...)

7
  • لزوم دفع الشهريّة لطلاب العلم بطريقة تحفظ ماء وجههم

  • ولذلك ينبغي في الحوزات العلمية والأماكن التي يتمّ فيها تربية العلماء أنْ يعمدَ إلى إعطاء الرواتب إلى الطلبة بشكلٍ يحفظ ماء وجههم، دون أن يذهب الطالب بنفسه وراء هذا وذاك ليجمع مئة تومان أو خمسين تومانًا! بل ينبغي عليهم أن يأتوا إليه ويدفعوه له، وبالقدر الكافي ومع كمال الاحترام؛ لتنمو روح الطالب على الشهامة من أوّل الأمر، ولينمو على العفة، وينمو على الكبرياء، ولا يجبل على روح الطلب والاستعطاء!۱ هناك نقصٌ كبيرٌ في حوزاتنا العلميّة، وهذا هو أحد تلك النقائص أيضًا.٢ وإن شاء الله يرفع الله جميع جهات نقصنا ويرمّمها ويبدّلها إلى أمور صحيحةٍ! الخلاصة: لدينا الكثير من الجهات التي قدْ خرجنا فيها عن جادّة الاستقامة ولم نكن ملتفتين لأنفسنا، ولا نعلم ما هو منبعها!

  • آثار التأسّي والاقتداء برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم

  • والذي يحبّ نبيّه يقول: لقد جعلتُ كرامتي ونسبي وحقيقتي وعفّتي وعصمتي وروحي كلّ ذلك تابعًا للنبيّ! ولماذا يعمدُ الإنسان إلى التفكير مرة واثنتين عند التطبيق؟! فإذا كان الإنسان يرتضيه واقعًا، فيجب أن يضعه أسوة له في كافّة النواحي؛ وإنْ لم يكن يرتضيه فلماذا يُتلف وقته؟! فجميع هؤلاء المادّيّين الذين لا يعتقدون بوجود الله ويوم القيامة، قد أمضوا دنياهم هذه بألف لذّةٍ وألف سرورٍ وألف رغدٍ من العيش، وكسروا كلّ القيود! فالإنسان في نهاية المطاف يموت ويتحرّر؛ إذن لماذا يحبس نفسه في القفص؟! فإذا كانت حقيقةً، فإنَّ الحقيقة لا تقبل التشكيك، [وأمّا أن يقول الإنسان:] أقبل بهذا الكلام، ولا أقبل بذاك، وهنا يجب أن نُحقّق في الأمر، وهناك لا يجب؛ فكلّ ذلك خطأ!

  • إذا تأسَّى الإنسان فسوفَ ينطبع خلق النبيّ وسلوكه وأسلوبه فيه. وإذا نظر الإنسان في المرآة فإنّه سيرى صورته فيها، وإذا نظر في ماء صافٍ فإنّه يراه، وإذا شاهد صورة النبيّ فسوف يرى شمائل النبيّ في وجوده، كذلك إذا شاهد أخلاقه، وسلوكه بل أعلى من ذلك، سيرى ملكاته وعقائده، فسوف تظهر حالات النبيّ في نفسه تدريجيًا.

  • وإذا لمْ يتأسّ الإنسان بالنّبيّ، فسوف تتجلى فيه روح الشخصيّة الأخرى التي تأسّى بها؛ وهذه قاعدة تكوينيّة! فإنَّ الله لم يعقد مع المسلمين عقدَ الأخوّة وأبناء العمومة أو الخؤولة! فليس الأمر هكذا، بحيث تأتي وتقول ببساطة: «إنّنا مسلمون!» فيأخذك ويجلسك على العرش! كلّا، بل هناك حسابٌ وكتابٌ، وسنّة هذا العالم قائمة على هذا الأساس.

    1. لمزيد من الاطلاع حول تصحيح طريقة شهريّة طلبة العلوم الدينيّة، الرجاء مراجعة: وظيفة الفرد المسلم (فارسي)، ص٦٥، تعليقة ۱، الاقتراح التاسع.
    2. لمزيد من الاطلاع حول أساس تشكيل الحوزات العلميّة وما ينبغي فعله وما لا ينبغي فعله، الرجاء مراجعة: نور ملكوت القرآن، ج ٢، ص ٢٥٤ فما بعد.

التأسي برسول الله بعنوانه قدوةً حسنةً - بياناتٌ حول آية: (لقد كان لكم في رسول اللَه أسوة حسنة...)

8
  • كيفيّة اتباع النبيّ الأكرم في المسائل ومشاكل الحياة

  • ﴿لَقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِي رَسُولِ ٱللَهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ﴾؛۱ 

  • انظروا من هو نبيّكم! يقول نبيّكم:

  • «إذا التَبَسَت عَلَيكمُ الفِتَنُ كقِطَعِ اللَّيلِ المُظلِمِ فَعَلَيكُم بِالقُرآن»؛٢ يعني: «حينما تحيط بكم قطع الفتن والأفكار والمذاهب المختلفة كقطع الليل المظلم والغيوم الحالكة، فإنّ ملجأكم حينئذٍ هو القرآن!».

  • فتدبّروه وحلّوا مشاكلكم بواسطة القرآن وداووا أنفسكم بالقرآن واطرحوا أسئلتكم على القرآن!

  • فهل نقوم نحن بهذا الفعل؟! أم أنّنا نتوقّف ونعمد فورًا إلى مذهبٍ ورأيٍ آخر حينما نتنازع في مسألتين جزئيتين؟! أليس من الجيّد أن نجعل آيةً من القرآن حكمًا بيننا في نزاعاتنا الشخصيّة، وأن نحلّ الخصومة بيننا وفق ما ورد في الآية؟ هل نحن حاضرون لذلك؟! أم أنّه لا، ندع القرآن جانبًا، ونركن إلى آرائنا وأهوائنا؛ ثمّ نلقي بالعنان على عاتقنا! والويل من ذلك الزمان الذي يُلقى فيها عنان الجمل أو الفرس على عاتقه أو ينقطع حبله! عندما لا يأخذ قائد الجمل بالعنان سوف يسقط الجمل في الوحل ويغرق فيه، وكلّما حاول أن ينشل نفسه يغرق أكثر حتّى يموت ويهلك.

  • نفس نبينا هذا الذي جاء بالقرآن، كم كان حظّه من القرآن! كان يجلس ويقول لعبد الله بن مسعود (وكان ذا صوتٍ حسنٍ): «اقرأ القرآن!»، وكان عبد الله بن مسعود يقرأ القرآن للنبيّ، وكان النبيّ يبكي!٣ أيّ فائدة كان يستفيدها من القرآن؟! كيف كان أمير المؤمنين عليه السلام يتلو القرآن؟ وكيف كان الإمام السجاد عليه السّلام يتلو القرآن؟ كان يتلو القرآن بحيث كان المارّة في الطريق يقفون وينصتون حتّى ينسدّ الطريق! فيقف السّقاء حاملاً قربته المملوءة، فيمكث حاملاً تلك القربة الثقيلة وقلبه لا يطاوعه في الذهاب دون سماع صوت الإمام السجّاد وهو يقرأ القرآن!٤ إنّ هذا القرآن منهجٌ ودرسٌ! إنّنا تنحّينا هذا القرآن جانبًا، ثمّ أردنا أنْ نعالج أنفسنا بغير القرآن، فهل يمكن ذلك؟! لا يزيدُ إلّا بُعدًا!

  • نريد أنْ نكون سعداء، إلاّ أنّ جميع آدابنا وتصرّفاتنا وحياتنا وأخلاقنا هي من آداب الكفر، فهل يمكن ذلك؟! لا يمكن!

  • التنافي بين اتباع النبي واتباع سنن الكفر والآداب الجاهليّة

    1. سورة الأحزاب (٣٣)، الآية ٢۱.
    2. الكافي، ج ٢، ص ٥٩٩.
    3. صحيح البخاري، ج ٦، ص ۱۱٣؛ أنساب الأشراف، ج ۱۱، ص ٢۱٢.
    4. الكافي، ج ٢، ص ٦۱٦.

التأسي برسول الله بعنوانه قدوةً حسنةً - بياناتٌ حول آية: (لقد كان لكم في رسول اللَه أسوة حسنة...)

9
  • يقول نبيّنا: «لا تلبسوا ثياباً ضيّقة؛ فهو لباس أهل الذلّة! ولا ترتدوا الملابس القصيرة؛ فهي ثياب أهل الذلّة!»۱ والحال أنّنا نلبس الثياب الضيّقة إلى الحدّ الذي تضغط فيه على بدننا ممّا يولّد ألف مرض! وقد قال كافة الأطبّاء: إنّ الثياب الضيّقة مضرّة للبدن، واللباس الفضفاض مفيد للبدن. علينا أن نرى ما هو اللباس الذي يرتديه نبينا،٢ وعلينا أن نرتدي مثله. ولا ينبغي أن تلبس نساؤنا في المنزل بناءً لمجلات الأزياء ونحوها؛ فهو تأسٍّ بالكفر وحرام! نحن مسلمون ونحن نصلّي ونحيي الليل بقراءة القرآن ونتّخذ أمير المؤمنين شفيعاً لنا، وننشئ المواكب والمجالس الحسينيّة؛ ونقوم باللطم على صدورنا، ولكن حالنا هكذا؟! يعني: سلوكنا وأسلوبنا وعملنا هكذا؟! هذا الأمر غير صحيح، ولا فائدة فيه!

  • ينبغي أن يكون السلوك العملي للرجل المؤمن هو التأسّي بسنّة النبيّ، والارتداع عن سيرة الكفر؛ وأن يعتقد بحسن منهاج النبيّ وقبح منهج غير النبي؛ وأن يعتقد أنّ كلام النبيّ حقّ وكلام المخالف له باطلٌ! وذلك أنّنا إذا تجاوزنا الحقّ وقعنا في الباطل، إذ الحقّ لا يُصبح اثنين! إنّنا نقبل بأكثر الإسلام، ولكنّنا نقبل بذلك المنهج أيضًا؛ نقبل كلام النبيّ ونقبل بالصلاة أيضًا، ولكنّنا نقبل بستار السينما أيضًا؛ وهذا الأمر لا يصح!

  • إنّ روح الإنسان تتأثّر بتلك المسائل التي تُدركها من خلال العين والأذن واللسان وسائر القوى العاطفيّة التي يتّصل الإنسان بواسطتها مع الخارج، فشاشة السينما التي تعرُض ما يخالف العِفّة أمام عين الإنسان تستولي على نفسه وروحه، فتتأثّر بها وتُصبح بلا عفّةٍ وغير عفيفةٍ، ولا مجال للشكّ في ذلك! وآثار عدم العفّة تظهر على الشخص وتبرز، وتزداد الفحشاء! وعلى المسلم أنْ لا يشاهد ذلك!

  • يقول النبيّ:

  • ﴿قُل لِّلۡمُؤۡمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنۡ أَبۡصَٰرِهِمۡ﴾؛٣ يعني: «إذا شاهدتم منظرًا مخالفًا للعفّة، عليكم أن تخفضوا أعينكم، وأن لا تنظروا إلى المرأة غير المحرم!».

  • هكذا كان نهج النبيّ، وهكذا علينا أن نكون نحن! ولكنّنا لسنا كذلك، لذلك أصبحت النتيجة بالعكس!

  • وليس الأمر هكذا أبدًا بحيث أخذ الله عهدًا على نفسه أن يمنح السيادة والرئاسة لكلّ من كان اسمه «مسلم»! بل أولئك الأشخاص الذين خالفوا نهج النبيّ وأسمّوا أنفسهم بالمسلمين، وخدعوا أنفسهم بذلك، فسوف يُذلّهم الله! فما هو معنى التأسّي إذن؟!

    1. اللهوف، ص ۱٢٣: «قالَ الحُسينُ علیه السّلام: «ابْغُوا لي ثَوبًا لا يُرغَبُ فيهِ، أجعَلْهُ تحت ثيابي لئَلّا أُجَرَّدَ منهُ!» فَأُتِيَ بِتبّانٍ [أي: بنطال قصير طوله بمقدار ربع متر تقريبًا] » فقالَ: «لا، ذاكَ لِباسُ مَن ضُرِبَت عَلَیهِ الذِّلَّة!» . (المحقّق)
    2. لمزيدٍ من الاطلاع يرجى مراجعة: وسائل الشّيعة، ج ٥، ص ٥ ـ ۱۱٦؛ معرفة الإمام، ج ٩، ص ٢٤۷ - ٢٥٦.
    3. سورة النور (٢٤) الآیة ٣۰.

التأسي برسول الله بعنوانه قدوةً حسنةً - بياناتٌ حول آية: (لقد كان لكم في رسول اللَه أسوة حسنة...)

10
  • كيفيّة تبعيّة أمير المؤمنين وتأسّيه بالرسول الأكرم

  • يقول أمير المؤمنين عليه السلام:

  • «كُنتُ أتَّبِعُهُ اتِّباعَ الفَصيلِ أثَرَ أُمِّهِ، [يَرفَعُ لي في كُلّ يومٍ من أخلاقه عِلمًا ويأمُرُني بالاقتِداء به]».۱

  • يعني: كنتُ أتأسّى بالنبيّ منذ صغري وأركض خلفه، عينًا كما يفعل الجمل الصغير حينما يتّبع أثر أمّه! كنتُ أمشي خلف هذا المنهج، وكلّما ركضتُ أكثر، انفتح لي بابٌ من العلم؛ وكلّما تابعته أكثر، فهمتُ أكثر.

  • كم كان أمير المؤمنين عاشقًا للنبي! كم كان عاشقاً له! وأصلًا هل هناك شخصٌ قد استفاد من النبيّ كأمير المؤمنين؟! كم كان يحبّ النبيّ! وكانَ يتّبع النبيّ في السفر والحضر! لقد كانَ رهنَ إشارته من الأساس، وكان نفس النبيّ يأخذ بيد أمير المؤمنين؛ عينًا كالعبد الذي يتبع سيّده؛ فكان أمير المؤمنين يسير خلفه كالعبد الذي يركض وراء سيّده سواء في الحروب أم في الأسفار، كان يملأ القربة بالماء، وكان يرتّب مكان النبيّ، وكان يكنس وكان ينصب الخيمة له.

  • أمّا الأفراد الذين يقولون:

  • إنّ مقام عليٍّ أعلى من مقام النبيّ! وأنّ عليّاً هو ذاك الذي وضع قدمه على كتف النبيّ فكان ختم النبوّة تحت قدمه وأنّ غاية النبيّ في معراجه مقام عليّ ومعرفة عليّ!

  • فهؤلاء لا يفهمون ما يقولون! يريدون أنْ يرفعوا من شأن عليٍّ لكنّهم حطّوا منه بكلامهم هذا!

  • لقد وضعَ أمير المؤمنين قدمه على كتف النبيّ،٢ لكنّ ذلك عينًا مثل السيّد الذي يحمل طفله ويقول له: «يا عزيزي! ضع قدمك هنا وناولني ذاك الشيء من على الرف!» وهذا هو ما قام به، فكان نابعاً من شدّة الالتئام والاتّحاد بين روح أمير المؤمنين والنبيّ، لا بسبب رئاسة عليّ وتفوّقه على النبيّ؛ فهذا كفرٌ! فالنّبيّ خلال معراجه إنّما كانَ يعرج نحو مقام الولاية، ولكن الولاية هي حقيقة أمير المؤمنين وحقيقة الرسول، ونبوّة نبيّنا ليست خارجة عن مقام الولاية ولا مغايرة لها، وهذا لا يعني أنّ مقام النبيّ هو النبوّة وأنّ لعليّ مقام الولاية، فالنبيّ نبيٌّ ووليٌّ، وأمير المؤمنين إمامٌ ووليٌّ، فعليٌّ خليفةٌ ووليٌّ! إذن نبيّنا حائزٌ على الولاية؛ يعني:

  • هذا الظاهر كان يذهب خلف الباطن، وباطن نبيّنا هو الولاية!٣ والمسألة رفيعةٌ جدًا! ولا بدّ للإنسان أنْ يُدقّق في عباراته، فإذا اضطرب تعبير الشخص شيئًا مّا تبدّل الكفر بالإسلام، وتبدّل الإسلام بالكفر!

    1. نهج البلاغة (عبده)، ج ٢، ص ۱٥۷.
    2. المصنَّف، ابن‌أبي ‌شيبة الكوفي، ج ۸، ص ٥٣٤؛ مسند أحمد، ج ۱، ص ۸٤؛ شواهد التّنزيل، ج ۱، ص ٤٥٣.
    3. مزيد من الاطلاع يرجى مراجعة: معرفة الله، ج ٤، ص ۱٥۸- ۱٦۱ وولاية الفقيه في حكومة الإسلام، ج۱، ص ٣۱ وما بعد.

التأسي برسول الله بعنوانه قدوةً حسنةً - بياناتٌ حول آية: (لقد كان لكم في رسول اللَه أسوة حسنة...)

11
  • كلمات أمير المؤمنين في كيفيّة التأسّي بنبيّ الإسلام

  • لأمير المؤمنين عليه السلام خطبةٌ في نهج البلاغة يتكلّم فيها عن الشخصٍ الذي: «يَدَّعِي بِزَعْمِهِ أَنَّهُ يَرْجُو اللَّهَ! و...». فقال الإمام:

  • [أقسم بالله أنّ هؤلاء يكذبون «كَذَبَ وَالْعَظِيمِ!» ألديه أملّ بالله؛ أيُّ أمل؟! إنَّها آمال كاذبة! فمن كان لديه أملٌ لا بدّ وأنْ يظهر أثر الأمل عليه! «مَا بَالُهُ لَا يَتَبَيَّنُ رَجَاؤُهُ فِي عَمَلِهِ فَكُلُّ مَنْ رَجَا عُرِفَ رَجَاؤُهُ فِي عَمَلِهِ...» كذلك من كان عنده خوفٌ من شيءٍ فإنّ أثر ذلك الخوف يظهر في عمله!].

  • وهؤلاء الناس يدّعون أنّ لديهم خوفًا من الله، ولكن لا يبدو عليهم أثر ذلك؛ لدينا أملٌ بالله، ولكن لا أثر له؛ في حين أنّ أثرَ الرجاء من غير الله ظاهر وكذلك أثر الخوف من غير الله، ناهيك عن ذلك كلّه! فمن لديه أملٌ بالله يتأسّى بنبيّه، ويطوي المسير الذي اجتازه النبيّ في سيره نحو الله، فتنكشف له المعارف والأسرار التي انكشفت للنبيّ، لا أنّه يمشي خبط عشواء وينحرف عن الطريق ويكتفي بالألفاظ ويدّعي أنّهم لديهم أملّ بالله وبأنَّ الله هكذا وهكذا! «وَلَقَدْ كَانَ فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلّى الله عليه وآله كَافٍ لَكَ فِي الْأُسْوَةِ...».

  • ثمّ قال الإمام بعد ذلك:

  • هلاّ فكّرتَ في كيفيّة أعمال نبيّك وبأنّها من أيَّ نوعٍ من السلوك كانت؟ وكم كان صادقًا؟ وكم كان عفيفاً؟ كم كانَ صبورًا؟ كم كان واسع الصدر؟ كم كانَ عليمًا؟ كم كان حليمًا؟ هل فكّرتَ في ذلك؟ تعال وتأسّى بالنبيّ حتّى يصدّق الله رجاءك، وحتّى يظهر أثر الرجاء في عملك!

  • «وَإِنْ شِئْتَ ثَنَّيْتُ بِمُوسَى كَلِيمِ اللَّهِ...» وإلّا فلتتأسّ بالنبيّ موسى، وانظر كيف كان نهج هذا النبيّ، وأيّ حالاتٍ كانت لديه في تلك الأربعين ليلة التي مكث فيها على جبل الطور؟! لم يأكل ولم يشرب! واشتعل العشق الإلهيّ في روحه، وأحرق حبّ الله وجوده! «وَلَقَدْ كانَت خُضْرَةُ الْبَقْلِ تُرَى مِنْ شَفِيفِ‌ صِفَاقِ بَطْنِهِ لِهُزَالِهِ وَ تَشَذُّبِ لَحْمِهِ‌!». يعني: صارَ نحيفاً إلى الحدّ الذي كان يبدو من جلد بطنه ما في معدته من الخضار وأوراق الشجر التي كان يأكلها! فهو من أنبياء أولي العزم!

التأسي برسول الله بعنوانه قدوةً حسنةً - بياناتٌ حول آية: (لقد كان لكم في رسول اللَه أسوة حسنة...)

12
  • «وَإِنْ شِئْتَ قُلْتُ فِي عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَليْهِ السّلَام!» فتأمّل كيف كان هذا النبيّ الذي كان من أولي العزم؟ لم يعمّر منزلاً «فَلَقَدْ كَانَ يَتَوَسَّدُ الْحَجَرَ وَيَلْبَسُ الْخَشِنَ وَ يَأْكُلُ الْجَشِبَ وَكَانَ إِدَامُهُ الْجُوعَ وَسِرَاجُهُ بِاللَّيْلِ الْقَمَرَ وَظِلَالُهُ فِي الشِّتَاءِ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا (أي: من حيث تشرق الشمس) وَفَاكِهَتُهُ وَرَيْحَانُهُ مَا تُنْبِتُ الْأَرْضُ لِلْبَهَائِمِ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ زَوْجَةٌ تَفْتِنُهُ وَلَا وَلَدٌ يَحْزُنُهُ وَلَا مَالٌ يَلْفِتُهُ وَلَا طَمَعٌ يُذِلُّهُ دَابَّتُهُ رِجْلَاهُ وَخَادِمُهُ يَدَاهُ‌».

  • «وَإِنْ شِئْتَ ثَلَّثْتُ بِدَاوُدَ صَلوات الله عَليِه»، [صَاحِبِ الْمَزَامِيرِ وَقَارِئِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَلَقَدْ كَانَ يَعْمَلُ سَفَائِفَ الْخُوصِ بِيَدِهِ‌ وَيَقُولُ لِجُلَسَائِهِ أَيُّكُمْ يَكْفِينِي بَيْعَهَا وَيَأْكُلُ قُرْصَ الشَّعِيرِ مِنْ ثَمَنِهَا.] فمع ما كان لديه من مقام الجلال والعظمة والسلطة، كان يصنع بيده الدروع من الحديد ويحيك السِلال من ألياف النخيل ويقول لتلامذته: «من منكم يذهب ويبيع ذلك ويحضر نقوده؟» فكان يُعيل نفسه من تلك الأموال ويشتري قوته ويقتات عليه».

  • ثمّ قال الإمام بعد ذلك:

  • «فَتَأَسَّ بِنَبيِّكَ الأطيَبِ الأطهر»!۱ يعني: تأسَّ بنبيّك الذي هو أصفى وأطهر وأعلى من الجميع!

  • إنَّه نبيّك! فلماذا تتأسى بأولئك! لقد كانت حكومة الجزيرة العربيّة بأكملها بيده، وفي نفس تلك الحقبة أرسل بالرسائل إلى ستة دوّل متحضرة يدعوها إلى الإسلام!٢ لقد كانت الناس يُحبّونه جدًا به بحيث كانوا يأتون من أماكن بعيدة ويتنازعون لأخذ ماء وضوئه للتّبرّك به!٣ [مع ذلك لم يركب] هذا النبيّ طوال فترة حياته على فرسٍ إذا كان هناك شخصٌ معه أدنى منه وفي ركابه، وكان هذا الشخص يركب حمارًا.

  • وكذلك لم يكن ليمتطي دابّةً إذا كان معه أحدٌ يمشي على قديمه خلفه،٤ وإذا كان عنده ضيفٌ في منزله فلم يكن يجلسه بين يديه،٥ ثمّ هل كانَ في بيته فراش؟ لم يكن النبيّ يقتني فراشاً في داره، فنصف غرفته ترابٌ ونصفها الآخر من ليف النخيل كان يتخذها فراشًا لنفسه!٦ وكان يأكل خبز الشعير إلى آخر عمره،۷ وقد روت عائشة بعد وفاته: «لم يملأ النبيّ معدته من خبز الدقيق (القمح) حتّى توفّي!» فقال أمير المؤمنين: «لقد كذبتْ! فالنبيّ لم يصل حدّ الشبع في سائر طعامه، ولم يأكل خبز الدقيق أصلًا!»۸ وليس لأنّه لم يكن متيسرًا له، فقد كان لديه كلّ شيء ولكن تواضعًا لله؛ ولم يكن يمارس الزهد ليبطل نعم الله فلا يأكلها! كلا، فهو عارف بالله، ولكن كان يرى نفسه شريفةً إلى القدر الذي يجعله لا يصرفها في شيءٍ غير الله، وفي غير المطالب العالية، والأبحاث الراقية والعرفان والتوحيد وتكميل البشر والإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والموعظة والخطبة والجهاد والحجّ، ولم يكن ليعطي قيمةً وقدرًا لغيرها من الأمور، فإذن ليس هناك أيّ وقتٍ أو فرصة كي يصرفها في أن يصنع الملابس لنفسه! هذه الأمور هي للآخرين والمرفّهين والمتفكّهين بالدنيا! تأسَّ بنبيك وتأمل من هو نبيّك!

    1. نهج البلاغة (عبده)، ج ٢، ص ٥٦.
    2. الطّبقات الكبرى، ج ۱، ص ۱٩۸؛ تاريخ الطبري، ج ٢، ص ٦٤٤.
    3. صحيح البخاري، ج ۱، ص ٩٩.
    4. مكارم الأخلاق، ص ٢٢.
    5. الكافي، ج ٢، ص ٦٦٢.
    6. الزّهد، ص ٥۰؛ الأمالي، للصدوق، ص ٤٦٦؛ مكارم الأخلاق، ص ٢٥.
    7. روضة الواعظین، ج ٢، ص ٤٥٦.
    8. مكارم الأخلاق، ص ٢۸؛ روضة الواعظین، ج ٢، ص ٤٥٦؛ مع قدرٍ من الاختلاف.

التأسي برسول الله بعنوانه قدوةً حسنةً - بياناتٌ حول آية: (لقد كان لكم في رسول اللَه أسوة حسنة...)

13
  • «يكونُ السِّترُ عَلى بابِ بَيتِهِ فتَكونُ فيه التَّصاويرُ؛ فيقولُ: «يا فُلانَة! (لإحدى أزواجِهِ) غَيّبيهِ عَنّي! فإنّي إذا نَظَرتُ إلَيهِ ذَكرتُ الدُّنيا وزَخارِفَها».۱ 

  • «خَرَجَ مِنَ الدُّنيا و لم يضَع لَبِنَةً عَلى لَبِنَةٍ و لا آجُرَةً عَلى آجُرَةٍ»٢ .

  • كان يجلس بين الناس، ويحاورهم ويضحك بين المؤمنين، وكان يقطّب ويعبس في وجه المشركين والكافرين ويذلّهم! وكانت النساء تحبّه، وكان الرجال يحبّونه، وكان يختلط مع الجميع، ولم يكن متكبرًا، أو يرى لنفسه شأنًا، وكأنّما هو أحد منهم! كانوا يقولون: يا محمّد تعال! فيأتي. ويقولون له: اذهب! فيذهب. كانوا يدعونه إلى منازلهم فيلبّي، دون أن يتأمّل في طبيعة هذه الدعوة من كون صاحب المنزل فقيرًا أو معدمًا، بل كان يحبّ ذلك ويأتي!٣ وإذا دَعَوه على فخذ غنم ولو في كُراع الغميم، كان يلبي؛٤ أي إذا دعاه رجل أو أرملة وقالت: يا محمّد تعال اليوم إلى منزلنا! وحتّى لو كان منزله في کراع الغَمیم٥ كان يذهب ويلبّي ويجلس ويتكلّم ويظهر المودّة بحرارة ويسأل عن الأحوال، فكان يسأل عن أحوال المضيّف ويسأل عن أحوال أولاده ويجيب عن إشكالاته ويسأله عن مشكلاته. وإذا كان حافظًا لسورة من القرآن ولديه شيء من الاشتباه فيها كان يقرأها في محضر النبيّ وهو يصحّح له. وكان يتصرّف دون أيّ تكلّفٍ أبدًا! وقوله عزّ وجلّ: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٖ﴾،٦ يُوضح هذا المعنى!

  • أيّها المسلمين تأسّوا بنبيكم! هل رأيتم من هو نبيّك؟! كان يقوم الليل متعبدًا وأيّة عبادة عظيمة كانت برفقة أصحابه وأنصاره وأهل بيته!۷ ولم يكن النبيّ ينام كثيرًا، فكان ينام قليلًا، بحيث كان فراشه مطويّاً أغلب الوقت.۸

  • بناء منهج النبيّ الأكرم على أساس الحقّ

  • وأمّا الذين يقولون: «إنَّ النبي كانَ فيلسوفًا وشجاعًا ومبارزًا وأنّ الدين ليس دينًا إلهيّاً»، فهؤلاء هم المعاندون والزنادقة من النصارى، ويريدون طمس حقيقة الإسلام بهذا الكلام!

  • لقد كان النبيّ رجل حقّ، وكان يقول: «إنّ الله حقّ وأساس الحقّ قائم في التوحيد، وسائر القوانين والأحكام هي قائمة على أساس التوحيد، وهذا هو الطريق الذي انتهجته وعلى جميع البشر أن يستفيدوا ويربحوا من هذه السفرة». متى قاتل النبيّ من أجل الحصول على المال وكسب الغنيمة؟! كان يصل إلى حدود الأعداء ويقول لهم:« اسلموا! دعوا عبادة الأصنام والسرقة والقمار والتعدّي على حقوق الآخرين!» ثمّ يقول: «وداعًا! سنعود اليوم!».

    1. نهج البلاغة (عبده)، ج ٢، ص ٥٩.
    2. المصدر نفسه، ص ٦۰؛ الكافي، ج ۸، ص ۱٣۰؛ مع قدرٍ من الاختلاف.
    3. مكارم الأخلاق، ص ۱٦ ـ ٢۱؛ حلية الأبرار، ج ۱، ص ٣۱۱ ـ ٣۱٤.
    4. من لا يحضره الفقيه، ج ٣، ص ٢٩٩.
    5. اسم أرض بين مكّة والمدينة يفصل بينها وبين مكة منزلين. (المحقّق).
    6. سورة القَلم (٦۸)، الآية ٤.
    7. حلية الأبرار، ج ۱، ص ٢٤٣ ـ ٢٥٢.
    8. لمزيد من الاطلاع حول مكارم أخلاق النبيّ صلّى الله علیه وآله وسلّم فالرجاء مراجعة: عيون أخبار الرّضا علیه السّلام ، ج ۱، ص ٣۱٦ ـ ٣۱٩؛ مكارم الأخلاق، ص ۱۱ ـ ۱٥.

التأسي برسول الله بعنوانه قدوةً حسنةً - بياناتٌ حول آية: (لقد كان لكم في رسول اللَه أسوة حسنة...)

14
  • هل رأيتم أو سمعتم في جميع مذاهب الدنيا أو التاريخ أنّ شخصًا كان يتحرّك ويحارب ويجاهد بهذا النحو؟! كان يسير بجيشه ويحرّك شبابه وعشائره والمسلمين وشبّانهم الذين رباهم النبي على هذه الشاكلة وكانت كلّ ذرّة منهم أثمن وأغلى من الدنيا والآخرة عند النبيّ، فالنبيّ ربّى شبابًا كهؤلاء، ثمّ مع ذلك يسير بهم ويتحمّل نفقة ذلك كلّه، ويشدّ بطنه بالحجر من شدّة الجوع كي لا يشعر بالجوع!۱ (لأنّ الإنسان حينما يبلغ منه الجوع مبلغًا، يضعف فإنْ شدّ معدته بشيء وضغط عليها

  • فسوف يشعر بالشبع ويقلّ شعوره بالجوع، بخلاف ما لو خلّاها وأرخاها فإنّها تبقى مرتخية، فيشعر بالجوع بسبب خلوّها فيتألم ويشعر بالجوع) فكان يضع حجرًا على بطنه من شدّة الجوع كي لا يتألّم! مع أنّه كان رسول الله!

  • وكان جميع أشراف مكّة والمدينة يقولون: «سيّدنا! تعال وارجع! نحن نعطيك عرشاً وبساطًا تجلس عليه ومالاً، ونهديك كلّ مجوهراتنا وذهبنا، ونجلب لك أجمل فتيات الدنيا اللاتي ترغبهنّ، فاهنأ في حياتك! وأوامرك نافذة علينا، ونقبل بكلّ ما تقول، ولكن لا تقل: إنّ الله واحد، تراجع عن كلامك هذا، ولا تأمرنا بذلك!» فكان النبيّ يقول لهم:

  • «والله لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته!». قولوا لا إلهَ إلّا اللَه، تُفلِحوا!٢ «فليس هناك أدنى شك بأنَّ الله واحدٌ، وأنتم عليكم أن تقولوا: إنَّ الله واحد!».

  • فكان النبيّ يحرّك المجتمع لأجل الدفاع والجهاد كي تدخلوا في الإسلام، فما أن يقولوا: أسلمنا! كان النبي يرجع؛ وتصبح أرواحهم محفوظة وأموالهم محفوظة ولا يحقّ لأيّ من المسلمين أنْ يمّد يده على امرأة منهم، أو أنْ يسلبها خلخالاً من قدمها؛ لأنَّهم أصبحوا مسلمين! وأمّا إذا لم يسلموا وقالوا: لن نعتنق الإسلام! فكان يقول: إذا كنتم مشركين ولا تعتقدون بالله أصلاً، فلا مفرّ من الحرب والجهاد؛ وأمّا إذا كنتم معتقدين بالله كاليهود والنصارى بإمكانكم أنْ تدفعوا الجزية لصندوق بيت مال الإسلام (كي ينفق النبيّ أموال هذه الجزية للتبليغ بينكم فتصبحوا مسلمين) فإذا دفعتم الجزية، فنحن لن نحاربكم أيضًا! أيّ منهجٍ هو على هذا النحو؟

    1. من لا يحضره الفقيه، ج ٢، ص ٢٩٥؛ مكارم الأخلاق، ص ٢٥۷ و ٢٥۸.
    2. تفسير القمّي، ج ٢، ص ٢٢۸، مع قدرٍ من الاختلاف.

التأسي برسول الله بعنوانه قدوةً حسنةً - بياناتٌ حول آية: (لقد كان لكم في رسول اللَه أسوة حسنة...)

15
  • علّة تعدد زوجات رسول الله

  • لقد تزوّج النبيّ في زمان حياته من عدّة نساء، وتوفّي مخلّفًا تسع زوجاتٍ!۱ ولكن من هم النساء اللائي تزوّجنّ الرسول؟! من أيّ الفتيات من ذوات الثلاث عشر والأربعة عشر عامًا اتخذهن النبيّ زوجاتٍ له؟ لم يتزوج نبيّنُا إلى أن بلغ سنّ الخامسة والعشرين، وكانت أول امرأة تزوّجها النبيّ هي السيّدة خديجة رضوان الله عليها، وقد تزوّجها النبيّ وعمره خمسًا وعشرين سنةً. وحينما تزوّج السيدّة خديجة كان عمرها يناهز الأربعين، فقد كانت أرملةً لزوجٍ سابقٍ ولديها أطفالٌ منه! كان أبو هالة هو الزوج السابق للسيّدة خديجة، وأولاد نساء النبي معروفون. وطوال المدّة التي كانت خديجة زوجةً للنبي لم يتزوّج من زوجةٍ ثانيةٍ!٢ 

  • كم سنةً عاشت السيّدة خديجة حتّى ارتحلت عن دار الدنيا؟ حينما كان عمر النبيّ خمس وعشرين سنة تزوج من السيّدة خديجة، وبعث بالنبوة في سنّ الأربعين، فيكون مضى على زواجهما خمسة عشر عامًا، وقد ارتحلت السيّدة خديجة عن دار الدنيا في السنة العاشرة من البعثة، وإذا أضفنا عشر سنوات على الأربعين عامًا، فسيكون عمر النبي خمسين عامًا. وكم كان عُمر السيّدة خديجة؟ أربعون بالإضافة إلى خمسة عشر تصبح: خمس وخمسين سنة؛ ثمّ نضيف إليها عشر سنوات، فتصبح: خمسة وستّون سنة.٣ أي إنّه رجلٌ لم يتزوّج من امرأةٍ في عنفوان شبابه في الثامنة عشر أو التاسعة عشر ثمَّ تزوج من أرملةٍ في سنّ الخامسة والعشرين وظل صابرًا مدّة خمسة وعشرين سنة أخرى ولم يتزوج من امرأةٍ أخرى إلى أن ارتحلت السيّدة خديجة عن دار الدنيا؛ فهل يمكن أنْ نعدّه رجلاً شهوانيّاً؟! وهل يمكن أنْ نحسب زواجه تلبيةً للدواعي النفسيّة؟! كلا، بل كان ذلك بناءً لتقديرٍ معين!

  • وبعد ذلك، مَن هنّ اللواتي تزوجهنّ النبيّ؟! جميعهن معروفات فقد سجّل التاريخ والأحاديث أحوال كلّ واحدةٍ منهنّ وسنّها والقبيلة التي تنتمي إليها.٤ لقد تزوّج النبيّ من بعضهنّ كي يُسلمَ قومهنّ وقبيلتهن؛ فقد تزوج النبي من [جويرية بنت الحارث] وببركة ذلك صدّق قومها واعتنقوا الإسلام.٥ وبعضهنّ كنّ يأتين إلى بيتَ النبيّ، ويطلبن الزواج ويقلن: «يا رسول الله! قُتِلَ أزواجنا في الحرب، وكنّا من أشراف قومنا، وقد كان أزواجنا من كبراء القوم، فليس بإمكاننا أن نتزوّج من أيّ إنسانٍ آخر؛ ونحن نحبّك، أتأذنْ لنا أنْ نخدمك في منزلك؟» فبماذا يجيبهنّ النبي؟ بسم الله، تفضلوا! فالأمر واضحٌ! وكانت صفية بنت حُیيّ بن أخطَب وأمها ابنة أحد كبار اليهود من بني قريظة؛ وكان النبيّ يحبّها وهي التي طلبت الزواج منه.٦ أمّ سلمة زوجة النبيّ كانت امرأةً كبيرةً في السنّ.۷ وأمّا حفصة زوجة النبيّ، فقد آذت النبيّ جدًا واستمرّت تُرسل له الرسائل إلى أجبر النبيّ على الزواج منها!

    1. السّیرة النبویّة، ج ٢، ص ٦٤٣.
    2. راجع:تاريخ الطّبري، ج ٣، ص ۱٦۰ و ۱٦۱؛ الطّبقات الكبرى، ج ۸، ص ۱۱ ـ ۱٣ و ص ۱۷٤؛ المعارف، ص ۱٣٣.
    3. راجع:الاستيعاب، ج ٤، ص ۱۸۱۸؛ الطّبقات الكبرى، ج ۸، ص ۱٤؛ أنساب الأشراف، ج ۱، ص ٢٣٦.
    4. راجع: الطّبقات الكبرى، ج ۸، ص ٤٢ ـ ۱۱۱؛ أنساب الأشراف، ج ۱، ص ٣٩٦ ـ ٤٦٤.
    5. الطّبقات الكبرى، ج ۸، ص ٩٢.
    6. المصدر السابق، ص ٩٥؛ أنساب الأشراف، ج ۱، ص ٤٤٢.
    7. أنساب الأشراف، ج ۱، ص ٤٣۱.

التأسي برسول الله بعنوانه قدوةً حسنةً - بياناتٌ حول آية: (لقد كان لكم في رسول اللَه أسوة حسنة...)

16
  • كان الأزواج يذهبون إلى الحرب ويستشهدون، فكان نساءهم يلجأن إلى النبيّ؛۱ وكان النبيّ ملاذًا لهنّ، وكانَ هو الذي يحمل هذا الثقل، كانَ يتحمّل حملَ الأمّة بأجمعها، وكان يسوقهنّ جميعًا نحو ذلك العالم؛ فيجب عليه أنْ يُحرّك هذه المرأة وتلك، ويُحرّك هذا الرجل ويُحرّك ذاك! فالنبيّ مسؤولٌ أمام وجدانه وفي محضر الله! لا أنّ قلبه يريد أن يحصل عليهنّ، بل لم يكن يعتني لما يريد قلبه؛ بل كان يرى أنّه يتوجب عليه أن يُؤدّي تكليفنا! وليس له الحقّ أنْ يضع قدمه على نملةٍ.

  • نعم نملة واحدة! لا حقّ للنبيّ حتّى في ذلك! لم يكن بإمكان النبيّ أن يضع قدمه على نملةٍ واحدةٍ!

  • كان النبيّ سليمان يسير مع عسكره في وادي النّمل، فقالت رئيستهم: يا أيّها النمل ادخلوا مساكنكم بسرعة! فها هو سليمان وجنده آتون فيحطموننا ﴿وَهُمۡ لَا يَشۡعُرُونَ﴾؛ أي: «لا يلتفت هؤلا ولا يشعرون!»٢ يعني: لو كان لدى سليمان وجنوده شعورًا لما سحقونا بأقدامهم! وقد نسبت تلك النملة عدم الشعور إلى النبيّ سليمان!

  • أمّا نبيّنا فقال: لا يحلّ لكم قتل نملةٍ بشكلٍ عبثيٍّ، ويجب أنْ لا نقتل النمل بالنار!٣ وإن كان هناك ضررٌ، فلك أن ترفع الضرر ولو بقتله، ولكن لا يحقّ لك أن تحرقه!٤ كذلك لا يحقّ لك أنْ تُحرق قطّة المنزل بالنار، ولا أنْ تلقي بالفأرة في النار وتحرقها، وليس لك أن تحرق بعوضة! فإذا كانت مضرّةً فاقتلها، ولكن إذا أردتَ قتلها فاقضِ عليها بضربةٍ واحدةٍ، وأمّا إذا أبقيت على الفأر حيّاً وآذيته وعذبته فقد قدت نفسك إلى جهنّم! أي إنّ الله يدخل الإنسان إلى جهنّم من أجل قتله الفأرة والهرّة!٥ فليس للإنسان أن يحرقَ الغنم أو البقر، وليس له الحقّ بأن يحرق أيًا من الحيوانات!٦ يجب علينا أن نتأسّى بالنبيّ، فالنبيّ هو قدوتنا، وهذا حقٌّ لنبينا!۷

  • كم كان النبيّ عطوفًا على النساء وحليمًا عليهنّ؟! إذ لم يكنَّ نساءً ملكوتيات! بل كنّ من جميع الأصناف! فأعانَ الله النبيّ من يد هؤلاء النسوة، ماذا صنعن!! فقد أنزلوا كلّ بلاءٍ يمكن أن تفترضوه على رأس النبيّ؛ حتّى أنّهن كُنّ يضعن في طعامه بعض المواد ذات الرائحة السيّئة مثل الثّوم حتّى يأكل النبيّ منه ويتأثّر فمه برائحتها ثمّ تظهر سائر زوجاته النفور منه، فلا يذهب النبيّ إليهنَّ!۸ كان النبيّ في غرفة عائشة، وقد صنعت إحدى زوجاته بعض الحساء في بيتها وأحبّت أن يأكل النبيّ منه ـ فسكبت وعاءً له وأحضرته؛ فما إن رأت عائشة من أين جاء ذلك الوعاء ووضعوه أمام النبيّ حتّى أخذته من النبيّ ورمته وكسرته وأراقت الحساء! كيف كان النبيّ يتعامل مع ذلك؟ هل كان يلاحقهنّ بالعصا؟! كلا؛ بل كان يقول:«لماذا فعلتي ذلك! فلا ذنب لهذا الطعام، وقد كسرتي الوعاء وأنتِ الضامن له!»٩ فإنَّ تلك المرأة قد أبرزت محبّةً وأحضرت الطعام إلى هنا، ولم يكن فعلها فعلًا سيئًا! وعلى الإنسان أن يتحمّل، ويجب أن يصبر! هذه معجزة النبيّ! كلّ هذا التحمّل! وقول الله عزّ وجلّ:﴿وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٖ﴾۱۰ يتّضح في هذه الأحوال!۱۱

    1. لمزيدٍ من الاطلاع على دواعي وعلل تعدّد زوجات رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم الرجاء مراجعة: المُصطَفى من سيرة المصطفى صلّى الله علیه وآله وسلّم، ج ۱، ص ٢٩۸ ـ ٣۰۰.
    2. سورة النمل (٢۷)، الآية ۱۷ و ۱۸.
    3. الخصال، ج ۱، ص ٢٩۷ و ٣٢۷.
    4. قرب الإسناد، ص ٢٩٤.
    5. الجعفریّات، ص ۱٤٢؛ ثواب الأعمال، ص ٢۷۸.
    6. من لا يحضره الفقيه، ج ٤، ص ٥.
    7. لمزيد من الاطلاع حول لزوم التأسي بالنبي الرجاء مراجعة: معرفة الإمام، ج٩، ص٢٤٩؛ سیری در تاریخ پیامبر اکرم صلوات الله علیه وعلی آله أجمعین (فارسي)، ج ۱، ص ٣٥۷ ـ ٣۸٩؛ ج ٢، ص ۱٢٤.
    8. صحيح البخاري، ج ٦، ص ۱٦۷؛ صحيح مسلم، ج ٤، ص ۱۸٥؛ الطّبقات الكبرى، ج ۸، ص ۱٣٦؛ بحار الأنوار، ج ٢٢، ص ٢٢۸.
    9. مسند أحمد، ج ٦، ص ٢۷۷.
    10. سورة القَلم (٦۸)، الآية ٤.
    11. لمزيد من الاطلاع على مكارم أخلاق النبيّ الأكرم صلّى الله علیه وآله وسلّم الرجاء مراجعة: عيون أخبار الرضا علیه السّلام، ج ۱، ص ٣۱٦ ـ ٣۱٩؛ مكارم الأخلاق، ص ۱۱ ـ ۱٥.

التأسي برسول الله بعنوانه قدوةً حسنةً - بياناتٌ حول آية: (لقد كان لكم في رسول اللَه أسوة حسنة...)

17
  • حينئذٍ يَثبتُ أنّه ينبغي أنْ تكون عصمة المرأة بيد الرجل، وعلى الرجل أن يحفظ عصمة المرأة، ويجب عليه أن يحفظها من المخاطر والمهالك.

  • صبر الرسول الأكرم وتحمّله أمام المؤامرات والأذيّة المتكرّرة من بعض زوجاته

  • كان النبيّ يخطب في النّاس، وكانت خطبته حول التوحيد والمعاد والموعظة، فالنّاس وأولئك الذين اعتنقوا الإسلام كانوا يفهمون ويدركون؛ يعني: كانوا يدركون من ناحية الأنوار الملكوتيّة ويصبحون مسلمين.

  • كان النبيّ يخطب في الناس على المنبر، إذ وقع خلافٌ بين النّاس؛ وتنازعت قبيلتي الأوس والخزرج، حيث كان لهما سوابق في النزاع! لقد كانوا مجلس النبيّ وفي حضوره، وكانت كلّ فرقة منهم ترمي النعال على الأخرى؛ وكان النبيّ على المنبر! وكان النبي يُهدّئهم.۱ وكانوا يقفوا مقابل النبيّ ويتجادلون!

  • وهناك العديد من الروايات المروية من طرق الشيعة، وقد نقل السنّة ذلك أيضًا، وقد رأيتُ أيضًا في السيرة الحلبيّة وهو من مدونٌّ سنيٌّ للسيرة:

  • حينما كانت تغضب عائشة، كانت تقول للنبيّ: «أنتَ الّذي تَزعُمُ أنّك رسولُ الله»! يعني: أنت الذي تقول: إنّي رسول الله! تفعل هذا الفعل؟!٢ و ٣

  • وكانت حفصة ـ ابنة عمر ـ تخاصم النبيّ، فكانت تزعجه وكانت تُؤذيه وتقوم بالبهتان والنميمة وتوقع النساء في خصام بعضهنّ البعض، وكانت تثير الفتنة، فكان النبيّ يأمر أحد الأشخاص أن يحضرها إلى المكان الفلاني كي يحكم بينه وبينها، فكان يرسل وراء والدها عمر ليأتي وليقض بين النبيّ وبين ابنته! وحينئذٍ تأمل قداسة هؤلاء! هذا هو رسولنا! وكان عمر يضرب في بعض الأحيان، أنْ لماذا فعلتِ هكذا مع النبيّ؟!٤ فهذا ما كان يفعله! لقد كان فردًا من هذا القبيل!

  • ثمّ أيّ بلاء ومصائب أنزلوها على رأس أُمّ سلمة!٥ وإذا أردتّم أنْ تعرّفوا جيّدًا ما المصائب التي أنزلوها على رأس السيّدة فاطمة الزهراء، فعليكم بمراجعة شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، فقد بيّن هذا الرجل السنّي المذهب الشافعيّ المعتزليّ الأمر بنحوٍ جليٍّ: «إذا أردتّم الوقوف على سبب معاداة عائشة لفاطمة الزهراء عليها السلام، قال: سألتُ أستاذي وأبان لي الكثير عن ذلك!» ويشرح أسباب ذلك بشكل ٍمفصّل وبشكلٍ متقنٍ ومحكمٍ.٦ 

    1. السّيرة النبويّة، ج ٢، ص ٣۰۰؛ تاريخ المدينة، ج ۱، ص ٣٣٢؛ تاريخ الطّبري، ج ۱، ص ٦۱٤.
    2. السّيرة الحلبيّة، ج ٣، ص ٣۱٣.
    3. لمزيدٍ من الاطلاع على نبذة من المخالفات والأذيّة التي ارتكبتها عائشة تجاه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، الرجاء مراجعة: جواهر التّاريخ، ج ٣، ص ٦۰٦ ـ ٦۰۸.
    4. راجع:مجمع البیان، ج ۸، ص ٥٥٥؛ مسند أبي‌ یعلي، ج ۱، ص ۱٦۰؛ جامع البیان، ج ٢٢، ص ٤۱.
    5. راجع: سنن النّسائي، ج ۷، ص ۷۰؛ الطّبقات الكبرى، ج ۸، ص ٦٣ و ۱٣٦؛ أنساب الأشراف، ج ۱، ص ٤٢٥؛ المستدرك، ج ٤، ص ۱۰٥؛ صحيح البخاري، ج ٣، ص ۱٣٢؛ ج ٦، ص ۱٦۷ و ۱٦٩؛ الكشف والبیان، ج ٩، ص ۸۱.
    6. شرح نهج البلاغة، ابن‌ أبي الحدید، ج ٩، ص ۱٩٢.

التأسي برسول الله بعنوانه قدوةً حسنةً - بياناتٌ حول آية: (لقد كان لكم في رسول اللَه أسوة حسنة...)

18
  • كم كان النبيّ عجيبًا! كان عجيبًا جدًا! فأيّ صبرٍ كان لدى النبي وكم تبلغ سعته؟ بحيث كانَ يرى حقيقة الأعمال التي سيرتكبها الشخص لاحقًا أمام عينيه، ومع ذلك لم يكن يرتكب خطئًا ولو بجملةٍ أو كلمةٍ أو لفظٍ سيّءٍ!

  • ذات يوم كان النبيّ متأثرًا، وكانت النساء جالسات عند النبيّ، فقال:

  • «لَيتَ شِعري أيّتُكنَّ صاحِبةُ الجَمَلِ الأدبَبِ تَنبَحُها كلابُ الحَوْأب»؛۱ 

  • يعني: لا أدري أيّتكنّ سوف تركب الجمل الكبير ذي الوبر الأحمر، وتمشي في منطقة الحوأب حيث تهجم الكلاب على هذا الجمل وتنبح عليها!

  • لقد قال النبيّ هذه الجملة؛ فبدأت النساء في التفكير: متى يقع ذلك؟ وأيٌّ منّا ستمتطي الجمل ذو الوبر الأحمر وتعبر منطقة الحوأب ثمّ تهجم عليها الكلاب، والنبيّ انزعج من أمرنا؟

  • وقد كتب كلٌّ من الشيعة والسنّة جميعًا، وذكر ذلك مؤرخين مهمين كالطبري:

  • عندما ركبت عائشة الجمل وجاءت إلى البصرة لتقاتل أمير المؤمنين، كانَ الذي يأخذ بزمام ناقتها ابن أختها عبد الله بن الزبير، فجأةً وصلوا إلى أرضٍ في وسط الطريق، فهجمت الكلاب على جمل عائشة، وكانت عائشة فطنةً، فسألت فورًا: «ما هو هذا المكان؟ وماذا يسمّون هذا المكان؟».

  • فأجابوا: «هنا الحوأب».

  • فقالت: «الويل لي! أنا هي مصداق كلام النبيّ «أیّتُكنَّ [صاحِبةُ الجَمَلِ الأدبَبِ تَنبَحُها كلابُ الحَوْأب]!»

  • فقال لها عبد الله: «ماذا تقولين؟! ما هذا الكلام؟! فلعل الحوأب مكانٌ آخر غير هذا المكان، ولعلّ الناقة هي غير هذه الناقة! ولكن إذا أردتِ أن ترجعي، فلنرجع!».٢ 

  • لقد وقعت نفس تلك القضيّة، وقد نبحت الكلاب وهجمت على عائشة!

  • أسباب محبّة النبيّ الأكرم للسيّدة فاطمة الزهراء وتعلّقه الشديد بها

  • كان النبيّ يحبّ فاطمة الزهراء حبّاً جمّاً، وهذه المحبّة لأمر يرجع إلى سرّ النبيّ، ففاطمة الزهراء ابنة النبيّ وسرّه! كان يُحبّها أكثر من جميع أولاده، كان يُحبّها أكثر من ابنته الأخرى زينب، وكان يحبّها أكثر من جميع هؤلاء! ناهيك عن أنّها قد ولدت من السيّدة خديجة زمان البعثة، بعد أنْ آتاه الله العليّ الأعلى بالنبوّة.٣ ففاطمة الزهراء كانت أنموذجًا! إذا أردتم أن تعلموا الأمر إجمالًا، فإنَّ الأئمّة عليهم السّلام من نسل أمير المؤمنين وفاطمة الزهراء؛ يعني: لا بدّ أن تمتلك فاطمة الزهراء قدرًا عظيمًا من الطهارة والعصمة بحيث أنّه ينبغي لصاحب الزمان مظهر العدل والتوحيد أن يولد من رحم فاطمة الزهراء؛ وينبغي لسيّد الشهداء أن يولد من فاطمة؛ فلا يمكن للعالم أن يرى سيّد الشهداء مِن غير هذا الرحم! ويجب أن ينحدر الإمام الرضا من ذلك الرحم، وكذلك موسى بن جعفر يجب أنْ ينحدر من هنا، والإمام محمّد التقيّ يجب أن يكون من هنا؛ ولا بدّ للأئمّة أن ينحدروا جميعًا منها! إنّ والد الأئمّة هو أمير المؤمنين الذي يُبين لنا بنفسه ترجمة حياته منذ زمان طفولته حتّى سنّ وفاته،٤ كذلك يجب أن تكون أمّهم، فهي أيضًا سرّ النبيّ! «سرّ النبيّ» يعني: النبيّ، غاية الأمر نبيٌّ صغيرٌ، نبيٌّ في سنِّ الثامنةَ عشْرَ، بحيث كانت جميع روحيّاته وأخلاقه وحالاته المعنويّة والتوحيديّة قد نقشت فيها!

    1. الإيضاح، ابن ‌شاذان، ص ۷٥؛ معاني الأخبار، ص ٣۰٥.
    2. تاريخ الطّبري، ج ٤، ص ٤٦٩؛ أنساب الأشراف، ج ٢، ص ٢٢٤؛ الفتوح، ج ٢، ص ٤٥۷؛ المصنَّف، للصنعاني، ج ۱۱، ص ٣٦٥؛ شرح الأخبار، ج ۱، ص ٣٩۸؛ مسند أحمد، ج ٦، ص ٥٢. مع قدرٍ من الاختلاف.
    3. الكافي، ج ۱، ص ٤٥۷؛ الهداية الكبرى، ص ۱۷٥.
    4. راجع: نهج البلاغة (عبده)، ج ٢، ص ۱٥٦ ـ ۱٦۰.

التأسي برسول الله بعنوانه قدوةً حسنةً - بياناتٌ حول آية: (لقد كان لكم في رسول اللَه أسوة حسنة...)

19
  • إنّ رأي النبي ليس رأيًا ظاهريًا، وإنّما رأيه الواقعي هو رأيٌ ملكوتيٌّ. كلّما أراد النبيّ أن يُسافر، لم يكن يخرج من بيوت زوجاته، بل كان ينطلق من حجرة ابنته؛ وحينما يعود من سفره، فكان يذهب إلى منزل فاطمة أوّلًا فيقف ويسلّم عليها، وبعد ذلك يذهب إلى منزله.۱ كان يقبّل فاطمة ويقبّل يدَ فاطمة ويقبّل نحرها.٢ وكلّما أتت فاطمة إلى أبيها، كان النبيّ يقوم لها ويجلسها مكانه.٣ وكان هذا الأمر ثقيلًا جدّاً على النساء العاقرات اللواتي لا نسل لهنّ ويرين كيف يفعل الزوج مع ابنة زوجته المتوفاة!

  • حسد بعض زوجات النبيّ وحقدهنّ تجاه السيّدة فاطمة الزهراء

  • تارة تكون المرأة كأم سلمة امرأةً مؤمنةً، وكلّما ازداد حبّ النبيّ لفاطمة الزهراء ازداد سرورها؛ لأنّها داخل هذا الحرم؛ ولكن أحيانًا تكون الزوجة ملوّثة، يعني: الغشّ نابتٌ في روحها، وهو مما يؤدّي إلى حصول الحقد والبهتان والأذيّة والسعاية والتكلّم بكلام قبيحٍ ونسبة السوء إلى النبيّ! فكيف ترى النبيّ يُجلسُ أولاد ابنته على ركبته في حين أنّها لا أولاد لها؟! فهي تريد أنْ يكون لها هذا النوع من المحبّة من جانب النبيّ والتي كان يكنّها لفاطمة الزهراء، في حين أنّ النبيّ لا يستطيع ذلك فهو صاحب رؤيةٍ ملكوتيّةٍ، فالنبيّ ليس رجلًا شَهَويّاً، ولم يكن زواجه على أساسٍ شهوانيٍّ!

  • أتتْ عائشة إلى منزل النبيّ وكانت فتاة، ولكن النبيّ لم يتعامل معها كما كان يتعامل مع فاطمة؛ فهي سرّه، وهي ملكوته، وأمّا تلك فهي مجرّد جسم وظاهر! إلاّ أنّهن يقُلنَ: كلا، فبمجرد أن أصبحنا زوجات، نريد أنْ تجعلنا في كفةِ الميزان وهي في الكفة الأخرى! ولكن لا يُمكن جعلهنّ في ميزانٍ واحدٍ! إذ لا يمكن وضع العلم والجهل في ميزانٍ واحدٍ، ولا يمكن وضع النور والظلمة في ميزانٍ واحدٍ، ولا يمكن للنبيّ أن يفعل ذلك! على النبيّ أنْ يحفظ حقّ كلّ شخصٍ بما يتناسب مع حدوده، لذلك كُنّ يحقِدن، وكّن يؤذين، حتّى أنَّ فاطمة الزهراء كانت تأتي إلى منزل النبيّ فيقلن لها: «النبي ليس موجودًا» ولا يفتحنَ لها الباب!٤ 

  • ولقد انتقلت العداوة والحقد تجاه السيّدة الزهراء من داخل بيت النبيّ إلى خارجه

    1. مسند أحمد، ج ٥، ص ٢۷٥؛ مكارم الأخلاق، ص ٩٤.
    2. تفسير فرات الكوفي، ص ۷٥؛ الأمالي، الطوسي، ص ٤۰۰؛ إعلام الورى، ج ۱، ص ٢٩٦.
    3. الأمالي، الطوسي، ص ٤۰۰؛ إعلام الورى، ج ۱، ص ٢٩٦.
    4. وردت هذه القصّة في الاحتجاج، ج ۱، ص ۱٩۷، بين أمير المؤمنين عليه السّلام وعائشة. (المحقّق).

التأسي برسول الله بعنوانه قدوةً حسنةً - بياناتٌ حول آية: (لقد كان لكم في رسول اللَه أسوة حسنة...)

20
  • فما الذي جرى! ما الذي جرى! لقد سرى هذا الحزب من الداخل إلى الخارج؛ فإنَّ الحزب المخالف لأهل البيت والذي كان في منزل النبيّ والمكون من أمّ حبيبة وحفصة وعائشة وعدّةٍ آخرين كانوا مرتبطين بالخارج مع أبي سفيان وعمر وأبي بكر ومعاوية وهؤلاء كانوا على ارتباطٍ وكان بينهم اتصالٌ وعلاقة يتناقلون الأسرار من داخل بيت النبيّ إلى خارجه.۱ وقد ورد في سورة التحريم: 

  • أنّ النبي أحضر [بعض] زوجاته وقال: «ألم أنهكنّ عن نقلِ ما يُقال داخل البيت إلى الخارج؟! فلماذا نقلتنّ هذه الأمور؟!» فقلنَ: «لمْ ننقلْ شيئاً» فتلى النبي عليهنّ الآية القرآنيّة. فقالوا: «من أنبأك بهذا؟» قال: «نبأّني جبرائيل!».٢ 

  • سبب خلود حقيقة السيّدة الزهراء سلام الله عليها

  • إنَّهم لا يستطيعون معاداة السيّدة الزهراء من جهة التقوى والعدالة والنورانيّة والطهارة، لذلك عمدوا إلى قتل السيّدة فاطمة الزهراء وهي في سنّ الشباب!

  • وعمدوا إلى إسقاط محسنها! وقاموا بغصب فَدَكِها وجلدوها بالسوط!٣ ولكن لا تستطيع هذه السياط أن تُؤذي ذلك المقام المعنويّ ولا ذلك المقام؛ فحتّى لو قطّعوا فاطمة الزهراء إربًا إربًا، تبقى فاطمة الزهراء، وهي شفيعةٌ للأمّة في جميع العوالم، وهي حاملة لواء التوحيد يوم القيامة، وهي مركز عصمة الإمام عليّ وطهارته! وسواء قطّعتموها إربًا إربًا أم لم تفعلوا، فالإمام الحسين ابنها هي! فاقتلوا أنفسكم في سبيل أن لا تقولوا للإمام الحسين: «ابنُ ‌رسول ‌الله؛!». ولكن الواقع هو أنّ الإمام الحسين هو الإمام الحسين ومن فاطمة الزهراء، وفاطمة الزهراء بنت النبيّ، والآن سواءً أردتم أن تُسَمّوه ابن النبيّ أم لم تريدون؛ فلن يُغيّر ذلك من الواقع الخارجيّ شيئًا!

  • هناك موجودٌ وُجد في هذه الدنيا، وهناك امرأة أتت إلى هذا العالم، وأحبّت والدها إلى هذا القدر، وأصبحت عاشقةً له وتأسّت به بنبيها ووالدها حتّى صارت روحها روحَ النبيّ، وأصبح سرّها سرّ النبي؛ ولكن واقعًا كم هو أمرٌ مؤسفٌ! إنّهم جهلة ولا يعلمون، ويُريدون أنْ يهدموا هذا الأساس؛ يريدون أن يأتون ليزيلوه من الوجود، والحال أنّ هذا الأساس لا يقبل الزوال والحذف!

  • عاد النبي من سفره فقدم إلى منزل فاطمة أوّلًا، فرأى ستارًا مسدلًا، فعاد من باب منزل فاطمة ودخل المسجد. التفتتْ فاطمة بسرعة وعلمتْ السبب في رجوع النبيّ؛ فهو كان يأتي دائمًا إلى المنزل ويجلس. فنادتْ: «يا سلمان، تعال! خذْ هذا سواري الفضيّ!» وكان الستار ما زال منسدلًا، فنزعت الستار ثمَّ قدمت الستار والسوار لسلمان وقالت: «اذهب وضعهما بين يدي أبي، وقل له أنْ يقسّمهما على الفقراء!».

    1. صحيح البخاري، ج ٣، ص ۱٣٢: «عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة: إنّ نساءَ رسولِ اللهِ صلّى الله علیه [وآله] و سلّم كُنّ حِزبَين: فحِزبٌ فيه عائشةُ وحفصةُ وصفيّةُ وسودةُ؛ والحِزبُ الآخَرُ أمُّ‌ سلمة وسائرُ نِساءِ رسولِ الله صلّى الله علیه [وآله] وسلّم».
      السّيرة النبويّة، نّجاح الطّائي، طبعة قديمة، ج ٢، ص ٢٥٥: «... وكانت عائشة وحفصة عينين لأبويهما في منزل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في جميع القضايا».
    2. سورة التحريم (٦٦)، الآية ٣: ﴿وَ إِذۡ أَسَرَّ ٱلنَّبِيُّ إِلَىٰ بَعۡضِ أَزۡوَٰجِهِۦ حَدِيثٗا فَلَمَّا نَبَّأَتۡ بِهِۦ وَ أَظۡهَرَهُ ٱللَهُ عَلَيۡهِ عَرَّفَ بَعۡضَهُۥ وَ أَعۡرَضَ عَنۢ بَعۡضٖ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِۦ قَالَتۡ مَنۡ أَنۢبَأَكَ هَٰذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡخَبِيرُ﴾.
      لمزيدٍ من الاطلاع، راجع: تفسير القمي، ج ٢، ص ٣۷٥؛ معرفة المعاد، ج ۷، ص ۷٥.
    3. راجع: كتاب سليم، ج ٢، ص ٥۸٦؛ السّقيفة وفدك، ص ۷۱؛ الإمامة والسّياسة، ج ۱، ص ٣۰؛ الهداية الكبرى، ص ۱۷٩ و ٤۰۷؛ الاحتجاج، ج ۱، ص ۸٣؛ الملل و النحل، للشهرستاني، ج ۱، ص ۷۱، نقلًا عن النظّام؛ الوافي بالوفيات، ج ٦، ص ۱٥؛ شرح نهج البلاغة، ابن ‌أبي الحديد، ج ٦، ص ٤۸؛ ميزان الاعتدال، ج ۱، ص ۱٣٩.

التأسي برسول الله بعنوانه قدوةً حسنةً - بياناتٌ حول آية: (لقد كان لكم في رسول اللَه أسوة حسنة...)

21
  • فأخذ سلمان السوار والستار وأعطاهما للنبيّ، فسأله النبيّ: «من الذي أعطاك إياها؟

  • فقال:«أعطتني إيّاها ابنتك»، فأجاب النبيّ: «لماذا أعطتك إيّاها فاطمة؟».

  • فأجاب سلمان: «يا رسول الله! قالت فاطمة: ”لم يدخل أبي المنزل، ومهما تفحّصت المكان، لم أعثر سوى على هاتين العلامتين كعلةٍ لعدم دخوله!“

  • فأجاب النبي: «روحي فداءٌ لفاطمة التي تعرف سرّي وتطّلع على ضميري».۱ 

  • هذا هو التأسي!

  • لقد جاهد جيش الإسلام، وجلبَ عدداً كبيراً من الأسرى نساءً ورجالًا حتّى امتلأت المدينة من النساء والرجال الأسرى، إلّا أنّ فاطمة لم تكن تمتلك حتّى خادمًا واحدًا ولا جاريةً واحدةً، وفي منزلها البسيط كان عليها أنْ تغزل الصوف وتحيكه بنفسها، وعليها أنْ تطحنَ الحنطة وتدير رحى الطاحونة ثمّ تعجنه وتخبزه بنفسها، وعليها أنْ تهيّئ الحليب بنفسها للإمام الحسين! فجاؤوا وقالوا: «يا فاطمة! يا فاطمة! قولي لأبيكِ أن يعطيك واحدة من هذه الجواري اللواتي أسرهنّ؛ فلتأتي إلى منزلك ولتنجز لك أعمالك!» ألحّوا عليها وأصرّوا.

  • فجاءت إحداهنّ وأخبرت النبيّ نقلاً عن فاطمة: «يا رسول الله، ها أنتَ تُقسّم كلّ هذه الجواري على المسلمين، وهذه ابنتك ولها حقّ أيضًا!».

  • جاء النبيّ إلى منزل فاطمة وقال:« يا بُنيّتي! نحن نعطي سهم المسلمين، إلّا أنّي أحبّك أن تصبري على هذه المصاعب! هل تعلمين أنّ هناك درجات للمؤمنين يوم القيامة لا تعطى لهم ولا ينالونها إلّا بالصبر! فهل تريدين أنْ أعطيك ما هو أفضل من ذلك؟».

  • فقالت فاطمة: «نعم، تفضّل عليّ يا رسول الله!».

  • قال النبي: «سبّحي بهذه التسبيحات بعد الصلوات! وداومي على هذه التسبيحات حتّى تبلغي ذاك المقام» (وهي تسبيحة السيّدة الزهراء المشهورة).

  • فقالت فاطمة: «ما لي ولخادمة إذن؟! ومالي وللخادم؟! أنا إنّما أريد رضاك أنتَ».٢ 

  • لقد قسّم النبيّ الأعمال بين فاطمة وعليّ، فوضع يد فاطمة بيد عليّ، وقال: «يا فاطمة! العمل داخل المنزل يقع على عاتقك، والأعمال الخارجيّة على عاتق عليّ٣ من جلب المواد الغذائيّة ورعاية الأشجار وقطف التمر وإجراء الماء والحرب والجهاد و...، كلّ ذلك على عاتق عليّ، أمّا إدارة المنزل والتَكفّل بالأمور المنزليّة فهي على عاتق فاطمة؛٤ وكانت هذه القسمة التي أجراها النبي لها، وكانت فاطمة سرّ النبيّ وكانت راضيةً بذلك!

    1. الأمالي، الصدوق، ص ٢٣٤.
    2. من لا يحضره الفقيه، ج ۱، ص ٣٢۰؛ شرح الأخبار، ج ٣، ص ٦۷؛ مسند أحمد، ج ۱، ص ۱۰٦ و ۱٣٦ و ۱٥٣؛ سنن أبي ‌داود، ج ٢، ص ٢٩؛ الدّعاء، للطبراني، ص ٩٦؛ الطّبقات الكبرى، ج ۸، ص ٢۱؛ أنساب الأشراف، ج ٢، ص ۱٥٥؛ مع قدرٍ من الاختلاف في المصادر.
    3. قرب الإسناد، ص ٥٢.
    4. تفسير العيّاشي، ج ۱، ص ۱۷۱.

التأسي برسول الله بعنوانه قدوةً حسنةً - بياناتٌ حول آية: (لقد كان لكم في رسول اللَه أسوة حسنة...)

22
  • وقد دونت أغلب كتب التاريخ:

  • حينما زُفّت السيّدة فاطمة الزهراء إلى أمير المؤمنين كان عمرها تسع سنوات،۱ وقد وفاتها المنيّة وكان سنّها ثمانية عشر سنة،٢ وقد أنجبت فاطمة الزهراء في تلك المدة الوجيزة خمسة أولاد: الإمام الحسن والإمام الحسين، والسيدة زينب، والسيّدة أم كلثوم؛ وأمّا محسنها الذي نسميه المحسن فلم يأت إلى الدنيا!٣ والآن، لا نعلم لو أنّ المحسن جاء إلى الدنيا، فهل كان سيكون أقلّ من الإمام الحسين؟!

  • وهل سيكون أقلّ من الإمام الحسن؟! فهو ابن عليٍّ وفاطمة أيضًا! إلاّ أنّه قتل وهو نطفة! لقد طحنوه بين الباب والجدار بينما كان ما زال جنيناً!٤ 

  • بشارة رسول الله للسيّدة الزهراء حين احتضاره

  • حينما كان النبيّ يُودّع الدنيا كانت فاطمة تبكي كثيراً، وكانت متألّمةً وتنشد هذه الأبيات من الشعر:

  • وأبيضَ يُستَسقى الغَمامُ بِوَجهِهِ***ثِمالُ اليتامى عِصمَةٌ لِلأرامِلِ
  • يعني: «يا أبي الجليل! كنتَ السحاب الأبيض في أعالي السماء، حيث تهطل منك الحبيبات من ماء الرحمة، وكنتَ بالنسبة لجميع الأيتام والأرامل المحتاجين كغيوم الرحمة».

  • فقال النبيّ:

  • تعالي يا فاطمة! لمَ تنشدين هذا الشعر؟ اقرئي هذه الآية من القرآن:{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ}٥و٦

  • فتألّمت فاطمة كثيرًا، وكان جميع نساء النبيّ يقفن من حوله ناظرات؛ فقال النبيّ: «تعالي يا فاطمة!» فضم فاطمة وقبّلها وقال لها جملةً قصيرةً؛ فقامت فاطمة عن صدر أبيها وهي تبتسم. فسألنَها:

  • «ماذا قال لك النبيّ بحيث تبدّل حالك من حالة الابتهال والتضرع إلى حالة التبسّم؟» فقالت فاطمة:

  • قال النبيّ: «لِمَ تحزنين؟ فإنّك تلحقين بي بعد بضعة أيّام، وأنتِ أوّل من يلحق بي من أهل بيتي!».۷ 

  • ﴿وَسَيَعۡلَمُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ أَيَّ مُنقَلَبٖ يَنقَلِبُونَ﴾،۸ ﴿إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيۡهِ رَٰجِعُونَ﴾.٩

  •  

  • اللَهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحمَّدٍ وآلِ مُحمَّد

    1. الكافي، ج ۸، ص ٣٤۰؛ مناقب آل ‌أبي ‌طالب عليهم السّلام، ج ٣، ص ٣٥۷؛ إقبال الأعمال، ج ٢، ص ٥۸٤.
    2. تاريخ أهل ‌البيت، ص ۷۱ و ۷٢؛ الكافي، ج ۱، ص ٤٥۷ و ٤٥۸؛ الهداية الكبري، ص ۱۷٦.
    3. الهداية الكبرى، ص ۱۸۰؛ تاريخ أهل ‌البيت، ص ٩٣؛ مناقب آل ‌أبي‌ طالب عليهم السّلام، ج ٣، ص ٣٥۸؛ تاج المواليد، ص ۷٦.
    4. راجع:الهداية الكبرى، ص ۱۷٩ و ٤۰۷؛ الاختصاص، ص ۱۸٥؛ الاحتجاج، ج ۱، ص ۸٣؛ دلائل الإمامة، ص ۱٣٤؛ الملل و النحل، للشهرستاني، ج ۱، ص ۷۱، نقلًا عن النظام؛ ميزان الاعتدال، ج ۱، ص ۱٣٩.
    5. سورة آل عمران (٣)، الآیة ۱٤٤.
    6. أنساب الأشراف، ج ۱، ص ٥٥٣.
    7. الإرشاد، ج ۱، ص ۱۸٦؛ إعلام الورى، ج ۱، ص ٢٦۷. وكذلك راجع: مسند أحمد، ج ٦، ص ۷۷ و ٢٤۰؛ سنن التّرمذي، ج ٥، ص ٣٦۱.
    8. سورة الشعراء (٢٦)، الآیة ٢٢۷.
    9. سورة البقرة (٢)، الآیة ۱٥٦.