المؤلّفالعلامة آیة الله السيد محمد الحسين الحسيني الطهراني
المجموعةشرح دعاء أبي حمزة
التاريخ 1398/09/06
التوضيح
هل تتعارض المطالب والأصوات المرفوعة إلى الله تعالى؟ وكيف يستجيب الله تعالى لداعيه ومستعينه؟ ومع جود الله تعالى كرمه، هل يحتاج الإنسان إلى اللجوء لغيره؟ وهل الطريق الله تعالى بحاجة إلى قطع مسافة طويلة؟ أ يُمكننا القول: إنّ الله محتجب عن عباده؟ وهل إنّ استجابته تعالى لدعاء الإنسان راجعة لاستحقاقه؟ هي تساؤلات في ضمن تساؤلات أخرى سعى سماحة العلاّمة آية الله السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ قدّس الله نفسه الزكيّة للإجابة عنها في هذه المحاضرة التي عقدها لشرح فقرات من دعاء أبي حمزة الثماليّ الشريف.
هو العليم
خصائص الطريق إلى الله تعالى عند الدعاء
شرح فقرات من دعاء أبي حمزة الثماليّ – الجلسة الرابعة
محاضرة القاها
العلامة آیة الله الحاج السيد محمد الحسين الحسيني الطهراني
قدّس الله سره
أعوذ بالله مِن الشّيطان الرّجيم
بسم الله الرّحمن الرّحيم
وصَلَّى اللَهُ على محمّدٍ وآلِهِ الطّاهِرينَ
ولَعنةُ اللَهِ على أعدائِهِم أجمَعينَ مِن الآن إلى يومِ الدّين
عدم تعارض المطالب والأصوات المرفوعة إلى الله تعالى لسعة الطريق إليه
"اللَّهُمَ إنّي أجِدُ سُبُلَ المَطالِبِ إلَيكَ مُشرَعَةً، ومَناهِلَ الرَّجاءِ إلَيكَ مُترَعَةً، والاستِعانَةَ بِفَضلِكَ لِمَن أمَّلَكَ مُباحَةً، وأبوابَ الدُّعَاءِ الَيكَ للِصّارِخينَ مَفتُوحَةً".
السُبُل: جمع سبيل؛ والسبيل يعني الطريق. ومُشرعة تعني مفتوحة؛ إذ الشارع هو المكان المفتوح الذي يُمكن للجميع المرور منه، ولا يكون طريقًا خاصًّا؛ كما أنّ الشريعة تُقال للطريق الذي يُجعل للشطّ والنهر، لكي يتسنّى لجميع الناس الدخول إليهما؛ فنرى في معظم الأوقات أنّ الأنهار لا تكون في نفس مستوى سطح الأرض، بل تكون أخفض قليلاً، حيث من الممكن أحيانًا أن يصل ماء بعض الأنهار ـ مثل شطّي دجلة والفرات ـ إلى ثلاثة أو أربعة أو خمسة أمتار أقلّ من مستوى سطح الأرض؛ وحينئذ، نجدهم يعملون على إمالة حافّة هذه الأنهار عن طريق درج أو سطح منحدر، لكي يتمكّن الناس من المرور فوق هذا السطح، والوصول إلى الماء؛ فيحملون جرّة أو قربة ماء، ويملؤونها بالماء؛ فهذا الذي يُقال له: شريعة؛ أي الطريق الذي يُجعل للوصول إلى الماء. ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾؛۱ حيث إنّ ﴿شِرْعَةً﴾ هي بنفس هذا المعنى؛ ومُشرعة تعني مفتوحة.
إلهي، إنّي أجد طرق المطالب... فالمـَطلب يعني محلّ الطلب، أو أنّه مصدر ميميّ بمعنى نفس الطلب؛ فيُراد من ذلك: طُرق الطلب؛ أي أنّ سُبُل طلبات الناس ورغباتهم وأدعيتهم إليك مفتوحة.
فسبيل الطلب إلى الله تعالى غير ضيّق، حتّى نأتي، ونقول: إذا توجّه طلبان إلى الله تعالى، فإنّهما سيعلقان في الطريق، ويصطدمان ببعضهما؛ وبالتالي، سنحتاج إلى شرطيّ مرور، لكي يُحدّد أيّهما المقصّر الذي تعدّى على حقّ الآخر!، بل إنّ هذا السبيل مفتوح.
ولماذا هو مفتوح [بالنسبة لله تعالى]؛ في حين أنّه لا يكون مفتوحًا بالنسبة لغيره؟ فأنا الجالس هنا الآن، لو تحدّثت مع أحدكم، لما فهمت الآخر إن تحدّث معي؛ وإذا كان لاثنين أو ثلاثة أو أربعة أو عشرة أشخاص طلبًا أو رغبة أو مسألة، فذكروها لي، فلن أتمكّن من إدراكها؛ لأنّني أمتلك سمعًا واحدًا فقط؛ وبالتالي، سأتمكّن من سماع طرف واحد، وأعجز عن سماع الطرف الثاني؛ في حين أنّ الله تعالى ليس بهذا النحو. فصحيح أنّ لله تعالى سمعًا واحدًا فقط، لا سمعين؛ إذ لا وجود للتعدّد هناك؛ لكنّ سمعه عجيب جدًّا! حيث استوعب هذا السمع كافّة الأسماع، كما أنّه واسع إلى درجة أنّ جميع الأصوات والرغبات تصل إليه، من دون أن يحصل بين هذه الرغبات والمطالب أيّ تصادم، بحيث إذا ولِجَت إلى هناك، لا يحصل بينها تعارض، بل إنّ كلّ واحدة منها تحتلّ مكانها الخاصّ؛ فيستمع الله تعالى إلى كلّ واحدة منها على حدة؛ أي أنّ هذه المطالب لا تختلط ببعضها، بل إنّ الله تعالى يستجيب لكلّ واحد منها طبقًا لمقداره وحجمه.٢
وحينئذ، كم هو مقدار هذه المطالب؟ بعدد النفوس؛ وكم يوجد على الأرض من ملايين ملايين ملايين ملايين النفوس؟ فلأفراد الإنسان والحيوانات والطيور وأسماك البحار والزواحف أصوات، ومطالب، وارتباط بإلهها، بحيث لا يحصل خلط بين صوت البعوضة التي تتحرّك بواسطة الريح من هنا إلى هناك، وصوت هدير الفيل. فالبعوض والذباب الذي يقف على خرطوم الفيل يمتلك بأجمعه صوتًا ومطالب؛ كما نجد الفيل أيضًا يُصدر هديرًا؛ وهكذا الشأن بالنسبة للأبقار التي نراها أحيانًا تُصدر أصواتًا في الليل؛ ففي إسطبل هذه الأبقار، يكون لكلّ موجود من الموجودات القابعة في الظلام على الأرض ـ كالصراصير والبعوض ـ حاجات وأعمال، بحيث لا يُمحى صوته، ولا يختفي وراء صراخ الأبقار، بل إنّ كلّ صوت يتوجّه إلى موضعه الخاصّ، ويُستجاب لكلّ طلب طبقًا لحدوده المعيّنة، وبنحو مضبوط، من دون أن تختلط إجابة أحدها بإجابة الآخر، بحيث تُمنح إجابة الأوّل للثاني، والثاني للأوّل.
وهذا كلّه منذ بداية العالم؛ مع أنّه مختصّ بالأرض؛ وحينئذ، اذهبوا إلى الكواكب والسماوات والملائكة والموجودات العلويّة والسفليّة وكلّ ما سوى الله تعالى، وانظروا ما هي الأخبار ويا لها من ضجّة هناك! فجميع المطالب في مكانها الصحيح، وإجاباتها صحيحةٌ، والمـُوفَد لا يُخطئ، بل يأتي بالجواب، ويُسلّمه إلى يد صاحبه؛ وما أعجبها وأغربها من أجوبة! ومن العجيب أيضًا عدم وقوع أيّ خطأ في كافّة هذه الطلبات، ولو بمقدار حبّة واحدة؛ وإلاّ، لبطل العمل، ولما كان الإله إلهًا، ولأفضى ذلك إلى حصول انكسار في مقام عظمته ولا نهائيّته؛ حيث يلزم من عدم تناهيه أن يكون له سمعٌ يسمع به كلام الجميع.
كان لي صديق بقمّ، وهو الآن من فضلائها وعلمائها، حيث قال لي ذات مرّة أثناء تواجدنا بهذه المدينة المقدّسة:
إن كنت تروم كتابة رسالة إلى أحد أصدقائك، وأردت أن تضعها داخل ظرف بريديّ، فاقرأها أوّلاً، ثمّ ضعها في ذلك الظرف، وأغلقه.
قلت: لماذا؟
قال: بسبب قضيّة حصلت لي سابقًا، حيث وصلتني رسالة بقمّ من المدينة التي كنت أسكن فيها، وكان مكتوبًا خلف الظرف: سماحة فلان وفلان؛ لكنّ الرسالة كُتب فيها: «روحي لك الفداء وكذا وكذا»، وبعض المسائل والكلمات التي لا تتلاءم معي بتاتًا! فقلت في نفسي: «لقد كان يوجد بيننا توافق؛ فهل انزعج منّي، ويُريد الآن أن يسبّني ويشتمني، أم أنّه يمزح معي؟ لكن، لم تكن من عادتي المزاح معه! فأيّة مناسبة لذكر هذا الكلام؟!»؛ وفي نهاية المطاف، ظهر المستور، وتبيّن أنّه أخطأ.
فحينما أرسل ذلك المسكين الرسالتين، وصلت الرسالة الأخرى التي كتبها لهذا الشخص إلى آخر، واكتشف بدوره أنّها لم تكن له، حيث كان قد كتب رسالتين؛ إحداها لأجل صديقه، والأخرى لأجل زوجته التي كانت تسكن بالمدينة الفلانيّة، وذكر فيها كلامًا يُقال عادة بين الأحباب؛ في حين أنّه كتب الأولى بكلّ احترام؛ لكن، عندما أراد أن يضع الرسالتين في ظرفيهما البريديّين، وضع الأولى خطأً في ظرف الثانية، والثانية في ظرف الأولى؛ ثمّ وضع على كلّ واحدة طابعًا بريديًّا، لكي تصل إلى صاحبها. وأمّا بالنسبة لله تعالى، فإنّه لا يرتكب ذرّة واحدة من هذه الأخطاء، ولا يُخطئ أبدًا، بل هو دقيق؛ وهذا عجيب جدًّا!
فكم هو عدد الأسلاك الممدودة نحو الله تعالى؟! ففي السابق، لم تكن الأسلاك الهاتفيّة تُمدّد تحت الأرض، بل فوقها؛ وعندما كنّا نقيم بقمّ، كنّا نأتي أحيانًا مرّة في كلّ أربعة أو ثلاثة أشهر إلى مخدع الهاتف العموميّ لكي نتّصل بطهران؛ وكان يوجد أعلى المخدع عمود خشبيّ وُصلت به عدّة أسلاك مدّدت من هذه الجهة وتلك الجهة، إلى درجة أنّك تعتقد أنّ الزقاق بأكمله كان أسود اللون! حيث لم تكن تُمدّد الأسلاك في ذلك الزمان طبقًا للقواعد والأصول؛ وحينما كنّا نذهب إلى هناك لكي نتّصل بالهاتف، كان [الموظّف] يقول: «أيّها السيّد، اذهب إلى المقصورة الفلانيّة، واتّصل بالهاتف»؛ وكان يصيح باستمرار: «المركز، المركز»، إلى درجة أنّ لوزتيه كانتا كلتاهما تختنقان، وصوته يبحّ؛ فيقول لنا: «لا يصل أيّ صوت!»؛ وحينئذ، يعدنا بالذهاب للمقصورة الأخرى، والاتّصال بالهاتف؛ وحينما كنّا نتّصل بالهاتف، كان صوته يعلو بالصياح إلى حدٍّ لا نستطيع معه سماع صوت الطرف المقابل بسبب اختلاط الأصوات؛ وأمّا الأسلاك التلغرافيّة والهاتفيّة الممدودة نحو الله تعالى، فلا تُعاني أبدًا من هذه الأمور؛ لأنّها لا تختلط ببعضها، ولا يحصل فيها تماسّ كهربائيّ، ولا يقع بينها اتّصال بتاتًا، حيث إنّ المطالب تكون هنا صحيحة، ويكون الحساب فيها سريعًا ودقيقًا إلى درجة أنّه لا يحصل فيه أيّ خطأ.
فعلينا الآن الالتحاق بمقام الكلّية، وتخطّي عنوان الجزئيّة؛ إذ لا يسعنا التأخير؛ وإلاّ، لو تأخّرنا، لظلّت أقدامنا عرجاء منذ الوهلة الأولى؛ فدعونا نمضي قُدمًا الآن! فلا يتعلّق الأمر فقط بالمطالب التي نقدّمها، بل إنّ أصل وجودنا محتاج إلى الذات الإلهيّة المقدّسة، وكلّ مرحلة من مراحل تكاملنا الجسميّ والروحيّ، وكذلك كلّ خليّة من خلايا بدننا وقلبنا ورئتنا وكبدنا في أصل ابتداعها وتطوّرها ومعادها تخضع لحسابات دقيقة ولطيفة وعجيبة يعجز العقل عن إدراكها، بحيث لا يختلط حساب إحداها مع حساب الأخرى.
حينما أرادت زوجة أحد أفراد عائلتنا أن تضع حملها، ذهبوا بها إلى المستشفى، فوضعته هناك، حيث وهبها الله تعالى ولدًا، وكان فائق الجمال؛ ومن الجدير بالذكر أنّه عندما يولد طفل، فإنّهم يكتبون عليه أنّه ينتسب للمرأة الفلانيّة؛ وكانت هناك امرأة أخرى وضعت طفلاً، غير أنّ طفلها لم يكن جميلاً، وكان ولدًا أيضًا؛ فمع أنّهم يكتبون أنّ الطفل الفلانيّ ينتسب للمرأة العلاّنية؛ لكن، حينما أرادوا أن يأتوا بالأطفال إلى أمّهاتهم لإرضاعهم، أعطوا الولد الجميل للمرأة التي كان ولدها غير جميل لكي تُرضعه؛ فأمسك هذا الولد بثديها، وبدأ يرضع منها الحليب؛ وفي المرّة التالية، عندما أرادوا أن يأتي بالطفل من أجل إرضاعه، قالت تلك المرأة: «هذا الولد الجميل طفلي أنا، والقبيح طفلها هي!»؛ فقيل لها: «لا يا عزيزتي، لقد ختمنا عليه، ولم نُخطئ، وكذا، وكذا»؛ قالت: «كلاّ! فهو طفلي في الأساس!»؛ فلأنّها كانت ترغب في هذا الطفل، فقد سعت للتخلّي عن طفلها هي! وبدأت تصرخ في المستشفى، إلى أن جاء كافّة الأطبّاء، وقالوا لها: «ماذا دهاك؟! إنّ هذا الطفل ينتسب لتلك المرأة!»؛ فكانت تقول: «كلاّ، إنّه طفلي»؛ وفي نهاية المطاف، تقرّر أن يأخذوا من دمي الطفل والأمّ، ويُحلّلوهما؛ فجاء الجواب كما هو عليه الأمر في الواقع؛ ومع ذلك، ظلّت تقول: «إنّه طفلي!». ويبقى أنّ هذه الأمور عبارة عن أمور بسيطة وسطحيّة؛ وأمّا بالنسبة لأفعال الله تعالى، فلا يطرأ عليها أيّ خطأ!
«اللَّهُمَ إنّي أجِدُ سُبُلَ المَطالِبِ إلَيكَ مُشرَعَةً»؛ فهذه السبل واسعة للغاية؛ شأنها شأن الشوارع التي يبلغ عرضها ستّين مترًا، أو مائة وعشرين مترًا، أو ألف متر، حيث تكون هذه الشوارع واسعة جدًّا، إلى درجة أنّ السيّارات تمرّ فيها مهما كانت سرعتها، وتمرّ فيها الصواريخ والطائرات والمروحيّات؛ فنجد أنّ تلك المطالب تتحرّك بأجمعها نحو الله تعالى من دون أن تمتزج وتختلط ببعضها، أو يحصل بينها اصطدام أو ارتطام؛ والعجيب هنا أنّ كلّ واحد منها يتحرّك بالسرعة التي يُريد؛ وعلى سبيل المثال، لو سبق أحدٌ في الدعاء، وكان دعاؤه يتحرّك بسرعة مائة كيلومتر في الساعة، فإنّ الذي يدعو خلفه ويتحرّك دعاؤه بسرعة ألف كيلومتر في الساعة لا يصدمه، بل يسبقه من دون أن يرتطم به؛ إذ لا تصادم ولا تزاحم في الأمور المعنويّة، بل التزاحم يكون في المادّيات؛ في حين أنّ الله تعالى ليس له وجود مادّي؛ ولهذا، فإنّ سُبله واسعة جدًّا!
كيفيّة استجابة الله تعالى لداعيه وإعانته لمستعينه
«ومَناهِلَ الرَّجاءِ إلَيكَ مُترَعَةً»؛ (تَرَع: يعني امتلأَ؛ وتُطلق التُرعة على القناة التي تُحفر ليجري فيها الماء، أو تُحفر بين بحرين أو نهرين توجد بينهما فاصلة، ويُراد الوصل بينهما؛ فالتُرعة تأتي بمعنى القناة المملوءة والطافحة بالماء. والمناهل: جمع مَنهل؛ أي الطريق)؛ وبالتالي، فإنّ مناهل الرجاء تعني طُرق الرجاء؛ أي أنّ طُرق الرجاء إليك مفتوحة، ومملوءة وطافحة بماء الرحمة.
والمراد من ذلك أنّ كلّ من يُريد أن يأتي إليك من باب الرجاء، فإنّ الطريق الذي يسلكه يكون طافحًا بالماء، وليس جافًّا، ولا مُلتهبًا؛ كما أنّ عاقبته لا تكون هي العطش والضنك والتعب؛ فتراه يمشي في مياه الرحمة منذ أوّل خطوة يخطوها، إلى آخر مسافة يقطعها؛ فيوصل إليك طلبه ومسألته، ويُستجاب عند بابك رجاؤُه وأملُه.
«والِاستِعانَةَ بِفَضلِكَ لِمَن أمَّلَكَ مُباحَةً»؛ (الاستعانة تعني طلب العون؛ والفضل يعني الرحمة؛ والأمل هو بمعنى الرجاء؛ فأمّلك يعني رجاك؛ ومباح يعني ظاهر؛ لأنّ بَاحَ يبوحُ يعني: ظَهَر يَظهَر، وأباحَ يُبيح: أظهر يُظهر)؛ وبالتالي، يُراد من هذه العبارة: إنّ الاستعانة بفضلك لمن أمّلك ورجاك ظاهرة ولا خفاء فيها بتاتًا!.
فكلّ من يرغب في الوصول إليك، ويأمل لقاءك، ويرجو وصلك عليه الاستعانة بفضلك واستمداد العون منك، لا من غيرك؛ فحينئذ، سيعمّه فضلك، ليطوي الطريق بالاستعانة به، فيصل إلى الهدف المنشود.
«وأبوابَ الدُّعَاءِ الَيكَ للِصّارِخينَ مَفتُوحَةً»؛ فأبواب الدعاء والطلب إليك مفتوحةٌ دائمًا بالنسبة للذين يصيحون ويرفعون أصواتهم لك (فالصرخة تعني الصيحة)، فلا تُغلق أبدًا!.
«وأَعلَمُ أنَّكَ للراجين بِمَوضِع إجابَةٍ، ولِلمَلهوفِينَ بِمَرصدِ إغاثةٍ»؛ وأنا أعلم، ولي يقين بأنّك في موضع الإجابة بالنسبة للذين يرجونك، وأنّك في محلّ ومرصد الإعانة والإغاثة بالنسبة للذين لحقتهم بليّة، وأصابتهم حسرة ولهفة.
لاحظوا معي؛ في بعض الأحيان، قد تكون للإنسان حاجة عند أحدهم، فيذهب إليه لكي يطلب منه حاجته، لكنّه لا يجده؛ فيسأل عنه شخصًا ما، فيُرشده إلى مكان معيّن؛ وحينما يبحث عنه هناك، لا يعثر عليه؛ فيسأل شخصًا آخر، فيدلّه على طريق معيّن؛ وعندما يسلك الإنسان هذا الطريق، يفقده أيضًا فيه؛ وحينئذ، يسأل شخصًا آخر، لا الشخص الأوّل، حيث يُراد هنا الأشخاص الآخرين الذين يعثر عليهم الإنسان لكي يوصلوه إلى الشخص الأوّل؛ فيضيع في هذه المتاهات لدرجة أنّه يتخلّى عن أصل مسألته بسبب الإرهاق والمعاناة؛ ومن المعروف أنّ الذين يُبتلون بالذهاب إلى المحاكم وأمثال ذلك يتخلّون عن أصل دعاويهم وأموالهم؛ إذ يلزمهم الذهاب والرجوع والتردّد كثيرًا على هذه الأماكن، إلى حدّ أنّ ظهورهم تنكسر؛ فهذه الطرق حالكة ومعتمة جدًّا! وأمّا في بعض الأحيان، فقد تكون للإنسان حاجة عند أحدهم، فيذهب إلى بيته، فلا يجده هناك، ويُقال له: «إنّه في الدكّان»؛ فيذهب إلى دكّانه، فيراه هناك؛ أو يقال له: «إنّه في الدكّان»؛ وحينما يذهب إلى هذا الدكّان، يُقال له: «لا يوجد هنا؛ لأنّه ذهب إلى السوق»؛ ثمّ لا يعثر عليه في السوق، فيأتي إلى منزله، فيجده هناك؛ أي أنّه يجده عن طريق واسطة واحدة. لكن، في أحيان أخرى، تكون للإنسان حاجة عند أحدهم، فيُقال له: «إنّه في الدكّان، أو في المسجد»؛ فما إن يذهب إلى هناك، حتّى يعثر عليه؛ وأحيانًا، قد تكون المسألة أرقى من ذلك؛ وذلك بأن تكون للإنسان حاجة عند أحدهم؛ فيُريد الذهاب إليه لرؤيته؛ وحينما يذهب، يجده واقفًا ينتظره، ويترقّب قدومه من فوق السطح، مقلّبًا نظره يمينًا ويسارًا، لكي يرى من أيّة جهة سيأتي صاحب الحاجة؛ وما إن يراه من فوق، حتّى يقفز إلى الأسفل، ويفتح الباب، ويُعانقه، ويحضنه، ويضمّه إلى صدره، بحيث يخال الإنسان أنّه كان ينتظره لسنوات عديدة! فهكذا يُريد أن يقول الإمام عليه السلام: إلهي، أنت بموضع إجابة، وفي محلّ استجابة بالنسبة للذين لديهم رجاء فيك؛ وأنت في مرصد إغاثة بالنسبة للذين حلّت بهم بليّة، وأصابتهم لهفة وحسرة، فأنزلوا بساحة رحمتك أحمال حاجاتهم!
ويأتي المـَرصد بنفس معنى المـِرصاد؛ أي محلّ الرصد؛ والإغاثة تعني الإعانة؛ أي: إنّك موجود في مرصد وملجأ الإعانة بكلّ قوّتك، وبواسطة ذاتك المقدّسة وملائكتك التي اصطفيتها لهذا العمل، وجعلتها بمثابة المراقب، لكي تمدّ يد العون وتستجيب للذين يرجونك، وتُنفّذ طلب ودعاء المحتاجين؛ فأنا أعلم أنّك بهذا النحو!
جود الله تعالى وكرمه لا يُحوِجان الإنسان للجوء إلى غيره
«وأنَّ في اللهفِ إلى جُودِك والرضا بِقَضائِكَ عِوَضًا مِن مَنعِ الباخِلين ومندوحَةً عَمَّا في أيدِي المـُستأثِرين».
(اللهف يعني الحسرة، وحُرقة القلب والانزعاج الذي يحصل للإنسان جرّاء المصائب وخيبات الأمل والأضرار التي تلحقه؛ فيتأوّه، ويقول: «والَهفا!»؛ لكن، إذا استُعمل اللهف مع «إلى»، فإنّه يأتي بمعنى الاستغاثة؛ يُقال: لَهَفَ إليه؛ أي استغاثه وطلب العون منه. وباخِل [اسم فاعل] من البُخل؛ ومندوحة تعني السعة والفُسحة والرخصة؛ وأمّا المستأثِر فيُقال للإنسان المستبدّ الذي يُعطي لنفسه الحقّ في أخذ كلّ شيء، ولا يقبل بالتنازل عن حقّه وماله)؛ فيقول الإمام عليه السلام: إنّ الاستغاثة بجودك والرضا بقضائك عِوضٌ عن منع البخلاء، وسعة وفُسحة عمّا في أيدي المستبدّين والمستكبرين والأنانيّين.
ومعنى ذلك أنّه متى ما التجأ الإنسان إلى أيّ فرد من أفراد الإنسان، فإنّ هذا الفرد إذا لم يكن من الذين صُبغوا بالصبغة الإلهيّة، فإنّ ختم الكفر سيُطبع ـ في جميع الأحوال ـ على ذاته وماهيته، ويُحفر عنوان الاستكبار والاستبداد على جبهته؛ فالمراد من البخيل: الذي يرفض تلبية حاجات غيره، ويُعاني من الشحّ؛ وأمّا المستأثر، فهو الذي يُريد كلّ شيء لنفسه، ويسعى لإفراغ جيوب الآخرين، حتّى يمتلأ جيبه أكثر؛ فأنّى لهذا أيضًا أن يُلبّي للإنسان حاجته؛ مهما كانت هذه الحاجة؟! ففي نهاية المطاف، إذا اتّخذ الإنسان ملجأً غير الله تعالى، فإنّ نتيجة ذلك هو المنع الذي يأتيه من ناحية ذلك البخيل، واليأس والضيق والضنك الذي يصله من قِبل ذلك المستأثِر والمستبدّ؛ وسيعقب ذلك حرمانُ الإنسان وخلوّ ذات يده!
لكنّني يا إلهي مرتبط بك، وأعلم أنّ في الاستعانة بجودك والالتجاء إلى كرمك ـ لأنّني دائمًا ألتجئ إليك وإلى جودك، مع أنّ جودك واسع ـ ، وكذلك في الرضا بقضائك ـ لأنّني أُدرك أنّ كلّ ما قدّرته لي عين المصلحة وغيره مفسدة ـ ، وفي الرضا بهذا الأمر، والتسليم أمامه عوضًا عن بخل البخلاء.
فإذا كنّا على ارتباط بك، وسعينا للجوء إليك، وصرنا راضين بقضائك، فهل سنعمد حينئذ للذهاب عند البخلاء، لكي يحرمونا؟! فنحن سنوقف هذه المنحة، ونقطع هذا الطريق، ونجعل طريقنا منحصرًا بأجمعه في الالتجاء إلى جودك وكرمك، والرضا بقضائك؛ وسيكون في ذلك سعةً لنا عمّا في أيدي المتكبّرين والأنانيّين.
وأمّا إذا لم نتمكّن من الالتجاء إلى جودك وكرمك، وعجزنا عن الرضا بقضائك، فما الذي بوسعنا فعله حينئذ؟! سيتوجّب علينا الرجوع إلى البخلاء، وطلب حاجاتنا منهم، والاستغاثة بالأنانيّين والمحبّين لأنفسهم والمتكبّرين، والالتجاء للمستأثرين الذين يُريدون كلّ شيء لأنفسهم، وسؤالهم؛ وبالتالي ستظلّ أيدينا خالية الوفاض! وأمّا أنت، فلا؛ لأنّك لن تردّنا عن بيتك محرومين؛ ولهذا، عوضًا عن الرجوع إلى المستأثرين، فقد جعلت لنا مندوحةً وسعةً؛ وبالتالي، لأيّ شيء سنسلك ذلك الطريق الذي نرجع منه خالو الوفاض؟! فإذا كان الطريق واسعًا، توجّب عليكَ سلوكه؛ وإلاّ، هل أنت مضطرّ لسلوك غيره حتّى تتعرّض لحادث؟! حسنًا، اسلك هذا الطريق، فهو رحب جدًّا، وفيه سعة؛ خلافًا لغيره. فما أحسنه من كلام، حين يقول عليه السلام: عندما توجّهنا إليك، وأدركنا أنّ كلّ ما حكمت به علينا عين المصلحة، ورضينا به، فإنّ قلوبنا سكنت، وصرنا في سعة، بحيث لم نعُد ننظر طيلة حياتنا إلى أموال الأثرياء، وعظمة ذوي الجاه، وقدرة المنتصرين!
قِصر الطريق إلى الله تعالى
«وأنّ الراحِلَ إِلَيكَ قريبُ المسافة».
وأعلمُ أنّك... وأنّ الراحِلَ...؛ فـ«أنّ» هنا معطوفة على «أنّك»؛ أي: إلهي، أعلم أنّ الراحل...؛ والراحل يعني المسافر الذي استقلّ [وسيلة السفر]، وصار مستعدًّا للحركة، وقطع هذه الفلاة للوصول إليك. فالذي امتطى راحلته قاصدًا الوصول إليك...؛ سواءً كانت الراحلة هي النفس، أو الإرادة، أو الاختيار، أو أيّ شيء آخر؛ لكن، من المؤكّد أنّ الراحل والمسافر هنا هي النفس التي تريد الوصول إلى حرم الله تعالى، وتسير في دار الدنيا على أمل لقائه تعالى، اعتمادًا على السلوك والتربية والأدب الشرعيّ.
فالذي يرحل إليك قريبُ المسافة؛ «أي أنّ مسافته قصيرة جدًّا؛ ولهذا، فإنّه يصل إليك بسرعة ومن دون تأخير».
فإلى أيّ حدّ هو قريب؟! هو أقرب من طرفة عين!
از تو تا مقصود چندان منزلى در پيش نيست | *** | يك قدم بر هر دو عالم نِه كه گامى بيش نيست۱ |
يقول: «ليس بينك وبين هدفك المنشود، إلّا منازل معدودة؛ فتخطّ كلا العالَمَين، إذ ليس أمامك سوى خطوة واحدة».
فتخطّ كلا العالَمين بخطوة واحدة! غير أنّنا لا نخطو، ولو هذه الخطوة الواحدة؛ لأنّها صعبة بالنسبة إلينا؛ كلاّ يا عزيزي، تقدّم لخطوة واحدة؛ لأنّها لا تحتاج إلى جهد كبير؛ فليس أمامك إلاّ هذه الخطوة. إن طريق الذي يتحرّك نحوك قصير جدًّا؛ غاية الأمر أنّ حركته ينبغي أن تكون نحوك، لا نحو الرغبات والميول النفسانيّة، ولا حتّى نحو الكمالات النفسيّة، بحيث يسعى لكي يحتفظ لنفسه بشيء في هذا الطريق؛ فالذي يريدك أنت يلزمه للوصول إليك التخلّي عن كافّة الزوائد، والتخلّص من جميع الفواضل التي تعلّقت به وأثقلته وأنهكته.
فيلزم على المسافر أن يكون خفيفًا نَجا المـُخَفَّفُون؛٢ لأنّ المـُثقَلين لا يستطيعون الحركة؛ فإذا حلّ زلزال أو سيل، فإنّ الذي يمتلك رداءً ومطهرةً يحملهما ويهرب؛ بينما الذي يحتفظ في البيت بخزائنه المشحونة بالذهب، كيف سيتسنّى له الهروب؟! فهو لن يتمكّن من الفرار بتاتًا؛ لأنّ قلبه متعلّق بهذه المجوهرات والحلي، إلى درجة أنّ تحطّم جبل أبي قبيس على رأسه أهون عليه من الابتعاد خطوةً واحدة عن آلهته التي كنزها في هذه الخزائن؛ ولهذا، سيأتي السيل، ويجرفه، وتحلّ الزلازل والكوارث، وتُهلكه؛ في حين يكون الذي تنحصر ثروته بردائه قد وصل إلى هدفه المنشود.
يُقال: إنّ سلمان كان واليًا على المدائن؛ وحينما أتى إليها ليُمارس مهامّه، لم يذهب إلى قصر الإمارة، بل استقرّ في أحد المنازل العادية، فوضع فيه رداءه، وفراشه (المصنوع من جلد حيوان مدبوغ)، وجفنة، وركوة؛ أي مطهرة؛ فكانت هذه هي ثروة سلمان الفارسيّ بأجمعها! فعلمه كان مخزونًا في صدره، ولم يكن مثلنا يحتاج إلى كتب ومكتبة؛ فحمل علمه، وأيضًا عصا ومجرفة ونعلين و...؛ ولم تكن عيناه ضعيفتين ليحتاج إلى نظّارات وغلافها، مثلنا نحن الذين قد نحتاج إلى زوجين من النظّارات؛ أحدهما للقراءة، والآخر للنظر عن بُعد وأمثال ذلك.
وفي أحد الأيّام، حلّت بالمدائن كارثة، حيث كان حريقًا على ما يبدو، فرأى سلمان أنّ الحريق اندلع بكلّ المدينة، وارتفعت أصوات الناس بالصراخ والصياح، فخرج من بيته، وراح يمشي في الطريق بكلّ راحة، وهو يقول: «نجا المخفّفون»؛ أي أنّ أصحاب الحمل الخفيف أمرهم سهل جدًّا! حيث حمل بإحدى يديه ركوته ومطهرته، وباليد الأخرى فراشه (المصنوع من جلد حيوان مدبوغ)؛ فكان يمشي بلا مأوى، حاملاً كلّ ثروته، وهاربًا من النار.۱
حسنًا، من المريح جدًّا للإنسان أن يكون بهذا النحو؛ فهذا هو حال الراحل إلى الله؛ فالذي يرحل إليه تعالى قريب المسافة!
الحجاب من الإنسان لا من الله تعالى
«وأنّكَ لا تَحتَجِبُ عن خَلقِك»؛ وأنا أعلم أنّك يا إلهي لا تحتجب عن عبادك وعن مخلوقاتك، وأنّك لست مخفيًّا عنهم، بحيث لا يتسنّى لهم معرفتك.
«إلاّ أن تَحجُبَهُمُ الأعمالُ دونَكَ»؛ أجل، إنّ ما حجب الناس، وغطّى بصائرهم، وجعلهم في غشاء وستر هي الأعمال التي يقومون بها والأماني التي يمتلكونها.
فهذه الأماني والأعمال السيّئة صارت حجابًا بينك وبينهم، فلم يعودوا يُدركون حقيقتك؛ فلماذا لا يرى الإنسان الله؟ أ وليس الله تعالى موجودًا؟! إنّه موجود، ووجوده أكثر من كلّ شيء؛ فهل هو مختفٍ وراء ستار؟ كلاّ؛ إذ إنّ ظهوره أكبر من ظهور جميع الموجودات؛ بل إنّ ظهور كلّ موجود إنّما يتحقّق بواسطة ظهوره تعالى؛ وبالتالي، فإنّ الظهور والانكشاف يكون أوّلاً له هو؛ إذن، لماذا لا يُدرك؟! لأنّ الأعين عمياء!
رحمَ الله الحاجّ هادي الأبهري، كان يمزح معي كثيرًا، فقال لي ذات ليلة:
كانَ هناك رجل صالح جدًّا في أبهر اسمه أكبر الإسكافيّ، وكان يمتهن صناعة الأحذية وخياطتها، وأمثال ذلك؛ وكان يُعيل عدّة أفراد، مع أنّه فقير جدًّا؛ (فكان الحاج هادي أحيانًا يأتيه بأحذيته ليخيطها، فيأخذ أجرًا زهيدًا، حيث يتقاضى منه بضعة "ملاليم" فقط، ويُصلح له حذاءه؛ ولا يخفى أنّ هذا في الزمان السابق). وحينما كان ينتابه التعب، كان يترك كلّ شيء، ويذهب إلى جبل أو فلاة، ويبثّ شكواه ويُفضي همومه، ويرجع؛ (فقال الحاج هادي:) لقد كان رجلاً صالحًا جدًّا، وله حالات معنويّة، ومن الذين يشعرون بالألم! وكان هناك أحدُ المشايخ من أكابر العلماء وأئمّة الجماعات في أبهر، لكنّه لم يكن يقبل كثيرًا بهذا الكلام [أي كلام العرفاء]؛ وفي أحد الأيّام، جاء عند أكبر الإسكافيّ، وبدآ يتبادلان أطراف الحديث، فقال له: «ما معنى الكلام الذي تقولونه من أنّ الإنسان يُمكنه رؤية الله تعالى؟ وما معنى لقاء الله تعالى وأمثال هذه الكلمات التي تتفوّهون بها؟»؛ فوضع الإسكافيّ يداه في عينيه بهذه الطريقة، وقال: «هاتان العينان اللتان لا تريان الله هما زجاجتان؛ وإلاّ لو كانتا عينين حقيقيّتين، لرأتاه؛ فهما عبارة عن زجاجتين؛ ولهذا، تعجزان عن الرؤية!». حسنًا، إذا كانت عينا الإنسان زجاجيّتين، فإنّه لن يرى شيئًا؛ وأمّا لو كانتا عينين حقيقيّتين، لتمكّن من الرؤية؛ لأنّ العين السليمة تلزمها الرؤية!٢
ومن هنا، فإنّ الحجاب القائم بين العبد وربّه هي إنّيته؛ فهي التي تقول: «أنا...!»؛ وهي التي تصير حجابًا؛ لكنّ هذه الأنا ليست هي حقيقتي؛ ولذلك، ينبغي إهراقها لكي يظهر هو؛ وإلاّ ما دامت هذه الإنّية وآثارها موجودة، فمن المستحيل استحالةً عقليّة أن يظهر؛ وفي هذه الحالة، إذا أريقت هذه الإنّية بسرعة، فبها ونعمت؛ وإلاّ، سيتأخّر الأمر، ويتأخّر، ويتأخّر؛ وإلاّ، وإلاّ، وإلاّ، لو ظلّت مع الإنسان إلى آخر حياته، فإنّه سيبقى على نفس الحال، من دون أن يتحرّك، ولا يحصل له أيّ شيء!
معنیِ درویش گر خواهی کمالِ نیستی است | *** | آنکه را هستیِ او باقیست او درویش نیست۱ |
[يقول: إذا رُمت معرفة حقيقة الدرويش، فإنّها تكمن في عدمه المـُطلق؛ إذ لا يُعدّ درويشًا من ظلّ وجوده باقيًا]
فالمراد من الدرويش هو الفقير إلى الله، والذي لا وجود ولا إنّية له، والمفوّض كافّة شؤونه إليه تعالى؛ فطالما بقي الوجود، لن يكون هناك الله، ولن يتحقّق ظهور؛ وما دام الإنسان مستأثرًا ـ أي يعزو كلّ شيء إلى استبداده واستقلاليّته، وفي سعي حثيث نحو الزيادة والتكاثر ـ فلن يكون هناك الله؛ لكن، حينما يصير الأمر بالعكس، فإنّه تعالى سيظهر.
وعليه، فإنّه لا يوجد بيننا وبين الشمس أيّ حجاب؛ فهل حصل لحدّ الآن أن قالت لنا الشمس حينما تطلع في النهار: لا تنظروا إليّ؟! كأن تضع إعلانًا في السماء تقول فيه: لا يحقّ لكم أن تُحدّقوا فيّ؟! كلاّ، فهي تطلع في السماء بكلّ قدرة وإشعاع، وتقول: من شاء فلينظر إليّ؛ فأنا أمنح النور للجميع؛ وحينئذ، إذا لم نتمكّن من التحديق فيها، فلن تكون هي المسؤولة عن ذلك؛ فليس بيننا وبين الشمس أيّ حجاب، ولا يحول بيننا وبين رؤيتها أيّ شيء؛ لا جبل ولا سحاب ولا جدار؛ وإذا كنّا لا نقدر على رؤيتها، فلأنّ أعيننا ضعيفة؛ فما إن نوجّه نظرنا إليها، حتّى تمتلأ عيوننا بالدموع، فلا نتمكّن من الرؤية؛ ألا توافقونني الرأي؟! جرّبوا بأنفسكم أن تُحدّقوا في الشمس لمدّة ساعة واحدة، حينما تكون وسط السماء، عند وقت الظهر، في يوم صائف، حيث يكون نورها أسطع من أيّ وقت آخر؛ ففي هذه الحالة، سيتوجّب عليكم علاجها لمدّة سنة كاملة؛ وإلاّ، هل يُمكن أن تتعافى بسرعة؟! أجل، عندما تكون الشمس بعيدة، يستطيع الإنسان النظر إليها لعدّة لحظات من وراء حجاب، أو من خلف زجاج مُعتم، أو من وراء السحاب، أو حين بداية طلوعها؛ وعليه، ما الذي على الإنسان فعله حتّى يرى الشمس؟ عليه أن يُقوّي عينيه يا عزيزي! وعليه أن يُهذّبهما، لكي يتمكّن من النظر إليها؛ فالذين كانوا سابقًا يرغبون في رؤية النجوم وحركتها نهارًا، ويُريدون مراقبة أيّها متقدّم، وأيّها متأخّر، ويسعون لترصّد النجم الفلانيّ، ومسار حركته... إذ لا يُمكن رؤية جميع النجوم في الليل؛ لأنّ بعضها يكون ظاهرًا بالنسبة إلينا في الليل، وغائبًا في النهار؛ والبعض الآخر يكون ظاهرًا في النهار، وغائبًا في الليل، بحيث لا يتسنّى لنا أبدًا أن نرى نهارًا النجومَ التي تُرى ليلاً؛ كما توجد بعض النجوم في النهار إلى جانب الشمس لم نرها طوال حياتنا؛ وحينئذ، إذا أراد أحدٌ رؤية هذه النجوم وترصّدها، عليه تقوية عينيه، حيث ذكر المتقدّمون في مصنّفاتهم أنّه يلزمه مثلاً: أن يأكل في اليوم الأوّل حبّة واحدة من الإهليلج، وفي اليوم الثاني اثنتين، وفي اليوم الثالث ثلاثة، وفي اليوم الرابع أربعة؛ وهكذا، إلى اليوم الأربعين حيث يأكل فيه أربعين حبّة؛ وفي ذلك الحين فقط، يستطيع أن يرى النجوم حين سطوع نور الشمس. لكن، لا يُمكنه عندئذ أن يقطع فجأة ذلك المزاج الذي حصل له من اعتياد أكل أربعين حبّة من الإهليلج، وإلاّ، سوف يموت! وهذا نظير حبوب الكورتيزون التي توصف للإنسان، ويُقال له: عليك أن تتناولها طبقًا للبرنامج الفلانيّ؛ فإذا غيّر الإنسان هذا البرنامج قليلاً، سيوقع نفسه في الخطر؛ كأن يكون قياس ضغط دمه أربعة عشر، فيُصبح فجأةً أربعة؛ وهذا أسوء! ولهذا، على الإنسان بعد اليوم الأربعين أن يأكل في اليوم الواحد والأربعين تسعة وثلاثين حبّة [من الإهليلج]؛ وفي اليوم الثاني والأربعين أقل؛ وهكذا يأكل أقلّ، إلى أن تصل الأربعون حبّة إلى حبّة واحدة؛ وفي ذلك الحين، ستحصل العين على رؤية قويّة جدًّا؛ لكن، لا تسعوا إلى العمل بهذه المسألة، ثمّ تقولوا بعد ذلك: لقد أوقعنا السيّد في بليّة، وتسبّب لنا في المرض! فهذا مجرّد نقل؛ وباختصار، فإنّ لكلّ شيء طريقه الخاصّ به؛ ومن هنا، إذا اكتسبت العين قوّة، فإنها تستطيع أن ترى الشمس وقت الظهيرة، بدون أن تُصاب بالمرض؛ فتراها بكلّ وضوح من غير أن تطرأ عليها أيّة مشكلة؛ وهذا عبارة عن رفع للحجاب؛ ولهذا، إذا أراد الإنسان رؤية الشمس، توجّب عليه رفع الحجاب؛ والذي يحصل من خلال تقوية العين.
از تو تا مقصود چندان منزلی در پیش نیست | *** | یک قدم بر هر دو عالم نِه که گامی بیش نیست |
معنی درویش ار خواهی کمالِ نیستی اسـت | *** | هر که را هستیِ خود باقی است او درویش نیست |
بندگی کن عشق را وز کفر و دین آزاد بـاش | *** | کز جدال آسوده شد هر کس که او را کیش نیست |
فالحجاب إنّما هو من قِبلنا نحن، لا من قِبل الشمس! فلا يوجد بيننا وبين الله تعالى أيّ حجاب، بل الحجاب أعمالنا وآمالنا؛ وهي نابعة منّا؛ وهي التي تُعتمنا وتُعمينا؛ وبالتالي، ينبغي علينا نحن أن نرفع هذا الحجاب بواسطة الأدب الشرعيّ والرياضة الشرعيّة؛ فالرياضة تعني الأدب. وحينما تتقوّى النفس وتطهر وتتنقّى، فإنّها تصير قادرة على الرؤية.
وهذا هو معنى «وأنَّ الراحلَ إليكَ قريبُ المسافةِ»؛ أي أنّ طريقه قصير؛ لأنّك غير محجوب عن خلقك، بل الآمال والأماني هي التي حجبتك؛ ولهذا، حينما تُزاح هذه الآمال والأماني، فإنّك تكون حاضرًا.
كرم الله تعالى وصدق وعده هما المقتضيان لاستجابة الدعاء لا استحقاق الإنسان
«وَقَدْ قَصَدْتُ إِلَيْكَ بِطَلِبَتِي، وتَوَجَّهْتُ إِلَيْكَ بِحَاجَتِي، وجَعَلْتُ بِكَ اسْتِغَاثَتِي، وبِدُعَائِكَ تَوَسُّلِي مِنْ غَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ لِاسْتِمَاعِكَ مِنِّي، ولَا استِيجَابٍ لِعَفْوِكَ عَنِّي، بَلْ لِثِقَتِي بِكَرَمِكَ، وسُكُونِي إِلَى صِدْقِ وَعْدِكَ، ولَجَئِي إِلَى الْإِيمَانِ بِتَوْحِيدِكَ، ويَقِينِي بِمَعْرِفَتِكَ مِنِّي أَنْ لَا رَبَّ لِي غَيْرُكَ، ولَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ وَحْدَكَ لَا شَرِيكَ لَكَ».
إلهي، لقد يمّمت بوجهي نحو حضرتك، وقصدت إليك أنت بواسطة هذا الطلب الذي عندي؛ وأنت تعلم بما أريده وأقصده؛ فأنا أتوجّه إليك بحاجتي.
وأنا أحتاج إليك؛ وإلاّ، لو لم أكن محتاجًا إليك، لما توسّلت بك؛ ولأنّني أعلم أنّ لديّ حاجة إليك، وأنّ هذه الحاجة إليك أنت؛ وأنا غير مستغنٍ عنها، لهذا، فقد توجّهت إليك لتلبية هذه الحاجة، وجعلت طلبي إليك، واستغاثتي بك؛ ولأنّني أدركت أنّ القدرة بيدك أنت، فقد قطعت استغاثتي واستعانتي بغيرك.. يقول عليه السلام:
«وجَعَلْتُ بِكَ اسْتِغَاثَتِي»؛ "بِكَ" جارٌ ومجرور قُدّما هنا لإفادة الحصر؛ فهو لم يقل: جعلتُ استغاثتي بك، بل كأنّه قال: بك أنت فقط جعلت استغاثتي!
فأنا أتيت عندك متوسّلاً إليك؛ وأنا أصلّي، وأدعو، وأقرأ القرآن، وأجهش بالبكاء في الخلوة والجلوة، وأتوجّه إليك، لا إلى غيرك!
«وبِدُعَائِكَ تَوَسُّلِي»؛ فأنا أتوسّل إليك بواسطة دعائي إيّاك.
فأنا أدعوك أنت، ولا أدعو غيرك!
فلم يحصل لحدّ الآن أن توسّلت بغيرك، ودعوت سواك؛ ففي كلّ مرّة كنت أدعو، كان دعائي موجّهًا إليك؛ فتوسّلي هو بدعائك أنت؛ مع أنّني لا أستحقّ أبدًا أن آتي، وأتحدّث معك، وأقول: إلهي، أصغ إليّ، فأنا أريد الاستغاثة بك ودعاءك!؛ كلاّ! فأحيانًا، قد يكون الإنسان ـ بحقّ ـ مستحقًّا لهذا الأمر، فيرى في نفسه الأهليّة والقابليّة لذلك؛ لكنّني أتيت عندك من دون أن أرى في نفسي أيّة جهة استحقاق وأهليّة؛ فلأنّ كرمك وجودك وفضلك عميم وعظيم، فإنّني وجّهت إليك كافّة هذه الأدعية والطلبات.
«مِن غَيرِ استحقاقٍ لِاستماعِك مِنّي»؛ فأنا لا أملك أيّ حقّ في أن أُلزمك بالضرورة لكي تسمع كلامي وتُصغي إليه.
كلاّ! فبوسعك أن تقول: أنا لا أريد سماعك؛ ولك الحقّ في ذلك؛ أ فهل هناك ضرورة في أن ألزمك بأن تستمع إلى طلبي؟! فإذا استمعت إليّ، فإنّ ذلك راجع إلى لطفك.
«وَلا استيجابٍ لِعَفوِك عنّي»؛ كما أنّني لا أستوجب أن ألزمك بأن تغفر لي ذنوبي.
فحينما أطلب منك أن تعفو عنّي، فإنّك تستجيب لي بمقتضى عظمتك، لا أنّني أكون مستحقًّا ومستوجبًا ـ حقيقةً ـ للعفو، بحيث أُلزمك بأن تغفر لي ذنوبي؛ كلاّ! فإذا كنت أوجّه إليك استغاثتي، وأضع بين يديك دعائي، فإنّني لا أقصد من ذلك أنّني مستحقّ لأن تستمع إليّ، وأنّني أوجب عليك أن تغفر لي وتشملني بعفوك؛ كلاّ! فهذا كلّه لم يكن عن استحقاق.
«بل لِثَقتي بِكَرمِك»؛ فأنا واثق ومطمئن بكرمك؛ ولهذا، فإنّ قلبي ساكن جدًّا ومُفعم باليقين.
«وسُكُوني إلى صِدق وعدِك».
فأنت وعدتني بأن: اطلبوا منّي، أستجب لكم؛ وادعوني، أستمع إليكم؛ فأنا ألبّي حاجات المحتاجين؛ فاطلبوها منّي! ؛ فهذا كلامك أنت؛ وأنا لا أشكّ بتاتًا في صدق هذا الكلام؛ وإلاّ، لما دعوتك؛ ولقلتُ: فلأدعو الله تعالى أحيانًا، وأدعو سواه أحيانًا أخرى! ولأتوجّه إلى غير الله؛ فإذا قصُرت يديّ عن الوصول إلى هذا الغير، فسأتوجّه حينئذ إليه تعالى! أو فلأشرك غير الله معه تعالى في هذا الدعاء والطلب، وأدعوهما معًا، بحيث إذا لم يُحقّق لي الله تعالى أيّ شيء، فإنّ غيره يُحقّقه لي؛ فهذا كلّه راجع إلى الشكّ؛ أي شكّ الإنسان في الوعد الذي يقطعه الله العليّ الأعلى له؛ لكنّني لم أفعل ذلك، بل توجّهت إليك بالكلّية!
«لسُكُوني إلى صِدق وعدِك»؛ لأنّ قلبي ساكن تجاه صدق كلامك ووعدك، بحيث لا يوجد فيه أيّ تزلزل أو اضطراب، بل هو مفعم بالهدوء والسكينة بأنّ كلّ ما تعد به صادق.
«وَلَجَئي إلى الإيمانِ بِتَوحيدِك»؛ وأنا صرت مُلجأً للإيمان بتوحيدك؛ لأنّني رأيت أنّ كافّة الطرق مغلقة؛ وليس هناك من طريق، إلاّ أنت وحسب! ليس ما وراء عُبّادان قرية۱.
فلو لم يكن الإنسان يعبد الله تعالى، وكان هناك إله آخر، لتوجّه إليه؛ وذلك نظير ألاّ يُلبّي زيد بن عمرو حاجة أحدهم، فيلتجئ إلى بكر بن خالد؛ أي: إذا لم يُحقّق ذاك رغبَته، فالآخر موجود؛ كأن نقول: «إذا لم يوجد خبز "سنگک"،۱ فخبز "تافتون"٢ موجود»؛ لكن، لو كان يوجد في العالم نوع واحد من الخبز، لما كان أيّ معنى لأن نقول: «إذا لم يوجد هذا، فالآخر موجود».
«لَجَئي إلى الإيمانِ بِتَوحيدِك»؛ فأنا صرتُ مُلجأ للإيمان بأنّك أنت الموجود فقط؛ وبواسطة توحيدك، أضحيت مُلجأ للاعتراف بهذه الحقيقة.
فذاتك واحدة، وصفتك واحدة، وفعلك واحد؛ وكلّ فعلٍ كان من شأنك أن تقوم به في كافّة العوالم الوجوديّة قد قمت به، فلا يخرج عن إرادتك وعلمك وقدرتك، ولو بمقدار ذرّة واحدة؛ وأنا أدركت هذه الحقيقة؛ فلم يكُن لي، ولم يتبقّ لي أيّ سبيل سوى الإيمان بأنّ الأمر كلّه بيدك، ولا تأثير لسواك بتاتًا!
«ويقيني بِمَعرفتِك مِنّي أن لا ربَّ لي غيرُك»؛ وأنا متيقّن بأنّ لديك معرفة بي واطّلاع على أحوالي، وأنّك تعلم بأنّني لا أملك إلهًا سواك؛ فأنا عالم بأنّ جميع الصفات والأسماء العليا منحصرة فيك، وأنّ غيرك ليس أهلاً لهذا المقام؛ كما أعلم أيضًا أنّك مطّلع على كوني لا أملك إلهًا سواك؛ «ولا إلهَ إلاّ أنت»؛ فلا إله ولا معبود غيرك.
«وحدَك لا شريكَ لكَ»؛ فأنت واحد أحد، وأنت عظيم، وأنت مستقلّ، وتملك كافّة الصفات؛ وحدك؛ يعني أنّك واحد وحسب!.
فوحدتك هي على درجة من العلوّ، بحيث لا يُمكن لأيّ موجود ـ مع هذا التوحيد ـ أن يُبرز ذاته، ويقوم في مقابل ذاتك؛ لأنّ وحدتك طمست وأخفت وأعتمت كافّة الموجودات. كما أنّه لا شريك لك ولا ظهير في عوالم الوجود بأجمعها؛ فكلّ فعل يصدر منك متوقّفٌ على يد قدرتك وحسب! إلهي أن معتقد وعالم بهذا الكلام الذي نطقتُ به؛ ولأنّني عالم به، فإنّ قلبي ساكن وهادئ ومطمئنّ به؛ ولهذا، أوجّهي طلباتي إليك.
فما هي هذه الطلبات؟ «اللهُمَّ أنتَ القائلُ...»؛٣ تعالوا بنا الآن لنرى ما هي الطلبات التي تقدّم بها الإمام؟ فهو عليه السلام يُناجي ربّه؛ ولهذا، علينا تقييم علم الله تعالى وقدرته، لنرى هل يُمكنه تلبية الحاجات التي نُريدها منه أو لا، حيث جرى استعراض تلك المقدّمات، للتعريف به تعالى، وبيان حقيقة هذا الإله الذي ندعوه ونطلب منه حاجاتنا؛ إذ حينما تبيّن لنا أنّه بذلك النحو، صار معلومًا لدينا آنذاك أنّ هذه الحاجات سهلة بالنسبة إليه، ولو كانت في نفسها عظيمة جدًّا.. «وهو عليكَ سهلٌ يسيرٌ».٤
سنصل إن شاء الله تعالى إلى هذا البحث؛ لكي نرى ما هي الحاجات التي يطلبها الإمام السجّاد عليه السلام ويدعو الله تعالى لأجلها.
نرجو من العليّ الأعلى أن يجعل حاجاتنا ـ إن شاء تعالى ـ كحاجات الإمام السجّاد عليه السلام!
وأن يجعلنا مفتقرين إلى ذاته المقدّسة على الدوام!
وأن يقطع حاجاتنا وطلباتنا بأجمعها ويصرفها عن غيره!
وأن يوجّهنا بالكلّية إليه تعالى!
ويوجّه أعيننا الظاهريّة والباطنيّة وأفكارنا بأسرها إلى مقام عظمته!.
بِمحمّدٍ وآلِه الطاهرينَ وصلِّ على محمّدٍ وآلِه أجمعينَ