1

ضرورة الالتفات إلى باطن مقام الولاية وأهميّته في الطريق إلى الله

عيد الفطر 1414 للهجرة

6898
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمالمناسبات الإسلامية

المجموعةعيد الفطر

التاريخ 1414/10/01


التوضيح

هل الناس والعلماء في درجة واحدة من الإدراك والنور؟
أصحاب أيّ درجة يمكنهم أن يقدّموا مواعظ القرآن وشفاءه للناس ويتحرّكوا بهم إلى الله؟
كيف كان منهج الأعاظم في الإرشاد والتوجيه؟
هل كانوا يتحدّثون عن ظهور إمام الزمان وتوقيته؟
ما هو الظهور الحقيقيّ؟ وهل يتوقّف على زمان الظهور الظاهريّ؟
ما هو الأفق الذي كان يعيش فيه أولياء الله وكيف كانوا ينظرون إلى يوم العيد؟
ماذا علينا أن ندعو يوم عيد الفطر؟
يجيب سماحة آية الله السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهراني رضوان الله عليه في هذه المحاضرة عن هذه الأسئلة من خلال آيات القرآن الكريم والأحاديث الشريفة وسيرة الأولياء العظام.

/۱۱
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

ضرورة الالتفات إلى باطن مقام الولاية وأهميّته في الطريق إلى الله - عيد الفطر ۱٤۱٤ للهجرة

1
  •  

  • هو العليم

  •  

  • ضرورة الالتفات إلى باطن مقام الولاية وأهميّته في الطريق إلى الله

  • عيد الفطر ۱٤۱٤ للهجرة

  •  

  • محاضرة ألقاها

  • آية الله الحاجّ السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدس الله سره

  •  

  •  

ضرورة الالتفات إلى باطن مقام الولاية وأهميّته في الطريق إلى الله - عيد الفطر ۱٤۱٤ للهجرة

2
  •  

  •  

  • أعوذ بالله مِنَ الشيطان الرجيم

  • بسم الله الرحمن الرحيم

  • الحمد لله ربِّ العالمين

  • والصلاة والسلام على سيّدنا أبي القاسم محمّد

  • (اللهمّ صلّ على محمّدٍ وآلِ محمّد)

  • وعلى آله الطيّبين الطاهرين واللعنة على أعدائهم أجمعين

  •  

  •  

  • ونشهد أنّ الله حقّ وأنّ محمّدًا عبده ورسوله وأنّ الأئمّة من ولده كلمة التقوى وأعلام الهدى

  • قال الله في كتابه العزيز: 

  • {يا أيّها الناس قد جاءتكم موعظة من ربّكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين.}۱

  • هل الناس على درجة واحدة من الإدراك؟

  • الناس مختلفون في ما لديهم من درجات ومقامات ومدركات، وحسبما أذكر فإنّ أمير المؤمنين يقول في كلماته القصار: 

  • العلم علمان: مطبوع ومسموع ولا ينفع المسموع إذا لم يكن المطبوع.٢

  • فقد وهب الله لكلّ إنسان عقلاً باطنًا وعلومًا ظاهريّة، فإذا طابق ذلك العقل الباطن تلك العلوم الظاهرية اهتدى الإنسان وأفلح، وإن لم يساعده عقله الباطن ذاك فإنّه مهما قيل له فلن يستفيد. 

  • علينا أن نطلب من الله تعالى هذا الطلب، وأن يكون لدينا هذا المطلب، وهو أن يزيدنا ممّا وهبنا، فالأساس الذي يدفع الإنسان في الطريق هو البصيرة وصفاء القلب والذي يعبّر عنه بنور الإيمان، وفي غير هذه الحالة كم رأينا من الناس أو قرأنا عن مصيرهم في الكتب! وكلّنا نعلم أنّه رغم صرفهم للأوقات الكثيرة وتحمّلهم للمصائب والمشكلات العديدة، لم يقتصر أمرهم على عدم الاستفادة، بل كانوا من الذين تبرّأ الله والنبيّ والأئمّة منهم.

  • إنّ مدركات الإنسان تختلف حسب استعداد كلّ منهم، ولذلك يقول: إنّا معاشر الأنبياء أمرنا أن نكلّم الناس على قدر عقولهم. ٣ 

  • فبيان الأفكار الحقّة وإلقاء المسائل التوحيديّة الغامضة لا يحتمله أيّ إنسان، وقد كان للأعاظم وأوليائنا طريقة خاصّة في التعاطي مع كلّ إنسان، وكلّ إنسان يسير في طريقه الخاصّ ولا يمكن أن يتخطّاه أبدًا، حتّى النبيّ الأكرم لم يتمكّن من تغيير الناس، بل كان مأمورًا بأن يسيّر كلّ إنسان وفق فطرته، وتغيير الفطرة ليس من مسؤوليّة النبيّ والأولياء، وكانوا يتعاملون مع كلّ إنسان وفق ما لديه من صفاء وإخلاص ويسيرون به ويتقدّمون به دون أن يكون لديه اطّلاع على مسير الآخرين، كما ليس للآخرين اطّلاع على مسيره هو. 

    1. سورة يونس (۱۰)، الآية ٥۷. 
    2. نهج البلاغة، صبحب الصالح ص ٥٣٤، الحكمة ٣٣۸. 
    3. الكافي، ج۱، ص ٢٣. 

ضرورة الالتفات إلى باطن مقام الولاية وأهميّته في الطريق إلى الله - عيد الفطر ۱٤۱٤ للهجرة

3
  • عندما آخى النبيّ الأكرم في صدر الإسلام بين الناس۱ كان أمير المؤمنين عليه السلام هو الوحيد الذي استطاع أن يطّلع على ضمير أخيه في الإيمان وعلى أسراره، وسائر الأصحاب كان له اطّلاع إلى حدّ ما حسب المراتب المختلفة التي لديهم، وكان عقد الأخوة قد أقيم على أساس المشتركات، لا على أساس الاختلافات، فنحن نرى أنّ النبيّ يقول إنّ هؤلاء إخوة في الإيمان، ولكنّه في مكان آخر يقول: 

  • لو علم أبو ذرّ ما في قلب سلمان لقتله٢ أو لكفّره٣. وليس معنى الرواية أنّه يقتل سلمان، بل معناه هو أنّ ذلك إمّا أن لا يؤدّي إلى أن يتخلّى أبو ذرّ عن طريقه ولا يفقد مدركاته، وفي هذه الحالة سيحكم بكفر سلمان. أو أنّ ما كان سلمان يعلمه كان سيحدث في أبي ذرّ تغييرًا جذريًّا فيتخلّى عن مدركاته، ولأنّه لا يحتمل فسيختلّ ويقضي عليه علمه هذا. فضمير لقتله يرجع إلى العلم، أي إمّا أن يؤدّي إلى أن يكفّر أبو ذرّ سلمانَ إن لم يتخلّ أبو ذرّ عن مدركاته، أو أنّ أبا ذر سيثق بسلمان ويقبل بكلامه، ولكن لأنّه لا يحتمل علمه ولا يمكنه أن يكفّر سلمان، فإنّ هذا العلم سيؤدّي إلى القضاء عليه. وهذا هو المعنى الذي ذكره السيّد الحدّاد. 

  • من هنا علينا أن ننظر إلى هذا الطريق الذي جعله الله لنا وهذه الأمور التي نتمسّك بها، هل هي على أساس الأمور المشتركة بيننا، وعلى أساس ما هو عام واسع ومشترك بين جميع الناس، أم أنّه ليس كذلك؟ فإذا أردنا أن ننظر إلى خصوصيّات كلّ فرد لأدّى ذلك إلى الفراق.

  • لقد كان الأمر هكذا منذ القدم وهو الآن كذلك وسيبقى، فقد لا يكون هناك اتّفاق بين اثنين، فقد كنت بنفسي في مجلس تكلّم فيه المرحوم العلاّمة، ولكنّي رأيت أنّ هناك آراء مختلفة عند الطلاّب ذوي العلم، حيث استفاد كلّ منهم وجهة نظر مختلفة منه، والحال أنّهم جميعًا معتقدون به وأوفياء لطريقه ولديهم خلوص وصفاء ولا شكّ في ذلك.

  • من يمكنه أن يقدّم مواعظ القرآن وشفاءه؟

    1. مناقب آل أبي طالب عليهم السلام، ج٢، ص ۱۸٥. 
    2. الكافي، ج۱، ص ٤۰۱. 
    3. الوافي، ج۱، ص ۱۱.

ضرورة الالتفات إلى باطن مقام الولاية وأهميّته في الطريق إلى الله - عيد الفطر ۱٤۱٤ للهجرة

4
  • والآن كلامنا هو في أنّ الشفاء في الآية الشريفة {يا أيّها الناس قد جاءتكم موعظة من ربّكم وشفاء} لمن هو؟ هذا القرآن نفسه هو بالنسبة إلى جماعة معيّنة {ولا يزيد الظالمين إلا خسارًا}۱ ولكنّه شفاء للذين يستمعون إلى الموعظة: دعا إليها أسمع داع ووعاها خير واع ٢فخير من جاء بهذه الموعظة هو النبيّ الأكرم، وخير من قبلها هم الذين أصغوا إليها مسامع قلوبهم.٣ 

  • وبعد النبيّ الأكرم وحدهم أولئك الذين تنشّقوا عبق الجنّة ونفحاتها من يمكنهم أن يبيّنوا لنا معنى القرآن ويوضحوا لنا حقائقه. وأمّا علماء الكتب والعلماء الذين يستقون مدركاتهم من المحفوظات، فإنّهم لم يشمّوا رائحة للحقيقة، وهم مبتلون بما يبتلى به عامّة الناس، بل إنّ الأخطار التي تهدّدهم أشدّ من تلك التي تهدّد العامّة، وهؤلاء هم الذين يقول عنهم الإمام الصادق عليه السلام: 

  • هم أضرّ على ضعفاء شيعتنا من جيش يزيد على الحسين بن عليّ عليه السلام وأصحابه.٤ هؤلاء قصموا ظهر الولاية، وهؤلاء كان أمير المؤمنين منهم في عناء! يدرسون خمسين سنة في سراديب النجف، ولكنّ كلّ هذه الدراسة هي إعداد للسيوف والسهام للقضاء على حقائق الإسلام ومعانيه! فعندما يقول النبيّ الأكرم: قصم ظهري عالم متهتّك٥ فهذا يعني أنّ العالم المتهتّك لا بدّ أن يكون قد وصل إلى مكان يمكنه فيه أن يقف في وجه النبيّ والإمام السجّاد، فلو لم يتمكّن من الوقوف أمامهما لما أمكنه أن يقصم ظهر النبيّ!

  • هؤلاء أناس كان المرحوم العلاّمة يعبّر عنهم بالدبّابات، فقد قال ذات يوم: 

  • قلت هؤلاء العلماء الذين هم في النجف ويخالفون العرفان هل هم ذئاب؟ هل هم فهود؟ ففي النهاية الفهد يقتل إنسانًا واحدًا ويمضي وشأنه، الذئب يمزّق إنسانًا واحدًا ويمضي وشأنه، ولكن رأيت أنّ أفضل تعبير عنهم هو أنّهم مثل الدبّابة، لأنّهم يتقدّمون ويطحنون ويقضون ولا يبالون بشيء.٦ 

  • يشهد الله أنّهم لو استطاعوا لما تركوا حجرًا واحدًا في قبّة أمير المؤمنين! فهؤلاء هم هكذا! هم نوع من الناس إذا قضت منافعهم تجاهلوا كلّ شيء! 

  • الذين كانوا سابقًا يحيطون ببعض علماء قم ويعدّون أنفسهم كهشام بن الحكم بالنسبة إليهم، كان لي فيما مضى اطّلاع على عملهم، فلمّا رأوا أنّ الزمان يقتضي أن يسيروا في اتّجاه آخر وأن يتبنّوا فكر الآخرين، وأن يخوضوا مع الخائضين جاؤوا واعترفوا أمامي وشهدوا، فنحن نعرف هذا، فهؤلاء أناس إذا أرادوا أن يرتقوا منبرًا من أربعين درجة على كلّ واحدة منها قرآن لما امتنعوا وكانوا مستعدّين لكي يصلوا إلى منبرهم أن يدوسوا على أربعين مصحف!

    1. سورة الإسراء (۱۷)، الآية ۸٢. 
    2. نهج البلاغة، صبحي الصالح، ص ۱٦٩. 
    3. نهج البلاغة، صبحي الصالح، ص ٣۰٤، خطبة المتقين. 
    4. الاحتجاج، ج٢، ص ٤٥۸. 
    5. معدن الجواهر ص ٢٦: قصم ظهري رجلان: عالم متهتّك وجاهل متنسّك! هذا يضلّ الناس عن علمه بتهتّكه، وهذا يدعوهم إلى جهله بتنسّكه. 
    6. راجع محاضرات ومقالات العلامة الطهراني، ج۱۸، ص ۱٤؛ أسرار الملكوت ج۱، ص ٩٥.

ضرورة الالتفات إلى باطن مقام الولاية وأهميّته في الطريق إلى الله - عيد الفطر ۱٤۱٤ للهجرة

5
  • يجب أن يقال لأمثال هؤلاء: أيّها العالم الذي يقول الآن هذا، ألم تكن فيما مضى تعرف هذا الإنسان؟! ألم تكن تعلم فيما مضى من هم هؤلاء؟! فهل يتمّكن هؤلاء من أن يأتوا لنا بتلك التي يقول الله عنها: {موعظة من ربّكم وشفاء لما في الصدور}؟ هيهات هيهات ليس هكذا هو الواقع! 

  • إنّ أمير المؤمنين عليه السلام يبيّن لنا حقيقة هؤلاء خير بيان: وآخر قد تسمّى عالمًا... إلى أن يقول: قد نصب لجهّال الناس شبائك من غرور.۱ 

  • هوى النفس موجود لدى الجميع، وهو يبحث عن وسيلة وآلة، يبحث عن طريق يشبع منه نفسه. لا قدّر الله أن يأتي ذلك اليوم الذي تبلى فيه السرائر ويعلم ما في باطن ذلك الإنسان الوجيه الذي يتّكئ على مسند الإرشاد والتبليغ، ماذا كان يجري وماذا يجري في قلبه؟! لا قدّر الله أن يأتي ذلك اليوم وإن شاء الله ينتهي الأمر عند هذا الحدّ. 

  • كيف كان العلاّمة الطهراني يقدّم إرشاداته ومواعظه؟

  • وعلى أيّ حال فإنّ الأولياء والأنبياء والذين فتحت أعينهم يتحدّثون مع الناس وفق مدركاتهم، فنحن إذا نظرنا إلى كلمات المرحوم العلاّمة نجد أنّه كان له جانبان في كلامه والمواضيع التي كان يطرحها: 

  • الجانب الأوّل: الجانب العامّ والإرشاد العامّ والحديث مع الناس، فهو لم يكن بإمكانه أن يقول أيّ موضوع من على المنبر وأن يقول كلّ شيء، لأنّ مخاطبيه هم عموم الناس.

  • ولكنّ في الجانب الآخر فإنّ الأمر بالنسبة إلى المرتبطين به يختلف، فهنا لا خبر عن الأمور الظاهريّة، بل المطروح هو الالتفات إلى الباطن. 

  • تقريبًا منذ مدّة وأنا أسمع من الرفقاء كلامًا حول الأمور الظاهريّة يتحدّثون به ويخبرون عن الظهور وعن علاماته. 

  • ما الموقف الصحيح من قضيّة تحديد زمان ظهور الإمام؟ وما هو الظهور الحقيقي؟

  • علينا أن نعلم أنّ جميع ذلك أمور مبعّدة عن الطريق وشرك. على السالك أن لا يخبر عن الظهور، ولا يأتي بذكر لذلك على لسانه، بل عليه أن ينظر إلى الباطن وحقيقة الإمام.

  • إن كنّا ننتظر الظهور الذي هو الفرج بمعناه الواقعيّ والحقيقيّ، فهذا الفرج حاصل، قد حصل لنا هذا الظهور وقد تحقّق لنا، وقد عرّف مقام الولاية نفسه لنا، ولكنّنا نحن نبحث عن الظاهر ولا نرى سواه! هو لا يمكنه أن يقول: أنا ممثّل ذلك الوليّ وممثّل ذلك الباطن. لأنّا نحن أسرى الظاهر، بل هو يحيل نفسه على الغيب ويخبر عن الغيب ويقول: لقد كان الآخرون هكذا، الآخرون هكذا يصنعون، فلان كان هكذا! 

    1. الكافي، ج۱، ص ٥٥. إنّ من أبغض الخلق إلى الله عزّ وجلّ لرجلين: رجل وكله الله إلى نفسه... ورجل قمش جهلاً في جهّال النّاس، عان بأغباش الفتنة*، قد سمّاه اأشباه الناس عالمًا... 
      *عان بأغباش الفتنة: غافل في ظلماتها. 

ضرورة الالتفات إلى باطن مقام الولاية وأهميّته في الطريق إلى الله - عيد الفطر ۱٤۱٤ للهجرة

6
  • كلّ هذا هو من أجلنا نحن، على السالك أن لا يكون له التفات إلاّ إلى مركز واحد ونقطة واحدة لا غير. 

  • طوال المدّة التي كنت أثناءها في محضر السيّد الحدّاد وكان المرحوم العلاّمة في محضره ـ حيث قال ذات يوم: إنّ السيّد الحدّاد قضى ٢۸ سنة كاملة في محضر السيّد القاضي واستفاد منه، وقد حسبت أنا فرأيت أنّي بقيت ٢۸ سنة في محضر السيّد الحدّاد۱ـ فإنّه لم يُسمع منه لمرّة واحدة كلام عن الظهور والفرج. 

  • يقول: 

  • نام احمد نام جمله انبياست***چون که صد آمد نود هم پیش ماست٢
  • يقول: اسم أحمد اسم كلّ الأنبياء كلّما حصلت مائة حصلت معها التسعون. 

  • إذا ما تجلّى مقام الولاية لنا، فإنّ البحث عن الظاهر [والظهور] خطأ.٣ إنّ جميع الأولياء وجميع الأرض والسماوات وكلّ ما سوى الله متنعّم من بركة وجود بقيّة الله ومستفيض من وجوده، غاية الأمر أنّنا نحن بهذه النفوس الضعيفة وبهذه الأعين العمياء وبهذه الخصوصيّات التي لدينا لا يمكننا أن نلحظ مظهرين اثنين لحاظًا توحيديًّا ونعطيهما صبغة الآليّة، لذلك فإنّا نعطي الاستقلال لأحدهما وهو الذي جانب الظهور فيه أقوى، وننحّي الذي جانب الخفاء فيه أقوى. ومن هنا تتبيّن أهميّة ما يقال من أنّ الالتفات إلى نقطة واحدة ومبدأ واحد ومحور واحد هو من أهمّ شروط السلوك لدى السالك، فعلى السالك أن لا يكون لديه محوران، بل محور واحد. 

  • وبناء على ذلك رغم أنّنا نسمع في كلمات الأعاظم شيئًا من هذه الأمور [الغيبيّة] وقد بيّنوها للنّاس، ولكنّهم لم يصدر منهم أبدًا أيّة أوامر حول ذاك الجانب وذاك الزمان [زمان الظهور] وخصوصيّاته، بل كلّ كلامهم هو حول كيفيّة الاهتمام بالباطن والغوص في باطن إمام الزمان عليه السلام. والسيرُ في مسلك قويم ومنهج مستقيم إلى التوحيد، هو ما يبيّن تلك المدرسة ويعطيها قيمتها، وكلّما كان البعد الباطنيّ والخفيّ والدخول إلى متن الواقع أقوى، ارتفع مستوى شأن تلك المدرسة.

  • ما هي مواقف الأئمّة من الذين يقصرون النظر على إمام واحد؟

  • لذلك فإنّ الناس والنِّحَل والمدارس التي تنظر إلى واحد من الأئمّة كأمير المؤمنين أو إمام الزمان عليهما السلام فقط، قد جعلوا أمير المؤمنين وإمام الزمان مانعًا بينهم وبين ربّهم ومسيرهم. 

    1. راجع الروح المجرّد، ص ۱۰٩.
    2. مثنوی معنوی (آذر يزدى)، دفتر اول، ص ٥٢.
    3. لمزيد من الاطّلاع على ضرورة اتّباع جميع الأحكام الشرعيّة في جميع مراحل السلوك بشكل كامل راجع رسالة لبّ اللباب في سير وسلوك أولي الألباب، ص ٥٢. 

ضرورة الالتفات إلى باطن مقام الولاية وأهميّته في الطريق إلى الله - عيد الفطر ۱٤۱٤ للهجرة

7
  • إنّ أمير المؤمنين الذي حقيقته عين حقيقة رسول الله ليتأذّى من ذكرهم اسمه، أمير المؤمنين يقول: بماذا أختلف أنا عن سائر الأئمّة؟! إمام الزمان يقول: بماذا أختلف أنا عن سائر الأئمّة؟! لماذا ينبغي أن لا يذكر إلا اسمي ولا يطرح غيري؟! 

  • حصول الظهور الحقيقيّ بوجود الأولياء العظام

  • فإذا طرح الجميع فلا بدّ أن يكون التوجّه إلى الجميع، وإن كان الجميع وسائط ووسائل للناس عامّة وللسلاّك خاصّة، فعلينا أن نعلم أنّ ممثّلهم والقائم مقامهم وخليفتهم ومن يمكنه في غياب الإمام أن يحرّك الناس نحو ذلك المبدأ قد ظهر لنا، وإن كان ظهوره ظهورًا عامًّا إجماليًّا ولا يمكنه أبدًا أن يظهر نفسه على نحو الحقيقة والباطن، لأنّنا ليست لدينا القدرة على رؤية ذلك الباطن ولا يمكننا أن نرى تلك الحقيقة.

  • يقول المرحوم العلاّمة: 

  • لقد رأيت من السيّد الحدّاد أمرًا ما، وعندما بيّنت ـ في إحدى زياراتي إلى كربلاء ـ زاويةَ زاويةٍ منه لأحد الذين لهم سوابق لسنوات وكانوا في محضر الشيخ الأنصاري بقي لأسبوع مضطربًا لا يدري ماذا يصنع! 

  • هذا وهم لم يبيّنوا لنا شيئًا، ففي يوم من الأيّام قال السيّد الحدّاد لرجل له مقامات بمسمع منّي: 

  • لن تحتمل إلى الأبد مدركاتي ومقاماتي ومعرفتي، ولو أنّي أريتك طرفًا ممّا يجري لي لذبت كالحجر الذائب وتبخّرت وطرت في الهواء! 

  • وكان هذا الرجل ممّن لا يدرك كلامه الرفقاء ولا يلتفتون إلى حقائق أموره. فكلامنا هو أنّ مقام الولاية هذا لو أراد أن يتجلّى لما بقي دير ولا ديّار! ثمّ بعد ذلك نحن نهتمّ بذلك الأمر [الظهور] متى سيحدث وكيف؟ يقول: 

  • آب كى نوشم من از مرداب يونان وفرنگ***تا نصیب من ز قرآن آب حیوان کرده اند؟!۱
  • يقول: 

  • متى أشرب من أحواض اليونان والإفرنج *** بعد أن جعلوا نصيبي من القرآن ماء الحياة؟!

  • فالماء هنا ماء الحيوان، ماء الحياة، الماء الذي شرب منه الخضر وكبار الأولياء وغاصوا فيه وخرجوا منه، فالاهتمام بمسائل الظاهر [والظهور] ليس له نتيجة سوى إتلاف الوقت والعبث وضياع العمر!.

  • الأفق الذي يعيش فيه الأعاظم 

    1. مجموعه ديوان الهي، مهدي الهي قمشه اى، ج٢، ص ٤۱٤، غزل دكتر وشيخ وصوفي.

ضرورة الالتفات إلى باطن مقام الولاية وأهميّته في الطريق إلى الله - عيد الفطر ۱٤۱٤ للهجرة

8
  • لذلك إذا نظرنا نحن في أعمال الأعاظم وسلوكهم وجدنا أنّهم ماذا كانوا يدركون؟ ماذا كان السيّد الحدّاد يصنع في شهر رمضان هذا وما هي المقامات التي كان يطويها؟ وأصلاً في أيّة حالة كان هؤلاء؟! 

  • كان المرحوم العلاّمة يقول ويبدو أنّه نقل ذلك في كتابه أيضًا:

  • بعد أن انتهى شهر رمضان وشكرًا على العطايا التي رزقه الله، وعلى جعله هذا الشهر لنا كان السيّد الحدّاد يقوم بزيارة شاملة، فيتّجه إلى النجف لزيارة أمير المؤمنين ثمّ القاسم ثمّ سائر أبناء الأئمّة، ثمّ الكاظميّة فيزور حرم الإمام موسى بن جعفر والإمام الجواد عليهم السلام ثمّ يتوجّه إلى سامرّاء لزيارة العسكريّين، ثمّ يعود لزيارة السيّد محمّد ويرجع إلى كربلاء وكان يقوم بهذه الزيارة الشاملة.۱ 

  • فهؤلاء في أيّ مقامات هم؟ وما هي الأمور التي يدركونها؟ وفي المقابل أين الناس؟ أصلاً هل يعي الناس هذه الأمور وهل يصل إدراكهم إليها؟! 

  • كنت ذات يوم أتحدّث مع أحد الأعاظم من أهل القلم وتقريبًا يمكن أن يقال إنّه من المميّزين في البحوث النظريّة والنقليّة في زماننا، وكنّا في أواخر شهر رمضان وكان يتأوّه من الضعف وغلبة الصيام عليه فكان يقول: 

  • نحن نصل شيئًا فشيئًا إلى دعاء "اللهمّ غشّني"، ونقترب من أن يغشى علينا ونسقط. 

  • هذا كل ما يدركه هذا المسكين، أن ينتهي شهر رمضان ونعود إلى ما كنّا عليه من أعمالنا اليوميّة، ولكنّ السيّد الحدّاد يتّخذ عيدًا لأنّه أنهى شهر رمضان هذا بتوفيق وبإدراك لتلك المقامات، ويقوم بزيارة جميع الأئمّة في العراق، فعقلنا لا يمكنه أن يبلغ إلى هناك، العمل الوحيد الذي يمكن أن نقوم به هو أن نطلب من الله أن يزيح عن أبصارنا أغشية الجهل والأمور التي تبعث على أن تبقى حقيقة الولاية في الخفاء والعماء وأن لا ترى أعيننا سوى الظاهر بدلاً من الباطن، وأن يعبر بنا عن هذه المظاهر، ويجلّي أمام أعيننا حقيقة الولاية، فلا تعود أعيننا ترى ذلك الظاهر والمظاهر التي يبحث عنها الناس. 

  • انظروا أنتم الآن إلى ما عليه الناس، فبعضهم يسير خلف الحسني، وبعضهم خلف الحسيني، وبعضهم خلف كذا وكذا، بعضهم يشكو من السوق المعاصر المضطرب، وبعضهم يشكو من السوق العالمي المضطرب والسياسات العالميّة. كلّ ذلك لأنّ أيديهم قاصرة عن الحقيقة. يقول: 

    1. راجع الروح المجرّد، ص ٣٦.

ضرورة الالتفات إلى باطن مقام الولاية وأهميّته في الطريق إلى الله - عيد الفطر ۱٤۱٤ للهجرة

9
  • هر كه در خانه اش صنم دارد***گر نیاید برون چه غم دارد۱ 
  • يقول: كلّ في كان بيته صنم *** فما المشكلة إن لم يخرج من بيته

  • وهناك شعر آخر رائع جدًّا يقول: 

  • اگر تمام عالم را آب ببرد***مرغان دریا چه غم٢
  • لو غرق العالم كلّه بالماء فهل يخيف ذلك طيور البحر؟!

  • طيور الهواء هي التي يجب أن تخاف وتتحيّر أين عليها أن تحطّ، ولكن من كان ماهرًا في السباحة وكانت حياته في الماء فـ {لا خوف عليهم ولا هم يحزنون}.٣

  • هؤلاء الأعاظم الذين يرون الطريق ويعرفون المسير، كم لهم علينا من حقّ وكم يفتحون أمامنا الأبواب والسبل! لو لم نكن نحن في هذا الوادي وفي هذا المسير، ألسنا كنّا من سائر الناس، وحينها إمّا كنّا سنتّبع بعض الأمور الأخرى بسبب الخلأ وعدم تلك الحقيقة التي تملأ ذاتنا، أو كنّا سنتلوّث بالأهواء والأغراض؟! لقد جاء هؤلاء وسهّلوا علينا وقالوا: "تفضّلوا واختاروا هذا الطريق ولا تلتفتوا إلى غيره، وعهدة الأمر علينا يوم القيامة، نحن حاضرون أن نجيب الله، نحن حاضرون إذا اعترضّتم علينا يوم القيامة أن نقدّم جوابًا، نحن حاضرون إن كان هناك أوزار على أكتافكم أن نحملها عنكم".٤ ولكن نحن نسير وراء رغباتنا، {نؤمن ببعض ونكفر ببعض}.٥

  • من له اطّلاع على باطن الأمر وحقيقته يعلم بمجريات الأحداث، المحيط بعالم الغيب يعلم ماذا وراء الستار، أنا الذي يريد أن يعرف تكليفه من خلال الكتاب فحسب ولا اطّلاع لي على الأمور التي وراء الستار، فإنّي لا أضلّ نفسي وحدها بل جميع الناس وتحدث هذه المشكلات، ضلّوا وأضلّوا٦ كلّ ذلك لأنّنا نريد أن نفهم أحكام الله من خلال الكتاب، وليتنا نفهمه من الكتاب بشكل صحيح، وليتنا نلتفت إلى جميع الموارد، ولكنّنا لا نلتفت ونسبّب هذه الأمور. 

  • هناك من تجاوز الكتاب، تجاوز الكتابة، تجاوز فهم كلام الإمام، تجاوز نقل الرواية، تجاوز عن أنّ الراوي كيف نقل الرواية هل نقلها باللفظ أم بالمعنى؟ تجاوز عن أنّ الراوي كيف نقل الرواية هل أخطأ في النقل ونحن علينا أن نرفع خطأه من خلال توثيق العادل؟ أم أنّه لم يخطئ؟ فهؤلاء أناس جلسوا في المكان الذي فيه الإمام نفسه، هؤلاء أناس هم اللسان الناطق للإمام نفسه.۷ 

    1. راجع الروح المجرّد، ص ٣۰٣.
    2. دیوان كبير شمس، ص ٥٤:
      گر سیل عالم پر شود هر موج چون اشتر شود***مرغان آبی چه غم تا غم خورد مرغ هوا
      یقول: لو ملأ السيل العالم وكان كلّ موج كالجمل فهل يخيف ذلك طيور البط كما يخيف طيور الهواء.
    3. مقطع من آية ٦٢ من سورة البقرة، وغيرها من الآيات.
    4. راجع الروح المجرّد ص ٤۸٥ و٤۸٦.
    5. مقطع من الآية ۱٥۰ من سورة النساء. 
    6. مأخوذ من الكافي، ج۱، ص ۱۸٤. 
    7. للاطّلاع لى موضوع المعيّة الروحيّة لأولياء الله مع الإمام عليه السلام والالتحاق بمقام الولاية والحجيّة الذاتيّة لفعل وليّ الله الكامل وقوله راجع: سيره صالحان در حجّيت افعال وگفتار اولیای الهی ص ٤۱۷ ـ ٥۰٩، مهر فروزان ص ۱۱٤ ـ ۱٢۰؛ معاد شناسى ج ٢ ص ٤٩ ـ ٩٥. 

ضرورة الالتفات إلى باطن مقام الولاية وأهميّته في الطريق إلى الله - عيد الفطر ۱٤۱٤ للهجرة

10
  • عندما كان أمير المؤمنين يقول لأصحابه: لا تقتلوا عثمان فأنا أرى في المستقبل ما لا ترون.۱ فقد كان يرى أمورًا وحقائق، كان يرى أمور معاوية، وأحداث الحكمين، كان يرى جميع الأحداث التي ستقع بواسطة قتل الخليفة الواحد تلو الآخر، نحن موافقون على أنّه كان صاحب حميّة دينيّة وإيمان ولم يكن بإمكانه أن يتحمّل الظلم، ولكنّ الكلام هو في أنّ رؤية الظلم تختلف عن مواجهته، فعدم تحمّل الظلم شيء ولا شكّ فيه، ولكنّ الإقدام والقيام بخطوات هو أمر آخر ونحن نحتاج فيه إلى تكليف. 

  • فعندما يقول الإمام: أيّها الناس لا تقتلوا عثمان ودعوه يموت ميتة ربّه٢ فإنّه كان يخبر عن أمور أخرى. فلو أنّ ذلك لم يحدث فربّما جرت الأمور بنحو آخر ولمات عثمان بعد سنة أو سنتين ولسارت الأمور لصالح أمير المؤمنين ولصالح الإسلام، نحن ملوكيّون أكثر من الملك، نحن نتدخّل في عمل الله، نحن نتصرّف في مهمّة الله، ونقوم بعمل ما وحيث إنّ التقدير شيء آخر فإنّنا نواجه مشكلة.

  • الله يقول: أنت يمكنك أن تتكلّم ضمن دائرة إرادتك أنت، أنت لا يمكن أن تبدّل مشيئتي في الدنيا كلّها وأن تغيّر ما جرى به قلمي. ولكنّنا نحن لا نصغي، لذلك فإنّنا نهلك أنفسنا ونهلك الآخرين أيضًا، وفي النهاية يتحقّق الأمر وفق تلك المشيئة، كلّ ذلك لأنّنا نحن تخلّينا عن الوليّ. 

  • الإمام عليه السلام الذي هو مجري مشيئة الله ـ وبناء على الأوامر التي لدينا علينا في هذا اليوم أن نطلب من الله أن يصلح أمر ظهور ذلك الإمام إن شاء الله وأن يعجّل فيه ـ غائب عن أنظارنا، ومن جهة أخرى ليس بين أيدينا سواه أحد لديه اطّلاع، ثمّ بعد ذلك نريد أن نسيّر هذا الحدث الكليّ وهذا النظام الكليّ للعالم بيدي أنا الذي ليس في رأسه عقل سوى بمقدار دماغ عصفور! نحن نريد أن نقوم بذلك، وفي النتيجة يحصل تضادّ وتزاحم مع ذلك التقدير، ويقوم ذلك التقدير بما يجب ويأخذ كلّ شيء ويمضي ولا يتمكّن أحد من فعل أيّ شيء! 

    1. راجع أنساب الأشراف، ج٥، ص ٥٥۸. 
    2. راجع الأمالي، الشيخ الطوسي، ص ۷۱٥. 

ضرورة الالتفات إلى باطن مقام الولاية وأهميّته في الطريق إلى الله - عيد الفطر ۱٤۱٤ للهجرة

11
  • ما ينبغي أن ندعو به يوم العيد

  • لذلك يجب أن يكون دعاؤنا اليوم الذي هو يوم عيد أن اللهمّ بدّل أعيننا هذه التي لا ترى سوى الظاهر إلى أعين ترى باطن ولاية أوليائك، وأذقنا نحن أيضًا جرعة من تلك العين وذلك الماء المعين الذي جعلته لأوليائك!

  • وليس لدينا شكّ أيضًا بأنّنا جميعًا على حال واحد، ابتداء من هذا المتكلّم وحتّى السامع! نعم هناك مستويات ومراتب ومع ذلك أنتم خير منّي! 

  • في دعاء القنوت هذا قرأنا: اللهمّ أهل الكبرياء والعظمة وأهل الجود الجبروت وأهل العفو والرحمة... يذكر جميع هذه الخصوصيّات لكي يصل إلى قوله: أن تصلّي على محمّد وآل محمّد. فهنا يجعل الصلوات والسلام على محمّد وآله نتيجة لجميع هذه الصفات الجلاليّة والجماليّة وكبرياء الله، ثمّ يقول بعده، فإذا صلّينا على محمّد وآل محمّد فماذا يحدث؟ أسألك أن تدخلني في كلّ خير أدخلت فيه محمّدًا وآل محمّد

  • فهذا دعاء. 

  • الدعاء الثاني: وأن تخرجني من كلّ سوء أخرجت منه محمّدًا وآل محمّد صلواتك عليه وعليهم أجمعين.

  • ثمّ هناك دعاءان آخران أيضًا: اللهمّ إنّي أسألك خير ما سألك به عبادك الصالحون، وأعوذ بك ممّا استعاذ منه عبادك المخلصون!۱

  •  

  • اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد.

    1. إقبال الأعمال، ج۱، ص ٢۸٩.