المؤلّفالعلامة آیة الله السيد محمد الحسين الحسيني الطهراني
المجموعةمباني الأخلاق
التاريخ 1411/09/01
التوضيح
أهم محتويات المحاضرة:
- ضرورة أن تصبح القراءة والتلفظ الصحيح في الصلاة ملكةً؛
- كيفيّة التوجّه إلى الذات الإلهيّة في الصلاة والنظر إلى الألفاظ والمعاني نظرةً غير الاستقلاليّة؛
- لزوم اتباع العلم واليقين؛
- تبعات اتّباع الأهواء النفسانيّة بعد حصول العلم بالواقع.
هو العليم
كيفيّة مخاطبة العبد مع الله في الصلاة
مباني الأخلاق – المجلس الأول
محاضرات ألقاها
سماحة العلّامة آية الله الحاجّ السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
قدس الله سره
في المشهد الرضوي المقدّس
الليلة الأوّلى من شهر رمضان المبارك، ۱٤۱۱ هـ
أَعُوذُ بِاللـَهِ مِنَ الشَيْطَانِ الرَجِيْم
بِسْمِ اللـهِ الرَحْمَنِ الرَحِيْم
﴿ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ، ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ ، مَلِكِ يَوۡمِ ٱلدِّينِ ، إِيَّاكَ نَعۡبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسۡتَعِينُ ، ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ ، صِرَٰطَ ٱلَّذِينَ أَنۡعَمۡتَ عَلَيۡهِمۡ غَيۡرِ ٱلۡمَغۡضُوبِ عَلَيۡهِمۡ وَ لَا ٱلضَّآلِّينَ﴾۱.
ضرورة أن تصبح القراءة والتلفظ الصحيح في الصلاة ملكةً
لقد شكّ أحد الأشخاص في يومٍ من الأيام بقراءة أحد العلماء وأنَّه هل يستطيع أن يُؤدّي مخارج الحروف في قراءته بشكلٍ سليم أم لا؟ فقَدِم إلى محضره وقال: «والله، لقد قدمتُ من النجف إلى كربلاء، وأريد أن أقتدي بك في الصلاة الآن، وأحبّ أن أصلّيَ خلفك أنتَ فقط؛ ولكن لا أعلم إن كنتَ تؤدّي مخارج الحروف بشكلٍ سليمٍ وتقرأها بشكلٍ صحيحٍ، أم لا! فهل تستطيع أن تقرأ لي سورة الحمد؟» فقال ذلك الرجل المحترم ببساطة: «نعم، أقرأها لك» وشرع في القراءة: ﴿بِسۡمِ ٱللَهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ﴾ وقرأ سورة الحمد. فقال ذلك الشخص: «نعم قراءتك جيّدة؛ وسأصلي صلاتي بإمامتك!» يعني: كان ذلك العالم قريبٌ من أن يكون مرجعًا، إلا أنَّ بعض مخارج حروفه لم تكن صحيحةً! وهذا يستدعي الدقّة من قبلنا، فعلينا أن نعمل على تصحيح قراءتنا كثيرًا!
يبذل الأجانب جهدًا كبيرًا في تلقين لغتهم من أجل يفهم التلامذة أنَّ هذا هو مخرج الحرف، فمن يُريد أن يتعلّم الفرنسيّة أو الإنكليزيّة أو الألمانيّة، إذا لم يكن لديه مخرج الحرف ذاك فلن يستفيد أصلًا، ولن يكون قد تعلّم شيئًا أبدًا! يُعلّمون الإنسان مخرج كلّ حرف، فإذا ما تعلمه أصبح بإمكانه أن يتكلّم كلّ شيء! ولذلك، [لا بدّ من تعلّم] المخارج أوّلًا.
وبناءً على ذلك، يجب علينا قراءة القرآن بالنحو الأمثل، ولا نقع في أيّ إشكال:
﴿بِسۡمِ ٱللَهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ ، ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ، ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ ، مَلِكِ يوۡمِ ٱلدِّينِ، إِيَّاكَ نَعۡبُدُ وَإِيَّاكَ نَسۡتَعِينُ﴾...
ولا يجب أن نقف عند كلمة ﴿نَعۡبُدُ﴾ كي لا نخطئ فنقول: «نأبُدُ» بدلًا من﴿نَعۡبُدُ﴾ ونقع في الاشتباه؛ لأنّه عندما تصبح القراءة ملكةً بالنسبة لنا، تصبح سهلةً كشربة الماء؛ مثل عبارة «أكبر آقا»، ومثل «ته دیگ [الحكاكة أسفل القدر(م)]»، ومثل الكاف في «كباب» وما شابه. فإنّنا طوال عمرنا لم نخطئ ونقول: «سيدي! أعد لنا اليوم «تح دیگ»؛ وإذا قلنا: «تح دیگ» فسيسخرون منّا ويقولون: « لقد أخطأتَ»، وفي اللغة العربية أيضًا كذلك، فلو أرادنا أن نقول: ﴿تَهۡدِي مَن تَشَآءُ﴾، فقلنا: «تَحدي»؛ لأنَّ «تَحدي» لها معنى خاصّ بها، ولكنّه يختلف عن كلمة تهدي. إنَّ جذر «هَدَى يهدي» جذرٌ آخر، وله معنىً آخر؛ فما إن بدّل حاء «حُطّي» إلى هاء «هوّز» اختلف معناها مئة بالمئة!
كيفيّة التوجّه إلى الذات الإلهيّة في الصلاة والنظر إلى الألفاظ والمعاني نظرةً غير الاستقلاليّة
فإذن لا بدّ من القراءة الصحيحة و[إتقان] المخارج، ولكن يجب أن تصبح مَلكةً لدى الإنسان بحيث يمرّ عنها مرورًا وأن يكون متوغلًا في معناها؛ بل لا ينبغي أن لا يبقى في المعنى، بل يجب أن يُصبح المعنى ملكةً بالنسبة له أيضًا، بحيث يعبر الفكر عبورًا على ذلك المعنى، وعند الصلاة لا يكون لديه توجّهٌ لشيءٍ سوى لله! فلا يكون للإنسان توجّهٌ إلى اللفظ ولا توجّهٌ إلى المعنى؛ يجب أن يكون التوجّه لله فقط، أمّا المعاني فتأتي هكذا وتمر في الذهن مرورًا، وتمرّ تلك المعاني مع لفظها الصحيح أيضًا: ﴿إِيَّاكَ نَعۡبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسۡتَعِينُ﴾!
والآن، بينما أتحدث إليكم، هل سبق أن رأيتموني أخطأ بهذه الكلمات؟! إنَّ الكلمات تخرج بنحوٍ صحيح؛ يعني: عندما أريد أن أقول: «إنَّ الكلمات تخرج بنحوٍ صحيح»، فهناك كلمة «تخرج» و«بنحوٍ» و«صحيح».
وجميع هذه الكلمات التي تصدر مني ذات معنى؛ يعني: طالما أنّ ذهني ونفسي لم تتصوّر المعاني، وطلما لم تتنزل تلك المعاني بقوّة النفس العاملة، فلن تتحوّل إلى ألفاظ، وتلك المعاني تأتي إلى الذهن مرتبةً ودون اشتباه؛ وإذا كانت تأتي بنحوٍ خاطيء، فإنَّ الإنسان سيتحدّث كالمجانين وسيتحدّث لغوًا! على سبيل المثال: يريد أن يقول: «إنَّ الكلمات تخرج بنحوٍ صحيح»، إلّا أنّه يقول شيئًا آخر! هنا يكمن الفرق بين العاقل وغير العاقل؛ العاقل هو ذلك الشخص الذي يستخدم كلّ معنى من المعاني في مقامه المناسب، أمّا غير العاقل فليس كذلك!
كما أنَّ الإنسان لا يتوقّف عند تلك المعاني [عندما يتحدّث]؛ مثلًا: أنا عندما أريد أن أستعمل هذه المعاني والتعبير عنها أمام السادة؛ فليس هناك أي مشكلةٍ وانتباهي مُنصبٌّ بنحوٍ كاملٍ عليكم وأنتم مخاطبي مئة بالمئة. وتلك المعاني الدقيقة والظريفة تستعمل في الذهن دون أن يزول المخاطب من البين ودون الغفلة عنه، فتأتي إلى الذهن وبأمر النفس وإيجادها تتبدّل إلى ألفاظ مثل الحاسوب، ولكنك بالطبع لا يستطيع ألف حاسوبٍ وجهازٍ صناعيٍّ أن يصل إلى تلك القدرة! وكذلك، لا أُخطئ بتلفّظ أيٍّ من هذه الألفاظ في حين أنّكم المخاطب.
ففي جميع خطاب هذا العبد الذي ألقيته حتّى الآن على مسامع السادة، لم يزل المخاطب ولم أغفل عن المخاطب، ولم يقع أي خطأ في المعاني؛ بل أدنى من ذلك، لم يحصل أيّ اشتباه أو خطأ في الألفاظ. هكذا يجب أن تُؤدّى الصلاة! فحينما يُصلّي الإنسان يجب أن يكون توجّهه إلى الله، لا إلى المعنى!
يقول البعض: «يجب أن يكون أن يتوجّه الإنسان في الصلاة نحو المعنى»، يعني: يجب أن يكون ملتفتًا إلى هذا المعنى جيّدًا، وهو أنَّ معنى: ﴿إِيَّاكَ نَعۡبُدُ وَإِيَّاكَ نَسۡتَعِينُ﴾ يعني «إلهي أنا أسألكَ أنتَ، واطلبُ العون منك!» ﴿اهۡدِنَا ٱلصِّرَٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ﴾ يعني: «اهدنا إلى صراطك المستقيم!» وما هو الصراط المستقيم؟ ﴿صِرَٰطَ ٱلَّذِينَ أَنۡعَمۡتَ عَلَيۡهِمۡ غَيۡرِ ٱلۡمَغۡضُوبِ عَلَيۡهِمۡ وَلَا ٱلضَّآلِّينَ﴾.
عندما يستغرق الإنسان داخل هذه المعاني، يزول الله ويتبدّد! فعندما أقوم ببيان هذه المعاني لكم، إذا أردتُ التوجّه إلى هذه المعاني، فسوف أفقدكم، فالإنسان لا يستطيع أن يتوجّه في لحاظٍ واحدٍ إلى لحاظين مستقلين؛ فإمّا أن يكون التوجّه لكم أو لهذا المعنى أو لهذا اللفظ! فإذا كان التوجه لكم فسوف يذهب المعنى واللفظ؛ وإذا كان التوجّه للمعنى، فسيذهب اللفظ وستذهبون أنتم؛ وإذا كان إلى اللفظ، فستذهبون أنتم والمعنى! فهل هناك شيءٌ آخر غير هذا؟! ولكن يجب علينا حتمًا في سورة الحمد التي يجب قراءتها في الصلاة، أن نحمد الله من خلال هذه الجمل وأن نستحضر هذه المعاني أيضًا، فنذكر حمد الله ومحامده، وأن نقول: ﴿إِيَّاكَ نَعۡبُدُ﴾، واقعًا يجب ان نطلب من الله أن ﴿اهۡدِنَا ٱلصِّرَٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ﴾؛ لكن لا يجب أن ننظر إلى هذه المعاني نظرةً استقلاليّةً!
والآن بينما يتحدث إليكم هذا العبد الفقير وأنتم المخاطب لكلامي، فليس هناك نظرٌ استقلاليٌّ إلى هذا المعنى وإلى هذا اللفظ؛ وفي نفس الوقت جميع تلك المعاني مرتّبة ومنظمة وثابتة في مكانها. فالواعظ الذي يتحدّث لساعةٍ، مخاطبه هم النّاس ولكن المعاني تأتي إلى ذهنه متسلسلةً ومُرتّبةً، كما أنّه يستعمل ألفاظًا لتلك المعاني بشكلٍ مُنظّمٍ وبدون أيّ خطأ وبدون أيّ انعقادٍ في اللسان، فيتحدّث لساعةٍ! ونحن أيضًا يجب أن نكون هكذا حال الصلاة. فإذا توجّهنا إلى اللفظ، فقد فقدنا التوجّه إلى الله وفقد المعنى أيضًا؛ وإذا توجّهنا إلى المعنى فإنَّ التوجّه إلى الله يكون قد زال؛ ولكن إذا توجّهنا إلى الله وكان مخاطبنا هو الله، فعندها ستأتي هذه الألفاظ وكذلك هذه المعاني بالنحو الأحسن وسيحلّ كلّ لفظ ومعنى في مكانه المعين، ولكن بنحوٍ آلي [أي كأداة ومرآة] وليس بنحوٍ استقلالي۱.
أحد الحضور: يعني: لا يطلب من الله العون بعد الآن؟!
العلّامة: يقول ﴿إِيَّاكَ﴾؛ فما هي ﴿إِيَّاكَ﴾ إذن؟!
السائل: مُرادي هو أنّني أريد الحديث إليك أنت فقط؛ ولكن [لا يهم بعد الآن] عن أي شيءٍ أتكلّم!
العلّامة: كلّا أبدًا، هذه لقلقة لسان؛ بينما هو يقرأ سورة الحمد ويحمد الله
بهذه الألفاظ، وليس بأيّ شيء يشاء! فإذا قرأنا شعر حافظ في الصلاة فهي باطلة؛ يجب أن نقرأ سورة الحمد. فإذن حينما نقرأ سورة الحمد، فنحن نمتلك قصدًا، ونقرأ الحمد مع القصد، وحينما يكون لدينا قصد، فنظرنا يكون آليّاً بالتأكيد.
السائل: في نهاية المطاف لا تُقرأ بعض فقرات الحمد مع تلك المعاني ـ وفق تعبيري أنا ـ بعشق!
العلّامة: مثلًا أيّها لا يقرأ هكذا؟
السائل: في ﴿إِيَّاكَ نَعۡبُدُ وَإِيَّاكَ نَسۡتَعِينُ ، ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ﴾ في الحقيقة أنا أطلب حاجتي منك.
العلّامة: انظروا! في الأخير نحن نقول بعد آية﴿بِسۡمِ ٱللَهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ﴾: إنّ جميع الحمد مختصٌّ بك أنت الذي هو ﴿رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ﴾ وأنت الذي هو ﴿مَلِكِ يَوۡمِ ٱلدِّينِ﴾ و...! بعد ذلك أنا أطلب منك أن تُخرجني من الفقر وأن توصلني إلى مقام قربك وأن تجعلني عابدًا مطلقًا لك!
السائل: فإذا أردنا أن نُلاحظ نفس هذه المعاني التي ذكرتها سماحتكم، وإذا أردنا أن نلاحظ تلك المعاني لفقرات الحمد بمعانيها هي، فقد أصبحا اثنين!
العلّامة: أعلم ذلك؛ وعندها من هو المخاطب؟ هل تقولون لله: ﴿إِيَّاكَ﴾أو لا تقولون ذلك؟ إذا كنتم تقولون لله: ﴿إِيَّاكَ﴾، فإذن النظر إلى الله هو نظرٌ استقلالي وسيصبح اللفظ والمعنى مجرّد آلة.