2

أهميّة اللجوء إلى الله وآثاره في الحياة

طمأنينة القلوب

24
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمدعاء أبي حمزة الثمالي

المجموعةسنة 1423

التاريخ 1423/09/02

جلسات المجموعة(6 جلسة)

التوضيح

ما معنى التوحيد الحقيقيّ؟ وكيف نتخلّص من الاعتماد على الخَلْق؟ ما قصّة انفتاح أبواب الفهم على العلّامة الطباطبائيّ في شبابه؟ وكيف كان النبيّ يوسف عليه السلام درسًا في ترك التعلّق بالأسباب الدنيويّة؟ وكيف تعامل الأولياء مع الابتلاءات والمكائد؟ تجيب هذه المحاضرة لسماحة آية الله السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ قدّس سرّه عن هذه الأسئلة، شارحة فقرةً من دعاء أبي حمزة الثماليّ، ومبيّنة أنّ الالتجاء إلى الله وحده هو السبيل الوحيد للنجاة والطمأنينة.

/۱٦
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

أهميّة اللجوء إلى الله وآثاره في الحياة - طمأنينة القلوب

1
  •  

  • هو العليم

  •  

  • أهميّة اللجوء إلى الله وآثاره في الحياة

  • طمأنينة القلوب

  •  

  • شرح دعاء أبي حمزة الثمالي - سنة ۱٤٢٣ هـ - الجلسة الثانية

  •  

  • محاضرة القاها

  • آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدّس الله سره

  •  

  •  

أهميّة اللجوء إلى الله وآثاره في الحياة - طمأنينة القلوب

2
  •  

  •  

  • أعوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيم‌

  • بِسمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحيم‌

  • وصلَّى اللهُ عَلَى سيّدِنا ونَبيِّنا أبي القاسِمِ محمَّدٍ

  • وعلَى آلِهِ الطَّيِّبينَ الطَّاهِرينَ

  • واللَّعنةُ عَلَى أعدائِهِم أجمَعين

  •  

  •  

  • شرح فقرة «وَأَنَّ فِي اللَّهْفِ إِلَى جُودِكَ عِوَضًا مِنْ مَنْعِ الْبَاخِلِينَ»

  • «وَأَنَّ فِي اللَّهْفِ إِلَى جُودِكَ وَالرِّضَا بِقَضَائِكَ عِوَضًا مِنْ مَنْعِ الْبَاخِلِينَ وَمَنْدُوحَةً عَمَّا فِي أَيْدِي الْمُسْتَأْثِرِينَ»

  • في الليلة الماضية، قدّمنا بعض التوضيحات للرفقاء حول هذه الفقرة، حيث يقول الإمام السجّاد عليه السلام: إنّ في التلهّف والابتهال إلى جودك، وفي الرضا بقضائك، عوضًا وبديلاً عن مَنْع الباخلين، أولئك الذين يبخلون بما لديهم. ويتحقّق هذا الأمر أيضًا في الاستغناء عمّا في أيدي المستكبرين وطلاب الدنيا؛ أي إن كان على الإنسان في هذه الدنيا أن يوجّه تضرّعه ولهفته نحو كرم شخصٍ وإحسانه، فأنتَ يا إلهي الأجدرُ بذلك. أنتَ الأحقّ بأن تكون وجهة كلّ تضرّعٍ، وأن تُمدَّ الأيادي إليك وحدك. وهذا التضرّع وهذا الطلب يُغنيان الإنسان عن الالتفات إلى أولئك الممسكين الباخلين، وعن انتظار عطائهم الممنوع. أولئك الذين يبخلون، ويعجزون عن أن يفيضوا بخيرهم على غيرهم.

  • قصّة العالِم الذي استعصى عليه فهم مسائل الإرث

  • طرأت على بالي الآن قصّة، قرأتها في كتاب «قصص العلماء» للمرحوم التنكابنيّ على ما يبدو، لعلّي قرأتها قبل ثلاثين عامًا، فليعذرني الرفقاء إن زاد الأمر أو نقص... كان أحد كبار العلماء المعروفين في النجف يدرّس كتاب الإرث، وكما هو معلوم، فإنّ مسائل الإرث ترتبط بالرياضيّات والحساب. 

  • ولنضع هذا الأمر بين قوسين؛ تذكّرتُ الآن قصّة ثانية، حيث كان المرحوم الوالد العلامة الطهرانيّ يقول: عندما كنّا نحضر درس المرحوم السيّد محمود الشاهروديّ، كان كلّما وصل إلى بعض المسائل الرياضيّة، يقول فجأةً: يا سيّد محمد حسين، أدركني! لأنّه [كان يصعب عليه حلّها] فكان يقول: تعال وأدركني!. يقول المرحوم الوالد: فكنت أذهب وأحلّ له المسائل الرياضيّة. فمسائل الهيئة والنجوم والقبلة... كلّها مسائل رياضيّة، وكذلك مسائل الإرث التي تُطرح أحيانًا. 

  • كان ذلك العالِم يدرّس، وعندما وصل إلى بحث الإرث، واجهته بعض الفروع والمسائل المعقّدة التي تتطلّب حسابات رياضيّة دقيقة، فوقف عاجزًا عن حلّها. وكان أحد تلامذته ماهرًا في الرياضيّات، فطلب منه الأستاذ أن يأتي إلى منزله ليعلّمه هذا القدر من المسائل. لكنّ التلميذ، ويا لسوء أدبه، أجابه قائلًا: هل يأتي الأستاذ إلى تلميذه، أم يذهب التلميذ إلى أستاذه؟ أنتَ هنا تلميذي، وعليك أن تأتي إلى منزلي! وهكذا، لم يذهب التلميذ إلى أستاذه، ولم يأتِ الأستاذ إليه.

أهميّة اللجوء إلى الله وآثاره في الحياة - طمأنينة القلوب

3
  • فتأثّر الأستاذ بشدّة، ليس لأنه أبى الذهاب، بل تألّم من هذا الموقف، وكيف أنّ تلميذه يعامله بهذه الطريقة في مسألة كهذه؛ فانكسر قلبه بشدّة. في تلك الليلة، ذهب إلى حرم أمير المؤمنين عليه السلام، وهناك بثّ شكواه وتضرّعه، وكأنّه يقول: هؤلاء الباخلون قد منعونا خيرهم، وها نحن لا نجد معينًا، وغدًا لدينا درس. وفي الحرم، انفتح له باب الحلّ، وتجلّت له المسألة بوضوح. أصبحت المسألة واضحة تمامًا له، وفي اليوم التالي حضر الدرس، وكان متمكّنًا جدًا، مع أنّه لم يكن يعرف الحكم قبل ذلك، لم يكن يعرفه... .

  • قصّة نادر شاه وكتابة آية على باب حرم الإمام علي عليه السلام

  • يُقال إنّ نادر شاه عندما ذهب إلى النجف، كان الإيوان الذي بناه بأمرٍ منه. ونادر شاه لم يكن له دين أصلًا، كان مجوسيًّا زرادشتيًّا. فجاؤوا وسألوه: ماذا نكتب فوق باب هذا الإيوان؟ ماذا نكتب على المدخل الرئيسيّ لحرم أمير المؤمنين عليه السلام؟ فقال نادر شاه: اكتبوا ﴿يَدُ ٱللَهِ فَوقَ أَيدِيهِم﴾۱. ثم انصرفوا. 

  • سمع الميرزا مهدي المستوفي، الذي كان وزيرًا لنادر شاه، بالقصّة، فسألهم: هل سمعتم ذلك منه مباشرةً؟! 

  • قالوا: نعم. 

  • فقال: لا يُعقل أن يكون هذا كلام نادر شاه، عودوا إليه واسألوه مرّة أخرى، قولوا له: حقًّا، ماذا قلتَ؟ لقد نسينا ما قلته قبل ساعة. 

  • فعادوا إليه وقالوا: يا صاحب السموّ، ماذا أمرتَ أن نكتب؟ لقد نسينا. 

  • فقال: يا أبناء الأشقياء، اكتبوا ما قلتُه لكم، يا أبناء الأشقياء اكتبوا ما قلته! لم يكن يعلم ما الذي جرى على لسانه.

  • في اليوم التالي، حضر ذلك العالِم مجلس الدرس، وبدأ في تقرير المسألة ببراعة، وقدّم شرحًا وافيًا كخبيرٍ متمرّس في الرياضيّات، وحلّ المسألة. فاضطربت أحوال تلميذه، وجاء إليه يسأله: ممّن تعلّمتَ كلّ هذا؟ فأجابه: نعم، لقد حُلّت مسألتنا من مكان آخر، ولم نعد بحاجة إليك بعد الآن.

  • كيف فُتحت أبواب الفهم على العلّامة الطباطبائيّ؟

  • يُنقل عن المرحوم العلّامة الطباطبائيّ، وقد نقل لي المرحوم الوالد هذه القصّة بالكيفيّة التي سأعرضها، وإن كانت قد نُقلت بصيغ أخرى في بعض الكتب، لكنّ الرواية التي سمعتها من المرحوم الوالد هي هذه. كان المرحوم العلّامة رجلًا عالِمًا جدًا، ومتبحّرًا في مختلف الفنون. حتّى إنّه كان قد عمل في العلوم الغريبة، وقد نقل لنا من عاصروه حكاياتٍ عن دخوله في هذه العلوم، وكانت له جلسات سريّة مع مجموعة خاصّة، تُطرح فيها مسائل معقّدة وغير عاديّة، ويتمّ فيها الاستمداد من بعض الأرواح وغيرها من الأمور. وخلاصة القول، إنّ المرحوم العلّامة كان له باعٌ في هذه المجالات، وإن كان منهج المرحوم الوالد رضوان الله عليه يختلف بعض الشيء عن هذا الطريق.

    1. سورة الفتح (٤۸)، الاية ۱۰.

أهميّة اللجوء إلى الله وآثاره في الحياة - طمأنينة القلوب

4
  • كان يقول: أخبرني المرحوم العلّامة بهذه القصّة أيّام طلبي للعلم، قال: عندما كنت صغيرًا أذهب إلى الكتّاب في تبريز، كنّا ندرس السيوطيّ۱، ولم أكن أفهم الدرس، لم أكن أفهمه أبدًا. حتّى لو فهم جميع من في الصفّ الدرس، كنت أنا الوحيد الذي لا يفهم. وكنت أعاني من هذا الأمر أيّامًا، وأرى الآخرين يفهمون ويُشكلون والأستاذ يجيب، أمّا أنا فلا أفهم، وأخجل أن أقول للأستاذ: لم أفهم هذا. فيقول لي: يا بنيّ، الجميع فهموا، فلماذا أنت لم تفهم؟!

  • ويكمل العلاّمة: حتّى جاء يومٌ بعد الظهر، شعرتُ فيه بانقلابٍ شديد في حالي. كنتُ في سنّ المراهقة، وقال: كنتُ مضطربًا جدًّا، وقد سئمتُ من وضعي هذا، من وجودي، من حالي، وتساءلت: ما هذه القصّة؟ لقد خلقني الله ولم يضع في رأسي فهمًا لأفهم؟ إنّ فهم السيوطيّ ليس بالأمر العظيم الذي يعجز عنه الإنسان. كنتُ مضطربًا جدًّا ومبتهلًا، فخرجت من المنزل، وذهبت إلى تلّة خارج تبريز، وتوجّهت إلى الله وقلت: يا إلهي، إمّا أن تقبض روحي، أو أن تهبني الفهم. لا يوجد طريق ثالث مع هذا الوضع، إمّا الموت وإمّا الفهم، كان شابًا صافي القلب، وهكذا كانت مشاعره.

  • قال: في تلك اللحظة، شعرتُ بأنّ وضعي قد تغيّر، وأنّي أصبحتُ شخصًا آخر، تغيّرت حالي، وصرت أرى كلّ شيء بوضوح، لم يعد هناك شيء غامض أو مبهم، أصبحت المسائل منفتحة أمامي. واضحة جدًّا. 

  • السؤال الذي ألقاه العلامة الطباطبائي وأبهر أستاذه

  • يعرف الرفقاء أنّ من بين الحواشي والتقريرات على كتاب السيوطيّ، تُعتبر «حاشية أبي طالب» أصعبها وأغناها معنى ومضمونًا. كنّا نقرأها في ذلك الوقت، والآن لا أذكر منها شيئًا. قال العلّامة: في تلك الليلة، لم أكتفِ بمطالعة درس الغد، بل طالعتُ الحواشي أيضًا، حتّى حاشية أبي طالب، ليس فقط ما يتعلّق بدرس ذلك اليوم، بل حتّى المسائل التي لم نقرأها بعد، بكلّ إشكالاتها وتفاصيلها. وفي اليوم التالي، ذهبنا إلى الدرس، وعندما وصلتُ، أوردتُ إشكالًا على الدرس من حاشية أبي طالب. ولم يستطع الأستاذ أن يجيبني، لأنّه لم يكن قد طالعها.

    1. وهو كتاب في علم النحو يشرح ألفيّة ابن مالك. (م)

أهميّة اللجوء إلى الله وآثاره في الحياة - طمأنينة القلوب

5
  • فهي حاشية صعبة لدرجة أنّ كثيرًا من أساتذة السيوطيّ أنفسهم لا يطالعونها بسبب صعوبتها، فيتجاوزونها إلى أمور أخرى... 

  • سابقًا كان لكتاب السيوطيّ شرحٌ مبسّط، لا أدري هل ما زال موجودًا أم لا؟ شرحٌ مبسّط باللغة الفارسيّة، وكان المرحوم الوالد كلّما رأى شخصًا يحمل هذا الشرح المبسّط، يقول له: من يقرأ الشرح المبسّط يصبح شيخًا جاهلًا! شيخًا جاهلًا! إيّاكم أن تقرؤوا السيوطيّ مع الشرح المبسّط هذا، فتصبحوا شيوخًا جاهلين. 

  • يقول العلّامة: أوردتُ إشكالًا على الأستاذ من حاشية أبي طالب، فبُهتَ المجلس بأكمله، كيف لهذا الذي كان أغبى الجميع ولا يفهم الدرس، أن يُشكل الآن بحاشية لم يقرأها، من شيء لم يدرسه. وبعد هذه الواقعة، كان يقول للوالد: وبفضل الله، لم تبقَ لي مسألةٌ غير قابلة للحلّ حتّى الآن. كلّ قضيّة تواجهني تُحلّ. هذه هي النتيجة التي نراها. هي النتيجة التي يعلّمنا إيّاها الإمام السجّاد عليه السلام، ويرشدنا إلى هذا الطريق.

  • لماذا يجب أن يكون التوجّه إلى الله وحده؟

  • تقدّم ليلة البارحة أنّه لماذا يجب على الإنسان أن يوجّه تضرّعه وابتهاله إلى الله لماذا يجب عليه ذلك؟ ولماذا لا ينبغي له أن يأخذ هذا التضرّع إلى مكان آخر؟ ولماذا لا ينبغي أن يوجّه طلبه إلى غير الله؟ ولماذا يقول الإمام عليه السلام: إنّ ابتهال الإنسان إليك وحدك هو عوضٌ عن منع الباخلين؟ و«مندوحةً» أي استغناءً، فهذا الابتهال يجلب لنا الاستغناء عمّا في أيدي طلاب الدنيا. أولئك الذين توغّلوا في الدنيا، وأصبحت نظرتهم دنيويّة بحتة. ينظرون إلى الإنسان، لكنّ الدنيا هي التي في أعينهم. من هو هذا؟ وما هو موقعه؟ من أبوه؟ من أمّه؟ ما هي خصائصه؟ متى يمكن أن ينفعنا هذا الإنسان؟ متى يفيدنا؟ إنّهم يأخذون الأمور الدنيويّة بعين الاعتبار في علاقاتهم، أليس كذلك؟ الناس هكذا، هذا هو حال أهل الدنيا وطلاّبها. 

  • قصّة كنز النبيّ عيسى عليه السلام

  • كان النبيّ عيسى على نبيّنا وآله وعليه السلام يسير يومًا مع حواريّيه، فوصل إلى مدينة وقال: «في هذه المدينة كنز، وأنا أريد أن أذهب وأحصل عليه». ففرح الحواريّون وقالوا: الحمد للّه، كنّا حتّى الآن جياعًا وعطشى، والآن سيذهب النبيّ عيسى ويُخرج لنا مالاً وذهبًا، فقد كانوا يعلمون أنّ لديه علمًا بهذه الأمور، فقالوا: الحمد للّه، هذه المرّة ستكون المائدة عامرة، فحتّى الآن كان يعطينا خبزًا وجبنًا وما شابه! فرحوا، وبعد يوم أو يومين، رأوا النبيّ عيسى قد عاد ومعه شابٌّ، لا يرتدي قميصًا فاخرًا ولا سروالًا، أي كان شابًا عاديًا جدًّا، فالتفت إلى الحواريّين وقال: الكنز الذي أردتُ أن أخرجه هو هذا. هذا الشابّ كان هو الكنز في هذه المدينة، وقصّته طويلة ومفصّلة جدًا. 

أهميّة اللجوء إلى الله وآثاره في الحياة - طمأنينة القلوب

6
  • وماذا فعل، وماذا حدث بعد ذلك، وكيف كان هذا الشابّ مفتونًا بابنة الملك، وكيف أظهر له النبيّ عيسى المعجزات وحوّل التراب ذهبًا. وبعد كلّ ذلك، ترك الشابّ كلّ شيء والتفت إلى النبيّ عيسى، حتّى بعد أن تزوج ابنة الملك، وقال له في اليوم التالي: ما دمتَ تملك كلّ هذه القدرة على تحويل التراب إلى ذهب، فلماذا لم تصبح أنت الملك؟ قال له النبيّ عيسى: إنّ ما أعطانا الله إيّاه قد أغنانا عن كلّ هذا. فقال الشابّ: إذًا، لماذا لا أكون مثلك؟ قال: تفضّل، كن مثلي، لا أحد يبخل عليك! تعال أنت أيضًا وكن مثلنا۱.

  • قصّة فضّة خادمة الزهراء عليها السلام ومعرفة أهل البيت بالكيمياء

  • كان المرحوم الوالد يروي قصّة فضّة، التي كانت تملك الإكسير والكيمياء، وجاءت به إلى أمير المؤمنين عليه السلام. فقد نظرت إلى حاله وحياته، فرأت أنّها على تلك الصورة من البساطة. وكان هناك وعاء نحاسيّ، فأخذته وحوّلته إلى ذهب، وجاءت به إلى الإمام لتُريه ما فعلت. كانت قد جلبت معها الإكسير، فقد كانت من الهند، وكانت في بلاط ملك الهند، فأرسلها إلى النبيّ صلّى الله عليه وآله، فأعطاها النبيّ لأمير المؤمنين عليه السلام.

  • نظر الإمام عليه السلام وقال: ما شاء الله! يا له من أمرٍ رائع! أحسنتِ، عملٌ جيّد جدًّا. لكن لو أنّكِ سخّنتِ الوعاء ثمّ مسحتِهِ بالإكسير، لكان عيار الذهب أعلى. فقالت في نفسها: «آه! من أين له أن يعرف هذا؟ يقول عياره أعلى! ثم سألت: يا عليّ، هل لديك علمٌ بالكيمياء أيضًا؟! فقال الإمام عليه السلام: لستُ أنا فقط، بل هذا الطفل ابن الثلاث سنوات الذي يلعب في الباحة أيضًا لديه، وكان الإمام الحسين عليه السلام في الثالثة من عمره يلعب في الباحة، فاذهبي واسأليه. فأخذت الوعاء النحاسيّ المذهّب وجاءت به إلى الإمام الحسين عليه السلام، فنظر إليه وقال: آه، حوّلتِه ذهبًا! أحسنتِ، عملٌ رائع! ولكن لو أنّكِ سخّنتِه وصقلتِه ثمّ وضعتِ عليه الإكسير لكان عياره أفضل. فقالت: آه! إنّ أطفالهم في الثالثة من عمرهم كرجالهم في الأربعين والخمسين، لا فرق بينهم.

    1.  قصص الأنبياء، الجزائري ص٢۸۷ ـ ٢۸۰؛ بحار الأنوار، ج ١٤، ص٢٨٠: روي ان عيسى عليه السلام جمع بعض الحواريين في بعض سياحته، فمروا على بلد، فلما قربوا منه وجدوا كنزا على الطريق، فقال من معه: إئذن لنا يا روح الله ان نقيم هاهنا ونحوز هذا الكنز لئلا يضيع؟ فقال لهم أقيموا هاهنا وانا ادخل البلد ولي كنزا اطلبه: فلما دخل البلد وجال فيه، رأى دارا خربة فدخلها، فوجد فيها عجوزا فقال لها: انا ضيفك في هذه الليلة وهل في الدار أحد غيرك، قالت نعم لي ابن صغير مات أبوه وبقي يتيما في حجري وهو يذهب إلى الصحارى ويجمع الشوك ويبيعه ونتعيش به. فلما جاء ولدها قالت له بعث الله لنا في هذه الليلة ضيفا صالحا تسطع من جبينه أنوار الهدى والصلاح، فاغتنم خدمته وصحبته، فدخل الابن على عيسى عليه السلام وأكرمه. فلما كان في بعض الليل سأل عيسى عليه السلام الغلام عن حاله ومعيشته وغيرها وتفرس فيه آثار العقل والاستعداد للترقي على مدارج الكمال، لكن وجد فيه ان قلبه مشغول بهم عظيم، فقال: يا غلام أرى قلبك مشغولا بهم عظيم فأخبرني لعله يكون عندي دواء دائك.
      فلما بالغ عيسى عليه السلام قال نعم في قلبي هم لا يقدر على دوائه إلا الله تعالى فقال اخبرني به لعل الله يلهمني ما يزيله عنك، فقال الغلام: اني كنت يوما احمل الشوك إلى البلد، فمررت بقصر ابنة الملك فنظرت إلى القصر فوقع نظري عليها فدخل حبها شغاف قلبي وهو يزداد كل يوم ولا أرى لذلك دواء إلا الموت، فقال عيسى عليه السلام إن كنت تريدها انا احتال حتى تتزوجها. فجاء الغلام إلى أمه وأخبرها بقوله فقالت أمه يا ولدي اني لا أظن أن هذا الرجل يعد بشئ لا يمكنه الوفاء به فاسمع له وأطعه في كل ما يقول. فلما أصبحوا قال عيسى عليه السلام للغلام اذهب إلى باب الملك فإذا اتى خواص الملك ليدخلوا عليه، قل لهم أبلغوا الملك عني اني جئته خاطبا كريمته ثم ائتيني وأخبرني بما جرى بينك بين الملك. فأتى الغلام باب الملك، فلما قال ذلك لخاصته ضحكوا وتعجبوا من قوله ودخلوا على الملك وأخبروه بما قال الغلام مستهزئين به، فاستحضره الملك.
      فلما دخل على الملك وخطب ابنته قال الملك مستهزءا به لا أعطيك ابنتي إلا ان تأتيني من اللئالي واليواقيت والجواهر كذا وكذا ووصف له ما لا يوجد في خزانة ملك من ملوك الدنيا، فقال الغلام انا اذهب وآتيك بجواب هذا الكلام فرجع إلى عيسى عليه السلام فأخبره بما جرى فذهب به عيسى عليه السلام إلى خربة فيها أحجار ومدر كبار فدعا الله تعالى فصيرها كلها من جنس ما طلب الملك وأحسن منها فقال يا غلام خذ منها ما تريد واذهب به إلى الملك فلما اتى الملك بها تحير الملك وأهل مجلسه في امره وقالوا لا يكفينا هذا فرجع إلى عيسى عليه السلام فأخبره فقال اذهب إلى الخربة وخذ منها ما تريد واذهب بها إليهم فلما رجع بأضعاف ما اتى به أولا زادت حيرتهم وقال الملك ان لهذا شأنا غريبا فخلا بالغلام واستخبره عن الحال فأخبره بكل ما جرى بينه وبين عيسى وما كان من عشقه لابنته فعلم الملك ان الضيف هو عيسى عليه السلام فقال قل لضيفك يأتيني ويزوجك ابنتي، فحضر عيسى عليه السلام وزوجها منه وبعث الملك ثيابا فاخرة إلى الغلام فألبسها إياه وجمع بينه وبين ابنته تلك الليلة فلما أصبح طلب الغلام وكلمه فوجده عاقلا فهما فلم يكن للملك ولد غير هذه الابنة فجعله الملك ولي عهده ووارث ملكه وامر خواصه وأعيان مملكته ببيعته وطاعته، فلما كانت الليلة الثانية مات الملك فأجلسوا الغلام على سرير الملك وأطاعوه وسلموا إليه خزائنه فأتاه عيسى عليه السلام في اليوم الثالث ليودعه فقال الغلام أيها الحكيم ان لك علي حقوقا لا أقوم بشكر واحد منها ولكن عرض في قلبي البارحة امر لو لم تجبني عنه لم انتفع بشئ مما حصلتها لي.
      فقال وما هو ؟ قال الغلام انك قدرت على أن تنقلني من تلك الحالة الخسيسة إلى تلك الدرجة الرفيعة في يومين فلم لا تفعل هذا بنفسك وأراك في تلك الحالة ؟ فلما أحفى في السؤال قال له عيسى ان العالم بالله وبدار ثوابه وكرامته والبصير بفناء الدنيا وخستها لا يرغب إلى هذا الملك الزائل وان لنا في قربه تعالى ومعرفته ومحبته لذات روحانية لا تعد تلك اللذات الفانية عندها شيئا فلما أخبر بعيوب الدنيا وآفاتها ونعيم الآخرة ودرجاتها. قال الغلام فلي عليك حجة أخرى لم اخترت لنفسك ما هو أولى وأحرى وأوقعتني في هذه البلية الكبرى فقال عيسى عليه السلام انما اخترت لك ذلك لأمتحنك في عقلك وذكائك وليكون لك الثواب في ترك هذه الأمور الميسرة لك أكثر وأوفى وتكون حجة على غيرك. فترك الغلام الملك ولبس أثوابه البالية وتبع عيسى عليه السلام .

أهميّة اللجوء إلى الله وآثاره في الحياة - طمأنينة القلوب

7
  • فعادت والتفتت إلى أمير المؤمنين عليه السلام وقالت: ما هذه الحكاية؟ وما هذه القصّة؟! فقال الإمام عليه السلام: يا فضّة، هذه الأمور كلّها هي أمور يجب على الإنسان أن يسلك فيها طريقه مع ربّه عن رضا ورغبة. إن أعطى، فبها ونعمت، وإن لم يُعطِ، فلا بأس. هذا الطريق ليس هو الطريق الصحيح. أن يسعى الإنسان للوصول إلى هذه الأمور بهذه الطريقة، هذا الطريق لم يُشرّع لنا بهذه الكيفيّة. قالت: وماذا أفعل الآن؟! قال الإمام عليه السلام: انظري في مقابل هذه الأمور، انظري ماذا أعدّ الله لنا عوضًا عن منع الباخلين.

  • وفجأةً، أشار الإمام عليه السلام، فرأت فضّة نهرًا يجري، ولكن بدلًا من الماء، كان النهر مليئًا بالجواهر واللآلئ المتلألئة التي تجري مع النهر. أي أنّ النهر كان عبارة عن هذه الجواهر. ثم قال الإمام عليه السلام: ألقِ ذلك الوعاء الذهبيّ، إن أردتِ أن يذهب معها، فليذهب. فألقته، ثمّ قال لها: ألقِ ذلك أيضًا، أي الإكسير الذي كان في يدها، حتّى لا يبقى في يدها شيء ،حتّى لا يبقى تعلّقها بشيء، فألقته.۱ فأصبحت «مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ». عندما ألقته، لم يعد هناك شيء. لم يعد في يدها ما تتّكئ عليه، لم يعد لديها ما تعتمد عليه. لم تعد لها شخصيّة، ولا سند دنيويّ، ولا مال، ولا أيّ شيء، لم يبقَ لها إلا هي وهذه العائلة. هذه العائلة التي كانت تراها أمامها. 

  • التوحيد الخالص هو السبيل الوحيد للنجاة

  • لماذا يجب أن يتمّ هذا الأمر في حضرة الله؟ لماذا؟ لماذا يجب على الإنسان أن يكون ابتهاله وتضرّعه في حضرة الله، وألّا يُدخل إلى زاوية قلبه أحدًا سواه؟ تقدّم ليلة البارحة أنّه: لأنّ التوحيد، وواقع التوحيد، وحقيقة التوحيد، تكمن في مكان واحد فقط لا غير. في سائر الموارد، يختلط الله بغير الله، يمتزج الله بغير الله. يُنظر إلى الله وغيره معًا، وإن كانت النسبة تختلف بين الأفراد. لا يستطيع الإنسان أن يأمل في أن يقضي هذا الشخص حاجته أو لا يقضيها. فهذا الشخص غارق في مشاكله، فكيف له أن يأتي ويقضي حاجة غيره؟

    1.  بحار الأنوار، ج ٤١، ص ٢٧٣؛ أنوار الملكوت ج۱ ص ٦٩ : لمّا جاءت فضّة إلى بيت الزهراء عليها السّلام لم تجد هناك إلاّ السيف و الدرع و الرحى، و كانت بنت ملك الهند، و كانت عندها ذخيرة من الإكسير، فأخذت قطعة من النحاس و ألانتها، و جعلتها على هيئة سبيكة، و ألقت عليها الدواء و صنعتها ذهبا. فلمّا جاء إلى أمير المؤمنين عليه السّلام وضعتها بين يديه، فلمّا رآها قال: أحسنت يا فضّة، لكن لو أذبت الجسد لكان الصبغ أعلى، و القيمة أغلى. فقالت: يا سيّدي، تعرف هذا العلم؟ قال: نعم، و هذا الطفل يعرفه، و أشار إلى الحسين عليه السّلام فجاء و قال كما قال أمير المؤمنين عليه السّلام؛ فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: نحن نعرف أعظم من هذا، ثمّ أومأ بيده فإذا عنق من ذهب و كنوز الأرض سائرة، ثمّ قال: ضعيها مع أخواتها، فوضعتها فسارت .

أهميّة اللجوء إلى الله وآثاره في الحياة - طمأنينة القلوب

8
  • أتذكّر في السنوات الأخيرة من حياة المرحوم الوالد، كان أحد الرفقاء والأصدقاء يشكو إليه من شخصٍ ما، ويقول: إنّ هذا الشخص فعل بي كذا وكذا، وأطلق عليّ التهم، وأثار حولي المسائل. وبالفعل كان ذلك الشخص غير سويّ وقليل الأدب، ولم يكن لكلامه أو أفعاله ضابط. ولأدنى مناسبة، كان يرفع من يرتضي إلى العرش الأعلى، ومن لا يروق له شخصيًّا يجعله أسوأ من الشمر ويزيد، كلّ ذلك لمصالح شخصيّة، وكان له موقع اجتماعيّ أيضًا. فالتفت إليه المرحوم الوالد وقال له: يا عزيزي، هذا هو الطريق، سلّم أمرك إلى الله، ولا تحاول مواجهته أبدًا، لا تفعل شيئًا. لأنّ هذه قضيّة كلّما حرّكتها ازدادت سوءًا. سلّم أمرك إلى الله، فهو كفيل الأمور.

  • أتذكّر أنّ هذا المسكين ذهب إلى الحرم، وقرّر ألّا يتعرّض لذلك الشخص أبدًا، ومهما فعل به فليكن. وبعد فترة، أصبحت كلّ تلك القضايا نسيًا منسيًّا، إلى أن ابتُلي ذلك الشخص وامتحن. ابتُلي، أي إنّه سقط من أوج القوّة والعزّة والشوكة إلى حضيض الذلّة والدناءة والضيق والمشقّة والحبس والضرب والجرح، وكلّ ما يمكنكم تصوّره. لماذا؟ لأنّ تلك القوّة لم تكن قوّة إلهيّة، بل كانت قوّة شيطانيّة. تلك العزّة لم تكن عزّة إلهيّة، بل كانت عزّة النفس والتوغّل في الكثرات.تلك القوّة التي مصدرها الكثرات، هي نفسها الكثرة التي تأتي يومًا ما وتُسقطه في الذلّة.

  • عاقبة الاعتماد على القوى الشيطانيّة: مثال عمر بن سعد

  • ألم يكن عمر بن سعد قائد جيش ابن زياد؟ بأمر ابن زياد، قاد الجيش وقتل ابن بنت رسول الله، ثمّ جاء ابن زياد نفسه ومزّق أمامه كتاب ولايته على الريّ وقال: «تفضّل». قال: «لقد أعطيتك إيّاه، أعطني الكتاب لأرى»، فأخذه ومزّقه وقال: «تفضّل». ماذا ستفعل الآن؟! فجُنّ جنونه، وأخذ يذهب إلى منزله ثمّ إلى الحمّام، ويخرج من الحمّام ليعود إلى منزله، وهكذا كان يتردّد بين الحمّام والبيت.۱ هذه الشوكة، ما هي؟ إنّها شوكة شيطانيّة، وهي نفسها التي تجرّه إلى حضيض الذلّة. وبعد ذلك، رحل عن هذه الدنيا بنفس الحالة التي كان يتّهم بها الناس. بنفس الوضع وبنفس الكيفيّة. 

    1. بحار الأنوار، ج ٤٥، ص ٣٣۷.

أهميّة اللجوء إلى الله وآثاره في الحياة - طمأنينة القلوب

9
  • تُو با خداى خود انداز كار و دل خوش‌دار***كه رحم اگر نكند مدّعى خدا بكند 
  • يقول: 

  • سلّم أمرك إلى إلهك واطمئن *** فإن لم يرحمك الخصمُ، فالله يرحم.

  • قصّة المرحوم العلامة الطهراني مع الحاسدين عند سفره إلى النجف

  • كان المرحوم الوالد رضوان الله عليه يقول: عندما ذهبت إلى النجف، كان الكثيرون يتكلّمون عنّي. كانت لديهم مشكلة معي، ولم يكونوا يطيقون رؤيتي. وفي إحدى المرّات التي شكوتُ إليه فيها من أمرٍ ما، قال لي هذا الكلام. قال: هل تظنّ أنّ هذه الأمور لم تحدث لي أنا؟

  • قال: كنتُ التلميذ الأوّل في المدرسة، وعندما بدأتُ دراسة العلوم الدينيّة وجئتُ إلى قم، ذهبتُ إلى النجف ومعي إجازة في الاجتهاد، وكان جميع أساتذتي يقولون: لو أنّ فلانًا يذهب إلى النجف، ماذا سيحدث؟! ويقول: في ذلك الوقت توفّي والدي، فهجمت عليّ المصائب والمشاكل. وكلّ تلك الأحقاد والأمراض النفسيّة التي كانت مخفيّة في الصدور، ظهرت كلّها بعد وفاة والدي. يا لها من قضايا ومسائل! قال: لم أتمكّن من الذهاب إلى النجف لمدّة عام كامل بسبب المشاكل التي واجهتني.

  • ثمّ قال: عندما ذهبت إلى النجف، انقطعت المخصّصات التي كانت تصلني من طهران عن طريق شخصٍ أوصاه والدي بأن يرسل لي مبلغًا شهريًّا من مصدر معيّن. وقال: لم أكن أقبل شهريّة من أحد، وكان هو يرسلها. فوجدت أنّ هذا المبلغ قد انقطع، ووقعت في ضائقة ماليّة، بل أكثر من مجرّد ضائقة، لم يكن لديّ شيء، حتّى تغيّر الوضع بشكل آخر.

  • بعد عام أو عامين، جاء ذلك الرجل الذي كان يرسل لي المبلغ إلى النجف، وكان قاصدًا مكّة. وبعد فترة، قال: كنت أراه في النجف، وبعد أيّام قليلة، جاء إلى منزلي وقال: يا سيّد محمد حسين، سامحني. قلت: لماذا؟ ما الأمر؟. 

  • قال: لقد أسأت الظنّ بك، وأريد أن تسامحني. كان هذا هو الذي يرسل المخصّصات بانتظام بأمرٍ من والده المتوفّى. 

  • ثمّ اتّضح الأمر، حيث قال المرحوم الوالد إنّ بعض الأقارب، وبتحريض من آخرين، ذهبوا إلى ذلك الرجل وقالوا له: ماذا تنتظر؟! هل تعلم أين يذهب هذا المال الذي ترسله له؟! أوّلًا، هو ليس في النجف، بل في لبنان وبيروت. ولديه وسطاء في النجف، وهذا المال الذي ترسله إلى النجف، يرسلونه له إلى بيروت، على أساس أنّه طالب علم. ولقد قطعت عنه المال لمدّة عام أو عامين لهذا السبب... والآن جئت إلى النجف، وكلّ من نسأله يقول: لا يا عزيزي، فالسيّد محمّد حسين في النجف». وكان في النجف طوال هذه المدّة، ونحن نرى أحوالك.... طبعًا، لم يقبل المرحوم الوالد منه بعد ذلك، وانتهى الأمر وأُغلق الملفّ. لكن انظروا، ما هذه المسألة؟ ثمّ كانت عبارته بعد أن ذكر المطلب:

أهميّة اللجوء إلى الله وآثاره في الحياة - طمأنينة القلوب

10
  • عَزیزِ مِصر به رَغمِ برادرانِ غیور***ز قَعرِ چاه برآمد به اوجِ مَه رَسید 
  • يقول: 

  • عزيز مصر رغمًا عن إخوته الحاسدين *** خرج من قعر البئر ووصل إلى أوج القمر.

  • لماذا؟ لأنّه قَبِلَ بـ «عِوَضًا مِنْ مَنْعِ الْبَاخِلِينَ». قَبِلَ ذلك، وكان يعلم أنّه لا ينبغي له أن يلتفت إلى هذا وذاك، وأن يعلّق نظره بهما. أمّا سائر المساكين، فلا. أحوال أهل الدنيا واضحة للجميع، كلّ أفكارهم تدور حول الصفقات والمكائد، افعل هذا واترك ذاك، أغلق الطريق على هذا، وألصق التهمة بذاك، أسقطه من عين فلان، وأسقط فلانًا من عين هذا.

  • مثل الديدان التي تتلوّى في ذاتها، هذه التخيّلات والأفكار... يا عزيزي، تعال واسترح من هذه الأمور، اخرج من هذه المسائل. لماذا يضع الإنسان نفسه في هذا المستنقع؟ إنّه مستنقع حقًا، مستنقع الكثرات. لماذا يفعل ذلك؟ لكي يتمكّن يومًا ما من استغلال هذا الموقف، أو ليتّخذه ذريعة، أو ليجلس ويخطّط ويمكر. لكن ما هو طريق الأئمّة؟ طريقهم هو هذا الذي يقولونه.

  • كيف نتعامل مع النميمة والافتراءات؟

  • يقولون: سلّم أمرك إلى الله. فهل تظنّون أنّه بعد وفاة المرحوم الوالد لم يقولوا لي مثل هذا الكلام؟! كم قالوا لي من هذا الكلام! أنا على علمٍ بما كان يدور من مسائل لا تعلمون عنها شيئًا، مسائل وقضايا كانت تهدف إلى التخريب والتدمير وتشويه الشخصيّة والسحق، وألصقوا بي ألف تهمة. ولكن لأيّ غاية؟ لأيّ غاية؟ كانوا يقولون: لقد قالوا عنك كذا وكذا في المكان الفلانيّ. 

  • فكنت أقول: أصلًا أنتَ أخطأتَ بمجيئك ونقلِكَ هذا الكلام لي. لماذا نقلتَ لي هذا الكلام؟ 

  • يقول: لكي تعلم يا سيّدي. 

  • ـ وماذا أفعل إذا علمت؟! 

  • كانوا يقولون: لتعلم ما هي القضايا الدائرة. 

  • فكنت أقول: لا أريد أن أعلم أبدًا، لا أريد أن أعلم أصلاً.

  • جاء بعض الرفقاء والأصدقاء مرّة إلى هنا، وأحضروا معهم بعض الأمور التي كانوا يرون أنّ من الجيّد أن أطّلع عليها، وكان معهم دفتر، ولعلّهم حاضرون الآن، لا أدري. عندما أحضروا الدفتر وأرادوا أن يطلعوني عليه قلت: يا عزيزي، اتركه مغلقًا كما هو. 

أهميّة اللجوء إلى الله وآثاره في الحياة - طمأنينة القلوب

11
  • قالوا: سيّدنا، هذه مسائل يجب أن تعلمها. 

  • قلت: كلاّ يا عزيزي، كلاّ! فأنا تركت الأصل، وهذا فرعه. وقد قال إنسان ما في الطرف الآخر من العالم كلمة، فما الذي سأستفيده من معرفتها؟! 

  • لدينا من المشاغل ما يكفي، على حدّ تعبير المرحوم الوالد، لدينا من المحن ما يكفي، ولو أردنا أن نلتفت إلى كلّ واحدة منها، لما وصل الدور إلى هذه الأمور. وهذه مسألة واقعيّة. إذا رأيتم أفرادًا يلهثون وراء نقل الكلام هنا وهناك، فاعلموا أنّهم أناسٌ بطّالون. أناس بطّالون! أمّا من لديه عمل، ولديه همّ، ولديه مشكلة، ولديه ألف أزمة يسعى لحلّها واحدة تلو الأخرى، فإنّه لا يلتفت إلى هذه الأقاويل أصلاً. 

  • عاقبة أهل الدنيا: لماذا لا يستحق الأمر كلّ هذا العناء؟

  • يتكلّمون عنك من وراء ظهرك، فليتكلّموا. يقولون: سيّدنا، في المكان الفلانيّ قالوا عنك كذا. وكنت أقول: دعهم يقولون، دعهم يقولون. وقبل بضعة أيّام، كنت أسير في قم قبل سفرنا هذا، في أيّام شعبان، وكان هناك شخصٌ مسكين، كان في السابق في مشهد، وكان يتكلّم عن المرحوم الوالد بما لا يليق. قبل ليالٍ قليلة، رأيت صورته معلّقة على الجدران لنعيه، فقلت: يا للعجب! انظر إلى الدنيا! انظر إلى الدنيا! بالأمس كنتَ تقول ما تقول، والآن تعال وقدّم حسابك هناك.

  • بهذه السهولة! هل يستحقّ الأمر ذلك؟ حقًّا؟ لا والله لا يستحق. هل يستحقّ الأمر حقًّا أن يضع الإنسان وقته في هذه الأقاويل لكي تُعلّق صورته على الجدران بعد يومين؟ سماحة آية الله فلان، والسيّد فلان، وحفيد السيّد فلان... رحل عن الدنيا. رحل عن الدنيا وانتهى الأمر؟ الآن تعال وقدّم الحساب هناك. لماذا قلتَ هذا الكلام؟ لماذا اتّهمتَ هذا السيّد بهذه التهمة؟ لماذا قلتَ هذا الأمر؟ لماذا قلتَ إنّ من يذهب إلى منزل فلان يجب أن يغسل كأسه؟ لماذا قلتَ هذا الكلام؟ الآن تعال وأثبت ذلك. أثبت أنّ ما قلته كان له دليل.

  • هل يستحقّ الأمر حقًّا أن يفكّر الإنسان في هذه الدنيا، في هذه الأيّام القليلة، قليلًا في هذه الكثرات، ويفكّر قليلًا في هذه التعلّقات، ويصل إلى حقيقة هذه الأمور؟! 

أهميّة اللجوء إلى الله وآثاره في الحياة - طمأنينة القلوب

12
  • الله هو الأصل، وما سواه مَجاز

  • يقول الإمام السجّاد عليه السلام: لقد جئتُ وأحضرتُ تضرّعي وابتهالي إلى بابٍ أعلم أنّه لا سبيل فيه لغير التوحيد. في هذا الباب، لا وجود للعلاقات، ولا وجود للاعتبارات الدنيويّة. لا شيء هنا... إنّه توحيدٌ محضٌ، وهو الأقرب إلى الإنسان من كلّ شيء، وهو الأولى به. لماذا؟ لأنّ سائر الأفراد، حتّى لو كانوا أهل جود، فإنّ جودهم جودٌ مجازيّ، وجودهم هو بواسطة جود الله. فلماذا لا يذهب الإنسان إلى الأصل مباشرةً؟! «كُلُّ مَا بِالْعَرَضِ يَنْتَهِي إِلَى مَا بِالذَّاتِ»۱. فلو كان لشخصٍ جودٌ في هذه الدنيا، أو رحمة، أو عاطفة، فإنّ هذه العاطفة واللطف والرحمة والجود والإيثار والإنفاق، كلّها من ذلك المبدأ، صدرت منه واستقرّت في هذه القوالب بحسب استعدادها، وتعيّنت. فلماذا لا أذهب إليه منذ البداية؟ لماذا آتي إلى أفراد آخرين؟! 

  • قصّة النبيّ يوسف في السجن: درس في التعلّق بالأسباب

  • عندما كان النبيّ يوسف على نبيّنا وآله وعليه السلام في السجن، وكان قد دخله للتوّ، أظهر ثباتًا عظيمًا في امتحان كبير، ووقف في وجه الفعل الحرام، مصداقًا للآية الشريفة: ﴿لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾٢ والمقصود ببرهان ربّه هو ذلك النور الذي كشف الله له به حقيقة الأمر، ممّا دفعه إلى الابتعاد عن المعصية.

  • وفي الرواية، عن الإمام الرضا عليه السلام على ما يبدو، أنّ زليخا عندما أدخلت يوسف إلى الغرفة وأغلقت الباب، جاءت وألقت ستارًا على صنمٍ كان في الغرفة. فسألها يوسف: ماذا تفعلين؟! لماذا تُلقين الستار؟! 

  • قالت: أستحي، لأنّ هذا الصنم يراني. وكان لديهم تصوّرٌ ما عن آلهتهم وأصنامهم بأنّ لها شعورًا. 

  • فقال: أتستحين من أن يراكِ هذا الصنم، ولا أستحي أنا من الذي خلقني وأعطاني القوّة والوجود، وهو شاهد وبصير وناظر وراءٍ، وأقرب إليّ من نفسي؟ قال هذا وفرّ هاربًا. يقول الإمام عليه السلام: إنّ ﴿بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾ كان هذا النور.٣ وهذا النور موجود فينا جميعًا. فلا تظنّوا أنّه خاصّ بالنبيّ يوسف، بل نحن نراه ونتجاوزه بسهولة كشرب الماء، كلا! فما رآه النبيّ يوسف نحن نراه أيضًا، ولو لم نكن نراه لما كان الذنب ذنبًا. لو لم ندرك الذنب، فما الفرق بيننا وبين هذا الخشب وهذا الجدار؟ إنّما يكون الذنب ذنبًا لأنّنا نرى ونُغمض أعيننا، يا سيّدي! لا مزاح في الأمر. نرى ونُغمض أعيننا ونتجاهل الأمر، ولكن ليس الأمر هكذا.

    1. قاعدة فلسفيّة تعني أنّ الأشياء التي هي عارضة وليس من ذات الشيء مثل الحرارة مثلاً بالنسبة إلى الماء فإنّها ليست من خواصّه الذاتيّة، فلا بدّ أن ترجع إلى ما بالذات وإلى شيء تكون الحرارة من خواصّه الذاتيّة كالنار. (م)
    2. سورة يوسف، الآية ٢٤
    3.  تفسير الميزان ج۱۱ ص ۱٦۷: و في الدر المنثور، أخرج أبو نعيم في الحلية عن علي بن أبي طالب: في قوله: ﴿وَ لَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَ هَمَّ بِهَا﴾: قال: ... فقامت إلى صنم مكلّل بالدر و الياقوت في ناحية البيت فسترته بثوب أبيض بينها و بينه فقال: أي شي‌ء تصنعين؟ فقالت: أستحيي من إلهي أن يراني على هذه الصورة فقال يوسف (عليه السلام): تستحين من صنم لا يأكل و لا يشرب، و لا أستحيي أنا من إلهي الذي هو قائم على كل نفس بما كسبت؟ ثم قال: لا تنالينها مني أبدا. و هو البرهان الذي رأى.

أهميّة اللجوء إلى الله وآثاره في الحياة - طمأنينة القلوب

13
  • ﴿ٱذكُرنِي عِندَ رَبِّكَ﴾: نقطة التحوّل في محنة يوسف

  • عندما لمع ذلك النور للنبيّ يوسف، فرّ هاربًا. هذا هو ﴿بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾. حسنًا، أُلقي القبض عليه، وقيل له: أنت عبد ويجب أن تكون في خدمة مولاك، وقد وقع منك النشوز، ولهذا سنلقيك في السجن. 

  • فقال: ألقوني في السجن، أنا لا أخالف أمر ربّي. وهكذا ذهب إلى السجن، وقال في نفسه: حسنًا، إنّه مكان جيّد، وجدت مكانًا للخلوة، وقد ارتحت من شرّ بني آدم، وأصبحنا لنفسي. وبعد أيّام، جاء رجلان من نُدماء الملك، أحدهما كان يعدّ له الشراب، والآخر كان طبّاخًا. وبعد فترة، رأى كلّ منهما رؤيا. فأوّل لهما يوسف رؤياهما، وقال للذي سأل عن الشراب: أنت ستنجو، وقال للآخر: أمّا أنت فسيُقضى أمرك.

  • عندما كان الذي سيُطلق سراحه صاحب الشراب على وشك المغادرة، قال له يوسف: ﴿ٱذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ﴾۱، أي اذكر اسمي عند سيّدك، وقل له إنّهم اعتقلوني ظلمًا وألقوني في السجن بلا جرم أو جناية. ولكن الله قال: ماذا تقول؟! ﴿ٱذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ﴾! أين أنا هنا؟! دعنا ننتظر. يا للعجب! في قصّة يوسف أسرارٌ عجيبة، أسرارٌ حول كيفيّة الجمع بين الوحدة والكثرة، وهنا مجال واسع للكلام. آه؟ لقد جئتَ إلى السجن من أجلي، والآن تقول: تذكرني عند الملك و﴿ٱذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ﴾؟! حسنًا، لا بأس! في اليوم التالي، انتظر يوسف ولم يأتِ خبر. لم يأتِ الحرس للتحقيق. مرّ اليوم الثاني، ثمّ الأسبوع الأوّل، فقال: يا إلهي، لعلّه نسي! هكذا هي العادة. نعوذ بالله من الجسارة على مقام النبيّ، ولكن هذا هو المسار الطبيعيّ للأحداث.

  • ﴿فَأَنسَىٰهُ ٱلشَّيطٰنُ﴾: من الأمل بالأسباب إلى اليأس منها

  • مرّ الأسبوع الأوّل ولم يأتِ خبر، ثمّ الثاني والثالث، وهكذا مرّت الأيّام، ولكن مع مرورها كان يوسف يتغيّر. لم يصبح يوسف يوسف عبثًا، بل عانى الكثير. وفي مرور الأيّام كان يتغيّر. في الشهر الأوّل كان يقول: إن شاء الله سيذهب هذا الشهر ويخبر الملك. ومرّ الشهر الثاني ولم يحدث شيء، والأمل يتضاءل شيئًا فشيئًا. وفي الأيّام الأولى، كان الأمل كبيرًا، فالقضيّة ما زالت ساخنة. فبالأمس قلت له: اذهب وأخبره. لكنّ الله يقول: انتظر قليلًا، اذكرني بعض الذكر، واقرأ آية من القرآن، فنحن الآن في خلوة، إلى أين تريد أن تذهب؟ هذا مكان جيّد، تعال لنجلس معًا. ما قولك هذا ﴿ٱذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ﴾؟

    1. سورة يوسف، الآية ٤٢.

أهميّة اللجوء إلى الله وآثاره في الحياة - طمأنينة القلوب

14
  • كان الزمن يمرّ، وهو يتغيّر، حتّى ماذا؟ حتّى يئس. ورأى أنّ الله من الجانب الآخر يقول: ﴿فَأَنسَىٰهُ ٱلشَّيْطَانُ﴾۱، لم يقل «أنسيتُه»، بل قال إنّ الشيطان أنساه. وهنا يجب الانتباه إلى أنّ النسيان من ذلك الطرف كان بفعل الشيطان، ومن هذا الطرف كان أمله يتحوّل تدريجيًا إلى يأس، حتّى وصل إلى مرحلة اليأس التامّ، وبدأ ماذا؟ الابتهال إلى الله. «وَأَنَّ فِي اللَّهْفِ إِلَى جُودِكَ وَالرِّضَا بِقَضَائِكَ عِوَضًا مِنْ مَنْعِ الْبَاخِلِينَ» هنا وصل إلى كلام الإمام السجّاد، وكأنّه يقول: أيها الإمام السجّاد ـ وقد كان يعلم ـ أين أنت لتأتي وتقرأ لنا دعاء أبي حمزة؟! فلنقرأ دعاء أبي حمزة في هذا السجن. إنّ التلهّف إلى جودك، والابتهال والتضرّع نحوك، يغنينا عن منع الباخلين، أولئك الذين يبخلون. أولئك الذين يأخذون الأمور الدنيويّة بعين الاعتبار. 

  • عندما يصل إلى هذه النقطة، يبدأ انبعاث النور في قلبه. يترك الأسباب والعلل جانبًا، ويبدأ مسيرًا جديدًا. حتّى هذه اللحظة، كان نظره إلى الكثرة، وهذا النظر كان يحجبه عن القرب. وعندما زال هذا الحجاب، زال النظر إلى الكثرة، وبدأ يسير في النور.والآن يجب أن يرفع حجاب الأنوار واحدًا تلو الآخر؛ وسائط عالم الخلق، العوالم الربوبيّة، التوسّلات بهذا وذاك، حتّى بالأرواح المقدّسة. وعندما يرفع هذا الحجاب أيضًا، يصل إلى مقام الذات، ويصبح التوسّل به وحده لا شريك له. 

  • لماذا تختصّ مكّة بالتوحيد الخالص دون التوسّل بالأولياء؟

  • لقد ذكرتُ ليلة البارحة أنّه في مظهر وظهور التوحيد في مكّة المكرّمة، حتّى الأولياء لا سبيل لهم. فهناك يجب أن يكون الله وحده لا شريك له، هناك لا ينبغي للإنسان أن يتوسّل! بمن سيتوسّل؟! هناك أراد الله نفسُه أن يدعوه الإنسان بلا تعيّن، بلا تعيّن، وبلا التفات إلى أيّ مبدأ أو مظهر، حتّى أوليائه. للحرم هذه الخصوصيّة. فعندما تذهب إلى مشهد، يجب أن تتوسّل بالإمام الرضا، وفي كربلاء بسيّد الشهداء، وفي الكاظميّة بالإمام الكاظم موسى بن جعفر والإمام الجواد، وفي سامرّاء [بالإمام الهادي والإمام العسكري]، وفي النجف [بأمير المؤمنين]، وفي المدينة بالنبيّ صلى الله عليه وآله، أمّا في مكّة، فحتّى هؤلاء أيضًا لا ينبغي أن يكونوا حاضرين في التوجّه، فهناك الله وحده لا شريك له. لذلك، فإنّ أذكار التوحيد تختصّ بهذا المكان. في هذا المكان يجب على الإنسان أن يحافظ على هذه المرتبة. حينها يكون نصيبه أعظم وحصّته أكبر. لذلك يقول الإمام السجّاد إنّ التضرّع يجب أن يُوجّه إلى هذا المبدأ وهذه الحضرة فقط.

    1. سورة يوسف، الآية ٤٢.

أهميّة اللجوء إلى الله وآثاره في الحياة - طمأنينة القلوب

15
  • ﴿أَلَا بِذِكْرِ ٱللَهِ تَطمَئِنُّ ٱلقُلُوبُ﴾: ثمرة التوكّل الحقيقيّ

  • إذا كان الأمر كذلك، فإنّ كلّ المجازات تزول، والأفراد يذهبون جانبًا، ويعلم الإنسان من هو الذي يقف إلى جانبه. يعلم الإنسان من هو الذي يقف إلى جانبه. يعلم أنّ الله أعرف بحاله، وأنّه ﴿لا تأخذه سِنة ولا نوم﴾، ولا يعتريه النسيان، ولا يصيبه الهرم المبكّر. ولا يضعف بسبب مرور الزمن. يعلم الإنسان أنّه أقرب إليه من كلّ شيء، وهناك يطمئنّ قلبه. ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ ٱللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾۱، أو ﴿أَلَا بِذِكْرِ ٱللَّهِ تَطْمَئِنُّ ٱلْقُلُوبُ﴾٢﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً﴾٣، كلّ ذلك بسبب هذه المسألة.

  • لماذا كان سيّد الشهداء عليه السلام هادئًا ومطمئنًا يوم عاشوراء٤؟ لماذا لم يكن خائفًا؟ كان هادئًا لأنّه سلّم أمره إلى الله، وعندما يسلّم الإنسان أمره إلى الله، فأيّ قلق يبقى لديه؟! هل القتل مدعاة للقلق؟ إنّه أحد حالين. عندما يفوّض الأمر إلى الله... يجب على الإنسان في البداية أن يفكّر بشكل صحيح، ويتأمّل مليًا، ويصحّح عمله، ثمّ ينتهي الأمر. لا ينبغي أن يقبل الحقّ عشوائيًا، بل يجب أن يقبله بشكل صحيح. لا ينبغي أن نقبل الحقّ قبولًا شعاريًّا، ولا تعبّديًّا، ولا عن تعصّب، ولا عن هوى وميل وشوق، بل يجب أن نقبل الحقّ لأنّه حقّ. وعندما يصحّ المبدأ، يطمئنّ قلب الإنسان. يرتاح باله، ومهما حدث بعد ذلك، فليكن. 

  • فليحدث ما يحدث، فهو سبحانه كفيل بالأمور، وهو الذي يدبّرها. وبأيّة كيفيّة حدثت، فإنّ كلّ ما يواجه السالك في طريقه هو خير له. 

  • در طریقت هرچه پیش سالک آید خیر اوست***... 
  • يقول: 

  • في الطريقة كل ما يلقاه السالك هو خير له *** ...

  • ومعناه أنّ الإنسان لمّا عطف توجّهه على الله، فكلّ ما يحدث بعد ذلك هو خير. 

  • ...***در صراط مستقیم ای دل کسی گمراه نیست 
  • يقول: 

  • ... *** لا يضلّ أحد في الصراط المستقيم أيها القلب 

  • هذا هو معنى التضرّع والتوجّه

  • لماذا الدعاء بالابتهال والبكاء؟ سؤال للجلسة القادمة

  • والآن، لماذا يدعو الإمام السجّاد هنا بالتضرّع والابتهال؟ ما الذي يكمن في التضرّع؟ هل يحتاج الإنسان إلى التضرّع؟ ألا يمكنه أن يتحدّث مع الله ببساطة؟ هل يجب عليه أن يبكي حتمًا؟ ألا يمكن للإنسان أن يتعامل مع الله بحالة من الفرح والسرور؟! هل يجب أن يكون بالضرورة في حالة بكاء؟ وهل حالة البكاء والتضرّع شرط للسير؟! ألا يمكن قطع هذا الطريق بدونهما؟ وهل رضا الله يكمن فقط في أن يرى عبده في هذه الحالة، وليس في حالة الفرح؟ 

    1. سورة يونس، الآية ٦٢
    2. سورة الرعد، الآية ٢۸
    3. سورة الفجر، الآيات ٢۷-٢۸
    4.  معرفة المعاد، ج‌۱، ص: ۸٩: لَمَّا اشْتَدَّ الامْرُ بِالْحُسَیْنِ بْنِ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ علیهما السّلام نَظَرَ إلَیْهِ مَنْ کان مَعَهُ، فَإذاً هو بِخِلافِهِمْ؛ لِانَّهُمْ کُلَّمَا اشْتَدَّ الامْرُ تَغَیَّرَتْ أَلْوَانُهُمْ وَ ارْتَعَدَتْ فَرَآئِصُهُمْ وَ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ، وَ کان الْحُسَیْنُ علیه السّلام وَ بَعْضُ مَنْ مَعَهُ مِنْ خَصَآئِصِهِ تُشْرِقُ أَلْوَانُهُمْ وَ تَهْدَأُ جَوارِحُهُمْ وَ تَسْکُنُ نُفُوسُهُمْ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: انْظُرُوا! لا یُبَالِی بِالْمَوْتِ.
      فَقَالَ لهم الْحُسَیْنُ علیه السّلام: صَبْراً بَنِی الْکِرَامِ! فَمَا الْمَوْتُ‌إلاّ قَنْطَرَةٌ یَعْبُرُ بِکُمْ عن الْبُؤْسِ وَ الضَّرَّآءِ إلَی الْجِنَانِ الْوَاسِعَةِ وَ النَّعِیمِ الدَّآئِمَةِ.
      فَأَیُّکُمْ یَکْرَهُ أَنْ یَنْتَقِلَ مِنْ سِجْنٍ إلَی قَصْرٍ؟ وَ مَا هو لِاعْدَآئِکُمْ إلاّ کَمَنْ یَنْتَقِلُ مِنْ قَصْرٍ إلَی سِجْنٍ وَ عَذَابٍ.
      إنَّ أَبِی حَدَّثَنِی عن رسول الله صَلَّی اللهُ عَلَیْهِ وَ ءَالِهِ: إنَّ الدُّنْیَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَ جَنَّةُ الْکَافِرِ؛ وَ الْمَوْتُ جِسْرُ هؤُلَآءِ إلَی جَنَّاتِهِمْ وَ جِسْرُ هؤُلَآءِ إلَی جَحِیمِهِمْ، مَا کَذَبْتُ وَ لا کُذِبْتُ

أهميّة اللجوء إلى الله وآثاره في الحياة - طمأنينة القلوب

16
  • إن شاء الله، هذه مواضيع نتركها للجلسة القادمة، إذا وفّقنا الله، سنعرضها على الرفقاء في حدود إمكاننا ونقصنا وجودنا. 

  •  

  • اللَّهُمَّ صلِّ علَى محمَّدٍ وآلِ محمَّد