16

عدم اليأس من رحمة الله

حقيقة اليأس من رحمة الله

3
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمدعاء أبي حمزة الثمالي

المجموعةسنة 1423

التاريخ 1423/09/17


التوضيح

هل خلق الله بعض الناس مهديين وآخرين ضالّين بشكلٍ مسبق؟ ما هو المعنى الحقيقي للتولّي والتبرّي، وهل يقتصر على اللعن والاحتفال؟ كيف نقرأ القرآن لنتلقّى منه الخطاب الإلهيّ مباشرةً؟ وما هو الذنب الذي اعتبره الإمام الكاظم عليه السلام أعظم من قتل ستين بريئًا من العلويين؟ تجيبك هذه المحاضرة السادسة عشرة من سلسلة دروس «تعاليم المعرفة» عن هذه الأسئلة وغيرها، وتغوص في أعماق علاقة الإنسان بخالقه، كاشفةً عن سعة الرحمة الإلهيّة وخطورة اليأس والقنوط.

/۱۷
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

عدم اليأس من رحمة الله - حقيقة اليأس من رحمة الله

1
  •  

  • هو العليم

  •  

  • عدم اليأس من رحمة الله

  • حقيقة اليأس من رحمة الله

  •  

  • شرح دعاء أبي حمزة الثمالي - سنة ۱٤٢٣ هـ - الجلسة السادسة عشرة

  •  

  • محاضرة القاها

  • آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدّس الله سره

  •  

  •  

عدم اليأس من رحمة الله - حقيقة اليأس من رحمة الله

2
  •  

  •  

  • أعوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّیطانِ الرَّجیم

  • ‌ بِسمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحیم‌

  • وصلَّى اللهُ عَلَى سیّدنا ونبیّنا أبي‌القاسم محمّدٍ

  • وعلى آلهِ الطَّیبینَ الطَّاهرینَ

  • واللعنةُ عَلَى أعدائِهم أجمَعینَ‌

  •  

  •  

  • «اللَّهُمَّ أَنْتَ الْقَائِلُ وَقَوْلُكَ حَقٌّ وَوَعْدُكَ صِدْقٌ وَسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا، وَلَيْسَ مِنْ صِفَاتِكَ يَا سَيِّدِي أَنْ تَأْمُرَ بِالسُّؤَالِ وَتَمْنَعَ الْعَطِيَّةَ وَأَنْتَ الْمَنَّانُ بِالْعَطِيَّاتِ عَلَى أَهْلِ مَمْلَكَتِك‌».

  • ذكرنا سابقًا أنّ الإمام عليه السلام يخاطب الله ويقول: «إلهي، أنت الذي قلت، وقولك حق، ووعدك صدق». لقد قلت لنا يا رب: ﴿وَسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾۱، أي اطلبوا دائمًا من فضل الله، واسألوه من عطائه، فإنّه سيشملكم برحمته. «وَلَيْسَ مِنْ صِفَاتِكَ يَا سَيِّدِي أَنْ تَأْمُرَ بِالسُّؤَالِ وَتَمْنَعَ الْعَطِيَّةَ»، فليس من صفاتك، ولا نعهد منك أن تأمرنا بالدعاء والطلب، ثمّ تمنعنا العطاء بعد أن نسألك؛ فتحرمنا ولا تهبنا من فضلك، والحال أنّك «أَنْتَ الْمَنَّانُ بِالْعَطِيَّاتِ عَلَى أَهْلِ مَمْلَكَتِك»؛ فأنت الذي تتفضّل وتمنّ بعطاياك على جميع أهل مملكتك.

  • هل جعل الله الهداية لبعض الناس دون الآخرين؟ شبهة الجبر والاختيار

  • يوجد نقطة تلفت الانتباه في هذه العبارات وهي المتعلّقة بغاية خلق الإنسان والهدف من وجوده، فما هي الحكمة الكامنة في هذه ذلك؟ هل خلقَ الله الإنسان عبثًا؟ وهل صدر هذا الخلق من الله جزافًا ودون حساب؟ كما يتصوّر الكثيرون، فيظنّون أنّ الناس تأتي إلى هذا العالم بشكلٍ آليّ، كأنّهم منتجات خرجت من مصنع، فيضع الله تعالى إصبعه على بعضهم ويختاره من بين هؤلاء. فيعترض الآخرون ويقولون: يا عزيزي، لقد كان هذا الإنسان محسوبًا حسابه منذ البداية، أمّا نحن فلسنا كذلك، وقد أُغلق ملفّ الخلق من الأزل على هذا النحو؛ فمن كان محطّ نظر العناية الإلهية منذ البداية، فسيبقى كذلك حتى النهاية [بخلاف الآخرين]، ولن تجدي الأمور الأخرى التي تغيّر هذا الواقع، فهؤلاء كانوا موضع عناية الله منذ البداية... فهل الأمر كذلك حقًّا؟ أم لا، بل الأمر خلاف ذلك؟ 

  • لقد خلق الله تعالى كلّ موجودٍ على أساس حكمةٍ ومصلحة، ولم يخلق أيًّا منّا ـ نحن الجالسين هنا وغيرنا ـ جزافًا أو اعتباطًا وعبثًا. ولكن، بما أنّ أنظارنا مقصورةٌ على عالم الظاهر والمادّة، ونرى أنفسنا بعيدين عن الوصول إلى عالم المعنى، تستولي علينا عادة صفة اليأس والقنوط، فنُرجع هذا اليأس والقنوط إلى نظام الخلق والتكوين، ونقول: يا عزيزي، إذا كان من المقرّر أن يتمّ اختيار أُناسٍ معينين، فماذا نفعل نحن؟ وإذا تم اختيار بعضهم منذ البداية، فقد تمت تسوية أمورهم من الأول، فما شأن البقيّة في ذلك! ولماذا نتكبّد عناء القيام بأيّ عمل؟! ولماذا نجهد أنفسنا والحال هذه؟! فلو كان الاختيار قد وقع علينا، فسوف نصل شئنا أم أبينا، وإذا لم يقع الاختيار علينا، فلن يجدي نفعًا أيُّ عملٍ نقوم به، حتى لو عملنا لمئة عام. إذًا، لماذا نعمل، ولماذا نجهد أنفسنا؟! ولماذا نسعى ونجاهد؟!

    1. سورة النساء (٤)، جزء من الآية ٣٢.

عدم اليأس من رحمة الله - حقيقة اليأس من رحمة الله

3
  • جوابٌ عاميٌّ وردٌّ حاسم: الله لا يُحابي أحدًا

  • يمكن أن يجاب على هذا الكلام بجواب عاميّ جدًّا، وهو: لا تفعلوا شيئًا! فلم يطلب أحدٌ منكم أن تسعوا! لم يطلب أحدٌ لا منّا ولا منكم ولا من أحد شيئًا! ففي مقام عزّة الله وغيرته، لا يملك أحدٌ القدرة على الوجود. بل حتّى النبي ليس له ذلك، فالله يقول لنبيّه: إن لم ترد فلا تفعل؛ فنحن لا نُدلّل أحدًا ولا نتحمّل مِنّةً من أحد.

  • نحن نريد أن نذهب إلى الله بمنطق صاحب الحق والمطالِب، وعندها سيقول لنا الله: لا تأتِ. هذا جوابٌ سهلٌ جدًّا، ولكنّ المسألة ليست بهذه البساطة.

  • حيث إنّ الإنسان يصل إلى مرحلةٍ يضطرّ فيها إلى طرق كلّ باب، فهو يقضي شبابه كما يحبّ، ثمّ يمرّ بمرحلة الكهولة فيجمع الأموال والمتاع، وينجب الأبناء، وتراه يذهب ويجيء ويعمل ويكسب، ويحصل على المناصب والاعتبارات والأموال، وهكذا يعمل على جمعها صعودًا وهبوطًا.. وفجأة! عندما يبدأ الشيب بالظهور ويقترب من الموت يصرخ: يا ويلتاه! 

  • ماذا كانت نتيجة كلّ هذا؟ هذا هو الجرس الذي يقرعه ضمير كل إنسان، فيقول: حسنًا، ماذا كانت النتيجة؟! لقد جمعت كلّ هذه الأموال، فماذا نفعتني؟! لقد أصبحت الأموال عبئًا ووبالاً عليّ، ويقول لقد اكتسبت كلّ هذا الجاه، وحقّقت كلّ هذه العلاقات، فماذا كانت النتيجة؟! هذه هي الدنيا فعلاً! إنّها عجيبةٌ جدًّا.

  • قصّة وعبرة: تقلّبات الدنيا في سيرة المتزلّفين

  • كنتُ أقرأ ذات مرّة في مذكرات رجال الحكم السابق ورؤساء الحكومات السابقين، حول تاريخهم وأحوالهم، فتوقّفت عند نقطةٍ عجيبةٍ جدًّا! لقد رأيت أنّ أغلب الذين كانوا في ذلك الزمان من مدّاحيهم، وممن يثنون على البلاط ويتقاضون منهم الرواتب، ويكتبون المقالات في مدحهم والثناء عليهم، ولا يسمحون لأحدٍ بانتقادهم أو الحديث ضدّهم، وكانوا دائمًا بصدد التستير على عيوبهم وتغطية أخطائهم، وكانوا بصدد تعظيم منجزاتهم وأعمالهم، واختلاق الأكاذيب وتغيير الحقائق، وأمضوا عمرًا في خدمتهم عبيدًا أذلّاء.. رأيت أنّهم بمجرّد أن وقعت الواقعة وحصلت الثورة، بل حتّى قبل أن تنجح الثورة، حيث كان المسار قد أصبح واضحًا.. بدأوا بالانقلاب مئة وثمانين درجة على أسيادهم، وشرعوا بذمّهم والاستهزاء بهم والإدانة لهم وكشف الأسرار، لدرجة أنّهم لم يتورّعوا عن أيّ وقاحةٍ في هذا الجانب.

عدم اليأس من رحمة الله - حقيقة اليأس من رحمة الله

4
  • حسنًا، إذا كنت تريد أن تكشف الأسرار، فلماذا تنشر صورة فلان بذلك المنظر الفاضح؟! هل هذا عملٌ صحيح؟! هل يسوّغ لك أنّه كان في الحكومة الظالمة ومن جملة الفاسدين أن تنشر صورهم الفاضحة على الملأ؟! يا لها من وقاحة أن يأتي المرء ويطبع هذه الصور ويعرضها على الملأ ويقول: انظروا ماذا كانوا يفعلون؟! 

  • ما السبب في هذا؟! السبب يعود إلى عدم الاعتماد على هذه الدنيا وعدم الوثوق بها.

  • لقد بقي هذا الرجل يتقاضى راتبه من هذا النظام عمرًا كاملاً، وبمجرّد أن رأى أنّ الأمور قد انقلبت، أصبح من الوقاحة والدناءة والخسّة والرذالة بحيث لم يعد يسكت حتّى عن هذه المسائل الفاضحة والقبيحة! لقد أخذت منهم الأموال وكنت في خدمتهم وخدمة الظلم عمرًا، فما الداعي لهذه الأفعال الآن؟! تريد أن تقول الحقيقة؟ قل الحقيقة، قل: نعم، كنّا نأخذ منهم الأموال ونفعل كذا وكذا، ثمّ اذكر أنّهم كانوا يفعلون تلك الأفعال. أمّا أن تأتي وتهتك الأعراض بهذه الطريقة وتتسبّب في إشاعة الفساد، فهذا الفعل يتجاوز كلّ حكم. ويصير مثله كمثل من كان واقفًا على سطح، فقيل له: لا تتقدّم ستسقط! فتراجع إلى أن جاء وسقط من الجانب الآخر. يا عزيزي! لا تسقط من ذلك الجانب، ولا تأتِ إلى هنا وتسقط من هذا الجانب أيضًا؛ فالعمل القبيح قبيحٌ ويبقى قبيحًا من أيٍّ صدر، والعمل الشنيع شنيعٌ ويبقى شنيعًا.

  • على سبيل المثال، هل تعرفون أحدًا أسوأ من يزيد؟ [طبعًا لا] فلو افترضنا على سبيل المثال أنّك اطّلعت على سرٍّ من أسرار زوجته أو ابنته التي لم يرها أحد، فقمت وأفشيته، فهذا العمل حرام، حتّى لو كان الأمر يتعلّق بيزيد. وأمّا العمل الواضح والظاهر الذي يعرفه الجميع، فلا إشكال في أن يذكره الإنسان وينتقده ويتناوله بالكلام... لكن أن يأتي الإنسان ويكشف عن سرٍّ أو أمور لا علاقة له بها أصلاً ولا يعلم بها أحد، فهذا أمرٌ آخر.

  • لكنّ المسألة تكمن في أنّ هذا العمل يدلّ على أنّ هذه الدنيا لا اعتبار لها، ويدلّ على مدى دناءتها وخسّتها، ومدى شقاء أولئك الذين اعتمدوا على أهلها، وأولئك الذين كانوا يتأمّرون على الآخرين، فالشقاء يشملهم جميعًا. إذ عندما ينعدم الصدق، ويكون التعامل بين الطرفين قائمًا على المادّيّات والاعتبارات، فإنّ الحكم يتغيّر بتغيّر الموضوع، فيَميلون مع كلّ ريح.

عدم اليأس من رحمة الله - حقيقة اليأس من رحمة الله

5
  • المعيار الحقيقي للتبرّي من أعداء أهل البيت

  • أمّا الإنسان الذي يكون من أهل الله، والذي يبحث عن الصدق، فإنّه يحافظ على ذلك المعيار في كلّ مكان، حتّى مع مخالفيه؛ فيقول: صحيح أنّه مخالفٌ لي، لكن هذه المسألة لا علاقة لها بذلك أبدًا، فيكتمها. بل حتّى لو ارتكب ذاك الرجل عملاً سيّئًا ومخالفًا للشرع، ولم يطّلع عليه أحدٌ يستر عليه.. فلو فرضنا أنّه عصى وشرب الخمر في منزله، واطّلع هو على ذلك فقط، فلا يحقّ له أن يخبر الناس بذلك، بل لا يجوز له ذلك؛ لأنّ هذه المعصية ارتُكبت في السرّ، فلماذا تأتي أنت وتنشرها أمام الناس؟! أفعلت ذلك لكي تحطّمه أكثر؟! ولكي ترتفع أنت أكثر؟! إذا فعلت ذلك فسوف يفضحك الله بمعصيتك أيضًا، ويكشف سرّك للآخرين، لماذا؟ لأنّ الله يقول: على الإنسان أن يحفظ الحدود الإسلامية.. فحتّى يزيد، الذي هو رجل سيّء، وربّما لا يوجد أسوأ منه.. صحيح أنّه فعل ذلك الفعل، ويجب مواجهته والتبرّؤ منه.. هذا في محلّه، ولكنّه في النهاية هو فردٌ من البشر، ويجب على الإنسان أن يحفظ الحدود الإسلامية والشرعيّة، ولا ينبغي للإنسان، لمجرّد أنّ هذا الرجل سيّئ، أن ينسب إليه كلّ ما يخطر بباله.

  • لقد رأينا في مجالس التبرّي التي تُعقد في أيّام وليالي عيد الزهراء وغيرها، كيف أنّ الشاعر يقول في عُمَر كلّ ما يمكن أن يخرج من فمه، مع أنّ عُمَر قد لا يكون فعل ذلك الشيء، أو عثمان مثلاً أو أبو بكر. فهذا ليس صحيحًا. فحتى لو فرضنا أنّه ارتكب فعلاً مخالفًا للشرع في السرّ، لا يحقّ للإنسان أن يفشيه أمام الناس، فهذا ليس صحيحًا. 

  • وبشكلٍ عام، لا يليق بأيّ إنسان ينتسب إلى شيعة أمير المؤمنين عليه السلام وإلى مذهبه أن يلوّث فمه ولسانه بالفحش والسبّ والكلام البذيء في أيّ موضوع كان.

  • يقولون: «رُفِعَ القلم» في ليلة عيد الزهراء، وأنّ قلم التكليف يُرفع فيها. كلّا يا عزيزي، قلم التكليف باقٍ في مكانه. أمّا القول والضحك والمزاح فجيّد، ويعتبر من أشكال التبرّي. طبعًا هو جيد بالنسبة للعوام، أمّا بالنسبة إلى السالك، فعليه أن يرتفع بفكره وذهنه عن هذه الأمور. من هو عُمَر أصلاً ليفكّر فيه السالك؟ ومن هو أبو بكر ليشغل فكره به وينظر إليه؟

عدم اليأس من رحمة الله - حقيقة اليأس من رحمة الله

6
  • إنّ التبرّي الذي جاء به الشرع من أعداء محمّدٍ وآل محمّد (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) ليس بمعنى أن يقول الإنسان كلّ شيء ويضحك ويفرح، بل التبرّي يعني أن يطهّر الإنسان قلبه من الاعتقاد بهم ومن محبّتهم، وأن يفصل طريقه عن طريقهم، وألّا يرتكب الظلم الذي ارتكبوه بشأن الحقّ والحقيقة. فالمخالف الذي يأتي الآن ويدافع عن مذهب الباطل بعد اطلاعه على الحقيقة، هو نفسه عنوان هذا الباطل في هذا الزمان. كما أنّ ذلك المعاند الذي يأتي الآن وينكر الظلم الذي ارتكبه هؤلاء الخلفاء بحقّ الإنسانيّة وأهل البيت، وينكر الظلم الذي ارتكبوه في الواقع وعالم المعنويّة، وحرّفوا مسار الحقّ الذي هو اتّباع أمير المؤمنين عليه السلام لا غير اتّباعًا خالصًا، والذين قادوا الناس إلى الضلالة وجهنّم والانحراف، فيزوّر التاريخ وينكره لأجل مصالحه النفسية.. [هو في الواقع الخاسر] أيها الأحمق، إنّك تنكر ذلك في هذا العالم، لكن في ذلك العالم لن يعطوك شيئًا مقابل هذا الدفاع الذي تقوم به الآن! بل سيربطونك معه بحبلٍ واحد، ويكون مصيركما واحداً.

  • قصّة طريفة للمرحوم الحلبيّ مع رجلٍ من أهل السنّة في المدينة

  • رحم الله الشيخ الحلبيّ۱، قال: ذهبتُ مرّة إلى مكّة، وعندما كنت في المدينة واقفًا بجانب ضريح النبيّ صلّى الله عليه وآله، رأيتُ رجلاً من العامّة قال: اللهمّ بحقّ عُمَر، احشرني مع عُمَر. قال: فصرختُ بصوت عال وقلت: إلهي آمين، إلهي آمين. فأُعجب بذلك كثيرًا، فقلتُ: مئة مرّة آمين، حشرك الله معه ومع أبي بكر أيضاً. وظللتُ أردّدها، حتى شكّ في أمري وبدأ ينظر إليّ في ريب، فهربتُ (ضحك). وقلتُ في نفسي: أنت قلتَ: احشرني، ونحن قلنا: آمين! ثمّ كان يقول: وفي يومٍ آخر، كنتُ واقفًا فرأيتُ شيخًا كبيرًا بسيطًا قد رفع يديه ويقول: اللهمّ بحقّ محاسن الشيخين، اغفر لعليّ (عليه السلام)! فهذا قتل الكثير من الناس! حسنًا، ذاك تعبيرٌ وهذا تعبيرٌ آخر...

  • المعيار الحقيقيّ للتولّي والتبرّي: اتّباع الحقّ

  • أنت الآن الذي تتّبعهم وتدوس على الحقّ، أنت نفسك صرت الغاصب لحقّ أهل البيت، ولكن في هذا الزمان. فلو كنتَ في ذلك الزمان وبهذا الوضع الذي أنت فيه، لكنتَ من بين الذين أحرقوا باب دار فاطمة عليها السلام، فإنّ كرات دمهم لا تختلف عن كرات دمك، ولا خلاياهم تختلف عن خلاياك. لقد كان هؤلاء المنكرون في ذلك الزمان، بينما أنت في زمان تأخّر عنهم، فالفارق بينكما أنّ الزمان قد تقدّم أو تأخّر ألفًا وأربعمئة عام، أنت هم وهم أنت. فلو جئنا نحن وفعلنا الشيء نفسه تجاه حقٍّ ما، فسنصبح نحن أيضًا مثلهم تمامًا.

    1. المعروف بالشيخ محمود حلبي (۱٣۱٩ ـ ۱٤۱۸ هـ) كان فقيهًا و واعظًا وسياسيًا، وكان ناشطًا في مواجهة مذهب البهائية المنتشر في إيران في وقته.(م)

عدم اليأس من رحمة الله - حقيقة اليأس من رحمة الله

7
  • الظالم ليس مجرّد جسد. عندما نقول إنّنا نتبرّأ من معاندي عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فهذا لا يعني أن نقول: «اللهمّ العنهم» وينتهي الأمر، كلّا يا عزيزي، فهذا هزل. بل «اللهمّ العنهم» معناه أن تفصل باطنك عن طريقتهم، فهذا هو معنى اللعن والتبرّي. أمّا أن تجلس وتضحك وتطلق بضع الشتائم على الظالم للسيدة الزهراء عليها السلام وتصفّق في ليلة عيد الزهراء، فهذا لا يحقّق شيئًا، وليس بشيءٍ يُذكر، هذا إذا افترضنا أنّه لم يصدر في هذه الجلسة كلامٌ بذيء وقبيح، والذي قد يصل إلى حدّ مخالفة الشرع والحُرمة. وعندئذٍ يصير كلّ ذلك حرامًا. لذا لا ينبغي للإنسان أن يتفوّه بكلامٍ قبيحٍ في ليلة عيد الزهراء، ولا بكلامٍ بذيء.. فكلّ هذا مخالفٌ للشرع وحرام. والحرام لا يحتاج إلى قرونٍ وذيل! وليس فيه هزل! هذا إذا لم يتسبّب في إعطاء ذريعةٍ للآخرين! هل كان الإمام الصادق عليه السلام يُحيي عيد الزهراء بهذه الطريقة؟! أن يجلس ويتكلّم في كلّ شيء من أعلاه إلى أسفله؟! كلّا يا عزيزي، فليس الأمر كذلك، وهذا ليس تبرّيًا أصلاً.

  • بل التبرّي هو أن يقوم الإنسان ويفكّر ويتأمّل في الظالم، ويفصل طريقه عن طريقه في كلّ مورد يكون فيه الحقّ. أي كلّما وصل الإنسان إلى مفترق طرق، عليه أن ينظر؛ فإن كان الطريق الذي يختاره هو طريق النفس، فليعلم أنّه يتّبع الظالم، وإن كان الطريق الذي يختاره يرى فيه الحقّ، فليعلم أنّه يتّبع عليًّا عليه السلام. فهذا يصبح تولّيًا وذاك يصبح تبرّيًا. هذا هو معنى التولّي. وعليه لا فرق بيننا وبين العامّة على الإطلاق، فإذا قالوا الحقّ فهم يتّبعون طريق عليّ. وإذا قلنا ـ نحن الشيعة ـ قول الباطل، فنحن نتّبع الظالم فعلاً. إذا سُئلتَ: بكم اشتريت هذا الكتاب؟ فقلتَ: بألف تومان، بينما هو بخمسمائة، فأنت في هذه اللحظة تابعٌ للظالم. وإذا سُئلتَ: بكم اشتريت هذا الكتاب؟ وكان بألف تومان فقلتَ: بألف تومان، أو كان ثمنه خمسمائة تومان فقلت بخمسمائة، فأنت تابعٌ لمن؟ تابعٌ لعليّ. وإذا سُئلتَ: هل فعلتَ هذا الأمر؟ فقلتَ: لم أفعل (وقد فعلتَه)، فأنت تابعٌ للظالم. وإذا لم تفعل ذلك العمل الموافق للنفس، فأنت تابعٌ لعليّ. وإذا عملتَ بالحكم الذي أمر به الله، فأنت حينئذٍ تابعٌ لعليّ، وأمّا إذا لم تعمل به، فحتى لو ختمتَ القرآن من أوّله إلى آخره لن تكون تابعًا له، فالظالم أيضًا قد ختم القرآن، بل ربّما ختمه أكثر منّا!

عدم اليأس من رحمة الله - حقيقة اليأس من رحمة الله

8
  • ألم يكن عبد الملك بن مروان كذلك؟ كانوا يسمّونه حليف البيت، أي أنّ عبد الملك هذا كان يجلس طوال وقته في المسجد الأمويّ، ماذا كان يفعل؟ كان يقرأ القرآن، يدخله صباحًا ويخرج منه مساءً. فلمّا جاؤوا إليه وقالوا له إنّ أباك مروان قد توفّي وأصبحت أنت الخليفة، أغلق الكتاب وقال: ﴿هَٰذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ﴾۱ وداعًا، لقد ذهبنا إلى الحكم٢.

  • كان عبد الملك يقرأ القرآن أيضًا، ولكنّ القرآن لم ينفعه. إذ بدلاً من أن تجلس وتقرأ القرآن من الصباح إلى المساء، فلو فكّرتَ قليلاً في نفسك، وفي شقائك وبؤسك، لما كنت أضعت وقتك وعمرك، ولما حرمت نفسك من الوصول إلى الحقّ، حيث كان يكفيك أن تقرأ حزبًا واحدًا فقط، وتفكّر في ذلك الحزب؛ فتقول: إنّ هذه الآية التي أقرؤها الآن أنزلها الله لي، لا للنبيّ. نعم هي نزلت على النبيّ لا شك في ذلك، ولكنّ هذه الآية الآن هي لي وأنا المعنّي بها. لكنّ الواقع أنّنا نقرأ ونمضي هكذا؟!

  • كيف نقرأ القرآن ليكون خطابًا مباشرًا من الله لنا؟

  • لقد أرسل الله هذه الآية لي، وهذه الآية لك، وهذه الآية لك... لقد أرسل الله هذه الآيات لكلّ واحدٍ منّا. لذلك قيل: «إذا أردتَ أن يكلّمك الله فاقرأ القرآن، وإذا أردتَ أن تكلّم الله فصلِّ». حينما يريد أحد ما أن يقرأ القرآن، كيف ينبغي له أن يقرأه؟ عليه أن يقرأه بهذه الطريقة: وهي أن يفرض أنّ القارئ غيره وهو المستمع؛ أي أنّ قارئًا آخر يقرأ هذا القرآن من ذلك المبدأ وهو الله لا غير، حتى الملائكة دعوهم جانبًا! بل ينبغي أن لا يخطر ببالكم أبدًا أنّ الذي يقرأ غير الله. فقط الله يقرأ القرآن ونحن نستمع.

  • مثلاً الآن وأنا أتكلّم معكم، من هو المتكلّم؟ أنا! ومن المستمع؟ أنتم، أليس كذلك! حسنًا، هل بدّلتم مكانكم معي يومًا؟ فلو فرضنا أنّ هذه الكلمات سجّلت على شريط واستمعتم له، ماذا ستتصوّرون؟ حتماً ستتصوّرون أنّ القارئ رجلٌ آخر وأنتم المستمعون. فلو كُتبت هذه الكلمات على ورق وقرأتموها، فماذا ستكون النتيجة؟ ستقولون: أنا أقرأ كلام فلان، وهذا كلامه ليس كلامي. أي أنّ القارئ والمتكلّم هو غيركم، حتّى لو كنتم أنتم الذين تقرؤون من الورق، فسوف ترون أنّ المتكلّم غيركم. ولن تقولوا: بما أنّي أقرأ فأنا المتكلّم. كلا بل الصوت منكم فقط، ولكنّ لبّ القضيّة وحقيقتها تنزل من جهةٍ أخرى.

    1. سورة الكهف (۱۸)، الآية ۷۸.
    2. جاء في معرفة الإمام ج ۱٦، ص ۱٥٦ في حاشية مفصّلة: قال المحدِّث القمّيّ في «تتمّة المنتهى» ص ۸٣ و۸٤، الطبعة الثالثة (ما تعريبه): كان عبد الملك بن مروان قبل جلوسه على العرش ملازماً للمسجد تالياً للقرآن، حتى قيل فيه: «حَمَامَةُ المَسْجِدِ»، و لمّا بلغه خبر تقلّده للأمر كان يتلوا القرآن فأطبقه و قال: سَلام عليك! هذا فراق بيني و بينك. قال الراغب في «المحاضرات» بعد نقل هذه القضيّة ما مضمونه: كان عبد الملك يقول: كنت أتحرّج من قتل نملة و الآن يكتب لي الحجّاج أنّه قتل فئاماً ٣ من الناس و لم يؤثّر في.

عدم اليأس من رحمة الله - حقيقة اليأس من رحمة الله

9
  • فلو قرأتم القرآن بهذه الطريقة، فسوف ترون نتيجتها وسترون ماذا سيحدث لكم! أي كأنّ الله قد قال: يا فلان! لقد أرسلتُ هذا القرآن لك، اجلس واقرأه، فهذه وظيفتك، وهذه رسالة أعمالك وهذا هو دليل حياتك.. اقرأ الآيات الأربع عشرة الأخيرة من سورة الفرقان وتأمّل فيها: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا..﴾۱، اذهب واقرأها، وانظر بماذا أُمرتَ فيها؟ ﴿وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا﴾٢، انظر ما هي. ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا﴾٣، ما معنى هذا؟ اذهب وتناولها واحدةً تلو الأخرى، فهذه الآيات قد أرسلتها لك وأنزلتها لأجلك. هذا هو معنى اتّباع الباطل أو اتّباع عليّ.

  • معنى التبرّي من أعداء الأئمّة عليهم السلام

  • فالتبرّي يعني أن يفصل الإنسان طريقه وطريق قلبه عن هؤلاء الظالمين. وحيثما كان الحقّ فهناك موطئ قدم لعليّ بن أبي طالب؛ في أيّ قضيّة كانت وفي أيّ مسألة، بل في أيّ خاطرةٍ ذهنيّة، فحيثما كان الحقّ كان عليّ؛ سواء كان التعامل مع الزوجة والأبناء وفي جميع الأمور، أو مع الأقارب والأخوة والأخوات والأب والأم وفي جميع المسائل، أو مع الصديق والشريك والزميل في الدرس والمباحثة... فعندما نتباحث ونصل إلى نقطة معيّنة، ونطرح نحن رأيًا ويطرح زميلنا رأيًا آخر، ويدور النقاش حوله، وفي خضمّ الجدال أُدرك فجأةً أنّ الحقّ معه، فأقول في نفسي: لقد قطعت كلّ هذا الطريق، فلا يمكنني الآن أن أتراجع هكذا، لقد بذلت جهدًا كبيرًا، لنرَ إن كنت أستطيع أن أضغط أكثر وأطيل الأمر، لعلّه يُغلب وينقاد! فبمجرّد أن تخطر هذه الفكرة ببالنا، نكون قد ذهبنا في طريق الباطل. أمّا قبل ذلك، فبما أنّنا لم نكن نعلم، فقد كانت القضيّة ما بين بين. أمّا لو قلنا في تلك اللحظة: يا عزيزي، الحقّ معك! ففورًا نكون قد سلكنا طريق عليّ.

  • ففي كلّ مسألة وفي كلّ حكم وفي كلّ شيء، وحيثما كان الحقّ.. لقد قال النبيّ صلّى الله عليه وآله: «عَلِيٌّ مَعَ الْحَقِّ وَالْحَقُّ مَعَ عَلِيٍّ»٤. حيثما وجدتم الحقّ، فسترون موطئ قدم عليّ هناك دون أدنى شكّ، فأمير المؤمنين عليه السلام بحرٌ من النور. وحيثما وجدتم الباطل فسترون موطئ قدم أعدائه هناك. هذا هو معنى التبرّي! أمّا جعل التبرّي منحصرًا في التصفيق والتهليل وما إلى ذلك، فهذه أمورٌ جيّدة، لكن للعوام. وعلى أيّ حال، إذا كان لا بدّ من الحضور في تلك المجالس في بعض الأوقات اضطرارًا، فيجب مراعاة الموازين، ويجب أن يأتي الإنسان بحكاياتٍ تعليميّة وفكاهيّة، لا أن يقول كلّ ما يخطر بباله ويفعل كلّ ما يريد تحت عنوان أنّ المجلس هو مجلس تبرّي وأنّ السيدة الزهراء عليها السلام تفرح بذلك، كلّا، فليست القضيّة بهذه الكيفيّة.

    1. سورة الفرقان (٢٥)، الآية ٦٣.
    2. سورة الفرقان (٢٥)، الآية ٦٤.
    3. سورة الفرقان (٢٥)، الآية ٦۷.
    4. جاء في معرفة الإمام ج۱، ص ٢٣۸ في بحث مفصل : يروي السيّد هاشم البحراني خمس عشرة رواية عن طريق العامّة وإحدى عشرة رواية عن طريق الخاصّة في انّ علياً مع الحق و الحق مع عليّ، و في انّه قال صلى الله عليه و آله في شأنه: «اللهم أدر الحق معه حيثما دار، و في لزوم متابعته و الإقتداء بسيرته».
      بحار الأنوار ـ العلامة المجلسي ـ ج ٣٨ ـ باب ٥۷ في أنه عليه السلام مع الحق والحق معه وأنه يجب طاعته، الصفحة ٢۷
      الخطيب في تاريخه عن ثابت مولى أبي ذر قال: دخلت على أم سلمة فرأيتها تبكي وقالت: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: «علي مع الحق والحق مع علي ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض يوم القيامة».

عدم اليأس من رحمة الله - حقيقة اليأس من رحمة الله

10
  • الذنب الأعظم: لماذا اليأس من رحمة الله أخطر من القتل؟

  • يقول الإمام هنا: «وقولك حقٌّ ووعدك صدقٌ». كان الحديث يدور حول العلاقة التي يجب أن تكون بين من يأتي إلى هذه الدنيا وبين الله. أيّ علاقة يجب أن تكون؟ لقد قدّر الله لكلّ إنسانٍ يأتي إلى هذه الدنيا مرتبةً من مراتب الكمال، كلّ إنسانٍ له سعةٌ وطاقةٌ وقدرة على التحمّل. وليس الأمر كما يُقال إنّ فئةً فقط قد اختيرت والباقي كذا وكذا، لا وجود لهذه الأقاويل، وإذا رأينا في مكانٍ ما بعض الأكابر يذكرون شيئًا في هذا المجال، فإنّ مقصودهم شيءٌ آخر لا يتّسع له هذا المجلس. لكن أقول لكم لبّ القضيّة: إنّ من ألقى الله في قلبه نيّة الهداية، فهذا يعني أنّه قد أخذ بيده، وإلّا لما ألقاها فيه.

  • هل أجبركم أحدٌ على المجيء إلى هنا الليلة؟ هل أجبرني أحد؟ كلّا. كان بإمكاني أن أقول لكم: عفوًا أيّها السادة، لن آتي! فلم يُجبرني أحدٌ على المجيء إلى هنا، ولن يُجبركم أحدٌ أيضًا، لم نأت إلى هنا لا طمعًا في مالٍ ولا في دنيا... فلماذا إذًا أتيتم؟ لكي تقرؤوا صفحتين من القرآن، ثمّ تقرؤوا دعاء الافتتاح وتستمعوا إليه، ثمّ تستمعوا إلى بضع كلماتٍ من بياني القاصر وعقلي الناقص وسعتي المحدودة، هذا كلّ ما في الأمر، لا شيء آخر هنا، أليس كذلك؟

  • فمجرد مجيئنا إلى هنا يعني أنّ لله نظرًا إلينا، فلماذا نبحث عمّن وضع الله إصبعه عليه واختاره في عالم الخلق؟ ما علاقتنا نحن بمن وضع الله إصبعه عليه ومن لم يضع؟! علينا أن ننظر الآن هل جئنا أم لا؟ هل هذا العمل وهذه الحركة موجودان فينا أم لا؟ هل هذا الفكر موجودٌ فينا أم لا؟ هذا يعني أنّ الإشارة قد أتت من هناك، فعلى ماذا نبحث بعد ذلك؟ هذا هو معنى فضل الله ورحمته.

  • «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِرَحْمَتِكَ الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ»۱، معناها أنّ الرحمة الإلهيّة شملت جميع الناس، ولكن أحدهم يأخذ تلك الرحمة ويستفيد منها، وآخر يمرّ بها دون أن يستفيد منها، بل قد يرفضها، ومع ذلك نرى أنّ الله لا يبالي بفعله. هل التزم الله لأحدٍ بأنّه إذا أتى إلى هذه الدنيا فسوف يوصله إلى الكمال؟ أو أنّه إذا لم يوصله فسوف ينقص من الله شيئًا؟ كلّا يا عزيزي، ذاك الذي هو غنيٌّ بالذات، ما الفرق عنده إن وصل مخلوقه إلى الكمال أم لم يصل؟ لكن المسكين هو الذي لم يصل، والسعيد من وصل. فبالنسبة لله، لو وصل كلّ العالم إلى الكمال، أو لم يصل أحد منذ بدء الخلق ـ أي حينما كانت جميع مادّة العالم طاقةً كما يقول علماء اليوم، لكن نحن لا نعلم إن كان هذا صحيحًا أم لا، فهذه كلّها فرضيّات لا قيمة لها.. إلى أن يصبح جميع العالم طاقةً مرّة أخرى ـ لو لم يصل أحد إلى الكمال، أو لم تصل خليّةٌ واحدةٌ، فإنّ ذلك لا يُحدث أيّ تغييرٍ بالنسبة لله ولو بمقدار رأس إبرة! لماذا؟ لأنّه تعالى غنيٌّ بالذات. هذا الأمر أشبه بأن يكون لديك مال، وهناك بضعة أطفال بجانبك، فتعطي كلّ واحدٍ منهم مقدارًا من هذا المال، وتشترط عليهم عندما تعطيهم: يا عزيزي، أعطيك هذا المال بشرط أن تضعه في حصّالتك، فيأخذ الأطفال المال ويضعونه في حصّالاتهم، والحال أن كلّ الحصّالات عندك. فما الفرق بين أن يكون المال مجتمعًا عندك أو متفرّقًا في الحصّالات؟ في حين أنّ كلّ الحصّالات بيدك. فمسألة كمال عالم الوجود وعدم كماله هي كهذه القضيّة تمامًا.

    1. المقطع الأول من دعاء كميل.

عدم اليأس من رحمة الله - حقيقة اليأس من رحمة الله

11
  • حسنًا، من الذي يربح من هذا التكامل؟ هذا المخلوق هو الذي يربح إذا أصبح كاملاً، هو الرابح! أما بالنسبة إلى الله، فهل حصل فارق عنده؟ لا شيء! 

  • لذلك، ماذا أمرنا الله؟ أمرنا: ﴿وَسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ﴾۱. بعد أن علمتَ أنّ رحمتي عامّة، تعال واطلب من فضل الله ورحمته، فلماذا تجلس مكتوف اليدين في حالة يأس، وتقول: وما شأني أنا بالتكامل؟ وتكرّر دائمًا وتقول: أين أنا من هذا؟ كلّا يا عزيزي، لا يوجد شيء اسمه «أين أنا»! لماذا يستولي علينا اليأس؟!

  • جاء أحد أصحاب الإمام الصادق عليه السلام إليه وشكا من الفقر والفاقة والحاجة. فقال الإمام بما معناه: تعال نعقد صفقة: أعدْ إلينا الولاية التي وهبك الله إيّاها ـ نفس هذه الولاية التي لدينا؛ ولاية الإمام أمير المؤمنين وولاية أهل البيت وولاية إمام الزمان عليهم السلام ـ وفي المقابل تتحسّن أوضاعك. فقال الرجل: يا ابن رسول الله! لو حوّلوا الدنيا ذهبًا وأعطوني إيّاها، لما تخلّيت عن الولاية مقدار رأس إبرة، وما استبدلتها بها. فقال الإمام: فعمّا تبحث إذًا؟! 

  • لقد قال: لو حوّلوا الدنيا ذهبًا، وقالوا لي أنقص من ولايتك بمقدار رأس إبرة.. لا أن أتخلّى عن الولاية كلّها، بل عن شيء منها، فلو كانت ولايتي مئة درجة وأصبحت تسعًا وتسعين، لما أعطيت درجةً واحدة!. فقال الإمام: إذًا أنت أغنى إنسان.

  • الآن أنا أسألكم السؤال نفسه: هذه المحبّة والولاية التي وهبها الله لنا تجاه أهل البيت، والتي نجدها جميعًا في وجودنا.. نسأل الله أن تكون حقيقة لا مجازًا، وإن كانت مجازًا فنسأله أن يحوّلها إلى حقيقة، لكن هي حقيقةٌ قطعًا، فنسأل الله أن يزيد فينا هذه الحقيقة أكثر فأكثر حتّى يفنينا في ولاية إمام الزمان عليه السلام.. حسناً أسألكم: لو افترضنا أنّ لديك من هذه الولاية مئة درجة، وجاء إمام الزمان وقال: «يا عزيزي، سوف نعقد معك صفقةً هذه الليلة: أنقص درجةً واحدة من هذه الولاية التي لديك، وفي المقابل أعطيك كذا وكذا من المال نقدًا». فهل سنقبل أم لا؟ حتمًا لن نقبل. أنقص درجةً واحدة من هذه المئة، ولكنّي أحلّ لك تلك المشكلة الكبيرة التي لديك. فنقول: لا يا سيدي! بل زِد عليها مئة درجة أخرى إضافة للمئة الأولى! فما هذا؟ هذه هي الرحمة التي شملتنا. فماذا نريد بعد ذلك؟!

    1. سورة النساء (٤)، جزء من الآية ٣٢.

عدم اليأس من رحمة الله - حقيقة اليأس من رحمة الله

12
  • نحن نمتلك أثمن شيء في الدنيا [الولاية]، والمسألة هي كذلك واقعًا. لماذا؟ لأنّ كلّ ما سوى ذلك زائل، إمّا يزول بنفسه أو يُزال قسرًا، ولا نعلم كم هو عمرنا، في هذا الزمان الذي كثرت فيه المشاكل والأمراض والابتلاءات، يلتفت الإنسان يمينًا يجد ألمًا، ويلتفت شمالاً يجد ألمًا آخر، ثم فجأةً يقولون: [لقد مات] الفاتحة مع الصلوات!. في ظلّ هذا الوضع الذي يعيش فيه الإنسان، ماذا يطلب وعمّ يبحث؟ لذا ينبغي أن يبحث عمّا هو باقٍ، وعمّا هو حقيقيّ وواقعيّ، هذا ما يجب أن يتمسّك به، أليس كذلك؟! هذا الأمر يحتاج إلى تفكير عميق.

  • قصّة أبي بصير مع الإمام الصادق في عرفات

  • لقد كان الإمام الصادق عليه السلام يوجّه ذلك الرجل إلى هذه المسألة، فقال له أنت لديك ولايتنا الآن [فلماذا تطلب الدنيا]. كقصّة أبي بصير في عرفات، حينما قال للإمام: «مَا أَكْثَرَ الضَّجِيجَ!»، فقال الإمام: «مَا أَكْثَرَ الضَّجِيجَ وَأَقَلَّ الْحَجِيجَ». أي أنّ الحجيج قليل والضجيج كثير. ثمّ أشار الإمام فأبصر أبو بصير، ونظر فرأى أنّ الضجيج كثيرٌ جدًّا ولكن لا يوجد سوى عدد قليل من الحجّاج. ففي عرفات التي يأتيها في الحج مليونا إنسان، لا يوجد سوى بضعة أشخاص؛ أحدهم هناك يغفو، وآخر يقرأ دعاء عرفة، وآخر هناك يحكّ رأسه، طبعًا ليس حكًّا محرّمًا على المحرم. ثمّ التفت إليه الإمام وقال: هل تريد أن يبقى بصرك هكذا وتفقد ولايتنا؟ قال: لا.۱ قال: إذًا، سوف أعيدك إلى وضعك السابق. (يضحك سماحته) فعاد أعمى من الناحية الظاهريّة. بما أنّ هذه الحقيقة موجودةٌ لديه، فهو غير مستعدٍّ أن ينقص من وجوده كلّه ذرّةٌ واحدةٌ من هذه الحقيقة. هكذا هي علاقة الإنسان بربّه. 

  • لذلك ورد في الرواية عن الإمام عليه السلام أنّه قال: «أعظم الذنوب اليأس من رحمة الله»٢. فالله يكره جدًا أن يُخطر العبد بباله أنّه بعيدٌ عن رحمة الله.. وعلينا ألّا نفعل ما يكرهه الله! فهو يريد من عبده أن يحسن الظنّ به دائمًا. فإذا أحسنتَ إلى شخص، ثمّ فكّر فيك بطريقةٍ أخرى، ألا تحزن؟ ألا تقول: ليت يدي شُلّت! لقد أحسنت إليك كثيرًا وفعلت لك كذا وكذا، فهكذا تفكّر فيّ؟ حتمًا سوف يتأثّر الإنسان كثيرًا، وقد مررنا جميعًا بمثل هذه التجربة... .

    1.  معرفة المعاد ج٢ ص ۱٩۷.
      ورد في «بصائر الدرجات»، الطبعة الحجريّة، ص۷٥؛ و «بحار الأنوار»، الطبع الكمباني، أحوال الإمام الصادق عليه السلام، المجلّد الحادي عشر، ص۱٢٦؛ و في الطبعة الحروفيّة ج٤۷، ص۷٩، نقلًا عن «بصائر الدرجات».
      روى محمّد بن الحسن الصفّار في كتاب «بصائر الدرجات» عن محمّد ابن الحسين، عن عبد الله بن جبلّة، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير قال:
      حججتُ مع أبي عبد الله عليه السلام، فلمّا كنّا في الطواف قلتُ له: جُعلتُ فداك يا ابن رسول الله يَغْفِرُ اللهُ لِهَذَا الْخَلْقِ؟
      فقال: «يا أبا بصير إنّ أكثر مَن ترى قردة و خنازير».
      قال: قلتُ له: أرنيهم.
      قال: فتكلّم بكلمات ثمّ أمرّ يده على بصري فرأيتهم قردةً و خنازير فهالني ذلك، ثمّ أمرّ يده على بصري فرأيتهم كما كانوا في المرّة الأولى.
      ثمّ قال: يَا أبَا مُحَمَّد أنْتُمْ في الْجَنَّةِ تُحْبَرُونَ وَ بَيْنَ أطْبَاقِ النَّارِ تُطْلَبُونَ فَلَا تُوجَدُونَ، وَ اللهِ لَا يَجْتَمِعُ في النَّارِ مِنْكُمْ ثَلَاثَةٌ لَا وَ اللهِ‌ وَ لَا إثْنَانِ لَا وَ اللهِ وَ لَا وَاحِدٌ.
      أورد ابن شهرآشوب نظير هذه الواقعة عن أبي بصير و الإمام محمّد الباقر عليه السلام في «المناقب»، الطبعة الحجريّة، المجلّد الثاني، ص ٢۷٦:
      قال أبو بصير للباقر عليه السلام: ما أكثر الحجيج و أعظم الضجيج؟ فقال: بل ما أكثر الضجيج و أقلّ الحجيج؟ أ تحبّ أن تعلم صدق ما أقوله و تراه عياناً؟
      فمسح على عينيه و دعا بدعوات فعاد بصيراً فقال: انظر يا أبا بصير إلى الحجيج!
      قال: فنظرتُ فإذا أكثر الناس قردة و خنازير والمؤمن بينهم كالكوكب اللامع في الظلماء.
      فقال أبو بصير: صدقتَ يا مولاي ما أقلّ الحجيج و أكثر الضجيج. ثمّ دعا بدعوات فعاد ضريراً.
      فقال أبو بصير في ذلك [في إعادته إلى العمى]، فقال عليه السلام: ما بخلنا عليك يا أبا بصير و إن كان الله تعالى ما ظلمك إنما خار لك و خشينا فتنة الناس بنا و أن يجهلوا فضل الله علينا و يجعلونا أرباباً من دون الله و نحن له عبيد لا نستكبر عن عبادته و لا نسأم من طاعته و نحن له مسلمون.
      و قد نقل المجلسيّ هذه الرواية في «بحار الأنوار»، ج ٤٦ ص ٢٦۱ من الطبعة الحروفيّة عن «المناقب».
    2. الكافي (ط- الإسلامیة)، ج ٢، ص ٥٤٤: عن صَفْوَانَ الْجَمَّالِ قال: شَهِدْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ ع وَ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ قَبْلَ التَّکْبِیرِ وَ قال: اللَهمّ لا تُؤْیِسْنِی مِنْ رَوْحِکَ وَ لا تُقَنِّطْنِی مِنْ رَحْمَتِکَ وَ لا تُؤْمِنِّی مَکْرَکَ فَإِنَّهُ لا یَأْمَنُ مَکْرَ اللهِ إِلاّ الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ.
      قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاکَ مَا سَمِعْتُ بِهَذَا مِنْ أَحَدٍ قَبْلَکَ. فَقَالَ: إِنَّ مِنْ أَکْبَرِ الْکَبَائِرِ عندَ اللهِ الْیَأْسَ مِنْ رَوْحِ اللهِ وَ الْقُنُوطَ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ وَ الْأَمْنَ مِنْ مَکْرِ اللهِ.

عدم اليأس من رحمة الله - حقيقة اليأس من رحمة الله

13
  • نرى أنّ الله يهب الإنسان كلّ هذه النعم، ويمنحه هذا الفكر والحركة والارتقاء، وهذه الحالة من المحبّة والشوق، ثمّ يأتي الإنسان ويقول: يا إلهي! لقد اخترتَ بعضهم منذ البداية، فلقد كانوا محطّ نظرك وعنايتك، أمّا نحن فلم تعتن بنا مثلهم؟ فيقول الله: ليت يدي شُلّت! يبدو أنّ هذا المعروف لا يثمر معك [ضحك]. إذًا لماذا أتيت إلى هنا؟! يا عبد الله، قم وألقِ نظرةً على الأماكن الأخرى لترى ما الخبر؟! لترى كيف يتقاتل الناس على الدنيا! أحيانًا لا يعرف الإنسان قدر النعمة التي في يده.

  • قصّة: كيف تُدرَك قيمة النعمة؟

  • أحد رفقائنا، حفظه الله، هو الآن موجود في طهران، كنّا نسمعه يقول أحيانًا لهؤلاء الرفقاء وأمثالهم: «أنتم لا تعرفون قدر هذا السيّد، أنا الذي أعرفه؛ لقد تجرّعتُ المصاعب وذهبتُ إلى ألف مكان وقضيت عمري هنا وهناك حتّى وصلتُ أخيرًا إلى رجلٍ كهذا». فالإنسان لا يفهم، لذا يأخذ الله تعالى بأذنه ويجعله يدور حول نفسه، وعندما يرتطم رأسه بالصخرة حينها فقط ينتبه إلى أنّه «لا يعرف قدر العافية إلا من ابتُلي بمصيبة» (مثل فارسيّ مشهور).

  • تعرفون قصّة ذلك الرجل الذي كان قد ركب السفينة ـ وهي قصّة واردة في كتاب گلستان لسعدي ـ وكان يخاف من البحر ويخشى ركوب السفينة، يا عزيزي! أنت في السفينة، فلماذا تخاف إذن؟ لكنّه كان يرتعب خوفًا، فما إن تقع عيناه على الماء حتّى يبدأ بالصراخ والنحيب، فقال [من في السفينة]: «ألقوه في البحر»، فألقوه في البحر، وابتعد عن السفينة وابتلع مقدارًا من الماء، وحينما أوشك على الغرق أخرجوه وأنقذوه، فجلس وبعد أن هدأ قال: عجيب حقًّا! أيّ نعمة هذه السفينة! يا لها من إكسير...! لماذا كان هذا الرجل يصرخ؟ لأنّه لم يسقط في البحر بعد، أمّا بعد سقوطه فيه، صار يفهم ما قيمة هذه السفينة، وأيّ نعمة هي، وأنّها حقًّا رحمة إلهيّة.

  • اليأس؛ آفةٌ قاتلةٌ لسير السالك

  • لذا لا ينبغي لهذه الحالة أن تزول عن الإنسان، ولا ينبغي أن تزول حالة الغلبة لرحمة الله في وجود الإنسان. فلو أنّ السالك طرأت عليه حالة من اليأس؛ فسوف تكون هذه الحالة مضرّة بسلوكه قطعًا. ويجب على الإنسان أن يبقى دائمًا يأمل في رحمة الله.

عدم اليأس من رحمة الله - حقيقة اليأس من رحمة الله

14
  • هل لرحمة الله وجهٌ آخر؟

  • غير أنّ لرحمة الله تلك أقسامًا؛ فأحيانًا تكون مع حلاوة، وأحيانًا أخرى تختلف بعض الشيء، لكن كلّها نافعة؛ أي إنّ كلتيهما رحمة، ومآلهما إلى رشد الإنسان في هذه الحركة، فهي تعود إلى الرشد.

  • شعرٌ عرفانيّ في شمول الرحمة الإلهيّة

  • هناك شعرٌ جيّدٌ للغاية، وهو للمرحوم الآقا ميرزا محمد رضا القمشه اي رحمه الله، يقول فيه:

  • آنِ خدای دان، همه مقبول و نامقبول***من رحمةٍ بدا و الی رحمةٍ یأول‌
  • ترجمته

  • اعلمْ أنّ كلّ ما في الوجود سواء كان مقبولاً أم غير مقبولٍ هو من الله *** فمن رحمةٍ بدأ وإلى رحمةٍ يؤول

  • خلقان همه به فطرت توحید زاده‌اند *** این شرک عارضی بود و عارضی یزول‌ ترجمته: 

  • كلّ الخلائق يولدون على فطرة التوحيد *** وأما هذا الشرك فهو عارضٌ والعارض لا بد أن يزول ۱

  • لذلك، فإنّ أحد المباني [في العذاب] هو أنّه لا خلود فيه، بل جميع الأفراد في نهاية المطاف، وبعد مرورهم بمواقف معيّنة في عالم القيامة والعذاب، سوف ينكشف لهم حقيقة التوحيد، وهذا العروض للشرك والعناد سيزول شيئًا فشيئًا، ومن ثمّ سيخرجون. حيث هناك قولان في مسألة العذاب وهذا هو القول الأصح.

  • وصيّة الأعاظم الخالدة: إيّاكم واليأس!

  • فلو تصوّرتم هذه الرحمة العامّة والتي لها أيضًا جنبة رحيميّة؛ أي جهة الرحمة الخاصّة، فماذا ستكون القضيّة حينها؟ لذا كان الأعاظم يذكّرون تلاميذهم دائمًا بهذا الأمر، ولم يكونوا يسمحون لأي تلميذ بأن يصل في وضعه إلى حالة من اليأس؛ فحالة اليأس حالة سيّئة وهي حالة ذبول وأفول. ألا ترون عندما لا تُسقى الشجرة وتُترك تحت أشعّة الشمس ماذا يحدث لزهرتها في اليوم التالي؟! ستجدها قد ذبلت؛ لأنّه لم يصلها الماء. هكذا الرحمة الإلهيّة والأمل هما بمثابة الماء الذي يصل إلى الإنسان باستمرار ويبقيه مفعمًا بالنشاط.

  • قصّة الرجل الذي قتل ستين علويًّا في زمن هارون الرشيد

  • جاء أحد أصحاب الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام إليه، وكان حزينًا جدًّا في يومٍ من شهر رمضان المبارك. فقال له الإمام: أراك حزينًا؟ قال: ذهبتُ اليوم إلى منزل أحد أصدقائي الذي يعمل في ديوان الخلفاء العبّاسيين وكان عند هارون، فدخلتُ عليه ورأيته يأكل. فقلتُ: ويلك! أتأكل في نهار شهر رمضان؟ فقال: يا هذا اهدأ قليلاً! ثم قال: لقد فات الأوان بالنسبة لي ولا فائدة تُرتجى، لقد بلغ السيل الزبى. قلت: ما القضيّة؟! لماذا أنت هكذا؟! قال: لقد فعلت أفعالاً يصغر عندها هذا الإفطار، فأنا حتمًا مصيري إلى جهنّم والعذاب! فقلت له: أخبرني ما قصّتك؟ ثمّ جلس يروي لي. 

    1. كتاب «العدل الإلهي» للمطهري، الطبعة الأولى، ص ٢٦۰؛ ويقول: «يبدو أنّ [شاعر هذه الأبيات] هو المرحوم الآقا محمد رضا القمشه اي»)

عدم اليأس من رحمة الله - حقيقة اليأس من رحمة الله

15
  • قال: كنتُ في منزلي ذات ليلة، فسمعتُ طرق الباب، فتحتُ الباب فإذا به مبعوث هارون يقول: أجب الخليفة. جئتُه فرأيته جالسًا على العرش، فالتفت إليّ وقال: إلى أيّ مدى تصل محبّتك وولايتك لنا؟ قلت: يمكنني أن أفدي أمير المؤمنين بكلّ أموالي. قال: حسنًا، اذهب إلى منزلك. ذهبتُ، ثمّ تكرّر الطلب مرّة ثانية. قلتُ في نفسي: ماذا يريد هذه المرّة؟!

  • تملّكني الخوف والهلع، فأتيتُه ورأيته جالسًا كالمرّة السابقة. فقال: إلى أيّ مدى يمكنك أن تبذل في سبيلنا؟ قلت: يمكنني أن أفديك بروحي أيضًا. قال: لهذه الدرجة؟! قلت: نعم. فلمّا ذهبتُ، سمعتُ بعد دقائق طرق الباب مرّة أخرى. قلتُ في نفسي: يا ويلي! ماذا يريد منّي؟! لماذا لا يتركني وشأني! لقد قدّمت له روحي، فماذا يريد بعد؟!

  • ذهبتُ إليه وقلت: قل ما تريد أن تقوله، فلقد قدّمتُ مالي فداءً للخليفة، وقدّمتُ روحي له أيضًا. فقال: لا! بل بقي شيءٌ آخر! قلت: ما هو؟! قال: أنت تعلم ماذا أريد. قلت: هل تقصد ديني؟ قال: نعم. قلت: لقد قدّمتُ لك ديني أيضًا، قال: الآن صلح الأمر.

  • فقال: عليك أن تذهب مع هذا الرجل وتطيعه في كلّ أمرٍ يأمرك به. فخرجتُ من القصر، ووصلنا إلى جانب نهر دجلة، ودخلنا سردابًا كان هو سجن هارون في بغداد، ثم دخلنا مكانًا مظلمًا، وكان يحمل شعلةً في يده ويمضي قُدُمًا. ووصلنا إلى مكانٍ سمعتُ فيه أنينًا وصراخًا لأناسٍ كثيرين، ولم يكن معلومًا من هم، وكم من الوقت قضوا هنا، وما هي آلامهم. فتوقّف في مكانٍ وأحضر رجلًا، وفتح غطاء بئرٍ وقال: اضرب عنق هذا... قلت: وماذا لو لم أفعل؟! قال: لديّ أمرٌ بضرب عنقك هنا إن لم تفعل! توسّل ذلك الرجل، وقال: أنا علويّ، وأنا من بني هاشم، وأنا من أولاد النبيّ...كان شيخًا في الستين من عمره. فضربتُ عنقه، ثمّ أحضر رجلاً آخر فضربتُ عنقه، ثمّ أتاني بالثالث وهكذا... قال: لقد ضربتُ عنق ستين رجلاً من العلويّين ومن بني هاشم في تلك الليلة، وألقيتُ بجثثهم جميعًا في ذلك البئر، ثمّ أغلقنا البئر ورجعنا. ثمّ قال: لقد رأيت بعد هذه الحادثة أن لا فائدة من عملي، فلا فرق بين أن أصوم أو أفطر، وبين أن أصلّي أو لا أصلّي. فالعمل الذي قمتُ به قد حسم المسألة تمامًا، وانتهت مسألة سعادتي.

عدم اليأس من رحمة الله - حقيقة اليأس من رحمة الله

16
  • انظروا ماذا قال الإمام الكاظم عليه السلام هنا قال: إنّ هذا اليأس من رحمة الله ذنبه أعظم من قتل أولئك الستين رجلًا۱. قد نتعجّب جميعًا من هذا الكلام! ونقول يا سيّد، لقد قتل ستين نفسًا بريئة! نعم، قتل ستين نفسًا هذا صحيح، ولكن مع ذلك، فإن رحمة الله أوسع من هذا، ولا يزال الطريق مفتوحًا أمامه. وهناك حكاياتٌ لا حصر لها حول هذه المسألة عن الإمام السجّاد والإمام الصادق والإمام الهادي عليهم السلام. ٢

  • تقول الرواية صحيح أنّك قتلت هؤلاء الأشخاص، والحال أنّهم كانوا عباد الله، ولكن إذا أردتَ حقًّا أن تتوب إلى الله، فسيجعل الله لك مخرجًا حتّى بالنسبة لهؤلاء الستين، لا أنّ الأمر قد انتهى ولن يجعل الله له مخرجًا. التفتوا جيدًا، نحن لم نقتل أحدًا في هذه الدنيا.. [ضحك] فهذا الرجل قتل ستين شخصًا. ومع ذلك يقول الإمام الكاظم عليه السلام إنّ اليأس من رحمة الله ذنبه أعظم من قتل ستين علويًّا بريئًا.

  • اطلبوا فضل الله بصدقٍ وإلحاح

  • لذلك يقول الله هنا: ﴿وَسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ﴾٣، فاطلبوا من فضل الله، اطلبوا، واسألوا، وراجعوا هذه المسألة في أنفسكم طوال الليل والنهار، وتمرّنوا عليها، وجّهوا فكركم إلى الله دائمًا، لا أن تفكّروا فيه بشكلٍ عابر! أو بمجرّد خيالٍ سريع أو خاطرةٍ عابرة. بل ﴿وَسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ﴾٤. كان الأكابر يطلبون الله طوال حياتهم، كانوا في حالة سعي وطلبٍ دائم. لا أقول كانوا يطلبون ذلك بالصراخ والصياح! كلّا! بل كانت هذه الحالة الداخليّة مشتعلةً دائمًا في وجودهم، وكان هذا الطلب قائمًا بشكل دائم، ولم يسمحوا للغبار والرماد أن يغطّي هذه الحرارة أبدًا.

  • ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾٥، «وَلَيْسَ مِنْ صِفَاتِكَ يَا سَيِّدِي أَنْ تَأْمُرَ بِالسُّؤَالِ وَتَمْنَعَ الْعَطِيَّةَ» ليس من صفاتك، كسائر الناس، أن تقول: تعال إليّ، ثمّ ينتهي الأمر! كلّا، بل أنت يا رب عندما تقول: تعال إليّ، فإنّك تعطي العطيّة. أيّها الإخوة، هذه المسألة مهمّة، فنحن في الحقيقة لا نريد الذهاب إليه، ولكن إذا ذهبنا إليه فإنّه سيعطينا. لقد كرّرتُ هذا الأمر عدّة مرّاتٍ في هذه الليالي، وقلت بأنّ المسير إلى الله ليس أمرًا هيّنًا ليقول الإنسان ببساطة: لقد سلكنا.

    1. وردت رواية قتل ستين نفسا بريئة في ليلة واحدة
      عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ الْبَزَّازِ النَّيْسَابُورِيِّ ــ وَ كَانَ مُسِنّاً ــ قَالَ‌: كَانَ بَيْنِي وَ بَيْنَ حُمَيْدِ بْنِ قَحْطَبَةَ الطَّائِيِّ الطُّوسِيِّ مُعَامَلَةٌ فَرَحَلْتُ إِلَيْهِ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ، فَبَلَغَهُ خَبَرُ قُدُومِي فَاسْتَحْضَرَنِي لِلْوَقْتِ وَ عَلَيَّ ثِيَابُ السَّفَرِ لَمْ أُغَيِّرْهَا وَ ذَلِكَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَقْتِ صَلَاةِ الظُّهْرِ، فَلَمَّا دَخَلْتُ إِلَيْهِ رَأَيْتُهُ فِي بَيْتٍ يَجْرِي فِيهِ الْمَاءُ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَ جَلَسْتُ، فَأُتِيَ بِطَسْتٍ وَ إِبْرِيقٍ فَغَسَلَ يَدَيْهِ ثُمَّ أَمَرَنِي فَغَسَلْتُ يَدَيَّ وَ أُحْضِرَتِ الْمَائِدَةُ وَ ذَهَبَ عَنِّي أَنِّي صَائِمٌ وَ أَنِّي فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، ثُمَّ ذَكَرْتُ فَأَمْسَكْتُ يَدِي.
      فَقَالَ لِي حُمَيْدٌ: مَا لَكَ لَا تَأْكُلُ ؟!
      فَقُلْتُ: أَيُّهَا الْأَمِيرُ هَذَا شَهْرُ رَمَضَانَ وَ لَسْتُ بِمَرِيضٍ وَ لَا بِي عِلَّةٌ تُوجِبُ‌ الْإِفْطَارَ، وَ لَعَلَّ الْأَمِيرَ لَهُ عُذْرٌ فِي ذَلِكَ أَوْ عِلَّةٌ تُوجِبُ الْإِفْطَارَ .
      فَقَالَ: مَا بِي عِلَّةٌ تُوجِبُ الْإِفْطَارَ وَ إِنِّي لَصَحِيحُ الْبَدَنِ، ثُمَّ دَمَعَتْ عَيْنَاهُ وَ بَكَى .
      فَقُلْتُ لَهُ بَعْدَ مَا فَرَغَ مِنْ طَعَامِهِ: مَا يُبْكِيكَ أَيُّهَا الْأَمِيرُ ؟
      فَقَالَ: أَنْفَذَ إِلَيَّ هَارُونُ الرَّشِيدُ وَقْتَ كَوْنِهِ بِطُوسَ فِي بَعْضِ اللَّيْلِ أَنْ أَجِبْ، فَلَمَّا دَخَلْتُ عَلَيْهِ رَأَيْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ شَمْعَةً تَتَّقِدُ وَ سَيْفاً أُحْضِرَ مَسْلُولًا، وَ بَيْنَ يَدَيْهِ خَادِمٌ وَاقِفٌ، فَلَمَّا قُمْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَيَّ فَقَالَ: كَيْفَ طَاعَتُكَ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ؟
      فَقُلْتُ: بِالنَّفْسِ وَ الْمَالِ. فَأَطْرَقَ، ثُمَّ أَذِنَ لِي فِي الِانْصِرَافِ. فَلَمْ أَلْبَثْ فِي مَنْزِلِي حَتَّى عَادَ الرَّسُولُ إِلَيَّ وَ قَالَ أَجِبْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ.
      فَقُلْتُ فِي نَفْسِي:‌ إِنَّا لِلَّهِ‌ أَخَافُ أَنْ يَكُونَ قَدْ عَزَمَ عَلَى قَتْلِي وَ إِنَّهُ لَمَّا رَآنِي اسْتَحْيَا مِنِّي، فَعُدْتُ إِلَى بَيْنِ يَدَيْهِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَيَّ، فَقَالَ: كَيْفَ طَاعَتُكَ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ؟
      فَقُلْتُ: بِالنَّفْسِ وَ الْمَالِ وَ الْأَهْلِ وَ الْوَلَدِ، فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً ثُمَّ أَذِنَ لِي فِي الِانْصِرَافِ.
      فَلَمَّا دَخَلْتُ مَنْزِلِي لَمْ أَلْبَثْ أَنْ عَادَ الرَّسُولُ إِلَيَّ فَقَالَ: أَجِبْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ.
      فَحَضَرْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَ هُوَ عَلَى حَالِهِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَيَّ فَقَالَ: كَيْفَ طَاعَتُكَ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ؟
      فَقُلْتُ: بِالنَّفْسِ وَ الْمَالِ وَ الْأَهْلِ وَ الْوَلَدِ وَ الدِّينِ.
      فَضَحِكَ، ثُمَّ قَالَ لِي: خُذْ هَذَا السَّيْفَ وَ امْتَثِلْ مَا يَأْمُرُكَ بِهِ هَذَا الْخَادِمُ.
      قَالَ: فَتَنَاوَلَ الْخَادِمُ السَّيْفَ وَ نَاوَلَنِيهِ وَ جَاءَ بِي إِلَى بَيْتٍ بَابُهُ مُغْلَقٌ فَفَتَحَهُ، فَإِذَا فِيهِ بِئْرٌ فِي وَسَطِهِ، وَ ثَلَاثَةُ بُيُوتٍ أَبْوَابُهَا مُغْلَقَةٌ، فَفَتَحَ بَابَ بَيْتٍ مِنْهَا فَإِذَا فِيهِ عِشْرُونَ نَفْساً عَلَيْهِمُ الشُّعُورُ وَ الذَّوَائِبُ، شُيُوخٌ وَ كُهُولٌ وَ شُبَّانٌ مُقَيَّدُونَ.
      فَقَالَ لِي: إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَأْمُرُكَ بِقَتْلِ هَؤُلَاءِ وَ كَانُوا كُلُّهُمْ عَلَوِيَّةً مِنْ وُلْدِ عَلِيٍّ وَ فَاطِمَةَ عليهما السلام.
      فَجَعَلَ يُخْرِجُ إِلَيَّ وَاحِداً بَعْدَ وَاحِدٍ فَأَضْرِبُ عُنُقَهُ حَتَّى أَتَيْتُ عَلَى آخِرِهِمْ، ثُمَّ رَمَى بِأَجْسَادِهِمْ وَ رُءُوسِهِمْ فِي تِلْكَ الْبِئْرِ.
      ثُمَّ فَتَحَ بَابَ بَيْتٍ آخَرَ فَإِذَا فِيهِ أَيْضاً عِشْرُونَ نَفْساً مِنَ الْعَلَوِيَّةِ مِنْ وُلْدِ عَلِيٍّ وَ فَاطِمَةَ عليهما السلام مُقَيَّدُونَ.فَقَالَ لِي: إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَأْمُرُكَ بِقَتْلِ هَؤُلَاءِ، فَجَعَلَ يُخْرِجُ إِلَيَّ وَاحِداً بَعْدَ وَاحِدٍ فَأَضْرِبُ عُنُقَهُ وَ يَرْمِي بِهِ فِي تِلْكَ الْبِئْرِ حَتَّى أَتَيْتُ عَلَى آخِرِهِمْ‌.
      ثُمَّ فَتَحَ بَابَ الْبَيْتِ الثَّالِثِ، فَإِذَا فِيهِ مِثْلُهُمْ عِشْرُونَ نَفْساً مِنْ وُلْدِ عَلِيٍّ وَ فَاطِمَةَ مُقَيَّدُونَ عَلَيْهِمُ الشُّعُورُ وَ الذَّوَائِبُ.
      فَقَالَ لِي: إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَقْتُلَ هَؤُلَاءِ أَيْضاً، فَجَعَلَ يُخْرِجُ إِلَيَّ وَاحِداً بَعْدَ وَاحِدٍ فَأَضْرِبُ عُنُقَهُ فَيَرْمِي بِهِ فِي تِلْكَ الْبِئْرِ حَتَّى أَتَيْتُ عَلَى تِسْعَ عَشْرَةَ نَفْساً مِنْهُمْ وَ بَقِيَ شَيْخٌ مِنْهُمْ عَلَيْهِ شَعْرٌ، فَقَالَ لِي تَبّاً لَكَ يَا مَشُومُ أَيُّ عُذْرٍ لَكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذَا قَدِمْتَ عَلَى جَدِّنَا رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وَ قَدْ قَتَلْتَ مِنْ أَوْلَادِهِ سِتِّينَ نَفْساً قَدْ وَلَدَهُمْ عَلِيٌّ وَ فَاطِمَةُ عليهما السلام؟!
      فَارْتَعَشَتْ يَدِي وَ ارْتَعَدَتْ فَرَائِصِي، فَنَظَرَ إِلَيَّ الْخَادِمُ مُغْضَباً وَ زَبَرَنِي، فَأَتَيْتُ عَلَى ذَلِكَ الشَّيْخِ أَيْضاً فَقَتَلْتُهُ وَ رَمَى بِهِ فِي تِلْكَ الْبِئْرِ، فَإِذَا كَانَ فِعْلِي هَذَا وَ قَدْ قَتَلْتُ سِتِّينَ نَفْساً مِنْ وُلْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله فَمَا يَنْفَعُنِي صَوْمِي وَ صَلَاتِي وَ أَنَا لَا أَشُكُّ أَنِّي مُخَلَّدٌ فِي النَّارِ
    2. الكافي، ج ۷، ص ٢٩٦: محمد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، وابن بكير ، وغير واحد ـ في حديث ـ أن علي بن الحسين عليه السلام قيل له : إن محمد بن شهاب الزهري اختلط عقله فليس يتكلم ، فخرج حتى دنا منه فلما رآه محمد بن شهاب عرفه ، فقال له علي بن الحسين عليه السلام: ما لك؟ قال : وليت ولاية فأصبت دما قتلت رجلا فدخلني ما ترى ، فقال له علي بن الحسين عليه السلام: «لأَنَا عَلَيْكَ مِنْ يَأْسِكَ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ أَشَدُّ خَوْفًا مِنِّي عَلَيْكَ مَمّا أَتَيْتَ» .
    3. سورة النساء (٤)، جزء من الآية ٣٢.
    4. سورة النساء (٤)، جزء من الآية ٣٢.
    5. سورة النساء (٤)، جزء من الآية ٣٢.

عدم اليأس من رحمة الله - حقيقة اليأس من رحمة الله

17
  • عندما يقول الله: تعال إليّ، فإنّه قد وضع لنا طريقًا، ولكنّنا نريد أن نسلك طرقًا ملتوية ثمّ نلقي باللوم على الله، ونقول: «إنّه لا يعتني بنا!». لا يوجد عند الله طريقٌ ملتوٍ، فهو يقول لك: لقد وضعتُ طريقًا مستقيمًا فامش في هذا الطريق، فإذا لم تصل إلى نتيجة، فالعنّي.. على حدّ قول المرحوم الشيخ البهائيّ، هناك عملٌ لقضاء بعض الحوائج، وهو أن يصوم الإنسان ثلاثة أيّام. كنتُ قد قرأتُ سابقًا في كتابات المرحوم الوالد العلامة نقلاً عن المرحوم البهائي أنّ من يفعل هذا ولا يصل إلى نتيجة فليلعنّي.. هكذا يقول المرحوم الشيخ البهائيّ (ضحك).۱

  • يقول الله: اتّبع الطريق الذي بيّنتُه لك، ولا تتبع طريقك الخاصّ ثمّ تجرّني خلفك! كلّا! بل اتبع الطريق الذي بيّنتُه لك، وعندئذٍ انظر هل ستصل إلى نتيجة أم لا؟! فإذا لم تصل، فاتركني جانبًا. أمّا إذا وصلت ورأيت أنّ الأمر كذلك، فلا ينبغي لك في هذه الحالة أن تخدع نفسك. كان المرحوم السيّد الحداد رضوان الله عليه يقول: إنّ هذا السلوك إكسيرٌ عجيب، فما أن يبدأ الإنسان بالانشغال به قليلاً حتّى تبدأ الآثار تظهر في وجهه، ويصير حاله مختلفًا عن السابق، فيختلف حاله الآن عن حاله قبل شهرٍ، وهذا واضحٌ تمامًا. ولكنّ هؤلاء أنفسهم ـ لا أعلم ما هو السرّ في هذا الأمر ـ يفهمون التغيير ويرون التبدّل [بسبب السلوك]، ثمّ فجأةً يعودون إلى تلك المسائل نفسها التي كانوا عليها، وشيئًا فشيئًا يفقدون تلك الحالة. ماذا يصبح هذا؟ يصبح كفرانًا! فكفران النعمة هو أن لا يقوم الإنسان بواجب الشكر بعد أن يدرك أين هو الحقّ، وبعد أن يرى التغيير والتحوّل، ومع ذلك تمنعه المسائل والجوانب الأخرى من الوصول إلى الحقّ.

  • نسأل الله أن يجعلنا كلّ يومٍ أفضل من اليوم الذي سبقه، وأكثر استقامةً وثباتًا في طريق الولاية. 

  •  

  • اللَّهمّ صلِّ على محمّدٍ وآلِ محمّد

    1. سر الفتوح ناظر بر پرواز روح، ص: ۱۱٢، پرواز روح، صفحه ۷٤ (فارسي)