8

مرتبة الذنوب والطاعات في عالم المثال

شرح دعاء أبي حمز الثمالي - الجلسة الثامنة

39
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمدعاء أبي حمزة الثمالي

المجموعةسنة 1430

التاريخ 1430/09/15

جلسات المجموعة(8 جلسة)

التوضيح

ما هي مراتب عالم المثال؟ وفي أيّة مرتبة منها تتحقّق الذنوب والطاعات هل في المثال الأدنى أم الأعلى؟ وكيف يساعد ذلك في فهم كلام الإمام عليه السلام؟ وهل كانت لدى الإمام نوايا سيّئة بعد الفراغ عن عدم وجود أعمال خارجيّة سيّئة؟
تتمحور المحاضرة حول هذه الأسئلة وتقف عند السؤال الأخير، ولكنّها تتعرّض في الأثناء إلى أبحاث أخرى من قبيل:
تعامل الأئمّة عليهم السلام والأولياء رضوان الله عليهم على أساس الظاهر وعالم المثال الأدنى
تقيّة الأئمّة من المحيطين بهم من أمثال أبي حنيفة
علم الإمام عليه السلام

/۲۲
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

مرتبة الذنوب والطاعات في عالم المثال - شرح دعاء أبي حمز الثمالي - الجلسة الثامنة

1
  •  

  • هو العليم

  •  

  • مرتبة الذنوب والطاعات في عالم المثال

  •  

  • شرح دعاء أبي حمز الثمالي - سنة ۱٤٣۰هـ ق - الجلسة الثامنة

  •  

  • محاضرة القاها

  • آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدّس الله سره

  •  

  •  

مرتبة الذنوب والطاعات في عالم المثال - شرح دعاء أبي حمز الثمالي - الجلسة الثامنة

2
  •  

  •  

  • أعوذ باللَه من الشيطان الرجيم‌

  • بسم اللَه الرحمن الرحيم‌

  •  

  •  

  • «إذَا رَأَيتُ مَولاي ذُنُوبِي فَزِعتُ، وَ اذَا رأيتُ كرَمَك طَمِعتُ فَإن عَفَوتَ فَخَيرَ رَاحِمٍ وإن عَذّبتَ فَغَيرُ ظالِم».

  • عندما أنظر يا مولاي وسيّدي إلى ذنوبي وزلاّتي أُصاب بالفزع والوحشة والدهشة، وعندما أنظر إلى كرمك وجودك يسيطر عليّ الطمع بك والرغبة إليك، فإن عفوت فأنت أرحم الراحمين، وإذا عذّبتني فلن تكون ظالمًا.

  • عالم المثال مرتبة من مراتب الجانب الباطنيّ للأعمال 

  • تقدّم للرفقاء أنّ لكلّ عمل يقوم به الإنسان جانبان: جانب ظاهري وجانب باطنيّ، وطبعًا للباطن مراتب، فهناك مرتبة المثال الأسفل والصورة البرزخيّة، والمرتبة الثانية مرتبة المثال الأعلى والصورة الباطنيّة لذلك العمل. وربّما ذكرت للرفقاء فيما سبق أنّ لكلّ ما يحدث في هذا العالم صور برزخيّة وهذه الصور البرزخيّة لا تتغيّر وهي عين الوجود الخارجي المتحقّق في هذا العالم، سواء كان هذا الوجود الخارجيّ صالحًا حسنًا أم طالحًا سيّئًا، فالأمر لا يختلف في الحالين، وهذا الأمر يختلف عن أمر الكدورة والصورة الظلمانيّة أو الروحانيّة للأشياء. 

  • أمثلة لعالم المثال الأسفل

  • فنحن الآن جالسون هنا ولكلّ منّا خصوصيّات وجوديّة وشكل وشمائل تختلف عن خصوصيّات الآخرين، وهذا الاختلاف الحاصل هنا وهذا الوضع الذي لدينا هنا والذي هو واحد من الأعراض والمقولات العرضيّة العارضة على الجوهر، وهذا اللباس الذي نلبسه وهذا اللون لثيابنا وكيفيّة تصميمها وكيفيّة جلوسنا كلّ ذلك لا يرتبط بالجانب الظلمانيّ للنفس والجانب الروحانيّ لها، بل إنّ هذا الوضع الذي نحن فيه له صورة برزخيّة تسمّى بالمثال الأسفل أو المثال النازل والذي هو منفصل، وكلّ تغيير يحصل هنا يؤثّر هناك فيتغيّر ذلك المثال ويختلف. فالآن أنا أرفع يدي هكذا أمام فمي فما هو مثالي الآن؟ إنّه ما ترونه من كون يدي قد وصلت إلى هنا، ثمّ أضع يدي على ركبتي وأجلس متربّعًا بشكل منظّم، فيتغيّر مثالي إلى مثال آخر، أضحك لكم، فيتغيّر مثالي، أعبس ـ والعبوس ليس بالأمر الجيّد ـ فما الذي يتغيّر مع كلّ حركة تظهر؟ حتّى لو أنّي رفعت كمّي يتغيّر مثالي، وجميع الحركات والسكنات وإشارة العين والفم والخصوصيّة التي تحصل للإنسان، والعمليّة الجراحيّة التي يقوم بها الإنسان، والنقاهة التي تكون له في المستشفى بعد العمليّة الجراحيّة، كلّ ذلك موجود شعرة بشعرة وأدقّ من الشعرة في عالم المثال، وما نراه نحن في المكاشفات الصوريّة، الصوريّة المحضة، لا الصوريّة التي هي علميّة شيئًا ما فإنّها تختلف، فما نراه في المكاشفات أو في الرؤيا هو المثال، عين هذا المثال والبرزخ الموجود هنا. 

مرتبة الذنوب والطاعات في عالم المثال - شرح دعاء أبي حمز الثمالي - الجلسة الثامنة

3
  • تشابه واتّحاد المثال الأسفل بين المؤمنين وغيرهم

  • وهذا الأمر واحد لدى الجميع ولا يختلف من هذه الناحية؛ فسواء كان الإنسان مؤمنًا فهذا مثاله، ولو كان غير مؤمن فهذا مثاله، فمثالهما واحد لا يختلف، ولو كان وليّ الله فإنّ مثاله هو أنّه جالس، بأيّ عباءة كان وبأيّ ثوب، وسواء كانت أزراره على هيئة معيّنة أم لا، وسواء كانت حركاته وسكناته في حالة معيّنة أم لا، فكلّ ذلك هو المثال الأسفل لوليّ الله ذاك، والذي يراه الإنسان، أمّا ماذا في نفسه؟ فلا اطّلاع لدينا. وماذا يجري هناك؟ فلا علم لنا. 

  • تعامل الأئمّة عليهم السلام والأولياء مع الناس على أساس الظاهر

  • كان الناس يأتون إلى المرحوم العلاّمة في كلّ الأعمار ومن كلّ الطبقات وكان لكلّ منهم عند مراجعته له فهمه الخاصّ وحكمه، وكان هو يتعاطى مع الجميع بتلك الطريقة، فيجلس ويقوم، وكثير منهم لم تكن أحكامهم صحيحة غالبًا، وكلّ إنسان يحكم على أساس فهمه، له انطباعه الخاصّ، وقد كان المرحوم العلاّمة هكذا، وبصورة عامّة فإنّ أولياء الله هكذا لا يظهرون بواطنهم، فلا مجال لذلك. والذين كانوا يأتون إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وإلى الأئمّة كانوا هكذا بهذه الطريقة، وكان الأئمّة يتعاملون معهم على أساس الظاهر، فمن كانت له مرتبة يظهرون له تلك المرتبة ومن كان إنسانًا من العوامّ حيث كانوا يأتون إلى الإمام، كان الإمام يحدّثهم بطريقة بسيطة ويتعامل معهم ببساطة، وأحيانًا كان يأتي أناس يتّقي منهم الإمام، يتّقي منهم، ففي النهاية كان الإمام محاصرًا. 

  • تقيّة الأئمّة من بعض المحيطين بهم لأجل مراعاة الظاهر

  • ففي النهاية هذه الحكومة أيّة حكومة هي؟ الحكومة التي جاءت هي حكومة بني العبّاس التي ادّعت الإسلام وأنّنا نحن خلفاء رسول الله ونتحدّث عن الإسلام بالنيابة عن رسول الله، ولكنّ إمام الزمان في تلك المرحلة كان يتّقي تلك الحكومة، الإمام الصادق عليه السلام كان يتّقي، لم يكن يجرؤ، كان يتّقي من واحد كأبي حنيفة، إنّها لمصيبة عظيمة، فتارة تكون الحكومة من البداية حكومة نصارى فأمرها واضح، أو حكومة يهود فأمرها واضح، أو حكومة زردشتيّة بغير دين ملحدة ويكون القيّمون عليها ملحدين فالأمر واضح حيث يقف هؤلاء أمام الدين وأمام الإسلام، وأمام التوحيد، وأمام النور، ولكنّها حكومة بني العبّاس التي تدّعي خلافة رسول الله ومع ذلك يخاف منها أقرب الناس إلى رسول الله وإلا قتلوه، قتلوه مثل شربة الماء، فانظروا ماذا جرى لأئمّتنا هؤلاء؟! فقد كان أئمّتنا يتّقون ولم تكن لهم جرأة على الكلام.

مرتبة الذنوب والطاعات في عالم المثال - شرح دعاء أبي حمز الثمالي - الجلسة الثامنة

4
  • شدّة تقيّة الإمام الصادق عليه السلام من أبي حنيفة وخطأ عدّه من مفاخر الإسلام

  • لقد كان أبان بن تغلب من كبار الأصحاب فجاء برفقة ثلاثة رجال إلى الإمام الصادق عليه السلام في مجلس مع أصحابه، وفي هذه الأثناء سئل الإمامُ سؤالاً وفجأة دخل أبو حنيفة وكان يسكن في الكوفة وكان له مقام في حكومة المنصور الدوانيقي، فقد كان المنصور يستفيد من أبي حنيفة ويرفعه في مقابل الإمام الصادق عليه السلام [فغيّر الإمام مسار الحديث]. والقضايا التي تنقل عن أبي حنيفة إن شاء الله سأذكرها في الجزء الثالث من أسرار الملكوت۱، لقد ذكرتها هناك لمناسبة ما، وهؤلاء الذين يقولون في كتبهم إنّ أبا حنيفة من مفاخر الإسلام فليقرؤوا ذلك ولینظروا من هم مفاخر الإسلام هؤلاء فقد رأيناهم، لقد قالوا: إنّ أبا حنيفة من مفاخر الإسلام. شكرًا لكم، أفتعلمون من كان أبو حنيفة؟! جاؤوا إليه في الكوفة وکانوا قد أحضروا رجلاً على أنّه سارق ويريدون أن يقطعوا يده، فأرسل حاكم الكوفة رجلاً ليسأل أبا حنيفة أنّ العمل الذي قام به موجب لقطع يده أم لا؟ فنظر أبو حنيفة وفكّر وقال: نعم نعم لا بدّ من قطع يده، وقال للرجل المبعوث إليه: اذهب وقل لهم أن يقطعوا يده، لقد كان هذا سارقًا، لقد كان سارقًا. ولمّا خرج هذا الرجل قال الرجل الجالس عند أبي حنيفة وقد نسيت اسمه وأوردته في الجزء الثالث٢: هذا لا يستدعي قطع يده، ألم تسمع من النبيّ هذا الأمر، إنّه بريء فأرسل إليه بسرعة قبل أن يقطعوا يده، فقال: دعه فقطع يد ليست بالأمر المهمّ، دعهم يقطعون يده، فقد قلنا كلامًا ومن القبيح أن نتراجع٣

  • فانظروا قاضي قضاة المسلمين آه آه إلى أين وصل الأمر حيث يقول دعهم يقطعون يده! ففي النهاية قلنا كلامًا بأن يقطوا يده، فقطعوها، قطعوا أصابعه، يقول: لقد قلنا كلامًا فاتركهم، فماذا نقول الآن؟! فهذا الرجل بهذا الدين صار قاضي القضاة، فماذا يجري على الإسلام؟! فهذا واحد من أعمال أبي حنيفة. وإن شاء الله إذا خرج هذا الكتاب رأى الرفقاء كم هو موجود عجيب هذا الرجل، حقًّا يتعجّب الإنسان أيؤخذ الدين من هكذا رجل؟! كم نحن بعيدون حتّى صرنا نقول نعم لكلّ ما يقال لنا؟! كلّ ما يقال لنا. أمّا نحن فقد أغلقنا أعيننا كحمار الطاحونة الذي يغلقون عينيه من الصباح حتّى المساء وهو يدور حول الطاحونة، وكأنّنا أغلقنا أعيننا عن كلّ شيء فهذا يقول كذا، فنقول: نعم حاضرون حاضرون، لا وفّقك الله انظر ما حقيقة الأمر! افتح عينيك أنت، أكلّ ما يقوله علماء السنّة هؤلاء يؤخذ به؟! انظر! اقرأ أبا حنيفة واقرأ كتابه، اذهب وانظر إلى الناس وقيّمهم ولا ينبغي أن تقول: نعم نعم. لكلّ ما يقال. 

    1. انظر أسرار الملكوت ج٣ ص ٢٣ ـ ٥۸.
    2. أبا عوانة. 
    3.  أسرار الملكوت، ج‌٣، ص: ٣٣
      قال بشر بن السري: أتيت أبا عوانة فقلت له: بلغني أنّ عندك كتابًا لأبي حنيفة، أخرجْه، فقال: يا بنيّ ذكّرتني، فقام إلى صندوق له فاستخرج كتابًا، فقطعه قطعة قطعة فرمى به، فقلت: ما حملك على ما صنعت؟ قال: كنت عند أبي حنيفة جالسًا، فأتاه رسول بعجلة من قبل السلطان، كأنما قد حمّوا الحديد وأرادوا أن يقلّدوه الأمر. فقال: يقول الأمير: رجلٌ سرق [تمرًا][۱] فما ترى؟ فقال غيرَ متعتع: إن كانت قيمته عشرة دراهم، فاقطعوه. فذهب الرجل. فقلت: يا أبا حنيفة لا تتّقي الله؟! حدّثني يحيى بن سعيد عن محمّد بن يحيى بن حبّان عن رافع بن خديج أنّ رسول الله صلى الله عليه [وآله‌] وسلّم قال: «لا قطع في ثمر ولا كثر» [٢] أدرِك الرجل فإنّه يقطع. فقال غير متعتع: ذاك حكم قد مضى فانتهى.
      وقد قُطع الرجل، فهذا ما يكون له عندي كتاب.
      [۱] في بعض النسخ« وديًّا»، والوَدِيّ: ما يخرج من أصل النخل فيقطع من محلّه ويغرس في محلّ آخر.( م)
      [٢] الكَثَر: جمار النخل وهو شحمه الذي في وسط النخلة.(راجع: النهاية: ج ٤، ص ۱٥٢ مادّة كثر).( م)

مرتبة الذنوب والطاعات في عالم المثال - شرح دعاء أبي حمز الثمالي - الجلسة الثامنة

5
  • معنى حديث أمير المؤمنين: قصم ظهري اثنان

  • هؤلاء هم الذي قصموا ظهر الإسلام! إنّه مصداق كلام أمير المؤمنين عليه السلام: «قصم ظهري صنفان: عالم متهتّك عالم غير طاهر المولد»، والمعنى الواضح والبسيط والشفّاف للمتهتّك يعني أنّه غير طاهر المولد، ومعناه في اللغة أنّه الذي يتميّز بالجرأة والجسارة بلا حدّ ولا قيد، أمّا معناه العاميّ فهو أنّه غير طاهر المولد، يقول أمير المؤمنين عليه السلام: لقد قصم ظهري ذلك العالم غير طاهر المولد، والثاني: «جاهل متنسّك».۱ الجاهل عديم الفهم. 

  • فأحدهما: ذاك الذي يقول: اقطعوا يده، دعه يا عزيزي فقد قلت كلامًا ما، ويتعامل معه وكأنّه حمّص وزبيب، كأن يلقي به ثمّ يقول: دعه سيأتي الحمام ويأكله، ستأتي العصافير فتأكله، يقطعون يده وكأنّ شيئًا لم يكن. 

  • والثاني: هو الجاهل المتنسّك، الإنسان الجاهل عديم الفهم، فبعض الجاهلين يختلف حالهم فهناك في الناس كثير من الجاهلين بالحقائق، ولكن هناك جاهل يبحث عن الحقّ، يبحث عن المسألة، ينظر ماذا هناك لعلّه يدرك شيئًا، ولا يكتفي بكلام إنسان واحد، فأن يسمع إنسانًا يقول شيئًا لا يبالي بل يقول: دعنا نسمع الآخر ماذا يقول، دعنا نسمع الثالث ماذا يقول، الرابع ماذا يقول، العاشر ماذا يقول؟ فإذا وصل إلى ظنّ واطمئنان عمل به. 

  • الجاهل المتنسّك هو الذي إذا نظر إلى العمامة واللحية كما يقولون سلّم وانتهى أمره ولم يعد هناك ما يحتاج إلى تحقيق وبحث، ويكتفي بشعار وبإشاعة وبأجواء إعلاميّة فيقول: هذا هو الحقّ ومهما قلت له: اذهب وفكّر يقول: أنت طويل البال، هذا هو الحقّ، انتهى الأمر، يسلّم الدين والدنيا ولا يقبل بعد ذلك شيئًا آخر، ويسيطر على فكره.

  • يقول الإمام: لا يمكن أن نصنع شيئًا لهذا الصنف الثاني أيضًا، أمّا لو لم يكن هكذا، بل كان عالمًا ولم يكن عالمًا متهتّكًا، كان عالمًا لديه ذرّة من الغيرة الدينيّة وذرّة من التقوى، فذلك العالم هو الذي ينفع والذي يتّبع، ذرّة من الغيرة الدينيّة لا أكثر، فتلك الذرّة تكفي، تكفي تلك الذرّة لكي يرتجف بدنه مدّة شهر كامل إذا ما رأى أمرًا ما، ذرّة من الإيمان وذرّة من التقوى تكفي، ولا تتكلّموا عن المراتب الأعلى من التقوى، فأساسًا لا صلة لها بهذا الموضوع. 

    1.  عوالي اللئالي العزيزية، ج‌٤، ص: ۷۷‌: رُوِيَ عَنِ الصَّادِقِ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ: «قَطَعَ ظَهْرِي اثْنَانِ عَالِمٌ مُتَهَتِّكٌ وَ جَاهِلٌ مُتَنَسِّكٌ هَذَا يَصُدُّ النَّاسَ عَنْ عِلْمِهِ بِتَهَتُّكِهِ وَ هَذَا يَصُدُّ النَّاسَ عَنْ نُسُكِهِ بِجَهْلِهِ‌»
      وفي منية المريد ج۱، ص۱۸۱: قَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : «قَصَمَ ظَهْرِي عَالِمٌ مُتَهَتِّكٌ وَ جَاهِلٌ مُتَنَسِّكٌ فَالْجَاهِلُ يَغُشُّ اَلنَّاسَ بِتَنَسُّكِهِ وَ اَلْعَالِمُ يُنَفِّرُهُمْ بِتَهَتُّكِهِ».

مرتبة الذنوب والطاعات في عالم المثال - شرح دعاء أبي حمز الثمالي - الجلسة الثامنة

6
  • الثاني هو عبارة عن ذلك العاميّ ولكنّه عاميّ باحث عن الحقّ، وعلى حدّ قول سعدي الشيرازي:

  • آن کس که نداند و بداند که نداند***لنگان خرک خویش به مقصد برساند
  • يقول: من كان لا يدري ويعلم أنّه لا يدري فإنّه يبلغ بحماره إلى الهدف ولو كان أعرج. 

  • يعلم أنّه لا يعلم، فيسأل هنا وهناك، وإذا رأى واحدًا سأله، يسأل ولا يقول: لقد سمعت كذا وانتهى الأمر، بل يسأل الثاني ويسأل الثالث، ويقول: أسلك طريقًا آخر وأحقّق فيه، ربّما كان هذا الذي أخبرني يخدعني ويكذب عليّ، فلأسأل رجلاً ثانيًا وثالثًا وخامسًا وأحقّق في الأمر، فإذا ما حصل على تلك المصادر التي لا بدّ أن يحصل عليها، وحصل له اطمئنان سار في الطريق الذي اتّضح له وعمل بما علم. 

  • بينما كان الإمام الصادق يتكلّم جاء أبو حنيفة فبدّل الإمام مجرى حديثه، لقد جاء، فلا يمكن للإمام أن يتابع كلامه، لا يمكنه، ماذا يجري؟ يفسد الأمر على الإمام ويسبّب له مشكلة، فالذي يقول: لا بأس اقطعوا يده فقد قلت كلامًا ما لا بأس، لو سمع من الإمام شيئًا فإنّه يضيف عليه ألف كلمة ويرسله إلى المنصور الدوانيقي ويقول له: تفضّل. ولم يكن في ذلك الزمان مكبّر صوت ومسجّل وأمثال هذه الأجهزة، ولو كانت موجودة لقال له: تعال واستمع بنفسك، استمع وانظر هذا رئيس الشيعة ورئيس الروافض ماذا يقول وماذا يتكلّم. دخل أبو حنيفة المجلس فبدأ الإمام بالقول: ماذا يقول الناس عنّا؟! ألدينا علم الغيب؟! لقد كنت أبحث عن جاريتي فاختبأت ومهما بحثت عنها لم أجدها.۱ 

  • نظرة في علم الإمام عليه السلام

  • فالإمام لم يكن يكذب، الإمام كان يقول الحقّ ولا يكذب بهذا الكلام، وقد بيّنت هذا الأمر في كتاب أفق الوحي في الفصل المختصّ بالعلم، وهناك ثلاثة أبحاث في مقدّمته، أحدها بحث التوحيد الأفعالي٢، والآخر بحث العلم٣ والثالث بحث الوحي٤، فقد أوضحت هذه الأبحاث الثلاثة هناك، وتعرّضت بعد ذلك لما يترتّب عليها، فليراجع الرفقاء ذلك الموضع٥ حيث أوضحت كيف أنّ الإمام عليه السلام لديه اطّلاع على الحقائق ومع ذلك فإنّه في بعض الأحيان لا يريد أن يطّلع عليها رعاية لبعض الأمور.

    1. روى محمّد بن يعقوب الكلينيّ بإسناده عن محمّد بن سليمان، عن أبيه، عن سدير أنّه قال: كُنْتُ أنَا وَ أبُو بَصيرٍ وَ يحيى الْبَزّازُ وَ دَاوُدُ بْنُ كُثَيْرٍ في مَجْلِسِ أبي عَبْدِ الله عَلَيهِ السَّلَامُ إذْ خَرَجَ عَلَيْنَا وَ هُوَ مُغْضِبٌ، فَلَمّا أخَذَ مَجْلِسَهُ‌ قَالَ: «يَا عَجَبَاً لأقْوَامٍ يَزْعَمُونَ أنّا نَعْلَمُ الْغَيْبَ، لَا يَعْلَمُ الْغَيْب‌ إلّا اللهُ عزّ وَ جَلَّ. لَقَدْ هَمَمْتُ بِضَربِ جَارِيَتي فَهَرَبَتْ مِنِّي، فَمَا عَلِمْتُ في أيّ بُيُوتِ الدَّارِ هِيَ. قَالَ سديرٌ، فَلَمّا أنْ قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ وَ صَارَ في مَنْزِلِهِ، دَخَلْتُ أنَا وَ أبُو بَصِيرٌ وَ مُيَسِّرٌ وَ قُلْنَا: جَعَلَنَا اللهُ فِدَاكَ، سَمِعْنَا وَ أنْتَ تَقُولُ كَذَا وَ كَذَا في أمْرِ جَاريَتِكَ وَ نَحْنُ نَعْلَمُ أنّكَ تَعْلَمُ عِلْماً كَثِيراً وَ لَا نَنْسِبُكَ إلى عِلْمِ الْغَيْبِ! قَالَ: فَقَالَ: يَا سَدِيرُ أ مَا تَقْرَا الْقُرآنَ؟ قُلْتُ: بلى. قَالَ: فَهَلْ وَجَدْتَ فِيمَا قَرَأتَ مِنْ كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَ جَلَّ: قَالَ الذي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ‌[۱] أنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أن يَّرْتَدّ إلَيْكَ طَرْفُكَ؟ قَالَ: قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ قَدْ قَرَأتُهُ. قَالَ: فَهَلْ عَرَفْتَ الرَّجُلَ وَ هَلْ عَلِمْتَ مَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ عِلْمِ الْكِتَابِ؟ قَالَ: قُلْتُ: أخْبِرنِي بِهِ. قَالَ: قَدْرُ قَطرَةٍ مِنْ مَاءٍ الْبَحْرِ الأخْضَرِ، فَمَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ عِلْمِ الْكِتَابِ؟ قَالَ: قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ: مَا أقَلَّ هَذَا! فَقَالَ: يَا سَديرُ، مَا أكْثَرَ هَذَا أنْ يَنْسِبَهُ اللهُ عزَّ وَ جلَّ إلى الْعِلْمِ الذي اخْبِرُكَ بِهِ. يَا سَديرُ، فَهَلْ وَجَدْتَ مَا قَرَأتَ في كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَ جَلَّ أيضاً: قُلْ كَفى‌ بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ‌؟ قَالَ: قُلْتُ: قَرَأتُهُ جُعِلْتُ فِدَاكَ. قَالَ: فَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ كُلِّهِ أفْهَمُ أمْ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ بَعْضِهِ؟ قُلْتُ: لَا، بَلْ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ كُلِّهِ‌[٢]. قَالَ: فَأوْمَى‌ بِيَدِهِ إلى صَدْرِهِ وَ قَالَ: عِلْمُ الْكِتَابِ وَ اللهِ كُلِّهِ عِنْدَنَا، عِلْمُ الْكِتَابِ وَ اللهِ كُلِّهِ عِنْدَنَا».
      وَ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ أيْضاً الصَّفَّارُ في «بصائر الدرجات» بِتَغْييرٍ يَسيرٍ بِزِيَادَةٍ وَ نُقْصَانٍ
      و روى الصفّار هذا الحديث في «بصائر الدرجات» باختلاف يسير في اللفظ، و ذكره القندوزيّ الحنفيّ مختصراً
    2. افق وحي (بالفارسية) ص ٤٣. 
    3. المصدر السابق، ص ٩٩. 
    4. راجع أفق وحي (بالفارسية) ص 
    5. المصدر السابق، ص ۱٦۷ ـ ۱۷۱. 

مرتبة الذنوب والطاعات في عالم المثال - شرح دعاء أبي حمز الثمالي - الجلسة الثامنة

7
  • فالإمام عندما يقول لقد بحثت فلم أجدها لم يكذب، بل لأنّ الإمام يعلم أنّ هناك واحدًا كأبي حنيفة سيأتي بعد نصف ساعة، فإنّه عندما ذهبت تلك الجارية لم يتوجّه بذهنه ليعلم مكان ذهابها، وقد ذهبت إلى مكان آخر سوى الذي بحث فيه الإمام، لأنّه بعد نصف ساعة سيستفيد من هذه الحادثة، فذاك الذي سيأتي لا بدّ أن يهيّئ له شيئًا ما يفيده، لا بدّ أن يقدّمه له، فقال الإمام: ماذا يقول الناس عنّا؟ وأنّ لدينا علم الغيب؟! أنحن لدينا علم الغيب؟! وهناك كثيرون الآن يتمسّكون في إنكار علم الإمام للغيب بهذه الرواية وإن كان خطأ ـ كلاّ ليس الأمر هكذا ماذا يقول هؤلاء؟! لقد بحثت عنها فلم أجدها. ثمّ جلس أبو حنيفة: كيف أحوالكم؟ ما الأخبار؟ ماذا هناك؟ 

  • طلب الإمام من أبان أن يسأل أبا حنيفة عن تفسير المنام

  • ثمّ تحدث نظائر ذلك للإمام أيضًا، حتّى إنّه في مجلس آخر يكون محمّد بن مسلم قد رأى رؤيا فجاء إلى الإمام ليفسّرها له، وكان أبو حنيفة جالسًا، فقال الإمام: ما دام أبو حنيفة هنا فكيف تطلب منّي أن أفسّر لك؟! اعرضها عليه ليفسّرها لك، عجيب كيف يعامله الإمام. إلى أن بيّن له الإمام معنى رؤياه، وقال هذا هو تأويلها لا ما قاله أبو حنيفة۱. فقد كان الزمان بحيث إنّ زعيم مدرسة التشيّع وزعيم مدرسة الحقّ لم يكن بإمكانه أن يتكلّم الكلام الحقّ في ذلك الزمان، وإلا أخذوه وألقوه في السجن وقتلوه. من؟ أولئك الخلفاء الذين كانوا يحكمون الناس باسم الإسلام، لا باسم اليهوديّة ولا باسم النصرانيّة، ولا باسم المجوسيّة والزردشتيّة والإلحاد والعلمانيّة والشيوعيّة وأمثال ذلك، بل باسم الإسلام وباسم خلافة النبيّ، وبالانتساب إلى رسول الله، فقد كان بنو العبّاس ينتسبون إلى هاشم، إلى ذلك الأصل، فقد كانوا ينتسبون إليه من طريقين، ولذلك كانوا إذا ما التقوا بالأئمّة قالوا: يا أبناء العمّ، وذلك لأجل هذا النسب، فهذه المصيبة هي مصيبة زمان الأئمّة. 

  • فلمّا خلا المجلس وخرج أبو حنيفة وخرج الجالسون، رجع أصحاب أبان بن تغلب الثلاثة إلى الإمام وقالوا يا ابن رسول الله ما هذا الكلام الذي سمعناه منك؟! ما سمعناه حتّى الآن هو أنّ عندكم علم الأوّل والآخر ولا يخفى عليكم شيء في الأرض ولا في السماء، فما هذا الكلام الذي قلتموه حول الجارية واختبائها في الخزانة وعدم العثور عليها؟ فقال الإمام: ألم تروا أبا حنيفة كان جالسًا هنا؟ 

    1.  أسرار الملكوت، ج‌٣، ص: ٢٥: دخل محمّد بن مسلم - وهو من كبار أصحاب الإمام الصادق عليه السلام- ذات يومٍ على الإمام عليه السلام فوجد أبا حنيفة إلى جانبه، فتوجّه محمّد إلى الإمام وقال له: جعلت فداك رأيتُ رؤيا عجيبة، فقال الإمام: «يا ابن مسلم هاتها فإنّ العالِم بها جالس‌. وأومأ بيده إلى أبي حنيفة، فقصّ عليه رؤياه فقال:
      رأيت كأنّي دخلت داري وإذا أهلي قد خرجت عليّ فكسرت جوزًا كثيرًا ونثرته عليّ، فتعجّبتُ من هذه الرؤيا. 
      فقال أبو حنيفة: أنت رجل تخاصِم وتجادِل لئامًا في مواريث أهلك، فبعد نصَبٍ شديد تنال حاجتك منها إن شاء الله، فقال أبو عبد الله عليه السلام: أصبت والله يا أبا حنيفة، قال: ثمّ خرج أبو حنيفة من عنده، فقلت: جعلت فداك إنّي كرهت تعبير هذا الناصب [المعادي للولاية]، فقال: يا ابن مسلم لا يسؤك الله، فما يواطي تعبيرهم تعبيرنا ولا تعبيرنا تعبيرهم، وليس التعبير كما عبّر»
      قال: فقلت له: جُعِلت فداك، فقولك: «أصبت» وتحلف عليه وهو مخطئ؟ قال: نعم حلفت عليه أنّه أصاب الخطأ. ثمّ بيّن له الإمام التعبير الصحيح لرؤيا*
      *راجع: الكافي، ج ۸، ص ٢٩٢.

مرتبة الذنوب والطاعات في عالم المثال - شرح دعاء أبي حمز الثمالي - الجلسة الثامنة

8
  • فقالوا: نحن أحسسنا بذلك. 

  • فقال الإمام: ألم تقرأوا هذه الآية: {إِنَّا نَحْنُ نُحْي الْمَوْتى‌ وَ نَكتُبُ ما قَدَّمُوا وَ آثارَهُمْ وَ كلَّ شَي‌ءٍ أَحْصَيناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ}‌۱ فجميع الأشياء وجميع حقائق الأشياء في عالم الوجود موجودة في إمام مبين، إمام يبيّن، إمام يبيّن الحقائق، لا إمام فمه مغلق ولا أحد يعلم عنه شيئًا، كلاّ بل هو إمام يجلس ويبيّن لك من أوّل الخلقة، ومن أوّل زمان مقام إرادة الحقّ الذي هو مقام الواحديّة وإلى الأبد، وذلك بحسب فهمك واستعدادك، فاذهب إلى سلمان فإنّ أمير المؤمنين يقول له حقائق لو قال لنا واحدة من الألف منها لتعطّلت عقولنا. 

  • لماذا لم يجب الإمام عليّ سعد بن أبي وقّاص عن عدد شعره؟

  • جاء سعد بن أبي وقّاص وقال: إن كنت صادقًا فأخبرني عن عدد شعري، فهذا نوع من الطلب من الإمام، والإمام يقول له: أخبرك بذلك أيضًا وأخبرك بذلك النوع من الحقائق، كلاهما أخبرك بهما، أبّينهما معًا، فأنا إمام مبين أنا القرآن الناطق، وأنا مبيّن الحقائق، ولكن لو قلت لك كم شعرة في رأسك لقلت: هذا كذب فمن الذي يعدّ شعر رأسه، فهذا كذب، فهل يعدّ الإمام شعره شعرة شعرة، كما فعل الإمام الحسن عليه السلام والذي يصادف اليوم ذكرى ولادته، فقد مات رجل وأرادوا أن يقسّموا ميراثه عند الإمام ويعطوا الفقراء، وقد بقيت مائة حبّة من التمر، فقال الإمام: لقد بقيت مائة حبّة من التمر فقسّموها، فجاء رجل وأخذ واحدة منها ووضعها في جيبه، ولمّا عدّوها وجودها تسعًا وتسعين، فقالوا: أنت قلت إنّها مائة! فقال الإمام لذلك الرجل: افتح يدك، فبدأ أحد الواقفين هناك بالضحك، فقال الإمام ضعها فوقها لتصبح مائة. فلو أنّ سعد بن أبي وقّاص قال: كلاّ هذا ليس صحيحًا، فهل كان الإمام سيعدّها له ويقول له: تعال لديك مليون وثمانمائة ألف شعرة؟ فمن الذي سيعدّها؟! فقال له الإمام: لو أخبرتك لما صدّقت، وليس لديّ وقت لأعدّها لك، ولكن أقول لك إنّ في بيتك سخلاً تربّيه يقتل ابن رسول الله. 

  • وكان عمر بن سعد حينها صغيرًا في منزل سعد بن أبي وقّاص، وكان قد بدأ بالمشي للتوّ، فقال له الإمام: احتفظ بهذا والتاريخ سيحكم أنّ عليًّا عليه السلام حينما يقول: سلوني قبل أن تفقدوني فإنّه صادق. وقد جاء آخرون وادّعوا من أمثال هذه الادّعاءات ووضعوا أنفسهم في موضع أمير المؤمنين، ولكن هناك فارق يسير بين مقام الولاية وبين غيره! دعنا من هذا. 

    1. سورة يس (٣٦) الآية (١٢)

مرتبة الذنوب والطاعات في عالم المثال - شرح دعاء أبي حمز الثمالي - الجلسة الثامنة

9
  • قال الإمام الصادق عليه السلام: ألم تقرؤوا هذه الآية: {وكلّ شيء أحصيناه في إمام مبين}۱؟ فقال أبان: نعم قرأتها. فقال الإمام: أنا الإمام المبين ولا شيء في عالم الوجود يخفى عليّ، أبعد ذلك تراني لا أدري أين هي الجارية؟! أتريد الآن أن أخبرك أين هي؟! دقيقًا. وطبعًا هناك توجيه لكيفيّة بيان الإمام عليه السلام لهذا الأمر وما هي الحال التي تتحقّق عنده، ولكنّه بعيد شيئًا ما عن مسألتنا، هكذا كان الإمام الصادق عليه السلام، وهكذا كان يبيّن للنّاس، أي إنّه كان يبيّن لهم المسائل الظاهريّة، نعم محمّد بن مسلم وجابر بن يزيد الجعفي مثلاً كانا يذهبان إلى الإمام ويتعلّمان منه أمورًا ومسائل أخرى. 

  • ما هو الذي يسأل عنه الإنسان المثال الأسفل أم المثال الأعلى؟

  • ما هو موجود في عالم المثال والذي يعبّر عنه بالمثال الأسفل والمثال النازل هو هذه الصور الخارجيّة للأشياء، وهذه الصورة الخارجيّة ليس فيها تلك الكدورة وأمثالها، فهذه الصورة الخارجيّة ليست بالأمر المهمّ الذي يستحقّ الاهتمام، كما ذكرت للرفقاء فإنّ هذه الصورة الخارجيّة وهذه الحقيقة الخارجيّة ليست حقيقة يُسأل عنها الإنسان فيقال له: لقد شربت الماء! لقد تكلّمت! لقد سرت! لقد تكلّمت مع فلان! لقد عبست في وجهه! لقد ضحكت! لقد قمت بهذا العمل! فهذه أمور لا تستحقّ أن يُسأل عنها، ما يُسأل عنه هو أنّك شربت هذا الماء في الوقت المناسب أم غير المناسب؟ عن هذا يسألون. وذلك الكلام الذي قلته مع فلان هل كان كلامًا بحقّ أم بغير حقّ؟ عن هذا يسألون لا عن تلك الكلمات التي خرجت من فم الإنسان، فهذه لا يسأل عنها، وذلك السباب والشتم الذي قلته هل كان بحقّ وصحيحًا ولا بدّ منه أم أنّه كان بغير حقّ وفي غير مكانه ولم يكن مطلوبًا، عن مطلوبيّة المسائل وعدم مطلوبيّتها يحاسبون يوم القيامة لا عن المسائل نفسها بما هي هي، وقد تحدّثنا شيئًا ما عن هذا الموضوع فيما سبق، فلهذا ما يتعلّق به الثواب هو ليس تلك الصلاة التي نصلّيها فنركع ونقف، فالثواب لا يرتبط بذلك، إنّه يرتبط بنيّتنا وأنّ هذه الصلاة التي نصلّيها هل كانت صلاة لأجل الرياضة والتمرين الصباحي اللازم كلّ يوم؟ هل أنا أقوم بها لذلك؟ أم أنّها لأمر آخر إن كنت قد قمت برياضتي وتمريني، أو لم أكن من أهل الرياضة أصلاً؟ وعلى أيّ حال حين أقوم بهذه الصلاة فلا شأن لي بالرياضة، إن كنت صلّيت الصلاة بعنوان أنّها على الأقلّ تمرين أيضًا، وفي النهاية تكون دقيقتان أو ثلاث دقائق في برنامجي الرياضيّ، إن كنت تفعل ذلك لأجل هذا فلا تعطى أيّ ثواب، بل صلاتنا باطلة، وهذا الثواب الذي نعطاه ليس لأجل هذا، وهذا العمل الذي أقوم به ليس لأجل الله، والله يقول: ما لم يكن لأجلي فماذا تتوقّعون منّي؟ ما دمت لا تعمل لي فماذا تتوقّع؟! تارة تريد أن تعمل لأجلي وتكون مريضًا ومع ذلك تقوم وتصلّي، ورغم أنّك قمت بالرياضة تقوم وتصلّي، وعلى كلّ حال تصلّي سواء كان هناك أحد أم لم يكن، هؤلاء الذين يقفون أمام آلة التصوير ويصلّون بشكل جيّد، فأنا أرتّب العباءة لكم الآن حتّى تشاهدوا منظرًا جميلاً فهذه آلة التصوير تصوّرني الآن ولا بدّ أن أجلس بشكل منظّم ومرتّب، والآن ينظّمون الديكور وأمثال ذلك. 

    1. سورة يس (٣٦) مقطع من الآية ۱٢. 

مرتبة الذنوب والطاعات في عالم المثال - شرح دعاء أبي حمز الثمالي - الجلسة الثامنة

10
  • كنت ذات يوم أشاهد إحدى الصلوات على التلفاز، وكانت صلاة الظهر، فكان أحدهم يصلّي وعند ذكره سبحان الله كان يقولها بصوت مرتفع، عزيزي أنت تصلّي صلاة الظهر ولا بدّ أن يكون ذكر سبحان الله بإخفات، والآن لأجل آلة التصوير ترفع صوتك بحيث يهبط السقف، فلا فائدة من ذلك. فأذكار السجود والركوع في الصلاة الإخفاتيّة لا بدّ أن تكون إخفاتيّة، وأذكار السجود والركوع في الصلاة الجهاريّة لا بدّ أن تكون جهريّة إلى حدّ ما. لذا فإذا أرادوا أن يصوّروك يومًا فلا تقلها بصوت عال، قلها بإخفات، أي لاحظ الله قليلاً ولا يكن كلّ الأمر هكذا.

  • الدعاء مستقبلاً آلة التصوير لا القبلة 

  • في هذه الزيارة التي قسمها الله لي قبل مدّة حيث تشرّفت بزيارة السيّدة زينب سلام الله عليها، وكانت ليلة جمعة وكنّا جالسين بعد صلاة المغرب والعشاء، فرأينا أنّ هناك حركة غير مألوفة وبعد وقت يسير تبيّن أنّ هناك برنامجًا لقراءة دعاء كميل ويريدون أن يقرأوه، وهناك تجهيزات وإعدادات وتصوير، وكانوا ينادون مرارًا: نريد أن نصوّركم وننشر الفيلم عبر شاشة التلفاز فتفضّلوا واجلسوا، فكان واحد يذهب بذاك الاتّجاه وآخر بالاتّجاه الآخر وينادي، ولكن لم يأت أحد، مرّت ربع ساعة ولم يأت أحد، فنادى من جديد تعالوا واستفيضوا من دعاء كميل، وهناك أيضًا فيلم سيبثّ عبر التلفاز. ويبدو أنّ الناس لم يكونوا يبالون، رغم أنّ الناس لا ينزعجون عادة من التصوير، لا أدري لماذا لم يلبّوا. وفجأة رأينا أنّ الناس يأتون جماعات جماعات، جميع الحملات والعلماء، الناس يأتون أفواجًا، ربّما ذهبوا ونادوا الجميع وقالوا لهم لا يوجد أحد، وقالوا لهم: تعالوا دعونا نجمع الناس، فجاء خلق الله والحمد لله صار الجوّ جيّدًا، فجلسوا ولكن مستدبرين القبلة. فحين دعاء كميل لا بدّ من التوجّه إلى القبلة، وذلك الذي يقرأ الدعاء ويقول: اللهمّ إنّي أسألك برحمتك بصوته المعلوم قد جلس مستقبلاً القبلة، ولكن حيث إنّ التصوير من هذه الجهة الأخرى لم يكن بدّ من الجلوس مستدبرين القبلة، فقلت: يا له من دعاء كميل! فقبل أن يخرج دعاء كميل من فمه تتلقّاه الملائكة وتحمله إلى العرش الأعلى، فلأنّ التصوير هو في الجهة الأخرى لا بأس أن نجلس إلى غير القبلة. حسنًا فهذا الدعاء الذي ينادون عليه بأنّه سيبثّ في التلفاز لا بدّ أن يكون مستدبرًا للقبلة، طبعًا لم يكن مستدبرًا بل كان منحرفًا، فهذا سوق، وعندما يريد الإنسان أن يقرأ شيئًا فعليه أن يراعي الله أيضًا ولا يكون همّه الاستعراض والتصوير والتمثيل والتسجيل وأمثال ذلك، ففي النهاية هذا يا عزيزي في مقام السيّدة زينب سلام الله عليها في ذلك الصحن المطهّر في تلك الظروف الخاصّة، فما هذه الأمور والأحوال بهذا الشكل؟! على كلّ حال لا بدّ من رعاية هذه الأمور والالتفات إليها لكي يُنال نصيب ما. 

مرتبة الذنوب والطاعات في عالم المثال - شرح دعاء أبي حمز الثمالي - الجلسة الثامنة

11
  • أجل هذا يصبح كلّه ظاهرًا، كلهّ هكذا. هذه المسألة هي مسألة الظاهر، وفي مسألة الظاهر هذه يتميّز الأمر بهذا النحو، والله لا يسأل الإنسان عنه، ومنكر ونكير لا يسألان الإنسان عن هذا الفعل، هذا الفعل الماديّ، لا يسألانه عن هذا العمل الماديّ أنّك قمت بهذا ولم تقم بذاك، لا يسألان عن ذلك العمل الذي أنجز بنفسه، بل يسألانه عن الغاية التي أنجز من أجلها أو لم ينجز. يسألون عن العلّة التي من أجلها لم يقم بالعمل، أخبرنا عن علّة ذلك، أو ما قمت به أخبرنا عن العلّة التي من أجلها قمت به، على أيّ أساس قمت بهذا العمل الخارجيّ ولا يسألون عن العمل الخارجيّ نفسه، ذلك الذي يعطي المال للفقير لا يسألونه عن ذات عمله هذا، بل يسألونه هل قصدت القربة عندما أعطيت المال للفقير؟! أم لأنّه رفيقك ومعك أعطيته؟ ولو لم يكن رفيقك وبرفقتك لما وضعت يدك في جيبك؟! بيّن لنا هذا الأمر، يا من قام بذلك عليك أن تصحّح هذا الجانب، أمّا أنّه أمسك بألف تومان وأعطاها لهذا الفقير فإنّهم لا يسألونه عن هذا الألف تومان هل أعطيت ألف تومان أم خمسمائة؟ ولكن يسألون: عندما أعطيت ذلك الألف تومان فبأيّ نيّة أعطيتها؟! وتلك النيّة إمّا أن تكون طاعة وثوابًا وإمًا أن تكون ذنبًا، أمّا الألف تومان فهي لا طاعة ولا معصية، وأيّ شيء من الأفعال الماديّة التي يقوم بها الإنسان لا هو طاعة وثواب ولا هو معصية.

  • ما هي الطاعة والمعصية؟ 

  • فإذن ما هي الطاعة والمعصيّة؟ الطاعة والمعصية هي عبارة عن ذلك الداعي وعن تلك النيّة وعن تلك الإرادة، وعن ذلك التفكير، وعن تلك الجهة التي يتّجه نحوها ذلك العمل وعليه ثواب في باطنه. والصلاة التي يصلّيها الإنسان هذا العمل الذي يقوم به في نفسه لا هو طاعة يترتّب عليها الثواب ولا هو ذنب، ليس أيًّا منهما، من أوّل التكبير الله أكبر بسم الله الرحمن الرحيم إلى النهاية، صلاة المغرب ثلاثة ركعات، هذه الركعات الثلاث التي يصلّيها الإنسان لا هي طاعة عليها ثواب ولا هي ذنب، ولكنّ الملائكة ينظرون إلى هذه الركعات الثلاث كيف صلّيت، الملائكة تحسب حسابًا لكيفيّة العمل لا للعمل نفسه، لا شأن لهم بالعمل نفسه، لا شأن لهم به، هل هناك نيّة خير وراء هذا العمل الذي تقوم به؟! إلى أيّ حدّ كان لأجل الله؟ وإلى أيّ مستوى قصدت فيه القربى، وإلى أيّ حدّ كان لديك حضور قلب ورعاية لخصائص الصلاة؟ فبهذا المقدار يعطونك من الدرجات ويكتبونها لك في سجلّك، فإن كانت صلاة فيها أنّه ما دمت أريد أن أسجد فلأطل قليلاً في سجودي حتّى يبرأ الألم في ظهري، ولأستمرّ قليلاً فلا بأس بذلك لأجل ألم الظهر، فما إن يقول ذلك حتّى ينقص من درجاته ثمانية درجات فتصبح درجة صلاته اثنتا عشر درجة، كم صارت درجة الصلاة؟ اثنتا عشرة درجة، أمّا لو جاء من البداية لأجل علاج الديسك وعلاج ألم الظهر فإنّ درجة صلاته ستكون صفرًا فهنا يتنحّى قصد القربة جانبًا، أمّا لو أنّه أدّى الصلاة لأجل الله ولكن ما إن يريد أن يقوم بها ينوي أن يطيل قليلاً في سجوده ويقول لا بأس الله أكبر ويسجد سبحان ربّي ويطيل بها ويكرّرها ثلاث مرّات سبحان ربّي الأعلى وبحمده اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد وعجّل فرجهم، يقول بعدها وعجل فرجهم، فجأة كم تصبح درجة الصلاة؟ تنقص أربع درجات. فهؤلاء ينظرون إلى تلك النيّة التي تسجد بها، ويطلقون الطاعة والمعصية على تلك النيّة ولا يقولون: لقد أتيت ومدّدت ظهرك، لا يقولون لقد أطلت سجدتك، فتطويل السجدة مع ذكر الإنسان بماذا يختلف عن تطويلها مع هذا الذكر بدون نيّة؟ كلتاهما شيء واحد، كلتاهما استغرقتا خمسة عشر ثانية مثلاً، فخمسة عشر ثانية تساوي خمسة عشر ثانية، وإذا قلت هذا الذكر فيمكن أن لا يكون بهذه النيّة ولكن يقوله فقط ثلاث مرّات: سبحان ربّي الأعلى وبحمده اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد. ويقولها بهدوء ثمّ يقوم، فالزمان واحد، والكلمات واحدة، والطاقة التي يصرفها للسجدة واحدة، فمن الناحية الماديّة ومن ناحية الأحكام الظاهريّة ومن حيث تسجيل الصوت ومن حيث تسجيل الصورة، من هذه الناحية هذا الجهاز يقوم بذلك الآن فهل له ذهن؟ هل يدرك في ذهنه هذا أنّ هناك خمس ثوان للاستغفار وتمديد الظهر، كلاّ بل آلة التصوير تلتقط هذا الظاهر بمدّة خمسة عشر ثانية بهذه الخصوصيّات وبهذه الألفاظ وبهذه الظروف، هذه الآلة تسجّل هذا بنفسه ولا يختلف الأمر، فإذن من حيث قانون آلة التصوير ومن حيث قانون التصوير لا فرق بين هذه السجدة وبين تلك السجدة، والملائكة لا ينظرون إلى قانون التصوير الذي لدينا، فانظروا لقد بسّطت المثال كثيرًا بحيث يكون واضحًا بشكل كامل، ما تضبطه آلات التصوير ليس هو موضع اهتمام الملائكة، يقولون: هذا لا شأن لنا به، أصلاً لا شأن لنا به، لا شأن لنا به أبدًا.

مرتبة الذنوب والطاعات في عالم المثال - شرح دعاء أبي حمز الثمالي - الجلسة الثامنة

12
  • كيف يفيدنا ما تقدّم في فهم قول الإمام: إذا رأيت مولاي ذنوبي فزعت؟ 

  • إدراك هذا الأمر يفيدنا في فهم كلام الإمام عليه السلام عندما يقول: «إذا رأيت مولاي ذنوبي فزعت». عندما أنظر يا إلهي إلى ذنوبي يسيطر عليّ الفزع، وهذا القيد أساسيّ. فإذن من وجهة نظر الملائكة كلّ ما تسجّله الآلات من ظاهر العمل هو لا شيء ولا قيمة له، لا قيمة له، سواء طالت سجدتي هذه خمسة عشر ثانية فإنّ الملائكة تقول: لا شأن لنا بذلك، وسواء طالت سجدتنا خمس ثوان فإنّ الملائكة تقول أيضًا: لا شأن لنا بذلك. ولو طالت هذه السجدة ثلاث ثوان وقلنا: سبحان ربّي الأعلى وبحمده. فكم استغرق ذلك؟ هل استغرق ثانيتين؟ هذا يكفي، تقول الملائكة: لا شأن لنا بذلك، فهذا لا يهمّنا، لماذا قصّرت سجدتك؟ هذا ما يهمّنا، بتلك العلّة التي في نفسك، لا بما يتحقّق في الخارج، لماذا أطلت سجدتك؟ هل لأجل الله أطلتها؟ هل لكي تناجي الله أكثر؟ هل لكي تسلم قلبك إلى الله أكثر؟ لكي تتبادل مع الله الأسرار وتطلب منه الحاجات أكثر؟ فإن كنت فعلت لأجل ذلك فبارك الله بك بارك الله بك، سنعطيك درجة رفيعة، ونقول لك: أحسنت وفّقك الله ولدينا مزيد. أم أنّك أطلت سجودك لأنّه جاء بضع مريدين وصلّوا خلفك وصار عدد المصلّين بضعة آلاف مصلّ؟! إن كنت تقول سبحان ربّي الأعلى وبحمده مرّة واحدة، فسيقولون: يا له من شيخ، ما إن سجد حتّى رفع رأسه، فلكي يستفيد هؤلاء المصلّون البالغ عددهم بضعة آلاف مصلّ بشكل جيّد، وآلة التصوير تصوّر هي الأخرى بدورها وفي جميع النواحي يبثّون عبر مكبّرات الصوت فعلينا أن نجعلها أكثر حماسًا ودفئًا فنضيف سبحان الله لها ونضيف وأمورًا أخرى حتّى يقال ما شاء الله كم هي راقية هذه الصلاة؟! فهذا ما يهتمّ به الملائكة. لماذا أطلتها لأجل الناس المجتمعين؟! حسنًا فأجرك أيضًا هو عند هؤلاء الناس وقد أخذته عند قولهم ما شاء الله، فإعجابهم هذا هو ثوابك الذي نلته، فماذا تريد منّا نحن الملائكة بعد هذا؟! لقد انتهى الحساب، لم يعد لدينا حساب بعد هذا، ولكن هناك أمور أخرى لدينا فلدينا هذه الوسائل فتفضّلوا… .

مرتبة الذنوب والطاعات في عالم المثال - شرح دعاء أبي حمز الثمالي - الجلسة الثامنة

13
  • رحم الله السيّد مرتضى وقد التقى به الرفقاء، أحيانًا عندما كان الرفقاء يقولون له: سنأتي الليلة إلى منزلكم، فكان يقول: تفضّلوا فهناك أمور حاضرة وأمور مطبوخة، فالعصا حاضرة والآجرّ مطبوخ، فكلا الدواءين متوفّران في البيت، فلدينا عصا والعصا ليست مطبوخة بل هي خام فهي غصن شجرة ويد معول، وهناك الكثير منها كلّها جاهزة وحاضرة، وقد رأيت بالفعل أنّ لديه يد معول لا أدري ماذا يصنع بها! 

  • والنتيجة أنّ الملائكة تقول: لدينا هناك كلّ الأصناف، لدينا جميع أنواع الضيافة فتفضّلوا فنحن في خدمتكم. تلك الصلاة التي صلّيتها لأجل الناس ثوابها هو هناك، ذلك التمجيد والثناء عليك جعل الحساب مستوفى، فتفضّل. هذا هو الذنب، فإذن ما يحاسب الإنسان عليه يوم القيامة ليس هو المثال الداني والمثال النازل المتّصل بالأعيان الخارجيّة، ذلك المثال المتّصل بهذه الصور الخارجيّة وهو صورة عمّا في عالم البرزخ، كتحريك يدي هنا بهذه الطريقة وهو صورة العين الخارجيّة على شكل ما في عالم البرزخ فهذا هو المثال الداني والمثال النازل، والملائكة لا شأن لها بهذه الحركات، لا شأن لها بهذا الكلام وبهذه الأمور. ما تهتمّ به الملائكة هو أنّك أيّها السيّد الطهراني على أيّ أساس قلت هذا الكلام هذه الليلة؟! هذا ما تهتمّ به الملائكة، هل أتيت لتبرز نفسك وعلمك للنّاس، لهذا؟ إن كان الأمر هكذا فليس فقط لا ثواب على هذه الأمور، بل هناك عقاب بعدها، إن كنت جئت لتتّخذ لنفسك هيئة خاصّة، إن كنت جئت لتظهر نفسك أمام الآخرين، إن كنت جئت لتقول للآخرين: تعالوا وانظروا كيف أشرح دعاء أبي حمزة هذا الآن وكيف أبيّنه، فإن كان الأمر هكذا فإنّ التمجيد والثناء على ذلك هو أجرك وثوابك على هاتين الساعتين، لقد أتعبت الجميع، فهذا هو نصيبك، أمّا إن كان الأمر خلاف ذلك وقمت به لأنّ الرفقاء جاؤوا هذه الليلة الخامسة عشرة من شهر رمضان وهم طالبون [للحق]، إن كنت أنت لا همّة لديك للعمل بمفاد دعاء أبي حمزة فإنّ لرفاقك همّة، ولديهم قابليّة، فما يتأتّى منك على الأقلّ هو أنّك سمعت كلمتين من الأعاظم فانقلهما، فهذا شيء مهمّ يحسب له حساب، وهذا يكفي ولن نتحدّث عن أكثر من ذلك، فلا بدّ أن تنظر هذا الكلام الذي تقوله الآن على أيّ أساس تقوله؟ وبأيّة نيّة تقوله؟ إلى أين ينتهي عمق الكلام؟! ماذا يجري في نفسك حول هذا الأمر؟ هذا ما يهمّنا! وكلّما كان الأمر دقيقًا سمّي المثال الأعلى وكذلك الملكوت الأسفل، وكلاهما الملكوت الأسفل والملكوت الأعلى، والذي هو أدقّ من هذا وأعلى يسمّيان المثال المنفصل الأعلى، هذه الصورة المثالية التي هي صورة الذنب وصورة الطاعة والثواب المترتّب على عمل الإنسان هي التي يهتمّ بها الملائكة، وهذه الصورة المثاليّة التي سمع الرفقاء أو قرأوا في الكتب أنّ بعضهم فتحت أعينهم ويرون الناس على صورهم الحقيقيّة هي الثانية وليست الأولى، الأولى هي عبارة عن المثال وهي عين ما هو موجود الآن بهذا الشكل ولا يختلف، وليس فيه صورة، ولكن في طيّات ذلك وما وراءه هناك أمر آخر وهو عبارة عن الكيفيّة النورانيّة والكيفيّة الظلمانيّة المرافقة لفاعل الفعل وعامل العمل، وهذه لا يمكن لآلة التصوير أن تلتقط لها صورة وتسجّلها، وآلات تسجيل الصوت هذه لا يمكنها أن تسجّلها، إنّها شيء آخر، إنّها أمر آخر… 

مرتبة الذنوب والطاعات في عالم المثال - شرح دعاء أبي حمز الثمالي - الجلسة الثامنة

14
  • آثار جمال تو در ديده هر مؤمن***...
  • يقول: آثار جمالك في عين كلّ مؤمن

  • فعندما ينظر الإنسان إلى مؤمن في عينه هناك شيء آخر يشاهده وراءها، إنّها تلك الحقائق الإيمانيّة الظاهرة في نظرة هذه العين. وطبعًا لا بدّ أن يكون الإنسان مؤهّلاً لمعرفة ذلك ولا بدّ أن يكون ذا خبرة بهذه الأمور إلى حدّ ما. 

  • ...***آيات جلال تو در سينه هر كافر
  • يقول: آيات جلالك في صدر كلّ كافر. 

  • فالإنسان من كلام الآخر يدرك كم لديه من الكدورة، بعض الناس عندما يسلّمون على الإنسان يقلبون حاله رأسًا على عقب، سلامًا واحدًا يسلّمون على الإنسان، فعندما يتشرّف الإنسان بزيارة مكّة يرى أنّ بعض أئمّة الجماعة في المسجد الحرام لا بأس بهم أو في المدينة أو في سائر المساجد، فعندما يقرأون فإمّا أن لا تكون لديهم كدورة أو أنّها قليلة، ولكنّ بعضهم يقرأون فإذا بدأوا بقراءة بسم الله يقلبون حال الإنسان رأسًا على عقب يقلبونها رأسًا على عقب، فما هذا؟! ماذا هناك؟! إنّه يقرآن آية من القرآن {بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ربّ العالمين} فإذا شرع فكأنّما ضربك بالمطرقة على رأسك، فله أثر نفسيّ ظلمانيّ إلى هذه الدرجة، ولكن عندما يسمع الإنسان كلام أولياء الله ولو لم يرهم فقط يسمع كلامهم أيّ كلام لهم يسمع تسجيلاتهم، تسجيلات هؤلاء الأعاظم الذين انتقلوا إلى رحمة الله فإنّ أثرها عجيب جدًّا. 

  • ولذلك أوصي الرفقاء دائمًا أن يكونوا مأنوسين بأصوات الأعاظم وآلفين لها وأن تكون مرافقة لهم، ولو دقيقة واحدة في كلّ يوم، ولو دقيقتين في اليوم أو خمس دقائق، فإنّ هذا الصوت بنفسه يؤثّر مع غضّ النظر عن مضمون ما يقولونه فهذا أمر آخر، فالمضامين التي تلقى إلى الإنسان برفقة هذا الصوت هي أمر آخر وموضوع آخر، الصوت بنفسه الصوت بنفسه وقوله السلام عليكم ورحمة الله، هذه السلام عليكم ورحمة الله كيف حالكم والكلام المتعارف، هذا الصوت الذي يتأتّى من وليّ الله ويتناهى إلى أذن الإنسان، هذا الصوت بنفسه وللكلام المتعارف يؤثّر أيضًا. 

  • لماذا ذلك؟ لأجل ذلك الملكوت الذي هو وارء هذا الأمر والذي يسمّى بالمثال الأعلى وحقيقة الأعيان البرزخيّة، حقيقة الأعيان البرزخيّة لا الأعيان الخارجيّة في عالم الكون والفساد والشهود، حقيقة الأعيان البرزخيّة وحقيقتها هي تلك الحقيقة الظلمانيّة الحقيقة الروحانيّة. فهذا هو الثواب والطاعة. وعندما يأتون بالإنسان للحساب يقال له: لماذا فعلت هذا الذنب؟ أي لماذا كانت لك هذه النيّة في ذنبك؟ لا لماذا قمت بهذا العمل؟! 

مرتبة الذنوب والطاعات في عالم المثال - شرح دعاء أبي حمز الثمالي - الجلسة الثامنة

15
  • على ماذا يحاسب الشمر يوم القيامة؟ 

  • وعندما يأتون بالشمر لعنة الله عليه يوم القيامة يسألونه لماذا قطعت رأس ابن رسول الله؟ لا يسألونه عن نفس قطع رأس الإمام الحسين عليه السلام، بل يسألونه عن العلّة والدافع والنيّة فيقولون له: لأيّ شيء فعلت هذا؟ لا عن نفس تحقّق هذا الفعل، فهذا الفعل سواء قام به الشمر أم مئصلة غيوتن فالنتيجة واحدة، فلنفترض أنّ الشمر لم يقم بهذا العمل وقامت به مئصلة غيوتن لكانت النتيجة واحدة، أو لو حصل ذلك بنفسه، ففي كثير من الأحيان يتّفق أن يصاب الإنسان بضربة بحيث لا تكون الضربة معلومة ولا الضارب ولا الهدف، ولكن في النهاية يتحقّق عمل في الخارج ويموت ذلك الإنسان، فلا يختلف الأمر بأيّة نيّة ضربت بطنك بسكّين فإنّها ستدخل في النهاية، ولا شأن لدخولها بنيّتك، بل يرتبط الأمر بحدّة السكّين وبالضغط الذي يضغط، فأذاها سيتحقّق. وفي يوم القيامة لا يسألون الشمر عن قطع رأس ابن رسول الله في حدّ نفسه، فقد قطع رأسه وبلغ مقامات، لقد بلغ الإمام الحسين مقام الشفاعة الكبرى، فهذا جانب. ولكن يسألونه: لماذا فعلت ذلك؟ هل هذا العمل الذي قمت به كان لأجل الله؟ فلو كنت قمت به هكذا نثيبك عليه أيضًا، وليس فقط نقول لا نعاقبك، فليس لدينا من هو أرفع من الإمام الحسين عليه السلام، فلو أنّ إنسانًا في الواقع وبينه وبين الله اعتقد أنّ سيّد الشهداء عليه السلام فرد مخالف، وخارج عن دائرة التسليم، وبصفاء قلبه بينه وبين الله لا عن عمى وحماقة وجهالة، بل عن صفاء قلب وبنيّة خالصة، بنيّة خالصة وبصفاء قلب جعل سيّد الشهداء بدلاً من يزيد، وجعل يزيد بدلاً من سيّد الشهداء عليه السلام وقام بهذا العمل لأجل الله، فإذا فعل ذلك فإنّ الله يثيبه ثواب المجاهد في سبيل الله. بهذا الشرط، ولكنّ هذا الشمر هل كان هكذا أم أنّ الخبث كان قد سيطر على كامل وجوده والفسق والكدورة والظلمة سيطرت على كامل وجوده، وقد تكلّموا معه ألف مرّة واحتجّوا عليه، والإمام الحسين عليه السلام والآخرون احتجّوا عليه هنا وهناك، وألقوا عليه الحجّة، فلم تكن مسألة عاشوراء هكذا تشرع فيها الحرب دون إقامة حجّة، بل إنّ كلّ واحد من هؤلاء الأصحاب كان يذهب ويسأل: لماذا تقاتلون؟ وما هو دافعكم إلى ذلك؟ فكانوا يسخرون منهم ويثيرون الضجيج ويرمونهم بالسهام، ارموه حتّى لا يرتفع صوته، ارموه فإنّه يبثّ الوعي في الجيش. فهل تلتفتون؟! أخفوا صوته بسرعة فإنّه يوقظ الجيش، ولو تكلّم قليلاً أيضًا لالتفت الناس، أخمدوا صوته بسرعة، امحوا صورة الأمر، امحوها بسرعة حتّى لا يسمعها أحد كي نتمكّن من بلوغ ما نريد، فكانوا يبدأون على الفور برمي الحجارة، فمن كان يتكلّم كان يرى الحصى والأحجار تنهال عليه والحرب تبدأ، ولم يكونوا يسمحون أن يصل الكلام إلى آذان الناس، كانوا يسخرون ويثيرون الضجيج ومظاهر الفرح وهكذا كانوا يتلاعبون بالأمر. 

مرتبة الذنوب والطاعات في عالم المثال - شرح دعاء أبي حمز الثمالي - الجلسة الثامنة

16
  • لذلك يحضرونه ويقولون له: لماذا بغير حقّ؟! لماذا بعد أن أدركت أنّ هذا الرجل على حقّ وبعد أن أدركت أنّ عمل هذا الرجل هو حقّ وصواب، وهو ابن رسول الله، نعم لا شأن لنا الآن بكونه ابن رسول الله، إنّه إنسان، فهل يجب أن يكون ابن رسول الله، وبقيّة الناس ليسوا بشرًا، هل كان سلمان ابن رسول الله؟ وهل كان حبيب بن مظاهر ابن رسول الله؟ وهل كان مسلم بن عوسجة ابن رسول الله؟ ألم يكن هؤلاء من الناس؟! أهكذا تراق دماء الأبرياء على الأرض وكأنّهم طيور. سيعاقبون على ذلك عقابًا أليمًا، لماذا حرمت إنسانًا كلامُه حقّ ومنطقُه حقّ من نعمة الحياة؟! لا بدّ أن تجيب على ذلك، لا على قطع الرأس؟ لا شأن لنا بذلك، هذا العمل الذي تصوّره آلة التسجيل يقول الله لا شأن لنا به، نحن نهتمّ بالدافع إلى هذا العمل، هذا العمل الذي قمت به هل كان لأجل الله أم لا؟ أجبنا على هذا. لو كان لله شأن بهذا العمل لما كان له شأن بالدافع، إذا ما عمل إنسان عملاً ما يقولون له تفضّل انتهى الأمر، أو إذا صلّى إنسان مثلاً وكانت رياء يقال له: حسنًا لقد صلّى، ماذا يريد الله؟! تفضّل إلى الجنّة. كلاّ ليس هذا هو المعيار. 

  • فإذن الله لا شأن له بالصلاة نفسها، ولا بقتل النفس المحترمة هذا، لا شأن له بأيّ من ذلك، ما يهمّه هو النيّة التي تكون لديك أثناء العمل، فهذا معيار الثواب والعقاب، وهذا هو عمل الخير وعمل الشرّ، وهذا هو العمل الخاطئ، لأنّه على أساس النيّة كان خاطئًا، فهو خاطئ، وقتل ابن رسول الله يصبح عملاً خاطئًا، لماذا؟ لأنّ فاعله قام بهذا العمل الخاطئ، فاعله قام به بغير حقّ، فالعمل يصبح خاطئًا، ومن جهة أخرى فإنّ هذا القتل بنفسه لو كان في غير هذا الظرف وفي مقام آخر وفي المعارك التي مع النبيّ، ففي زمان النبيّ نفسه أتظنّون أنّ جميع الذين كانوا في زمانه هم من أهل الجنّة، هؤلاء الذين كانوا مثلاً في زمان قتال أمير المؤمنين عليه السلام وقتلوا هل دخلوا الجنّة؟! كلاّ ليس الأمر هكذا، من قتل في ركاب أمير المؤمنين عليه السلام في معركة صفّين لا بدّ أن ننظر عندما قتل ماذا كانت نيّته؟ ربّما كانت نيّته أن ينتصر أمير المؤمنين عليه السلام على معاوية ويصبح هو حاكم الكوفة، هنا انتهى الأمر. السهم يأتي من ذاك الجانب ويرديه ونحن نقول من شهداء صفّين، كلاّ ليس من شهداء صفّين، فانظروا كم يختلف الأمر، فهذا لم يعد من شهداء صفّين.

مرتبة الذنوب والطاعات في عالم المثال - شرح دعاء أبي حمز الثمالي - الجلسة الثامنة

17
  • ما ميزة شهداء كربلاء على غيرهم؟

  • أمّا في واقعة عاشوراء فالجميع من صنف واحد، ونحن لا نملك ولن نملك واقعة في عالم الوجود مثل يوم عاشوراء تتضمّن صنفًا واحدًا إلى هذا الحدّ! لقد جاء الإمام الحسين عليه السلام يوم عاشوراء وقال كلامه بمستواه الأعلى، الأعلى الذي ليس هناك ما فوقه. وحبيب بن مظاهر كان بدرجة مائة بالمائة، ومسلم بن عوسجة كان بدرجة مائة بالمائة والحرّ بن يزيد الرياحيّ كان بدرجة مائة بالمائة، فلو أنّ الله أحياه من جديد لجاء من جديد وضحّى بنفسه، وفي المرّة الثالثة كان سيفعل ذلك أيضًا، ماذا قال زهير بن القين في تلك الليلة عندما كان الإمام الحسين عليه السلام في الخيمة فقال: «هذا الليل فاتّخذوه جملاً» استفيدوا من ظلمة الليل هذه وانطلقوا إلى نسائكم وأطفالكم فإنّا سنُقتل غدًا، اذهبوا وحافظوا على حياتكم، من كان من أهل الدنيا فليتفضّل فقد أطفأنا السراج كيلا يخجل منّا أحد حين ذهابه، «هذا الليل قد غشيكم فاتّخذوه جملاً»، فانطلقوا ما لم يطلع الصبح! فماذا قال زهير حينها؟ قال يا ابن رسول الله لقد عشنا عمرًا كاملاً والآن علينا أن نصل إلى بيت القصيد والنتيجة والمقصود، وأنت تتكلّم معنا هكذا؟! ولو كنت أنا مكان زهير لقلت للإمام الحسين عليه السلام: أيّها الإمام الحسين عليك السلام ضع نفسك مكاننا فماذا تقول؟! دعنا نوكل الأمر إليك، فالإنسان يعيش عمرًا واحدًا في هذه الدنيا وهنا بيت القصيد وهنا هو المكان الذي يعطى فيه الإنسان نصيبه، عندها يقول الإمام عليه السلام: دعك من هذا، أيعقل أن يصل الإنسان إلى الكنز ولا يبقى له إلاّ ضربة واحدة ليضع يده عليه ـ فقد عثر عليه وبذل كلّ هذه الجهود وذهب ورجع مرارًا ثمّ حصل على هذا الكنز ـ ثمّ بعد ذلك يتركه فجأة؟! لا بدّ أن يكون من يفعل ذلك شديد الحماقة، لا بدّ أن يكون جاهلاً حتّى بلغ به الأمر هذا. 

  • لقد أدرك هؤلاء هذا الأمر أفيعقل أن يتمكّنوا من التخلّي، لذلك قال للإمام الحسين عليه السلام: لو قتلت سبعين مرّة أو مائة مرّة أو ألف مرّة ـ لست أذكر ـ ثمّ أحرقت ثمّ ذرّي رمادي في الهواء ثمّ أحييت ما تركت. لماذا؟ لأنّي لمست الأمر بكامل وجودي ووصلت إليه. 

مرتبة الذنوب والطاعات في عالم المثال - شرح دعاء أبي حمز الثمالي - الجلسة الثامنة

18
  • وفي الواقعة نفسها كان هناك أناس أيضًا قالوا للإمام الحسين عليه السلام: نحن معك ما دمنا نحسّ بأنّك غالب، فإذا أحسسنا بأنّه لا فائدة من البقاء معك تركناك. فقال الإمام الأمر إليكم فإن شئتم ذهبتم. ولذلك فإنّ هؤلاء قاتلوا حتّى في يوم عاشوراء، نعم قاتلوا ولكنّهم لم يستشهدوا، لمّا رأوا أنّه لا فائدة من البقاء جاؤوا إلى الإمام الحسين وقالوا له: نطالبك بالوفاء بالوعد، فنحن اتّفقنا معك ليلة أمس وبايعناك ما دامت هناك فائدة، والآن لا فائدة، وأنت لا تتنازل عن كلامك. فقال الإمام: كلامنا واحد فليلة أمس والآن وقبل سنة كلامنا واحد، لقد قلت ليلة أمس إنّي سأقتل وأستشهد فاذهبوا. فودّعوا الإمام ومضوا. فهل كان يمكن لهذا أن يقتل يوم عاشوراء أم لا؟ ففي النهاية قاتل، والقتال ليس فيه خبز وحلاوة، القتال سهام وسيوف، وقد كان الإمام الحسين يحافظ على حياة هذا الإنسان في يوم عاشوراء، ستصيبه ضربة سيف وهو يردّها، وإذا أراد أن يذهب من الجانب الآخر ما إن يريد السهم أن يصيبه يواصل طريقه من جهة أخرى، فمن الذي يفعل ذلك؟ إنّه الإمام الحسين عليه السلام، لأنّ الإمام بايعه على أن يكون معه إلى هذا المستوى، فكم يكون الإنسان خاسرًا، كم يكون مسكينًا، إنّه هو الذي يمنعك أن تنال الشهادة، فنحن نبايع هكذا، ونتّفق على هذا، ومن جانبه يقوم الإمام الحسين عليه السلام بإبعاد السهم كي لا يصل إليه، في حين أنّه حين يحمل طفله ابن الستّة أشهر على يده، وذاك يصوّب السهم نحوه بسبب مجيئ الإمام فيصيب السهم حلقوم ابنه مباشرة، وكلا الأمرين يقوم بهما الإمام نفسه، كلاهما يقوم بهما الإمام.

  • مقام عليّ الأصغر عليه السلام

  • فذاك الطفل هو أراد أن يستشهد، لا تظنّوا أنّ عليًّا الأصغر عليه السلام كان هكذا لا يدرك شيئًا، كلاّ بل يعي أكثر منّا، ذاك الطفل ذي الأشهر الستّة يعي حقيقة الأمر أكثر منّا، هو نفسه أراد أن يصل إلى مقام الكمال، هو نفسه أراد أن يصبح وليًّا لله وعارفًا بالله ابن الإمام الحسين عليه السلام، فجناب عليّ الأصغر عليه السلام هو أكبر عارف إلهيّ يوم القيامة، نحن الآن نقول إنّه طفل عمره ستّة أشهر، لا معنى لهذا الكلام، جناب عليّ الأصغر عليه السلام الآن هو أرفع عارف، جميع العارفين عليهم أن يسجدوا على عتبة بابه وحريمه، وأن يجعلوا غبار تلك العتبة كحلاً لأعينهم. وقد كنت بنفسي شاهدًا لحالات أولياء الله والعارفين بالله وماذا كانوا يصنعون في هذه العتبات المقدّسة، فلئن كانت هناك زيارة فهي زيارة هؤلاء، أفتخالون أنّ السيّد الحدّاد عندما كان يذكر اسم عليّ الأصغر كان يمثّل مسرحيّة مثلنا نحن الخطباء؟! عندما كان يذكر اسم جناب عليّ الأصغر عليه السلام كان لونه يتلألأ احمرارًا، وكان يتلظّى في نفسه وكأنّه يسلّم له ويسجد أمام العظمة الإلهيّة لهذا الرجل، فهكذا كان ينظر هؤلاء إلى هذه الأمور، بهذه النظرة كانوا ينظرون، الجسم صغير! ولكن هل الروح أيضًا صغيرة؟! هل نفسه أيضًا صغيرة، لقد سيطرت نفسه على كلّ الملك والملكوت، فعليّ الأصغر عليه السلام هذا سيطرت نفسه على جميع عالم الوجود، فنحن نتصوّر أنّ هناك أحاسيس وعواطف وأمثال ذلك فنبكي ونحزن. 

مرتبة الذنوب والطاعات في عالم المثال - شرح دعاء أبي حمز الثمالي - الجلسة الثامنة

19
  • نعم هكذا يأتي ذاك الرجل ويكون في واقعة عاشوراء ولكن لا يستشهد ويرجع ويعيش بضع سنوات. لقد كان الجميع على نسق واحد في يوم عاشوراء، ولذلك يقول الإمام عليه السلام ـ وليتنا كنّا نفهم ماذا يقول ـ «هنا مناخ ركاب ومصارع عشّاق…» المناخ هو المكان الذي ينزل فيه الإنسان سواء عن خيل أو أنّه يسقط على الأرض، فهذا منزل ومسقط أبدان لنفوس والهة ومسحورة بإمامها، فالعاشق الواله والمسحور يطلق على من وصل إلى مرتبة العشق، أي لم يعد يرى لنفسه وجودًا ليحسب حسابًا لهذا الوجود، هكذا كان هؤلاء، «لم يسبقهم سابق ولا يلحقهم لاحق». فلا في معركة بدر سمعنا أمرًا كهذا عن النبيّ وأنّ البدريّين «لا يسبقهم سابق ولا يلحقهم لاحق»، ولا في غيرها، لا في خيبر ولا في الخندق لم نر في أيّ منها ذلك، لم نر في حروب أمير المؤمنين عليه السلام أنّ الإمام يقول هكذا لم يقل الإمام في معركة الجمل أنّ الذين قتلوا فيها لم يسبقهم سابق ولم يلحقهم لاحق، ولم نرَ في معركة صفّين ولا في معركة النهروان، لم نر في أيّ منها ذلك، لم يرد ذلك إلاّ في واقعة عاشوراء فما سبب ذلك؟! سببه ذلك المستوى الكامل من الخلوص والمستوى الكامل من ظهور وبروز حقائق العبوديّة والتسليم التي ظهرت يوم عاشوراء من أصحاب الإمام الحسين عليه السلام بواسطة نور الولاية الذي كان يسطع عليهم، ولولا سطوعه عليهم لما حصل ذلك. ولذلك لا يقال إنّ الجميع شهداء في معركة صفّين، كلاّ فلا دليل على ذلك، فمعركة صفّين ليست أرفع من معارك عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله، فقد أراد أحدهم أن يقتل صاحب حمار أبيض ليأخذه، أعجبه فراح يقاتل ليقتله ويأخذ الحمار، ولكنّ ذاك الرجل ضربه وألقاه صريعًا، فقالوا: رحمه الله. فقال النبيّ هذا شهيد في سبيل الحمار. لم يكن هذا الشهيد على شيء، أراد أن يأخذ الحمار فأخذه الحمارُ. 

  • بهرام که گور می‌گرفتی همه عمر***دیدی که چگونه گور بهرام گرفت‌۱
  • يقول: كان بهرام طوال عمره يصطاد الحُمُرَ الوحشيّة *** وقد رأيت كيف اصطاده الحمار وأوقعه في القبر٢ 

    1. رباعيّات الخيّام الرباعية الرباعيّة السابعة. 
    2. وتجدر الإشارة إلى أنّ بهرام هو أحد الملوك الساسانيّين يلقّب ببهرام گور، ومعناها بهرام الحمار الوحشيّ، لأنّه كان يحبّ اصطياد الحمر الوحشيّة وله معها قصّة مشهورة في التراث الإيرانيّ، فقد لحق حمارًا وحشيًّا ليصطاده فدخل الحمار غارًا فدخله بهرام خلفه ولم يخرج منه أبدًا. وكلمة گور في الفارسيّة لها معنيان: الأول: الحمار الوحشيّ. والثاني: القبر. وفي البيت جماليّة خاصّة تعتمد على هذا الاشتراك اللفظيّ لا يمكن نقلها في الترجمة، حيث يوحي البيت إلى أنّ الشيء الذي قضى بهرام عمره في اصطياده قد صار هو نفسه صيدًا له ومات وقبر بسببه. (م)

مرتبة الذنوب والطاعات في عالم المثال - شرح دعاء أبي حمز الثمالي - الجلسة الثامنة

20
  • نعم لقد مضى هذا حبًّا للحمار، لقد سار في هذا الطريق، وبدلاً من أن يعطيه الله الجنّة يوم القيامة سيعطيه حمارًا يركبه هناك، لا أقول إنّه سيدخله جهنّم، ولكن لا خبر عن الجنّة أيضًا، يعطى شيئًا من الأنس بواسطة الحمار، يتجوّل عليه هناك، ويصبح ألعوبة هناك للنّاس، تأتي الملائكة وتضع له ميزانًا وتزنه. 

  • ما مراد الإمام من الذنوب في قوله ذنوبي؟ 

  • فإذا ما فهمنا هذا الأمر وإن شاء الله فهمناه بشكل جيّد، نصل إلى هذه النقطة، فالإمام السجّاد عليه السلام يقول: «إذا رأيت مولاي ذنوبي فزعت» فما مراد الإمام السجّاد عليه السلام من هذا الكلام؟ 

  • أليس لدينا أنّ الإمام السجّاد نفسه عليه السلام عند التلبية حين الإحرام يتغيّر لونه ويصاب برجفة، وطبعًا لدينا ذلك عن بعض الأئمّة الآخرين، عن الإمام الحسن عليه السلام، وعن موسى بن جعفر عليه السلام، فقد نقل ذلك عنهما. أليس لدينا أنّ رجلاً يقول للإمام السجّاد عليه السلام يا ابن رسول الله ماذا جرى؟! ـ وطبعًا هنا آخرون أيضًا تتغيّر ألوانهم عند التلبية، وقد ذكرت لكم ذلك لا أدري إن كنتم تذكرون ـ ماذا جرى ما حقيقة الأمر؟! فيقول الإمام: أرى أنّي بين يدي الله وبهائه وعظمته وأريد أن أقول لبّيك، وأخشى أن يأتي نداء من هناك أن من أنت؟! وماذا أنت حتّى تأتي إلينا؟! فلا لبّيك ولا سعديك، فنحن لا نجيبك ولا نرحّب بك، فماذا يدرك الإمام السجّاد عليه السلام من قوله لبّيك هذه؟! ماذا يدرك؟! أيّ أمر هذا الذي يعيه؟! فهذه الحالة التي تصيبه هي حالة من؟! هل هي حالة عاصٍ ومذنب حتّى يخجل هكذا أن يدخل البيت ويقابل صاحب البيت، أفهل ارتكب الإمام السجّاد ذنبًا والعياذ بالله؟! هل شرب الإمام السجّاد الخمر؟! هل سرق الإمام السجّاد؟! 

  • بالنظر إلى هذه الحقائق التي ذكرناها يتّضح أنّ العمل الظاهريّ أي شرب الخمر مثلاً لم يتحقّق حتمًا لم يتحقّ، والسرقة بما هي دخول إلى منزل ما وأخذ للمال منه أو أخذ للمال من جيب أحد، فالإمام السجّاد الذي عليه السلام لم يفعل ذلك ولم يرتكب مثل هذه الأفعال، ولكنّه مع ذلك يقول: لقد أذنبت. «إذا رأيت مولاي ذنوبي فزعت»

مرتبة الذنوب والطاعات في عالم المثال - شرح دعاء أبي حمز الثمالي - الجلسة الثامنة

21
  • فإذن وبناء على ما تقدّم اتّضح حقيقة معيّنة، وهي أنّ الإمام السجّاد لا يمكنه أبدًا أن يقول للّه إنّي شربت الخمر وأمسكت بالكأس، فهذا باطل، والإمام لا يمكن أن يقول لقد صدر منّي هذا العمل الخارجيّ الذي يمكن لآلة التصوير أن تلتقطه، لا يمكن أن يكون الأمر هكذا، لأنّ هذا العمل لم يحصل، هل يمكن للإمام مثلاً أن يقول لواحد: لقد كنت أمس في منزلك والحال أنّه لم يكن في منزله؟! كلاّ لا يمكن، لأنّ المجيئ إلى المنزل عمل خارجيّ لم يتحقّق. نعم يمكنه أن يقول: كنت ناويًا أن آتي إلى منزلك ولكن طرأ مانع فلم آت. أمّا المجيء إلى المنزل فيعني أنّه حرّك هذه الأرجل وخطا الخطوة الأولى والثانية والثالثة ثمّ وصل إليه، وهذا العمل الخارجيّ لم يقم به الإمام، حتّى لو قال الإمام: «إذا رأيت مولاي ذنوبي». ولكنّه لا يمكن أن يقول: لقد قمت بهذا العمل الخارجيّ بعينه. لماذا؟! لأنّ هذا كذب، والإمام لا يكذب، هذا الكلام كذب، هل يمكن للإمام أن يقول: لقد خطوت برجليّ وجئت إلى منزلك والحال أنّه لم يأت؟! لا يمكنه ذلك، ولكنّ الإمام مع ذلك يقول: لقد أذنبت، أَنْظُرُ إلى ذنوبي. أمّا أن أنظر إلى الذنوب التي لم أرتكبها فهذا ليس بشيء، الذنوب التي لم تتحقّق لا فزع منها ولا جزع. فلا بدّ إذن أن تكون الذنوب قد ارتكبت، ولا شكّ أنّ مراد الإمام عليه السلام في هذه الفقرات وكذلك في الفقرات التي اللاحقة التي يقول فيها: «أنا الذي على سيّده اجترى أنا الذي عصيت جبّار السما أنا الذي أعطيت على معاصي الجليل الرشا» أمر غير العمل الخارجيّ، فهذه المعاصي والذنوب التي يتحدّث عنها الإمام ليس المقصود منها عين العمل الخارجيّ الذي يمكن لآلة التصوير أن تلتقطه، لأنّ من الخطأ أن يقول لله إنّي قمت بهذا، فالله يقول: متى قمت بذلك! أو آلة التصوير التي يضعونها للإنسان من الصباح حتّى المساء فتسجّل له من حين خروجه من المنزل حتّى يرجع، تسجّل ساعتين، فما فعله الإنسان خلال هاتين الساعتين واللقاءات التي قام بها مع الناس، وخلال ذهابه وإيابه لم يقم في أيّ منها بدفع رشوة لأحد، فلو شاهدت الفيلم المسجّل لا تجد في أيّ منها رشوة، لقد ذهب الإمام وتحدّث مع رجل، ومشى ولا رشوة في أيّ منها، لم يخرج مالاً من جيبه ويعطه لأحد ولا قال لأحد: اذهب يا فلان إلى فلان وارتكب محرّمًا وخذ هذا المال، وقد سجّلت آلة التصوير كلّ حركته فهل يمكن للإمام أن يقول: لقد أعطيت اليوم رشوة على المعاصي الجليلة؟ إنّك لم تعط، وآلة التصوير هذه قد صوّرت، فلماذا تقول إنّي فعلت ذلك؟! فأنت لم تفعل ذلك. فالمقصود من هذه الفقرة إذن ليس الفعل الخارجيّ للذنب، بل العمل الباطنيّ هو الذنب، وهو العمل الذي يعود إلى النفس والنيّة، وهو النيّة الباطلة المرافقة للإنسان سواء أقدم الإنسان على العمل الخارجيّ أم لم يقدم، فإنّ تلك النيّة الباطلة تعدّ رشوة، ذلك العمل الباطل الذي يعدّ ذنبًا، ذلك العمل الباطل الذي يعدّ تجرؤًا على المولى ويسمّى ذنبًا، ولا يطلق الذنب على ذلك العمل الخارجيّ، وسنتحدّث عن هذا الأمر من الآن فصاعدًا، وقد بلغت الساعة الآن الحادية عشرة والنصف والسيّد لا يتوقّف، وإذا ما رأى أنّ هؤلاء المساكين الذين لديهم أهل وعيال ينتظرونهم فهو لا يتوقّف، اللهمّ إنّي أخاف أن يعدَّ ذلك ذنبًا بعد هذا الوقت لأنّه يسبّب دعاء الآخرين عليّ، فنقف عند هذا الحدّ ولا نسمح لأنفسنا بأذيّة الرفقاء، وإن شاء الله نحن موجودون في الليالي القادمة لنرى ماذا يقدّر الله لنا. 

مرتبة الذنوب والطاعات في عالم المثال - شرح دعاء أبي حمز الثمالي - الجلسة الثامنة

22
  • نتيجة المحاضرة وطرح إشكال جديد

  • وقد تبيّن إلى هنا أنّ الإمام عليه السلام عندما يقول: أنا مذنب، أنا ارتكبت ذنبًا لا يريد أنّه ارتكب هذا العمل الخارجيّ الذي نسمّيه نحن ذنبًا، بل مراده تلك الكدورات التي تتحقّق في النفس بسبب تلك الأعمال الخارجيّة، فهذه هي الذنب، وهذه هي الثواب دون العمل الخارجيّ. 

  • والسؤال الآن هو أنّه هل ينوي الإمام نيّة سيّئة؟! ففي النهاية الذنب هو النيّة، حسنًا فقد ترك ذلك العمل فهو لا يسمّى ذنبًا، والمشكلة هي أنّ الإشكال صار أصعب وأنّ هذه الأمنية الباطلة التي سمّيناها ذنبًا هل هي موجودة لدى الإمام عليه السلام؟! ما شاء الله شكرًا لكم لقد جعل السيّد الطهراني إمامنا المعصوم مذنبًا ولم يكن له كلام سوى هذا، وهذا الأمر أمر فيه مشكلة! وإن شاء الله يبقى في ذمّتي للرفقاء في الليلة القادمة، وأخشى أن أتكلّم إلى الصبح فيقول لي الرفقاء تابع كلامك، إن شاء الله يوفّقنا الله ويطلعنا على هذه الحقائق، وندرك بشكل كامل ما قاله الأعاظم من أنّ السلوك هو عبارة عن حركة النفس لا الأعمال الظاهريّة.