المؤلّفالعلامة آیة الله السيد محمد الحسين الحسيني الطهراني
المجموعةشرح دعاء أبي حمزة
التاريخ 1398/09/11
التوضيح
في هذه المحاضرة التي عقدها سماحة العلاّمة آية الله السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ قدّس الله نفسه الزكيّة لشرح فقرات من دعاء أبي حمزة الثماليّ، سعى بدايةً إلى بيان العلاقة بين الدعاء والاستجارة، ثمّ تحدّث عن عدم نقصان الخزائن الإلهيّة بواسطة العطاء، وبيّن سبب اطمئنان الإنسان إلى صفح الله ورحمته، وأنّ عِظم أمل هذا الإنسان به تعالى يقيه من اليأس والاستسلام، مشيرًا إلى أنّ نيله للرحمة الإلهيّة بفضل الله تعالى لا بأعماله هو؛ كما تطرّق إلى ضرورة شعور الإنسان بالحاجة عند الدعاء، وكيف أنّ هذا الإنسان يقابل محبّة الله بالمعاصي، مع عدم مؤاخذته تعالى إيّاه على ذلك، ليختم كلامه في الأخير بأنّ سوء الظنّ بالله تعالى مانع عن الحركة
هو العليم
الدعاء: بين فقر الداعي وعصيانه، وعظمة المدعوّ وصفحه
شرح فقرات من دعاء أبي حمزة الثماليّ – الجلسة التاسعة
محاضرة القاها
سماحة العلاّمة آية الله السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
قدّس الله نفسه الزكيّة
أعوذ بالله مِن الشّيطان الرّجيم
بسم الله الرّحمن الرّحيم
وصَلَّى اللَهُ على خيرِ خَلقِه وأشرفِ بريَّتِه
محمّدٍ وآلِهِ الطيّبينَ الطّاهِرينَ
ولَعنةُ اللَهِ على أعدائِهِم أجمَعينَ
مقام الدعاء هو مقام استجارة
«يَا رَبِّ هَذَا مَقَامُ مَنْ لَاذَ بِكَ، واسْتَجَارَ بِكَرَمِكَ، وأَلِفَ إِحْسَانَكَ ونِعَمَكَ، وأَنْتَ الْجَوَادُ الَّذِي لَا يَضِيقُ عَفْوُكَ، ولَا يَنْقُصُ فَضْلُكَ، ولَا تَقِلُّ رَحْمَتُكَ؛ وقَدْ تَوَثَّقْنَا مِنْكَ بِالصَّفْحِ الْقَدِيمِ، والْفَضْلِ الْعَظِيمِ، والرَّحْمَةِ الْوَاسِعَة».
«هذا مقام»: إشارة إلى مقام الدعاء؛ وهو المقام الذي كان فيه الإمام السجّاد عليه السلام منهمِكًا في المناجاة عن طريق التبتّل والابتهال والتضرّع والمسكنة عند أعتاب الحضرة الإلهيّة، وكان يذكر فيه الله العليّ الأعلى بمجموعة من الصفات؛ وذلك بعد القصور والتقصير الذي يحصل للعبد تجاه ما يستحقّه الباري عزّ وجلّ من العبوديّة، وتلك الحالة من المسكنة والذلّة التي يراها هذا العبد في نفسه.. فهذه إشارةٌ إلى هذا المقام.
«هذا مقامُ»؛ أي هذه هي المكانة التي أتوفّر عليها، والمنزلة التي أملكها؛ لأنّ المراد من المقام هو محلّ القيام، والمكانة، والوضعيّة؛ فهذه وضعيّتي؛ وهي وضعيّةُ الذي لجأ إليك، واحتمى بكرمك، وألِف النعم التي منحته إيّاها، وصحِبها؛ وهو لم يأت من دون أيّ اطّلاع أو معرفة، بل رأى منك مجموعة من النعم، وشاهد العديد من أنواع الإحسان؛ وليست هذه الأمور جديدة بالنسبة إليه، لكي يسعى الآن لطلب رحمتك! وعلاوةً على ذلك، فقد لجأ إليك، لا أنّه ظلّ واقفًا خلف الباب، ورأى نفسه منفصلاً عنك، بل حلّ بساحة رحمتك، وصار لاجئًا إليك؛ ومن الجدير بكلّ عظيم وكريم أن يُجير الذي يستجير به، ولا يصحّ أن يطرده ويُخرجه من بيته بعدما استجار به.
أذكر جيّدًا أنّه عندما كنت أدرس بقم ولعلّ ذلك قبل ثلاثة وثلاثين أو أربعة وثلاثين سنة، صار الجوّ في إحدى السنوات باردًا جدًّا، وهطلت الثلوج بكثرة، إلى درجة أنّها تكدّست في أزقّة قم، بحيث لم يعُد الناس متمكّنين من رؤية بعضهم حينما كانوا ينتقلون من مكان إلى آخر؛ وقد كان الوضع بهذا النحو في طهران أيضًا؛ واستمرّت هذه الثلوج، وهطلت عدّة مرّات، وكان هطولها شديدًا في إحدى هذه المرّات؛ فكان الصيّادون يذهبون في ذلك الحين لصيد الغزال؛ إذ لم تكن هذه الحيوانات تعثر على طعام لتأكله، فكانت تأتي للبحث عن الطعام وسط هذه الثلوج، فيرميها الصيّادون، ويأتون بها من هنا وهناك لأجل بيعها؛ وبعد ذلك، حُكي أنّ قطيعًا كبيرًا من الغزلان أصابه الجوع في الثلج، فجاء إلى قرية واقعة بين قمّ وطهران، ودخل إلى أحد الخانات؛ فانتبه صاحب الخان إلى هذا الأمر، وأغلق الباب، وأمر بإطعام هذه الحيوانات وسقيها واستضافتها؛ وبعدما جفّت الأرض، أطلق سراحها بأجمعها، حيث احتفظ بها عن عمد لكي يعتني بها؛ مع أنّ الصيّادين كانوا يُطاردون هذه الحيوانات، ويرمونها، ويصطادونها بطريقة باعثة على التعجّب والدهشة، حيث كان سعرها في تلك الظروف مرتفعًا جدًّا؛ غير أنّ صاحب الخان أمر إطلاق سراحها جميعًا، وتحمّل مسؤوليّة الاعتناء بها! ففي نهاية المطاف، كانت الغزلان جائعة، ولجأت إلى منزله هو؛ فهذا الذي يُقال له: استجارة.
فالاستجارة تعني اللجوء والاحتماء؛ وهنا، إذا استجار بالإنسان أحدٌ؛ وعوضًا أن يُجيره، ويُطعمه، ويسترضيه، فإنّه يقطع رأسه، أو يُفرغ جيبه، أو يُعلّقه من رجليه، ويضربه بالسوط، فإنّ ذلك يكون مخالفًا لمقام الاستجارة؛ وقد عُرف عن العرب أنّ كلّ من يرتكب ذنبًا أو يقترف خطأً، فإنّهم يُحجمون عن معاقبته إن استجار بهم، ولا يؤذونه ما دام واقعًا تحت حمايتهم.
وإذا لاحظتم المعتَصمات الواقعة في حرم الإمام الرضا عليه السلام، والتي وُضعت في أطرافه عند أعلى الشارع وأسفله و...، فإنّها جُعلت لهذا الغرض، بحيث كلّ من كان يرتكب ذنبًا أو جريمة، ويُريدون قتله أو معاقبته، فإنّه كان يأتي لأحد المعتَصمات، ويستجير به؛ وما دام موجودًا في هذا المعتَصم، لا يُعاقب، إلى أن يخرج منه.
ويُعدّ هذا أحد الأحكام المتعلّقة بمكّة المكرّمة.. ﴿وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا﴾؛۱ فكلّ من يدخل إلى مكّة المكرّمة لا يُمكن معاقبته، بحيث لو قتل الإنسان أحدًا، أو ارتكب جريمة، فلا يُمكن مجازاته ما دام موجودًا في نفس مكّة وبيت الله الحرام؛ لكنّه لا يُطعم، إلى أن يضطرّ للخروج منها؛ لا أن يقترف جريمة هناك، ثمّ يذهب إلى الحرم، ويمكث فيه على الدوام، فيُحضرون له أطباق اللحم بالمرق، وخبز السنگك٢؛ وإلاّ، فأيّ شيء أفضل من هذا! فإذا كان الخبز متوفّرًا هنا، هل يوجد مكان أفضل نذهب إليه؟! فيرتكب الإنسان جريمة، ثمّ يذهب إلى هناك، ويبسط فراشه، وينام، ويبدأ في الشخير! كلاّ! ينبغي التضييق عليه، حتّى يخرج بنفسه؛ وحينئذ، يوقعون عليه العقوبة التي يستحقّها.
«هَذَا مَقَامُ مَنْ لَاذَ بِكَ، واسْتَجَارَ بِكَرَمِكَ، وأَلِفَ إِحْسَانَكَ ونِعَمَكَ»؛
فإذا كنت قد أنعمت عليّ وأحسنت إليّ، ولم تحرمني من مقامي هذا، فإنّ ذلك غير بعيد عن رحمتك؛ فأنا على علم بهذا البيت، بل أنا من أبنائه؛ وقد نِلت كثيرًا من هذه النعم، وصحِبتُ كثيرًا هذه الإحسانات، إلى درجة أنّها لم تعُد جديدة بالنسبة إليّ!
عدم نقصان خزائن الله تعالى بواسطة العطاء
«وأَنْتَ الْجَوَادُ الَّذِي لَا يَضِيقُ عَفْوُكَ، ولَا يَنْقُصُ فَضْلُكَ، ولَا تَقِلُّ رَحْمَتُكَ»؛
فإن كنّا قد استجرنا بك، فباعتبار أنّك لست موجودًا بخيلاً وطمّاعًا وجاهلاً وعاجزًا! بل أنت الإله الجواد الذي يجود، فيأتي بالسحب إلى أعلى السماء، لتهطل الأمطار على الأرض، إلى أن تصير مملوءة بالمياه؛ فإذا امتلأت الأرض بالمياه، فإنّ ذلك لا يعني أنّها صارت تتوفّر على قطرة واحدة أو قطرتين، بل إنّ امتلاؤها بهذه المياه يبلغ حدًّا تسيل معه الوديان، فتتشكّل البحار والمحيطات! فرحمتك واسعة إلى درجة أنّ الإنسان لا يستطيع تحمّلها لشدّتها؛ فهي كبيرة إلى هذه الدرجة! وأنت تجود باستمرار على الكائنات والموجودات من نباتٍ وإنسان وحيوان وجنّ ومَلَك وغيرها! وَجودُكَ هو كبير إلى حدّ أنّ عفوك لا يضيق معه!
إذ حينما يرتكب الإنسان ذنبًا في حقّ آخر، ويتعدّى على حقّه، فقد يعفو هذا الأخير عنه؛ لكنّ عفوه يكون محدودًا بحدّ معيّن، لا أنّه يكون مطلقًا؛ وعلى سبيل المثال، إذا وجّه الإنسانُ كلامًا بذيئًا إلى آخر، فقد يعفو هذا الأخير عنه؛ ثمّ يُوجّه إليه إهانةً أكبر، فيعفو عنه؛ ثمّ يضربه على قفاه، فيعفو عنه، وهكذا دواليك؛ لكن، إذا تقرّر أن يقوم بأفعال أكثر خطورة؛ كأن يقطع رقبة ابنه أمامه، وأمثال ذلك، فإنّه لن يعفو عنه، بل سينتقم منه؛ أي أنّ للعفو حدّ معيّن يقف عنده؛ غير أنّ عفو الله تعالى ليس له حدّ، وهو غير ضيّق لكي يكون محدودًا بحدّ.
فأنت يا إلهي جوادٌ «لاَ يَضيقُ عَفوُكَ»؛ أي أنّ عفوك لا يضيق بالنسبة إلى هذا الجود!
فهذا الجود هو عالٍ جدًّا، إلى درجة أنّه يؤدّي إلى سعة عفوك؛ لأنّ العفو مصداق من مصاديق الجود؛ ولهذا، نرى بأنّ الأجاوِد الذين يكثُر إحسانُهم يتّصفون بالعفو؛ لأنّ العفو أحد مصاديق الجود؛ في حين نجد أنّ البخلاء يفتقرون للعفو، حيث إنّ هذه الصفات والغرائز مرتبطة ببعضها. فأنت ذلك الإله الجواد الذي لا يضيق عفوُك، ولا يخضع هذا العفو لأيّ حدّ.
«وَلا يَنقُصُ فَضلُكَ؛ ولا يقلّ، مهما أعطيت!».
فمهما غرفتَ الماء من هذا المـُحيط، فلن يتناقص بتاتًا، بحيث يكون الأخذ وعدم الأخذ منه سواء؛ وبالتالي، إذا عفوت عنّا، وقضيت حوائجنا، وحقّقت ما نريده من آمال وأماني، فإنّ ذلك لن يُقلّل أبدًا من الفيوضات التي تهبنا إيّاها، ومن الفضل الذي تتفضّل به علينا، ولن يُؤدّي ذلك إلى نقصان خزائن جودك. فتارةً، تصبّ الماء في حوض، ثمّ تملأ منه سطلين، فيظهر النقصان على هذا الحوض؛ لكن، تارةً أخرى، يكون ماء الحوض متّصلاً بالمنبع، بحيث مهما غرفت منه، تجد أنّه لا يزال مملوءًا بالماء؛ وهذا هو حال الآبار التي تجود بالماء من تلقاء ذاتها؛ فتستخرج منها الماء باستمرار، وتجد بأنّها لا زالت مملوءة؛ إذ مهما استخرجت منها الماء، حلّ محلّه ماء آخر.
رحمة الله تعالى هي بهذا النحو؛ فمهما اغترفت منها، يوجد ما يُعوّضها؛ فأنت تظنّ أنّك إذا لم تغترف منها، فإنّ ذلك أفضل؛ لأنّك تعتقد أنّ الاغتراف منها يُنقصها! فتقول: لا ينبغي عليّ إنفاق مالي هنا؛ وإلاّ لنفذ؛ كلاّ! إذا لم تُنفقه، سيبقى على حاله؛ وإذا أنفقتَه، سيبقى أيضًا على حاله. والبئر يبقى دائمًا مملوءًا بالماء إلى حدّ معيّن؛ فإذا ألقيت فيه دلوًا، واستخرجت منه عشرة دلاء من الماء، سيرتفع الماء مرّة أخرى إلى نفس ذلك الحدّ؛ وإذا لم تستخرج منه الماء، سيتوقّف أيضًا عند ذلك الحدّ بعينه؛ غاية الأمر أنّك إذا اغترفت منه الماء، سيحلّ فيه ماء جديد، ويكون في حالة جريان؛ في حين أنّك إذا لم تغترف منه، سيبقى مستوى الماء عند ذلك الحدّ، ويكون في حالة ركود؛ وحينما يتوقّف عن الحركة، سيفقد صفاءَه.
يقول أمير المؤمنين عليه السلام:
«تَنزِلُ المـَعونَةُ على قدرِ المـَؤونَةِ»؛۱ أي أنّ الله العليّ الأعلى يُنزل من السماء المعونة والإمداد على قدر الحاجة؛ فكلّ من يكون له مقدار معيّن من الحاجة، لا بدّ أن تأتيه المعونة طبقًا لهذا المقدار.
فإن كان لأحد ولدٌ واحد، فإنّ المعونة تأتيه من السماء على قدر هذا الولد الواحد؛ وبالتالي، إذا أحجم أحدٌ عن الإنجاب محتجًّا بقوله: إذا صار لديّ ولد، سوف تزيد نفقاتي، وتزداد مشاكلي، فإنّ هذا مجانب للصواب؛ لأنّه يُساوي بين حالتي التوفّر على أولاد وعدم التوفّر على أولاد؛ وهو الآن في حالة لا يتوفّر فيها على أولاد، حيث تختصّ هذه الحالة بمعونة خاصّة وسعة رزق معيّنة؛ ثمّ تجده في هذه الحالة يريد أن يحسب تلك الحالة التي يكون له فيها أولاد [ويقيسها عليها]؛ في حين أنّه لا يستطيع حسابها؛ لأنّه لا يملك الآن أولادًا؛ هذا، مع أنّ تلك المعونة [المختصّة بالأولاد] لا تأتي إلاّ حينما يأتي الأولاد، وليس الآن! وحينئذ، نراه يبخل في خزائن الله تعالى، ويقول: «لن أنجب أولادًا؛ لأنّني إذا أنجبتُهم، لن أتمكّن من تحمّل نفقاتهم، وسترزح الأرض تحت وطأتهم، ولن تقدر على إنتاج القمح والشعير، وسيأكل الناسُ بعضهم بعضًا؛ وأنا أعتبر نفسي هو المسؤول عن حصول كلّ ذلك»، لكنّ هذا كفر، كفر! كفر بالله، وبالوجدان، وبالنعمة، وبالغريزة، وبكلّ شيء! فالذي له عشرة أولاد تأتيه عشر إعانات؛ والذي له مدينة من العيال تأتيه معونة بنفس هذا المقدار: «تَنزِلُ المـَعونَةُ على قدرِ المـَؤونَةِ».
وبالتالي، «وَلا يَنقُصُ فَضلُكَ»؛ افرضوا أنّ فلانًا كُلِّف بالإنفاق من بيت مال المسلمين على كلّ من يدخل من باب المسجد؛ ففي هذه الحالة، لن يكون هناك أيّ معنى لأن يبخل؛ لأنّ هذا المال ليس ماله، بل مال بيت المسلمين؛ هذا أوّلاً، وثانيًا، فإنّ ذلك المال غير محدود بحدّ، بحيث إذا أنفقت منه ألف تومان أو عشرة آلاف تومان على عشرة أشخاص، فإنّه سينفد؛ بل مهما أنفقت منه هذه الأوراق النقديّة ذات الألف تومان، فإنّه يظلّ موجودًا. فالإنسان مجرّد وسيلة بالنسبة للغير؛ وحينئذ، إذا كنّا نعلم أنّ هذا الإنسان ليس هو صاحب المال حقيقةً، بل هو مجرّد وسيلة، والله تعالى هو صاحب المال: ﴿لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾،٢ ﴿لِلَّهِ مَا في السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾،٣ فكم سيكون قبيحًا أن نُقصّر في الإنفاق، وفي تلك المسائل المعيّنة والمحدّدة! وهذا ينشأ من شحّ النفس؛ لأنّ الشحّ يعني البخل.
وانتبهوا، فإنّ البخيل أسوء من الطمّاع؛ لأنّ الطمّاع هو الذي يسعى لجلب الأموال لنفسه؛ وأمّا البخيل، فعلاوةً على أنّه يسعى أيضًا لجلب الأموال لنفسه، فإنّه لا يتحمّل أن يرى الآخرين يتنعمّون بهذه الأموال؛ ففضلاً عن أنّه لا يتنعّم بالمال، فإنّه لا يتحمّل رؤية الآخرين يتنعّمون به.
﴿وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ (أي بخل نفسه) فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾؛۱
فكلّما كانت النفس منشرحةً، وليّنة، وصبيبها أكثر، كان ذلك أفضل! فحينما يصير الماء جاريًا، يُصبح طاهرًا وصافيًا؛ ولهذا، فإنّ مياه الأنهار الجارية لا تتلوّث أبدًا بالميكروبات، ولا يُصيبها التعفّن بتاتًا؛ خلافًا للمياه الراكدة؛ نظير مياه البِرَك والمسابح التي إن ظلّت على حالها، فإنّها تفسد. وقد ثبت طبقًا لمعادلة رياضيّة محدّدة أنّه: نتيجة لجريان الماء، فإنّ الهزّات الأرضيّة الخفيفة (Tremors) تعمل ـ عن طريق خاصّية النفاذيّة ـ على إيصال ذرّات هذا الماء إلى مكان معيّن، بحيث تقوم بقتل وإزالة كلّ ميكروب يتسلّل إليها؛ لكن، إذا كان الماء راكدًا، فإنّه لن يتوفّر على هذه الميزة؛ وبالتالي، سيتعفّن.
فالمال مال الله تعالى؛ وهو يأتي من موضع خاصّ، ويذهب إلى موضع آخر؛ والإنسان ليس مالك المـُلك، ولا مَلِك الملوك؛ ومع ذلك، نجده يدّعي أنّه ملِك الملوك، ومالك المـُلك؛ فيعمل بذلك على خداع نفسه! «وَلا تَقِلُّ رَحمَتُكَ»؛ «اللهُمَّ إنِّي أسأَلُكَ بِرَحمَتِكَ التي وَسِعَت كُلَّ شَيءٍ».
سبب اطمئنان الإنسان إلى صفح الله تعالى ورحمته
«وَقَد تَوَثَّقنا مِنكَ بِالصفحِ القَديمِ والفضلِ العَظيمِ والرحمةِ الوَاسِعَةِ»
إلهي، لقد تشبّثنا بك، ووثقنا بك، وحصل لدينا اطمئنان إلى كرمك، ووضعنا قلوبنا عند أعتابك، رجاءً لصفحك؛ مع أنّ هذا الصفح ليس جديدًا عليك، بل إنّ من صفاتك القديمة أنّك تصفح، وتتغاضى؛ وذلك لأنّك عظيم.
فلو كان أحد يفتقر للعظمة، ووُجّهت إليه إهانة يسيرة، وتعومل معه بما لا يتوافق مع شأنه، لأصبح عدوانيًّا، وبدأ يصرخ، ويشتم، ويضرب؛ وأمّا الذي يكون عظيمًا، [فلا]!
فإن كان يوجد في البيت رجل عظيم، وكان الأطفال يلعبون هناك، فإنّك لا تراه يصرخ في وجوههم، أو يتعارك معهم باستمرار؛ لكن، إن كان صاحب هذا البيت ذا نفس وضيعة، فإنّك تجده يصرخ دائمًا مثل الأطفال الذين يصرخون؛ وحينما يجرون، فإنّه يجري وراءهم؛ وحينما يلجؤون للشتم، فإنّه يقوم بالفعل ذاته؛ فيكون كالطفل تمامًا! وأمّا العاقل، فلا يتصرّف بهذا النحو، بل يقول: «إنّهم أطفال، ومن شأنهم إحداث الضجيج، واللعب؛ ففي جميع الأحوال، هم أطفال، فما شأني بهم؟!». هل سبق أن رأيتم كلبًا ينبح في الزقاق، فينبح الأطفال أيضًا، ويجرون وراءه، ويذهب من هذه الناحية، فيذهبون من الناحية الأخرى؟ لأنّهم أطفال! وأمّا الإنسان المحترم، فحينما يخرج من بيته، ويمشي في الزقاق، ويبدأ ذلك الكلب في النباح، فما الذي يفعله؟ يمشي في طريقه، ولا يعتني بذلك النباح! لأنّ ذاك كلب، وحيوان؛ وهذا الفعل هو مقتضى حيوانيّته؛ في حين أنّني إنسان، ولا ينبغي عليّ أن أتشاجر معه!
فكم هو عظيم هذا الإله! وكم يمتلك من الصفح! فمع كلّ هذه الكائنات، وهذا العالم، وهذه الفوضى، وهذا الضجيج، وهذه المعاصي، وهذه الجرائم، وليست واحدة فقط، بل إنّ كافّة هذه الموجودات من المخلوقات الإنسيّة ترتكب المعاصي، وتأكل من رزق الله تعالى، وتسعى لخداعه، لكنّه عظيم! وهو على درجة عالية جدًّا من الجلالة والعزّة وكرم الصفح وقِدم المنّ، بحيث لا يتحرّك من موضعه أبدًا، ولا يتزلزل، ولا يضطرب، ولا يأتي على باله أبدًا أنّه: حذار أن تخدش هذه الأحداث التي تقع في العالم، وهذه الجرائم والمعاصي في كبريائي! أبدًا! لا تخدش فيه بتاتًا!
حسنًا، فنحن قد عرفنا أنّك قديم الصفح؛ والصفح يعني العفو؛ فصفحُك قديم، لا أنّه غير مسبوق، بل له سابقة.
«[و] الفضلِ العظيمِ»،
«والرحمةِ الواسعةِ»؛ فرحمتك واسعة وغير محدودة بحدّ.
«تَوَثَّقنا»؛ فنحن قد وثقنا بهذه المسائل المرتبطة بك؛ أي أنّ قلبنا اطمأنّ هنا، وخرجنا من حالة الاضطراب والتأرجح والشكّ والارتياب.
ففي أيّ موضوع، ما دام الإنسان لم يصل إلى درجة الوثوق، فإنّ قلبه يكون في اضطراب دائم، ويظلّ يقول: لديّ شكّ في أن أقوم بهذا العمل أو لا أقوم به، وهل هو في مصلحتي أم لا، وهل أذهب عند هذا الطبيب أم لا، وهل أقوم بهذه العمليّة الجراحيّة أم لا، وهل هي في صالحي أم لا؟!
لكن، حينما يصير متوثّقًا، فإنّ اضطراب قلبه وتأرجحه يذهب، ويسكن.
عظم أمل الإنسان بالله تعالى يقيه من اليأس والاستسلام
«أ َفَتُرَاكَ يا ربِّ تُخلِفُ ظُنونَنا أو تُخَيِّبُ آمَالَنَا؟! كَلاَّ يا كريم»!
فإذا كان الأمر بهذا النحو، فهل يُمكن في مثل هذا الموقف الذي يُنظر إليه فيك بهذا النحو، ونمتلك فيه هكذا ظنون حسنة بك، أن تُعاملنا بخلاف هذه الظنون؟! «أو تُخَيِّبُ آمَالَنَا؟!» أو تكون ثمرةُ هذه الآمال التي تحدونا الخيبة والخسران، فنخرج مع كلّ هذه المقدّمات خالو الوفاض؟!
«أ َفَتُراكَ؟!»: يعني هل يكون الأمر بهذا النحو؟! حيث تُستعمل هذه العبارة في مقام التعجّب؛ كأن يمدح الإنسانُ أحدَهم، ويقول: أنت يا سيّدي كذا وكذا؛ وإذا كنت يا حضرة السيّد تمتلك مائة مليون من المدّخرات، وأنت بهذا النحو، وبذلك النحو، ... فهل يُمكن والحال هذه أن يقف في طريقك فقير، ولا تُقدّم له مساعدة؟! فهذا أمر لا يُمكننا افتراضه بتاتًا!؛ فالمراد من «أ َفَتُراكَ؟!» هو أنّ ذلك لا يُمكن افتراضه أبدًا! ولا يُمكن أن تُرى بتاتًا في هكذا موقف! ولا يأتي على بالنا أبدًا أن تكون بهذا النحو! أو يكون المراد من «أ َفَتُراكَ؟!» أنّه: هل ترى نفسك أنت بهذا النحو؟! أو «أ َفَتُراكَ؟!» تعني: هل يُمكن تصوّرك ورؤيتك في هكذا موقف يا إلهي، بحيث تختم آمالنا وأمانينا بالخيبة والخُسران؟! فإن كانت هذه الآمال متعلّقة بوجودك المقدّس، هل تكون نتيجتها الخيبة والخسران؟! كلاّ! أبدًا، أبدًا يا كريم؛ ويا أيّها الإله الذي يتّصف بالكرم!
«فَلَيسَ هَذَا ظَنُّنَا بِكَ ولاَ هَذَا فِيكَ طَمَعُنَا».
فنحن لا نمتلك هكذا ظنّ بك، ولا يأتي على ذهننا مثل هذا الخيال والطمع فيك؛ بل ولا يخطر في بالنا أبدًا أن يكون لنا أمل بك، ثمّ تُرجعنا خالو الوفاض، وأن يكون لنا ظنّ حسن بك، ثمّ تقلبنا خائبين! فلا يُمكن لهذا التفكير أن يُساورنا بتاتًا!
«[يَا رَبِّ] إنَّ لَنَا فيكَ أَمَلاً طويلاً كثيرًا»؛ فهذا الآن لا يعدو كونه الخطوة الأولى، وإلاّ، فنحن لدينا آمال طويلة!
«إنَّ لَنَا فيكَ رَجاءً عَظيمًا»؛ فنحن لدينا فيك رجاء عظيمًا، وهو أكبر من ذلك.. أكبر بكثير!
فالأمل الذي لدينا فيك كبير جدًّا، وهو ليس صغيرًا، حتّى نستسلم بسرعة؛ كما أنّ رجاءنا ليس صغيرًا، بحيث ما إن يُواجهنا مانع، حتّى يتحوّل هذا الرجاء إلى يأس، بل هو كبير جدًّا، كبير جدًّا! فرغم أنّ أيدينا فارغة، إلاّ أنّ رجاءنا عظيم!
«عَصيناكَ (وتمرّدنا عليك، وارتكبنا الذنوب) ونحنُ نَرجُو أَن تَستُرَ عَلَينا، وَدَعَوناكَ ونحنُ نَرجُو أَن تَستَجيبَ لَنَا».
فهذا هو رجاؤنا؛ وهو عظيم: «إنَّ لَنَا فيكَ رَجاءً عَظيمًا»، ولهذا، فإنّنا نُذنب؛ لأنّ رجاءنا عظيم، حيث يأتي هذه الرجاء مباشرةً بعد الذنب، فيتعيّن عليه أن يستره! فنحن ندعوك، ورجاؤنا عظيم؛ ولازم عِظم هذا الرجاء أن تتعقّب الاستجابةُ الدعاءَ مباشرةً، بحيث متى ما قلنا: «إلهي»، فإنّك تقول: «نعم»؛ لأنّ لدينا رجاء!
«فَحَقِّق رَجَاءَنا مَولانا»؛ فيا مولانا، ويا سيّدنا، حقّق رجاءنا؛ أي رسّخه.
فنحن لا نملك إلاّ هذا الرجاء والأمل؛ وقد تحقّقنا من حساباتنا، فلا يوجد فيها أيّ شيء من الأعمال الصالحة، وأيدينا فارغة؛ كما أنّ المعاصي قد أحاطت بنا من كلّ جانب، ولا يوجد لدينا إلاّ معرفة وحبّ: «معرفتي يا مَولايَ دليلي عليكَ وحُبِّي لكَ شَفيعي إِلَيكَ»۱.٢
فلديّ هذين الاثنين ولا شيء سواهما، حيث أوجد هذا الحبّ فيّ الرجاء، كما حقّقته وأثبتته فيّ أيضًا تلك المعرفة؛ وبالتالي، لا يوجد لدينا أيّ عمل صالح؛ وإذا كنت تتوقّع أن نقوم بعمل صالح تُدخلنا بواسطته إلى الجنّة، فإنّنا لا نملك بتاتًا في وجودنا وجوهرنا ودائرة حياتنا ومحيطنا وماهية كينونتنا أيَّ عملٍ يقع في مقابل رضوانك! فلا يقدر هذا الجوهر والموجود المحدود على أيّ فعل يُحصّل بواسطته رضاك؛ وبالتالي، فإنّنا فرغنا من هذه المسألة، وسلّمنا بأنّنا لا نقدر على أيّ شيء؛ فلدينا رجاء بك أنت، لا بأعمالنا؛ «فَحَقِّق رَجاءَنا»؛ فأنت مولانا، ونحن عبيدك؛ ومقتضى المولويّة أن يقضي المولى حوائج عبيده؛ لأنّ العبد ليست له من نفسه أيّة ملكيّة أو سلطة، بل السلطة هي للمولى، بحيث يتعيّن عليه الامتثال لكلّ فعل يأمره به؛ كما أنّ مسؤوليّة هذا العبد والتزاماته تقع بأجمعها على عاتق مولاه! فأنت يا إلهي مولاي، ولا يوجد لديّ مولى غيرك، لكي أتوجّه إليه؛ «فَحَقِّق رَجاءَنا»؛ لأنّ هذا الرجاء العظيم الذي يحدونا تجاهك هو رجاء صحيح وغير باطل؛ فرسّخه، واختم عليه، وقوّمه؛ فهو ليس برجاء خاطئ، بل هو صائب؛ غاية الأمر أنّنا نريدك أن تُثبّته قليلاً!
نيل الإنسان رحمة الله بفضله تعالى لا بواسطة أعماله هو
«فَقَدْ عَلِمْنَا مَا نَسْتَوْجِبُ بِأَعْمَالِنَا، وَلَكِن عِلْمُكَ فِينَا وَعِلْمُنَا بِأَنَّكَ لَا تَصْرِفُنَا عَنْكَ وَإِنْ كُنَّا غَيْرَ مُسْتَوْجِبِينَ لِرَحْمَتِكَ».
إلهي، لقد اطّلعنا على نتيجة أعمالنا، وعلمنا بالذي نستوجبه جرّاء هذه الأعمال التي قمنا بها، وتحقّقنا من حساباتنا! فماذا كانت نتيجة كلّ ذلك؟! فنحن لا نستحقّ بواسطة أعمالنا كلاًّ من الثواب، والرحمة، والترحاب، وتزيين الجنان، واصطفاف الحور العين حاملات بأيديهنّ الشموع والورود! فكيف نحصل على هذه الأمور؟ نحصل عليها ببركة سعة جودك وفضلك العظيم، وليس بواسطة أعمالنا؛ فقد علمنا بما نقدر على فعله، واستوعبنا أنّ وجودنا ممكن!
سيه رویى ز ممكن در دو عالم | *** | جدا هرگز نشد والله أعلم |
[يقول: لا ينفكّ سواد الوجه بتاتًا عن الممكن في كلا العالـَمينِ، والله العالم]
فجوهرُنا من فحم، ومن كبريت، ومن حديد زهر، ومن حديد أسود، وليس من ألماس برّاق؛ وقد تحقّقنا من هذا الأمر، وفرغنا منه!
«وَلَكِن عِلْمُكَ فِينَا (وإدراكنا بأنّك عالم بنا) وَعِلْمُنَا بِأَنَّكَ لَا تَصْرِفُنَا عَنْكَ» (ونحن أيضًا نعلم بأنّك يا إلهي لا تطردنا عن ساحتك، ولا تُحوّل وجوهنا عنك، ولا تُقصينا عن حكومتك).
لأنّنا عبيد، بل نحن عبيدك أنت؛ ولو تجوّلنا في كلّ العوالم، لما تمكّنا من الذهاب إلى موضع آخر؛ كما أنّه لا يوجد إله غيرك، ونحن عبيدك؛ والأمر هو بهذا النحو شئنا أم أبينا! وقد أدركنا هذه المسألة، وحصلت لنا هذه المعرفة. هذا، مع أنّنا لا نستوجب رحمتك؛ لأنّ استيجاب الرحمة متفرّع عن أن يتوفّر الإنسان على قابليّة واستعداد، ويقوم بعمل يستجلب به هذه الرحمة؛ في حين أنّ المسألة ليس بأن نقوم بعمل، فيصير واجبًا بسببه أن تُفيض علينا رحمتَك؛ لأنّ هذه الرحمة عبارة عن أمر مُفاض ومتدفّق، لا أنّه يقع في مقابل العمل، ولا أنّه يوجب عليك هذه الإفاضة عِوضًا عن العمل.
«استَوجَبَ وأوجَبَ»؛ فاستوجبَ تعني طلبَ الوجوب، ووجب تعني صار واجبًا، وأوجَب تعني جعل واجبًا؛ فنحن غير مستوجبين؛ أي أنّنا لا نستوجب جلب رحمتك إلينا! كلاّ!
«فأنتَ أهلٌ أن تَجودَ علينا وعلَى المـُذنبين بِفَضلِ سَعَتِكَ».
فإذا صار الأمر بهذا النحو:
«فامنُن عَلَينا بِمَا أنتَ أَهلُه»؛ فامنن علينا، وأعطنا، وأرسل إلينا رحمتك بما أنت أهله.
لا بما نحنَ أهلُه! فلو قلنا: تفضّل علينا بما نحن أهله، لكان ذلك باعثًا على الخجل؛ لأنّ صحيفة أعمالنا سوداء، وورقة امتحاننا خالية، ولم نكتب فيها أيّ شيء؛ وعسى ألاّ تكون الدرجة التي حصلنا عليها هي ناقص ما لانهاية (-∞)! وحينئذ، سنأتي بصحيفة أعمالنا إلى هنا، ونقول: «إلهي، فيما يخصّ هذه الصحيفة التي منحتنا إيّاها، وأردت اختبارنا فيها، املأها بدلاً عنّا، واكتب بنفسك في هذه الورقة! أ فهل تريد اختبارنا؟! لقد أدركنا أنّنا لا نستطيع القيام بأعباء هذا الاختبار الذي تُريد أن تجريه علينا؛ اللهمّ إلاّ أن تقدّم إلينا يد العون في كلّ لحظة من لحظاته، وإلاّ لحصلنا على درجة ناقص ما لانهاية (-∞)! فإذا كان الأمر بهذا النحو، تعال أنت، واملأ صحيفتنا بنفسك!
«فامنُن عَلَينا بِمَا أنتَ أَهلُه»؛ هذا، مع أنّك بارع جدًّا في الكتابة، ومطّلع على العلوم الغريبة والعجيبة، وقويّ جدًّا في الرياضيات، وفي علوم الصناعة النفطيّة، وفي الإيديولوجيا؛ ولا تُعجزك الامتحانات؛ فتعال، واملأ هذه الصحيفة، واكتب فيها ما تشاء، وما يقتضيه مقام عظمتك وسعة كرمك!
ضرورة شعور الإنسان بالحاجة عند الدعاء
«وَجُد عَلَينا فَإنَّا مـُحتاجونَ إلى نَيلِكَ» (وألطافك الزائدة).
فنحن لم نأت إلى بابك عن شبع وارتواء، بحيث نطلب منك، ولا نهتمّ بعد ذلك، سواءً أعطيتنا أم لا! فنطرق الباب، ونقول: «أعطنا»، فتقول: «لا يوجد صاحب المنزل وربّ البيت، فتعالوا غدًا؛ إذ ليس هناك اليوم شيء»، فنقول: «سمعًا وطاعة!»؛ كلاّ! فنحن محتاجون؛ والمحتاج لا يتراجع حتّى يظفر [بطلبته]؛ ولهذا، فإنّ الذئب لا يقنع بأيّ شيء أبدًا، حتّى يُمسك بفريسته، ويُقطّعها إربًا إربًا!
يقول بابا طاهر:
... | *** | که گرگ از هَیْ هَیْ چوپان نترسد؛۱ |
فتجد الراعي يحمل العصا، ويريد أن يضرب بها على رأس الذئب ليُهشّمها، لكنّ الذئب الجائع الذي لم يتمكّن من الحصول على فريسة بسبب تساقط الثلوج على الأرض لا يلتفت إلى ذلك أبدًا! فلو ضربه الراعي، وقطّعه إربًا إربًا، لما سلك طريق الفرار، بل سيسعى لمواجهة هذا الراعي؛ وكأنّه يقول في نفسه: «إنّ فريستي وحياتي موجودتان هنا، فإلى أين سأذهب؟! وهذه الأغنام الماثلة أمامي هي حياتي وضياء عيني؛ في حين أنّ هذا الراعي يأمرني بالتخلّي عن فريستي، والذهاب إلى وسط الثلوج لكي أموت جوعًا!»؛ أ فهل بوسع الإنسان الحكيم القيام بهذا العمل؟! كلاّ! فإذن، لا يُمكن للذئب الحكيم القيام به أيضًا وبطريق أولى!
هر آنکس عاشـق اسـت از جـان نترسـد | *** | یقـــین از بنـــد و از زنـــدان نترســـد |
دل عاشــــق بــــود گــــرگ گرســــنه | *** | کــه گــرگ از هــی هــی چوپــان نترســد |
«فَإنَّا مـُحتاجونَ إلى نَيلِكَ»؛ وقد شعرنا بهذه الحاجة، وبأنّ ذاتنا مفتقرة إلى عطائك وجائزتك.
فنحن محتاجون، ولن نستسلم؛ فلو قلت: «ارحلوا»، لقلنا: «لن نرحل»؛ وإن قلت: «اذهبوا الآن، وارجعوا غدًا»، فإنّنا سنقول: «الليلة!»؛ وإذا قلت: «اذهبوا، وارجعوا بعد ساعة»، سنقول: «كلاّ، فلا يوجد لديك أيّ فارق بين أن تُعطينا الآن، وبين أن تُعطينا بعد ساعة واحدة؛ فلماذا تُريد إذن أن تخدعنا، وتُضايقنا؟!»؛ ولو قلت: «لا تتوفّروا على الأهليّة والقابليّة»، لقلنا: «إنّ القابليّة حصلنا عليها منك أنت؛ وإلاّ من أين لنا الحصول عليها؟!»؛ وإن قلت: «عليكم أن تعملوا!»، فإنّنا سنقول: لا نقدر على فعل أيّ شيء؛ لأنّنا كسالى؛ وقد لجأنا للقيام ببعض الأعمال والعبادات المكتنفة بالنقائص، لكّننا عرفنا أنّها لا تحوز على رضاك!.
فيا إلهنا وسيّدنا، لا تتأخّر أكثر؛ فقد اطّلعنا على حساباتنا، وعرفنا بأنّنا محتاجون؛ ولهذا، ازداد رجاؤنا؛ إذ كلّما شعر الإنسان بحاجته أكثر، زاد رجاؤه وأمله؛ وأمّا إذا لم يشعر بهذه الحاجة، فإنّ رجاءه سينعدم، وسيقول في نفسه: لا يهمّني، سواء ظفرت بشيء أم لم أظفر؛ وسأؤدّي الصلاة، سواء منحني الله تعالى شيئًا أم لا؛ وقد أمر الأنبياء بأداء الأعمال الصالحة، فسأؤدّيها، سواء حصلت على شيء أم لا!؛ ففي نهاية المطاف، على الإنسان أن يعتنق في هذه الدنيا دينًا معيّنًا، وعقيدة محدّدة؛ فإذا لم يصر مسيحيًّا، فإنّه سيُصبح يهوديًّا؛ وإذا لم يصر يهوديًّا، فإنّه سيُصبح مسلمًا؛ وإذا لم يصر مسلمًا، فإنّه سيُصبح زرادشتيًّا...؛ وباختصار، هذا هو حال الدين الذي يعتنقه الناس! غير أنّ حقيقة المسألة ليست بهذا النحو!
«فَإنَّا مـُحتاجونَ»: لقد اطّلعنا على حقيقة الأمر، وألقينا رحلنا في هذه الساحة، ونحن نرى أنفسنا غارقين في الفقر والحاجة، وارتفع رجاؤنا؛ تمامًا كميزان الحرارة الذي ترتفع درجتُه فجأة حينما تضعه مقابل الشمس، أو تحت لسان رجل محموم بلغت درجة حرارته الأربعين؛ فقد أحسسنا بحاجتنا إلى هذا المستوى.
«يا غَفَّارُ بِنُورِكَ اهتَدَينَا وبِفَضلِكَ استَغنَينَا وبِنِعمَتِكَ أَصبَحنَا وأمسَينَا»؛
يا أيّها الإله الغفّار، إن كنّا قد اهتدينا، وصار لدينا التجاء إليك، وأصبحنا نرى أنفسنا مفتقرين إليك، وازداد رجاؤنا إلى هذا الحدّ، وأضحى لدينا أمل طويل فيك، وصرنا نسألك مجموعة من الحوائج، فإنّ ذلك كلّه قد حصل ببركة نورك؛ فنورك هو الذي سطع على قلوبنا، لكي يأتي بنا إلى هذا الطريق، ويُلقي في بالنا هذه الأفكار؛ وإلاّ، شتّان بيننا وبين هذه المسائل لولا نورك! إذ بواسطة هذا النور، عثرنا على الطريق؛ وببركة بفضلك، صرنا مستغنين عن فضل غيرك.
فلو لم يشمل فضلُك حالَنا، ولم يوقظنا، لبقينا نتنقّل من هذا المكان إلى ذلك المكان طلبًا لجيفة الدنيا؛ شأننا شأن بقيّة الموجودات الجائعة؛ نظير الذئاب، ولظللنا نجول إلى آخر عمرنا، ونحن جوعى وعطشى! ففضلك هو الذي غمرنا، وأغنانا، ووهبنا الغنى المطلق عن غيرك، حيث إنّ هذا الأمر يرتبط بالعلاقة مع غيرك؛ لكن، ماذا عن العلاقة بك أنت؟ إنّها الحاجة المطلقة! «فَإنَّا مـُحتاجونَ إلى نَيلِكَ».
«وبِنِعمَتِكَ أَصبَحنَا وأمسَينَا»؛ فنحن نظلّ من الصباح إلى المساء، ومن المساء إلى الصباح، ونستيقظ من النوم، ثمّ يحلّ الليل، ونحن مغمورون بنعمك.
ونعلم أنّ النعم التي لدينا إنّما هي منك أنت؛ فنحن في الأساس صرنا خدّامًا لهذه العائلة؛ وقد ثقبوا آذاننا، ووضعوا فيها قرط العبوديّة لهذا البيت؛ وحينئذ، إلى أين تريد أن تطردنا وتنفينا؟!
«ذُنُوبُنا بينَ يَدَيكَ»؛ فذنوبنا حاضرة أمامك، ونحن نعترف بها.
«نَستَغفِرُكَ اللهُمَّ مَنها».
ولا نقول: لقد أذنبنا، وقمنا بذلك عن عمد، وفعلنا كذا، وكذا، حيث صار يُقال في هذا العصر: على الإنسان أن يكون ذا عقليّة منفتحة؛ وأمّا ذلك العصر الذي كان فيه الناس يُمارسون العبادة، ولا يرتكبون المعاصي، فإنّه كان عصر الجمود والتحجّر، وكان عصرًا حجريًّا؛ فبما أنّ العلم قد تطوّر الآن، وتمكّنت الصواريخ من بلوغ الكوكب الفلانيّ، فأيّ معنى لهذا الكلام؟! وما الذي ستعنيه المعصية حينئذ؟!
مقابلة الإنسان لمحبّة الله بالمعاصي وعدم مؤاخذته تعالى إيّاه على ذلك
«نَستَغفِرُكَ اللهُمَّ مَنها»؛ أي من هذه الذنوب التي ارتكبناها.
بل إنّنا نعترف في الأساس أنّنا أخطأنا، وإنّنا نستغفرك يا إلهي من كلّ هذه الذنوب.
«ونَتوبُ إِلَيكَ»؛ ونرجع نحوك.
«تَتَحَبَّبُ إلَينا بالنِّعمِ ونُعارِضُكَ بِالذنوبِ».
فأنت دائمًا تتحبّب إلينا بواسطة النعم التي تمنحنا إيّاها، الواحدة تلو الأخرى؛ ومن هذه النعم، بل وأعلاها هي محبّتك التي تغرسها في قلوبنا؛ لكن، عِوضًا عن السعي لتنمية هذه المحبّة في قلوبنا باستمرار، فإنّنا نُعارضك ونُقابلها بالذنوب.
فالمسألة تكون هنا بالعكس تمامًا! حيث نجد الباري عزّ وجلّ يمنح الإنسان النعم، ويغرس بواسطتها محبّته في قلبه، ممّا يفرض على هذا الإنسان أن يُقابل ذلك بإبراز محبّته لله، والقيام بالأعمال التي توجب رضاه ومحبّته، حتّى يُحبه تعالى؛ غير أنّ الذي يقوم به الإنسان مقابل هذه النعم التي أوجدت فيه المحبّة هي الذنوب والمعاصي، فيسعى لارتكابها!
هذا، مع أنّنا عبيد وهو إله! وهنا، نرى بأنّ الحسابات بدأت تتميّز عن بعضها؛ إذ ما دام لم يجر التعامل مع هذه الحسابات بشكل دقيق، يكون هناك خلط بين أفعالنا وأفعال الله، حيث تجدنا نُلصق به تعالى بعض صفات الإمكان، وننسب لأنفسنا عددًا من صفات الوجوب، ونعدّ أنفسنا أربابًا [بمعنى من المعاني]؛ هذا، مع أنّنا نعتبر الله تعالى ملك الملوك، غير أنّنا ننسب إليه ـ شئنا أو أبينا ـ في طيّات مدحنا وله ثنائنا عليه بعض آثار الإمكان والضعف وأمثال ذلك؛ فيصير هناك خلط ومزج بين الله تعالى وبيننا! لكن، حينما أعدنا حساباتنا، وجدنا الأمر خاطئًا، فتنحّينا جانبًا، وارتفع الله تعالى عاليًا جدًّا، وتراجعنا إلى الوراء كثيرًا، إلى درجة أنّنا صرنا نخجل من الحديث عن المعروف والإحسان والنعمة والعبادة وأمثال ذلك؛ فلا شيء من ذلك أبدًا وبتاتًا! وتبيّن لنا أنّ الله تعالى أيّ إله هو! «أيُّ جَهلٍ لا يسعُه جودُك»، «أنت الجوادُ الذي لا يَضيقُ عَفوُكَ ولا يَنقُصُ فضلُكَ»؛ فإلى هذا الحدّ رحمتُه واسعة، وَجُودُه مبسوط!
وعليه، بعدما اتّضح هذا الحساب، صار بوسع الإنسان أن يرتاح قليلاً، حيث تبيّن أنّه: يا إلهي، أنا عبد ومسكين وممكن، و... ، وإذا لم تغمرني رحمتك، فلن تكون هناك أيّة فائدة! فما دمنا متّكئين على وجودنا ـ وعلى حدّ قول متجدّدي آخر الزمان: ما دام لدينا اعتماد على أنفسنا ـ فلن تصلح أعمالنا، ولن تتيسّر أمورنا؛ فعلينا الاعتماد على الله تعالى، وإحراق أنفسنا بالنار!
«خَيْرُكَ إِلَيْنَا نَازِلٌ وشَرُّنَا إِلَيْكَ صَاعِدٌ، ولَمْ يَزَلْ ولَا يَزَالُ مَلَكٌ كَرِيمٌ يَأْتِيكَ عَنَّا بِعَمَلٍ قَبِيحٍ، فَلَا يَمْنَعُكَ ذَلِكَ مِن أَنْ تَحُوطَنَا بِنعمِك وتَتَفَضَّلَ عَلَيْنَا بِآلَائِكَ؛ فَسُبْحَانَكَ مَا أَحْلَمَكَ وأَعْظَمَكَ وأَكْرَمَك».
فيا إلهي، إنّ خيرك ينزل إلينا باستمرار، ويتضمّن خيرات واسعة من الحياة والعلم والقدرة والرحمة والأمن و...؛ حيث إنّ هذه الخيرات تتنزّل علينا باستمرار منك.
وأمّا ما يأتيك منّا، فهي النار والشرّ والذنب والمعصية والتشاؤم والشكوى وسوء الظنّ بك؛ مع أنّ الإنسان لا يملك الجرأة على أن يقول: «إلهي، أنّني أسيء الظنّ بك»، لكنّ قوله: يا ليت الأمر كان بهذا النحو، يا ليت المسألة كانت بذلك النحو، إنّ هذا الأمر خاطئ، فيا ليته كان بهذا النحو...! هو سوء ظنّ.
فالشرّ الذي لدينا يصعد إليك باستمرار، غير أنّك دائمًا ـ وستظلّ كذلك ـ «مَلك كريمٌ» وعظيم وجليل؛ فتمنح النعم على الدوام، وترى منّا الشرّ، لكنّ كرمك وعظمتك لا يتزحزحان أبدًا! فمع أنّك ترى منّا الذنوب، إلاّ أنّك لا تقطع عنّا خيرك بسبب ذلك؛ كما أنّ ذلك لا يكون أيضًا مدعاةً لأن تسلب حياتنا، وتنتقم منّا، وتُعجّل عقوبتنا؛ فلا تفعل أيّ شيء من ذلك أبدًا!
«يَأْتِيكَ عَنَّا بِعَمَلٍ قَبِيحٍ، فَلَا يَمْنَعُكَ ذَلِكَ مِن أَنْ تَحُوطَنَا بِنعمِك».
فدائمًا ما تأتيك منّا أعمالٌ قبيحة وأفعالٌ سيّئة، لكنّ ذلك لا يكون سببًا لأن تقطع نعمتك عنّا، وتخرجنا من شمول هذه النعمة وإحاطتها.
فدائمًا ما تصدر منّا الأعمال القبيحة؛ ومع ذلك، فإنّنا غارقون باستمرار في نعمك بأجمعها؛ وباختصار، فإنّ نعمك قد أحاطت بنا.
«وتتفضَّل علينا بِآلائك»؛ فلا تمنعك ذنوبنا من ذلك؛ أي أنّها لا تحجزك عن الآلاء والألطاف التي تتفضّل بها علينا، بل إنّك تتكرّم بها علينا مرّة أخرى.
«فسُبحانك»؛ فما أحسنك من إله! وما أنزهك! وما أطهرك! وكم ذاتك صافية بحيث لا يعلوها أيّ غبار! فلا تغضب، ولا تُصاب بضعف في الأعصاب، ولا ينتابك النوم ليلاً قلقًا علينا نحن المخلوقات، ولا تُسرع في تأديبنا، ولا تُعجّل عقوبتنا! «سبحانك»؛ فما أطهرك، وما أكرم أخلاقك، وما أعظمك، وما أوسعك!
«ما أحلَمَكَ وأعظَمَكَ وأكرَمَكَ»
«مُبدئًا ومُعيدًا»؛ فقد ابتدأ وانتهيت.. ابتدأت بالنعم، وواصلت إعطاءَها باستمرار.
فقد ابتدأتنا بالنعم رغم أنّنا لم نكن راغبين فيها، بل لم نكن موجودين حتّى نرغب فيها؛ فمنحتنا إيّاها؛ والآن، وبعدما خلقتنا، وأردت ذلك، فقد واصلت نفس المسير، مبدئًا ومعيدًا؛ فالبداية والنهاية منك أنت في الأوّل والأخير، شئنا أم أبينا، فأوجدتَ من العدم: «مُبدئًا»، ومنحت هذا الوجود بقاءه في مراحل الكمال: «مُعيدًا».
«تَقَدَّست أسماؤُكَ»؛ فما أطهر وأنزه أسماءك! ،
«وَجَلَّ ثَناؤُكَ»؛ ومدحك وثناؤك جليل وعظيم؛ فما أرفع صفاتك!.
«وَكَرُمَ۱ صَنائِعُكَ وفعالُكَ»؛ فما أظهر صنائعك، وأتقن أفعالك!.
«أَنْتَ إِلَهِي أَوْسَعُ فَضْلاً وَأَعْظَمُ حِلْمًا مِنْ أَنْ تُقَايِسَنِي بِفِعْلِي وَخَطِيئَتِي؛ فَالْعَفْوَ الْعَفْوَ الْعَفْوَ، سَيِّدِي سَيِّدِي سَيِّدِي».
إلهي، خلاصة الكلام أنّني أريد أن أقول لك: إلهي، إنّ فضلك أوسع، وحلمك أكبر من أن تُؤاخذني بعملي، فلا تُعاقبني عليه؛ فحلمك أوسع وفضلك أعظم من أن تُجازيني على أعمالي وذنوبي، فلا تؤاخذني بها؛ لأنّني لأقرّ لك بالعفو، وأقول: إلهي اعف عنّي! اعف عنّي! اعف عنّي!
«فَالْعَفْوَ، الْعَفْوَ، الْعَفْوَ، سَيِّدِي، سَيِّدِي، سَيِّدِي»؛ فيا إلهي، يا إلهي، يا إلهي، يا سيّدي، يا سيّدي، يا سيّدي، يا مولاي، يا مولاي، يا مولاي!.
سوء الظنّ بالله تعالى مانع عن الحركة
فها أنا ذا أقول: يا إلهي العظيم، يا مولاي، يا سيّدي، يا ربّ، «الْعَفْوَ، الْعَفْوَ، الْعَفْوَ»؛ وهنا تتحقّق الاستجابة؛ وحينئذ، تُمحق الذنوب، ويرتفع سوء الظنّ، ويتحقّق الرجاء، ويتحقّق أيضًا ذلك الأمل الطويل؛ فإذا كان القلب مكتنفًا بسوء الظنّ بالله تعالى، فإنّ ذلك سيكون حجابًا وستارًا بالنسبة إليه، ولن يُسمح له بالتقدّم للأمام؛ ولهذا، ينبغي تطهير هذا القلب.
خلوت دل نیست جای صحبت اغیار | *** | دیو چو بیـرون رود فرشـته در آیـد۱ |
[يقول: بيت القلب ليس مكانًا لاجتماع الغرباء والأغيار؛ فإن خرج الشيطان من قلبك، دخلت إليه الملائكة].
فما دام الإنسان يسيئ الظنّ بربّه، فلن يتمكّن من الحركة؛ مع أنّه لا يزال هناك هكذا سوء ظنّ؛ ولهذا، فإنّ كلّ هذا البكاء والعويل والمناجاة هو لأجل رفع هذه الظنون السيّئة؛ فيتطهّر الإنسان، ويُصبح نقيًّا!
بِمُحمَّدٍ وآلِه الطاهرين وصلِّ على محمَّدٍ وآلِه أَجمعينَ.