المؤلّفالعلامة آیة الله السيد محمد الحسين الحسيني الطهراني
المجموعةمباني الأخلاق
التوضيح
أهم محتويات المحاضرة:
- نضارة سورة الإسراء وحلاوتها؛
- استحباب قراءة السور الطِوال في الصلوات اليوميّة؛
- المعنى والمراد من مراعاة أضعف المأمومين في صلاة الجماعة؛
- أوامر الشرع فيما يتعلّق بقراءة السورة في الصلاة؛
- الاكتفاء بقراءة سورة التوحيد في الصلاة يجعل القرآن مهجورًا؛
- الابتلاء بالذلة والخذلان بسبب عبادة معبودٍ آخر غير الله؛
- معنى الإحسان إلى الوالدين وكيفيّته؛
- كيفية مداراة الوالدين المسنين والضعفاء؛
- عطف الأبناء ولطفهم بالوالدين ينبغي أن يكون نابعًا من الخضوع والخشوع؛
- انفتاح سبيل رشد الإنسان بواسطة الاستغفار عن السلوك غير المناسب مع الأبّ والأمّ؛
- استحباب الوصية بإعطاء قدرٍ من المال إلى الأقارب؛
- أهمية صلة الرحم وأوامر الإسلام في هذا الشأن؛
- نهي القرآن الكريم عن المبالغة في الإنفاق والعطاء وعدم مراعاة حال أهل بيتك؛
- معنى عقد الأخوّة؛
- كيفية الإنفاق والمساعدة غير المالية؛
- رأي المرحوم العلامة الطهراني رضوان الله عليه فيما يرتبط بإقامة المحافل والمجالس (ت)؛
- ضرورة الإنفاق على أساس الاعتدال وحفظ المصالح؛
- حرمة قتل الأبناء خوف الجوع ومصاديق ذلك في العصر الحاضر؛
- الحرمة الشديدة للزنا؛
- نهي الإسلام المؤكّد عن الانتحار والقتل بدون حقّ؛
- كيفيّة القصاص في الإسلام؛
- كيفيّة إدارة أمور الأيتام وأموالهم.
هو العليم
الوصايا الأخلاقيّة في سورة الإسراء
مباني الأخلاق - المجلّس السابع
محاضرات ألقاها
سماحة العلّامة آية الله الحاجّ السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
قدس الله سره
طهران، مسجد القائم
أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم
بسم الله الرَحمٰن الرَحيم
والصّلاةُ والسّلامُ على سيّدِنا ونبيّنا محمّدٍ وآلِه الطّيبينَ الطّاهرينَ
ولعنةُ اللَه على أعدائهم أجمعينَ من الآنَ إلى قيامِ يومِ الدِّين
نضارة سورة الإسراء وحلاوتها
قال اللَهُ الحَكيم في كتابِهِ الكَريم:
﴿لَّا تَجۡعَلۡ مَعَ ٱللَهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ فَتَقۡعُدَ مَذۡمُومٗا مَّخۡذُولٗا﴾؛۱
ويقول في آيةٍ أخرى:
﴿وَلَا تَجۡعَلۡ مَعَ ٱللَهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ فَتُلۡقَىٰ فِي جَهَنَّمَ مَلُومٗا مَّدۡحُورًا﴾.٢
تفصل بين هاتين الآيتين ستّة عشر آية، وإذا جمعنا هذه الآية مع تلك الآية مع الخمسة عشر آية فسيكون المجموع سبعة عشر آية، فالآية الأولى هي الآية الثانية والعشرون من سورة الإسراء، والآية الأخيرة هي الآية التاسعة والثلاثون من سورة الإسراء. وإن شاء الله تراجعونها! لقد جرى الحديث حول هذه الآيات بمقدارٍ ما في الأسبوع الماضي.٣
وسورة الإسراء هي من السور المحبّبة في القرآن! وكلّ سور القرآن محبّبة، ولكن هناك بعض السور التي يرغب قلب الإنسان أن يقرأها دائمًا!
استحباب قراءة السور الطِوال في الصلوات اليوميّة
في بعض الأحيان عندما نقرأ السور الطوال في الصلاة يعترضون قائلين: يا سيّد إنّ أقدامنا تؤلمنا، يا سيّد نحن على عجلةٍ من أمرنا! يا عزيزي، إذا كان لديك أمرٌ ضروريٌّ وأنت على عجلةٍ من أمرك أو تؤلمك قدماك، فأدِّ صلاتك فرادى وارحل! أو إذا كانت تؤلمك قدميك فاجلس! فإذا كان إمام الجماعة يقرأ فإذا آلمتك أقدامك وتعبت فاجلس واستمع وعندما تتحسن أقدامك، فقف مجددًا!٤
المعنى والمراد من مراعاة أضعف المأمومين في صلاة الجماعة
والقاعدة هي: أنّ الإنسان لا يمكن أن يُلزم الإمام على أن يتلو وفقًا لرغباته! وما قيل مِن أنّه: «على الإنسان أن يراعي أضعف المأمومين».٥ فإنَّ أضعف المأمومين سيقولون أصلًا: لا تصلِّ! بهذه السهولة! هذا هو حال أضعف المأمومين! ليس المراد من أضعف المأمومين عند قراءة سورة ﴿قُلۡ هُوَ ٱللَهُ أَحَدٌ﴾٦؛ بل عند قراءة السور الطوال، تلك السور المعروفة والمشهورة والتي كانوا يقرؤونها.۷
وإلّا فإنّ الإنسان عندما يذهب إلى متجر الخضار، ثمّ يسأل: بكم «الكراث»؟ بكم «السبانخ»؟ بكم هذا «الباذنجان»؟ هل تبيعها بأقلّ؟ تبيعها أم لا؟ ويساومه على السعر نصف ساعة، هذا يساوم وذلك يرفض! ولكن لا يؤلم السيّد الموقر ظهره، ولا تؤلمه معدته، وليس لديه حرارة، وليس لديه «روماتيزم»؛ بيد أنَّه عند قراءة هاتين الركعتين تحلّ به جميع هذه الآلام! وتحلّ هنا جميع أسباب العجلة أيضًا! في حين أنّنا حينما نقرأ سورة الجمعة من أوّلها إلى آخرها ـ والتي تقرأ في صلاة الجمعة فلا أعتقد أنّها تستغرق أكثر من خمسة دقائق! بل لا تأخذ خمس دقائق حتّى؛ ربّما تستغرق ثلاث دقائق! فهل يحسب الإنسان حسابًا لها؟!
أوامر الشرع فيما يتعلّق بقراءة السورة في الصلاة
بالإضافة إلى أنّنا أتباع الشارع المقّدس، فعندما يأمر الشارع أن يقرأ إمام الجماعة سورة الجمعة في صلاته ليلة الجمعة۱؛ يجب عليه أنْ يفعل ذلك: سواءً أطاق المأموم ذلك أم لم يُطق! والوارد هو قراءة سورة الجمعة في الركعة الأولى يوم الجمعة، وسورة المنافقون في الركعة الثانية، فينبغي على إمام الجماعة أن يقرأهم، وينبغي على المأموم أن ينتظر،٢ والوارد٣ أنّه في صباح يوم الاثنين ويوم الخميس يقرأ في الركعة الأولى سورة {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ}٤ ويقرأ في الركعة الثانية: سورة {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ}٥وعلى إمام الجماعة أن يقرأ هذه السُور. والوارد في أوقاتٍ أخرى من صباح يوم الجمعة، أن يقرأ في الركعة الأولى: سورة الجمعة، أمّا في الركعة الثانية فيقرأ سورة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ }.٦
وإذا انتهينا من هذه، فإنَّ من المستحب أن يقرأ الإمام في صلاتي الظهر والعصر السور القصار مثل: ﴿وَٱلَّيۡلِ إِذَا يَغۡشَىٰ﴾،۷ و﴿هَلۡ أَتَىٰكَ حَدِيثُ ٱلۡغَٰشِيَةِ﴾، و﴿وَٱلشَّمۡسِ وَضُحَىٰهَا﴾،۸ و﴿سَبِّحِ ٱسۡمَ رَبِّكَ ٱلۡأَعۡلَى﴾٩ وأمثال ذلك !
وفي المغرب يقرأ بعض السور الأطول نسبيّاً مثل: ﴿وَٱلنَّـٰزِعَٰتِ﴾۱۰ و﴿وَيۡلٞ لِّلۡمُطَفِّفِينَ﴾،۱۱ وأمّا في صلاة العشاء فتكون السور أطول مقدارًا ما مثل: ﴿عَمَّ﴾،۱٢ وسورة الدهر: ﴿هَلۡ أَتَىٰ عَلَى ٱلۡإِنسَٰنِ حِينٞ مِّنَ ٱلدَّهۡرِ﴾، وسورة الحاقَّة، وسورة ﴿يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡمُزَّمِّلُ﴾،۱٣ و﴿يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡمُدَّثِّرُ﴾۱٤ وأمثال ذلك.
وقد ورد استحباب قراءة السور الأطول في صلاة الصبح مثل: سورة الحشر، و﴿تَبَٰرَكَ ٱلَّذِي بِيَدِهِ ٱلۡمُلۡكُ﴾۱٥، وسورة الرحمن وباقي السور الواردة!۱٦
والآن تعال وقُل للنّاس: يا سادة لا تقرؤوا سورة ﴿قُلۡ هُوَ ٱللَهُ أَحَدٌ﴾دائمًا! فإنَّ الذي ورد أن لا تتركوا سورة ﴿قُلۡ هُوَ ٱللَهُ أَحَدٌ﴾ في اليوم والليلة!۱۷ ولكن إذا قرأ الإنسان سورة ﴿قُلۡ هُوَ ٱللَهُ أَحَدٌ﴾ دائمًا، فسوف يصبح القرآن مهجورًا ومتروكًا! وهناك رواية وردت في كتاب علل الشّرائع عن الإمام الرضا عليه السّلام يقول فيها:
«أُمِرَ النّاسُ بِالقراءةِ في الصّلاةِ لِئَلّا يكون القرآن مهجورًا [مُضَيَّعًا، بل ليكونَ محفوظًا ومدروسًا].۱۸
يعني: أُمر النّاس أن يقرؤوا آيات القرآن في صلاتهم حتّى يحفظ القرآن الذي هو كتاب الله في الصدور وكي لا يصبح مهجورًا فيضيع، فعلى النّاس أن يوطّدوا علاقتهم بكتاب الله وآيات القرآن.
الاكتفاء بقراءة سورة التوحيد في الصلاة يجعل القرآن مهجورًا
يا عزيزي، إذا استمر الإنسان على قراءة سورة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} دائمًا كما نفعل جميعًا، فذلك يعني أنّنا نهجر القرآن! حسنًا قولوا لي: ما معنى هذه السورة {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} ؟ وما هو سبب نزولها؟ وما سبب نزول{هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ}؟
وما هو سبب نزول سورة المنافقون؟ وما هو سبب نزول سورة الجمعة؟ إنّ الإنسان إذا داوم على قراءة القرآن بشكلٍ دائمٍ، فسوف يحضر القرآن ومعانيه داخل صدره! إنّ القرآن يكون حيّاً في الصدور، وليس بين دفّتي الكتب! وإذا بقي القرآن بين دفتي الكتب نكون قد ابتعدنا عن القرآن.۱
في الأسبوع الماضي كنّا قد استعرضنا تفسير هذه الآية من سورة الإسراء التي قرأناها اليوم، مع تفسير بعض الآيات التي تليها، والآن سنتعرّض لتفسير قسمٍ آخر من الآيات التي تليها.
كم هي جميلة هذه الآيات! أقسم بأرواحكم إنَّها أحلى من العسل! وكيف للعسل أن يصل إلى حلاوتها؟! فإذا وقف الإنسان إلى الصلاة وشرع بقراءة سورة «بني إسرائيل» (الإسراء)، فسوف يُسرّ قلبه! ونحن كذلك، في بعض الأوقات عندما نكون مع رفقائنا الخاصّين نقرأ هذه السور، أولئك الذين لا تؤلمهم أرجلهم، ولا يؤلمهم ظهرهم، ولا ينفد صبرهم.
وفي يوم من الأيّام كنّا في مشهد وقرأنا سورة «إبراهيم» وكنّتُ مع بعض الأشخاص من أهل بيتي و أرحامي و عائلتي، والله لم يقولوا: إنَّ ظهرنا يؤلمنا. ولكن في أحد أسفارنا إلى مكّة، كنّا نقرأ سوراً طويلة أيضًا وعندما دخلنا مكّة رغبت في قراءة سورة إبراهيم في الصلاة، فقلت: أيّها الرفقاء! هل لديكم القدرة أن أقرأ سورة إبراهيم أم ليس لديكم القدرة على ذلك؟ فكأنما كان البعض ليس لديه القدرة، خلاصة الأمر أنّنا تراجعنا عن قراءة هذه السورة! ولكن كم هي عجيبةٌ سورة إبراهيم! فهي تعرج بالإنسان إلى الأعلى وتُبدّل أحواله، وتستجلب أمورًا عجيبةٌ جدًا!
وكم هي عجيبةٌ سورةُ الإسراء، فيها بعض الآيات [المميزة]! على الإنسان أن يُغمض عينيه عند كلّ آية ثمّ يمضي؛ هكذا! ولا سبيل غير ذلك! إذ لو أراد الإنسان أن يدخل في معناها وباطنها فعلى الإنسان أن يعبر في العوالم النورانيّة لكلّ واحدة منها مليون سنّة، ويبقى عاجزًا عن أداء حقّ ذلك العالم!
الابتلاء بالذلة والخذلان بسبب عبادة معبودٍ آخر غير الله
على كلِّ تقدير، بدايةً سنشرع بهذه الآية، وسيكون المجموع ثلاثين آية:
﴿لَّا تَجۡعَلۡ مَعَ ٱللَهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ فَتَقۡعُدَ مَذۡمُومٗا مَّخۡذُولٗا﴾؛۱ يعني: «لا تختر ولا تجعل مع الله إلهاً آخر! وإذا جعلت لله شريكًا فإنّك توقّفتَ وسقطتَ، ولن يكون لديك القدرة على القيام بعد ذلك، فلا تقوى على الوقوف على قدميك، بل تبقى ملقى على الأرض مُنهكًا!».
وقد ذكرنا تفسير هذه الآية:
﴿فَتَقۡعُدَ﴾؛ أي «تجلس» ﴿مَذۡمُومٗا﴾؛ «تتلقى المذمة، ويذمّك عالم الملك والملكوت» و ﴿مَّخۡذُولٗا﴾ أي: ذليلًا! «ستكون ذليلًا ويُحيق بك الخذلان من كلّ جانب!
وكم هو عجيبٌ كيفيّة بيان القرآن المجيد للأمر! يقول:
﴿وَلِلَّهِ ٱلۡعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِۦ وَلِلۡمُؤۡمِنِينَ﴾؛٢ يعني: «الذين يؤمنون بالله ولا يجعلون معه شريكًا، هم أعزاء لأنّهم متصلون بالله! (أمّا أولئك الذين هم غير متصلين بالله، فهم مقطوعين!)»
وكم هو عجيب تأكيد القرآن المجيد الكبير على الأمر! ففي سورة الرعد هناك عدّة آيات تتعلّق بالمُخلِصين، وهي آياتٌ عجيبةٌ جدًا! سنتركها الآن ولن نتجاوز هذه الآيات:
معنى الإحسان إلى الوالدين وكيفيّته
﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُ﴾ يعني: «لقد حكم الله أن لا تعبدوا إلا إيّاه!»
﴿وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنًا﴾ يعني: «وعليكم أن تُحسنوا إلى الأبّ والأمّ إحسانًا كثيرًا!»
﴿إِمَّا يَبۡلُغَنَّ عِندَكَ ٱلۡكِبَرَ أَحَدُهُمَآ أَوۡ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَآ أُفّٖ وَلَا تَنۡهَرۡهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوۡلٗا كَرِيمٗا﴾؛٣ يعني: «إذا أصبح أحدهما أي الأبّ والأمّ أو كلاهما كبيرًا في العمر»، وبالطبع عندما يصبح الإنسان كبيرًا في السِنّ يُصبح ضعيفًا، وكذلك عندما يصبح مريضًا يصبح ضعيفًا، وكلا الحالتين تظهر لدى الكبير في العمر وتقلّ طاقته على التحمّل، وترتفع الجلبة والضوضاء ويصرخ وينادي، وهذا ما نسميه بالتذمّر! ولكن الآية لا تعدّه تذمّرًا، بل ذهبت استعداداته وارتفع صوته، مثل هذه السيارات التي أصبحت قديمة وتعطّلت، فما إن تريد أن تشغّلها حتّى تصدر الأصوات! ومهما أتيتم ونصحتم هذه السيارة، فتقول لها: أيّتها العزيزة لماذا أصبحتي هكذا؟! لقد قضيتِ عمرًا في هذه الدنيا لتصلي إلى الكمال، وفي ذلك اليوم الذي أحضرتُكِ فيه واشتريتُكِ من المصنع، فعندما كان يركبُك السائق كنتِ تمشين بأفضل ما يكون! فكيف تبدل بك الحال الآن، ولماذا كلّما داس السائق على بدّالة الوقود، أصدرت ذلك الصوت «قور، قور، قور» ؟! فما هو السبب؟! فتجيب هذه السيارة الإنسان وتقول: يا سيّدي العزيز لقد أصبحتُ كبيرةً في العمر!
كيفية مداراة الوالدين المسنين والضعفاء
فليرحم الله المرحوم الشيخ محمّد البهاري! فقد قال سماحة الميرزا محمّد المجاهد الذي هو أخو زوجة الشيخ البهاري، وهو ابن خالتنا ـ وهو من علماء النجف وحفيد المرحوم الآخوند الملّا حسين قلي الهمداني وهو نفس الشخص الذي قدِم إلى هنا في سنّ التسعين وقد توفّي ـ قال سماحته:
كان [الشيخ البهاري] في أحد الأيّام في دكّان الخضروات في النجف، وكنّا قد ذهبنا أيضًا لشراء الخضروات وكان واقفًا يشتري الخضروات أيضًا، فقلت له: آغا كيف حالك؟ فقال: «آه! لا تقل آغا! انظر إلى الحال الذي آل إليه أمري؟ لم يعد لدينا ظهر ولا قوّة ولا شيء آخر! ثمّ قرأ عليَّ هذا الشعر:
در جوانی کسی به من میگفت | *** | شیر اگر پیر هم بود شیر است |
چون به پیری رسیدم و دیدم | *** | پیر اگر شیر هم بود پـیر است۱ |
[يقول:
أخبرني أحدهم وأنا في سن الشبا *** إنّ الأسد يبقى أسدًا حتّى إذا أصبح عجوزًا.
وعندما أصبحت عجوزًا رأيت أنّ *** العجوز يبقى عجوزًا حتّى لو كان كان أسدًا]
وبالتالي عندما نُصبح مُسنّين مكسورين ومرضى فإنّنا نرفع صوتنا بالعويل، وإذا ترجّل سائق هذه السيّارة عندما رأى أنَّها تُصدر أصواتاً، فغضب، وركلها ركلتين، فسوف يُؤذي رجله وسيُلحق الضرر بالسيّارة! ولكن ما يتوجب عليه فعله هو أن ينظر إلى السيّارة هنا وهناك، فيضيف لها الزيت، ويمسحها بالقماش، ويتأكد من براغيها، ويبدل بعض قطعها، ويسعى أن لا يمشي بها في الأماكن الوعرة، وأن لا يحمل عليها أوزانًا ثقيلة و...، كي يستطيع أن يستفيد من هذه السيّارة بضعة أيّامٍ أخرى. يجب أن تعاملوا الأمّ والأبّ بهذه الطريقة عينها وتقولوا: يا عزيزي! يا روحي! اصبر! هذا هو حال الدنيا! هيّئ له سرير النوم، ناوله كوب الماء بيده، أحضر له طعامه، أطع أوامره، و... . هذا ما يقوله القرآن! والآن نبين معنى هذه الآية بشكلٍ مجملٍ ومختصرٍ. وبعد أن يقول:
﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُ﴾؛
عجيبةٌ جدًا! فجأةً ينتقل من ذاته وعبادة ذاته إلى الأب و الأم:
﴿وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنًا﴾؛ يعني: «لقد حكم الله أن لا تعبدوا إلّا إيّاه وأحسنوا للأبّ والأمّ!».
﴿إِمَّا يَبۡلُغَنَّ عِندَكَ ٱلۡكِبَرَ أَحَدُهُمَآ أَوۡ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَآ أُفّٖ﴾؛ يعني: «لا تقل لهما أُفّ ولا تقل لهما آخ! وقل لهما فقط: سمعًا و طاعةً!».
﴿وَلَا تَنۡهَرۡهُمَا﴾، يعني: «فلا تؤذيهما ولا تبعدهما! لا تصرخ عليهما ولا تضايقهما! لا تنهرهما! (النَهْر، يعني: الزجر) لا تزجرهما!».
عطف الأبناء ولطفهم بالوالدين ينبغي أن يكون نابعًا من الخضوع والخشوع
﴿وَقُل لَّهُمَا قَوۡلٗا كَرِيمٗا﴾۱، يعني: «تكلم معهما بهدوءٍ واحترامٍ وتعظيمٍ، ولا تفرّ من الميدان! (دعهما يفعلان ما شاءا أن يفعلا، ولا تفرّ من الميدان!)»
﴿وَٱخۡفِضۡ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحۡمَةِ﴾؛٢ «اخفض لهما جناحي الذلّة (مقابل العزّة)! لا تتكبّر أمامهما ولا ترفع رأسك! تصاغر لهما!».
ففي بعض الأوقات التصاغر أمرٌ مطلوبٌ. يجب على الإنسان أن يكون عزيزًا، ولكن ليس أمام أبيه وأمّه!
ولدينا في الروايات أنَّ النبي يقول:
أفضل نساؤكم تلك التي تكون ذليلة في منزل الزوج أمام زوجها، وعزيزة عند أهلها! «إِنَّ خَيْرَ نِسَائِكُمُ... الْعَزِيزَةُ فِي أَهْلِهَا، الذَّلِيلَةُ مَعَ بَعْلِهَا»
ومعنى أن تكن ذليلة [هنا]: أن تكون لطيفةً مع زوجها مطيعةً تستقبل أوامره بصدرٍ رحبٍ، فلا تكون خشنةً مع زوجها كالهراوة! ولكلّ مسألةٍ من هذه المسائل حساب! ولكن أمام أهلها عندما تذهب إليهم تكون شامخة الرأس عزيزةً، وعندما تذهب إلى أقاربها فإنَّها لا تستمع لما يقولونه!
وأسوء نسائكم تلك التي تكون عزيزةً أمام زوجها وذليلة أمام أهلها! «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِشِرَارِ نِسَائِكُمْ؟ الذَّلِيلَةُ فِي أَهْلِهَا، الْعَزِيزَةُ مَعَ بَعْلِهَا»٣
فلا تبدي أمام زوجها حالة التمكين والتسليم والطاعة والانقياد: أنت تقول واحدة وأنا أقول واحدةً، أنت تقول وأنا أقول، أنت تقول وأنا أقول! وأمّا أمام أهلها فهي ذليلةٌ تستمع لكلّ كلمةٍ يقولونها وتُلزم زوجها بأوامرهم!
﴿وَٱخۡفِضۡ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحۡمَةِ﴾؛٤ يعني:«واخفض لهما جناحي الرحمة تواضعًا وخشوعًا (لا من باب الغيظ والغضب وقلة الحيلة)!».
ليس مثلما عندما تريدون أن تأخذوا الدجاجة، فتجمع جناحيها من جهة الاضطرار والإجبار وتُسلم أمرها، بل اخفضوا جناحي قدرتكم مقابل الأبّ والأمّ وتواضعوا وتنزّلوا ولكن من باب الرحمة! أنتم تمتلكون القدرة في أن تصفقوا بأجنحتكم وتُحلّقوا، فتحلقون فارين من أوامرهم وترتاحون، ولكن لا تفعلوا ذلك!
كبرت الأمّ في العمر، أو أصبح الأبّ طاعناً في السنّ، فلا تتركوهما في المنزل لوحدهما مع خادم أو خادمة يخدمونهما! بل أحضرهما إلى المنزل الذي ترتضيه لنفسك. واستضفهما في أفضل غُرفة للاستقبال في أفضل طابق! في تلك الغرفة التي تفضلها لنفسك، لا تجعل له الغرفة المجاورة لباب المنزل، وتُخصّص لنفسك الغرفة الأفضل! لا تفعل ذلك!
فإنَّ هذا العمل خالي من اللطف، وليس فيه أي يُمْن ولا بركة، ولا روح فيه ولا حياة!
﴿وَقُل رَّبِّ ٱرۡحَمۡهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرٗا﴾؛۱ يعني: «وعلاوة على ذلك اُدعُ لهما دائماً، وقل: ربّ أرسل عليهما الرحمة، كما ربّياني في مرحلة طفولتي وكبراني!».
فلو لم يكونا موجودين فأين كنتُ سأكون؟ فهذه الـ «أنا» وبكل هذا الثقل حيث لا تستطيع موازين الشيطان عن حمل هذه الأنا، حتّى الشيطان يعجز عن هذه الأنا، ولكنّهم قاموا بتربيتي، ومنذ صغري أعدُّوني وقاموا بتربيتي، فعلوا هذا وفعلوا ذلك، وربّوني وكبروني دون أيّ توقّعٍ! إلهي أرسل عليهما الرحمة دومًا في حياتهما وبعد موتهما!
انفتاح سبيل رشد الإنسان بواسطة الاستغفار عن السلوك غير المناسب مع الأبّ والأمّ
﴿رَّبُّكُمۡ أَعۡلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمۡ إِن تَكُونُواْ صَٰلِحِينَ فَإِنَّهُۥ كَانَ لِلۡأَوَّ ٰبِينَ غَفُورٗا﴾.٢ يعني: «الله أعلم بما تفعلون، وبما تبطن نفوسكم! وإذا ما كنتم مستائين من والديكم، وقد تسبّبا بالأذيّة لكم، فإذا أردتم الآن أن تعودوا إلى الله وأن تتوبوا، وأن تغيّروا طريقة تصرّفاتكم، فإنّ الله سيقبل منكم»
والآن في حال لم تكن قد طرقت مسامعكم هذه المسائل وهذه الآيات من القرآن قبل الآن، وتعاملتم بفظاظةٍ مع الأبّ والأمّ، فالآن وقد فهمتم، فتراجعوا! فالله أعلم وهو مطّلع على قلوبكم إن كنتم تريدون التراجع أم لا! فإذا اخترتم سبيل الصلاح و طريق الرشد والترقّي فإنّ الله قد فتح أجنحة رحمته ومغفرته للتائبين والعائدين إليه، وهو يستقبل الجميع، فارجع حتّى يقبل منك!٣
استحباب الوصية بإعطاء قدرٍ من المال إلى الأقارب
﴿وَءَاتِ ذَا ٱلۡقُرۡبَىٰ حَقَّهُۥ وَٱلۡمِسۡكِينَ وَٱبۡنَ ٱلسَّبِيلِ﴾؛٤ يعني: «أعطِ الأقارب وابن السبيل والمساكين حقوقهم!».
فلأولئك حقّ عليك!
﴿كُتِبَ عَلَيۡكُمۡ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلۡمَوۡتُ إِن تَرَكَ خَيۡرًا ٱلۡوَصِيَّةُ لِلۡوَٰلِدَيۡنِ وَٱلۡأَقۡرَبِينَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ حَقًّا عَلَى ٱلۡمُتَّقِينَ﴾.٥ يعني: «حينما يحين وقت الارتحال عن الدنيا لا تتركوا أموالكم للورثة فقط (بحيث ينحصر الإرث فقط بالسيّد الفلاني أو بالسيّدة فلانة المخدّرة المحللة الجليلة الحليلة ولورثة السيّد عالي المقام من الناحية الظاهريّة فقط) بل أوصوا لذوي القربى من أقاربكم أيضًا! ».
وقل: أعطوا من رأسمالي هذا مقدارًا وحقّاً لابنة خالتي الفقيرة! وأعطوا مقدارًا وحقّاً لابنة عمّتي! وأعطوا حقًا لعمي! وأعطوا لحفيد خالي حقًا! فهؤلاء هم الأقربون، ولا يملكون شيئًا، فاجعل لهم سهمًا!
أهمية صلة الرحم وأوامر الإسلام في هذا الشأن
وكم هو حسنٌ مساعدة الأرحام والأقارب! فمفتاح أحد [أقفال] السماء المحكمة بشدّة هو صلة الرحم، فبواسطة صلة الأقارب والأرحام تنفتح أبواب السماء!
فهل معنى صلة الرحم أن ينهض الإنسان في أوّل إفطارٍ من شهر رمضان ويأخذ معه كافّة أبنائه وعياله ويذهبون إلى منزل أخته ويثقلون على كاهل أهل ذلك المنزل؟! هم ليس لديهم الطعام لأنفسهم ومُرهقون، ولكن يمتلكون عزّة نفس، والآن وقد حضر إلى منزلهم جماعةٌ من أجل صلة الرحم! ثمّ يجلسون ويتحدثون إلى أن يقترب أذان الصبح، فيتحدّثون عن العمل والمسؤوليّات والحياة والدعاء وعن كلّ شيءٍ! فهل هذه هي صلة الرحم؟! يا سيّدي العزيز، هذا قطعٌ للرحم! صلة الرحم تعني استمالة قلبه بالمحبّة وإدخال السرور عليه وقضاء حوائجه بالطريق الأحسن.
إذا شئت الذهاب لزيارة أحد، فاعلم أنّ المفاجأة تُسبّبُ عدم الارتياح، ولذا على الأقل اعطِ خبرًا قبل الذهاب، ليضيفوا قليلاً من المرق في «مرق اللحم» الذي أعدوه، وعلى الأقل لا يقعوا في الخجلّ! لا تقل ليس من شأني أن أذهب مع الإخبار! لا أبدًا؛ فأنت تريد أن ترفع من شأنك إلى تلك الدرجة، لتقول: ليس من شأني أن أذهب مع الاتّصال المسبق! أصلًا أنا عزيزٌ وسيّدٌ جدًا إلى تلك الدرجة التي أريد أن أدخل دون إخبارٍ أوإعلامٍ!
بل اذهب أينما ترى أنّ الصلاح هو الذهاب إليه، ولا تذهب إلى المكان الذي تحسّ أنّ الذهاب إليه ليس من الصلاح؛ كلاهما حسنٌ! ويجب أن تساعد البعض دون أن يفهموا أنّ المساعدة منك، بينما البعض الآخر يجب أن تساعدهم إلى أن يفهموا أنّ هذه المساعدة منك؛ فأشكال وصور صلة الرحم مختلفة،
هكذا تكون من «ذوي القربى». إذا اطَّلعت حفيدة عمّتك أو ابنة خالتك على هذا السمك الذي قليته و تصاعد دخانه، أعطها قسمًا منه، فلا إشكال، ولا تبخل ولا تخف من نفاد خير الله وكنوزه! هذه الحالة التي تظهر في الإنسان هي حالة شركٍ، فيخاف من الإنفاق، ويكبح نفسه ويضغط على المكابح دومًا! والآية الشريفة تقول:
﴿قُل لَّوۡ أَنتُمۡ تَمۡلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحۡمَةِ رَبِّيٓ إِذٗا لَّأَمۡسَكۡتُمۡ خَشۡيَةَ ٱلۡإِنفَاقِ﴾.۱ يعني: «يا أيّها النبي! قل للمشركين: إن نفسكم الخبيثة ونفسكم البخيلة ونفسكم الشقيّة لو ملكت جميع خزائن رحمة ربّنا ومُنحت مفاتيح جميع خزائن الدنيا (خزائن القمح، وخزائن الشعير، وخزائن الزيت، وخزائن الذهب، وخزائن السعادة، وخزائن الدواء، لو أعطيتم جميع هذه الخزائن) فإنّ قلبكم لن يطاوعكم أن تنفقوا، بل سيخاف من الإنفاق!».
[ إنّ المال] لا يقل [بسبب الإنفاق] بل يزداد أيضًا!
﴿وَءَاتِ ذَا ٱلۡقُرۡبَىٰ حَقَّهُۥ وَٱلۡمِسۡكِينَ وَٱبۡنَ ٱلسَّبِيلِ﴾؛ يعني: «اعطِ ابن السبيل و ذوي القربى والمساكين حقوقهم!»
نهي القرآن الكريم عن المبالغة في الإنفاق والعطاء وعدم مراعاة حال أهل بيتك
﴿وَلَا تُبَذِّرۡ تَبۡذِيرًا﴾؛٢ و[لكن] إذا أردت أن تعطي فليس من الصحيح أن تُقدّم كلّ ما تملك؛ فلا تترك أهل بيتك جائعين! ولا تقل: لأنّي رجلٌ شهم بفطرتي، فسوف أنفق كافة أموالي في سبيل الله دفعةً واحدةً! فهذا خطأ وغير صحيح! فالله العلي الأعلى جعلك كفيلاً و مدبراً لأمر عائلتك، ويجب أن تأخذ على عاتقك إدارة شؤونها! فهذا العمل غير صحيح. نحن نحبّ أن نصرف كلّ الأرباح التي نجنيها في الهيئة الفلانيّة، أو أن نذهب ونعود إلى كربلاء أو النجف مع الهيئة الفلانيّة، في الوقت الذي تعيش فيه ربّة المنزل في حالةٍ من الاستئصال وضيقٍ في العيش! فهذا ذنبٌ ولا ثواب في ذلك، وهذا اعوجاج في الطريق، وليست هذه الزيارة بزيارة للإمام، بل هي حركةٌ باتّجاه مضادٍّ للإمام وسيرٌ في طريقٍ معاكسٍ لطريق الإمام!
﴿وَلَا تُبَذِّرۡ تَبۡذِيرًا﴾ «أنفق، ولكن أنفق القليل ودع لنفسك مقدارًا!
فلا تجمع كلّ الأموال، وكذلك لا تعط كلّ الأموال أيضًا! فكلّ من الإفراط والتفريط خطأ، وخيرُ الأُمور أوسَطُها.٣
﴿إِنَّ ٱلۡمُبَذِّرِينَ كَانُوٓاْ إِخۡوَٰنَ ٱلشَّيَٰطِينِ﴾؛ يعني: «أولئك الذين يبذّرون وينفقون كثيرًا هم أخوانٌ للشياطين!»
﴿وَكَانَ ٱلشَّيۡطَٰنُ لِرَبِّهِۦ كَفُورٗا﴾؛٤ يعني: «والشيطان كافر بنعم ربّه فهو إمّا يسرف وإمّا يبذّر!».
فالإسراف هو الصرف بشكل ٍزائدٍ عن الحدّ، وأمّا التبذير فهو الصرف في الموطن غير الصحيح. إذا صرفت المال الذي جنيته على الذهاب إلى السينما، فهذا تبذيرٌ، أو صرفتها في القمار، أو صرفتها على شرب الخمر،فلا يُقال لهذا: إسرافٌ، بل هو تبذير. والذين يقومون بهذه الأعمال هم إخوان الشياطين. يتقاطر العرق منك وتبذل الجهد لتجني المال، ثمّ تذهب لتشتري جهاز راديو أو تلفاز وتضعه في منزلك، هذا تبذيرٌ ومعصيةٌ! بالإضافة إلى المفاسد الأخرى فإنَّ نفس هذا العمل عمل خاطئ وتبذير!
معنى عقد الأخوّة
﴿إِنَّ ٱلۡمُبَذِّرِينَ كَانُوٓاْ إِخۡوَٰنَ ٱلشَّيَٰطِينِ﴾؛ يعني: «إنّهم عقدوا عقد الأخوة مع الشيطان!».
لأنّه في نهاية المطاف يجب أن يعقد الإنسان عقد الأُخوّة! ولا يمكن للإنسان أن لا يكون له أخّ في هذه الدنيا!
وقد عقد النبيّ الأكرم عقد الأخوّة بين المهاجرين في مكّة، وعقد عقد الأخوّة بين المهاجرين و الأنصار في المدينة.۱ فأبو بكر يحتاج لأخ، فأصبح عمر أخًا لأبي بكر! وعثمان يريد أخًا، فيصبح عبد الرحمن بن عوف أخًا له! وسلمان [أخ] لأبي ذر الغفاري، و[المقداد] أخّو عمار، وقد تمّت مُراعاة السنخية الواحدة في الجميع. فبقي أمير المؤمنين في آخر الصفّ واضطرب، فقد جعل النبيّ لجميع الأصحاب أخًا، ولكن لم يجعل حتّى الآن أخًا لأمير المؤمنين! وورد في بعض الروايات: «ضاق صدر أمير المؤمنين حزنًا!!»، وبقي رسول الله في مجلسه لعدّة أيّام يجعل لكلّ شخص أخًا، بينما لم يجعل لأمير المؤمنين أخًا، فتحرّك الإمام و جاء إلى بعض نواحي المدينة، وكانت الريح تهبّ قاسيةً، تحمل الغبار معها، فأخذ جانبًا من أحد الجدران، ووضع رأسه ونام، وكان يجترع الغصّة، وكانت الرياح تهبّ، فجعلت عليه مقدارًا من هذا الغبار والتراب.
فقال النبيّ: «أين أخي علي؟» فقالوا: في الخارج ذهب إلى المكان الفلاني، فذهب إليه النبي بنفسه، ونظر فرأى أمير المؤمنين نائمًا، وكانت أوقاته مُرّةً! فوَكَز أمير المؤمنين برجله، وقال: «استيقظ، استيقظ يا أبا تراب!» فالنبيّ هو من أعطى هذا اللقب لأمير المؤمنين، يعني: يا ذا التراب! يا من يجلس على التراب! يا رفيق التراب!» ليس من الجيّد أن يكون الإنسان أبا ذهب، أبا فضة، يا رفيق الذهب و الفضة! يا رفيق الجواهر والألماس! يا أبا تراب! يا رفيق التراب! ما أحسنه من لقب! ثمّ قال: «لقد جعلتك أخًا لي، أمٰا تَرضى أن تَكونَ أخي؟!».٢
في النتيجة يجب أن نلاحظ السنخيّة! فليس سنخ النبي في هذه الدنيا سوى أمير المؤمنين، وليس سنخ أمير المؤمنين سوى النبي!
﴿إِنَّ ٱلۡمُبَذِّرِينَ كَانُوٓاْ إِخۡوَٰنَ ٱلشَّيَٰطِينِ﴾؛٣ يعني: «المبذّرين هم إخوان الشياطين!».
هنا أيضًا عُقِدَ عقدُ الأُخوّة بينهم وبين الشيطان.
كيفية الإنفاق والمساعدة غير المالية
﴿وَإِمَّا تُعۡرِضَنَّ عَنۡهُمُ ٱبۡتِغَآءَ رَحۡمَةٖ مِّن رَّبِّكَ تَرۡجُوهَا فَقُل لَّهُمۡ قَوۡلٗا مَّيۡسُورٗا﴾؛۱ يعني: «إذا لم يكن لديك مالاً لكي تساعد به أهلك و أقاربك، أو ترفع حوائجهم».
مثلًا: يكون أحد أقاربك مريضًا ولا تستطيع أن تنقله إلى المستشفى، أو أن تحضر له الطبيب أو الدواء أو الغذاء، فاذهب لعيادته واحضر له هديةً صغيرةً، أو سيخًا من الكباب، أو حبّة سفرجل وأسعده بذلك! وإذا لم يكن لديك هذه الأمور أيضًا فأحضر له اللسان الجميل الذي تملكه، واذهب إليه وتكلّم معه بكلامٍ طيّبٍ حسنٍ!.
﴿وَإِمَّا تُعۡرِضَنَّ عَنۡهُمُ﴾؛ يعني: «إذا كنت لا تستطيع مساعدتهم».
﴿ٱبۡتِغَآءَ رَحۡمَةٖ مِّن رَّبِّكَ تَرۡجُوهَا﴾؛ يعني: «وتبحث عن رحمة الله».
فإذا كنت تريد أن تعطهم مقدارًا من المال أو أن تغسل رأسهم ووجههم بالماء لتستطيع أن تصل إلى رحمة الله تلك، فليس للأمر من قرار! بل لا تعاملهم بحديّةٍ ولا تعبس بوجههم ولا تكسر قلوبهم! إذا أتوا إلى منزلك في وقت من الأوقات وكانوا معدمين وكانت ألبستهم بالية مرقعة لا تجلسهم في مدخل البيت! صدق أنَّك لو أجلستهم على الكنب وعلى أثاثك فلن ينقص من طاولتك ومقعدك شيئًا! بل ستعمّ البركة أيضًا! دعهم يأتون إلى منزلك ويملؤون المنزل؛ يأتون ويذهبون ويترددون عليه، ولا تغلق باب غرفة الضيوف فلا يروا حتّى لون المنزل!
نحن إذا أردنا أن ننفق فإنّنا نعطيهم المواد الخامّ، كالأرز الخام والزيت! فهذه المواد صلبة كصلابة الحديد الذي يضرب به رأس الإنسان في جهنّم! بماذا تنفع المواد الخام هذه؟ فالمواد الصلبة الحديديّة والفولاذ الخام ليس جيّد! يجب أن يدخل الحديد إلى التنور ليلين، أما إذا مزجتموه بمقدارٍ من الـ «تيتانيوم» و«موليبدنوم» و«المواد الفوسفوريّة» والمواد الفحميّة، تصبح موادًا صلبة. صلابة عجيبة جدًّا، تقطع الحديد! وإذا تبدلت إلى هراوة، فستضرب برأس الإنسان! فلا تنفق من المواد الخام! اعمد إلى أن تذبح خروفًا في منزلك، واطبخ الطعام في المنزل، ضع القدر على النار إلى أن يتصاعد الدخان، وليأتوا ويأكلوا من الدخان والطعام داخل المنزل؛ فهذا هو الأمر الحسن! فإنّ الله لا يريد منك أن تساعدهم مساعدة مادّيّة فقط، فلو كان المقصود هو مجرّد المساعدة الماديّة فبالإمكان أن يشبعهم الله بشكل مباشر، إنّ الله يريد أن تتآلف القلوب، ولكن القلوب بهذا الشكل لا تتآلف.
رأي المرحوم العلامة الطهراني رضوان الله عليه فيما يرتبط بإقامة المحافل والمجالس (ت)
إذا أردت أن تزوِّج ابنك، زوِّجه واعقد قرانه، وادعهم للقدوم إلى منزلك ليتناولوا الطعام، وأقم الاحتفال في المنزل، ولا تحتفل في قاعات الحفلات! فهذه القاعات مجهولة الهويّة! في ساعةٍ يدقّون ويعزفون الموسيقى، ويشربون الخمر وما شابه ذلك، وفي ساعة أخرى ماذا نوضح أكثر من ذلك؟ في ساعةٍ أخرى يديرون مشغل الإسطوانات، و في ساعةٍ أخرى يقيمون مجالس الحداد!۱
مجالس العقد والأعراس (ت)
...۱
...۱
مجالس التعزية (ت)
...۱
...۱
...۱
مجالس أعياد المعصومين عليهم السّلام ووفياتهم (ت)
...۱
...۱
مجالس أعياد الميلاد (ت)
...۱
ولدينا أمر من النبيّ بأن لا نرسل زوجاتنا إلى الحمامات العموميّة، ولا إلى المجالس العموميّة، ولا إلى الأعراس العموميّة! لعن الله رجلًا يأذن لامرأته الذهاب إلى المجالس العامة والأعراس ومجالس العزاء العامّة والحمامات العامة! لعن الله الذي يشتري لامرأته اللباس الشفّاف!۱ وهناك إطلاقٌ في هذه الرواية، فليس بالضرورة أن يراها رجلٌ أجنبيٌّ! غايةُ الأمر أنَّ هذه المسائل قليلًا ما تُذكر بحيث يخيل للإنسان أن هذه المسائل ليست جزءًا من متن الإسلام أصلًا!
ادع قومك وأقاربك إلى المنزل! وإذا كانت زوجتك لا تستطيع التكفّل بالدعوة، فأخبرهم أن يحضروا بأنفسهم، وليقم الرجال بذبح الخروف، أمّا النساء فيجتمعن ويقطعن الذبيحة إلى قطع، ويجلسون سويًا ويتناولون الطعام ويستمتعون! فهذا فعل حسن! ما أحسن الأيّام السابقة! حيث كانت النساء يجتمعن سويًا، يومًا في هذا المنزل، ويومًا في ذلك المنزل، واحدة تقطع «الخضار» و الأخرى تجهّز «الشعير»، والأخرى تنظّف البازيلاء واللوبياء، وواحدة تقرأ القرآن، وفي النهاية يصنعون حساء «آش رشته»، أو حساء «آش أبو الدرداء»! كنَّ يجلسن مع بعضهن البعض من الصباح حتّى الغروب، لا يغتبنَ ولا يتّهمنَ، ويُمضينَ يومهنَّ بهذه الطريقة. القلوب متآلفة مع بعضها، لا تعادي بنت الخالة ابنة خالتها، ولا الحماة عدوةٌ لكنّتها، ولا ابنة الزوج كذلك، ولا...، بل كلّهم قلبٌ واحدٌ و مشاعرُ ملتحمةٌ مع بعضها البعض، أمّا الآن فلا يستطيع أخوين أن ينظرا إلى وجه بعضهما البعض! فهذا يسلك من هذا السبيل والآخر يسلك طريقًا آخر، هذا ينظر إلى هذا الاتجاه، وذاك إلى الاتجاه الآخر، كي لا ينظرا إلى بعضهما! ﴿كُلَّمَا دَخَلَتۡ أُمَّةٞ لَّعَنَتۡ أُخۡتَهَا﴾؛٢ هذه هي أحوال أهل جهنم!
والآن إذا كنت لا تستطيع أن تُساعد الأصدقاء والمساكين وذوي القربى وابن السبيل وقومك وأقاربك، فعلى الأقل لا تفقد علاقتك بهم! اذهب إليهم في بعض الأوقات وامض الوقت معهم: «كيف حالك؟ إن شاء الله حالكَ جيدةٌ؟ إن شاء الله أموركَ حسنةٌ؟ فنحن مثلك أيضًا. فإنَّ الضيق واقع على الجميع، يوم فوق وآخر تحت!» فيرق قلبه ويلين.
ضرورة الإنفاق على أساس الاعتدال وحفظ المصالح
﴿وَلَا تَجۡعَلۡ يَدَكَ مَغۡلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبۡسُطۡهَا كُلَّ ٱلۡبَسۡطِ فَتَقۡعُدَ مَلُومٗا مَّحۡسُورًا﴾؛۱ يعني: «تريد الآن أن تنفق، فلا تنفق بذلك المقدار بحيث تعطي كلّ ما لديك، ولا بالمقدار بحيث تكون يدك كأنّها مقيّدةٌ إلى عنقك وقد غُلّت فلا يُمكنك أن تبسط يدك!»، ﴿وَلَا تَجۡعَلۡ يَدَكَ مَغۡلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ﴾ «لا تغلق يدك وتغلّها إلى عنقك، لا تعلّقها!»، افتح يدك هذه! وأدخلها في جيبك وأخرج قبضةً كبيرةً من المال! وأخرجها بسرعة بسرعة، وليكن هكذا المقدار!
﴿وَلَا تَبۡسُطۡهَا كُلَّ ٱلۡبَسۡطِ﴾؛ يعني: «ولا تفتح يدك وتبسطها كلّ البسط (فيسلبونك قميصك أيضًا)!»، ﴿فَتَقۡعُدَ مَلُومٗا مَّحۡسُورًا﴾؛ يعني: «تبقى ملامًا و متحسرًا!».
فإذا أعطيتَ وأنفقتَ كلّ ما لديك، فسوف يُطالبك ابنك ويقول لك: لقد جعلني الله العلي الأعلى من رعاياك، وأنت كفيلي، فلماذا لا تقوم بتعهد شؤوني؟ لماذا لا تقوم بتربيتي؟ لماذا أصبح بدني ضعيفًا؟ لماذا أهملتَ روحيّتي و أخلاقي؟ لماذا لم تضعني في مدرسةٍ إسلاميّةٍ؟ يا أبي العزيز، لماذا لم تُسمِعنِي كلمات الله والرسول؟ لماذا وضعتني في جوٍّ يُفسِدُ ديني؟ فأنا كنت معصومًا لا اختيار لي، وأنت الذي أخذتني إلى تلك الأماكن ووضعتني بها!
بناءً على ذلك فإذا كان دخلك الشهري ألف تومان أو ألفي تومان، فيجب أن تدفع لولدك إذا كان ذلك ما يجعله مسلمًا ملتزمًا بإسلامه، وإذا لم تفعل ذلك، بل قمتَ بالتبرع بذلك الألف تومان للهيئات فإنَّ ذلك خلاف الطريق وخلاف الصراط!
على الإنسان أن يصرف المال الذي يحصل عليه في مصالحه الشخصيّة! المصالح تعني: كمالكم، تعني: إنسانيتكم، شرفُكم، عزُكم، عصمتُكم، أخلاقُكم، تربيتُكم، تلك الأمور التي حفظتها بذلك المال، وفي هذه الحالة فإنَّ كلّ ما تصرفه في هذا المجال ليس فيه معصية. وفي المقابل إذا صرفت قدرًا من المال ولم تحفظ العزّة والشرف والعصمة والأخلاق بهذا المال، فحتّى لو أنّك لم تبخل بصرف المال، فإنَّهم سوف يسألون: لماذا أنفقت مالك في غير محلّه الصحيح؟!
﴿إِنَّ رَبَّكَ يَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقۡدِرُ إِنَّهُۥ كَانَ بِعِبَادِهِۦ خَبِيرَۢا بَصِيرٗا﴾؛٢ يعني: «يا أيّها النبيّ اعلم أنّ الله يبسط الرزق للنّاس، ويعطي من يشاء ويوسّع عليه في معيشته، ويضيق على من يشاء في رزقه أيضًا».
وحينما يأمر الله الناس بالإنفاق على الآخرين، فهو من أجل امتحانهم، من أجل يخرجوا من حالة الخسّة والبخل والحرص والشُحّ! ليُنظّف صدأ الحديد، ولينفض الفحم عنه، ويُعالج هذا الذهب ليصبح برّاقًا! وليس الأمر أنَّ الله يريد من النّاس الإنفاق ويطلب منكم المدد وأنّه طالما أنّكم قمتم الآن بذلك الجهد، وصببتم العرق وتعبتم وحصلتم على القمح والشعير وساندتم خزائننا بمقدارٍ ما، الآن تعال ولا تدع الفقير الفلاني جائعًا، وساعده! ولا ترق ماء وجهنا أمام الفقير الفلاني! فقط من أجل رضا الله. لا أبدًا، ليس الأمر كذلك!
قد تحدّثنا حول ذلك في الأسبوع السابق، ووصلنا إلى هنا.
حرمة قتل الأبناء خوف الجوع ومصاديق ذلك في العصر الحاضر
﴿وَلَا تَقۡتُلُوٓاْ أَوۡلَٰدَكُمۡ خَشۡيَةَ إِمۡلَٰقٖ نَّحۡنُ نَرۡزُقُهُمۡ وَإِيَّاكُمۡ إِنَّ قَتۡلَهُمۡ كَانَ خِطۡٔٗا كَبِيرٗا﴾؛۱ يعني:«لا تقتلوا أبناؤكم خوفًا من الجوع، فنحن نرزقهم ونرزقكم! إنَّ قتل الأولاد جريمةٌ كبيرةٌ جدًا! خطأٌ عظيمٌ جدًا!»
عندما وصلت هذه الآيات إلى نظرنا قلنا: الحمد الله أنّنا لسنا من العرب الجاهليّين، حتى نقتل أولادنا مخافة الفقر والجوع؛ كان هذا فعل الأعراب الجاهليّين، حيث كانوا يدفنون بناتهم وهم أحياء في الأرض، خوفًا من أن يصبحوا فقراء يومًا من الأيّام ، فلا يستطيعوا تأمين احتياجاتهم،٢ لا تقتلوا أولادكم خشية الإملاق! إنّ قتل الجنين هو قتلٌ للأولاد!٣ إسقاط المرأة الحامل لطِفلِها معصية، وهي معصيةٌ كبيرةٌ وقتلٌ للنفس! قتل النفس المحترمة وقتلٌ للمؤمن!٤ لا تفعل ذلك خوفًا من الفقر! يا سيدي لديّ طفلين، وكفى! لديّ ثلاثة أطفال، وكفى! أجهدتُ جدًا! ولا يمكّنني التكفّل بمصروفهم! إنّ الإنسان إذا أراد أن يعتمد على نفسه فلن يستطيع أن يتعهد حتّى بطفلٍ واحدٍ، ولن يستطيع أن يتعهّد حتّى بنفسه! ولكن إذا اعتمد على الله فحتّى لو كانوا مئة شخصٍ فهم قليلون، ومئتين كذلك سيكونون قليلين!
ماذا تقول أيّها الإنسان؟! أين تفكيرك؟! ذلك الإله الذي لديه سماءٌ يديرها، وأرضٌ يديرها، وشمسٌ يديرها، ومرّيخٌ يديره، وزحل ومشتري وكواكب وأفلاك وسيّارات وأسماك البحر [يرزقها]، ومن الأساس كم هناك من عجائب المخلوقات! ثمّ بعد ذلك هل ستكون خزائن الغيب مقفلةً على أربعة مثاقيل من الأرز، أو نصف «ليتر» من الحليب لهذا الطفل المعصوم، ولن يستطيع بعد ذلك أن يرزقنا!
جميع هذه الإعلانات كفرٌ [التي تقول]: «أولاد أقل حياة أفضل!»، حسناً ماذا تفعل هذه المرأة؟ أيجب أن تكون هذه المرأة حاملًا أم لا؟ إذا لم تحمل سيُصيبها ألفُ مرضٍ! إذا لم تحمل المرأة فإنّها تمرض بأمراضٍ تصيبُ جميع أنحاء جسمها! تأخذ حبّة الدواء فتمرض، وتصاب بمرض الأعصاب، وتصاب بمرض القلب، وتصاب بمرض الجنون، وبأمراضٍ غير قابلة للمعالجة! فالنساء اللواتي يتناولن الأقراص التي تؤخّر العادة الشهريّة أو تقدّمها يُصبنَ بالمرض جميعًا! وإذا استعملن الآلات حتّى لا يتقبّل الرحم النطفة، فإنّهم سيُبتلين أيضًا بأمراضٍ مختلفةٍ ويُصبنَ بسرطان الرحم! وأغلب النساء اللواتي يعانين من أمراض في الرحم أو سرطان الرحم، فهي بسبب موانع الحمل هذه! وأيًا كانت هذه الوسائل، فإنَّهن يُصبنَ بالمرض بسببها. أمّا المرأة التي تحيض فسلامتها في أن تصبح حاملًا بطفلٍ وبأن تلد! ينبغي على المرأة أن تكون حاملًا وأن تنجب الأطفال منذ أن تبلغ حتّى تصل إلى سنّ اليأس؛ والآن يُمكن أن تنجب في هذه الدورة الحياتية عشرين شخصًا، أو خمسة عشر شخصًا، أو عشرة أشخاص، أو خمسة أفراد، أيًا كان فليكن، بحسب سلامة مزاج المرأة؛ أمّا إذا لم تفعل، فإنّها ستصبح مريضةً، وسوف تُصاب بمرض الأعصاب، وسوف تُصاب بمرض القلب، ستتورم كليتها، وتهوي!۱ ولماذا أصبحت الأعمار هكذا، فالآن إذا وصلت إلى الخمسين أو الواحدة من الخمسين من العمر، يقولون: حسنًا، الحمد لله، لقد عمّرت وأصبح مسنّةً؟! لماذا أصبح الأمر كذلك؟
ألا يستطيع الله أن يتعهّد بأمر الأرزاق؟! إنّهم لم يكتبوا «اثنان أو ثلاثة» أيضًا؛ بل كتبوا: «اثنان كفاية»! [ولكن الأمر بالعكس] فكلّما كان الأولاد أقلّ كانت الحياة مليئة بالأمراض أكثر، وكانت الحياة شيطانيّةً أكثر! إنّ الأولاد رحمةٌ! يقول النبيّ:
«تَناكحوا تَناسَلوُا تكثُروا؛ فإنّي أُباهي بكمُ الأُمَمَ يومَ القيامَةِ ولو بِالسِّقط!٢
يقِفُ مُحبنطئًا على بابِ الجَنّةِ، فَيقالُ لَهُ: ادخُل! فَيقولُ: لا، حَتّى يدخُلَ مَعِي أبَوايَ قَبلي!».٣
يعني: «[تزاوجوا واسعوا إلى زيادة النسل] وبيضوا وجهي يوم القيامة بمن يقول: ﴿لا إله إلّا الله﴾ ! فأنا أفتخر حتّى بذلك الطفل المؤمن الذي أُسقط دون اختيار منه، وارتحل عن الدنيا!
(ولأنَّ أبوه وأمه كانا مؤمنين) فإنّ هذا الطفل المؤمن يأتي يوم القيامة جوار باب الجنّة ويقف كالرجال ويضع يده على خاصرته ويبرز صدره وبطنه، فتقول الملائكة: أيّها الابن تفضل إلى الجنّة! فيقول: لا ادخل حتّى يدخل أبي وأمي قبلي إلى الجنّة!».
إنّ الطفل السقط، يشفع لأبيه وأمه يوم القيامة! إنّنا نقرأ هذه الروايات، ولكن في مجال التطبيق العملي نتراجع إلى الخلف!
ونقرأ في المجالس:
قال النبيُّ صلّى الله علیه و آله و سلّم: «النِّكاحُ سُنَّتي، فَمَن رَغِبَ عن سُنَّتي فَلَيسَ مِنّي!».۱
بمن أتزوج؟ وبأيّة ظروف؟
﴿وَأَنكِحُواْ ٱلۡأَيَٰمَىٰ مِنكُمۡ وَٱلصَّـٰلِحِينَ مِنۡ عِبَادِكُمۡ وَإِمَآئِكُمۡ إِن يَكُونُواْ فُقَرَآءَ يُغۡنِهِمُ ٱللَهُ مِن فَضۡلِهِۦ وَٱللَهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٞ﴾.٢
أيّها الرجال! أيتها النساء! يا أولياء الأمور! زوجوا أبناؤكم، ولا تُفكّروا في الفقر! فإذا تقدم أحدٌ إلى بناتكم لخطبتهن ورأيتم أنّه فقير، فزوّجوه ولا تقولوا: أيّها السيّد من أين تجلب المال؟! لا تقولوا: من أين تجلب رأس المال؟!
﴿إِن يَكُونُواْ فُقَرَآءَ يُغۡنِهِمُ ٱللَهُ مِن فَضۡلِهِۦ وَٱللَهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٞ﴾.
يقولون: يا سيّد السلام عليكم ورحمة الله، الآن تفضل بالقول، ماذا يعمل صهرك؟ من أين يُؤمّن خبز يومه؟ ما هي مهنته؟ كم يبلغ مدخوله؟ هل يمتلك منزلًا شخصيًا؟ ومن الأساس أوّل حديثٍ يدور في المجالس هو هذا الأمر! لا يقول:
كم هو إيمانه؟ كم تبلغ تقواه؟ كيف هي أخلاقه؟ هل لدى هذا الصهر غيرةٌ أم لا؟ أريد أن أزوجه ابنتي فهل هو ذو شرف أم لا؟ هل يستطيع ان يحفظ عصمة الله أم لا؟ لا أبدًا لا يجري حديثٌ عن ذلك أبدًا! فإذن نحن نقرأ: ﴿إِن يَكُونُواْ فُقَرَآءَ يُغۡنِهِمُ ٱللَهُ مِن فَضۡلِهِۦ وَٱللَهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٞ﴾؛ هكذا ولكن هل فكّرنا بأنّنا مشمولين بهذا الخطاب؟
﴿وَلَا تَقۡتُلُوٓاْ أَوۡلَٰدَكُمۡ خَشۡيَةَ إِمۡلَٰقٖ﴾؛٣ أي: خوف الجوع!
إنَّ اسقاط الجنين وقتل الطفل هوقتلٌ للنفس المحترمة، وهو من الذنوب غير القابلة للعفو! لدينا آيةٌ في القرآن المجيد تقول:
﴿وَمَن يَقۡتُلۡ مُؤۡمِنٗا مُّتَعَمِّدٗا فَجَزَآؤُهُۥ جَهَنَّمُ خَٰلِدٗا فِيهَا﴾؛٤
الآن سواء أكان الطفل يتنفّس في رحم الأمّ أم لم يكن! وسواءً أكان أصغر من أربعة أشهر أم أكبر! وسواءً أكان علقةً أم مضغةً أم جنينًا! عندما تنعقد النطفة في الرحم، حتّى النطفة ذات اليومين التي استقبلها الرحم بعنوان طفل، لا يمكن للإنسان أن يسقطه بأيّ عنوانٍ ولا بأيّة صورةٍ كانت، ولا بأيّة كيفيّةٍ!٥ عليكم أن تحتفظوا بالطفل، ولا تقتلوه خوف الجوع!
ولدينا آية في القرآن تقول:
﴿وَلَا تَقۡتُلُوٓاْ أَوۡلَٰدَكُم مِّنۡ إِمۡلَٰقٖ نَّحۡنُ نَرۡزُقُكُمۡ وَإِيَّاهُمۡ﴾؛۱ فنحن نرزقكم ونحن نرزقهم.
وقد ورد في هذه الآية أنّه:
﴿نَرۡزُقُهُمۡ وَإِيَّاكُمۡ﴾؛٢ فنحن نرزقهم ونحن نرزقكم.
عجيبةٌ جدًا! يقول: الرزق بأيدينا؛ فإن نشأ نفتح باب السماء فتخضر البوادي، وتثمر الأشجار؛ وتبلغ من الغزارة، ووفور النعمة بحيث يعجز عن إحصائها! هذه أرضٌ؛ فكيف تحصلون على هذه النعم؟! وأينما تضربوا تجدون أنَّ الباب مغلق! إنّه بأيدينا؛ تعالوا إلينا لنسوي الأمر!
﴿إِنَّ قَتۡلَهُمۡ كَانَ خِطۡٔٗا كَبِيرٗا﴾؛٣
الحرمة الشديدة للزنا
﴿وَلَا تَقۡرَبُواْ ٱلزِّنَىٰٓ إِنَّهُۥ كَانَ فَٰحِشَةٗ وَسَآءَ سَبِيلٗا﴾؛٤ «أصلًا لا تقتربوا من الزنا!».
لم يقل لا تزني، بل لا تقترب من الزنا ولا تتخيّلوا الزنا؛ لا زنا العين ولا زنا الأذن ولا زنا اليد! [وقد ورد في الرواية]:
زنا اليد هو وضع اليد على امرأة غير محرم! وزنا العين هو النظر! وزنا الأذن هو الاستماع إلى صوت امرأةٍ غير محرم!.٥
تتّصل بالهاتف فتتحدّث تلك المرأة معك بخضوعٍ وبشكلٍ رقيقٍ، هذا زنا! هذه المرأة التي تتكلّم بخضوع [ترقق صوتها] في التلفون، تقوم بالزنا! وهذا زنا السمع! يقول القرآن:
﴿فَلَا تَخۡضَعۡنَ بِٱلۡقَوۡلِ فَيَطۡمَعَ ٱلَّذِي فِي قَلۡبِهِۦ مَرَضٞ﴾؛٦ يعني: «على النساء اللواتي يُردن الحديث، أن لا يخضعنَّ في القول، فليتحدثن بصوتٍ سميك!»؛
فإنَّ الصوت الخاضع جذاب! حسنًا إنَّ صوت المرأة بطبيعته خاضعٌ إلا أنّهنَّ يبالغن في ترقيقه! ألا تفكّرون بأنّ جهنّم موجودةٌ أيضًا؟ هل يتخيلنَّ أنّهنَّ يستطعن تجاوز الله!
﴿أَمۡ حَسِبَ ٱلَّذِينَ يَعۡمَلُونَ ٱلسَّئَِّاتِ أَن يَسۡبِقُونَا سَآءَ مَا يَحۡكُمُونَ﴾؛۷ يعني: «فإنَّ الذين ارتكبوا المعاصي ويظنون أنَّهم قد سبقونا بسبب السيئات، لا أبدًا، لقد ساء ما يحكمون!».
ولماذا «لا تقربوا الزنا»؟
﴿إِنَّهُۥ كَانَ فَٰحِشَةٗ﴾؛ يعني: «إنَّه فعلٌ وسلوكٌ سيءٌ جدًا وفاحشةٌ شنيعةٌ جدًا!».
﴿وَسَآءَ سَبِيلٗا﴾؛۸ يعني: «إنّ الزنا سبيلٌ سيءٌ!».
الزنا طريقٌ سيءٌ، إنَّ هذا الطريق يذهب بالعصمة والعفّة، يذهب بالنسب، يُلغي العواطف، يمحو الإنسانيّة، إنّه سيءٌ جداً! فلا تقوموا بهذا الفعل!
نهي الإسلام المؤكّد عن الانتحار والقتل بدون حقّ
﴿وَلَا تَقۡتُلُواْ ٱلنَّفۡسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَهُ إِلَّا بِٱلۡحَقِّ﴾٩. القتل بالحقّ يعني: جزاء الإنسان الذي قتل النفس المحترمة، هو أن يُقتل، فإذا قتل الإنسان النفس المحترمة فعند ذلك يكون قتله بحقٍّ؛ و كذلك إذا ارتكب الفرد جنايةً في القانون الإسلامي يحكُم حاكم الشرع أنّه يجب قتله،
مثلًا: إذا ارتدّ، ففي هذه الحالة لم تعُد نفسه محترمةً، فإذا حكم بارتداده، صدر بحقّه حكم القتل؛ وكذلك إذا أفسد في الأرض وأمثال ذلك.
﴿لا تقتل النفس المحترمة﴾؛ سواءً أكانت نفسك أو نفس غيرك. الإنسان في الشريعة الإسلامية ليس مختارًا في أن يقتل نفسه، لا يستطيع أن يقول: لقد شبعت من نفسي وأريد قتل نفسي! لم يُمنح مثل هذا الحقّ للإنسان. فإذا انتحر الإنسان فهو مخلّدٌ في جهنّم؛ لأنَّ الإنسان ليس بمالك لنفسه. وليس هذا مختصًا بالقانون الإلهي، ولا يوجد في قانون من قوانين الدنيا أنَّ الانتحار حرامٌ، عندما يُقدم شخصٌ على الانتحار، فأيُّ قانون يستطيع أن يمنعه؟ فهو انتحر وقتل نفسه! إنَّ القوانين الظاهرية لا تتكفل بالأمور الباطنية ولا تستطيع ذلك! ليس هناك أيُّ قانونٍ من القوانين الظاهريّة يتكفّل بأمر الباطن، وأمّا قانون الباطن فهو أمرٌ آخر؛ فيقول: أيّها الإنسان أنت لا تملك نفسك، كما أنّك لا تملك أيّ شيءٍ آخر! فالله هو مالكك ومالك كلّ شيء؛ ولم يمنحك الإذن لتنتحر، فقال: إذا قتلت نفسك فستكون مُخلّدًا في جهنم!۱
﴿وَلَا تَقۡتُلُواْ ٱلنَّفۡسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَهُ إِلَّا بِٱلۡحَقِّ﴾؛ فنفس الإنسان نفسٌ محترمةٌ، ونفس الآخر نفسٌ محترمةٌ أيضًا؛ إذن لا يستطيع الإنسان أن يقتلها.
كيفيّة القصاص في الإسلام
﴿وَمَن قُتِلَ مَظۡلُومٗا فَقَدۡ جَعَلۡنَا لِوَلِيِّهِۦ سُلۡطَٰنٗا فَلَا يُسۡرِف فِّي ٱلۡقَتۡلِ إِنَّهُۥ كَانَ مَنصُورٗا﴾؛٢ يعني: «إذا قُتِل إنسانٌ ما، وكان قتله بدون سببٍ شرعيٍّ، فإنّنا نعطي لوليّه، أيّ: لولي دمّه القدرة والسلطان بأنّه يستطيع قتل القاتل؛ وهو حقُّ القصاص».
﴿وَلَكُمۡ فِي ٱلۡقِصَاصِ حَيَوٰةٞ يَـٰٓأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ﴾.٣
﴿فَلَا يُسۡرِف فِّي ٱلۡقَتۡلِ﴾؛ الآن إذا كان وليّ الدم يُريد أن يقتل الشخص القاتل، فعلى وليّ الدم أن يقتل القاتل فقط، ولا يسرف في القتل!
يعني: لا يذهب ويقتل أخو القاتل أيضًا! ويقتل زوجته! ولو كان لديه القدرة فيذهب ويقتل كافّة أفراد القرية التي كان القاتل يعيش فيها، فيقتل كافّة القرية وكافّة أهلها؛ كلّا هذا ليس من حقّه! لا إسراف في القتل؛ بل يقتل القاتل فقط، فوليّ الدم إنّما يستطيع أن يقتل القاتل فقط.
﴿إِنَّهُۥ كَانَ مَنصُورٗا﴾؛ أي «إنّ المقتول المظلوم، والذي عُذِّب، هو محلٌ لنصرنا».
ونحن نصرناه من خلال إعطائنا حقّ الولاية لوليّ دمه من أجل أن يقتصّ له.
كيفيّة إدارة أمور الأيتام وأموالهم
﴿وَلَا تَقۡرَبُواْ مَالَ ٱلۡيَتِيمِ إِلَّا بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ﴾؛۱هنا أيضاً لم يقل لا تأكلوا مال اليتيم، بل قال: لا تقتربوا من مال اليتيم إلّا في حدود ما لا بدّ منه كي تحافظوا على ماله، بحيث لو لم تتصدّوا لإدارته فسوف يضيع مال اليتيم ويتلاشى! مثلا: إذا مات أحد الآباء وترك مالًا لطفله الصغير، فإذا لم يقترب أحد من هذا المال ويتصدّى لإدارته فإنّ هذا المال سوف يتلف؛ والطفل لا يستطيع أن يدير ماله بنفسه؛ عندها يجب أن يقوم القيّم أو ذلك الوصيّ، أو المجتهد الجامع للشرائط، وفي حال عدم وجودهم فأحد عدول المؤمنين، فإن لم يوجد فيجب على فسّاق المؤمنين أن يديروا ذلك المال ﴿بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ﴾؛ «بأحسن نحو وبأفضل طريق بالنسبة لسائر الطرق».
فإذا تُركت سجادةً لهذا الطفل، فعليهم أن يروا ما هي الطريقة الأنسب ليحافظوا عليها بحيث لا تتلف، فإذا رأوا أنَّه من الأفضل ترك هذه السجادة إلى أن يصل الطفل إلى سن البلوغ، فليتركها؛ أمّا إذا رأى أنّه إذا بقيت هذه السجادة إلى سنّ البلوغ فإنّها ستتلف، إذن فليبيعها، وليستبدلها بشيءٍ آخر لا يتلف. فإذا تاجروا بمال اليتيم، فإنَّ عليه المتاجرة بتجارةٍ لا تخسر عادةً، أو خسارتها قليلةٌ وربحها كثيرٌ، فيأخذ دائمًا الحصّة والمنفعة التي للطفل بعين الاعتبار. وعلى من يتصرّف في مال اليتيم أن يأخذ مصلحة الطفل في عين الاعتبار. فإذا ارتحل أحدٌ عن الدنيا، وتوجب على الإنسان أن يذهب إلى منزل ذلك اليتيم، فهل يحقّ له التصرّف في كلّ قطعةٍ من أثاث حياته، بالطبع لا، بل لا بد من أخذ مصلحة الطفل بعين الاعتبار.
وصلّى الله على محمّدٍ وآله الطّاهرين، وسلّم تسليمًا کثیرًا!