12

حقيقة الظلّ في اصطلاح أهل المعرفة

تجلّي الحقّ في مرآة الخلق

63
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمدعاء أبي حمزة الثمالي

المجموعةسنة 1428

التاريخ 1428/09/16

جلسات المجموعة(12 جلسة)

التوضيح

ما هي حقيقة الظلّ في مصطلح العرفاء؟ هل هو مجرد غياب للنور، أم انعكاس وتجلٍّ للحقّ في مرآة الخلق؟ كيف نفهم علاقتنا بالحقّ من خلال هذا المثال؟ وكيف يمكن للذنب أن يطفئ هذا الانعكاس كما ينقطع التيار الكهربائي؟ تتساءل المحاضرة عن شروط المناجاة الصادقة، وتنتقد عبر أمثلة وقصص، التعلق بالدنيا وتحريف الدين، وتُبيّن الفرق بين الإيمان العلمي والعملي. فأين نجد المرآة الصافية ودليل الطريق؟

/۱٤
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

حقيقة الظلّ في اصطلاح أهل المعرفة - تجلّي الحقّ في مرآة الخلق

1
  •  

  • هو العليم

  •  

  • حقيقة الظلّ في اصطلاح أهل المعرفة

  • تجلّي الحقّ في مرآة الخلق

  •  

  • شرح دعاء أبي حمزة الثمالي - سنة ۱٤٢۸ هـ - الجلسة الثانية عشرة

  •  

  • محاضرة القاها

  • آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهراني

  • قدّس الله سره

  •  

  •  

حقيقة الظلّ في اصطلاح أهل المعرفة - تجلّي الحقّ في مرآة الخلق

2
  •  

  •  

  • أعوذُ بِاللَهِ مِنَ الشَّیطانِ الرَّجیم‌ 

  • بِسمِ اللَهِ الرَّحمَنِ الرَّحیم‌ 

  • وصلَّى اللَهُ عَلَى سیدنا و نبینا أبى‌القاسم مُحَمَّدٍ 

  • وعلى آله الطَّیبین الطّاهرین و اللعنةُ عَلَى أعدائِهم أجمَعینَ‌

  •  

  •  

  • بِلِسانٍ أَخرَسَهُ الذَّنبُ وقَلبٍ أَوبَقَهُ الجُرم

  • «أَدْعُوکَ یا سَیدِى بِلِسَانٍ قَدْ أَخْرَسَهُ ذَنْبُهُ رَبِّ أُنَاجِیکَ بِقَلْبٍ قَدْ أَوْبَقَهُ جُرْمُهُ».

  • مولاي! أدعوك بلسانٍ قد أسكته ذنبه، وأناجيك بقلبٍ قد أهلكه جرمه ولم يُبقِ له رمقًا.

  • شرطُ المناجاةِ: هلْ نَفهَمُ مَنْ نُخاطِب؟

  • عُرضت على الرفقاء بعض الأمور حول هاتين الفقرتين الشريفتين من كلام الإمام السجاد عليه السلام، وقلنا إنّ مقام الذات هو مقام القدس والطهارة، وإنّ مخاطبة مقام الذات تحتاج إلى سنخيّة في التخاطب. يجب أن تكون هناك سنخيّة حتّى تتحقّق المناجاة ويتمكّن الطرفان من فهم كلام بعضهما البعض. فالله تعالى يفهم كلامنا، ولكن نحن الذين نناجي الله ونتحدّث معه، ما هو تصورنا عن الله وأسمائه وصفاته؟ أليس من المضحك أن يتحدّث إنسانٌ مع أحد وهو لا يعلم شيئًا عنه وعن حالاته؟! هذه هي قضيّتنا ومسألتنا. إنّ أعمالنا وسلوكيّاتنا في حيثيّتها الأولى ـ كما ذُكر للرفقاء ـ تحكي عن حقيقة التوحيد؛ لأنّ الظلّ يجب أن يكون له سنخيّة مع ذي الظل. يجب أن يكون للظلّ سنخيّة مع الشمس والمقصود بالظلّ هنا انعكاس النور لا الظلمة.

  • الظلُّ في اللغةِ والاصطلاحِ العرفانيّ: ما الفارقُ الجوهريّ؟

  • إنّ الظلّ الذي يتحدث عنه الناس يعني عدم وجود النور، وهذا العدم يظهر أحيانًا في صورة وجود نورٍ ضعيف. فالظلال التي نراها هي بهذا الشكل، فعندما تقف أمام النور، يقع ظلّك على الأرض، ليس ظلمةً محضة، ليس سوادًا، بل يختلف لونه قليلًا عن الأماكن الأخرى؛ لأنّ النور يتسرّب قليلًا من هنا وهناك، ولو لم يتسرّب لأصبح سوادًا محضًا. هو النور نفسه، ولكن بسبب الاختلاف بين طبقتي النور، نسميه ظلًا. 

  • أمّا في اصطلاح أهل المعرفة، فيُطلق الظلّ على انعكاس النور. وبما أنّ الظلّ أضعف بسبب الانعكاس، فإنّ الناس يطلقون اسم الظلّ أيضًا على المكان الذي لا يوجد فيه نور. فعندما تسلّط نورًا على مرآة، يُحدث هذا النور انعكاسًا على الجدار ويُسمّى ذلك «ظلًا». فالظلّ؛ يعني الأثر، المعلول، المسبَّب. وهذا تعبيرٌ عجيبٌ جدًّا، بخلاف الظلّ المستخدم في اصطلاح العرف والعوام؛ لأنّه ليس هناك في الواقع آثار تنعكس لذلك النور، بل هو نورٌ آخر؛ فالنور الذي يسطع على مساحةٍ معينةٍ من حجمٍ ما، لا يسري بعد ذلك إلى مكانٍ آخر. لقد رأيت هذا الخطأ في كثيرٍ من كتب أهل الحكمة.

حقيقة الظلّ في اصطلاح أهل المعرفة - تجلّي الحقّ في مرآة الخلق

3
  • الظلُّ والضوءُ: تفصيلٌ فيزيائيّ أم رؤيةٌ عرفانيّة؟

  • لنفترض مصباحًا نوره في بداية سطوعه يضيء مساحةً معينة. نور مصباح الفلوريسان بقطر ٣ أو ٥ سنتيمترات وطول متر أو متر ونصف، يضيء مساحة وحجمًا معينًا. كلما تقدم الضوء، زاد شعاع محيطه. فللمصباح الفلوري هذا شعاعٌ، وعلى بعد مترٍ واحدٍ يزداد شعاعه، إلى الحدّ الذي يتمكن فيه هذا النور من الوصول إلى أي نقطة يريدها، وبقدر ما تمتلك فوتوناته وأشعّته من قوّةٍ للحركة في الجو والفضاء، يتّخذ شعاعًا أكبر. وعندما تضع جسمًا بجانب النور، فإنّه في المقطع الموازي والمقابل للنور، يختصّ لنفسه بمقدارٍ من نور المصباح الفلوري المنبعث. يصطدم النور بذلك الشيء أو صفحة الورق ويأخذ ذلك المقدار من النور، وتمرّ بقيّة النور من جانب الشيء وأعلاه وأسفله. هنا، من الواضح أنّه بمقدار ذلك الشيء أو الورقة، لا يمرّ النور، وحينئذٍ يكون الظلّ هو فراغ ذلك النور الذي يصطدم بسطح الورقة. ولكن بما أنّ الأنوار الأخرى تتصادم معًا، فإنها تملأ ذلك الفراغ إلى حدٍ ما. وبسبب ذلك الاختلاف بين الأماكن الأخرى المحيطة بالظلّ وبين الظلّ نفسه، تلاحظ فرقًا وتسميه ظلًا، ولكنه في الواقع ليس ظلًا؛ الظلّ هو أن يُحدث النور نفسه ـ بدون شيءٍ آخر وبواسطة انعكاسه على الجسم ـ أثرًا يكون وليد هذا الانعكاس لا شيئًا آخر. المقدار من الصفحة الذي سطع عليه النور، لم يعد يذهب إلى هنا وهناك. إذا وضعت يدي أمام المصباح، تضيء يدي، وإذا أبعدتها أمتارًا قليلة تصبح عادية، وذلك لأنّ النور أصبح أضعف.

  • حقيقةُ المرآةِ: انعكاسٌ بلا ذات

  • يجب القول إنّ المرآة في الواقع ليس لها نورٌ من ذاتها. ضع المرآة أمامك، ليس فيها نور؛ هي جسمٌ مصقولٌ وشفافٌ وليس لها أيّ ميزة أخرى؛ ميزة المرآة هي الانعكاس ولا تضيف شيئًا من نفسها. كلما كانت المرآة أكثر صفاءً ونقاءً وصقلًا، وكان الزئبق أو الفضة المستخدمة فيها أنظف وألطف، وكانت الحرارة التي تكتسبها حرارةً معتدلة ـ فعندما توضع في الجوّ البارد، يجب أن تبرد على مرّ الزمن، فإذا بردت دفعةً واحدة، تموّجت المرآة ـ ولهذه الأمور حسابات. كلما كانت أصفى، أظهرت ميزتها ـ التي هي انعكاس شيءٍ آخر ـ بشكل أكبر.

حقيقة الظلّ في اصطلاح أهل المعرفة - تجلّي الحقّ في مرآة الخلق

4
  • تموُّجُ المرآةِ وصدؤُها: استقلالٌ مزعومٌ أم حِجابٌ عن النور؟

  • المرآة التي فيها صدأ، والتي حدث فيها تموّج، هذه حِيَلٌ تتخذها لتقول: أنا أيضًا لي شأن! أريد أن أكون متموّجة، مضطربة، أريد أن يكون فيّ صدأ، أريد أن أكون معتمة وغير متناسقة. كثيرٌ من المرايا هكذا؛ تقول: لا أريد للنور الذي يسطع فيّ أن ينعكس، أريد أن أُظهر نفسي، ما شأن النور ليسطع فيّ وأنا أعكسه للآخرين؟! إذن ما دوري أنا هنا؟! إن كانت الشمس قويّة جدًّا فلتُظهر نفسها بنفسها. ما علاقتي أنا؟! لو سطعت الشمس ألف مرّة على الخشب، لما انعكس منها نور. ولو قُرّبت الشمس بحرارتها من الحديد وسطعت عليه، لربما أذابته ولكن لن يسطع النور من جانبه الآخر. إلا إذا أذابت الحديد بحيث لا يبقى حديدٌ في الوسط، عندها يمكن أن تُعطي نورًا. المرآة أيضًا إذا قالت: أنا لي وجودٌ واستقلال، لا أريد للشمس والمصباح أن يسطعا فيّ! يُقال لها: ابقَيْ سوداء كما أنتِ، عيشي سوداء وموتي سوداء! لا أحد يهتم بكِ. في هذه الحالة، لن يدفع أيّ عاقلٍ فلسًا واحدًا لمرآةٍ لا فائدة منها.

  • الخلقُ ظلُّ الحقّ: كيفَ يتجلّى النورُ في الأكوان؟

  • إذن، يصطدم النور بالمرآة، والمرآة تعكس ذلك النور إلى مكانٍ كالجدار، فيصبح الجدار ـ الذي كان ظلًا ـ نورانيًا، ولكن بواسطة. أحيانًا يصطدم بنا المصباح نفسه مباشرةً ولا تكون هناك مرآةٌ في البين، وأحيانًا يسطع النور بشكلٍ مباشرٍ وموازٍ. والزجاج الذي يوضع على المصباح ليس له نورٌ في ذاته، ولكنه يمتلك استعدادًا وقابليةً لانعكاس النور. هذا النور الذي تراه قد أضاء كل شيءٍ وأعطى نورًا للمحيط، هو النور نفسه الآن قد قام بهذا العمل بواسطةٍ واحدةٍ هي الزجاج. هذا ما يُسمّى في اصطلاح أهل العرفان «ظلًا». إذن، لا يُطلق «الظلّ» على السواد المعروف. وإن ورد أحيانًا في كلمات البعض؛ مثل مولانا جلال الدين الرومي، أنّ الظلّ بمعنى السواد الذي لجأ إليه الطائر، فهذا مثالٌ ومن باب التسامح، وإلا فإنّ اصطلاح العرفاء أنفسهم هو اصطلاحٌ عرفانيّ، وهنا استُخدم اسم الظلّ بمعنى السواد من باب التشبيه. فالظلّ عبارةٌ عن تجلّي الذات نفسها، حيث يظهر ذلك التجلّي للذات بشكلٍ خفيفٍ في قالبٍ ما. سواء كان ذلك القالب زجاجًا أو مرآةً أو ماءً جاريًا أو ماءً راكدًا؛ أيًّا كان. فعندما يحدث ذلك التجلّي، فإنّ الإنعكاس الذي يحصل من هذا المَظهر بواسطة الظهور يُسمّى «ظلًا».

حقيقة الظلّ في اصطلاح أهل المعرفة - تجلّي الحقّ في مرآة الخلق

5
  • استحالةُ الانفصالِ بين الظلِّ وصاحبِهِ: مثالُ البطاريةِ والكهرباء

  • الأشياء الموجودة في العالم هي ظلال بالنسبة لتلك الحقيقة التوحيديّة الأولى وتلك الحقيقة المجرّدة الأولى، ، ولهذا قيل: الانفصال بين الظلّ وصاحب الظلّ محال. فلو حدث انفصالٌ للحظةٍ واحدةٍ بين تلك المرآة التي فيها النور وبين النور الساطع ، لمُحيَ النور من المرآة في اللحظة نفسها. لا تستطيع المرآة أن تخزّن الكهرباء في نفسها كالبطارية. وكلما شغّلت جهاز تسجيل، إذا انقطعت الكهرباء من محطة التوليد، فإنّ مقدار الكهرباء الذي خزّنته البطارية يمكنه أن يُبقي الجهاز يعمل لربع ساعة أو نصف ساعة وأحيانًا ساعة. موضوع حديثنا هو كجهازٍ بدون بطاريّة، قوّته المحركة هي من الكهرباء فقط وفقط، فإذا ذهبت الكهرباء توقّف الجهاز عن العمل ولا يوجد فيه مخزون، وإذا عادت الكهرباء مرّة أخرى، عاد للعمل. اسحب سلك الكهرباء واحرِم نفسك من فيض منبع النور، يتوقّف المحرّك ويصبح القلب قلبًا قد توقّف عن العمل بسبب الجُرم. عندما نتوجّه إلى غير منبع النور، نكون غافلين عن الله، نكون في الواقع قد فصلنا القابس عن الكهرباء. عندما يريد أحدٌ أن يفرّق بين اثنين أو ينمّ... فليعلم أنّه في هذه الحال قد فصل السلك عن الكهرباء ولم يعد متّصلًا بمحطة التوليد.

  • "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن": ما أثر المعصية على الإيمان؟

  • سأل رجل الإمام الصادق عليه السلام: ما معنى كلام رسول الله صلّى الله عليه وآله: «لَا یزْنِی الزَّانِی حِینَ یزْنِی وَ هُوَ مُؤْمِنٌ»؟ فقال الإمام الصادق عليه السلام: معناه أنّ الإيمان مانعٌ من الذنب. لا معنى لأن نقول إنّ فلانًا مؤمنٌ وهو في الوقت نفسه مذنب! طبعًا لدينا نوعان من الإيمان: 

  • الإيمانُ العِلميّ: التصديقُ بالواجباتِ والمُحرّمات، الإيمان والتصديق بالواجبات والمحظورات الفكريّة والعقدية؛ فمثلًا، كلّنا نعلم أنّ الكذب، والزنا، والقمار، وشرب الخمر، والموسيقى، وأكل مال الناس، والحكم بغير حقٍ وغيرها حرام، وكذلك هناك أعمالٌ فعلها واجب؛ كالصلاة وغيرها من الواجبات، أو مستحبّ، كالإحسان إلى الآخرين، فهذه أحكامٌ وجوبيّةٌ واستحبابيّة.

  • الإيمانُ العمليّ: الاستقامةُ على المُعتَقَد والثبات والاستقامة على الإيمان والمعتقدات. فالعلم بحقيقةٍ ما أمر، والاستقرار والالتزام بذلك الاعتقاد أمرٌ آخر. أنت تعلم مثلًا أنّ شخصًا ما فقيرٌ وليس لديه خبزٌ وطعامٌ في الليل وزوجته وأطفاله جائعون، ويجب مساعدته من باب الإنفاق والإيثار، والمساعدة هنا مستحبّةٌ على الأقل، بل هي في حدّ الوجوب إن لم تكن واجبة. فالإنسان يعلم هذا، ولكنّه لا يُظهر ردّ فعلٍ في مقام العمل، ويقول: أنا متعب، غدًا أفعل ذلك! هنا يوجد الإيمان لإدراك كليّات المسألة، ولكن هل نفسنا مستقرةٌ أيضًا بناءً على تلك المعلومات والمعتقدات والمرتكزات، وقد بنت أساسها على العمل بتلك المدركات؟ معنى ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ﴾۱هو هذا.

    1. سورة النساء (٤) الآية ۱٥٢

حقيقة الظلّ في اصطلاح أهل المعرفة - تجلّي الحقّ في مرآة الخلق

6
  • كيفَ يغيبُ الإيمانُ العمليّ لحظةَ ارتكابِ الذنب؟

  • الإمام عليه السلام يقول: من يرتكب ذنبًا، فإنه في تلك اللحظة لا يكون لديه إيمان. فلو سُئل في تلك اللحظة: هذا الكلام الذي تقوله وهذه الغيبة التي تغتابها، حرامٌ أم لا؟ إذا عاد إلى رشده فجأة، يقول نعم حرام! فيُقال له: لماذا ترتكب هذا الفعل؟ لو كان في نفسه شخصان يتحدّثان، أحدهما يقول والآخر يجيب؛ أحدهما يسأل: ماذا تقول؟ والآخر يجيب: لا مشكلة، هو فعل بنا كذا وكذا، وإذا لم أقل هذا للناس، لن يهدأ قلبي. أقوله حتى يرتاح بالي! لو قال: وما النتيجة والفائدة المترتبة على ذلك؟ لنفترض أنك قلت كلامًا وبرّدْتَ غليلك بأن شوّهتَ سمعة صديقٍ أو إنسان ما لدى صديقٍ آخر؟! فأيّ نفعٍ يعود عليك؟! هنا يبقى بلا جواب ويقول: لا شأن لي بهذا الكلام، لقد شوّه سمعتي، وأنا أيضًا أشوّه سمعته حتى لا يفعل مثل هذه الأمور مرّة أخرى ويعرف مع من يتعامل! هنا نرى أنّ الإيمان العمليّ بالمدركات والمعتقدات ليس ثابتًا ولا راسخًا.

  • حقيقةُ الموتِ وحبُّ الدنيا: هلْ نتعلّمُ الدرس؟

  • كلنا نقرّ بأنّ الموت حقيقةٌ واقعةٌ للجميع، كان وما زال. نحن لا نستطيع أن نصل إلى مقام النبيّ صلّى الله عليه وآله، حتّى النبيّ لا يستطيع الفرار من الموت ولم يستطع. طبعًا، هؤلاء كانوا هم أنفسهم يبحثون عن الموت ويستقبلونه... 

  • مرگ اگر مرد است گو نزد من آی***...۱
  • يقول: إن كان الموتُ رجلًا فليأتِ إليّ *** ...

  • الخضر عليه السلام الذي وجد ماء الحياة وأدرك سرّ الحياة وهو حيٌ إلى الآن وإلى قيام الإمام المهدي وسيكون في ركابه وسيساعده، هل استطاع الفرار من الموت؟ في النهاية لا يستطيع. كم سنةً عاش؟ ألف سنة؟ لو أضفنا ألفًا أخرى، تصبح ألفي سنة. أخيرًا، عندما تصل لحظة الموت، يُقال له: حان وقت الرحيل! تفضل!

  • قصّةُ آدم عليه السلام: كيفَ حالتِ الدنيا دونَ تذكُّرِ الآخرة؟

  • آدم عليه السلام، جدّنا، عندما أكل القمح بإغواء الشيطان، قيل له: بما أنّك أكلت القمح ولم تستمع لكلامنا، فاخرج من الجنة وانظر ماذا يجري في الدنيا! بمجرّد أن جاء، واجه النزاعات والاختلافات... هابيل وقابيل تشاجرا وقتل قابيل هابيل. جاء آدم إلى هذا العالم ليقضي فترةً من الزمن، شهر عسل وما شابه، وليربّي أطفالًا وأسرة، لم تكن هناك مشكلةٌ عندما كان الأطفال صغارًا، ولكن بمجرّد أن كبروا، قال أحدهم: أريد هذا، وقال الثاني: أريد ذاك. ليتهما بقيا طفلين ولم يسبّبا مشاكل للأب والأم! آدم عليه السلام، جدّنا المسكين، ابتُلي هو أيضًا بهذه الأمور. فبمجرّد أن أراد تزويجهما، بدأت المشاكل، قال: ماذا أفعل! أضربه وأقضي عليه، وفي النهاية حدث ما حدث، فضرب أخاه وقتله، الأخ قتل أخاه...

    1. مولانا جلال الدين الرومي، ديوان شمس التبرزي، غزل ۱٣٢٦: 
      مرگ اگر مرد است گو نزد من آی***تا درآغوشش بگیرم تنگ تنگ

حقيقة الظلّ في اصطلاح أهل المعرفة - تجلّي الحقّ في مرآة الخلق

7
  • مَقولةُ هارون الرشيد عن المُلكِ ("الملكُ عقيم")

  • يقول هارون الرشيد لابنه: لو نازعتني أنت أيضًا في الملك، لنزعت الذي فيه عينيك. لا أحد يستطيع المزاح مع ملكي. الملك عقيم؛ أي لا يقبل التوريث. "الملك عقيم" يعني أنّ السلطة لا تُنجب طفلًا ليأتي آخر مكانه. عندما أُسقط من الملك، فكأنّ الأمر قد انتهى تمامًا، لا يوجد شيءٌ مكانه ليعطوني إياه. طالما أنا على هذا العرش، فأنا السلطان، آمر وأنهى. ولكن عندما يُسقطونني من هذا الملك ـ سواء أسقطني غريبٌ أو طفلٌ فلا فرق، كلاهما واحد ـ فإنّ الملك أفضَل من الطفل، أقطع رأس ابني ولا أفقد السلطنة! يقولها بصراحةٍ تامة، قال بوضوح ما في قلبه ليعرفوا حسابهم، خلاصة القول ليعلم الأبناء والكبار.

  • قصّة آدم وداوود عليهما السلام: كيفَ أنست الدنيا آدمَ هبته لداوود من عمره؟

  • آدم عليه السلام بكى وتضرع في البداية، فقبل الله توبته وقال له: بما أنك أتيت إلى الأرض، يجب أن تتحمل مشاق هذه الدنيا أيضًا. فبقي فترةً وحلت له هذه الدنيا. رأى أنها ليست سيئةً إن لم تكن فيها متاعب. الليالي جميلةٌ بشكل، والأيام بشكلٍ آخر. فترات ما بعد الظهيرة جميلةٌ بشكل! ليست كل أمور الدنيا سيّئة! إن كان فيها مشقّةٌ ومتاعب، ففيها لذّةٌ أيضًا. بقي مدّةً حتى جاءه أخيرًا جناب ملك الموت وأراه رسالة انتهاء عمره وعمر الآخرين، وأنّ الله قد كتب لك ولحواء ولأبنائك كذا سنة من العمر. كان آدم ينظر إلى الرسالة، وإذا بعينه تقع على داود عليه السلام ويرى أنّ عمر داود مكتوبٌ اثنتين وثلاثين أو أربعًا وثلاثين سنة! فحزن. أعمال الله عجيبة، لا تناسب بني آدم أبدًا! يعطي لواحدٍ مثل لقمان عليه السلام ألفي سنة من العمر، ولآخر مثل نوح عليه السلام استمرت رسالته فقط ثمانمئة وخمسين سنة! ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا﴾۱. كم كان عمره قبل ذلك، لا نجده في الآيات، ورأيت في بعض الروايات أنّ عمر نوح عليه السلام كان أكثر من ألف سنة. قضى منها ثمانمئة وخمسين سنة فقط في النبوة والرسالة. في هذه الأيام، يُنكرون هذه الأقوال ويقولون: هل هذا ممكن؟ مهارتهم هي أن يقولوا: هل هذا ممكن؟!. وواحدٌ مثل داوود عليه السلام بكلّ ذلك المقام، اثنتان وثلاثون أو أربع وثلاثون سنة. قال: يا إلهي! كيف قسمت؟ هل أجريت جدول ضرب؟! ابني ذاك نوح يعيش ألف سنة ونيّفًا، وداوود أربعًا وثلاثين سنة. أين العدل في هذا؟! فقال الله: لا مشكلة، إن كان قلبك يحترق عليه كثيرًا، فعمرك الذي زدناه نحن، أضف منه بضع سنوات، ونحن نقبل. قال: قبلت. لم يهن عليه أن يضيف أكثر من عشر أو عشرين سنة، فأضافها إلى عمر داوود عليه السلام. وعندما حان وقته، جاء عزرائيل وقال: تفضّل! قال آدم عليه السلام: إلى أين؟ لم يحن الوقت. قال عزرائيل: كيف؟ قال آدم: كان عمري كذا. قال: لقد وهبت عشرين سنة وصرفتها، وضعتها في الحساب البنكي لابنك! قال: لا، لا أقبل كان قد نسي، حلت له الدنيا، ذاك الذي كان يبكي وينوح عندما جاء من ذاك العالم حتى تُقبل توبته، الآن لا يريد أن يرحل عن هذه الدنيا. عجيبٌ حقًا! على كلّ حال كانوا أنبياء، ربما كانوا يرون وجودهم في هذه الدنيا سببًا لارتقاء مقامهم، فهذه الأمور موجودةٌ أيضًا! وطبعًا نحن نمزح قليلًا. على أيّ حال، كانت الدنيا قد حلت لهم، لو كانوا الآن مكاننا، لربّما قالوا: يا إلهي أنهِ القضيّة أسرع، في ذلك الزمان لم تكن هذه الصراعات وهذه القضايا. عاد ملك الموت إلى الله وقال: لقد نسي، إمّا أن تُعيد له ذاكرته أو تعفيني من أمره! قال الله: لا بأس، لن ينقص ذلك من رحمتنا شيئًا، نزيد عمر داوود ولا نعتبر ما نسيه. أعطه عشرين سنة أخرى! ولكن بعد عشرين سنة لا مفرّ، بعد عشرين سنة عندما جاء عزرائيل، قال: لم تهب لأحدٍ آخر؟ قال: لا، يبدو أنه يجب أن نرحل الآن.

    1. سورة العنكبوت (٢٩) الآية ۱٤

حقيقة الظلّ في اصطلاح أهل المعرفة - تجلّي الحقّ في مرآة الخلق

8
  • كمالُ الأولياءِ: مرآةٌ صافيةٌ بلا استقلال

  • هذا الانعكاس، كلّما كان له استقلالٌ ذاتيّ، كان ذلك الظلّ باهتًا أكثر وكانت آثار الظهور فيه أخفّ، لذا يُقاس الأفراد بهذا الأمر. فالنبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله كان مظهرًا لتجلّي هذا الاسم الأعظم، وكذلك الأئمّة عليهم السلام، وأولياء الله الذين بلغوا مقام التجرّد الذاتيّ والإطلاقيّ ولم يتركوا حدًّا من مراتب التجرّد إلا وتجاوزوه، هؤلاء وصلوا إلى مرتبةٍ أصبح فيها وجود مرآتهم صفرًا في الاستقلال. والصفر ليس عددًا، لا هو قليلٌ ولا كثير، العدد ناقص صفر يساوي العدد نفسه، والعدد زائد صفر يساوي العدد نفسه. فالصفر ليس عددًا وهو حدٌ فاصلٌ بين حدّين، حدٌ فاصلٌ بين قيدين، مرتبتين من القيود؛ إحداهما مرتبة قيد الكثرة الكدرة، والأخرى الكثرة النوريّة. فبالنسبة لما فوقه، يحكي عن الكثرة النورية، وبالنسبة لما دونه، يحكي عن الكثرة الكدرة والظلمانيّة، ولكن في الصفر يوجد تعادلٌ وتساوٍ في هذا المجال.

  • شهادةُ الجوارحِ وخلودُ الأعمالِ: هلْ تزولُ الأحداثُ بانقضاءِ الزمان؟

  • ما هو موجودٌ في هذا العالم من وجهة نظر التوحيد، ومن تلك الحيثيّة الأولى، هو يُظهر الحقّ فقط، وهو ظلٌ بالنسبة لذي الظلّ، وانعكاسٌ النور بالنسبة إلى النور نفسه. لذا في يوم القيامة، يُظهرون كلّ ما هو كائن. ومهما حاولت أن تأخذ ذلك النور من تلك المرآة، فذلك غير ممكن. عندما لا يكون هناك مانعٌ بين النور والمرآة، وبين النور والزجاج، وبين النور والشيء العاكس، فإنّ النور عندما يسطع، يصطدم بالجدار ولا مجال للذهاب والإياب، إلا إذا وضعت يدك أمامه. في يوم القيامة لا يوجد هذا الأمر؛ ﴿يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾۱، ﴿...شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾٢. في يوم القيامة تأتي الآذان والأعين وأعضاء البدن وتشهد بكلّ ما فعلته في الدنيا. فما كان في هذه الدنيا هو أنّه كان هناك مانع من الشهادة، لا أنّها لم تكن تشهد في هذه الدنيا، بل كان هناك مانع، مانعٌ عن الرؤية. ذلك المانع هو كدورة النفس في ظلمات التعلّقات والأهواء النفسانيّة. ولو رُفع الحجاب، لرأيت الآن أنّ عينك وأذنك تشهدان، ليس يوم القيامة بداية جديدة للشهادة، ليس الأمر في يوم القيامة أنّ الله يأتي بشريطٍ ويدخله في الإنسان ويضغط على الزر ويشغّله! كلاّ! ليس شريطًا، ليس قرصًا، ليس جهازًا، بل هي نفس تجلّي الله في الظلال وفي وجودها كوجودٍ مؤبّدٍ ووجودٍ غير متناهٍ. ما يحدث في العالم، محالٌ أن يلبس لباس العدم. هذا المجلس الذي يُعقد الليلة، ليلة الخميس، في الساعة العاشرة، محالٌ أن يزول، هذا لن يزول بعد الآن. نحن نخرج من هذا المجلس وندخل الشارع ويذهب كلٌ منّا إلى منزله وينقضي المجلس، ولكنّه لا يزول. هناك فرقٌ بين «الانقضاء» و«العدم». أن تحدث حادثةٌ أو ظاهرةٌ في وقتٍ من الزمان ولا تكون في وقتٍ آخر، ولكن في تلك الحصّة من الزمان التي حصلت فيها الظاهرة هي لن تزول أبدًا. ماذا يعني الزوال؟ يعني أنّ هذه الظاهرة لم تعد موجودة أصلًا، لن يكون الأمر كذلك، بل هي باقيةٌ في مكانها.

    1. سورة النور (٢٤) الآية ٢٤
    2. سورة فصلت (٤۱) الآية ٢۰

حقيقة الظلّ في اصطلاح أهل المعرفة - تجلّي الحقّ في مرآة الخلق

9
  • مثالُ محطّاتِ القطارِ: كيفَ تبقى الأحداثُ ونحنُ نمرُّ بها؟

  • أنت ركبت القطار وذهبت من محطةٍ إلى أخرى، المحطة السابقة لم تنفجر، هي في مكانها، أنت مررت بتلك المحطة. عندما تتحرّك نحو مشهد، تأتي من محطة طهران إلى محطّة السيد عبد العظيم الحسني سلام الله عليه، ثمّ تذهب إلى ورامين وسمنان وجرمسار حتى النهاية. عندما تمرّ بهذه المحطّة، لا تعود ترى تلك المحطة السابقة، ليس لأنها غير موجودة، بل القطار التالي الذي يأتي يراها، وهو أيضًا مثلك عندما يمرّ بها لا يعود يراها. إذا ذهبت إلى مشهد ومررت بكل هذه المحطات وحفظتها واحدةً تلو الأخرى في ذهنك؛ أولًا جئنا إلى السيد عبد العظيم، ثم ورامين، ثم جرمسار وسمنان ودامغان وشاهرود وسبزوار ونيشابور، ثم زيارة وتقبيل أعتاب علي بن موسى الرضا عليهما السلام ـ قسم الله لنا ذلك ـ حفظت كلّ هذا في ذهنك ووصلت إلى مشهد. والآن وأنت في مشهد، هل تستطيع أن ترى نيشابور؟ لا، أنت في مشهد، لا علاقة لها بنيشابور. بعد أن تمكث فترةً في مشهد، تقول لنعد إلى مدينتنا ودراستنا وحياتنا، كم سنبقى عند الإمام الرضا، لقد زرنا. بقينا عشرة أيام، خمسة عشر يومًا، نوينا العودة. في الماضي كانت زيارة الرفقاء تستغرق أحيانًا أربعين يومًا. نحن أنفسنا كنا نذهب للزيارة مع المرحوم العلامة، كنا نبقى شهرًا أو أربعين يومًا، لم يكن أقلّ من ذلك ممكنًا، مرّة واحدة فقط ذهبنا وبقينا سبعة عشر يومًا. الآن نذهب لثلاثة أيام، فترتفع الأصوات من كلّ مكان، يا سيّد أين ذهبت؟ الآن عندما تذهب إلى هناك تقول نريد أن نعود. وفي العودة تشاهد عيانًا كلّ ما رأيته في الذهاب. المحطّات في أماكنها، وحياتكم الشريفة لم تتحرك محطة سمنان من مكانها مِيلمترًا واحدًا! لو قست المحطة بالمتر، لوجدت أنّ المسافة بين هذا الطرف وذاك من المبنى هي ستة وخمسون مترًا وسبعة سنتيمترات وأربعة مليمترات! وهي نفسها الآن، لم تتحرّك. الأشجار هي الأشجار، المبنى والحجارة هي نفسها. لو التقطت صورًا أو فيلمًا لكلّ تلك المناظر أثناء الذهاب، ونظرت إلى تلك الأفلام والصور أثناء العودة، لرأيت أنها لم تتغيّر.

حقيقة الظلّ في اصطلاح أهل المعرفة - تجلّي الحقّ في مرآة الخلق

10
  • علمُ الأولياءِ وقدرتُهم: هلْ يستطيعونَ العودةَ بالزمنِ؟

  • إنّ كلّ ما يحدث في عالم الوجود هو مثل محطّات القطار، نحن نمرّ بها. الليلة الماضية لم يكن هناك مجلسٌ هنا، قبل الليلة الماضية كان هناك مجلس، هل يستطيع أحدٌ أن يستحضر ذلك المجلس؟ لا يستطيع. إذا أردت أن تصل إلى مجلس الليلة ما قبل الماضية وتطّلع عليه، أو لو أراد إنسان آخر لم يكن في هذا المجلس ذلك، فعليه أن يُعيد وجوده إلى الوجود الزماني الذي تحقق قبل ليلتين. وبما أنّ عالم وجود هذه الحوادث له حضورٌ ثبوتيٌّ في مكانه في السلسلة العليّة في عالم المثال وعالم البرزخ، والاستمرار فيها ليس استمرارًا زمانيًا، بل الاستمرار فيها استمرارٌ رُتبيّ، أي أنّ حادثةً تقع بعد حادثةٍ أخرى في عالم المثال ولكن ليس بشرط الزمان، لا يوجد فيه زمان، ترابط الحوادث هو على نحو الثبوت وليس على نحو التدرّج والحدوث التدريجيّ الزماني. من يعود إلى عالم المثال ويضع نفسه في ذلك المقطع الخاصّ لتلك الحادثة، يقع في تلك الحادثة. أولياء الله والأئمّة عليهم السلام والأعاظم الذين وصلوا إلى مقام الولاية على الملكوت، لديهم القدرة على تحويل وتغيير وجودهم والسيطرة والهيمنة على الحوادث والظواهر. ما إن يقولوا: ماذا كانت القضية الفلانيّة قبل عامين؟ ينظر نظرةً واحدةً، وبمجرّد أن ينظر ويفكر، يأخذ نفسه إلى سنتين قبل، سنة ۱٤٢٦ هـ.ق، في شهر رمضان، في الليلة الثانية والعشرين، في مثل هذه الليلة، يأخذ نفسه إلى سنتين قبل، يقول: هناك مجلس، أنا في ذلك المجلس، أشاهد السيّد فلان بجانب هذا العمود، والسيّد فلان بجانب ذاك العمود، والسيّد فلان متكئًا، والسيّد فلان يتحدّث مع جاره، وآخر قد غلبه النعاس وصوته مسموع، وذاك يضحك، وآخر يقول: كم طال حديث هذا السيّد، لماذا لا ينتهي!؟ يبدأ في شرح كلّ هذا، لا أنّه الآن بهذا الوضع وهذه الحالة وهذا الحضور الفعليّ يريد أن يُخبر، كلاّ! بل يأخذ نفسه إلى ذلك الوضع، يأخذ نفسه إلى ذلك المقطع. وبمقتضى قابليّة الجمع بين مقطعين أو بين مقاطع مختلفة، يستطيع وليّ الله أن تكون نفسه قويّةً لدرجة أن يشاهد في آنٍ واحدٍ عالم الملك والملكوت؛ أي منذ أن وقع تجلّي اسم الواحد في جميع الممكنات في عالم الوجود حتى الآن، أي في عالم المجرّدات وعالم الزمانيّات، في كليهما، يشاهد الآن جميع مراتب بروز وظهور الذات إلى الأبد. النبيّ صلّى الله عليه وآله والإمام المهدي عليه السلام يشاهدان الآن، لا أنّ الإمام يحتاج أن يفكّر ليلةً كاملةً حتّى الصباح ويقول أعطوني مهلةً قليلًا لأرى ماذا كانت تلك القضيّة التي حدثت قبل عشر سنوات في الغار الفلانيّ؟! لا! لا يحتاج لمهلة. الإمام لا يحتاج لمهلة وصبر، الإمام لا يقوم ويذهب إلى المنزل مثل هؤلاء الذين يمتلكون علم الأعداد ونحوه.

حقيقة الظلّ في اصطلاح أهل المعرفة - تجلّي الحقّ في مرآة الخلق

11
  • ذكرى عالمٍ زاهدٍ: المرحومُ السيد الغروي رحمه الله

  • رحم الله أستاذنا «المرحوم السيد الغروي»، كان له باعٌ في بعض هذه المسائل وكان يقول لي بعض الأمور، إذا سألناه عن شيء، كان يقول: أمهلوني يومين أو ثلاثة (لم يحدث أن طلبت منه شيئًا بخصوص هذه المسائل، هو نفسه كان يقول لي أحيانًا). كان من الذين لم يرغبوا في هذه الدنيا أن يلوّثوا أنفسهم بالتعلّقات، بالأهواء، بالجاه والمقام، بالتحزّبات، بالصفقات القذرة والدنيئة والمهينة، لم يرغبوا في تلويث أنفسهم، كان في جانبٍ مشغولاً بعمله، وبقدر ما تقتضيه سعة وجوده، أراد أن يكون سالمًا ويرحل سالمًا. كانت لنا ذكرياتٌ كثيرةٌ معه، وحقًّا أمثال هؤلاء قليلون، خاصّةً في هذا الزمان الذي أصبحوا فيه أقل.

  • آفاتُ الزمانِ: حينَ يتغلّبُ بريقُ الدنيا على نورِ المعرفةِ

  • أصبح الزمان زمانًا سيّئًا جاء بريق الدنيا وأخذ مكان المعنويات، جاءت المواقع الاجتماعيّة وأزاحت القيم جانبًا، أُلقي بالعدل والإنصاف جانبًا، خمدت الوجدانيّة وحبّ النوع والشعور بالعطف والإنسانية، سيطر حبّ المقام وحبّ الجاه على كل وجود الأفراد، أصبح الله والنبيّ والملائكة والدين والإمام لعبةً للأعمال والنوايا النفسانية ووسيلةً للصعود على سلّم المصالح. أصبح الأمر سيّئًا جدًّا، وكم يجب أن يكون شاكرًا ذلك العبد الذي يوفّقه الله تعالى لأن يتجاوز هذه الأمور وأن يشكر الله على إدراك الحقيقة وإدراك الواقع، حقًّا يجب شكر الله. أقول هذا الأمر جازمًا، رغم أنّي لست من العاملين به ومقصّر جدًّا في هذه المسألة، ولكن في ذلك الإيمان الأول الذي هو الاعتقاد والعلم بالحقائق، في ذلك الأمر أقول جازمًا وسأكون مسؤولًا عنه يوم القيامة، المدرسة التي قدّمها الأعاظم من أولياء الله وضحّوا في سبيلها وبيّنوا الحقيقة، تلك المدرسة هي التي يمكنها وحدها أن تأخذ بأيدينا، ولا خبر آخر، لا خبر، لا خبر. ما يمكن أن ينفعنا هنا وهناك هو هذه الأمور التي نُقلت عن الأعاظم. هي هذه التي قالوها وكتبوها في كتبهم وأوصوا بها، وما عدا ذلك فكلّه ﴿...كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا...﴾۱. كلّ هذه اعتباراتٌ وأهواء، ولكنّ الأهواء تختلف، صورتها تختلف، الدنيا هي الدنيا، صورتها تختلف، مسائلها تختلف.

    1. سورة النور (٢٤) الآية ٣٩.

حقيقة الظلّ في اصطلاح أهل المعرفة - تجلّي الحقّ في مرآة الخلق

12
  • مثالُ الطعامِ: هلْ يختلفُ حبُّ الدنيا بينَ الجاهلِ والمُتعلِّم؟

  • توجد على المائدة أنواعٌ من الأطعمة الملوّنة. ذلك الإنسان الأمّي عندما يأتي ويجلس ويميل إلى هذه الأطعمة، لا يعرف القاعدة، لا يفهم فيتامين A وB والحديد والفوسفور والكالسيوم، يقول: آكل هذا، إنّه لذيذ، وآكل من هذا، إنّه دسم. الجميع ينظرون إليه ويقولون: يا له من رجل! انتظر! انفجر! "آكل، آكل"! يا رجل اصبر قليلًا. يأتي رجلٌ آخر، يفعل الشيء نفسه، ولكنه يأتي بقاعدة. الآن تريد أن تأكل، كُلْ، ولكن لماذا وفق القاعدة؟ آكل ذلك لأنّه يحتوي على فيتامينA ؛ فيتامين A جيدٌ للعين والأعصاب، يقوّي الكبد. قل أريد أن آكل! ما شأن فيتامين A و B وفوق وتحت؟! عندما يأكل يرى أنّها يا لها من حلوى جيّدة! هذه الحلوى فيها زيت، والزيت يحتوي على فيتامینB؛ خاصةً إذا كان من زيتٍ حيواني، نشاؤها يفعل كذا، وقمحها يحتوي على فيتامينB، فيها كالسيوم وهي مفيدةٌ للأسنان وللعظام وهشاشة العظام. ويأكل صحن الحلوى بأكمله. ذاك الآخر ينظر إلى ذلك المرق، ما شاء الله! يا له من مرق كرفسٍ رائع! يقولون الكرفس يُنضّر البشرة، يطرد سموم الجسم، يقولون إنّ أولئك الذين يعانون من أمراض، يجب أن يشربوا كوبين أو ثلاثة من عصير الكرفس يوميًا. ويُسلّم صحنين من المرق إلى المعدة أيضًا! يأتي إلى الأرز و.... هذا أكل ثلاثة أضعاف ذاك المسكين، لا أحد يسخر منه ولا أحد يمازحه. الأمر هكذا، تغيرت الصورة. فيتامين A لا شيء، لو كان فيتامين "تبن" في هذه الأطعمة لأكلتَه! أنت لا تهتم بفيتاميناتها، أنت تريد أن تأكل حلواك، ولكنك تعطيها تلك الصورة الظاهريّة.

  • الدنيا هي الدنيا: كيفَ يتخفّى الهوى وراءَ المظاهرِ المختلفة؟

  • هل فهمت الآن ما هي الدنيا؟ الدنيا هي الدنيا، صورتها تتغيّر. شخصٌ يأتي إلى الدنيا بقبّعةٍ فيدورا وربطة عنقٍ وفراشة، وآخر يأتي بصورةٍ أخرى. كلاهما واحد. هو يأتي بمسائل أخرى وبكلامٍ آخر وبأمورٍ عصريّة وبأمورٍ براقة، ويأتي آخر أيضًا، يغيّر نوع الكلام، ولكن عندما ننظر إلى باطن القضيّة، نرى أنهما واحدٌ ولا فرق. أيّتها السحابة! أمطري حيث شئتِ فلن تخرجي عن سلطاني، وأيتها الشمس! أشرقي حيث شئتِ فلن تخرجي عن حكومتي. هذه هي الدنيا، عجيبةٌ هذه القضيّة! كيف تأتي النفس وتُحِلّ نفسها وتُحضر النوايا، والآن بما أنّ تلك النوايا يجب أن تتّخذ صورةً خارجيّةً في الخارج، تبدأ بالبحث عن مستندٍ ودليل، على كلّ حال يجب أن نفعل هذا، على كلّ حال يجب أن نعمل بهذه الطريقة، نبدأ بالنظر في الحكايات والمجلات حتّى نجد شيئًا، فنستخرجه.

حقيقة الظلّ في اصطلاح أهل المعرفة - تجلّي الحقّ في مرآة الخلق

13
  • تحريفُ الدِّينِ لأجلِ الدنيا: قصّةُ الدعوةِ لتحديدِ النسلِ نموذجًا

  • أتذكّر أنّه عندما ظهرت قضيّة تحديد النسل وخصي الرجال والنساء، وبدأوا بخصي الجميع وسدّ الأنابيب وهذه الأمور مجانًا، كيف أشفق علينا هؤلاء الأجانب الذين يقاتلوننا على فلسين من النفط ويريدون تمزيقنا، وأرسلوا إلينا المال أيضًا ليخصوا الناس مجانًا ويقطعوا نسلهم ويُبيدوا نسل المسلمين؟! كان يجب في ذلك الوقت أن تُقال المسألة للناس بطريقةٍ ما ليصدّق العوام ويتقبّلوا هذا المخطّط الشيطاني بقلوبهم وأرواحهم. فبدؤوا بالعمل، جاؤوا بودأ كلٌ منهم كان يتفوه بترّهات، وبعضهم كان يذهب هنا وهناك، أتذكر أنّ رجلاً بحث في كلّ هذه الكتب، ووجد شيئًا أنّ أمير المؤمنين عليه السلام يقول: «قلّة العيال أحد اليسارين»۱. قلّة العيال هي أحد الأمرين السهلين والهيّنين والحسنين للرجل. فأولًا، المقصود بقلة العيال ليس الزوجة والأولاد، بل الأفراد الذين هم تحت كفالة الإنسان، حتى الخدم والذين هم تلاميذ وخدم يُحسبون من العيال، لا يُطلق العيال على الأولاد، نعم الأولاد جزءٌ من العيال، وليسوا هم العيال فقط. ثانيًا، لقد قال الإمام عليه السلام شيئًا طبيعيًا، من كان قليل الآكلين على مائدته كانت مشاكله أقلّ، ولكن هل قلّة المشاكل أمر مستحسن؟ إن كان مستحسنًا، فلماذا كان موسى بن جعفر والإمام السجاد والإمام الحسين عليهم السلام وكثيرٌ من أولياء الله كثيري الأولاد؟! كلّ هذا التأكيد لدينا على التناكح والتناسل والتكاثر، كل هذا أُلقي جانبًا. كنت قد سمعت من أحدهم أنّه وفي تبريره لهذه الرواية، قال بقلّة أدبٍ شديدة: البعض يقول «تَنَاكَحُوا تَكَاثَرُوا...»٢ ولكن هل يريد النبيّ مدمن أفيون؟! هل علينا الافتخار بمدمن الأفيون والهيرويين؟! انظروا كيف هي السخرية من كلمات رسول الله صلّى الله عليه وآله وكلمات أمير المؤمنين عليه السلام؟ الله لا يطلب أن يُفتخر بمدمن الأفيون والهيرويين والمعتاد وهذه الأمور! الله يقول أنجب الطفل وربّه، وفيما يتعلق بسعادته اتّكل عليّ وتوجّه إليّ، وافعل ما بوسعك. يا من يقول هذا الكلام، هل أنت الذي لديك أطفالٌ قليلون، أطفالك هم فخر مجتمعنا أم أنهم مشغولون بأعمالٍ أخرى؟! أولئك الذين يقولون هذه الأقوال، هل أصبح أطفالهم جميعًا سلمان الفارسي وأبا ذر والمقداد وتمكّنوا من تربيتهم، أم أنّ الكثير منهم أصبحوا سببًا للعار والخجل في مجتمعنا؟ ما هذا؟ إنّها طرق الشيطان و...، تأتي نيّةٌ وفكرة، والآن لنذهب ونبحث عنها ونجد شيئًا ونلصقه ونجد طريقًا وركنًا! هذه تصبح مرآةً معوجّةً ومموّجة، مرآةً إذا سطع فيها النور لا تعكسه.

    1. بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ١٠١ - الصفحة ٧١
    2. بحار الأنوار ج۱۰۰ ص۲۲۰: «تَنَاكَحُوا تَكْثُرُوا فَإِنِّي أُبَاهِي بِكُمُ اَلْأُمَمَ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ وَ لَوْ بِالسِّقْطِ».

حقيقة الظلّ في اصطلاح أهل المعرفة - تجلّي الحقّ في مرآة الخلق

14
  • خاتمةٌ ودعاء

  • إن شاء الله، تتمّة الأمور للجلسة القادمة. كنّا نريد الليلة أن ندخل في بحثٍ آخر، لم يكن أيٌّ من هذه الكلمات التي قلتها في ذهني أصلًا، كنا نريد إنهاء المسألة في ليلةٍ أو ليلتين، ولكن يبدو أنّ القضيّة تحتاج إلى بعض الحديث والتوضيح، وما هو مقصود الإمام السجاد عليه السلام في حدود فكرنا، لم نصل إليه بعد. نأمل أن يحفظنا الله من شرور آخر الزمان وأن يفقّهنا في ديننا ويوفقنا للعمل به.

  •  

  • اللَهُمّ صلّ على محمدٍ وآل محمد