المؤلّفالعلامة آیة الله السيد محمد الحسين الحسيني الطهراني
المجموعةشرح دعاء أبي حمزة
التاريخ 1398/09/24
التوضيح
كيف نعرف أنّ عملنا هو لله تعالى أم لا؟ بماذا يدعو العباد الصالحون ربّهم؟ ما هي حقيقة الحياة الطيّبة؟ متى يحظى طول العمر بالأهمّية بالنسبة للإنسان؟ كيف ترتفع الشكوى بين الله تعالى وعبده؟ ما هي حقيقة الزهد على لسان أمير المؤمنين عليه السلام؟ هل يجوز للإنسان أن يطلب الدخول في الذكر الخاصّ لله تعالى؟ ما معنى الرياء والسمعة؟ وما هو تأثيرهما في أفعال الإنسان وثوابه؟ ما هو معنى الخشوع لله تعالى في دعاء الإمام السجّاد عليه السلام؟ هي تساؤلات سعى سماحة العلاّمة آية الله السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ قدّس الله نفسه الزكيّة للإجابة عنها في هذه المحاضرة التي عقدها لشرح فقرات من دعاء أبي حمزة الثماليّ الشريف.
هو العليم
الإخلاص والرياء وملاك تشخيصهما
شرح فقرات من دعاء أبي حمزة الثماليّ ـ الجلسة العشرون
محاضرة القاها
سماحة العلاّمة آية الله السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
قدّس الله نفسه الزكيّة
أَعوذُ بِاللهِ مِنَ الشيطانِ الرجيمِ
بسم الله الرّحمن الرّحيم
وصَلَّى اللَهُ على محمّدٍ وآلِهِ الطّاهِرينَ
ولَعنةُ اللَهِ على أعدائِهِم أجمَعين
علامة كون العمل إلهيًّا أو غير إلهيّ
«أَسْأَلُكَ اللّهُمَّ مِنْ خَيْرِ ما سَأَلَكَ مِنْهُ عِبادُكَ الصَّالِحُونَ، يا خَيْرَ مَنْ سُئِلَ وَأَجْوَدَ مَنْ أَعْطى، أَعْطِنِي سُؤْلِي فِي نَفْسِي وَأَهْلِي وَوالِدَيَّ وَوُلْدِي وَأَهْلِ حُزانَتِي وَإِخْوانِي فِيكَ».
يا إلهي (اللهمّ تعني: يا إلهي)، أسألك من خير الأشياء التي سألك منها عبادُك الصالحون...!.
فمن الواضح أنّ المسائل التي يطلبها أفراد الإنسان من الله تعالى في أدعيتهم ومناجاتهم وصلواتهم مختلفةٌ، بحيث كلّما ازدادت درجة الإنسان في التقوى والصلاح، صارت الأدعية التي يقولها ألطف وأرقّ؛ وكلّما كانت نفسُه أخشن، وأنانيته واستكباره أزيد، كان دعاؤه أيضًا أخشن، حيث يُراد هنا من "أخشن" غلبة الأبعاد النفسانيّة على الأبعاد الروحيّة.
فنجد أنّ أدعية الناس الذين تميلهم أنفسهم نحو الدنيا كثيرًا تنسجم مع آياتهم الوجوديّة النفسيّة؛ وبالتالي، فإنّ أدعيتهم هذه تكون بهدف تقوية النفس، ولأجل الآثار والخصائص التي تُمنح لهم في هذه الدنيا وتُقوّي أنفسهم وتزيد من جاههم ومنزلتهم في الدنيا، حيث إنّ قوّة النفس من المسائل العجيبة التي تظهر للإنسان بصور وأشكال مختلفة! فتارة، تظهر على شكل الدنيا، وتارة على شكل الدين، وتارة على شكل الزهد، وتارة على شكل الحكم، وتارة على شكل العلم، وتارة على شكل الزراعة، وتارة على شكل كثرة الأموال؛ فلها صور مختلفة، كما أنّ تشخيصها أمر صعب جدًّا؛ بمعنى أنّه يصعب كثيرًا على الإنسان تحديد أيّ هذه الميول إلهيّ، وأيّها غير إلهيّ.
وتوجد علامة واحدة فقط يُمكن للإنسان من خلالها أن يقيس نفسه ، إلى حدّ ما ـ ، ليعرف هل العمل الذي يقوم به هو لله تعالى أم لا؛ وذلك بأن يقول: «اللهُمَّ ارزُقني التجافي عَن دارِ الغُرورِ والإنابَةَ إلى دارِ الخُلودِ»۱.
فإذا كان العمل الذي يُؤدّيه الإنسانُ يقلّل من رغبته بالدنيا ويزيد من محبّته للآخرة، بحيث يصير هذا الإنسان يشعر بفتورٍ تجاه أمور الدنيا وشؤونها، وبنشاطٍ وعشق ومحبّة للقاء الله تعالى والأرواح الطيّبة، فإنّ هذا محكّ ومعيار يستطيع الإنسان بواسطته أن يقيس أعماله، ويكتشف هل هي لله أم لا؛ وإلاّ، فإنّ تحديد كون العمل هو لأجله تعالى أو لا هو أمر في غاية الصعوبة! فقد يكون أحدٌ من أهل الدنيا بكلّ ما للكلمة من معنى، ويدعو الله تعالى بدعاء حسن؛ لكن، تكون تقوية النفس واستكباره مكنونة في حاقّ معنى هذا الدعاء، بحيث لا يتّضح أنّه دعاء دنيويّ، ويقول كلّ من عرضتَه عليه: «إنّه دعاء أخرويّ»؛ لكن، يكون باطنه الدنيا!
فكلّ شيء يُقوّي الاختيار والإرادة في الإنسان في مقابل اختيار الله تعالى وإرادته، ويُضخّم شخصيّة هذا الإنسان ـ مهما كان هذا الشي ـ يكون عبارة عن دنيا؛ لأنّ الدنيا تعني ما سوى الله تعالى، مهما كان الشيء المتضمّن في هذا المعنى.
فنجد الذين يرجون لقاء الله يوكلونه تعالى اختيارهم وإرادتهم شيئًا فشيئًا، إلى أن يصير هو المتصرّف في شؤونهم؛ وهذا هو معنى «الولاية»! فالولاية تعني أن يصل العبدُ في طاعة ربّه إلى موضعٍ يوكله فيه جميع صلاحياته، فيصير تعالى هو المتصرّف في شؤونه؛ وهذه هي «الولاية»! إذ لا تنكشف حقيقة معنى التوحيد في وجود الإنسان، إلاّ حينما يُسلّم هذا الإنسان اختياره وإرادته؛ وأمّا إن لم يفعل ذلك، سيستحيل أن يصل الإنسان إلى شرف لقاء الله تعالى، أو يُدرك هذا المعنى، ولو انقضت ألف مليون سنة؛ فقد يُؤدّي مجموعة من الأعمال العباديّة، ويقوم بأفعال مبهرة كثيرة، لكنّ تلك الأعمال لا تكون لها أيّة حقيقة، كما أنّ كثرة هذه الأفعال لن تؤدّي إلى وصوله بتاتًا؛ وعليه، فإنّ الأدعية التي أذكرها والحاجات التي أتوفّر عليها تظهر بصور وأشكال مختلفة.
مضمون أدعية العباد الصالحين
وحينئذ، إذا أراد الإنسان أن يدعو الله، فبأيّ دعاء يدعوه؟! لأنّه يخشى أن يكون هذا الدعاء لأجل النفس وتقويتها، لا لأجل روحانيّتها! وأن يكون من الأدعية التي تضع ستار الاستكبار على النفس، وليست التي تُقلّل من أنانيتها؛ ولهذا، على الإنسان أن يدعو بهذا النحو: «إلهي، أعطني ممّا دعاك به العباد الصالحون».
ففي نهاية المطاف، فإنّ هذا الإله كان ولا يزال يتوفّر على عباد صالحين لا يدعونه عن استكبارٍ وتقويةٍ للنفس، بل عن إخلاص، حيث إنّ مضمون هذه الأدعية ـ التي دعوا بها عن إخلاص ـ يتمثّل في لقاء الله تعالى، وبلوغ مقام الولاية، وطيّ ملفّ عالم الاعتبار والتخيّل، والتحقّق بالحقّ، والابتعاد عن الباطل؛ وذلك لأنّ دعاء الساجدين مختلف عن دعاء الآخرين؛ وهو دعاء لطيف جدًّا!
يقول زيد بن عليّ: رأيتُ أبي عليّ بن الحسين عليهما السلام يقول في ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان المبارك من أوّلها إلى آخرها:
«اللهُمَّ ارزُقني التجافي عَن دارِ الغُرورِ والإنابَةَ إلى دارِ الخُلودِ».۱
وهذا دعاء جيّد جدًّا: إلهي، ارزقني التجافي ـ أي أن أحيد بجانبي عن دار الغرور، ويُقال: فلان حاد بجانبه عن الفعل الكذائي، أي أنّه أعرض بنفسه عنه ولم يمِل إليه ـ، والإنابة والأوبة إلى دار الخلود».
ولهذا، فإنّنا نقرأ أيضًا في دعاء العيدين:
«اللهُمَّ إنّي أَسأَلُكَ خيرَ ما سَأَلَكَ مِنه عِبادُكَ الصالحون، وأَعوذُ بِكَ مِمّا استعاذَ مِنه عِبادُك المُخلِصون».٢
و[المخلِصون] يعني الذين في طريق الإخلاص والنجاة؛ فهؤلاء هم الذين يسألونك هنا، لا المخلَصين؛ لأنّه لدينا في بعض النسخ:
«وأَعوذُ بِكَ مِمّا استعاذَ مِنه عِبادُك المُخلِصون»؛ لكنّها غير صحيحة؛ لأنّ المخلَصين انتهى أمرهم، ولم يعودوا بحاجة للاستعاذة بالله تعالى من الشيطان؛ إذ صارت لديهم رؤية أخرى، وأصبحوا ينظرون إلى الشيطان بنظرة مغايرة؛ كما أنّ الشيطان بدوره قد أيِس منهم، ولم يعُد قادرًا على الوصول إليهم.٣
وأمّا الذين لم يصيروا بعدُ مخلَصين، ولا زالوا في صدد تطهير أنفسهم وفي طريق الإخلاص ـ أخلَصَ يُخلِص إخلاصًا؛ أي أنّهم يُريدون تزكية ذواتهم ـ، فإنّ الشيطان يأتيهم، بحيث كلّما كان إخلاصهم ألطف، جاءهم الشيطان بطريقة ألطف كذلك.
وفي بعض الحالات، قد يُلطّف الشيطان نفسه، ويُلطّفها، إلى درجة أنّ الإنسان لا يُدرك أنّه شيطان؛ وهذا الهوى هو الهوى الشيطانيّ! إذ كلّما صار الطريق أدقّ، جاء الشيطان بصورة ألطف، ليخدع الإنسان؛ ولهذا، فإنّ أولياء الله تعالى ـ الذين يسعون لبلوغ درجات القُرب ويكونون في مرحلة الإخلاص ـ يكون هوى نفسهم لطيف جدًّا أيضًا، بحيث لا يكون بمقدور الناس العاديين اكتشاف أنّه هوى نفسانيّ، بل يعدّونه أفضل أعمال الخير؛٤ في حين أنّ الحقيقة تكون مختلفة، والمعنى لا يكون بهذا النحو.
«حَسَناتُ الأبرارِ سَيِّئاتُ المُقَرَّبين»؛٥ أي أنّ الأعمال الحسنة التي تصدر من الأبرار هي سيّئة بالنسبة للمقرّبين!.
اللهمّ إلاّ أن يدعو الإنسان بهذا النحو:
«اللهُمَّ إنّي أَسأَلُكَ خيرَ ما سَأَلَكَ مِنه عِبادُكَ الصالحون».
لكن، بشرط أن يقولها حقيقة! لأنّ الأمر الذي يطلبه العبادُ الصالحون من الله تعالى ليس هو دائمًا السكاكر والحلويات وراحة الحلقوم٦! حيث إنّهم يقولون: «إلهي، طهّرنا»، والتطهير يستلزم الدخول إلى الموقد؛ إذ ما دام الحديد لم يوضع في الموقد، فإنّه لا يصير نقيًّا؛ كما أنّ الذهب لا يصفو إلاّ حينما يوضع في بوتقة الصائغ. فهذه هي الطريقة التي يدعو بها هؤلاء، حيث يرون أنّ وجودهم لا يقبل الامتداد، فيسألون الله تعالى أن يمنحهم الطهارة؛ مع أنّ هذه الطهارة تستلزم ـ بكلّ تأكيد ـ الامتحان أثناء تخطّي هذه المراحل؛ ولهذا، عندما يُريد الإنسان أن يدعو، عليه أن يُسلّم نفسه حقيقةً، ويقول: «هبني من نفس الأشياء التي سألك منها العباد الصالحون».
حقيقة الحياة الطيّبة
«يا خيرَ مَن سُئِل»؛ يا مَن انتخبتُه واخترتُه مِن بين كافّة الموجودات التي يُسأل ويُطلب منها؛ إذ هي ليست موضع اختياري وانتخابي.
«وأَجودَ مَن أَعطَى»؛ فجودك هو أكبر من جود الذين يمنحون ويُساعدون ويُعطون.
«أعطِني سُؤلي في نَفسي»؛ فانظر إلى المسائل التي طلبتها لذاتي ونفسي.
وتفضّل عليّ بكلّ ما رغبت فيه لنفسي؛ لأنّ ما طلبته لهذه النفس ليس بالأمر الذي يُساهم في انتفاخها وكِبرها، بل سيُفضي إلى رقّتها ولطافتها، لكي تُدرك مقام عظمتك؛ ولا يخفى أنّ هذا الدعاء دعاء جيّد!
«أَعطِني سُؤلي في نَفسي وأَهلي»؛ وعيالي، والذين يقربون إليّ، «ووالِدَيَّ، ووُلدي»، وأيضًا «أهلَ حُزانتي»؛ أي: الذين لهم علاقة وقرابة معي؛ وباختصار، الذين أحزن عليهم، فيُفضي التفكير في إصابتهم بالأذى والضرر إلى حزني، حيث تُشتقّ كلمة حُزانة من مادّة الحُزن، فيُقال أهل الحزانة لكلّ من يقرب للإنسان، ويحزن هذا الإنسان حين تعرّضه للبلاء»، «وإخواني فيكَ»؛ وأعطني أيضًا سؤلي في الإخوان الذين اكتسبتهم في طريقك.
إذ من الممكن أن يتوفّر الإنسان على العديد من الإخوان، غير أنّهم لا يكونون في الله تعالى؛ ولهذا، يقول عليه السلام: استجب للأدعية التي دعوت بها لإخواني في الله؛ أي: الذين انعقدت أخوّتنا على أساس محبّتك.
«وأَرغِد۱ عَيشي»؛ اجعل عيشي عذبًا وطريًّا وغضًّا.
إذ يُراد من الرغد: الطريّ والغضّ والطيّب والطاهر والعذب؛ فهذا هو الذي يُقال له: عيش رغد.
ويُراد من العيش: المعيشة والحياة؛ ومن هنا، قد يكون للإنسان عيش، إلاّ أنّه يكون مكتَنَفًا بالحزن، فيُؤدّي إلى تنغّص هذا الإنسان؛ وأمّا إذا كان تفكير الإنسان شاغرًا وغير مقرون بأيّ قيد أو خوف، فإنّ عيش هذا الإنسان سيصير عذبًا؛ هذا، مع أنّ جميع أفراد الإنسان ـ من دون استثناء ـ يُعانون من الخوف والحُزن؛ إذ ما دام الإنسان لم يصر من أولياء الله تعالى، فلن يتخلّص من هذا الخوف والحزن.
﴿أَلَا إِنَّ أَولِيَاءَ اللهِ لَا خَوفٌ عَلَيهِم وَلَا هُم يَحزَنُونَ﴾.٢
لأنّهم وهبوا إرادتهم واختيارهم لله، فصار تعالى مدبّرهم، وعرجوا من الجزئيّة إلى الكلّية، وأضحى وجودهم واسعًا، بحيث إن سُلب منهم شيء، قالوا: «الله تعالى هو الذي أخذه»، وإن مُنحوا شيئًا، قالوا، «الله تعالى الذي منحه»؛ فلا يتملّكهم الخوف من أن يعرض عليهم أمر مرير، ولا يحزنون إن عرضهم هذا الأمر المرير؛ لأنّهم يرون كلّ شيء فعلاً لله تعالى، ويُؤمنون أنّ جميع الأشياء لا تملك من نفسها أيّ شيء! ولهذا، ما دام الإنسان لم يُسلّم اختياره لاختيار الله، فإنّه سيظلّ مشحونًا بالخوف والحزن، ولو حَظِيَ بأفضل عيش، وقضى حياته في أحسن رفاهية وفي معيشة تفوق تصوّر الناس العاديين؛ إذ ستوجد في أعماق قلبه خواطر من الحزن والخوف لا يعلمها إلاّ الله تعالى.
ولهذا، يُقال: إذا كان عدد من الأفراد يُشغلون أنفسهم في الدنيا ببعض اللذّات، فإنّ ذلك يعود إلى أنّهم يرغبون في إخراج ذلك الخوف والحزن من أذهانهم بشكل مؤقّت، ويسعون إلى تحصيل حالة من الالتهاء؛ لأنّ الإنسان الذي لم يهب قلبه لله، ولم يوكله اختياره يظلّ يحتمل وقوع آلاف الأحداث المريرة التي يكفي كلّ واحد منها في زلزلة وجوده وزعزعة خواطره؛ كما أنّه يظلّ يُقيم العزاء في نفسه على كلّ شيء من الأشياء التي فقدها في الماضي، ويحزن باستمرار، وهو يقول: «يا لها من أشياء ضاعت منّي إلى الأبد! وعسى ألاّ يحدث في المستقبل كذا وكذا وكذا!».
وحتّى إذا لم يلتفت ذهنُه إلى هذا الحُزن، فإنّه يظلّ مكنونًا في قلبه، حيث يكون هذا الحزن والخوف معجونًا بروحه ونفسه؛ ولهذا، فإنّ اللذائذ التي يُحصّلها، إنّما يُحصّلها لأجل الالتهاء، ولكي يصرف نفسه للحظة واحدة عن ذلك الخوف والحزن؛ وبالتالي، إذا انتهت تلك اللذّة، فإنّ ذلك الخوف والحزن يظلّ في مكانه، مثلما حصل في [البداية] للإنسان ورسخ فيه.
توجد مجموعة من الأشعار للخيّام يقول فيها:
می خوردن من نـه از بـرای طـرب اسـت | *** | نز بهـر نشـاط و تـرک دیـن و ادب اسـت |
خـواهم کـه دمـی ز خویشـتن بـاز رهـم | *** | می خوردن و مست بـودنم زیـن سـبب اسـت۱ |
[يقول: ليس شُربي للخمرة من جهة الطَرب أو للحصول على القوّة و النشاط أو ترك الدين و الأدب.
بل أريد بذلك التحرّر من نفسي للحظة، هذا هو السبب وراء شربي الخمر و سكري]
فمن المشهور قولهم: كان الخيّام يحتسي الشراب؛ هذا، مع أنّه ليس المراد منه الشراب المعنويّ، بل الشراب المادّي الظاهريّ؛ ولذلك، لا توجد لأشعاره أيّة علاقة بالتوحيد، بل إنّ مستواها متدنٍّ جدًّا؛ ولأجل ذلك، فإنّ الكفّار وأمثالهم يُحبّون هذه الأشعار كثيرًا. فذات يوم، قرأت في كتابٍ أنّ كلّ ولد وبنت إنجليزيّين يضع في جيبه ترجمة لبعض أشعار الخيّام؛ حسنًا، فهذا راجع إلى مسألة الانسجام بين الأرواح! يقول: إذا كنت أحتسي الخمر، فليس ذلك بسبب أنّني أرغب في الطرب، أو في ترك الأدب، أو مخالفة أمر من الأوامر، بل إنّ الهمّ والغمّ قد تغلّبا عليّ، إلى درجة أنّني أصبحت أريد أن أرتاح ساعة واحدة؛ ولهذا السبب، أحتسي الخمر، لكي أفقد وعيي، وأتخلّص من الخوف قليلاً! وحينئذ، ليقُم كلّ واحد منكم بمقارنة هذا الأمر مع حال الذي أوكل اختياره لله تعالى! إذ حينما يفقد الإنسان عقله بواسطة المُسكر مدّة ساعة واحدة، فلن يكون قد أصلح نفسه، بل سيكون قد وضع على عقله غطاءً، حتّى لا يفهم ولا يُدرك [حزنه وخوفه].
وأمّا الذي سار في طريق الولاية وأوكل اختياره بيد الله تعالى، فإنّه سيكون ـ في الأساس ـ قد أصلح نفسه، وفتح عينيه لرؤية جميع العوالم والكائنات والأسرار.. أسرار الكون، والاطّلاع على حقيقة ربط الحادث بالقديم وكيفيّة تجلّي النور الإلهيّ في الموجودات؛ ليصير بنفسه عالَمًا آخر، وتضحى تلك الأفكار في مقابل أفكاره عبارة عن أفكار طفوليّة جدًّا! فهذا العيش هو العيش العذب؛ خلافًا للعيش الذي يقول عنه الخيّام إنّه على الإنسان أن يحتسي الخمر، لكي يفقد الإدراك، ولا يعود يشعر بالألم؛ لكن، ما هي الآلام التي كان يُعاني منها الخيّام؟ لا شيء! فهل كانت له زوجة وأولاد؟! وهل كان معرّضًا للبلايا؟! وهل كان من الحكّام؟! لا شيء من ذلك بتاتًا! لقد كان عالِمًا ورياضيًّا وله اطّلاع على علم الهيئة أيضًا؛ هذا وحسب! ومن هنا، فإنّ الغُصّة التي يقول إنّه قد تعرّض لها هي غُصّة وجوده وأنانيته ونفسه؛ فالنفس مكنونة في وجود الإنسان؛ وهي التي تعمل على إيذائه! ولا يخفى أنّه يقول الحقيقة؛ غاية الأمر أنّ سبيل النجاة لا يتمثّل في احتساء الخمر؛ فليس هذا هو طريق الخلاص، بل إنّ هذا الطريق هو المعرفة. فإذا لم يحصل الإنسان على هذه المعرفة، فليحتسِ الخمر إلى حين وفاته [فإنّ ذلك لن ينفعه في شيء]! لأنّه سيرتحل عن الدنيا برفقة هذه النفس؛ وهناك، لن يحصل الإنسان على هذا النوع من الشراب الذي يُفقده عقله، بل سيذهبون به إلى المحكمة "في جهنّم خالدون"؛ وحينئذ، ماذا عساه أن يفعل؟! فهناك عليه أن يفتح عينيه؛ لكن، إن لم يكن فَتَحَهما هنا، فسيكون هناك أعمى.. ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾.۱
«وأَرغِد عَيشي»؛
اجعل لي نوعًا من العيش لا يكون فيه أيّ خوف أو حزن؛ فهبني الآن بستانًا في المدينة! ولا يخفى أنّني أتحدّث الآن بلسان الإمام السجّاد؛ في حين أنّه لا يتحدّث بهذا النحو مع ربّه، بل أنا أتطفّل قليلاً وأتدخّل في تفسير كلامه عليه السلام؛ وقد كان هذا هو حالي منذ بداية الدعاء إلى الآن! فالإمام عليه السلام يتحدّث بغاية الأدب، لكنّني أتجاوز الحدود قليلاً؛ وذلك بسبب تطفّلي؛ ولهذا، أسعى إلى الفصل بين هذا الأمر وبين تفسير كلامه من خلال وضعه بين هلالين. فتفضّل علينا ببستان في المدينة يكون كذا وكذا، بحيث يبلغ علوّ أشجاره عنان السماء، وتجري فيه الأنهار، وتكون فيه أجمل فتيات العالم جاهزات لاستقبالنا، ونُؤتى فيه بأفضل فواكه الدنيا، وإلى آخره! لكن، حينما يذهبون بنا إلى هذا البستان، سنكون خُرصًا وتكون أعيننا وآذاننا موصدة! فإذا كنّا لا نملك أيّ اطّلاع على عالم الخلقة، وأيّة معرفة بأنفسنا، هل سيكون بوسعنا معرفة الغير؟! فإذا لم نُؤدّب أنفسنا، هل سيُمكننا تأديب الآخرين؟! فنحن لا نعرف أنفسنا بتاتًا؛ وحينئذ، في ماذا سينفعنا هذا البستان؟ وما الذي سنستفيده منه؟! اللهمّ إلاّ ما تستفيده الحيوانات من اللذّة الجنسيّة والشهوات البطنيّة! فأيّة فائدة سنجنيها من هذا البستان؟! هل سيكون بوسعنا النظر إليه، وتعلّم ألف سرّ ورمز من أوراق أشجاره؟! وهل سيكون بمقدورنا النظر إلى مائه، ورؤية انعكاس تلألؤ صفات النفوس الملكوتيّة فيه؟! وهل سنستطيع إدراك أنّ صوت الطيور الموجودة في هذا البستان تحكي عن النغمات الملكوتيّة الصادرة من ذلك العالم؟! أو إدراك أنّ هذا البستان بأجمعه وبكافّة ما يحويه من كثرات إنّما هو حكاية عن رحمة الله تعالى؟! كلاّ! لا يُمكننا استفادة هذه المعاني مُطلقًا؛ فحالُنا بالضبط حالُ حمار أخذوه إلى إسطبل، فبقي هناك منهمكًا في أكل الشعير والتبن؛ فلا يُمكننا الاستفادة أكثر من ذلك؛ إذ لا زال ذلك الخوف والحزن مكنونين في بواطننا؛ فوجودنا هو الذي يُؤذينا ويُحزننا؛ وبالتالي، لن تنفعنا هذه البساتين في أيّ شيء؛ ومن هنا، فإنّنا نسألك أن تهبنا بستانًا يصير وجودنا معه مرتاحًا، ويكون العيش فيه هنيئًا؛ أي عذبًا وسائغًا.
هرکجا یوسف رخی باشد چـو مـاه | *** | هست جنّت گرچه باشد قعر چـاه۱ |
[يقول: أينما كان هناك وجه يوسفيٌّ كالقمر، كانت هناك الجنّة، ولو في قعر بئر]
«أَرغِد عَيشي»؛ فاجعل عيشي هنيئًا بهذا النحو!
«وأَظهِر مُرُوَّتي».
المروّة تعني الشهامة؛ فأظهر شهامتي ولا تُبقها مختفية وراء الستار! فشهامة الإنسان تتمثّل في تضحيته وإيثاره وإنفاقه وإيكاله اختيارَه بيد الله تعالى؛ فهذه هي الشهامة؛ وأنا أسألك أن تُظهرها.
«وأَصلِح جَميعَ أَحوالي».
فخذ كلّ واحد منها، واجعله تحت نظرك، وحيثما وُجد فيه خلل، أصلحه!
أهمّية طول العمر بالنسبة لغير الكاملين
«وَاجْعَلْنِي مِمَّنْ أَطَلْتَ عُمْرَهُ، وَحَسَّنْتَ عَمَلَهُ، وَأَتْمَمْتَ عَلَيْهِ نِعْمَتَكَ، وَرَضِيتَ عَنْهُ، وَأَحْيَيْتَهُ حَياةً طَيِّبَةً فِي أَدْوَمِ السُّرُورِ وَأَسْبَغِ الكَرامَةِ وَأَتَمِّ العَيْشِ، إِنَّكَ تَفْعَلُ ما تَشاءُ وَلا يَفْعَلُ ما يَشاءُ غَيْرُكَ».
اجعلني ممّن أطلت أعمارهم...!.
فلا تنقلني من هذه الدنيا مُبكّرًا؛ فأنا أريد عمرًا طويلاً، حيث بيّنت آنفًا أنّه حينما تنتهي حياة الإنسان، فإنّ سجلّ أعماله سيُغلق، وتتلاشى قابليّاته، ويُختم عليه، ولا يعود قادرًا على الحركة؛ ولهذا، فإنّ العمر الطويل جيّد، لكي يتمكّن الإنسان من العمل؛ وإلاّ، حينما ينتهي عمره، فإنّه سيعجز عن ذلك. أجل، إذا وصل الإنسان إلى مقام الولاية؛ أي إلى لقاء الله تعالى، فلن يفرق بالنسبة إليه طول العمر أو قصره؛ وحينئذ، عليه أن يوكل عمره إلى الله تعالى، ويقول: «إلهي، حياتي بيدك؛ إن شئت أطلتها، وإن شئت قصّرتها»؛ إذ الحساب هنا مختلف؛ لكن، ما دام لم يصل إلى هذه الغاية، وكان في نقصان من حيث الصفات الكماليّة، فلا ينبغي عليها بتاتًا أن يتمنّى الموت. أجل، لا ضير في أن يتمنّى الإنسان الموت الحقيقيّ.. «موتوا قَبلَ أَن تموتوا»٢؛ وذلك بأن يقتل الإنسان نفسَه [الأمّارة] في هذه الدنيا قبل أن يموت؛ لكن، إذا آن أوان هذا الموت [قبل أن بلوغه تلك الغاية]، فإنّه سيأخذ روحه وهو ناقص.
فلا بدّ للإنسان من أن يعمل في الدنيا؛ لأنّ كلّ من عمل فيها، فقد ظفر؛ وأمّا إذا وضع الإنسان قدمه على بساط الموت، فإنّه سيرتحل عن هذا العالم بتلك المكتسبات التي حصّلها هنا.. ﴿لَهَا مَا كَسَبَت وَعَلَيهَا مَا اكتَسَبَت﴾٣؛ فهذه هي حقيقة الأمر!
هرکجــا یوســف رخی باشــد چــو مــاه | *** | جنّت اسـت آن، گرچـه باشـد قعـر چـاه |
بــا تــو دوزخ جنّــت اســت ای جــان فزا | *** | بــا تــو زنــدان گلشــن اســت ای دلربــا |
شــد جهــنّم بــا تــو رضــوان نعــیم | *** | بـی تـو شـد ریحـان و گـل، نـار جحـیم |
هر کجــا تــو بــا منــی مــن خوشــدلم | *** | ور بــــود در قعــــر گــــوری منــــزلم |
خوشــتر از هــر دو جهــان آنجــا بــود | *** | کــه مــرا بــا تــو ســر و ســودا بــود |
وحينئذ، إن رأى الإنسان في نفسه بأنّه لم يصل إلى تلك الدرجة، هل يصحّ له أن يقول: «إلهي أنزل عليّ الموت»؟! حسنًا، تفضّل على بركة الله؛ هذا هو الموت! لكن، ما الذي سيحصل بعد هذا الموت؟ سيرحل الإنسان بهذه النفس التي لطالما أثارت العديد من الفتن في هذه الدنيا، وكانت تُريد ارتكاب المزيد من الأعمال، غير أنّها كانت عاجزة عن ذلك؛ لكن، حينما يرتفع حجابا الزمان والمكان، وتصير لهذه النفس قدرة أكبر، فيا لها من أعمال ستقوم بها انطلاقًا من رغباتها النفسانيّة! حيث ستقوم بأشياء جهنّمية، وليس أشياء مرتبطة بالجنّة؛ ويرجع ذلك إلى أنّ هذه النفس ملوّثة؛ ولهذا السبب، طرق سمعكم أنّ عذاب البرزخ شديد جدًّا، وعذاب القيامة أشدّ منه بكثير؛ لأنّ هذا ما تطلبه النفس، بل ونجدها تطلبه بنحو لا شعوريّ، حيث إنّ هذه الألوان من العذاب عبارة عن أمور تطلبها النفس؛ وإلاّ، فإنّ الله تعالى لا يظلم أحدًا؛ ﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَظلِمُ ٱلنَّاسَ شَيئًا وَلَٰكِنَّ ٱلنَّاسَ أَنفُسَهُم يَظلِمُونَ﴾۱.
وعليه، أسألك يا إلهي أن تجعلني من الذين طوّلتَ أعمارهم؛ إذ بواسطة طول العمر، يستطيع الإنسان الحركة باستمرار، والتقدّم إلى الأمام تدريجيًّا، مرحلة بعد مرحلة.
ارتفاع الشكوى من الله تعالى ومن العبد!
«وحَسَّنتَ عَمَلَه»؛ فاجعلني من الذين حسّنتَ عملهم بنفسك، لا أنّ عملهم أراد بذاته أن يُحسّن ذاته، بل أنت الذي أتيت، وحسَّنتَه.
«وأَتمَمتَ عَلَيه نِعمَتَكَ»؛ فهناك العديد من الناس الذين أتممتَ عليهم نعمتَك، فاجعلني أنا أيضًا منهم، حيث إنّ تمام النعمة هي الولاية.
«ورضيتَ عَنه»؛ واجعلني من الذين رضيت عنهم.
﴿رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنهُم وَرَضُواْ عَنهُ﴾٢.
ففي هذه الحالة، سترتفع الشكوى من الطرفين؛ فلن تكون لله تعالى شكوى تجاه العبد؛ لأنّه سيقول: «لقد أطاعني عبدي»؛ ولن يكون للعبد أيضًا شكوى تجاه ربّه؛ لأنّ معرفته قد ازدادت إلى درجة أنّه صار يرى كافّة الأحداث والمقدَّرات من قضاء الله تعالى وقدره، وعين المصلحة؛ وهذا هو الراضي؛ فاجعلني مثله!
وماذا أسألك أيضًا أن تفعل؟! «وأَحيَيته حياةً طَيِّبةً»؛ أن تجعلني من الذين وهبتهم حياةً طيّبةً.
﴿مَن عَمِلَ صَٰلِحًا مِّن ذَكَرٍ أَو أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤمِن فَلَنُحيِيَنَّهُۥ حَيَوٰةً طَيِّبَةً وَلَنَجزِيَنَّهُم أَجرَهُم بِأَحسَنِ مَا كَانُواْ يَعمَلُونَ﴾٣.
فالحياة الطيّبة هي الحياة الطاهرة والمُريحة التي لا يوجد فيها أيّ نوع من الحزن أو القلق.
«في أَدوَمِ السرورِ وأَسبَغِ الكَرامَةِ»؛ فتكون هذه الحياة في أدوم مراتب الفرح والسرور التي لا يُخالطها أيّ غمّ أو أسى.
حقيقة الزهد على لسان أمير المؤمنين عليه السلام
فينزاحُ الغمّ والأسى من أعماق وجود الإنسان بنحو تامّ، حيث يصير أمره ـ يا سيّدي ـ بهذا النحو! ﴿لَا خَوفٌ عَلَيهِم وَلَا هُم يَحزَنُونَ﴾۱؛ ويقول الأدباء: إنّ التنوين هنا هو للتنكير؛ أي: لا شيء [عليهم] من الخوف والحزن؛ وحينما لا يبقى في الإنسان أيّ خوف أو حزن، فإنّ حياته تكون هي نفس الحياة التي قال عنها حضرة أمير المؤمنين عليه السلام:
بيّن اللهُ تعالى الزهد في كتابه المجيد بين كلمتين، حيث قال:
﴿لِكَيلَا تَأسَواْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُم وَلَا تَفرَحُواْ بِمَآ ءَاتَىٰكُم﴾٢؛ ومَن لم يأسَ على (ما ضاع منه في) الماضي، ولم يفرح بالآتي (وما يحصل عليه فيه)، فقد أَخَذَ الزهدَ بِطَرَفيهِ٣.
فنجد الإنسان يُصاب بالأسى حينما يضيع شيء من يده، ويفرح عندما يحصل على شيء ما؛ لكن، لماذا يُصاب بالأسى؟ لأنّه فقد شيئًا ما؛ ولماذا يفرح؟ لأنّ شيئًا ما أُضيف إليه؛ وبالتالي، يصير وجود ذلك الإنسان معادلاً لهذا الشيء؛ أي أنّ نفسه تُصبح في منزلته؛ ولهذا، حينما يفقد ذلك الشيء، فإنّ نفسه تفسد وتتنزّل وتنكسر؛ وعندما يحصل عليه، فإنّ نفسه تتقوّى وتُسرّ.
لكن، قد يمتلك أحدُهم نفسًا، بحيث لو مُنحت شيئًا، فإنّه لا ينضاف إليها؛ كماء البحر الذي يكون كثيرًا إلى درجة أنّه إذا سكبت فيه أو أخذت منه مقدارًا من الماء، فلن يطرأ عليه أيّ تغيير؛ فإذا كان أحد أفراد الإنسان بهذا النحو، فإنّه يصير زاهدًا.
يقول أمير المؤمنين عليه السلام [ما مفاده]: لقد بيّن الله تعالى في كتابه المجيد الزهدَ بالشكل الآتي: ألاّ تشعر بالأسى عند فقد شيء، ولا بالفرح حين حصولك على شيء؛ فإذا قام أحد بهذين العملين، سيكون قد أخذ بطرفي الزهد وجناحيه.
هذا هو معنى الزاهد! فالمراد من الزاهد على لسان الشارع: الذي قطع تعلّقه بالدنيا، وتعلّق بالله تعالى، بحيث لم يعُد يأسى ويحزن على الأمور الفانية، ويُسرّ ويفرح بالأشياء التي يحصل عليها.
«وأَسبَغِ الكَرامَةِ وأَتَمِّ العَيشِ»؛ فيكون عيشي هذا واسعًا جدًّا في ظلّ الكرامة والسخاء والتفضّل الذي يأتي من عندك، لا أن يكون هذا العيش مقترنًا بالذلّة والنقصان والانكسار، بل عيش مع كرامة وسيادة وعظمة وفضل.
«إِنَّكَ تَفعَلُ ما تَشاءُ»؛ إلهي، إنّك تفعل كلّ ما تُريد.
«ولا يَفعَلُ ما يَشاءُ غَيرُكَ»؛ وغيرك لا يستطيع القيام بكلّ ما يُريد.
وعليه، بما أنّك فعّال لما تشاء، فإنّني أسألك أنت؛ في حين، أنّ غيرك لا يقدر على فعل أيّ شيء...!
طلب الإنسان لدخوله في الذكر الخاصّ لله تعالى
«اللّهُمَّ خُصَّنِي مِنْكَ بِخاصَّةِ ذِكْرِكَ، وَلا تَجْعَلْ شَيْئًا مِمّا أَتَقَرَّبُ بِهِ فِي آناءِ اللَّيْلِ وَأَطْرافِ النَّهارِ رِياءً وَلا سُمْعَةً وَلا أَشَرًا وَلا بَطَرًا، وَاجْعَلْنِي لَكَ مِنَ الخاشِعِينَ».
إلهي، أسألك أن تجعل من الأفراد الخاصّين الذين يحظون بعنايتك؛ فلا بدّ أن يكون هناك بعضٌ من الناس ينعمون برعايتك، ويُذكرون بذكر خاصّ؛ فاجعلنا منهم!.
فأحيانًا، نرى بأنّ الإنسان يُكنّ المحبّة لبعض الناس، غير أنّه ينظر لكافّتهم بنظرة عامّة واحدة؛ فنجده يُحبّ في هذه الدنيا الكثير من الأشياء التي ينظر إليها بنظرة عامّة واحدة؛ في حين، تكون له نظرة خاصّة لبعض الأشياء التي يُحبّها حبًّا شديدًا، حيث تكون هذه الأشياء حاضرة باستمرار في باله وذكره ولو لم تكُن موجودة أمامه؛ فحتّى إذا كان مسافرًا أو موجودًا في مكان آخر، فإنّها تكون ماثلةً في بالِه وذهنه؛ وهذا الذي يُقال له: «الذكر الخاصّ».
إلهي، أنت أيضًا لديك العديد من المخلوقات والعباد؛ وجميعُهم محطّ نظرك وعنايتك، ولا أحد منهم خارج عن علمك وخافٍ عليك، وأنت الذي تُدبّر شؤونهم، وتعتني بهم، وتُسيّرهم نحو كمالهم، بل أنت الذي تُسيّر عالم الوجود برمّته؛ لكن، لديك أيضًا رحمةٌ رحيميّة، وفيوضات خاصّة، وبعض الأشياء التي ذخرتها لعبادك السعداء وقلت عنها بنفسك:
«أَعدَدتُ لِعِباديَ الصالِحينَ ما لا عَينٌ رَأَت، ولا أُذُنٌ سَمِعَت، ولا خَطَرَ على قَلبِ بَشَرٍ»۱.
فقد ادّخرتُ لعبادي الصالحين من هذه الأشياء؛ وصحيح أنّ العين لا ينبغي لها أن ترى هذه الأشياء؛ إذ لو رأتها، لما كانت مكنونة في حرم الله تعالى؛ وهكذا أيضًا إذا سمعت بها أذن، أو خطرت على قلب بشر، حيث ستكون حينئذ معلولة ومخلوقة لهذا القلب، ولن تكون من الأشياء التي ادّخرها الله العليّ الأعلى حينما قال: أعددتها لعبادي الصالحين.
ومن هنا، يتّضح أنّه علاوةً على الأشياء التي تُفيضها على عالم الوجود بفيضك العامّ القائم على أساس رحمتك الرحمانيّة، فإنّه لديك بعض الأشياء الخاصّة؛ وهي التي أسألك أن تهبني إيّاها!
«خُصَّني مِنكَ بِخَاصَّةِ ذِكرِك».
فلن ينقص ذلك منك أيَّ شيء، بحيث إذا جعلتني من هؤلاء دفعةً واحدةً، فلن تعود قادرًا على أن تُخصّص أيضًا بذكرك الخاصّ الأفرادَ الذين يحظون بعنايتك؛ لأنّ بالك سيصير مشغولاً، ولن يكون بوسعك تخصيص العديد من الأفراد بذكرك في آن واحد!! فأنت لستَ بهذا النحو! وأنت لست مثلنا نحن الذين إذا أحببنا شيئًا، فلن نستطيع محبّة شيء آخر.. ﴿مَّا جَعَلَ ٱللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلبَينِ فِي جَوفِهِ﴾۱.
لكنّك لست بهذا النحو؛ إذ بمقدورك تخصيص كلّ موجود من عالم الوجود ـ واحدًا واحدًا ـ بذكرك؛ لأنّ حسابنا مختلف عن حسابك؛ فحسابنا هو حساب الماهية والإمكان والفقر والذلّة والعجر والعُجب والجهل، وحسابُك هو حساب السعة والانبساط والقدرة والعلم والحياة واللاتناهي؛ ولهذا، يكون الحساب هنا على العكس تمامًا! وحينئذ، إن خصصتنا نحن أيضًا مع أولئك الذين يحظون بعنايتك الخاصّة وينعمون بذكرك الخاصّ، [ففي أيّ شيء سيُضيرك هذا الأمر؟!]؛ حسنًا، فافعل ذلك!
معنى الرياء والسمعة وتأثيرهما في أفعال الإنسان وثوابه
«ولا تَجعَل شيئًا مِمَّا أَتَقَرَّبُ به في آناءِ الليلِ وأَطرافِ النهارِ رِياءً ولا سُمعَةً».
فحينما أقوم بأعمالي كلّها من صلاة، وصيام، وصدقة، ومناجاة، وبكاء، وارتداء للباس شرعيّ، وحجّ، وجهاد، وغيرها من الأفعال الحسنة التي أؤدّيها في آناء الليل وأطراف النهار، وفي جميع أوقات الليل وساعات النهار، والتي يكون مرادي فيها التقرّب إليك لا عصيانك، افعل شيئًا، لكيلا يتسلّل إلى هذه الأعمال الرياء والسمعة والفخر والمباهاة و...! ويا له من كلام لطيف يقوله الإمام!
يقول: من الممكن أن يكون الإنسان نائمًا في فراشه في نصف الليل، ثم يقول: «يا الله»، لكنّ قوله هذا لا يكون خالصًا؛ ومن الممكن أيضًا أن يقوم بألف عمل، في حين أنّ نفسه هي التي سوّلت له ذلك، فهي التي قالت له: «عليك الذهاب إلى مكّة [للحجّ]»، وأخطَرَت هذه الفكرةَ، ونمّتها بباله، من دون أن يشعر هذا الإنسان بأيّ شيء؛ أو أنّها تأتي، وتقوله له: «لا تهذب إلى مكّة، وعوضًا عن ذلك، تصدّق بالمال الذي كنت تُريد أن تنفقه في الحجّ على الفقير الفلانيّ من دون أن يطّلع أيّ أحد على هذا الأمر!»؛ فيقوم الإنسان بذلك، وهو يخال أنّه حطّم ذلك الحجر؛ هذا وحسب؛ فهذا هو مبلغ علمه...! غير أنّه يُبتلى بالعُجب والرضا عن النفس، ويقول: «لقد أدّيت عملاً من دون أن يطّلع عليه أيّ أحد، فقد وهبتُ المال الذي كان عليّ الذهاب به إلى الحجّ على فقير»؛ أي أنّه يقول هذا الكلام في نفسه! ومراده من ذلك أنّه قام بعمل لم يقم به حتّى النبيّ محمّد، ولا الإمام السجّاد، حيث ذهبا بأجمعهما إلى الحجّ، في حين أنّه لم يقم بذلك! هذا، مع أنّه غير ملتفت إلى هذا الأمر! وهو من المكر الذي تفعله النفس بالإنسان من دون أن يشعر! فقد يُصلّي هذا الإنسان، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويخطب في الناس، ويُؤدّي الآلاف من الأعمال، لكنّ هذه الأعمال تكون معجونة بالرياء. ومعنى الرياء أن أحبّ أن يرضى الناس عن هذا العمل؛ فأفرح حينما يرضون عنه، وأستاء حينما لا يرضون عنه، حيث يرجع ذلك إلى أنّ النفس لا زالت باقية؛ إذ ما دامت هذه النفس باقية، فإنّ كلّ فرح أو حزن تشعر به يكون راجعًا إليها؛ وهذا يكون رياءً!
وأمّا السمعة، فتعني الصيت والشهرة؛ فيعمل الإنسان لكي يزداد صيتُه، ويُحبَّه الناس، ويذكرونه بالتعظيم والتبجيل، ويبقى اسمه مخلَّدًا في التاريخ، وذكره راسخًا في زمرة المصنّفين والمؤلّفين؛ فهذا كلّه سمعة!
فأسألك ألاّ تكون أعمالي لأجل الإعجاب بالنفس والتكبّر والاستكبار، سواءً قُمت بهذه الأعمال في الليل أو النهار، حيث تكون الأعمال التي يُؤدّيها الإنسان في النهار ـ بطبيعة الحال ـ مشهورة ومعلومة، بينما تكون الأعمال التي يُؤدّيها بالليل مخفيّة؛ أي الأعمال التي يُنجزها في آناء الليل وساعات الظلام من دون أن يطّلع عليه أيّ أحد؛ مع أنّ المراد من كلّ هذه الأعمال تلك التي يُريد الإنسان أن يتقرّب بها إلى الله تعالى، وليس المعصية، ولا السرقة، ولا الذنب، بل تلك الأفعال التي يُهدف منها التقرّب إلى الباري عزّ وجلّ، وتلك العبادات والمناجاة؛ فيقول الإمام بشأنها: «إلهي، اجعلها برمّتها خالصة لوجهك؛ فلا تكون مناجاتي وعبادتي بُغيةَ تقوية النفس، ولأجل الشعور بأنّه صار لديّ علمٌ لدنّي يُمكنني استخدامه ضدّ الناس، فيزداد عُجبي بنفسي ورضاي عنها يومًا بعد يوم؛ فلا تفعل بي ذلك!»
فلكلّ عبادة أثر خاصّ؛ وإذا سعى الإنسان إلى العبادة لأجل الرزق، فقد يمنحه الله إيّاه؛ مثلما أنّ الشيطان عبده تعالى لأجل النفس، فوهبه إيّاها، وسلّطه على الناس إلى يوم القيامة؛ لأنّ الله تعالى لا يُضيّع عمل أيّ واحد، بل يهب الجميع أجرهم؛ فإذا أراد الإنسان الدنيا، قال له: تفضّل على بركة الله! وإذا أراد الآخرة، قال له: تفضّل على بركة الله!
﴿مَّن كَانَ يُرِيدُ ٱلعَاجِلَةَ عَجَّلنَا لَهُۥ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلنَا لَهُۥ جَهَنَّمَ يَصلَىٰهَا مَذمُومًا مَّدحُورًا ، وَمَن أَرَادَ ٱلأٓخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعيَهَا وَهُوَ مُؤمِن فَأُوْلَٰٓئِكَ كَانَ سَعيُهُم مَّشكُورًا﴾۱.
فنحن نُعطي، ونُربّي، ونُنمّي؛ لكن، ما الذي تزرعونه أنتم؟ فإذا وضعتم [بذرة] حنظل في التراب، فسنعمل على تنميتها؛ وإذا وضعتم فيه بذرة بطّيخ من منطقة شريف آباد بقزوين، فإنّنا سنجعلها حلوة وخضراء؛ فكلّ بذرة زرعتموها، سنُنبتها ونُنمّيها؛ وهذا هو عملنا!
إلهي، تعال، ورمّم كافّة نقاط الضعف الموجودة في الأعمال التي أؤدّيها في آناء الليل والنهار، ولا تجعلني أميل إليها، ولا تسمح للشيطان بأن يتغلّب عليّ، ويُظهر المفاسد في عيني على شكل مصالح، فأؤدّي تلك الأعمال لأجل الرياء والعجب والسمعة والصيت والشهرة وذيوع الاسم والشخصيّة، أو لأجل التكبّر والتعجرف؛ فلا تجعلني من زمرة هؤلاء الناس!
معنى دقيق لمسألة الخشوع لله تعالى
«واجعَلني لَكَ مِنَ الخَاشِعينَ» (ليكون قلبي منكسرًا).
فهو عليه السلام لم يقل: "واجعل لي من الخاشعين" أو "واجعلني من الخاشعين"، بل قال: «واجعلني لك» (أي اجعلني لأجلك من الخاشعين)».
ولا يخفى أنّه يوجد فارق بين الخشوع والخضوع؛ فالخضوع هو الانكسار والتواضع الذي يُظهره الإنسان؛ كأن يعظّم أحدًا أو يحترمه؛ فهذا الذي يُقال له خضوع. وأمّا الخشوع، فيرتبط بالقلب؛ فإذا سلّم الإنسان لأحدٍ بقلبه، وصار يشعر بتواضع قلبيّ تجاهه، فإنّ هذه الحالة تكون خشوعًا، ﴿قَد أَفلَحَ ٱلمُؤمِنُونَ ، ٱلَّذِينَ هُم فِي صَلَاتِهِم خَٰشِعُونَ﴾؛۱ فليس المراد هنا أنّ لديهم تواضع ظاهريّ، ولو أنّ هذا النوع من التواضع مطلوب في الصلاة؛ بل المراد أنّ لديهم تواضع باطنيّ؛ أي أنّ قلبهم منكسر. «اجعلني لك من الخاشعين»، ليكون قلبي منكسرًا أمامك وأمام إرادتك ومحبّتك.
وحينئذ، لا تجعلني من الخاشعين لأجل نفسي، بل «واجعلني لك»؛ فاجعلني عبدًا لك، وغلامًا مطيعًا لحرمك، لكي أكون من الخاشعين في هذا الحرم أيضًا؛ وهذا كلام لطيف من الإمام!
أتى جبرائيل النبيّ الأكرم، وقال له [ما مفاده]:
يا رسول الله، لقد وهبك العليُّ الأعلى مفاتيح خزائن الدنيا، فخذها من دون أن يستتبع ذلك أيّ ضرر بدنياك، وأيّ نقص بمنزلتك!
فأجابه الرسول الأكرم:
«أحبّ أن أكون عبدًا مسكينًا لا يملك أيّ شيء؛ فأسأل الله تعالى، وأشكره على ما يتفضّل به عليّ»٢.
مع أنّ ذلك لن يُنقص شيئًا من مقام النبوّة، وهي مفاتيح خزائن الله تعالى؛ لكنّني أريد أن أكون عبدًا مسكينًا.
يقول الإمام: «واجعَلني لَكَ مِن الخاشعينَ»؛ إذ من الممكن أن يجعل اللهُ تعالى الإنسانَ لنفسه، غير أنّه لا يجعله من الخاشعين؛ فيُعيّنه حارسًا لبيته؛ لكن، يُعطيه في الوقت ذاته حكم الدنيا؛ نظير النبيّ سليمان؛ فما العيب في ذلك؟! حيث كان عليه السلام يمتلك قصورًا، ومنزلة [رفيعة] في الوقت ذاته. لكن، يبقى أنّ الفارق بين منزلة حضرة سليمان ومنزلة حضرة الرسول الأكرم كالفارق بين السماء والأرض! فكانت روحه وكان قلبه بنحوٍ لا يُمكنه معه القبول بتاتًا بهكذا أفعال، حيث يقول: أريد ألاّ يكون لديّ شيء، فأسأل الله؛ ثمّ يصير لديّ شيء في يوم آخر، وأشكره تعالى؛ وهذا مقام مختلف تمامًا!
«اللّهُمَّ أَعْطِنِي السَّعَةَ فِي الرِّزْقِ، وَالاَمْنَ فِي الوَطَنِ، وَقُرَّةَ العَيْنِ فِي الأَهْلِ وَالمالِ وَالوَلَدِ، وَالمُقامَ فِي نِعَمِكَ عِنْدِي، وَالصِّحَّةَ فِي الجِسْمِ، وَالقُوَّةَ فِي البَدَنِ، وَالسَّلامَةَ فِي الدِّينِ، وَاسْتَعْمِلْنِي بِطاعَتِكَ وَطاعَةِ رَسُولِكَ مُحَمَّدٍ صَلّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ أَبَدًا ما اسْتَعْمَرْتَنِي، وَاجْعَلْنِي مِنْ أَوْفَرِ عِبادِكَ عِندَكَ نَصِيبًا فِي كُلِّ خَيْرٍ أَنْزَلْتَهُ وَتُنزلُهُ فِي شَهْرِ رَمَضانَ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ، وَما أَنْتَ مُنزلُهُ فِي كُلِّ سَنَةٍ، مِنْ رَحْمَةٍ تَنْشُرُها، وَعافِيَةٍ تُلْبِسُها، وَبَلِيَّةٍ تَدْفَعُها، وَحَسَناتٍ تَتَقَبَّلُها، وَسَيِّئاتٍ تَتَجاوَزُ عَنْها، وَارْزُقْنِي حَجَّ بَيْتِكَ الحَرامِ».
هذه فقرة مستقلّة إذا أردنا الحديث عنها، سنتأخّر كثيرًا؛ ولهذا، سنتوقّف عند هذا الحدّ؛ وإذا وفّقنا الله ـ وله الحمد والمنّة ـ ، سنتطرّق مرّة أخرة لتتمّتها، فقد تعرّضنا إلى تفسير قسم كبير من هذا الدعاء، وبقي علينا بيان شيء قليل جدًّا منه.
فإذا وفّقنا الله، سنسعى ـ إن شاء تعالى ـ لإكمال هذا الدعاء بنحو أسرع في عدّة جلسات بعد شهر رمضان. نرجو من العليّ الأعلى أن يوفّقنا، لتنصهر هذه المسائل في وجودنا وخواطرنا، وأن يجعل باطننا يرنو لمنهجٍ وطريقٍ يصل بنا إلى هذه الأمور، وأن يُخلّصنا من كافّة مراتب الأَشَر والبَطَر والجهل والاستكبار والخداع، وأن يُطهّر أعمالنا ومحيطنا من هذه المعاني، وأن يجعل اختيارنا مندكًّا وفانيًا في [اختياره]، ويجعلنا في الدنيا من عباده الصالحين، نحن وأهلونا ووالدينا وأبناءنا وأهل حزانتنا وإخواننا في الله تعالى؛ مثلما قال الإمام عليه السلام بنفسه في الدعاء؛ فنرجو من الله ـ إن شاء تعالى ـ أن يُحقّق هذه الأدعية بنحو كامل وتامّ في حقّ كلّ هؤلاء، بمحمّد وآل الطاهرين.
وصلّى الله على محمّدٍ وآله الطاهرين.