المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني
القسمجبل عامل
المجموعةالولاية التكوينيّة
التوضيح
هو العليم
حقيقة الولاية التكوينية
محاضرات تأسيسيّة حول الولاية التكوينيّة - الجلسة الأولى
محاضرة ألقاها
آية الله الحاجّ السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ
قدّس الله سرّه
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلّى الله على سيّدنا ونبيّنا
أشرف الأنبياء والمرسلين
وخاتم السفراء المقرّبين أبي القاسم محمّد
وعلى آله الطيّبين الطاهرين المعصومين المكرمين والحجج الميامين
لاسيّما مولانا وصاحبنا، الكهف الحصين وغياث المضطرّ المستكين،
الحجّة ابن الحسن العسكريّ أرواحنا لتراب مقدمه الفداء
واللعنة الدائمة الأبديّة الأزليّة على أعدائهم
ومخالفيهم وغاصبي حقوقهم إلى يوم الدين
البحث في مسألة الولاية التكوينيّة يقع في نقاط متعدّدة، فإذا بيّنا هذه النقاط سنصل إلى هذه النتيجة والغاية، وهي: ثبوت الولاية التكوينيّة للأئمّة المعصومين عليهم السلام.
النقطة الأولى: حقيقة الولاية التكوينيّة وأقسامها وصورها
النقطة الأوّل: ما هي حقيقة الولاية مطلقًا، وما معنى الولاية؟ الولاية هي السيطرة والتسلّط والإشراف [الّتي تؤهّل] لإحداث أمر في الخارج؛ مثلًا، إنّ لي القدرة على رفع هذا الكوب ورفع القرآن وقراءته، فلأنّ لي القدرة على إحداث هذه الأمور في الخارج، كرفع القرآن بيدي أو قراءته أو كأخذ شيءٍ والحركة والمشي، [يُقال لي حينئذ: إنّي صاحب ولاية على هذه الأمور]. فالتسلّط والإحاطة والإشراف [الّتي تؤهّل] على إحداث أمر وإيجاده في الخارج، أو إحداث شيء في نفس الشيء وفي الجسم أو في الروح والنَّفْس، يسمّى بالولاية. وهذه الولاية على قسمين:
إمّا أن يحصل الشيء بنفس الشيء۱، كالإنسان القادر على أن يُحدث أمرًا ما، وأن يُقْدم عليه بدون [الحاجة] إلى أمر آخر مِنَ الخارج، أي مِن غير [حاجةٍ] إلى شيء مِن شخص آخر، كالأفعال والأعمال الّتي نفعلها طوال النهار والليل، مِنَ الأكل والمشي والنوم واليقظة والشرب والحركة وقيادة [المركبة] والتجارة، وجميع الأمور الّتي يشتغل بها الإنسان طوال النهار، دون أن يستأذن مِن شخص آخر؛ فأنا مثلًا أشرب هذا الماء دون أن أستأذن مِن شخص آخر؛ فنفس هذا الأمر يُسمى بالولاية. فالولاية هي المُكْنة والاستعداد والقدرة على إيجاد حادثة وشيء في الخارج.
والقسم الثاني هو الولاية التشريعيّة؛ الولاية التشريعيّة هي لازم الاستئذان، يعني أنّ الشخص لا يقدر على إيجاد أمر في الخارج إلّا بإذن شخص آخر؛ مثلًا، إذا كان هذا الكتاب موجود هنا، وهو مِن خصوصيّات مولانا وصديقنا الأكرم [فلان]، فإنّ الله تعالى لا يسمح لي أن آخذ هذا الكتاب وأقرءه إلّا بعد الاستئذان مِن هذا الشخص، فإذا استأذنتُ صديقنا هذا لقراءة هذا الكتاب، فإنّ الله تعالى والعقل والعرف والقانون سيسمحون لي حينئذٍ بقراءة هذا الكتاب وفتحه، وإلّا سيعاتبني الجميع قائلين: لماذا قرأت وفتحت هذا الكتاب، بدون إجازة صاحب ومالك الكتاب وبدون استئذانه؟!
لا يوجد فرقٌ بين الولاية التشريعيّة وبين الولاية الأولى إلّا بالاستئذان؛ فالأُولى لا تحتاج إلى استئذان، فيكون للمرء أن يفعل كلّ شيء. والثانية لا بدّ لها مِن استئذان، وهو ما يسمّى بالولاية التشريعيّة. وليس المقصود مِنَ الولاية التشريعيّة، الولاية التشريعيّة الخاصّة، الّتي يبحث عنها الفقهاء في الفقه وذلك في مباحث ولاية الفقيه وولاية الوصيّ وولاية الأب وولاية الجدّ، لا، بل [المقصود هو] الولاية التشريعيّة بلحاظ عامّ، وهو أنّ كلّ شخص يريد أن يتصرّف في أموال وأملاك شخص آخر، لا بدّ أن يستأذن منه، حتّى لو لم يكن هذا الآخر ملتزمًا أو مسلمًا، وحتّى لو لم يكن له أيّ دِين والتزام، فإنّ القانونَ والقانونَ المدنيِّ يُوجب على المتصرِّف الاستئذان.
فحقيقة الولاية الثانية وحقيقة الولاية الأُولى هما حقيقة واحدة، وهي القدرة على إيجاد أمر في الخارج؛ مثلًا، لو كان لشخصٍ القدرة على إيجاد بناية في هذه الأرض، فهو وليُّ هذا البناء ووليٌّ على إصلاح هذه الأرض. وإذا كانت الأرض ملكًا لصديقه أو لشخص آخر، فيكون الشخص القادر على إيجاد البناء هو وليّ على إيجاد البناء والعمل والاشتغال في هذه الأرض بإذن صديقه ذاك؛ يعني أنّ الولاية في الصورة الأولى لا تحتاج إلى إذن، والولاية في الصورة الثانية تحتاج إلى إذن واستئذان، ولكن [حقيقتهما] أمرٌ واحدٌ.
على هذا الأساس، فإنّ حقيقة الولاية هي إعمالُ وإيجادُ وصنعُ وتكوينُ شيءٍ لم يكن موجودًا؛ مثلًا لو رفعتُ الآن هذا القرآن، فإنّ هذا القرآن وإن كان موجودًا، إلّا أنّ (رفعه) لم يكن موجودًا. فالولاية على فعل أمر في الخارج؛ [تارة يكون] بتغييره وتحويله، كما لو غيّرتُ مكان هذا القرآن مِن مكانه الأوّل إلى مكان آخر، فهذا القرآن لم يكن موجود في هذا المكان [الثاني]، وإنّما أنا حوّلته مِن ذاك المكان إلى هذا المكان. [وتارة يكون بإيجاده] مِن بداية الأمر، كأن أتصدّى لطبع هذا القرآن ونشره، فالقرآن لم يكن موجودًا أصلًا، وإنّما أنا وجدته بطبعه ونشره، بعبارة أخرى أنا الّذي أوجدته في الخارج، يعني أنّ المُوجِد هو نفس الإنسان والموجود في الخارج هو القرآن.
فكلا النحوين يُسمّيان بالولاية؛ النحو الأوّل هو الولاية على خلق القرآن، بمعنى طبعه ونشره وكتابة آياته على الصفحات، إذ هذه الكتابة لم تكن موجودة وحتّى القرطاس لم يكن موجودًا وطبعه لم يكن موجودًا، [فالقيام] بكلّ هذه الأمور يُحقّق حادثةً وشيئًا في الخارج. [والنحو الثاني] هو أنّه بعد أن نطبع القرآن ونحقّق وجوده في الخارج، نتصرّف في أحواله وكيفيّاته، كأن نأخذه ونفتحه ونقرأه. فكلا النحوين يُسميّان بالولاية، الأوّل [هو الولاية] على نفس القرآن ووجوده، والثاني [هو الولاية في] التصرّف في أحواله وكميّاته وكيفيّاته بأيّ نحو كان، كقراءته والاستفادة منه.
على هذا، فالولاية عبارة عن إيجاد أمرٍ لم يكن موجودًا في الخارج، سواء كان [بإيجاد] نفس الشيء حيث لم يكن موجودًا مِن قَبل، أو أنّه كان موجودًا ولكن التبدّل والتغيّر في أحواله لم يكن موجودًا [فيُحدث تبدّلًا وتحوّلًا في أحواله]. فالشخص بنفسه وبإرادته يحقّق [ويُحدث] هذه الأمور. هذه المسألة الأولى.
النقطة الثانية: جميع الحوادث تقع في سلسلة العِلل التكوينيّة والغيبيّة المنزّلة مِن الله تعالى
أمّا المسألة الثانية الّتي لا بدّ مِن تبيينها، هي أنّ كلّ هذه الحوادث والموجودات الّتي [تتحقّق] في عالَم الخارج في عالَم المادّة، سواء بوجودها الأصليّ أو بوجدها التبعيّ، يعني مِن ناحية نفس هذه الحوادث والموجودات ومِن ناحية التغيّرات والتبدّلات والتحرّكات الّتي تَحدث لها بعد وجودها، [جميعها] معلولات ومُسبَّبات عن سلسلة العِلل الملكوتيّه والغيبيّة المنزّلة مِنَ الله تعالى ومِن مقام الأمر ومقام الإرادة والمشيئة.
يعني أنّ هذا العالَم بجميع موادّه وخصوصيّاته وبجميع العناصر والموادّ الموجودة في هذا العالَم – والّذي نعبّر عنه بعالَم الشهادة وعالَم المادّة – له علاقةٌ وارتباطٌ بعلّته الأولى، وهي الله تعالى.
يعني إذا تفحّصنا عن كيفيّة خِلقة هذا العالَم وكيفيّة وجوده، [لوجدنا أنّ] هذا العالَم لم يكن موجودًا منذ الأزل، وأنّه أصبح موُجودًا بإرادة الله تعالى ومشيئته، ولهذا العالَم علاقةٌ وارتباطٌ بالله تعالى. ومِنَ البديهيّ البيِّن أنّ الله تعالى مجرّدٌ ليس له مادّة، فليس لله تعالى وزنٌ وكميّات وكيفيّات وألوان وأشكال، فكلّ هذه الأمور تختصّ بعالَم المادّة، والله تعالى منزّه عن جميع هذه الأوصاف والخصوصيّات. ثمّ إنّ هذا العالَم المنزّل مِن ناحية الله تعالى وإرادته ومشيئته، لا بدّ لخَلقه مِن أسبابٍ ووسائطٍ تكون بين إرادته تعالى وبين هذا الخَلق، وهو هذا العالَم أي عالَم المادّة والشهادة، وذلك بناءً على قانون بطلان الطفرة.
والطفرة هي: أنّ الإنسان إذا أراد أن يصعد إلى السطح، فلا بدّ أن يخطو برِجله على كلّ درجة مِن أَدراج السلّم؛ فهل يمكنه مثلًا أن يضع رجله على الدرجة الأولى ثمّ الثانية ثمّ الرابعة، دون أن يضع رِجله على الدرجة الثالثة؟ [لا]، بل لا بدّ أن يطلع ويصعد على الدرجة [الثالثة أيضًا]، فمِنَ المستحيل أن يضع رِجله على الدرجة الرابعة دون أن يطلع على الدرجة الثالثة، [فالقول بأنّه يستطيع ذلك يسمّى] الطفرة وهي مستحيلة.
حسنًا، بناء على هذا البيان نقول: إنّ الشيء المادّي يختلف ويتنافى مع الشيء المجرّد، والشيء المجرّد هو الله تعالى – فهو المجرّد عن كلّ شوائب وأوصاف وخصوصيّات المادّة – فإذا تعلّقت إرادة الله ومشيئته بهذا الخَلق الماديّ، فلا بدّ أن يتنزّل هذا الخَلق مِن مقام الإرادة إلى مقام الخَلق بوسائطٍ عديدة، وهذه الوسائط بمنظار الحكماء والفلاسفة تُسمّى بالعقول العشرة، وتُسمّى في أخبار وروايات الأئمّة عليهم السلام بمسمّيات أخرى [كـ] عالَم اللاهوت وعالَم الجبروت وعالَم الملكوت وعالَم المِثال والبرزخ.
والقرآن الكريم يصرّح بهذا الأمر، [حيث يقول:] ﴿بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ﴾۱، فالله تعالى لم يقل إنّ بيده الأشياء كلّها وبيده المادّة والحجر والشجر، بل بيده ملكوت الحجر والشجر وملكوت السماء والأرض وملكوت الشمس والقمر. ما معنى الملكوت؟ ولأيّ وجه لم يقل الله تعالى أنّ بيده كلّ شيء، وإنمّا قال بيده ملكوت كلّ شيء؟ ذلك لأنّ التناسب بين العلّة والمعلول يقتضي أن تكون العلاقة والارتباط بين الله تعالى – مِن حيث أنّه مجرّد عن جميع شوائب عالَم المادّة – وبين عالَم المادّة [بواسطةِ] شيءٍ قريب مِنَ المجرّد.
فالله تعالى مِن حيث أنّ له أسماءً كليّةً وصفات كليّةً، كاسم العِلم واسم الحياة واسم القدرة، وكصفة الخَلق ﴿خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾٢ ﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾٣ ﴿يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ﴾٤، وصفة التدبير ﴿رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾٥، وصفة الرحمة والعطف ﴿وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾٦، وصفة الرزق ﴿هُوَ الرَّزَّاقُ﴾۷ ﴿إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾۸، وصفة العقاب ﴿شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾٩، وصفة القهاريّة ﴿هُوَ اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾۱۰، فهذه الصفات الّتي في الله تعالى هي صفات كليّة، إذا أراد أن يُعملها في هذا العالَم، أي إذا أراد أن يُوجِد ويُحدث شيئًا في العالَم الخارجيّ، فلا بدّ أن يتقدّر هذا الاسم باسمٍ جزئيٍّ وهذه الصفة بصفةٍ جزئيّةٍ، حتّى يتحقّق هذا الشيء في الخارج؛ يعني أنّ الله تعالى إذا أراد أن يَخلق شيئًا، فبما أنّ صفة الخلق هي صفةٌ عامّةٌ، ومِنَ المستحيل أن يَخلق شيئًا عامًّا وكلّيًّا في العالَم الخارجيّ، فلا بدّ أن يُحدّد ويُقيّد [هذه الصفة]، فتتعيّن في التعيّنات، وتتقيّد في التقيّدات، أي التقيّدات الجزئيّة. فإذا أراد أن يَخلق إنسانًا، فمِنَ المستحيل أن يخلق إنسانًا واحدًا يشغل ويستوعب جميع عالَم المادّة، فلا بدّ أن يخلقه بشكل خاصّ، أي بكمٍّ خاصٍّ وبكيفٍ خاصٍّ، [بحيث] يتميّز عن ساير الخلائق والمخلوقات. وإذا أراد أن يخلق حجرًا، فلا بدّ أن تتعلّق صفة الخِلقة بهذا الحجر الخاصّ، الّذي له مقدار خاصّ ووزن خاصّ، فيتميّز هذا الخَلق عن سائر الخلائق. وهكذا الحال في جميع المخلوقات وجميع الحوادث في العالَم.
فلا بدّ أن يتنزّل مِنَ عالَم الإرادة والمشيئة إلى عالَم الشهادة بوسائط عديدةٍ، وهو ما نُعبّر عنه كما في القرآن بعالَم الملكوت، وفي لسان الروايات يُفسَّر عالَم الملكوت باللاهوت والجبروت والملكوت الأعلى والملكوت والأسفل والبرزخ والمِثال حتّى ينتهي إلى عالَم الشهادة.
النقطة الثالثة: إحداث تغيِير في الخارج يتّم بالتصرّف في ملكوت الشيء
على هذا، فإنّ ولاية الله تعالى وسيطرته على خَلق الأشياء يتعلّق بجميع (...)۱. [إنّ] أوصاف المادّة ماديّة، وعالَم الملكوت الأسفل، يعني عالَم البرزخ، وهو علّة لعالَم المادّة والشهادة والله تعالى هو الوليّ وهو المالك الحقيقيّ والمَلِك الحقيقيّ، الّذي لا يحتاج في تصرّفه للاستئذان مِن شخصٍ آخر وذاتٍ أخرى، بل هو مستغنٍ بالذات عن الاستئذان، ويتصرّف في ملكه كيفما يشاء.. لهذا، إن أراد الله تعالى أن يتصرّف في شيء خاصّ، فهو يتصرّف في ملكوت هذا الشيء، في عالَم الغيب وعالَم الملكوت، وبتصرّفه في عالَم الملكوت – بناء على سلسلة المراتب تلك – يتحقّق هذا التصرّف في الخارج، فنرى التغيّر والتبدّل في عالَم الخارج.
سأمثّل لكم بمثال؛ إذا أردتم – مِن باب المثال – أن ترفعوا هذا القرآن، فلا بدّ أوّلًا أن تُدخلوا ذلك في خاطركم ونيّتكم، ثمّ تعزموا عليه وتجزموا [أنّكم ستقومون] به، فيقوم العقل والنفس بتحريك الدماغ والأعصاب، ثمّ تُحرّك الأعصابُ اليدَ نحو هذا القرآن، فتأخذ اليدُ القرآنَ، وبهذا يتحقّق الفعل في الخارج؛ فبواسطة سلسلة المراتب هذه يتحقّق هذا الأمر الخارجيّ؛ فهل يمكن أن يُحذف شيءٌ مِن هذه المراتب وأن يكون غيرَ موجودٍ، ثمّ يتحقّق ذاك الأمر الخارجيّ؟ هذا مستحيل، فلا بدّ أوّلًا أن يكون عندكم قصدٌ ويكون لديكم ميل ورغبة في هذا الأمر، كقراءة المصحف، ثمّ تعزموا على ذلك، ثمّ تنبعث القوّة في العضلات فتتحرّك اليدُ نحو القرآن حتّى تتمكّنوا مِن قراءته، سواء كانت قراءته بالنظر أو باللسان، وأمثال ذلك [مِنَ التصرّفات. فلكي تتحقّق] جميع هذه التصرّفات، لا بدّ لها مِن سلسة المراتب [والمراحل] تلك. وعليه، فلا بدّ مِن وجود أسبابٍ غیر الأسباب الماديّة الّتي نراها، كالدماغ والأعصاب والجوارح، وهي الأسباب النفسيّة والأسباب الغيبيّة، وهي أسباب لا نراها نحن ولا أنتم، لأنّكم لا تعلمون متى سيقصد هذا الشخص أن يرفع هذا الكتاب، ومتى سيقصد أن يمشي أو أن يأكل مثلًا، فهذه الأمور باطنيةٌ؛ فأوّلًا يحصل التصرّف في ملكوت الإنسان، والملكوت هو النفس والغيب والباطن، ثمّ مِن ناحية الملكوت يَظهر ذلك الشيء في الخارج فنراه.
فلنُقِس هذا الأمر على معجزة الأنبياء؛ مثلًا عندما تصرّف النبيّ (صلّى الله عليه واله وسلّم) بالقمر – وهو حدث ثابت في التاريخ [وفي القرآن حيث قال:] ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ﴾۱ – فكيف صنع النبيُّ حتّى شَقَّ القمر وغيّره وبدّله [عن حالته العاديّة]؟ فالنبيّ الآن على الأرض وله خصوصيّات خاصّة نراها، كالجسم والكمّ والكيف الخاصّ به، نعم! ونحن نرى القمر وما له مِن حجم عظيم، وأنّ بيننا وبينه فاصلةً بعيدة تقارب – على ما يُقال – بحسب الظاهر تسعمئة ألف كيلومتر، حسنًا، كيف يمكن [والحال هذه] أن يتصرّف النبيّ وهو بهذا الجسم والخصوصيّة والأوصاف [الماديّة] بالقمر، الّذي يفصلنا عنه مليون كيلومتر؟! فهذا مستحيل [باللحاظ الماديّ]، فكيف إذن أشار النبيّ إليه وقسَمَه نصفين؟ نحن نرى مِنَ البداية أنّ هذا الأمر ليس بأمر ماديٍّ أبدًا، ولا يتعلّق بعالَم الشهادة ولا يتعلّق بجسمه، لأنّ جسمه موجود على الأرض، ويفصلنا عن القمر ما يُقارب مليون كيلومتر، فكيف له أن يتصرّف بذلك ويقسّمه؟! هذا مستحيل [باللحاظ الماديّ]، فماذا الّذي فعله النبيّ؟ إنّ النبيّ قد تصرّف في ملكوت القمر – ونحن لا نرى هذا التصرّف – يعني أنّ النبيّ رجع إلى نفسه، ومِن باطنه ونفسه تصرّف في ملكوت القمر، وملكوت هذا القمر الماديّ هو في عالَم المجردات.٢
﴿بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ﴾٣، يعني أنّ زِمام الأمور كلّها [بيده]، وزمام جميع هذه الحوادث والحقائق بيد الله تعالى، لا نفس هذه المادّة ونفس هذا الحجر وهذا الشجر، [لا، بل] حقيقتها المخفيّة عنّا [هي الّتي بيده، فهي] كحقيقتكم المخفيّة عن صديقكم، كما لو عزمتم على فعل شيء ما، فهل صديقكم يعلم بذلك؟ هو لا يعلم.. فما نراه نحن هو [فقط] التغيّرات الّتي تحصل في عالَم المادّة.. والآن هل تعرفون ما الّذي سأقوله بعد دقيقة؟ لا تعرفون. هل أنا أعرف الآن ما الّذي يخطر ببالكم؟ مِنَ المحتمل الآن أنّكم تستشكلون على بعض مسائلي، فأنا لن أعلم بذلك حتّى تكتبوه [وتوجّهوه إليّ]، فأعلَم حينئذٍ ما هو الإشكال وفي أي نقطة [يكمن]. وذلك لأنّي لستُ مسلّطًا على ملكوتكم، ولا أنتم مسلّطون على ملكوتي، وأنا لا أعلم بملكوتكم ولا بنفسيّاتكم ولا ما يخطر ببالكم وذاكرتكم، وأنتم لا تعلمون [ذلك عنيّ أيضًا].
نعم! ولكنّ الشخص الّذي وصل إلى الملكوت، قد فَهِم كلّ شيء؛ فالنبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لم يتصرّف بالمادّة [مباشرة]، لأنّ النبيّ كان على الأرض وبينه وبين القمر فاصلةٌ بعيدةٌ، فكيف [استطاع أن] يتصرّف بالقمر؟ إنّ النبيّ قد تصرّف بملكوت القمر، هذا التصرّف أوجب التصرّف بالمادّة، فرأينا الانقسام في المادّة؛ فالنبيّ مِن دون أن يتحرّك مِن مكانه ومِن دون أن يمشي أو أن يفعل أيّ شيء [ماديّ]، وإنّما بالنفس والهمّة، كما يقول أبو علِي سينا في الإشارات: إنّ العارف يفعل بهمّته، يعني بإرادته، والعارف هو الّذي وصل إلى الولاية، فهو يفعل بعزمه وهمّته؛ فالنبيّ يفعل شيئًا في نفسه، ويكون لهذا الفعل أثرٌ في ملكوت الشيء، والملكوت يؤثّر على المادّة، فتنقسم المادّة قسمين بهذا التأثير وبهذه الهمّة وبهذا العزم وبهذا التصرّف النفسانيّ في ملكوت الأشياء.
مثلًا، كان النبيّ موسى على نبيّنا وآله وعليه السلام، يتصرّف بالعصا فتصبح حيّة مثلًا، فهذه العصا الّتي بيَد إنسانٍ، وهي كما نراها مِن خشب أو مِن شجر مِن باب المثال، كيف تصرّف النبيّ موسى فيها وجعلها حيّةً؟ يقول بعض الأفراد أنّ المسألة بسيطةٌ، فذلك حصل لأنّ الله تعالى أذِن لبعض خلائقه كأنبيائه وغيرهم، في أنّهم إذا دعوه يستجب لهم، وهذا يعني أنّ موسى لم يفعل شيئًا والنبيّ لم يفعل شيئًا أبدًا، فالنبيّ وموسى وسائر الأئمّة والأنبياء هم كالأفراد العاديّين، لا فرق بينهما أبدًا، إلّا أنّ أولئك يدعون الله تعالى فيستجيب لهم، أمّا غيرهم فلا يستجيب لهم اللهُ إذا دعوه، وإلّا فليس هناك فرق أبدًا بين أولئك وبين سائر الأفراد!! [أقول:] إنّ هؤلاء لم يفهموا شيئًا أبدًا مِنَ مسائل الغيب وقدرة الإنسان على الإعمال والتصرّف، لم يفهموا مِن هذه المسائل شيئًا أبدًا.. [فالمسألة كما يلي:] كما أنّ تصرّفَنا في عالَم المادّة، يلزمه التصرّف أوّلًا في عالَم غيبنا وفي أنفسنا، كالميل والرغبة لخلق [وإيجاد] هذا الشيء في الخارج – فتبدّل وتغيّر الشيء في الخارج لا بدّ له أوّلًا مِن أن نميل إليه، ثمّ نعزم على الإقدام عليه، ثمّ نجزم به، [ثم نُعمل] الإرادة الأخيرة وهي العلّة الأخيرة لإيجاد هذا العمل والفعل في الخارج – كذلك النبيّ فيما يفعله؛ ما الفرق بين هذا العمل وبين ذاك العمل؟ [لا يوجد فرق] أبدًا؛ هل يمكننا أن نقول: ليس للإنسان القدرة على إيجاد الفعل في الخارج، بل هو يدعو الله تعالى أن يفتح له هذا المصحف فيفتح الله تعالى له المصحف؟! هل هذا صحيح؟! لا [ليس صحيحًا، بل] الله تعالى أَقْدَرَ الإنسانَ على إيجاد هذا الأمر في الخارج، كما أَقدرَ اللهُ تعالى النبيَّ على إيجاد تلك الحادثة في الخارج، وهي تقسيم القمر، وتبديل الخشبة إلى حيّة، وأن يجعل مثلًا نهرَ النيل صلبًا أو حجرًا مثلًا، يعني أنّ هذا الماء بدفعة ما، يصبح حجرًا، فيعبره قوم موسى، ومعنى هذا: أنّ النبيّ موسى قد تصرّف بملكوت النهر وملكوت مائه، فهذا الماء الجاري في النهر له ملكوت خاصّ، والنبيّ موسى تصرّف في ملكوته فجعله صلبًا يمشي عليه الإنسان، ثمّ عندما عبر قومُه عاد وتصرّف مرّة ثانية في ملكوته فيجعله ماءً يُغرق به فرعون وقومه.
على هذا، فإنّ معجزة الأنبياء ليست مسألة بسيطة! والمعجزة ومعجزة الأنبياء هي مثل قضايانا، إلّا أنّنا معتادون على الأمور المتعارفة والعاديّة، فإذا رأينا أمرًا غير عاديّ [ترانا] نقول إنّه ليس مِنَ الإنسان، أمّا إذا كان أمرًا عاديًّا كالمشي والحركة والأكل والشرب وكذا، [فنقول] إنّه مِنَ الإنسان. ولكن في الحقيقة فإنّ جميع الأمور الّتي تتحقّق في عالَم الخارج، لا بدّ أن يمضي عليها سلسلة المراتب تلك، وليس في هذا فرقٌ أبدًا بين الأمور العاديّة والأمور غير العاديّة.
كنتُ قد سمعت هذه المسألة مِنَ السيّد الحدّاد (رضوان الله تعالى عليه)، يقول: إذا مثلًا دعا شخصٌ اللهَ تعالى بأن يملأ هذا البئر الخالي ماءً، فيصعد الماء فيه حتّى يصل إلى الأرض فيتوضأ منه، فالناس يرون ذلك معجزة. أمّا إذا ذهب الإنسان إلى الحمام أو باحة المنزل ووجد ماءً في الأنابيب ففتحها وتوضأ به، فالناس لا يرون ذلك معجزة، والحال أنّ كليهما معجزة، ولا يوجد فرق بينهما، لأنّ كلّ هذه الأمور بيد الله تعالى وبإرادته ومشيئته، فكما أنّ إجابة دعوة العبد لله تعالى تكون مِنَ الله تعالى لا منه، كذلك الأمر في مسألتنا هنا، فهي مِنَ الله تعالى؛ يعني أنّ لهما حقيقةً واحدةً [وهما] فعلٌ واحدٌ، ولكن نحن مَن يرى هذا عاديًّا وذاك غير عاديٍّ، أمّا الحقيقة والمسألة فهي واحدة، واحدة.
هذا ما نقوله بالنسبة إلى المعجزة ومسألة الأنبياء، والآيات القرآنيّة تشير إلى ذلك؛ يقول تعالى في قصّة سليمان (على نبيّنا وآله وعليه السلام): ﴿فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ﴾۱، أي قد سخّر لسليمان الريح، فيأمرها سليمان فتأخذه وتطير به إلى السماء مثلًا وتضعه في مكان آخر، حسنًا، فهذا أمر غير اعتياديّ [بالنسبة لنا]، فنحن لم نرى شخصًا [مِن قَبْل] يتسلّط على الريح فتنقله مِن مكان إلى مكان آخر. ولكنّه في موضع آخر يقول: ﴿سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ﴾٢، أي قد سخّرنا لكم الفلك والسفن والبحار، والحال أنّنا نرى أنّ ركوب السفينة وقيادتها أمورٌ عاديّة، وأنّ ركوب البحار والسير فيه والسباحة أمورٌ عاديّة، نراها جميعها أمورًا عاديّة؛ ولكنّ الله تعالى يجعلهما في سياق واحد، [فنحن مَن يرى أنّ] تسخير الريح لسليمان أمرٌ غير عاديّ وتسخير البحار لنا أمرٌ عاديّ ... [فالله يقول] إنّه سخّر لكم الفلك تجري في البحر (بإذنه)، فأنتم مَن يرى ويزعم أنّ السفينة تجري وتسير بإذنكم، أمّا الله فيقول أنّ السفينة تجري بإذنه لا بإذنكم؛ فالله تعالى يقول إنّ الجاري في هذا العالَم هو أمرٌ واحدٌ، وهو إرادته ومشيئته، والمسائل العاديّة والمسائل [غير] العاديّة كلاهما على حدٍّ سواءٍ، كلّها في ولاية الله [وتحت] سيطرته وإرادته ومشيئته. هكذا هو الأمر بالنسبة إلى معجزات النبيّ.
إذا أراد النبيّ أن يتصرّف بالقمر أو بالحجر أو بالحيّة أو بالشجرة الّتي شهدت له بالرسالة وبالتوحيد۱، فما الّذي سيفعله؟ إنّ النبيّ بإذن الله تعالى وإرادته يتصرّف في ملكوت الشجرة، وبتصرّفه في ملكوتها تشهد في عالَم المادّة، بحيث تسمعون شهادتها بالتوحيد والرسالة، فهو لا يتصرّف في نفس الشجرة أي في خشبها وأوراقها وفواكهها مثلًا، لا، بل يتصرّف في ملكوتها، ويَظهر هذا التصرّف في عالَم الشهادة بهذا النحو الّذي نسمعه بآذاننا ونراه بأعيننا.. نحن مَن يتعجّب أن كيف للشجر مثلًا أن يشهد أن الله لا إله إلّا هو، وإلّا فالمسألة بسيطةٌ وعاديّةٌ؛ فإن وصلنا إلى هذه المرتبة، أي مرتبة الملكوت، سنرى أنّ المسألة عاديّة، وأنّه بإمكاننا نحن أيضًا أن نتصرّف في ذلك، كما نتصرّف في ملكوتنا وفي ذاكرتنا، كأن نُحضر في ذاكرتنا المسائل المنسيّة، فهذا تصرّف في الملكوت ولكنّكم لا ترون ذلك؛ مثلًا، يوجد عندي الآن بعض المعلومات المنسيّة حاليًّا في الحال الحاضر الآن، فأقوم بإعمالٍ نفسيٍّ وأُحضر هذا المعلومات وأبيّنها لكم ... (...)٢.
والأئمّة عليهم السلام، حتّى أنّ غير الأئمّة مِنَ الأولياء، إذا أرادوا أن يتصرّفوا في الأشياء، لا يتصرّفون في الشيء نفسه في الخارج، بل يتصرّفون – كما قلتُ – في ملكوته. نجد في الروايات أنّ الإمام السجاد، أو ظاهرًا – على ما في ذاكرتي – هو الإمام الباقر عليه السلام، ذهب إلى الصحراء مع أصحابه، وجلسوا تحت شجرة يابسة قد تساقطت أوراقها تمامًا، فتصرّف الإمام الباقر عليه السلام – الظاهر أنّه الإمام الباقر – فأورقت الشجرة وتساقط منها رطب جنيّة، كما في قصّة مريم [حيث قال تعالى:] ﴿تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا﴾٣. حسنًا، كيف تصرّف الإمام عليه السلام في هذا الشجرة وهو جالسٌ تحتها والحال أنّها يابسة، فهي خشب وحطب يليق بالنار والاشتعال ولا فائدة فيها أصلًا؟ إنّ الإمام عليه السلام بنيّته وطلبه وهمّته، الهمّة، يعني القصد والإرادة والعزم على إيجاد هذا الأمر في الخارج، أصبحت هذه الشجرة اليابسة بلحظة خضراء ومورقة وذات فاكهة، كما في قصّة مريم [حيث قال تعالى:] ﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا﴾٤، فذاك مثل هذا.
النقطة الرابعة: التصرّف في الأشياء يقع في طول التصرّف الإلهيّ، والإذْن يعني الاقدار
المسألة المهمّة في هذه القضيّة، هي: هل هذه التصرّفات هي في عرض تصرّف الله تعالى أو في طوله؟ هذه هي المسألة المهمّة [في المقام]؛ فإنكار البعض للولاية التكوينيّة، ناشئٌ مِن أنّهم يرون أنّ هذه التصرّفات ليست بإذْنٍ مِنَ الله تعالى! ونحن لا نقبل بهذا أبدًا، ونبطله إبطالًا [كليًّا] وبحزم، [نحن نقول: إنّ] تصرّف العبد، سواء الأنبياء أو الأئمّة أو الأولياء، في هذه الأمور، إنمّا يكون بالإذْن مِنَ الله تعالى؛ وليس الإذن هنا هو الإذن الظاهريّ الّذي تسمعونه، كأن يطلب مِنَ الله تعالى ويدعوه فيستجيب الله له قائلًا: سأقسِّم لك القمر قسمين، والحال أنّ الناس لا يسمعون هذه الإجابة وإنّما يسمعها النبيّ، لا [ليس الإذن بهذا النحو]، بل هو إرادة النبيّ، حيث إنّه عبدٌ مِن عباد الله تعالى، وقد وصل إلى مرتبة التقوى ووصل إلى ما لم نصل إليه مِن مرتبة، فأقدره الله تعالى على هذا العمل، فهذا الاقدار هو الاستئذان مِنَ الله تعالى، هل اتّضحت المسألة؟ يعني أنّ النبيّ لا يحتاج إلى الإذن مِن الله تعالى بمعنى أن يتوضّأ ويصلّي ويدعو الله تعالى، لا، بل [يحصل ذلك] بنفسه – كما قلتُ بالأمس – أي بنفس النبيّ الّتي وصلت إلى تلك المرتبة الّتي أصبح فيها عبدًا مطيعًا لله تعالى «عبدي أطعني حتّى أجعلك مِثْلي (أو مَثَلي) أقول للشيء كن فيكون وتقول للشيء كن فيكون»۱، فهناك فرق بين هذا العبد وبين سائر العباد والأفراد العاديّين، فهذا العبد قد وقع له حادثٌ عجيبٌ [يصفه] أمير المؤمنين عليه السلام في وصفه المتّقين بقوله: «ويقولُ لقد خولطوا، ولقد خالطهم أمر عظيم»٢.
نحن نرى هؤلاء الأفراد، ونرى أنّ النبيّ كسائر الأفراد، إذ له عين وأذن ويد ورِجل وغيرها مِنَ الأعضاء، وبما أنّنا لا نقدر على تلك التصرّفات نقول: إنّ النبيّ [أيضًا] لا يقدر على تلك التصرّفات، وإنّه ليس هناك فرق أبدًا بيننا وبين النبيّ!! ولكن لا، [ليس الأمر كذلك، بل] قد وقع حادثٌ عظيمٌ في النبيّ، ولم يقع حادثٌ عظيمٌ في أنفسنا. هذا هو العلّة والسبب [لقدرتهم على] تلك التصرّفات وعدم قدرتنا عليها. هذا هو الأمر المهمّ.
فالّذين يُنكرون هذه المسألة لم يفهموا هذه القضيّة، وهي أن بينهم وبين النبيّ فرق ما بين المغرب والمشرق، فهم [يرون أنّ الأنبياء] يأكلون ويشربون ويمشون على الأرض ويتعلّمون بعض المسائل كغيرهم مِنَ الأفراد، [ولكنّهم] لم يفهموا قضيّة الوحي والولاية والتغيير النفسانيّ والتبدّل النفسانيّ والأمور الّتي حصلت للنبيّ بواسطة المجاهدات والرياضات الشرعيّة والعبادات، وبواسطة الصعود إلى الجبل والقيام بالأربعينيّات في غار حراء وغير ذلك، [ولم يفهموا معنى] بلوغ تلك المراتب؛ ألم يحصل للنبيّ شيءٌ [خاصّ بعد كلّ هذا]، حتّى [يُقال إنّ] النبيّ مِثلنا بعد أربعين سنة [أمضاها على تلك المجاهدات]؟! أليس هذا أضحوكةً!! يعني هل النبيّ مِثلنا ونحن مِثله، بعد أن قام بتلك الأمور، مِن عبادات ورياضات وقيامه في السحر والليل وغير ذلك كالصيام وغيره؟! القضيّة هي أنّ التغيّر وقع في نفس النبيّ، فصار قادرًا ونحن غير قادرين، والآية تصرّح بذلك في خطابه للنبيّ عيسى (على نبيّنا وآله وعليه السلام): ﴿وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ﴾، أي أنت الّذي تخلق لا أنا أخلق، أي أنت يا عيسى أنت مَن يخلق، أنتَ تخلق مِنَ الطين، فيأخذ التراب ويخلطه بالماء ويجعله بشكل حيوان كعصفور مثلًا أو غراب أو حمام أو غير ذلك كما نرى؛ ﴿وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا﴾، لا أنا أنفخ بل أنت تنفخ، ﴿فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي﴾، الإذْن هو الأمر المهمّ، والنبيّ عيسى هو الّذي يخلق مِنَ الطين أوّلًا، ثمّ هو الّذي ينفخ ثانيًا، إنّ الله تعالى لا يقول: أنا أنفخ وأنا أخلق، [بل يقول:] أنت تخلق مِنَ الطين كهيئة الطير بإذني. ﴿وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي﴾۱ لا بإذنك، ما معنى قوله ﴿بِإِذْنِي﴾؟ يعني أنّ الخِلقة والنفخ يكونان مِن عندك، ولكن لا بدّ أن يكون جميع ذلك بالاستئذان مني، والاستئذان هنا ليس استئذانًا بالقول والدعاء، لا، بل الإذْن هو الاقدار، أي إنّ الله تعالى أَقْدَرَ عيسى بن مريم على هذا العمل.
[كيف يمكن الجميع بين القول بأنّ الخلق والنفخ مِن النبيّ عيسى وقولنا بأنّهما مِنَ الله مِن بداية الأمر؟] إنّ الحلّ الوحيد للمسألة هو [بملاحظة] نفس الآية، فهذه الآية تقول إنّ الخلق والنفخ هما مِن عيسى٢، ولكن كلّ ذلك يتعلّق بإذني [أي بإذن الله تعالى]، وإذني لك يعني أنّني جعلتُ فيك قوّة واستعدادًا لإحلال الحياة.٣
النقطة الخامسة: حقيقة ومصدر المعجزات وأفعال الإنسان واحد
[توجد هنا] نقطة ظريفة متعلّقة بقوله تعالى: ﴿وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي﴾، إذ ذَكَرَ لفظ ﴿بِإِذْنِي﴾ بين الخلق وبين النفخ، لماذا؟ لأنّنا نرى مِن بداية الأمر أنّ هذه المسألة ليست عاديّة، إذ لا بدّ أن يكون ذلك معجزة [بنظرنا]، ولكن الخلق مِنَ الطين كهيئة الطير هي مسألة عاديّة وليست مسألة غير عاديّة، بل هي عاديّة. وقوله: ﴿فَتَنْفُخُ فِيهَا﴾، ليس المقصود هو النفخ الظاهريّ، بل المقصود هو الإرادة والعزم على ذلك.
نحن مَن يرى أنّ هذا الأمر لا بدّ أن يكون غير عاديّة، وأنّه لا بدّ أن يكون مِنَ الله تعالى وحسب، ولكنّ الله تعالى يقول: نعم، إنّ الخلق هو مِن عيسى والنفخ وبعث الحياة هو مِن [عيسى، ولكن] بإذني، ويقول في آية [أخرى] بأنّ جميع ذلك هو مِنَ الله تعالى.
ما معنى الإذْن [في قوله تعالى:] ﴿تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي﴾؟ يعني أنّ نفس هذا العمل العاديّ في الخارج هو نفسه معجزة، وهذا ما قاله السيّد الحداد، لاحظوا! قد قال: إنّ الناس إذا دعوا الله تعالى ليملئ هذا البئر ماءً ثمّ توضّؤوا منه وصلّوا، سيقولون حينئذ: إنّ هذا معجزةٌ، أمّا إذا نزلوا إلى ساحة المنزل وفتحوا أنابيب الماء وتوضّؤوا منه، سيقولون: إنّ هذا ليس بمعجزة، والحال أنّ كليهما عند العارف معجزة، فهذا مِنَ الله تعالى وذاك أيضًا مِنَ الله تعالى، يعني أنّ القدرة والمشيئة مِنَ الله تعالى. وهذا الأمر لا علاقة له بالاختيار، فهذه مسألة أخرى.
الفلاسفة والعرفاء يسمّون نفس القدرة والإرادة، [يسمّونها] بوحدة الفعل الخارجيّ في العالَم، [وذلك في قولهم بـ] وحدة الفعل ووحدة الصفة ووحدة الذات. فذاك [مصداق] لوحدة الفعل، يعني أنّ الفعل الواحد يصدر مِنَ الله تعالى بإرادته ومشيئته، ويظهر في العالَم الخارجيّ وعالم الشهادة، فنراه ونحسّ به، فقوله: ﴿وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي﴾، يعني إذا لم أُقْدرك أنا على فعل الخَلق الخارجيّ فلن تقدر على هذا الأمر العاديّ، لن تقدر أبدًا.
إذا مرض الإنسان فهل سيقدر على عمل شيء؟ أبدًا لا، [بل ستراه] مستلقيًا على الفراش غير قادر أبدًا على تحريك يده، فإنّ الله تعالى لم يجعله قادرًا على ذلك، أمّا إذا أصبح سالمًا ورجعت إليه صحته سيحرّك حينئذ يده ويمشي ويجلس و..، هذا ما يقوله الله تعالى [في القرآن]: ﴿وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى ، وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا ، وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى﴾۱، ويقوله النبيّ موسى: ﴿وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ﴾٢، لا أنّ [الشافي هو] الأسبرين والاستمنوفين والبندول وغير ذلك، لا، بل هو [تعالى] يشفين، ولكن شفاء الله تعالى تارة يكون بلا واسطة وتارة بواسطة: أمّا الشفاء بلا واسطة فكدعاء وليّه وقراءته لسورة الحمد ، كما فعل أمير المؤمنين عليه السلام في يوم صفّين، إذ جاءه أحدُ أصحابه وقد قُطعت يده في المعركة، فطلب مِن أمير المؤمنين عليه السلام أن يدعو الله تعالى ليشفيه، فقرأ أمير المؤمنين عليه السلام سورة الحمد ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ...﴾٣، وأخذ يده المقطوعة ووضعها في موضعها وقرأ سورة الحمد ومسّها فعادت يده صحيحة. فقال: يا علِيّ [ماذا قرأت]؟ قال: قرأتُ سورة الحمد. قال: أقرأتَ سورة الحمد! قال: إن لم تشأ سأعيدها كما كانت في السابق، فسقطت يده، فالتمس مِن أمير المؤمنين [أن يعيدها]، فقال له: لا، قد مضى الأمر وانقضى، أتستهزئ بسورة الحمد وتستخفّ!
نحن نقرأ سورة الحمد ولكن المريض يبقى على حاله، أمّا أمير المؤمنين إذا قرأ سورة الحمد فيصحّ المريض، لماذا؟ لأنّه يستطيع أن يتصرّف، لأنّه وصل إلى مرتبة يمكنه فيها أن يستفيد مِن قراءة سورة الحمد، ونحن لا نستفيد منها؛ والأفراد على حسب مراحلهم وحالاتهم يقتربون إلى تلك المرتبة؛ كما ورد في رواية أنّه إذا قرأتم سورة الحمد سبعين مرّة على ميّت وأفاق فلا تتعجّبوا، يعني في بعض الأحيان إذا كانت مصلحة الإنسان وإرادة الله تعالى متّعلقتان بصحّة وحياة هذا الشخص، سيتبدّل الأمر [مِنَ الموت إلى الحياة]. نعم!
إنّ الله تعالى يصرّح بأنّ الخَلْق مِنَ الطين والنفخ فيه وتبديله إلى طير، [هي أمور] على حدّ سواء بالنسبة إليه.
هذا هو الإذن مِنَ الله تعالى، نعم! وليس الإذن – كما يقول البعض – هو الاستئذان والدعاء والطلب وغير ذلك. ونحن لا ننكر أن جميع هذه الأمور هي بيد الله تعالى، جميع هذه المسائل بيد الله تعالى، يعني أنّ إرادة الله تعالى قد تتعلّق بأن يفعل هذا الشخص كذا، وإرادته قد تتعلّق بأن لا يفعل هذا الشخص كذا؛ هذه هي الولاية التكوينيّة؛ فالولاية التكوينيّة هي إقدار الله تعالى الشخصَ على فعل هذا الأمر، سواء [كان الفعل هو] أصل الخلق والإيجاد، أو كان تغيّر وتبدّل الشيء بعد خلقه وإيجاده، فكلّ هذا ولاية تكوينيّة، نعم! هذا مِن ناحية.
تبيّن حتّى الآن أنّ ليس هناك فرقٌ، بين فعل الإنسان وبين إرادة الإنسان في خلق الأشياء في الخارج، وبين خلق الأنبياء والأئمّة عليهم السلام والأولياء في الخارج، كلٌّ على حدّ سواء.
النقطة السادسة: المعجزات وخوارق العادات تحصل بالولاية التكوينيّة
هذا فيما يتعلّق بأصل حقيقة الولاية – أي الولاية التكوينيّة – وهو ما تصرح به الآيات، ومعجزات الأنبياء وخوارق العادات والأمور الّتي نراها مِنَ الأولياء هي مِن هذا القبيل. والولاية التكوينيّة هذه لا تختصّ بنبيّ خاصّ أو بالإمام، بل كلّ مَن حصل على المرتبة العليا مِنَ التقوى يمكنه أن يصل إلى ذلك [وتكون له ولاية تكوينيّة]؛ مثلًا، أنا رأيتُ بعيني شخصًا يقرأ سورة الحمد على مريض فشُفي وصحّت حالته، ورأيتُ بعيني مَن أخبر عن بعض المسائل الغيبيّة، وتصرّف في بعض الأمور وبدّل أحوالها، فهذه أمور نراها. مثلًا، نحن قرأنا أنّ السيّد القاضي أشار إلى حيّة فأماتها [أمام أحدهم، ثمّ استمرّا في طريقهم]، فرجع ذلك الشخص وهو الشيخ محمّد تقي العامليّ [إلى مكان الحادثة] ورأى الحيّة على حالتها ميّتةً، فتعجّب، فقال السيّد القاضي أتتعجّب؟!۱ هذه ولاية تكوينيّة.
ولكن نقول، إنّ هذا الأمر هو في الأئمّة عليهم السلام، ثمّ يسري ويجري مِنَ ناحية الأئمّة عليهم السلام إلى سائر الأفراد، فالأئمّة عليهم السلام على رأس القمّة في ذلك، وكلّ ذلك هو من إفاضات الله تعالى وعنايته ببعض عباده. ونحن أيضًا يمكننا أن نصل إلى هذه المراتب بالتقوى والعبادة والرياضات، كما تشير إلى ذلك بل تصرّح به الروايات المستفيضة في العبادات.
النقطة السابعة: الآيات القرآنيّة تُثبت الولاية التكوينيّة لغير الله تعالى أيضًا
مِن ناحية عقليّة، فهل هذه المسألة تنافي الآيات القرآنيّة، يعني هل نجد في القرآن آياتٍ تدلّ على نفي هذه المسألة وسلبها عن غير الله تعالى؟ نحن لم نجد آية تدلّ على أن غير الله تعالى غير قادر على هذا الأمر، بل نجد خلافه، كما في الآيات الّتي تصرّح بمعجزات النبيّ عيسى، كإحياء الموتى، والخلق مِنَ الطين كهيأة الطير فيكون طيرًا بإرادة عيسى وبإذن مِنَ الله تعالى، [والآيات] الّتي تصرّح بتسخير الرياح للنبيّ سليمان، وكذلك بالنسبة إلى موسى وإبراهيم وبالنسبة إلى نبيّنا.
فهذه المعجزات المذكورة في القرآن تدلّ على أنّ الأنبياء والأئمّة عليهم السلام وبعض عباد الله تعالى قد وصلوا إلى المرتبة الّتي [يسمح] فيها اللهُ أن تُجعل لهم هذه القدرة، يعني أنّ نفس العبد قد وصلت إلى مرتبة لا يميّز ولا يفرّق فيها بين التصرّف في المسائل العاديّة والتصرّف في المسائل غير العاديّة۱، فكما أنّه يتصرّف بسهولة في المسائل العاديّة كالذهاب والمشي والتحرّك والأكل والشرب والنوم، كذلك يتصرّف في المسائل غير العاديّة، وذلك وفق المصلحة الّتي يراها، لا في كلّ زمان ومكان.. والآيات لا تدلّ على غير ذلك.
أمّا الآيات الّتي يمكن أن يُستدلّ بها على خلاف ذلك، كالآيات الّتي تشير إلى أنّ النبيّ كسائر الأفراد في الخصوصيّات البشريّة، [كقوله تعالى:] ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ﴾٢، وأمثالها، فسنبيّن إن شاء الله في الجلسة الآتية أنّ لا علاقة أبدًا بين هذا وبين مسألة الولاية التكوينيّة، ولا منافاة بين بشريّة المرء وخصوصيّاته البشريّة، وبين تلك التصرّفات [الّتي تقع بالولاية التكوينيّة]، [وسنبيّن] أنّ ارتباط النبيّ بتلك المراتب ووصوله إليها لا يُخرجه مِنَ البشريّة ولا يصيّره مِثل جبرائيل وغيره مِنَ المخلوقات المجرّدة عن الأوصاف والخصوصيّات البشريّة، لا، بل النبيّ والأئمّة عليهم السلام مع كونهم بشرًا ولهم خصوصيّات البشر ويقومون بأفعالِ وانشغالاتِ البشر، فمع مقامهم هذا وفي نفس مرتبتهم هذه، هم قادرون وبإمكانهم إعمال الأمور غير العاديّة وفعلها. فلا منافاة أبدًا بين أن يكون الشخص بشرًا وبين أن يتصرّف في هذه المسائل.
مِنَ المهمّ أنّ [نعلم] أنّه بسبب قصورنا في بلوغ تلك المراتب ونقصنا وبسبب عدم إحراز تلك المراتب النفسيّة والمقامات في أنفسنا، نرى أنّ حصول تلك الأمور في الخارج مِنَ الإنسان لا بدّ أن يكون بشيء خارج عن ذات هذا الإنسان، وهو إرادة الله تعالى ومشيئته، فإذا أراد [تعالى] سيُوجِد الأمر في الخارج، وإذا لم يُرد فلن يُوجَد، وهذا إنّما هو لسوء فهمنا للمعتقدات والأصول الإسلاميّة والشرعيّة.
سنبحث إن شاء الله في الجلسة الآتية عن كيفيّة التوافق [وعدم التنافي] بين الآيات الّتي يمكن أن يُستدلّ بها على نفي مطلبنا هذا [حول الولاية التكوينيّة]، وبين الآيات المصرِّحة بمطلبنا والروايات المستفيضة والمشاهدات الّتي لا يمكن أن ينكرها أحد [حول الولاية التكوينيّة]، فالآيات تتوافق مع هذه الأمور.
والسلام عليكم ورحمة الله
نستطيع أن نفهم معنى الملكوت الّذي ذكرناه مِنَ الروايات والآيات
أحد الحضور: سيّدنا، إنّ القرآن الكريم يتحدّث عن عالَم الملكوت، والقرآن باللغة العربيّة، فكيف نعرف أنّ الملكوت هو بهذا المعنى [الّذي تفضلتم به]؟
جواب سماحة السيّد: حسنًا، نحن نفهم هذا الأمر [بملاحظة] جميع المسائل المرتبطة بالملكوت، يعني إذا تفحّصنا الروايات وكلمات الأئمّة عليهم السلام بالنسبة إلى كيفيّة خلق الموجودات وكيفيّة نزول الملائكة، وما هو موجود في نفس القرآن، كقوله بتنزّل الأمر مِنَ الله تعالى إلى عالَم الشهادة في ليلة القدر۱، وقوله: ﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾٢، [أي] في ليلة القدر، وبالنسبة إلى كيفيّة تدبير العالَم مِن موت وحياة، وكيفيّة عمل الملائكة سواء ملائكة الموت وملائكة الحياة وملائكة العِلم، [فبهذا كلّه] وبالروايات الّتي تدلّ على هذه الأمور، نفهم أنّ للملكوت هذه المراتب، وكذلك الروايات الّتي (...)٣و٤