المؤلّفالعلامة آیة الله السيد محمد الحسين الحسيني الطهراني
المجموعةمباني الأخلاق
التاريخ 1409/06/05
التوضيح
أهم محتويات المحاضرة:
- اعتراف عُمَر بنزول سورة التحريم في ذمّ عائشة وحفصة؛
- شأن نزول سورة التحريم برأي العامّة والشيعة؛
- ابتعاد النبي عن بعض نسائه بسبب إفشائهنّ السرّ؛
- ما قام به عمر ضدّ أمير المؤمنين عليه السّلام كان من أجل الوصول إلى الخلافة؛
- إفشاء أسرار الولاية بواسطة حفصة وعائشة؛
- تجسس حاطِب بن أبي بُلتعة على أخبار النبيّ لصالح مشركي مكّة؛
- دلالة آيات القرآن على انحراف قلب حفصة وعائشة؛
- نموذجان آخران لخيانة نساء باقي الأنبياء؛
- تمثيل القرآن بأسوتين من النساء المقرّبات الطاهرات من أجل اتباع أثر يرهن؛
- عتاب القرآن الشديد والغليظ تجاه الشيخين؛
و...
هو العليم
بيانات حول سورة التحريم وشأن نزولها
مباني الأخلاق - المجلّس الخامس عشر
محاضرات ألقاها
سماحة العلّامة آية الله الحاجّ السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
قدس الله سره
عصر الجمعة من جمادى الثاني سنة ۱٤۰٩ هـ . ق
أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم
بسم الله الرَحمٰن الرَحيم
وصلّى الله على محمّدٍ وآله الطاهرين
ولعنةُ الله على أعدائهم أجمعين
اعتراف عُمَر بنزول سورة التحريم في ذمّ عائشة وحفصة
ما وصلنا هو أنَّ سورة التحريم نزلت في ذمّ عائشة وحفصة؛۱ وكلّ ما جاء من كبار أهل السنّة أيضًا هو أنَّ هذه السورة نزلت في ذمّهما! يقول الزمخشري ـ وهو من كبار أهل السنّة ـ في كتاب الكشّاف: نزلت هذه السورة في حفصة وعائشة.٢وينقل هو وغيره والعديد من كبار أهل التسنّن وأصحاب التواريخ هذه الحادثة:
في إحدى المرّات كان عمّر ذاهبًا إلى الحجّ من المدينة إلى مكّة، وكان ابن عبّاس في تلك القافلة أيضًا، وابن عبّاس من تلامذة أمير المؤمنين عليه السّلام في التفسير، وكان رجلًا نبيهًا، يعني: كان يباحث عمر في بعض الأحيان وكان يُدينه، وفي ذلك السفر الذي ذهب فيه عمر إلى الشام كان ابن عبّاس معه أيضًا، وفي الطريق تحدّث عمر إلى ابن عبّاس، وابن عباس أدانه، وبعد تلك الأحداث والمسائل، قال ابن عبّاس: أردتُ أن أسمع من لسان عمر نفسه أنَّ هذه السورة نزلت في عائشة وحفصة، ولكنّني كنت أخاف أن يضربني بالسوط!
لأنَّه كان معروفًا [بضربه بالسوط]، ويقولون: إنَّ سوط عمر أضرَب وأشَدّ مِن سَيفِ حَجّاج؛٣ أي: الحجّاج بن يوسف الثقفي!
وكان يحمل السوط بيده دومًا، وكلّما رأى أمرًا على أنَّه غير ملائم ذهب وضرب دون إرادة؛ لا أنَّه كان يضرب مرّةً أو مرّتين بل كان يضرب إلى أن يكسر الرأس أو الوجه أو الظهر و... ثم تسيل الدماء ثمَّ يلقي بهم في السجون! ولدينا الكثير من أمثال هذه القصص.٤ حتّى أنّه كان يهجم على النساء ويضربهن بسوطه، وكان يضربهن لأمورٍ تافهة بسيطة! وهذا من الأمور المعروفة!٥
يقولون: كانت حالة عمر بهذا النحو، وهو أنّه عندما يغضب، فكان غيظه لا يهدأ إلا إذا انتزع سنّ ذلك الشخص وغرزه في لحمه؛ وعندما يغرزه كان يتركه!٦ كان هذا شأنه في زمان خلافته، لا في زمان غير خلافته! أمّا في غير زمان خلافته في الزمن الجاهلي، فهو محفوظ في مكانه!۷و۸
يقول ابن عبّاس: لا يُمكن إنكار هذه السورة، ولا يستطيع أحدٌ أن ينكر أنَّها نزلت في عائشة وحفصة؛ ولكنّني شئت أن أسمع ذلك عن لسانه هو مرّةً، إلى أن ذهبنا إلى الحجّ، فترجّل من القافلة فجأةً في وسط الطريق، فتنحى عمر جانبًا لقضاء حاجته. عندما ذهب لقضاء حاجته وعاد - وكان آنذاك خليفةً للمسلمين أيضًا ـ فأسرعتُ وأحضرتُ الماء لأصبّه على يديه ليتوضأ فأخدمه واستميل قلبه بذلك، فذهبت مسرعًا وبدأت بصبّ الماء من خلال الإبريق على يديه ليتوضأ وكان هو منشغلًا في الوضوء، وفي ذلك الحال، سألته: يا أمير المؤمنين ويا خليفة المسلمين، لدي سؤال. فنظر وقال: ماذا، قل! فقلت: إنَّ سورة التحريم هذه، بمن نزلت؟ فأطرق برأسه ونظر إليَّ نظرةً حادّةً وقال: «في حفصة وعائشة!».
وذكر هذه الرواية الزمخشري أيضًا في الكشّاف۱ وذكرها آخرون أيضًا.٢
شأن نزول سورة التحريم برأي العامّة والشيعة
وما هو أصل القصّة لهذه السورة التي نزلت في هاتين المرأتين؟ لقد نزلت هذه السورة في أيّام ارتحال النبيّ حيث لم يطل الزمان كثيرًا بين نزول هذه السورة وبين ارتحال الرسول، وكان ذلك بعد أن عاد النبيّ من حجّة الوداع، وإذا كانت قبل حجّة الوداع فلم يكن ذلك قبلها بكثير. ومن المسلّم أنّها نزلت في المدينة، وفي الأيّام التي كانت قريبة من وفاته. ومن المسلّم أنّها كانت في زمان مارية القبطيّة، ٣ نعم إمّا أن يكون ابن مارية القبطيّة حيًا آنذاك أو لا يكون؛٤ لأنَّ مارية عاشت بعد الرسول صلّى الله عليه وآله.٥ كانت مارية أمَةً جميلةً لحاكم الإسكندريّة وقد أرسلها للنبيّ٦ و أنجب منها النبي ولدًا اسمه إبراهيم.۷
ويقول أهل السنّة: من المسلم أنَّ هذه السورة نزلت في ذمّ عائشة وحفصة، وهي تعود إلى القضيّة التي حصلت مع ماريّة القبطيّة. وأصل القضيّة أنَّ حفصة لم تكن في غرفتها يومًا، وكان النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم في غرفة حفصة، وكانت مارية هناك، فقارب النبيّ مارية، فلمّا وصلت حفصة، ارتفع صراخها: «بأي حقّ تقارب أمتك في غرفتي؟!» فقال النبيّ: «لا تصرخي!» وصرخت ونادت بهذا الصوب وذاك، وقالت: «سأخبر!».
فعاهد النبيّ في نفسه ونذر أنّ لا يقارب ماريّة القبطيّة إلى آخر عمره! وبهذا القسم، استمال قلب حفصة، أي لن أدخل غرفتك برفقتها ما حييت ولن اقترب منها طوال عمري!۱
إنَّ هذا شأن النزول الذي يذكره السنّة.
وأمّا الشيعة فيقولون: وفي تلك الأيّام، أخبر النبي حفصة بخلافة عمر وأبي بكر: «أنّهما يغصبان الحقّ من بعدي ويفعلان كذا وكذا!» وكان ذلك بينهما وكانت من الأسرار التي لا ينبغي أن يطلّع عليها أحد. إلا أنَّ حفصة ذهبت وأخبرت أباها: «أخبرني رسول الله أنَّه سيحصل كذا وكذا، وستأتيان أنت وأبو بكر وتغصبان الخلافة وتأخذانها، وتقتلان فاطمة الزهراء! وقد أخبر النبيّ بكلّ هذه الأحداث».٢
واتفقت الشيعة على أنَّ هذه المسألة هي شأن النزول؛ لأنَّ إفشاءهما للسرّ، كان لسرٍ متعلق بمسألة الولاية. فهما قد أفشتا السرّ، وذهبتا وأخبرتا أنَّ النبيّ قال كذا وكذا.
فنزلت هذه السورة وهي سورةٌ عجيبةٌ جدًا؛ يعني: لم تُقصِّر هذه السورة في التعرّض لذمّهما والحكم بكفرهما ونفاقهما وكلّ ما قد يخطر في بالك في أمرهما! يعني: ليس لدينا ما هو أشدّ من هذه السورة! ولا يمكن أن يُقال أكثر من ذلك!
سنقرأ هذه الآيات سريعًا، ونعبر عنها كي نستطيع أن نشرح معانيها.
ابتعاد النبي عن بعض نسائه بسبب إفشائهنّ السرّ
عندما أطلع النبي تلك المرأة عن هذا الخبر، وذهبت هذه المرأة وأفشته، استدعاها وسألها: «لماذا ذهبتي وأفشيتي هذا الكلام؟!» قالت: «من الذي أخبرك أنّي أفشيت كلامك؟!»، فقال النبي: «أنبأني الله أنّك ذهبتي وأفشيتي!» فخُيل لها أنَّها حينما ذهبت وأخبرت أباها بكلّ شيء، فإنّ النبي لا يعلم ولن يعلم!.
وإثر هذه القضية، سحب النبي يده من جميع زوجاته، وذهب إلى مكان إقامة ماريّة القبطيّة، وبقي هناك لشهرٍ بحيث قالت جميع النساء: أطلقنا النبي جميعًا، وأعرض عنا جميعًا (يعني: أولئك النسوة اللاتي كنّ كذا وكذا)!.
فتوجّه عمر إلى النبيّ وقال: «يا رسول الله! أتنوي طلاقهن؟!» فأجاب النبيّ: «لم يصدر أمرٌ من الله إليّ بعد»، فعاد وطمأنهنّ أنّ النبي قال [هكذا].
وبعد شهر من خروج النبي من المدينة وكان في مشربة أمّ إبراهيم آنفة الذكر ـ رزقَنا اللَه و إيّاكم جميعاً إن شاء اللَهُ زيارتها والإستفادةِ والإستفاضةِ مِن بركاتِ روحانیّتِها ومعنویّتِها٣ ـ نزلت هذه الآية بعد أن كان طلاق كافة نسائه أمرًا محتملًا٤: ﴿يٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ ٱللَهُ لَكَ* تَبۡتَغِي مَرۡضَاتَ أَزۡوَٰجِكَ* وَٱللَهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ﴾.٥
فما أحلّ الله لك لا يُمكن أن يصبح حرامًا في أيّ وقتٍ أبدًا! فإنَّ كانت المسألة قضيّة ماريّة، فإنَّ ماريّة أمتك، وإنَّ الله قد أحلّها لك، وستبقى حلالًا لك إلى آخر العمر؛ ولو أقسمت ونذرت أن يصبح هذا الأمر حرامًا عليك فلن يحرم، وسيبقى حلالًا. فإن كنتَ قمتَ بذلك في غرفة حفصة، فليكن؛ فهل كان ذلك المنزل وتلك الغرفة، ملكٌ طِلقٌ لحفصة؟! هذا الفعل لم يكن ذنبًا! الأمر غير الجائز هو أن تُنقص من حقّ أحد النساء وتمنحه لامرأةٍ أخرى. فقد كان للنبيّ تسع زوجات۱ ولكلّ واحدةٍ منهنّ غرفةٌ خاصّةٌ بها.٢ وهذا الأمر لم يكن كذلك للإماء؛ إذ كان وضع الإماء اللواتي أحضرهنّ النبي مختلفًا عن وضع زوجاته،٣ فتلك الغرف التسعة كانت للزوجات؛ وكان النبيّ يُؤدّي حقوق النساء التسع، والآن لو أراد أن يمتلك عشرة أو عشرين أمةً أخرى فهذا أمرٌ لا شأن لهنّ به!
﴿قَدۡ فَرَضَ ٱللَهُ لَكُمۡ تَحِلَّةَ أَيۡمَٰنِكُمۡ﴾؛ يعني: «لقد فرض الله عليك بأن تتحلّق من ذلك القسم الذي أقسمته فورًا»، ﴿وَ ٱللَهُ مَوۡلَىٰكُمۡ* وَهُوَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡحَكِيمُ﴾.٤
وكلّ فعل يأمرك الله به، فعليك أن تقوم به وهذا هو الحقّ؛ وهذا النذر الذي نذرته بأن لا تقارب ماريّة ثانية عليك أن تكسره فورًا وأن تذهب إلى مارية!
وشاهدنا هنا هو ما يلي: ﴿وَإِذۡ أَسَرَّ ٱلنَّبِيُّ إِلَىٰ بَعۡضِ أَزۡوَٰجِهِۦ حَدِيثٗا﴾؛٥ يعني: «وحينما تحدّث النبي إلى بعض زوجاته وأخبرهم بسرٍّ (أسرّ يعني: أخبرهم سرًّا من الأسرار) وبصوت منخفض، يعني: أخبر بعض زوجاته بسرٍّ من الأسرار وذكر لها أمرًا كسرٍّ من الأسرار».
وقد ذكرنا أنّه في روايات الشيعة أنّ معنى ﴿حَدِيثٗا﴾: أنّ النبيّ أخبرها بقضية التعدّي هذه وتعدي عُمَر وأبو بكر، وهذه الأفعال التي وقعت لاحقًا.
﴿فَلَمَّا نَبَّأَتۡ بِهِ﴾؛ (نَبّأتْ به تاء التأنیث)، يعني: لمّا أفشت تلك المرأة ذلك الخبر، ﴿وَ أَظۡهَرَهُ ٱللَهُ عَلَيۡهِ﴾؛ يعني: كشف الله للنبيّ ذلك الخبر و(قال: إنَّ هذه المرأة تجسّست وذهبت وكشفت السرّ الذي أطلعتها عليه)، ﴿عَرَّفَ بَعۡضَهُۥ وَ أَعۡرَضَ عَنۢ بَعۡضٖ﴾؛ «فأخبر النبيّ بعض تلك المسائل لتلك المرأة (وقال: لقد أفشيتي هذه المسائل! وعفا عن ذكر الكثير منها،﴿أَعۡرَضَ﴾؛ أي: لم يخبر النبي تلك المرأة بكافة المطالب التي أفشتها، بل أخبرها ببعض ما أفشت!
﴿فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِۦ قَالَتۡ مَنۡ أَنۢبَأَكَ هَٰذَا﴾؛ يعني: عندما سأل النبي تلك المرأة لماذا أفشيتي السرّ ( رغم أنَّه اطلعها على بعض ما قالت لا جميعه)، فقالت تلك المرأة: من أخبرك؟! ﴿قَالَ نَبَّأَنِيَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡخَبِيرُ﴾.۱
ما قام به عمر ضدّ أمير المؤمنين عليه السّلام كان من أجل الوصول إلى الخلافة
والآن أصبح الموقف خطيرًا جدًا بالنسبة لهم! وباعتقادي أنّ عمر وأبا بكر، وخصوصًا عُمر الذي كان مُتقدّمًا على أبي بكر في كافة هذه الجنايات كان مُتقدّمًا جدًا، باعتقادي أنّ وضعه مع النبيّ كان واضحًا كالشمس، فكان يرى بوضوحٍ أنّه لو أنّ الخلافة كانت بيد أمير المؤمنين وبني هاشم، فلن ينالوا نصيبًا من الدنيا، يعني: جميع هذه الأحقاد و... لم تكن لتحصل بنحوٍ عمليّ، ولما تشكلت محكمة ولم حصل أيّ تعدٍّ ولما استطاع أن يضرب أحدًا بالدرّة، ولزالت جميع هذه الأمور ولأصبح رجلًا عاديًا، وليقف سدًا أمام تلك الوقائع، أقدم على هذه الأفعال، فعمل انقلابًا، وقتل فاطمة الزهراء أيضًا، وأجلس أمير المؤمنين في بيته، واستلم السلطة وأوقع بني هاشم في المظلوميّة وضرب السياط والتعذيب إلى الأبد، كلّ ذلك كي يتمكّن هو من أن يمضي بضعة أيّام هذه في الأمر والنهي وإصدار الأوامر والرئاسة و... .
إفشاء أسرار الولاية بواسطة حفصة وعائشة
تقول الآية: ﴿إِن تَتُوبَآ إِلَى ٱللَهِ فَقَدۡ صَغَتۡ قُلُوبُكُمَا﴾؛٢ يعني:أيتها المرأتين، إن تتوبا إلى الله، فإنَّ قلبكما قد انحرف انحرافًا ثمَّ عاد؛ فإن تتوبا يعود القلب إلى مكانه.
لقد كان الحديث حتّى الآن عن امرأةٍ واحدةٍ، ولكن من هنا يتّضح أنَّ هناك امرأتان قد شاركتا في هذا الفعل. مثلًا: ذهبت هذا المرأة إلى تلك المرأة الأخرى، ثمَّ ذهبت كل واحدةٍ منهما وأخبرت أباها. ذهبت عائشة وأخبرت أباها أبا بكر، وحفصة ذهبت وأخبرت أباها عمر، وأصبح كلّ من أبي بكر وعمر مطلّعان على القضايا، وهكذا قد خانتا كلتاهما؛ لأنَّهما كلتاهما أفشتا سرّ النبي. السرّ الذي أخبره النبي لحفصة، ثمَّ أطلعت عائشة عليه ثمّ أخبرت أباها وأفشت السرّ؛ وعائشة تعلم أنَّ هذا سرّ النبي ولا ينبغي أن تخبر به ـ وإن كانت حفصة قد أخبرتها به، ولكن بالأخير هو سرٌّ ولا ينبغي إفشاؤه ـ ولكن هي أيضًا ذهبت وأخبرت أباها؛ لذا أصبح كلتاهما مجرمتان، وما هو جرمهما؟ جرمهما أنّهما أفشتا سرّ النبي! إنَّ لإفشاء سرّ النبي عاقبةً شديدةً، فهو ليس بالسرّ العادي، بل هو سرٌّ قلبَ الدنيا رأسًا على عقب!
تجسس حاطِب بن أبي بُلتعة على أخبار النبيّ لصالح مشركي مكّة
مثلًا: عندما أراد النبيّ أن يتحرّك ويذهب نحو مكّة ويفتح مكّة، فلم يذكر الأمر لأيّ أحدٍ بتاتًا، ولم يخبر أحدًا؛ لأنَّه ينبغي أن يتحرّك جميع هذا الجيش ويفتح مكّة دفعةً واحدةً؛ وإذا اطلع أهل مكّة أنَّ النبي ينوي الحركة بجيشه نحو مكّة، فسيستعدّون وسيخرجون من مكّة، وسيضعون أيديهم بأيدي اليهود والنصارى، وستحصل معركة في مكّة، وفي هذه الحالة كان سيُقتل النبيّ والمسلمون! في ذلك الوقت، أخبر حاطب بن بُلتعة وكان من المسلمين وجاسوسً لمشركي مكّة: «إنَّ النبي ينوي التحرّك وقد أعدّ جيشًا وها هو يتحرّك ناحية مكّة!».
فطلب النبيّ أمير المؤمنين وقال: يا عليّ، إنَّ المرأة الفلانيّة في طريقها من المدينة إلى مكّة، ومعها الورقة الفلانيّة؛ فاذهب وخذ منها الورقة وأحضرها!
فذهب أمير المؤمنين عليه السلام، وفي وسط الطريق رأى إحدى النساء تتحرّك باتجاه مكّة، فأوقفها وسدّ عليها الطريق وقال: « إلى أين تذهبين؟ ترجلي عن جملك واعطني الورقة!».
ماذا تقول يا علي؟! أيُّ ورقةٍ؟!
ـ «أعطني الورقة التي أعطاها حاطب لك!»
ـ ماذا تقول؟! ورقة! تعال وابحث في كلّ متاعي، ليس لديّ أي ورقة!
قال أمير المؤمنين: «أتكذبين على رسول الله؟! أتكذبين على الله؟! إنَّ النبي أخبرني أنَّ الورقة معك!»
فشهر سيفه وقال: «أعطني الورقة؛ وإلّا سأقطع عنقك!».
شهر أمير المؤمنين سيفه، ففكّت ضفائرها واستخرجت من بين طبقات الضفائر الورقة وأعطتها لأمير المؤمنين وأحضر أمير المؤمنين الورقة إلى النبي: «إنَّ حاطب بن أبي بُلتعة أخبر المشركين»۱
هذه الورقة هي تجسّس في الأخير؛ أتعلمون لو وصلت هذه الورقة إلى أهل مكّة ماذا كان سيحصل؟! وما سيتبع ذلك من عواقب؟! أوّلًا: ما كان ليحصل فتح مكّة؛ ثانيًا: كانت الدماء التي ستتساقط من المسلمين لا تُعدّ ولا تحصى. لقد فتح النبيّ مكّة ولم تسقط قطرة دمٍّ واحدةٍ، حتّى من المشركين! إنَّ قصّة فتح مكّة معروفةٌ!٢
إنَّ هذه الورقة التي تُفشي سرًّا من الأسرار، أحيانًا أن تجعل نبوة النبيّ تتراجع وقد تمحو أصل الرسالة! فلو وصلت هذه الورقة، كانوا سيتجهون جميعًا ناحية جبال مكّة، ويتّخذون الحصون هناك، وإذا دخل النبي في ذلك القسم لما حصل فتح مكّة بالصورة التي حصل بها؛ ولربما قُتل جيش المسلمين بأجمعه!
إنَّ أحد أسرار حروب النبيّ أنَّه لم يكن يفشي شيئًا لأحد في الحرب، فقد كان النبيّ لا يُطلع أحدًا على تحرّكاته إلى تلك الساعة التي يريد التحرّك بها، ولم يكن لأيّ أحدٍ أيّ خبرٍ،
فجأةً كان يقول: «تحركوا!»، وإلّا لو أخبر حاطب بن بُلتعة الذي كان مُسلمًا المشركينَ بأنَّ: «النبيّ يتحرّك»، فعندها كان سيُخبر اليهود والنصارى والمشركين الكُثر المتواجدين في المدينة!
دلالة آيات القرآن على انحراف قلب حفصة وعائشة
وعلى كلّ تقدير، هذا هو حال إفشاء السرّ، لقد جاءتا وأفشتا السرّ، وما هي القضايا التي حصلت بسبب إفشائهما السرّ؟! جميع القضايا التي حلّت بعد شهادة الرسول الأكرم وارتحاله، كانت بسبب هذه الخيانات والجنايات التي قامتا بها.
تقول هذه الآية: ﴿إِن تَتُوبَآ إِلَى ٱللَهِ فَقَدۡ صَغَتۡ قُلُوبُكُمَا﴾؛ يعني: إن تبتما أيتها المرأتين إلى الله، فإنَّ قلبكما قد انحرف ثمَّ عاد؛ فإن تتوبا سيزول انحراف القلب ذلك.
وإن لم تتوبا، واستمرّيتما بالقيام بالأفعال التي كنتما تقومان بها ﴿وَ إِن تَظَٰهَرَا عَلَيۡهِ﴾؛ يعني: وإذا شددتما ظهر بعضكما البعض، وتعاونتما ضدّ النبي، وتآزرتما، وكنتما عونًا لبعضكما، ﴿فَإِنَّ ٱللَهَ هُوَ مَوۡلَىٰهُ وَجِبۡرِيلُ وَصَٰلِحُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ بَعۡدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ﴾؛۱ فاعلموا أنَّ الله هو مولى النبي وسيّده وصاحب اختياره، والآخر هو جبرائيل، والثالث هو صالح المؤمنين؛ أمير المؤمنين.
فلتفعلوا ما شئتم، فمع النبي الله وجبرائيل وعليّ!٢ ولتأخذوا الدنيا بأسرها لأنفسكم؛ فلتأخذوا الدنيا لكم أنتم يا أبا بكر وعمر وعثمان والمغيرة بن شعبة وأبا عبيدة بن الجرّاح ويا أصحاب الرقاب السمينة، ﴿وَ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ بَعۡدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ﴾
﴿عَسَىٰ رَبُّهُۥٓ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبۡدِلَهُۥٓ أَزۡوَٰجًا خَيۡرٗا مِّنكُنَّ مُسۡلِمَٰتٖ مُّؤۡمِنَٰتٖ قَٰنِتَٰتٖ تَـٰٓئِبَٰتٍ عَٰبِدَٰتٖ سَـٰٓئِحَٰتٖ ثَيِّبَٰتٖ وَ أَبۡكَارٗا﴾.٣
فهناك نساء يتمتّعن بهذه الأوصاف، والله يُعطيهنّ للنبيّ.
ضعوا ما وصلنا إليه هنا من هذه السورة في بالكم، ولكن هناك آيتان أخيرتان وردتا في آخر السورة، قال تعالى:
نموذجان آخران لخيانة نساء باقي الأنبياء
﴿ضَرَبَ ٱللَهُ مَثَلٗا لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱمۡرَأَتَ نُوحٖ وَٱمۡرَأَتَ لُوطٖ كَانَتَا تَحۡتَ عَبۡدَيۡنِ مِنۡ عِبَادِنَا صَٰلِحَيۡنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمۡ يُغۡنِيَا عَنۡهُمَا مِنَ ٱللَهِ شَيۡٔٗا وَقِيلَ ٱدۡخُلَا ٱلنَّارَ مَعَ ٱلدّٰخِلِينَ﴾.٤
فأنتما أيتها المرأتين (عائشة وحفصة) مع خطتكما الخفيّة قد عشتما عمرًا مع النبيّ، والآن تأتيان وتُفشيان سرّ النبيّ، وتتظاهران عليه، وتحولان بيت النبي مركزًا للتجسس وتشكلان حزبًا داخليّاً ضد فاطمة الزهراء وعلي، وترسمان الخطّة ضد النبي وتهيّئان الأرضيّة، [وتضعفان] أسس سياسة النبيّ الداخليّة بناءً لسياسة أبويكما الخارجيّة، وتنقلان الخبر من داخل بيت النبي إلى خارجه، ﴿وَ إِن تَظَٰهَرَا عَلَيۡهِ﴾ وتواظبان على هذا الأمر ولم تنفضا يديكما عنه!۱
فقد ضرب الله مثلًا للذين كفروا زوجتين لنبيّين؛ إحداهما زوجة نوح والأخرى زوجة لوط، ﴿كَانَتَا تَحۡتَ عَبۡدَيۡنِ مِنۡ عِبَادِنَا صَٰلِحَيۡنِ فَخَانَتَاهُمَا﴾؛ يعني: امرأة نوح خانت النبي نوح، وامرأة لوط خانت النبيّ لوط.
﴿فَلَمۡ يُغۡنِيَا عَنۡهُمَا مِنَ ٱللَهِ شَيۡٔٗا﴾؛ ولكن لم تستطيعا أن تفعلا شيئًا، ولم تتمكنا من تنفيذ هذه الخيانة، أو أن تقفا في وجه الله أو تتغلبا على الله، ولذلك جاءهما الأمر: ﴿وَ قِيلَ ٱدۡخُلَا ٱلنَّارَ مَعَ ٱلدّٰخِلِينَ﴾؛ وجه الخطاب لهما، عليكما أن تذهبا إلى النّار كليكما، واخلدا فيها مع الذين في النّار!
تمثيل القرآن بأسوتين من النساء المقرّبات الطاهرات من أجل اتباع أثر يرهن
وفي مقابل هاتين المرأتين، كان هناك امرأتان جيّديتان؛ فلماذا لا تتعلموا منهما؟! وانظروا كيف كانتا؟!
﴿وَضَرَبَ ٱللَهُ مَثَلٗا لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱمۡرَأَتَ فِرۡعَوۡنَ إِذۡ قَالَتۡ رَبِّ ٱبۡنِ لِي عِندَكَ بَيۡتٗا فِي ٱلۡجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرۡعَوۡنَ وَعَمَلِهِۦ وَنَجِّنِي مِنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلظّٰلِمِينَ﴾.٢
قالت: لقد ضقت ذرعًا بعمل فرعون فنجني من فرعون وعمله!
لم تقل خلصني من هذا المكان، وزوّجني من زوج آخر، أو اجعلني أعيش في مملكة أخرى؛ بل قالت: أمتني واقتلني وخذني إليك: ﴿ٱبۡنِ لِي عِندَكَ بَيۡتٗا﴾! إنَّ مطلبي هو أنّي عاشقةٌ لك ومشتاقةٌ لك، وأريد بيتًا عندك! ولكن أنا متأذية من فعل فرعون هذا، فهو رجلٌ خبيثٌ مُرتدٌّ ومشركٌ وكافرٌ؛ فهو خرابٌ، وأفعاله خرابٌ، وهم قومٌ ظالمون ﴿وَنَجِّنِي مِنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلظّٰلِمِينَ﴾!
ولذلك ثبّتوا تلك المرأة بالمسامير؛ فقد أمر فرعون أن يضربوا بدنها بالمسامير وهي حيّة، وهكذا انتقلت إلى الجنان!٣
والله يضرب بها المثل للقوم المؤمنين، ويقول لهذه النساء: «ضعوا زوجة فرعون أسوة لكم!» رغم أنّها كانت زوجة فرعون وملكة مصر ولها هذا الشأن وذاك، إلا أنّها لم يرق لها ذلك الوضع، وسألت الله أن يرزقها بيتًا في الجنّة! ومع كلّ تلك المشاكل العظيمة إلّا أنّها لم تتخلَ عن إيمانها حتّى أنَّهم صلبوها بالمسامير وقتلوها، وقد ضرب الله امرأة أخرى كمثال؛ لأنَّ عائشة وحفصة كانتا اثنتين، في مقابلهما ضرب الله امرأتين كمثال، كي لا تقولا: إنّها كانت واحدة فقط [وليس هناك أخرى مثلها].
﴿وَ مَرۡيَمَ ٱبۡنَتَ عِمۡرَٰنَ ٱلَّتِيٓ أَحۡصَنَتۡ فَرۡجَهَا فَنَفَخۡنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتۡ بِكَلِمَٰتِ رَبِّهَا وَ كُتُبِهِۦ وَكَانَتۡ مِنَ ٱلۡقَٰنِتِينَ﴾.۱
والأخرى هي مريم ابنة عمران، أمّ النبي عيسى وكانت فتاةً شابّةً، وقد ابتليت بأنّها اتهمت بأنّها ذهبت وزنت! وتُبيّن آيات القرآن في سورة مريم بأن المسألة كان صعبةً عليها إلى درجةٍ دفعتها لأن تقول: «إلهي أمتني! وأصلًا يا ليتني كنت ميتة ولم أرَ مثل هذا اليوم!» حيث قال النّاس جميعًا لها: «ويحكِ، لماذا فعلت ذلك؟!» في حين أنَّ هذه الفتاة، كانت فتاةً مقدّسةً مؤمنةً متدينةً ومتهجدةً.
﴿مَا كَانَ أَبُوكِ ٱمۡرَأَ سَوۡءٖ وَمَا كَانَتۡ أُمُّكِ بَغِيّٗا﴾؛٢ فلم يكن أبوك إنسانًا سيئًا ولم تكن أمّك زانية!!
فما هذا الفعل الذي قمتي به؟! من أين أتيتي بهذا الطفل؟! ما هذا؟!
فلتضعوا أنفسكم مكانها، وتأمّلوا كيف ستكون القضيّة، وماذا ستقولون؟ تقول: لم أزني، فمن سيستمع لها؟! تقول: أمر الله، فمن سينصت؟ يقولون: ما هذا الكلام؟ ماذا يعني «أمر الله»؟!
﴿وَ مَرۡيَمَ ٱبۡنَتَ عِمۡرَٰنَ ٱلَّتِيٓ أَحۡصَنَتۡ فَرۡجَهَا﴾؛ التي حفظت نفسها، وكانت طاهرةً عفيفةً.
﴿فَنَفَخۡنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا﴾؛ فنفخنا من روحنا في ذلك الرحم وتكوّن الجنين في الرحم بدون أبّ.
﴿وَ صَدَّقَتۡ بِكَلِمَٰتِ رَبِّهَا وَ كُتُبِهِ﴾؛ «وصدّقت بجميع كلمات ربّها، وبجميع كتب خالقها، آمنت وصدّقت بها كلّها.
﴿وَ كَانَتۡ مِنَ ٱلۡقَٰنِتِينَ﴾؛ أي: كانت من النساء المؤمنات المسلمات وكانت من أهل العبادة وأهل الخضوع وأهل التسليم في محضر الله.
ومن هنا، فلماذا لا تتبعان هاتين المرأتين؟! لماذا لا تتبعان مريم؟! لماذا لا تتبعان امرأة فرعون؟! امرأة فرعون كانت تحت سلطة فرعون وحفظت إيمانها؛ أمّا أنتما فكنتم زوجات للنبي لعشر سنوات أو اثنتي عشر سنّة! فعائشة كانت مع النبيّ منذ عقدها الأوّل في مكّة منذ أن كان عمرها اثنتي عشر أو ثلاثة عشر عامًا؛٣ والآن بعد كلّ هذه الأحداث تأتي وتقوم بهذا الفعل!
عتاب القرآن الشديد والغليظ تجاه الشيخين
لقدعرفنا حتّى الآن الآيات الأوّلى من السورة، وعرفنا أيضًا الآيات الأخيرة من السورة؛ وفي وسط السورة هناك أربع خطابات: اثنتان ﴿يٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ﴾،٤ وواحدة ﴿يٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ﴾،٥ وواحدة﴿يٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ﴾.٦ وهذه الخطابات الأربعة التي في هذه السورة وفي هذه الوضعيّة، وقعت بين هذه الآيات التي أتت في البداية وبين تلك الآيات التي وردت في الأخير التي تقول: ضرب مثلًا تلك امرأتين من أهل النار - امرأة نوح وامرأة لوط ﴿كَانَتَا تَحۡتَ عَبۡدَيۡنِ مِنۡ عِبَادِنَا﴾ فتأملوا ما معنى تلك الآيات الأربعة التي جاءت في الوسط كخطاب!
فالآية الأوّلى هي قوله تعالى: ﴿يٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَأَهۡلِيكُمۡ نَارٗا وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلۡحِجَارَةُ﴾؛۱
يا أيّها الذين آمنوا! يا عمر! يا أبا بكر! لا تقولوا: آمنا، لا تقولوا: كذا وكذا؛ فليس بين الله وبين أحد مجاملات، ولم يعقد الله معكم عقد أخوّة ولا أنتم ابن خالته أو أخته حتّى يضعكم في الجنّة! إنّكم تخونونه، إنّكم تخونون الرسول؛ والله لا يعفو عن الخيانة وعن هذا الذنب!
﴿عَلَيۡهَا مَلَـٰٓئِكَةٌ غِلَاظٞ شِدَادٞ﴾؛ فقد وضع الله على تلك النّار ملائكة غلاظ شداد وأشداء (لكي يدخلونهم إلى النّار)، ولن ينفعكم آنذاك مهما توسلتم وبكيتم وناجيتم ورشوتم وأمثال ذلك؛ وكلّما صرختم أكثر ضربوكم بشدّة أكثر وصلبوك بالمسامير، وضربوك على رأسك؛ لن ينفعك ما تقول، فإنَّ الملائكة النار ﴿غِلَاظٞ شِدَادٞ﴾!
﴿لا يَعۡصُونَ ٱللَهَ مَآ أَمَرَهُمۡ﴾؛ لا يعصون أوامر الله، وينفّذون كلّ ما يأمرهم به، لا أنّهم يقومون [بهذه الأفعال] من عندهم، بل هي أوامر الله وبناءً على التكليف والوظيفة التي عيّنها الله لهم، وقد أمرهم أن يكونوا غلاظًا وشدادًا على الكافرين والمنافقين، وهم يفعلون ذلك بأمر من الله.
﴿وَ يَفۡعَلُونَ مَا يُؤۡمَرُونَ﴾؛٢ هذه آيةٌ تُخاطب المؤمنين وتقول: ﴿يٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَ أَهۡلِيكُمۡ نَارٗا﴾! ماذا معنى ذلك؟ وأصلًا عن ماذا تتحدّث هذه الآية التي جاءت هنا؟ وهل هي هنا تريد فقط أن تنصح المؤمنين؟ أم لا، ولها خصوصيّةٌ خاصّةٌ بها؟
عندما تأتي هذه الآية هنا مع تلك المقدّمات التي ذُكرت هنا، فمن المسلم أنّ هذه الآية تخاطب نفس هؤلاء الذين يدعون الإيمان ويرون لأنفسهم شأنًا ومقامًا. فالآية تقول: اعلموا أنّكم من أهل جهنم!
فالإيمان وحبّ النبيّ لا يتوافقان أبدًا مع الاحتيال والخداع والمكر! جرّب أن تصبّ الماء داخل الزيت، وامزجهما معًا عامًا كاملًا بحيث تختلط كافة ذراتها وجزيئياتها ببعضهما البعض، وستجد أنّك بمجرّد أن ترفع يديك لدقيقة، فسينزل الماء إلى أسفل ويطفو الزيت! إنّ الإيمان لا يجتمع مع الكفر، ولا الخديعة مع الحقيقة والصفاء، ولا الظلم مع العدالة.
إنّ أساس نبوة رسول الله هو الصدق، وأساس أمير المؤمنين هو الصدق، وأساس فاطمة الزهراء هو الصدق. وأنتم تريدون باحتيالكم وخداعكم هذا، وبهذه السياسات المنتهجة، ومن خلال تشكيل الحزب المخالف داخل بيت النبي، ورغم أنَّكم ذهبتم وحمّلتم على النبي الزواج من ابنتكم التي تُدعى حفصة، من أجل أن تكتسبوا شأنًا من خلال هذا الزواج العجيب من النبيّ من الفتاة التي أحضرتموها بأنفسكم٣ ! وكان النبي مظلومًا وذو حياء ومتواضعًا، بحيث لو تكلم أحدٌ معه بحدّية، انصب العرق من جبهته واحمرّ لونه! وعليه أن يحفظ الإسلام ويحامي عنه رغم كلّ هذه المشاكل! كلّ واحدةٍ من هذه المشاكل وهذه الزيجات كانت بمثابة عالم من الامتحان والاختبار!
يقولون: لقد اتّخذ النبيّ تسع زوجات، فلماذا لا نتخذ لأنفسنا مثله؟ مبارك عليكم، اذهب واتخذ لك عشرةً، فأنا أمنحك تأييدي؛ فبدلًا من التسعة اللواتي اتّخذهن النبي، اتّخذ عشرين امرأة، وجميعهنّ حلالٌ عليك، ولكن ماذا تريد من اتخاذك لهنّ؟! اتّخذ زوجةً، ولكن تحمّل مثل تلك المشكلات التي تحمّلها النبيّ، وراعي العدالة كما رعاها النبي۱ و[ليكن لديك] تلك الحقيقة وذلك الأسلوب! أقسم بالله أنَّ الإنسان لا يستطيع أن ينجو بنفسه مع واحدةٍ منها، فكيف باثنتين معًا! ولذلك دائمًا ما يقول لنا القرآن: اعدلوا٢
لقد تسبّب زواج النبيّ بمشكلاتٍ جمّةً له، ولم يكن لديه سبيل لغير ذلك؛ وهذا الباب يجب أن يكون مفتوحًا. وعند ذلك تأتون أنتَم وتُعطون النبي بناتكم، كي تقولوا: «أنا أبو زوجة النبيّ!»، وتفتح لنفسك دكّانًا وتروّج لسوقك، وتتحايل وتلعب على عواطف الآخرين وتجعل النّاس في صفّك!٣
﴿يٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَ أَهۡلِيكُمۡ نَارٗا﴾! فإنّ النار هي نار القيامة، والملائكة فيها غلاظ شدادٌ يعملون وفقًا لما أمروا به! ﴿لايَعۡصُونَ ٱللَهَ مَآ أَمَرَهُمۡ وَيَفۡعَلُونَ مَا يُؤۡمَرُونَ﴾!
لمن وُجّه هذا الخطاب؟! من الواضح والجليّ أنَّ هذا الخطاب مُوجهٌ إلى أبي بكر وعمر، لخصوص هذين الشخصين! مع أنَّ عثمان مشمولٌ أيضًا، ولكن عثمان في المرتبة الثالثة، ويُعتبر الشخص الثاني في الدولة في زمان عمر.
قتل رقيّة ابنة النبيّ بواسطة عثمان في زمان حياة النبيّ
فهو قد تآمر في زمان رسول الله مع بني أمية، وقام بالعديد من الأعمال، وكان يحضر الجواسيس إلى منزله ويمنحهم مكانًا للاختباء، ولذلك العديد من القصص! وأصلًا إنّما قام هذا الشخص بقتل السيّدة رقية من أجل ذلك! فإنّ النبيّ كان قد أمر المسلمين أن لا تُدخلوا الكفّار إلى منازلكم ولا تمنحوهم الملجأ والمأوى! لكنّه في إحدى الليالي أحضر معاوية بن المغيرة وأخفاه في منزله.٤ فأتت هذه الابنة وقالت للنبيّ: «إنَّ زوجي يعمل خلافًا لأوامر الله، لقد أحضر مشركًا وأجاره» فدعاه النبيّ؛ فغضبَ وحضر إلى المنزل وضربها بجزمته على رأسها إلى أن ارتحلت عن هذه الدنيا. وهذه القصّة مفصّلة جدًا.٥ وهي منقولة عن السنّة!
كيفية دلالة الآيتين على عتاب الشيخين
مع ذلك يقع عثمان بعدهما في الترتيب؛ فإنَّ شرّ عُمَر كان عجيبًا جدًا، ويأتي بعده أبو بكر ثمّ يتبعهما عثمان؛ لعنةُ الله عليهم أجمعين، هم وحزبهم والتابعين لهم، جميعهم قذرون! إن شاء الله، يرزقنا الله يومًا نذهب ونقف على حافّة جهنم ـ بشرط أن لا يلين قلبنا ـ فنكون هناك كالملائكة الغلاظ الشداد الذين يطرقون ويضربون، فتأمرونهم مثل تلك الأوامر وتقولون: اضربوهم واطرقوهم!
ولماذا هذه الآية هنا؟ فهل يريد أن ينصح المسلمين هكذا: يا مسلمي الدنيا، يا أيّها المسلمين الذين ليس لهم أدنى علاقة مع هذه الآية، ومع هذه السورة، ولا بينكم وبين حفصة وعائشة؟! فعلى الرغم أنّها تشتمل على جنبة كليّة في الضمن، وكلّ آيةٍ تحتفظ بكليّتها، لكنّها هنا منطبقة عليهم، أن اعلموا أنَّ الوضع على ذلك النحو.
والآية التالية هي: ﴿يٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَا تَعۡتَذِرُواْ ٱلۡيَوۡمَ إِنَّمَا تُجۡزَوۡنَ مَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ﴾.۱
لقد حضر عمر إلى مشربة أمّ إبراهيم معتذرًا نيابة عن ابنته؛٢ وهنا يقول: «يا أيّها الذين كفروا، لا تعتذروا اليوم، فلن يُقبل منكم؛ فإنَّ أعذاركم هذه أعذارٌ ظاهريّةٌ وليست باطنيّةً! فستجزون وفقًا للعمل الذي قمتم به».
الآن تأتي طالبًا للمعذرة: لقد اشتبهت، وقد عصيت، ولكن اعفُ أيّها النبيّ، وأرجوك أن تعد إلى المدينة و...!
فحول من تتكلّم هذه الآية؟ ﴿يٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَا تَعۡتَذِرُواْ ٱلۡيَوۡمَ﴾ ومن هو المخاطب بها؟ ففي نهاية المطاف لم يكن الحديث حتّى الآن في هذه الآيات التي تلوناها وبيّنا معانيها عن الكفار، ولم يكن الحديث عن المشركين، ولم يكن الحديث عن يهود بني قريظة، ولم يكن الحديث عن بني النضير؛ فحينما يقول فجأةً: ﴿يٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ فمن هو المخاطب بذلك؟ إنَّ الخطاب موجّهٌ لأبي بكر وعمر، ومن الجليّ أنَّ الخطاب موجه لهما.
باب التوبة مفتوحٌ لكافة العصاة
يُخطاب المسلمين مرّتين، ويقول: ﴿يٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ تُوبُوٓاْ إِلَى ٱللَهِ تَوۡبَةٗ نَّصُوحًا﴾؛٣ لتكن توبتكم توبة جديّة مئة بالمئة.
أوّلًا هو الله وهو من يرحم؛ حتّى لو كان ذلك عمر، أو كان أبا بكر، أو كان أيّاً كان، ﴿تُوبُوٓاْ إِلَى ٱللَهِ تَوۡبَةٗ نَّصُوحًا﴾! وهذا ما يلزم عن مقام النبيّ وشرفه وعظمته؛ مثل الإمام الحسين عندما أتى إليه الحرّ في اللحظات الأخيرة، وقال له: «اعفُ عنّي!» فيجيب: «عفوتُ عنك!»٤ بما أنّك جئتَ الآن، فقد انتهى الأمر ولا تنظر إلى سابق أمرك! قتلتَ السيّدة الزهراء حسنًا قتلتها؛ قتلتَ النبيّ حسنًا قتلته؛ هل أنت قادم الآن أم لا؟ فإنَّ كلّ الكلام في القدوم!
ولكن: «الشخص الذي يرتكب مثل هذه الأفعال، لا يستطيع القدوم»، ومن أجل هذه المسألة، وهي أنّ للشقاوة أثر! ولكن الكلام في أنّ من يعود ويأتي وينوب إلى الله، فإنَّ الله لا يختم على قلبه!
﴿تُوبُوٓاْ إِلَى ٱللَهِ﴾؛ فيا أيها الذين آمنوا عودوا وتوبوا إلى الله!
وهنا يقول، إن كان لديكم سيئات: ﴿عَسَىٰ رَبُّكُمۡ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمۡ سَئَِّاتِكُمۡ وَيُدۡخِلَكُمۡ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ يَوۡمَ لَا يُخۡزِي ٱللَهُ ٱلنَّبِيَّ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُ﴾؛۱ ففي ذلك اليوم لن يتخلّى الله عن نبيه والذين آمنوا معه، وسيُمسك بأيديهم ولن يدعهم،﴿وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُ﴾؛ إذا كان أمير المؤمنين عليه السّلام في الدنيا، فإنّكم تتركونه يجلس مدّة خمس وعشرين عامًا في منزله يحفر بالمعول، ولكن الأمر ليس كذلك في الآخرة!
مقام النبي وأمير المؤمنين مقارنةً بأهل الجنّة
فالخطاب هنا ﴿يٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ تُوبُوٓاْ إِلَى ٱللَهِ تَوۡبَةٗ نَّصُوحًا﴾ موجّهٌ لنفس أبي بكر وعُمر: توبوا! ثمَّ يقول: ﴿يَوۡمَ لَا يُخۡزِي ٱللَهُ ٱلنَّبِيَّ﴾؛ أم تُريدون أن تتوبوا، اعلموا أنّ الله لا يتخلّى عن النبيّ وعن عليّ! فمن هو عليّ؟ هو الذي ﴿ءَامَنُواْ مَعَهُ﴾،٢ آمن مع النبي؛ يعني: أنتم لستم ممّن ﴿ءَامَنُواْ مَعَهُ﴾!
وفي جميع القرآن، كلّما ورد كلامٌ [حول هؤلاء الأفراد]، الذين كانوا مع النبيّ، عُبّر عن ذلك بعبارة: ﴿وَٱلَّذِينَ مَعَهُ﴾؛ فمثلًا قال تعالى في سورة الفتح حول صلح الحديبيّة: ﴿مُّحَمَّدٞ رَّسُولُ ٱللَهِ وَٱلَّذِينَ مَعَهُۥٓ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلۡكُفَّارِ﴾،٣ النبي مع الذين معه؛ ولكن هناك لا يوجد ﴿ءَامَنُواْ﴾. أمّا هنا فلدينا:﴿وَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ﴾! يعني: ليس هناك معيّة خارجيّة مع النبي وحسب، بل يتطلّب إيمانًا قلبيّاً: ﴿ءَامَنُواْ مَعَهُ﴾؛ وهذا الأمر يختصّ بأمير المؤمنين، وهو في ذلك اليوم: ﴿نُورُهُمۡ يَسۡعَىٰ بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَ بِأَيۡمَٰنِهِمۡ﴾؛ فتعالوا وانظروا كيف أنَّ نورهم يتحرّك عن يمينهم وبين أيديهم ومن أمامهم ويسبقهم نورهم بالحركة قبل أن يتحركوا حتّى.
﴿يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَتۡمِمۡ لَنَا نُورَنَا وَٱغۡفِرۡ لَنَآ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ﴾.٤
إذن مع أنَّ هذه الآية تدعو إلى التوبة، وإلى التوبة النصوح، ولكنّها تقول لهم في نفس الوقت: حتّى لو تبتم وقبلت التوبة منكم، وذهبتم إلى الجنّة؛ ولكن لن يكون لكم مقام النبيّ ﴿وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُ﴾، وكذلك سترون بأعينكم حال النبيّ ﴿وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُ﴾، حالهم أنّهم: ﴿نُورُهُمۡ يَسۡعَىٰ بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَ بِأَيۡمَٰنِهِمۡ﴾ وسترون أنّهم يطلبون من الله: ﴿رَبَّنَآ أَتۡمِمۡ لَنَا نُورَنَا﴾.
علّة عدم توبة بعض العصاة هو شدّة قساوة القلب
هذا طبعًا منوطٌ بما إذا قُبِلت توبتكما! لأنَّ هذه الأفعال التي قمتما بها هل تفتح المجال لقبول التوبة؟! إنَّ الشخص الذي يستشيط غضبًا لا يستطيع أن يخرج نفسه من حالة الغضب؛ وهذه الأفعال تُورث قساوة القلب التي تدفع بالإنسان للقيام بأفعال أشدّ وأشدّ في المرّات التالية إلى أن يُحرق بيت السيّدة الزهراء ويقتلها۱ دون أن يرفّ له جفنٌ أصلًا فالأمر عادي جدًا بالنسبة له! وهذه الأفعال لا تؤدّي بالإنسان إلى التوبة.٢ وقوله عزّ وجلّ: ﴿تُوبُوٓاْ إِلَى ٱللَهِ تَوۡبَةٗ نَّصُوحًا﴾، هو من باب إتمام الحجّة؛ فهذا هو مقام الله الذي يُتمّ الحجّة دومًا، فيقول: طريق التراجع موجود!
ألم يركب سيّد الشهداء على المُرتجز ـ وهو الحصان الطويل الذي كان للرسول الأكرم ـ وحمل القرآن على رأسه وتقدّم أمام الملأ وخطب بهم أن: «تعالوا وتوبوا وعودوا إلى الله»؟!٣ فلماذا ارتكبوا هذا الفعل؟ ألم يعلم أنّ هؤلاء الناس لن يتراجعوا، وأن من جاء إلى هنا لن يتراجع؟! ولكن يجب عليه أن يقول ذلك؛ فهو الوليّ ومعدن الرحمة، فيجب أن يقول؛ يجب عليه أن يخطب في ذلك الوقت، وأن يأخذ من وقته، وأن يستدلّ بالقرآن، ثمّ فليحصل ما يحصل؛ وإلّا فهو ليس بإمام! لأنَّ الإمام ينظر من أفق أعلى من أفق الشرك والإيمان العادي! فحينما يهجم الإنسان ويقتل، قبل أن يصل إلى ذلك المقام العالي والأفق العالي، سوف يكون هناك تعارض متضاد، أمّا الإمام، فلا! لأنّ الإمام روح ملكوتيّة يتألق على قمّة هذا المشهد، ويُؤدي مهمته وهو يتربّع أعلى هذا المشهد؛ لذلك يجب أن يأتي وينصح.
علّة عدم ذكر اسم الأشخاص في القرآن
مع ذلك مِن أسرار الله وعجائبه أن لا يذكر الأسماء؛ فمثلًا هذا الضمير في هذه الآية: ﴿إِن تَتُوبَآ إِلَى ٱللَهِ﴾، أنتما أيتها المرأتين - ضمير المثنى للمخاطبة على من يعود؟ فليذكر السادة! ينبغي أن يعود ضمير المؤنّث إلى امرأتين ذكرتا آنفًا، ولكن من بداية الآية إلى هنا لم يكن هناك ذكرٌ لامرأتين كي يعود الضمير عليهما!
﴿يٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ ٱللَهُ لَكَ تَبۡتَغِي مَرۡضَاتَ أَزۡوَٰجِكَ وَ ٱللَهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ * قَدۡ فَرَضَ ٱللَهُ لَكُمۡ تَحِلَّةَ أَيۡمَٰنِكُمۡ وَ ٱللَهُ مَوۡلَىٰكُمۡ وَ هُوَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡحَكِيمُ * وَ إِذۡ أَسَرَّ ٱلنَّبِيُّ إِلَىٰ بَعۡضِ أَزۡوَٰجِهِۦ حَدِيثٗا فَلَمَّا نَبَّأَتۡ بِهِ﴾.۱
لكن من الواضح على من يعود الضمير!
ولكن حيث إنَّ القرآن ذو جامعيّة وسعة، لا يذكر الأسماء. كذلك في قوله تعالى: ﴿تُوبُوٓاْ إِلَى ٱللَهِ تَوۡبَةٗ نَّصُوحًا﴾، لم يقل: يا عمر ويا أبا بكر!
إنّ جميع آيات القرآن هي حول أمير المؤمنين ولكن لم يأتِ ذكر اسم أمير المؤمنين في كلّ القرآن!٢ فمثلًا في هذه الآية ﴿يٰٓأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغۡ مَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَ﴾،٣ وورد في العديد من الروايات أنّه [بلّغ ما أنزل إليك] «في عليّ»؛٤ ولكن ليس المراد أنَّ عبارة «في عليٍّ» كانت موجودةً ثمَّ سقطت؛ بل المعنى: أنَّ هذه الآية نزلت في أمير المؤمنين. وهذا ما يُبيّن لنا جامعيّة القرآن.٥
إلّا أنَّهم يستغلّون هذا الأمر، ويقولون: «لم يرد لفظ عائشة في هذه الرواية، رغم أنَّ لفظ حفصة ورد [في الروايات]، وقد أكّد عمر بنفسه هذا الأمر.٦ ولكن [في القرآن] لا وجود لهذه الأسماء؛ فإنَّ القرآن يقول: فلمّا نبأت به تلك المرأة، والآن من تكون تلك المرأة؟! السنّة يتلون هذه الآية ويقرؤونها في صلواتهم، ولكنّهم يقرؤونها فقط.
وظيفة النبي مقابل الكفر القلبي وعدم توبة المتمرّدين
إلى هنا ذكر اثنين من ﴿يٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ﴾ وواحدة من﴿يٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ﴾؛ ثمّ يقول: ﴿يٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ جَٰهِدِ ٱلۡكُفَّارَ وَٱلۡمُنَٰفِقِينَ وَٱغۡلُظۡ عَلَيۡهِمۡ وَمَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ﴾؛۷ المُخاطب بهذه الآية هو النبيّ. فماذا تُريد أن تقول هنا؟ هل تُريد أن يقول: ﴿جَٰهِدِ ٱلۡكُفَّارَ﴾؛ يعني: جهز جيشًا الآن واذهب وحارب بني قريظة أو اليهود أو مشركي مكّة؟! ﴿وَ ٱغۡلُظۡ عَلَيۡهِمۡ﴾؛ يعني: نفس هؤلاء الأفراد مقامهم هو جهنم وساء مقامًا!
إذن هاتان الآيتان اللتان فيهما ﴿يٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ﴾ تخاطبهما؛ لأنّ لهم صورة الإيمان في الظاهر، رغم أنَّ كليّة الآية محفوظةٌ؛ وهذه الآية التي تقول: ﴿يٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ تخاطبهما أيضًا: لن ينفعكم إيمانكم الظاهري؛ فأنتم لديكم كفرٌ واقعيّ!۸ ﴿لَا تَعۡتَذِرُواْ ٱلۡيَوۡمَ﴾ ولا يحتاج الأمر للعذر! ﴿إِنَّمَا تُجۡزَوۡنَ مَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ﴾!
وفي هذه الجملة التي تقول: ﴿يٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ جَٰهِدِ ٱلۡكُفَّارَ وَٱلۡمُنَٰفِقِينَ وَٱغۡلُظۡ عَلَيۡهِمۡ وَمَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ﴾ الخطاب بقوله: ﴿وَ بِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ﴾ لهما.
اللَهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحمَّدٍ وآلِ مُحمَّد