5

صلابة أولياء الله في رفض المعاملات الربويّة

4394
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمدعاء أبي حمزة الثمالي

المجموعةسنة 1430

التاريخ 1430/09/11


التوضيح

هل ينتهي السير والسلوك إلى الله بالجلوس إلى الموائد أم لا بدّ فيه من الاختبار؟ كيف يجب أن نتلقّى الاختبارات؟ كيف واجه أولياء الله الاختبارات وكيف كان موقفهم في اختبار قبول المعاملات الربويّة؟ هل تبرّر الضرورة والحاجة المعاملة الربويّة؟

/۱۷
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

صلابة أولياء الله في رفض المعاملات الربويّة

1
  •  

  • هوالعليم

  •  

  • صلابة أولياء الله في رفض المعاملات الربويّة 

  •  

  • شرح دعاء أبي حمزة الثمالي - سنة ۱٤٣۰ هـ - الجلسة الخامسة

  •  

  • محاضرة القاها

  • آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهراني

  • قدّس الله سرّه

  •  

  •  

صلابة أولياء الله في رفض المعاملات الربويّة

2
  •  

  •  

  • أعوذ باللَه من الشیطان الرجیم‌

  • بسم اللَه الرحمن الرحیم‌

  • وصلّى اللَه على سيّدنا و نبيّنا أبي القاسم محمد 

  • وعلى آله‌ الطيّبين الطاهرين 

  • ولعنة اللَه على أعدائهم أجمعين‌

  •  

  •  

  • «إذَا رَأيتُ مَولاي ذُنُوبِي فَزِعتُ، وَ إذَا رَأيتُ كرَمَك طَمِعتُ»

  • إذا نظرتُ إلى ذنوبي أخافني ذلك وأرعبني، وإذا نظرتُ إلى كرمك طمعتُ برحمتك ولطفك وعنايتك.

  • ضرورة البلاء والاختبار

  • لقد صدر هذا الكلام عن أحد المعصومين عليهم السلام، وهو يحوي دروسًا دقيقةً جدًّا وغريبةً ومفيدة لنا جميعًا، للجميع، وبصورة عامّة وكما ذُكر سابقًا، فإنّ الإمام السجّاد عليه السلام في دعاء أبي حمزة الثمالي يحلّل سجلّ حياتنا، وسجلّ أفكارنا، وسجلّ رغباتنا، وسجلّ ميولنا، بحيث لا يستطيع أحدٌ أن ينأى بنفسه عن مضامين هذا الدعاء ومعانيه. لا يستطيع أحدٌ ذلك. فسيُقدّم اللهُ للإنسان مواقفَ تُظهر انسجامه التامّ مع هذا الدعاء، سواء أراد ذلك أم لا. سيُقدّمها للجميع، وسيُظهر ضعفَ وجودِ كلّ شخصٍ في مواقفَ مختلفة. سيُظهر كيف أنّ الإنسان لا يتصرّف بنفس الطريقة في جميع ظروفِ الحياة، ولا يفكر بنفس الطريقة دائمًا، ولا يختار دائمًا نفسَ المسارِ والسلوكِ. بل إنّ الكثير من أفكارنا وتصوراتنا تتشكل بناءً على ظروفِ البيئة. فإذا تغيّرت تلك الظروف، تغيّرت أفكارنا أيضًا. ونحن لا نعلم ذلك، ونظنّ أنّنا طيّبون جدًّا، وأنّنا مطيعون. لكنّ هذه الطاعة ليست اختياريّة، الطاعة الاختياريّة هي التي لا يُغيّرُ فيها الإنسانُ طريقةَ تفكيره وسلوكه وموقفه وذوقه وطريقه ومنهجه مهما تغيّرت الأحداثُ والظروفُ. فهناك فقط يُمكن القبول بذلك. أمّا في الظروفِ العادية، فإنّ الإنسان يقول كلّ شيء، وكلّ ما يعتقدُ به، ويفكر بأيّ طريقةٍ شاء، ويُبدي أيّ رأيٍ شاء.

  • وكما يقول حافظ:

  • خوش بود گر محک تجربه آید به میان***‌تا سیه رو شود هر که در او غِش باشد
  • ومعنى البيت:

  • حبّذا زمان محكّ التجربةِ والاختبار ليفتضح كلّ من كان في قلبه غشٌّ.

  • فمحكّ التجربة هي ظروفٌ تختلفُ عن رغبات الإنسان وطريقته. أليست تُصادفُ الإنسانَ هذه الظروفُ؟

  • ابتلاء أحد العلماء بقبول الحقوق ممّن يعمل بالربا 

  • حكى لي أحدُ أقاربي أنّه كان يزورُ عالمًا كبيرًا، يدرسُ عنده. ولا أدري إن كان ذلك العالمُ موجودًا الآن أم لا. كان ذلك العالمُ فاضلًا وعالمًا، درسَ في النجفِ لسنواتٍ عديدة. وفجأةً، اكتشفَ ذلك الرجل أنّ هذا العالم يأخذ الحقوق الشرعيّة من الذين يأتون إليه، والحال أنّ كثيرًا من معاملاتهم ربويةٌ محرّمةٌ. فكيف يُمكنُ تبريرُ ذلك؟

صلابة أولياء الله في رفض المعاملات الربويّة

3
  • وكان ذلك الرجل قد صار على علاقة جيّدة مع ذلك العالم فسأله ذاتَ يومٍ: كيف يمكن أن تكون على علاقة بهؤلاء؟ أتدرون ماذا أجابه؟ قالَ لهُ العالمُ: "من أينَ سأُؤمّنُ نفقاتِ زوجتي وأولادي؟" فيا لهُ من جوابٍ! هذا يعني أنّ كلّ ما تعلّمهُ ذلك العالمُ في النجفِ قد ذهبَ هباءً، وأنّ كلّ ما تعلّمهُ في عتبةِ أميرِ المؤمنينَ المقدّسة قد ضاعَ، وأنّ كلّ ما سمعهُ من أحاديثَ وفقهٍ وأحكامٍ قد تبخّرَ، وأنّ كلّ ما تعهّد بهِ من خدمةٍ للإمامِ المهديِّ بسبب جلوسه على مائدته قد طواه النسيانُ. فأينَ ذهبتْ كلّ تلكَ المبادئُ والقيمُ؟ لقد تبخّرت في الهواء. 

  • ماذا كان موقف العلاّمة الطهراني من المعاملات الربويّة؟

  • من الذي قالَ الكلام الحقّ ووقف موقف الحقّ؟ ذلك الذي عندما قال لتلامذته إنّ المعاملاتِ الربويةَ محرّمة، وكان ذلك في زمنِ الشاهِ السابقِ، وأنا أذكر ذلك وكنت حينها صغيرًا كان عمري عشرة سنوات أو أحد عشر سنة، وكنت أسمع ذلكَ منْه في تلك المدّة أثناء طيّ الطريق إلى المسجدِ، فأحيانًا كان يرافقه بعض الناس، وأذكر أنّ أحدهم يومًا ولا زال على قيد الحياة وهو يعيش الآن في إحدى المحافظات فقال له: سيّدنا إن لم نتعامل مع هذه البنوك وكان ذلك في العهد السابق، لتوقّفت أعمالنا ـ وكان له دكّان في السوق ـ لما سار عملنا ولتوقّفت حياتنا. ولا زالت كلمته هذه في أذني. 

  • فهل تعلمون ماذا كانَ جوابه؟

  • قالَ لهُ: "اذهبْ وبعْ الشمندر على مفترقِ الطرق." هذا هو الجواب المتقن، هذا كلام وليّ اللهِ. لا يمكنُ لأحدٍ أنْ يخدعهُ أوْ يُضلّلهُ.

  • وفي النهاية وكما يقال في هذا الزمان قالها له بصراحة: "ما المشكلةُ في ذلك؟ اذهبْ وبعْ الشمندرَ على مفترقِ الطرق! اشترِ بضعةَ كيلوغراماتٍ من الشمندرِ، وضعْها في وعاءٍ أوْ قدرٍ، وبِعْها في فصلِ الشتاءِ. وبإمكانكَ أيضًا بيع المثلّجات في فصلِ الصيفِ. تقف جيّدًا بكلّ جرأة وتبيع فما المشكلةُ في ذلك؟"

  • إنّها لَكلمةٌ مُضحكةٌ. ولكنّها ليستْ مُضحكةً في الواقعِ، إنّها الحقيقة. 

  • لم يكن يُنكرُ أنّ الإنسانَ يستحقّ أنْ يعيشَ حياةً مرفّهة، لا بأسَ أنْ يَسعى الإنسانُ إلى تحقيقِ الرّفاهيةِ طالما أنّهُ يفعلُ ذلكَ بطرقٍ حلالٍ.

صلابة أولياء الله في رفض المعاملات الربويّة

4
  • لقد عاشَ العديدُ منْ الأئمةِ حياةً مرفّهة، ولكن لمْ يلجأْ أيٌّ منهم إلى الحرامِ من أجلِ الخروجِ منْ أيّ ضيقٍ أوْ مأزقٍ واجههُ، بل كانوا يتحمّلون الضيق، فعلى سبيلِ المثالِ، في زمنِ الخليفةِ العبّاسيّ المتوكلِ، لمْ يكنْ لدى نساءِ بني هاشمِ ما يكفي منْ الثيابِ لتغطيةِ أنفسهنّ عندَ الصلاةِ، فكانتْ إحداهنّ تصلّي، ثمّ تُناولهُ لأخرى، وهكذا. لقدْ مارَسَ المتوكلُ ضغوطًا شديدةً على بني هاشمِ، وضيّقَ عليهم العيشَ.

  • ولكنْ في أوقاتٍ أخرى، عاشَ الأئمةُ حياةً مرفّهة وعاديةً، مثلَ أيّ إنسان آخرَ. فعلى سبيلِ المثالِ، كانَ للإمامِ الحسينِ عليه السلام وضعٌ خاصٌّ بهِ منْ حيثُ الطعامِ وغيرهِ. ولكنْ كانَ كريمًا ومضيافًا، وكانَ يُساعدُ الفقراءَ والمحتاجينَ كان يأتي إليه بخشش‌ها وفلان وغيرهم من الناس، سواء كانوا فقراء أو مسافرين، أو غيرهم من المحتاجين، وهذا الأمر لم يكن موجودًا في كثير من الأوقات بعد ذلك، فقد تغير واختلف. 

  • هذا يعني أن لا تعد تتحدث إليّ حول هذا الأمر، فعندما أقول: إنّ المعاملات الربوية محرّمة، فقد انتهى الأمر. وانتهى الموضوع. إذا كنت ترغب في القيام بهذه المعاملة، فسوف يبرّرونها لك بالحيل الشرعيّة وبضميمة أعواد الكبريت وأمثال ذلك والسجائر والعصير والشاي وما إلى ذلك من هذه الأشياء، فهناك رجال دين وعلماء آخرون يعرفون جيّدًا كيف يفعلون ذلك، يأخذون طريقتها، ويصنعون لك ألف ضرورة وغير ضرورة وهراء، ثمّ يأخذون لقمة المال الحرام لك ولزوجتك وأطفالك ويطعمونك إياها ويحشونها في بطونكم. لكنّني أنا السيّد محمد حسين لم أقرأ هذه الدروس. لم أقرأ هذه الأشياء. لم أقرأ هذه الدروس والكتب. لم أتعلم هذا الكلام. عندما درست، منذ البداية، وضعت الإمام الصادق عليه السلام أمامي. لا ، الناس وغير الناس والشهوات والدنيا و ... بدلاً من الإمام الصادق عليه السلام. 

  • قصة رجلٍ ثريٍّ أراد التعامل بالربا

  • كان أحد المصلّين في المسجد في زمان المرحوم العلاّمة، وكان رجلًا ثريًّا جدًّا. وفي أحد الأيام، جاءه شخصٌ وقال له: "سيّدنا، لقد ذهب هذا الرجل وأخذ مبلغًا كبيرًا جدًّا من المال من البنك، ولم ينجز المشروع بعد، وكان ذلك الرجل من شركائه ـ وقد توفّي رحمه الله ـ ويريد أن يسافر إلى بلدٍ ما ليشتري كميّة كبيرة من الأبقار وكان يربّي الأبقار."

صلابة أولياء الله في رفض المعاملات الربويّة

5
  • يكفي! ما هذا؟ كم تريد أن تأكل؟ ألا تملك ما يكفيك أنت وأحفادك؟ إنه لأمر غريب حقًا! ما الذي سيحدث للناس؟ في أي حالٍ تعيش في هذه الدنيا؟ كيف تأخذ أموال البنك بطرقٍ غير مشروعة وتقترض منه وتشتري كلّ هذه الأشياء؟ فماذا ستفعل بها؟!

  • فقال المرحوم العلاّمة لهذا الرجل الذي أخبره بهذا الأمر: "اذهب وقل له: إذا فعلت ذلك، فسوف نقطع علاقتنا بك من الآن فصاعدًا. سنقطع علاقتنا تمامًا. هل فهمت؟! فمرّ الأمر ولم يفعل ذلك. لم يفعل ذلك الرجل هذا، وندم في النهاية، وساعده الله. وبعد فترة، سمعنا أنه ذهب إلى مكانٍ آخر وبدأ يتعامل مع أشخاصٍ آخرين. كان على اتصالٍ ببعض أقارب المرحوم العلامة من العلماء الذين رحلوا عن هذه الدنيا رحمهم الله جميعًا، وقد أخبر رجلاً آخر أنّ السيّد محمّد حسين صارمٌ جدًّا. لكن عندما ذهبنا إلى أحد أقاربه، استقبلنا بشكلٍ جيّد جدًا، ووافق على هذه المعاملات قائلاً: "لا مشكلة في ذلك! لا بأس!"

  • ثمّ كانت عبارته هكذا: "هذا السيد محمّد حسين قريبنا، لا ينفع إلاّ لبضعة دراويش. لا يُساعد الناس. يجب على العالم أن يُساعد الناس ويُحسّن حياتهم. أليس كذلك؟"

  • ثمّ قال المرحوم العلامة: "لقد سرقه المحتالون! لقد سرقه المحتالون!" في أحد الأيام، جاء هذا الرجل نفسه إلى مشهد بعد هجرة المرحوم العلامة إلى مدينة مشهد بجوار مرقد الإمام عليّ بن موسى الرضا عليهما السلام عندما تغيّر تكليفه وتغيّرت طريقته وأسلوبه. فقرّر أن يختار مكانًا منعزلاً ليتفرّغ لنشر الحقائق. وكان ذلك بناءً على تكليف وأمر من أستاذه السيّد الحدّاد رحمه الله، الذي أخبره في إحدى رحلاته لزيارة السيّدة زينب سلام الله عليها وهما جالسين في الجانب الغربيّ من مرقدها أنّه: "يجب أن تذهب إلى مشهد وتقضي بقيّة حياتك هناك وتكتب الأفكار والنظريّات التي لديك." حينها لم يقل المرحوم العلامة ذلك، ولكنّه أخبرني به لاحقًا، وبعد عودته من تلك الرحلة، رأينا أن حالته قد تغيّرت، فقد كان يعمل على شيء ما ويجمع بعض الأغراض، فسألناه: "ماذا تفعل سيّدنا؟" فقال: "سأسافر في رحلة" رحلة دائمة إلى مرقد الإمام عليّ بن موسى الرضا... .

صلابة أولياء الله في رفض المعاملات الربويّة

6
  • وعندما ذهب إلى هناك، جاء هؤلاء يومًا ما إلى مشهد، وكان المرحوم العلامة مريضًا وغير قادر على الحركة، جاء هذا الرجل بعد الظهر لرؤيته برفقة آخرين، فقلت لهم: "إنّ حالته الصحيّة ليست على ما يرام، ولا يشعر برغبة أو قدرة على الجلوس والتحدّث. فقد أجرى مؤخّرًا عمليّة إزالة الماء الأزرق من العين، ولم تتحسّن حالته بعد بشكل كافٍ ليتمكّن من استقبال الضيوف والتفاعل معهم.

  • فتأثّر هؤلاء قليلاً لأجل هذه العمليّة، ثمّ جلسوا لنصف ساعة، وجلست معهم وتبادلنا بعض الأحاديث. وخلال حديثنا، التفت الرجل الذي حدثت له هذه القضيّة إلى باقي الحاضرين وقال: "بصراحة، ما الفائدة من حضورنا إلى هنا؟ لماذا نضيّع وقت السيد عبثًا؟ فنحن نعلم أنّنا لا نفيد هذا السيّد، ولا يفيدنا هو أيضًا. نحن نعلم حقيقة الأمر! هيّا بنا ننهض ونرحل، ولا نطيل المكوث أكثر من ذلك. فنحن لا نفيد هذا السيّد، ولا هو يفيدنا أيضًا. لدينا أشخاص آخرون... "

  • رحم الله والديه! كان رجلاً منصفًا، فالناس يفهمون، يا سيّدي! يفهمون أي رجل دين هو صادق وأي رجل دين هو مخادع. لم يأكل الناس العلف ولم يأكلوا التبن، إنّهم يفهمون ويعرفون أنّ الذي يتحدّث، إلى أيّ مدى يلتزم بكلماته؟ وأين يفرّ من مسؤوليّة أقواله؟ وما أدراك ما الفرار وما أدراك، فكم هو جيّد أن يتكلّم الإنسان، كم هو جيّد أن يتكلّم فحسب! كم يمرّ الوقت مؤنسًا وكم هو جميل حيث يكفي أن تتكلّم وبحمد الله الناس يدركون ويعون ماذا هناك، وكما يقول سيّد شيراز رحمه الله: 

  • خوش بود گر محک تجربه آید به میان***تا سیه روی شود هر که در او غش باشد
  • والمعنى:

  • حبّذا زمان محكّ التجربةِ والاختبار ليفتضح كلّ من كان في قلبه غشٌّ

  • وكما يقول الحاج الميرزا حبيب الخراساني رحمة الله عليه والذي كان من الأناس الطيّبين الصالحين، فقد كان الحاج الميرزا حبيب الخراساني من علماء الدرجة الأولى في مشهد، وكان رجلاً جليل الشأن، عظيم القدر كان من أصحاب الحالات المعنويّة ومن أصحاب القلوب والضمائر المشرقة، فكم كان له من التهجّد! وحقًّا كم كانت له أجواء وأحوال جيّدة! وعندما أقرأ هذه الأبيات الشعريّة أشعر بنشاط معنويّ وكأنّ أنفاسه القدسيّة تمدّني، وقد كان المرحوم العلاّمة أيضًا يحبّ شعره كثيرًا، وكان رفقاؤه يقرؤون شعره كثيرًا في المجالس وكان يسجّل أصواتهم ومن شعره هذا البيت: 

صلابة أولياء الله في رفض المعاملات الربويّة

7
  • عیان گردد چو در آب افتد این مرغ‌***که مرغابی بود یا ماکیان است‌۱
  • یقول:

  • لو سقط هذا الطائر في الماء، لتجلّى عياناً أمِنَ البطّ هو أو من الدجاج.

  • في الواقع، الجميع يقولون إنّهم يعرفون السباحة! أعرف السباحة، أعرف كذا وكذا، أقول لهم سأرميكم في الماء، والآن اسبحوا! إذا غرق في الماء، يا لله! لقد ! وإن لم يغرق، بل جاء وسبح ووصل إلى الشاطئ بأمان، نقول ها! هذا سباح! هذا إنسان يمكنه ... نعم ... أشعار غريبة جداً!

  • ز جم بر جامِ می، خطی عیان است‌***...
  • يقول: هنالك من جمشيد خطّ ظاهر على كأس الخمر

  • وهكذا يتابع:

  • عیان گردد چو در آب افتد این مرغ‌***که مرغابی بود یا ماکیان است‌
  • يقول: لو سقط هذا الطائر في الماء، لتجلّى عياناً أمِنَ البطّ هو أو من الدجاج.

  • وهكذا أبياته الأخرى: 

  • مرا پیر طریقت جز علی نیست‌***که هستی را حقیقت جز علی نیست‌
  • اگر کفر است اگر ایمان، بگو باش‌***خدا را! حول و قوت جز علی نیست‌
  • تو را پیر طریقت گو عمر باش‌***...
  • يقول: ليس لي مرشد في الطريقة والنهج إلّا عليّ، إذ ليس للوجود من حقيقة إلّا عليّ.

  • فصرّحْ سواء كان كفراً أو إيماناً بأنّه ليس للّه -غير عليّ- من حول و لا قوّة.

  • فليكنْ عمر مرشدك في الطريقة، أمّا أنا فمرشدي في الطريقة عليّ لا سواه.

  • بارك الله لك، بارك الله لك به إن شاء الله، وحشرك مع عمر، أمّا أنا فليس لي مرشد في الطريقة إلا عليّ. 

  • وإن شاء الله رزقنا الله تلك الثانية وسيرزقنا، وحاشا لعطف الله وكرمه ولطفه ولعناية أمير المؤمنين أن يطردونا عن مائدتهم. 

  • صلابة أولياء في بيان الحقّ

  • فهذا المنهج هو منهج الأعاظم، اذهب وبع الشمندر وانتهى الأمر، ثمّ إنّه بعد وفاة المرحوم العلاّمة بسنوات التقى بي ذلك الرجل في مكان ما، فقلت له: أتذكر ذلك الكلام الذي قاله لك والدي عندما كنتُ في الحادية عشرة من عمري وكنتُ صغيرًا، وكنّا نتوجه مع والدي رحمه الله لصلاة المغرب عبر الطريق الترابيّ؟ فقال لي: "ذاكرتك رائعة! لا أتذكّر أبدًا شيئًا كهذا..." ثمّ التفت إليّ وقال: "يا عزيزي، كان والدك هذا يقول أشياء لا نستطيع القيام بها!"

    1. ديوان الميرزا حبيب الله الخراساني، ص ٣٢٦ وفيه: 
      شنيدم عاشقي مستانه مى‌گفت‌***خدا را حول و قوّت جز عليّ نيست‌
      اگر كفر است اگر ايمان بگو فاش***كه در روز قيامت جز عليّ نيست‌
      يبدو أنّ المعنى المراد من ذلك هو أنّ تجلّي قوّة الله وقدرته هي في عليّ وأنّه الآية الكبرى لله تعالى. (م)

صلابة أولياء الله في رفض المعاملات الربويّة

8
  • فقلت: "لا يا سيّدي العزيز! يمكن القيام بها، لكنّها تتطلّب عزيمةً، نعم! تلك الأشياء التي كان يقولها والدي تشبه الأطعمة العريقة المصنوعة بالزعفران وبالبصل المقليّ والنعناع المقلي والسمن البلديّ والتي لا تتهيّأ لأيّ إنسان، لكنّها تحرق الفم! ويجب على من يريد تناولها أن يكون مستعدًّا لها، وأن يُهيّئ نفسه لهذا الأمر.

  • وإذا كان والدي يريد أن يجاري الناس كما فعل الآخرون، فهذا موجود في كلّ مكان، ويقومون به في كل مكان. ألم يقولوا ذلك؟ ألم يقولوه؟! 

  • موقف السيّد جمال الدين الكلبايكاني من أحد الموظّفين الكبار في حكومة الشاه

  • نقل أحد أصدقاء السيّد جمال الدين الكلبايكاني رضوان الله عليه للمرحوم العلاّمة، في تلك الأيام التي كان فيها في النجف وكان على تواصل مع السيّد جمال، أنّ السيّد جمال رحمه الله قال في أحد الأيّام: "جاء أمس إلى هنا القائمقام المحترم من طهران برفقة مجموعة من الناس، من التجار ومن أصدقائه لإجراء حساب حقوقهم الشرعيّة، وكان السيّد جمال رحمه الله صريحًا جدًّا، فنظر إلى القائمقام وقال له: "لماذا أنت في هذه الحكومة الظالمة؟ لماذا أنت في هذه الحكومة؟ في هذه الحكومة الظالمة؟!"

  • وقد كان ذلك العهد عهد رضا شاه. ولأنّ القائمقام كان رجلاً محترمًا ومختلفًا عن باقي الناس، كان يصلّي ويصوم ويقوم بواجباته الدينيّة، لكنّه في النهاية كان يعمل في حكومة ظالمة. كان يعمل في الحكومة البهلويّة وحكومة رضا شاه. وبعد ذلك، كان على تواصل مع محمّد رضا شاه أيضًا.

  • ومن بين الوصايا التي سمعت أنّ رضا شاه أوصى بها ابنه محمّد رضا، كانت وصية: "لا تتخلّ عن القائمقام، ولا تقطع التواصل مع القائمقام." لقد أوصاه بعدة وصايا، وكانت هذه واحدة منها. وكان القائمقام على تواصل وثيق مع محمّد رضا شاه. حتّى أنه كان يدخل القصر دون إذن ودون موعد محدّد... .

  • بالطبع، كما يُقال، يبدو أنّه في أواخر حياته، نشأت خلافات بينه وبين محمد رضا شاه، مما أدى إلى قطيعة بينهما. فقد قطع القائمقام علاقاته مع محمّد رضا شاه ولم يعد يذهب إلى القصر ولم يقابله مرّة أخرى حتى وفاته. هذا ما سمعته أيضًا.

صلابة أولياء الله في رفض المعاملات الربويّة

9
  • لكن على أيّ حال، عندما توفي القائمقام، لم يحضر والدي رحمه الله جنازته. على الرغم من أنّ العديد من الأشخاص حضروا، إلا أنّه قال: "لن أحضر جنازة هذا الرجل. صحيح أنّه قطع علاقاته، لكنّه لم يعلن معارضته علنًا.

  • لقد قطع علاقاته مع محمّد رضا شاه وانفصل عنه ولم يعد على تواصل معه. فالحقّ يقال إنّه قطع علاقته. لكن رغم ذلك لم يحضر المرحوم العلاّمة جنازته مع أنه كان صديقًا مقرّبًا لابنه.

  • بالطبع، لن أفصح عن المزيد من التفاصيل، لكنّه كان صديقًا مقرّبًا لابنه. وحدثت لي بالفعل حادثة طريفة تتعلّق بي. فحتّى من أجل صديقه لم يحضر، فانظروا كم كان رجلاً صريحًا ومستقيمًا، لقد توفّي والد أحد أقرب أصدقائه، وهو يقول: "بسبب هذه العلاقة التي كانت تربطه بالحكومة، فلن أحضر جنازته." ولم يحضر.

  • إنّ هذا الأمر مهمّ جدًّا! إنّه أمر مهمّ جدًّا. يُظهر هذا مدى ثباته على المبدأ الذي اختاره. حتّى لو كان هذا الرجل صديقًا مقرّبًا له، فهو لن يتنازل عن موقفه! على الرغم من أنه قطع علاقاته مع محمّد رضا شاه، إلا أنّ والدي رحمه الله لم يعتبر ذلك كافيًا لاستئناف التواصل معه، أمّا لو أنّه استمرّ في علاقته مع الحكومة الظالمة فحينها لم يكن هناك أيّ مجال أبدًا. 

  • كان ابن القائمقام قريبًا من المرحوم العلاّمة وكان على تواصل وثيق معه، وكان على تواصل مع الشيخ الأنصاريّ رحمه الله أيضًا، وكان الشيخ الأنصاري يزوره في منزله، منزل ابن القائمقام. وطبعًا كان والده قد توفي حينها، وكان الشيخ الأنصاريّ يعقد جلسات في طهران.

  • حادثة طريفة في طفولة المحاضر

  • في إحدى الليالي، جاء الشيخ الأنصاريّ إلى طهران في فصل الشتاء، وكان شتاءً قاسيًا وباردًا للغاية، فأقام ابن القائمقام مجلسًا كبيرًا جدًّا في منزله تكريمًا للشيخ الأنصاريّ. كان منزله في ذلك الوقت في شارع لاله زار في طهران. وكنت في الثالثة من عمري حينها، ولا زلت أتذكّر هذا المجلس حتّى الآن؛ ولا زلت أتذكّر الأحداث والمجالس التي حدثت قبل أن أبلغ العامين، فعلى سبيل المثال، عندما أخبر والدتي أحيانًا عن شيء كهذا، تقول: "لم تكن قد بلغت الثانية من عمرك بعد!" لقد كنت في الثالثة من عمري حينها، وبالطبع، لا يأخذون طفلًا في الثالثة من عمره إلى المجلس. كان ذلك المجلس كبيرًا جدًّا، وكان أخي الذي يكبرني بسنتين، والذي كان في الخامسة من عمره، قد ذهب إلى المسجد مع أبي في تلك الليلة. كان مجلسًا عظيمًا حقًا. رحم الله جدّنا الحاج معين الشيرازي فقد كان حاضرًا، وكان الحاج الدولابي رحمه الله، والحاج هادي الأبهري، رحم الله الجميع ...، وصهر الشيخ الأنصاري السيّد تناوش وكان رجلاً طيبًا جدًّا رحمه الله، كانت له حالاته الخاصّة، وكان هناك الكثير من الحضور الآخرين، كانوا من المحافظات على ما يبدو، نعم كانوا من المحافظات، وكان مجلسًا كبيرًا جدًّا. كان لديه منزل كبير جدًا في زقاق برلين، وكان شارع لاله زار معروفًا آنذاك، وكان له منزل كبير جدًّا… وربّما كان منزله ألف متر أو ألفي متر. غرف واسعة جدًا ... كان مجلسًا عظيمًا جدًّا. جاء أبي من المسجد وجاء الشيخ الأنصاري أيضًا وبدأ المجلس، وفجأة، التفت صاحب المنزل إلى أبي وقال: "أين السيّد محسن؟ لماذا لم تحضره؟" قال أبي: إنّه في الثالثة من عمره! طفل في الثالثة من عمره نائم الآن! أين سأحضره؟ قال: لا يمكن! قال هو نفسه إنّه لن نقدّم العشاء حتّى يأتي! فالتفت إلى هؤلاء الحضور، الشيخ الأنصاري والذي كان رجلاً عجوزًا ! التفت إلى الحاج هادي الأبهري وقال: "مهما يقول الحاج، فنحن نقبل، أليس كذلك؟" كانوا أصدقاء مقربين جدًا في ذلك الوقت، كانوا يتحدثون ويضحكون، وكانوا سعداء. كانوا حقًا سعداء بصحبة بعضهم البعض. فقل هو أيضًا: إنه على حق! لم يتردّد وقال: "مهما قال المهندس، فلا بدّ أن ينفّذ!" ماذا يمكن للجميع أن يفعلوا؟ قال أبي: حسنًا، كيف سنحضره في هذا الوقت من منتصف الليل، الساعة الحادية عشرة، في ذلك الوقت؟! قال: "الآن سيذهب السائق بالسيّارة ويحضره". قالوا: هكذا ستذهب إلى المنزل، زوجتي لن تسلّمك الطفل! فكتب أبي ورقة قال فيها: "سلّموا السيّد محسن لهذا السائق، سلموه لهذا السائق، لكن ماذا ستقول أمّي؟! سيأتون إلى الباب ويقولون: أعطوني الطفل! ماذا نفعل؟ لا شيء! كان خطّ أبي واضحًا والتوقيع ... تقول أمّي أنه في الساعة الحادية عشرة ليلاً طرق أحدهم الباب فقلت: من الطارق؟! ظننت أن أباك قد عاد! جاء أحدهم يقول: 

صلابة أولياء الله في رفض المعاملات الربويّة

10
  • أهذا هو منزل السيّد محمّد حسين؟ أرجو المعذرة لديّ ورقة فيها طلب أن تسلّموني الطفل!

  • ـ الطفل؟! الطفل نائم! 

  • فقال: لقد صوّت على ذلك! أمضاه المجلس وهو لا يقدّر هذه الأعذار. لقد صوّت على ضرورة إحضاره. والحاصل أنّه أراها الورقة، وكانت الوالدة تقول: نظرت فيها فرأيت أنّ هذا خطّه وإمضاؤه. فقد كانت الوالدة تعرف حقيقة الأمر وتعرف ذلك الرجل المحترم صاحب الدار والدعوة وكانت هناك علاقات بهم، ففي النهاية كانت تعرفهم. تقول الوالدة: أيقظتك من النوم وألبستك الثياب المناسبة وكنت تبكي وتتذمّر… فقلت لك: لا نتيجة من ذلك، لا بدّ أن تذهب سواء بكيت أم لم تبك. وكان السائق يضمّني ويمسح على رأسي وأعطاني الحلوى وأخذ بي إلى المجلس، وأذكر أنّ ذلك الحضور كانوا منتظرين بأجمعهم فقد قرأوا الشعر والدعاء وهم الآن جائعون وعطشى ينتظرون هكذا حتّى وصلت فرفعوا صلوات كاد السقف يقع على الأرض منها، ولم تكن الصلوات من أجلي بل لأجل الجوع الذي أصابوهم به! فصاروا يتناولونني ويقبّلونني، فقد كان الأمر متوقّفًا على وصول جناب السيّد! ثمّ بسطوا المائدة والحمد لله جرت الأمور على خير. وقد دعا لي الجميع ليلتها خوفًا من تلك العمليّة التي طرحها صاحب الدار وأنّ لا بدّ أن يكون السيّد محسن حاضرًا. وطبعًا لم يكن هذا الأمر هكذا عبثًا بل له حسابه الخاصّ، لا لي أنا شخصيًّا بل هو لا يرتبط بي أنا، فهذا الحساب الذي يقوم به ويراعي هذه الأمور سواء كنت أنا أو غيري لا يختلف الأمر فقد كانت لذلك حساب وقد كان حسب حساباته بشكل صحيح. ولكن كان الأفضل أن يطلب الإذن في البداية من الشيخ الأنصاري، وعلى كلّ حال كان الأمر من باب الصداقة والرفقة وكان الجوّ الحاكم على المجلس هو الرفاقة وكان الجميع رفاقًا لبعضهم. 

  • لقد كان الشيخ الأنصاري رفيقًا للجميع، وحقًّا كم هي جيّدة الرفقة، كم تفيد الإنسان هذه الرفقة، بدلاً من اتّخاذ هيئة خاصّة والوقوف بطريقة معيّنة وبدلاً من التلاعب بطريقة معيّنة والتمثيل والمسرح يكون الإنسان رفيقًا مع المحيطين به، يكون رفيقًا مع الناس الذين معه، مع أبناء الزقاق والسوق، مع الجار ومع الناس، فكم هو جميل ذلك، كم كان أمير المؤمنين هكذا! فرغم كون أمير المؤمنين خليفة والحاكم الإسلاميّ كان رفيقًا للنّاس، ولم يكن يمثّل هذا الدور تمثيلاً، فأن يمثّل ذلك تمثيلاً فهذا لعب، وهذا مسرح، فالتمثيل والمسرح ليس بالأمر البعيد عنّا! كلاّ بل كان رفيقًا، عندما كان يجلس مع إنسان ويتكلّم معه كان يتكلّم بنحو يجعل الآخر يطمع باستمرار علاقته معه، يطمع بذلك ويرغب به، كان يفسح المجال ليطرح اقتراحاته، يفسح المجال للحديث بكلّ اطمئنان، كان يحافظ على ذلك دائمًا، هؤلاء كانوا أئمّتنا رحمة الله عليهم هذا المسير هو مسير أولياء الله، هكذا كان مسير أولياء الله، لم يكن لديهم فرق، لم يكن لديهم فرق بين الشدّة والرخاء. 

صلابة أولياء الله في رفض المعاملات الربويّة

11
  • تتمّة موقف السيّد جمال الدين من الموظّف

  • قال السيّد جمال للمرحوم العلاّمة: قلت للقائمقام المحترم الرشتي: لماذا أنت في حكومة الظلم الآن؟ وقد كان هؤلاء من أهل العلم وأهل المطالعة فقال: أنا فيها كيّ أحلّ مشكلة وأرفع ظلمًا وأقوم بعمل ما، ألم يكن عليّ بن يقطين في حكومة خلافة هارون؟! لقد كان عليّ بن يقطين في حكومة هارون وكان مؤيّدًا من قبل الإمام، فقال له بصوت عال: اذهب وشأنك! تأكلون كذا وكذا (وسمّى بصراحة) يأكلون كذا وكذا ثمّ يدّعون أنّهم عليّ بن يقطين! فلتكن أوّلاً عليّ بن يقطين أيّها الحقير ثمّ ادخل في الحكومة، وافعل ما شئت! اعثر أوّلاً على واحد كموسى بن جعفر ثمّ ادخل في حكومة هارون. ففي جانبي القضيّة أنت متورّط، فأنت لست عليّ بن يقطين! أنت من رأسك إلى قدميك غارق في النجاسة و القذارة فهذا من ناحية نفسك أنت، ولو فرضنا أنّك عليّ بن يقطين فليس لك الحقّ أن تدخل، لقد أخطأت إذ دخلت! وسيحاسبك الله حسابًا عسيرًا! اذهب أوّلاً واعثر على مثل موسى بن جعفر وكن في خدمته وقبّل يده، وقل له: ما تقوله فأنا تحت أمرك، أأدخل في الحكومة أم لا؟ ثمّ إذا ما رأى الإمام صدقك وإخلاصك وصفاءك يقول لك: ادخل. ثمّ يحميك ويعتني بك ويؤيّدك. وإذا ما تجاوزت فإنّه يمسك بأذنك ولا يقول: إنّه رفيقي دعه. ولا يقول: إنّه من جماعتي فليخطئ ما شاء، كلاّ ليس الأمر هكذا. فعليّ بن يقطين لم يكن هكذا حتّى صار نور عين موسى بن جعفر، وموسى بن جعفر ولأنّ عليّ بن يقطين في حكومة هارون ويحبّه هارون وسوف ينفعنا يومًا ما فإنّ له الحقّ في أن يخطئ ما يشاء من الأخطاء. فما هذا الكلام؟! لقد قضى موسى بن جعفر نفسه سنوات في السجن، فإلى من يحتاج يومًا ما؟ موسى بن جعفر نفسه قضى سنوات في سجن هارون هذا. 

  • التحليل التربوي لقصّة عليّ بن يقطين مع أحد فقراء الشيعة

  • وعندما أخطأ عليّ بن يقطين مرّة، وذلك عندما جاءه رجل ليلاً ولم يستقبله عليّ بن يقطين، لم يستقبله خادمه وقال له: أهذا وقت زيارة؟ اذهب الآن، فعليّ بن يقطين مشغول الآن ولا يمكنه أن يتصدّى لهذا الأمر. فانكسر قلب ذلك المؤمن ولم يذكر حاجته، انكسر قلبه لأنّه ذهب ولم يكن الوقت متأخّرًا، لم يكن قد مضى من الليل إلا ساعة أو ساعتان، ولكن كان الباب مغلقًا ولم يكن يستقبل. 

صلابة أولياء الله في رفض المعاملات الربويّة

12
  • مضى على ذلك وقت وجاء عليّ بن يقطين إلى المدينة ليتابع إلى الحجّ، وعندما دخل المدينة جاء لزيارة موسى بن جعفر عليه السلام، وكان الوقت ليلاً فجاء البوّاب وفتح الباب، فقال له: قل للإمام إنّ عليّ بن يقطين بالباب. 

  • فقال الإمام: لا شأن لي به. 

  • عجيب! لا شأن لي به؟ عجيب جدًّا! عجيب جدًّا! تحيّر في أنّه ماذا فعل؟! ومهما فكّر لم يكن يذكر! ماذا فعلت؟! 

  • وكنت أرى أمثال هذه الأحداث في زمان المرحوم العلاّمة وأشاهدها. 

  • أنا لم أصنع شيئًا ولم أظلم أحدًا، أنا أعمل في هذه الأمور بأمر الإمام نفسه، فما معنى أن يقول: لا شأن لي به؟! فقال للبوّاب: اذهب وقل لموسى بن جعفر إنّي لن أغادر من هنا حتّى أعرف ماذا صنعت. فهو تلميذ الإمام ولا يذهب، وليس بالذي يقول: في أمان الله إذا قال له الإمام لا شأن لي بك. كلاّ، ما معنى لا شأن لي بك؟ فلو ذهبت من هنا فإلى أين أذهب؟ لا شأن لي بك يعني إلى جهنّم وانتهى الأمر، لا شأن لي بك تعني اذهب وته إلى جهنّم، فجميع حياتك وجميع دنياك وجميع آخرتك قد ضاعت، اذهب إلى حيث لا يمكن الذهاب، اذهب فوزرك على ظهرك، اذهب فدنياك على ظهرك، اذهب فآخرتك أنت مسؤول عنها، ولن ترى موسى بن جعفر في آخرتك، لقد انتهى حسابك مع موسى بن جعفر، فهذه كلّها تأديبات يقوم بها الإمام، فما دام الإمام صاحب الولاية المطلقة نحن نظنّ أنّ هذا الأمر بسيط، له ولاية، فلان له ولاية! له ولاية مطلقة! له ولاية مقيّدة! ولاية ماذا لديه؟! ولاية ولاية، الولاية التي لدى الإمام عليه السلام هي الولاية المطلقة التكوينيّة والتشريعيّة الإلهيّة والعصمة، أهذه الولاية تختلف عن ولايتي قليلاً؟!! تختلف قليلاً عن ولايتي! ولاية موسى بن جعفر تختلف عن ولايتي ما بين الأرض وعرش الله! هذا هو الاختلاف اليسير! هذا هو! من الأرض إلى عرش الله! هذا هو الفرق بين ولايتي وولاية موسى بن جعفر. هو يعلم ماذا يفعل، يعلم ماذا يصنع مع تلامذته، فهذا كلّه تربية، ليس لدى موسى بن جعفر فرق بين جماعته وغيرهم، المنتسبين إليه وغيرهم، موسى بن جعفر حقّ مطلق، عصمة مطلقة، فبالنسبة إلى موسى بن جعفر ذلك الفقير الذي ذهب إلى باب دار عليّ بن يقطين لا يختلف عن عليّ بن يقطين الذي هو الوزير الأعظم للخليفة العبّاسيّ هارون الرشيد، كلاهما عنده سواء، كلاهما سواء ولا يختلفان أبدًا، بالنسبة لنا نحن يختلفان، بالنسبة لنا نحن إن كان لإنسان ما بحسب الظاهر مقام وموقع فإنّه يختلف عن غيره مائة وثمانين درجة، وننحني له راكعين ونقوم ونجلس له ستّ مرّات كيلا يتأذّى منّا لا قدّر الله، فهذا الذي لديه مكانة ولديه اعتبار ولديه سمة سياسيّة سينفعنا يومًا ما، سيدركنا إن ما وقعنا يومًا ما في مشكلة. أمّا لو جاء فلان من الأصدقاء فإنّا لا نبالي حتّى إنّا لا ننظر إليه أين جلس وأين ذهب وماذا فعل… فهذا الاختلاف هو عندنا نحن، أمّا الإمام عليه السلام فالجميع عنده سواء، وليس فقط ذلك الفقير الذي هو من شيعة أمير المؤمنين ومنزله في الكوفة، ليس فقط هو، كلاّ والله والعظيم وتالله العظيم لو أنّ يهوديًّا أو نصرانيًّا وغير معتقد بالله ذهب شاكيًا وهو غير معتقد بالله وملحد ولا يعتقد بالله من الأساس فهل هناك أرفع من ذلك؟ كلاً، فأمير اليهوديّ سهل، فلو كان هناك إنسان لا دين له، ولكنّه ظلم، ظلم، ظه ـ لام ـ ميم ظُلم، ثمّ ذهب إلى عليّ بن يقطين فصنع معه ذلك والله العظيم أقسم بموسى بن جعفر وأنا مسؤول عن ذلك يوم القيامة أنّ موسى بن جعفر كان سيفعل ذلك أيضًا مع عليّ بن يقطين، بلا تردّد، فهذا هو الإمام، هذا هو صاحب الولاية المطلقة، هذا صاحب العصمة المطلقة ما شاء الله ما شاء الله. 

صلابة أولياء الله في رفض المعاملات الربويّة

13
  • قال له: اذهب إلى موسى بن جعفر وقل له: يقول عليّ بن يقطين إنّي واقف هنا حتّى أموت أو أعرف ماذا فعلت، فأنا أقف، إلى أين أذهب؟ إلى أين أذهب من تحت هذه الخيمة؟! إلى أين؟ لو كنّا نحن مكانه، لقلنا لموسى بن جعفر: لو كنت مكاننا ماذا كنت تصنع؟ حسنًا فاصنع ذلك لشيعتك وأوليائك! لو كنّا مكانه فخرجنا من عند موسى بن جعفر فإلى أين؟ أنتم أخبروني! إلى أين يذهب الإنسان في هذه الكرة الأرضيّة؟ إلى من يذهب؟ أيذهب إلى الأوباش والأراذل؟ أيذهب إلى هذه الدنيا النجسة القذرة قذارة في قذارة، في الأهواء والتخيّلات والتوهّمات؟ آه آه آه آه! لو كان في رأس الإنسان مقدار حبّة شعير من هذا الشعير الذي يقشّر ويوضع في الحساء لفرّ من أبناء الدنيا إلى السماوات، مقدار حبّة شعير من العقل تكفي لأجل الفرار من هؤلاء، أمّا سائر أجزاء الدماغ فعلى الإنسان أن يتركها لأمور أخرى، ويكفي مقدار شعيرة للابتعاد عن الدنيا، بهذا المقدار يكفي، مثقال حبّة من خردل، وأمّا ما تبقّى من الدماغ والذي يبلغ كما يقال ۸٥۰ غرامًا عند الرجل و٦۰۰ أو ۷۰۰ غرامًا عند المرأة. كم يبلغ أنتم أخبر، هنّ أقلّ بمائة غرام كما قرأت فهذا ما كان يقال لنا آنذاك، وطبعًا هناك احتمال أن يكونوا من حيث النوعيّة أفضل منّا فرغم صغر الحجم وقلّة الكمّ لديهم إنتاج أكثر، وهو كذلك وهو كذلك، يكفي أنّهم يتحكّمون بالرجل ذي ۸٥۰ غرامًا ولا يتأتّى منه شيء، فهذا أكبر دليل على ما أقول من أنّ عقولهنّ أكثر فاعليّة من عقولنا، وعلى كلّ حال هناك شيء من المزاح في ذلك والملاطفة. فهذا الدماغ الذي يبلغ ۸٥۰ أو ۸۰۰ غرام والذي وضعه الله هنا يكفي منه غرامان اثنان لهذا الأمر بل غرام واحد واترك ۸٤۰ غرامًا منه للأمور الأخرى. 

  • ثمّ بعد ذلك انظر في أيّ تعاسة وشقاء أوقعنا أنفسنا بحيث صار جميع وجودنا في هذه المستنقعات وفي هذه الأوضاع وفي هذه المسائل غافلين عن كافّة النعم الإلهيّة ومنحّين لها جانبًا. عندما يقول موسى بن جعفر لا يربطني بك شيء فهذا يعني أنّ الأمر قد انتهى! وقد تليت الفاتحة إلى روحك. فقال الإمام لخادمه اذهب وقل له أنسيت تلك الليلة عندما كنت في بغداد وجاء إلى باب دارك ذلك الشيعيّ الفقير والذي كان منزله في الكوفة وكانت له إليك حاجة فحجبته وكان بإمكانك أن تقضي حاجته فعاد منكسر القلب، عاد إلى منزله ولم تقض حاجته؟! فما لم تسترضه ولم تصحّح ما صدر وتجبر وتعوّض وتنال رضاه فلا طريق لك إليّ، فنحن لا نمازح أحدًا، لسنا نمازح أحدًا! ثمّ الإمام بنفسه يساعده هنا فقال له: قل له أن يركب تلك الناقة، ناقة الإمام نفسه فالأشياء التي يطرحها هو تساعد، وهذه الناقة ستأخذه، وأين المدينة وأين الكوفة؟! تأخذه إلى باب داره، فإذا أرضيته ترجع. فركب الناقة وأغمض عينه فرأى نفسه فجأة على باب داره، وهو لا يعرف داره! ترجّل عن الناقة، بطرفة عين وثانية جاء إلى الكوفة إلى باب دار ذلك الرجل الفقير من شيعة أ مير المؤمنين وقد نسيت اسمه فليراجع الرفقاء ذلك، جاء وطرق الباب فخرج الرجل فقال: من الطارق في منتصف الليل؟ قال: عليّ بن يقطين قال: وماذا يصنع عليّ بن يقطين في على باب داري؟ قال: افتح الباب الآن. فجاء فرأى أنّه هو! فوقع يقبّل رجليه ويديه. ظنّ أنّ أمرًا ما قد حدث، قال له: أتأذن لي أن أدخل؟ قال: تفضّل. قال: لقد جئت تلك الليلة إليّ في بغداد وكانت لك حاجة فلم أقضها لك، وحجبتك، وقد جئت لأقضي حاجتك، ومهما تطلب فأنا في خدمتك حتّى ترضى فأرجع. فقال: لا. فقال: لا داعي لهذا الكلام! لا بدّ أن تخبرني… والحاصل أنّه أخبره، وكتب عليّ بن يقطين من مكانه حوالة له ووضعها في يده ليذهب ويأخذ حاجته. 

صلابة أولياء الله في رفض المعاملات الربويّة

14
  • وطبعًا هنا أمور أخرى أيضًا وأنّ عليّ بن يقطين كما في بعض الروايات نام على الأرض وقال ضع رجلك على خدّي ودس عليّ بقوّة وقل اللهمّ إنّي رضيت على عليّ بن يقطين.۱ يعني أراد أن يكسر نفسه ويذلّها، فقال: أنا لا أفعل ذلك. فقال: لن أبرح هذه الدار حتّى تفعل! فهكذا كان هؤلاء! 

  • تحليل موقف السيّد جمال الدين من الموظّف في حكومة الشاه

  • فعندما نظر السيّد جمال إلى القائمقام وقال له: كن عليّ بن يقطين أوّلاً. فهذا هو عليّ بن يقطين! أنت لم تسمع إلاّ أنّه وزير وكذا، وكلّ من يرتكب خطأ يقول: أليس لدينا عليّ بن يقطين؟! أهكذا كان عليّ بن يقطين؟! لو قيل لك إنّ فوق عينك حاجبًا لقطّعت القائل لك ذلك ألف قطعة! فكيف تقول عليّ بن يقطين؟! إنّها كلمة أنت قائلها عليّ بن يقطين عليّ بن يقطين! 

  • تتمّة قصّة قصّة عليّ بن يقطين 

  • لقد نام على الأرض وقال: عليك أن تضع رجلك على وجهي. فوضع رجله، ولحسن الحظّ كان جمّالاً أيضًا وكانت رجله خشنة. فكان يقول له: لا بدّ أن تمرّر رجلك على وجهي حتّى أحسّ بخشونتها حتّى أحسّ فلا أرتكب هذه الأخطاء مرّة أخرى! وأعلم أنّ كلّ خطأ ومخالفة تصدر منّي لا بدّ أن أدفع ثمنها هنا. هنا عليّ أن أعوّض ذلك الأمر، فكان يفعل ذلك ويقول: لا بدّ أن تقول: إلهي عفوت عن عليّ بن يقطين.

  • وعندما فعل ذلك قام، وتعانقا وخرج، وركب عليّ بن يقطين الناقة وبثانيتين اثنتين وصل إلى المدينة ووصل إلى باب دار موسى بن جعفر. طرق الباب ففتح الإمام الباب وقال: تفضّل! الآن صرت سليمًا صحيحًا! الآن صرت سليمًا! هنيئًا لك. لا تعد لمثلها. ثمّ انظر كم ترقّى عليّ بن يقطين بتربية موسى بن جعفر هذه! لقد صار عليّ بن يقطين مختلفًا عن عليّ بن يقطين السابق!

  • ما هو أثر الاختبارات والابتلاءات في النفس وكيف يجب أن نستقبلها؟

  • لقد ذكرت للرفقاء أنّ ما يؤدّي إلى تكامل العقل وترقّي النفس وتجرّدها ليس هو الجلوس على مائدة الأرزّ بالزعفران! إنّ هذه الأمور والأحداث تقع والله يأتي بها. وأحيانًا يحقّق الله ذلك فمن جهة تحدث هذه المسألة والخطأ، ومن الجهة الأخرى تترتّب عليها تربية. فإذن علينا أن لا نفرّ يومًا ما! فعندما نرى أنّ أمرًا ما قد حدث ولا بدّ من التقدّم نحو الأمام فلا بدّ أن نعلم أنّ هناك برنامجًا وقصّة ما خطّط لها لأجل الترقّي، فإذا ما استقبلتَها وتقبّلتَها بحفاوة تحرّكت وتقدّمت، وإذا ما نكلت وتراجعت وأغلقت باب دارك وغيّرت سلوكك فقد بقيت في مكانك وتوقّفت وراوحت مكانك. توقّفت عن الحركة هناك، توقّفت. 

    1. بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٤٨ - الصفحة ٨٥: عن محمد بن علي الصوفي قال: استأذن إبراهيم الجمال رضي الله عنه على أبي الحسن علي بن يقطين الوزير فحجبه، فحج علي بن يقطين في تلك السنة فاستأذن بالمدينة على مولانا موسى بن جعفر فحجبه، فرآه ثاني يومه فقال علي بن يقطين: يا سيدي ما ذنبي؟ فقال: حجبتك لأنك حجبت أخاك إبراهيم الجمال وقد أبى الله أن يشكر سعيك أو يغفر لك إبراهيم الجمال، فقلت: سيدي ومولاي من لي بإبراهيم الجمال في هذا الوقت وأنا بالمدينة وهو بالكوفة؟ فقال:
      إذا كان الليل فامض إلى البقيع وحدك من غير أن يعلم بك أحد من أصحابك و غلمانك واركب نجيبا هناك مسرجا قال: فوافى البقيع وركب النجيب ولم يلبث أن أناخه على باب إبراهيم الجمال بالكوفة فقرع الباب وقال: أنا علي بن يقطين.
      فقال إبراهيم الجمال من داخل الدار: وما يعمل علي بن يقطين الوزير ببابي؟!
      فقال علي بن يقطين: يا هذا إن أمري عظيم وآلى عليه أن يأذن له، فلما دخل قال: يا إبراهيم إن المولى عليه السلام أبى أن يقبلني أو تغفر لي، فقال: يغفر الله لك فآلى علي بن يقطين على إبراهيم الجمال أن يطأ خده فامتنع إبراهيم من ذلك فآلى عليه ثانيا ففعل، فلم يزل إبراهيم يطأ خده وعلي بن يقطين يقول: اللهم اشهد، ثم انصرف وركب النجيب وأناخه من ليلته بباب المولى موسى بن جعفر عليه السلام بالمدينة فأذن له ودخل عليه فقبله

صلابة أولياء الله في رفض المعاملات الربويّة

15
  • تتمّة موقف السيّد جمال ورفضه خمس الأموال الربويّة 

  • لقد قال السيّد جمال الدين هناك لذلك الرجل: أنتم تأكلون ما تشاؤون من القاذورات ثمّ تقولون: عليّ بن يقطين عليّ بن يقطين؟! فأين أنتم وأين عليّ بن يقطين؟! فاذهب واعثر على واحد كموسى بن جعفر، ثمّ أينما أمرك أن تذهب فاذهب مطمئنّ البال! ارم بنفسك في البحر فإنّ موسى بن جعفر قد أمر، انتهى الأمر وقضي. ثمّ قال لهؤلاء الذين جاؤوا إليه: ما هذه الأموال التي أحضرتموها؟! إنّها أموال ربويّة وهذه المعاملات معاملات ربويّة وأنا لا أقبلها، ومهما أصرّوا كان يقول لهم: أنا لا أقبل الخمس وسهم الإمام من الأموال الربويّة، فافعلوا ما شئتم! وما أقوله هو للإخوان الأفاضل وعلماء الدين ولأصدقائنا فهذه أمور مهمّة، لكي نلتفت ونهتمّ كيلا نقع يومًا ما في خطأ ولا تزلّ أقدامنا. ولذلك خرجوا من عنده. ثمّ قال السيّد جمال: وبعد بضعة أيّام علمت أنّهم ذهبوا إلى أحد مراجع النجف وبيّنوا له حقيقة الأمر، فقبل وحسب لهم الخمس بكل راحة وسرور وأنس، فعادوا ولا شيء عليهم بحمد الله. فقال: تأسّفت كثيرًا لذلك وبعد أسبوع كان هناك مجلس فاتحة فشاركت فيه، وصدفة كان جلوسي إلى جانب ذلك المرجع الذي رجعوا إليه وحسب لهم خمسهم، فنظرت إليه وقلت له: بأيّة حجّة شرعيّة قبلت من هؤلاء الأموالَ الربويّة والتي لا شكّ في ربويّتها ولا شبهة؟ أتدرون بماذا أجاب؟ عين ذلك الجواب الذي أجاب به ذلك العالم وأنّ الطلاّب يحتاجون إلى خبز! أفتريد أن تقطع على الطلاب خبزهم؟! الطلاّب الطلاّب يحتاجون إلى الخبز! 

  • فقلت له: أفهل يريد الطلاّب خبزًا ربويًّا؟ 

  • أتعلم ما معنى هذا الكلام؟! يعني أنّه ليس لدينا إمام الزمان، ليس لدينا الله، ليس لدينا النبيّ، ليس لدينا المدبّرات أمرًا، ليس لدينا السماء وليس لدينا الأرض، ليس لدينا اسم الرازق، ليس لدينا اسم المعطي! الشيء الوحيد الذي نملكه هو المال الربويّ. هذا معنى ذلك! أفهذا هو عالم الدين ومرجع التقليد؟! على الناس أن يعوا شيئًا فشيئًا! عليهم أن يدركوا شيئًا فشيئًا ويعيدوا النظر شيئًا ما في أفكارهم وأن يدرسوا الأمور بشكل أكثر دقّة وعمقًا.

صلابة أولياء الله في رفض المعاملات الربويّة

16
  • پس به هر دستی نباید داد دست‌***ای بسا ابلیس آدم روی، هست‌
  • يقول: فإذن ينبغي أن لا نسلّم أمرنا لأيّ إنسان فربّما كان إبليسَ بوجه إنسان.

  • پس به هر دستی نباید داد دست‌***...
  • فإذن ينبغي أن لا نسلّم أمرنا لأيّ إنسان. 

  • لقد كان السيّد جمال الكلبايكاني مرجعًا أيضًا، وكان عالمًا، وقد قرأ أيضًا هذه الكتب، فقد قرأ الوسائل والتهذيب والأصول وعلومًا أخرى، لقد فعل هو ذلك أيضًا فلماذا لم يقبل؟ لأنّ قلبه كان متّصلاً بأمير المؤمنين لم يقبل، ولو لم يكن متّصلاً لقبلها، ولأعطاهم أيضًا علبة من المكسّرات والحلوى، فلماذا لم يقبل السيّد جمال؟ لأنّ قلبه كان منوّرًا بنور الولاية، هو يعلم أنّ هناك إلهًا في البين، وأنّ هناك إمام زمان في البين، وأنّ هناك رازقًا في البين، وأنّ هناك ملائكة، كان يعلم كلّ ذلك، ولكن نحن لا نعلم، نحن لا خبر لنا عن الله، ولا نعتقد بالله ولا بإمام الزمان، فمن هو إمام الزمان؟ ذكروا له اسمًا وقالوا إنّه سيظهر إذا أراد الله ذلك، فمن رأى ومن سمع؟! هذه هي حقيقة المسألة! ولست أمزح لست أمزح، لا بدّ أن تقال الحقيقة. والله وبالله نحن لا نعتقد بوجود إمام الزمان، لو كان لدينا اعتقاد لما تصرّفنا هكذا، لما فكّرنا هكذا، لما حقّقنا في المسائل هكذا، لا اعتقاد لنا، فلماذا نمزح؟! لماذا نريد أن نخادع الناس؟! لا شيء يا عزيزي، وهؤلاء الناس العوامّ اعتقادهم بإمام الزمان أكثر من اعتقادنا، عامّة الناس هؤلاء يشعرون بإمام الزمان في وجودهم، الأمر الذي لا نشعر به نحن في وجودنا! أصلاً لا نشعر! الله يوضّح لنا حقيقة الأمر، فليس الأمر متروكًا هكذا، فلو حدث شيء ما فنحن لدينا إمام زمان، ولدينا ملائكة، وهناك حسابات دقيقة. هذا المنهج هو منهج أولياء الله الذي علينا أن نسير عليه، وذاك منهج أهل الدينا الذي علينا أن نبتعد عنه، وهذا الميدان أمامنا. 

  • إن شاء الله بقيّة الكلام وفق الوعود السابقة لفرص أخرى وليال قادمة. نسأل الله أن يجعل هذه الحقائق متحقّقة فينا، وأن يفتح أفهامنا ويعطينا الهمّة، وأن يرزقنا من بركات شهر رمضان هذه، وأن يجعل نصيبنا من هذا الشهر المبارك زيادة العلم. فقد كان المرحوم العلاّمة رضوان الله عليه يقول: دائمًا قولوا في أدعيتكم اللهم زدني علمًا. أذكر أنّي كنت معه في مكّة عندما تشرّفنا بالحجّ، وعندما أخذنا لأوّل مرّة كوبًا من ماء زمزم لنشربه قبل الطواف، وهذا الأمر لا أنساه أبدًا وكان عمري حينها سبعة عشر عامًا بل لم أكن قد أتممت السابعة عشرة فقال: ما تدعون به عند شرب ماء زمزم فإنّ الله يستجيبه، فالتفتنا إليه أن ماذا ندعو؟ فقال: اللهمّ زدني علمًا. فإذا ما استجاب الله هذا الدعاء حُلّت جميع المشكلات. عجيب جدًّا! فالسيّد جمال كان يفعل ذلك لأنّه كان لديه علم، العلم يعني ذلك النور الذي يفتح الطريق، أمّا سائر أولئك المساكين فلم يكن لديهم علم. كانت لديهم محفوظات، كانوا كالشريط المسجّل، وضع فيهم شريط مسجّل فهو يدور، أمّا تلك الحقائق فلم تنتقش في نفوسهم، لذلك لم يكن لها تطبيق عملي، لم يكن لها تطبيق عمليّ. {ربّ زدني علمًا}۱. نسأل الله ببركة صاحب الولاية أن لا يبعدنا عنهم وأن لا يحرمنا في الدنيا زيارتهم وفي الآخرة شفاعتهم.

    1. سورة طه (٢۰) مقطع من الآية ۱۱٤.

صلابة أولياء الله في رفض المعاملات الربويّة

17
  •  

  • اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد.