2

إلى ماذا ينظر الله وملائكته من أعمالنا؟

ضرورة إعداد القلب لتلقّي الحق

340
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمدعاء أبي حمزة الثمالي

المجموعةسنة 1429

التاريخ 1429/09/04

جلسات المجموعة(2 جلسة)

التوضيح

إلى ماذا ينظر الله تعالى وملائكته من أعمالنا من الصلاة والحديث والمشاركة في المحاضرات؟ بماذا تختلف أعمال الأئمّة عليهم السلام والأولياء عن أعمالنا؟ هل يمكن أن نبلغ إلى المقام الذي بلغه هؤلاء؟ وما هو السبيل إلى ذلك؟
تجيب هذه المحاضرة عن هذه الأسئلة موضّحة الفارق بين الإمام والمأموم وحقيقة هدف الإمام في إمامته وكيفيّة العلاقة بين المريد وأستاذه.

/۲۰
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

إلى ماذا ينظر الله وملائكته من أعمالنا؟ - ضرورة إعداد القلب لتلقّي الحق

1
  •  

  • هو العليم

  •  

  • إلى ماذا ينظر الله وملائكته من أعمالنا؟ 

  • ضرورة إعداد القلب لتلقّي الحق

  •  

  • شرح دعاء أبي حمزة الثمالي - سنة ۱٤٢٩ هـ. ق - الجلسة الثانیة

  •  

  • محاضرة القاها

  • آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهراني 

  • قدّس الله سره.

  •  

  •  

إلى ماذا ينظر الله وملائكته من أعمالنا؟ - ضرورة إعداد القلب لتلقّي الحق

2
  •  

  •  

  • أعوذُ بِاللَه مِنَ الشَّیطانِ الرَّجیم‌

  • بِسمِ اللَه الرَّحمَنِ الرَّحیم‌

  • وصلَّى اللَه عَلَى سيّدنا و نبیّنا أبي القاسم مُحَمّدٍ

  • وعلى آله الطّيبين الطّاهرين و اللعنة عَلَى أعدائِهِم أجمَعينَ‌

  •  

  •  

  • «أدعوك یا ربّ راهبًا راغبًا راجیًا خائفًا إذا رأيت مولاي ذنوبي فزعت وإذا رأيت كرمك طمعت».

  • يا ربّ أدعوك وآتي إليك بهذه الحالة، وبهذا الوضع وبهذه الكيفيّة، وحالتي هذه ليست حالة تصنّع، لست أمثّل، فالإنسان يمثّل أمام الناس، ويتلاعب أمام الناس، أمّا مع الله فلا يمكنه أن يمثّل، فإنّه سيكون قد أتعب نفسه عبثًا، نحن نمثّل أمام الناس ونتظاهر بالحالة الجيّدة أمامهم بحيث نكون على النحو المطلوب ولا يرد علينا اعتراض ولا يظهر من عملنا نقص، هكذا…

  • إلى ماذا ينظر الله وملائكته من صلاتنا؟

  • أمّا مع الله فلا، وكذلك الملائكة وتلك النفوس المسيطرة والمسلّطة على النفوس فإنّ تلك الحقائق العلويّة والمجرّدة لا تصدّق هذه التمثيليّات والألاعيب والنفاق، وآذان هؤلاء ليست على هذه الأمور، فلو رتّبنا أنفسنا ألف مرّة وقت الصلاة ورتّبنا طرفي العباءة بشكل جيّد بحيث لو التقطت لنا صورة وكانت شفّافة ودقيقة لما رأينا هذه العباءة تميل إلى هذا الجانب أو ذاك ميليمترًا واحدًا! فهؤلاء لا ينظرون إلى هذه الأمور، لا ينظرون إلى هذه الأمور، هؤلاء ينظرون إلى قلبك لمن تصلّي؟ هل تصلّي لأجل الكاميرا أم لأجلنا؟ إلى هذا ينظر هؤلاء. 

  • صلاة مع تقويم ظهر المصلّي (قصّة)

  • لقد ذكرت للرفقاء مرّة أنّي وقبل أن ألبس العمامة وكنت أدرس في قم أوصاني المرحوم العلاّمة بأن أشارك في صلاة الجماعة للشيخ محمّد علي الأراكي عند المساء، وكنت أذهب كلّ ليلة إلى هناك، وكان يعطي هو درسًا في المدرسة الفيضيّة، وكنت أدرس كتاب المعالم حينها، وكنت مع ذلك أشارك كمستمع في درس الخارج الذي كان يلقيه أيضًا، وكان الأمر مضحًا جدًّا، فقد كنت أذهب حينها ولم تكن المدرسة الفيضيّة كما هي الآن حيث أصلحت ورمّمت، بل كان لها حالتها السابقة، فكان يلقي دروسه هناك، وكنت أنا أذهب أيضًا وكنت واحدًا من تلامذته! فلو قيل لي الآن هل كنت تشارك في درس الخارج لآية الله الأراكي؟ أقول: نعم. وكلامي صحيح أيضًا، فقد كنت أشارك في درسه والحال أنّي كنت أدرس كتاب المعالم حينها.

إلى ماذا ينظر الله وملائكته من أعمالنا؟ - ضرورة إعداد القلب لتلقّي الحق

3
  • شيئان عجيبان هما ابرد من يخ***شيخ يتصبّى صبيّ يتشيّخ
  • يقول: شيئان عجيبان هما أبرد من الثلج *** شيخ يتصابى وصبيّ يتشيّخ

  • وبعد أن ينتهي الدرس كان يصلّي جماعة، في الصيف في باحة المدرسة وفي الشتاء في مكان الدرس نفسه، وكنت أشارك في صلاة الجماعة التي كان يقيمها.

  • وذات يوم كنت جالسًا في الخارج وكان الهواء حارًّا، وأثناء التشهّد كنت قد انحنيت قليلاً فلم أكن مستقيمًا، وكان إلى جانبي عالم كبير في السنّ، ولا يزال الآن على قيد الحياة وهو من المعروفين أيضًا، فلو ذكرت اسمه ربّما عرفه الجميع، كان جالسًا فمدّ يده اليسرى وجلّس ظهري فاستقمت قليلاً، وبعد بضع ثوان أحنيته من جديد فقد كنت هكذا، وللمرّة الثانية مدّ يده وجلّس ظهري، فقلت بما أنّه هكذا دعني أجعلها لعبة، فكنت أنحني وأستقيم لخمس أو ستّ مرّات، قلت من الجيّد أن نرى نتيجة هذا الفقه الذي درسوه، دعني ألقّنه درسًا، فدراستهم للفقه هذه تتضمّن هذه الأشياء، وعندما انتهت الصلاة غضب! آه آه وكأنّ السماء قد وقعت على الأرض: لماذا تفعل ذلك في الصلاة؟! 

  • فقلت: وماذا جرى؟! 

  • قال: لقد انحنيتَ هكذا.

  • قلت: لا مكان للانحناء والاستقامة فأنا أتشهّد. وطبعًا ينبغي أن يكون الإنسان مستقيمًا أثناء التشهّد ولكن لا إشكال في قليل من الانحناء. 

  • فقال: يا سيّد…

  • فقلت: لديّ سؤال: هل أنت موظّف لتقويم انحنائي أثناء التشهّد أم أنّك تتشهّد؟ اهتمّ بعملك واقرأ تشهّدك وانظر ماذا تقول فما معنى أن تكرّر تقويم انحناء ظهري بيدك، فهذه ليست صلاة! فهل التفتّم؟! حسنًا فهذه القصّة نقلتها لتسليتكم.

  • هذه الصلاة لا تصل إلى الله، هذه الصلاة التي تصلّيها وتقوّم انحناء الآخرين أثناءها لا ترفعها الملائكة فأين هو تركيزك أنت؟! حقًّا انظروا إلى هذا التشهّد بعد التشهّد وبعد الصلوات: السلام عليك أيّها النبيّ ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته لو أردت أن أتكلّم حول هذه السلامات الثلاث فإنّها تحتاج إلى شهر كامل، وأنّه كيف أنّ هذه الصلاة التي هي لله أدخل الله فيها نبيّه؟! كيف دخل فيها العباد الصالحون؟ وكيف دخل هذا المصلّي نفسه فيها؟! فنحن في النهاية نصلّي لله فما معنى السلام على النبيّ؟! وما معنى السلام على عباد الله الصالحين؟! ونحن أنفسنا؟ نحن الذين نقوم بهذا العمل ما معنى دخولنا؟! ولكن بدلاً من أن نفكّر في هذه الأمور والالتفات إلى هذه المعاني ننظر هل استقام هذا أم انحنى بظهره؟! وهل أمال هذا برأسه وذاك من أين يصدر صوته؟! فما هذا؟! هل هذه صلاة؟! نعم؟! أهكذا نعلّم الناس الصلاة نحن؟! هكذا؟! أم مثل أولياء الله والعرفاء الذين عندما يقولون الله أكبر لا تعود تدرك في أيّ حالة هم! لا تعود تدرك! 

إلى ماذا ينظر الله وملائكته من أعمالنا؟ - ضرورة إعداد القلب لتلقّي الحق

4
  • كيف كانت صلاة السيّد الحدّاد رضوان الله عليه؟

  • كان المرحوم العلاّمة يقول: عندما كان السيّد الحدّاد يقول: الله أكبر، فعندما كنّا ننظر إلى عينه كنّا نرى وكأنّ عينه لا ترى أيّ مكان! فهذا نوع من الصلاة أيضًا، تنظر العين ولكن لا ترى شيئًا هل رأيتم مثل هذا؟! أحيانًا يسرح فكر الإنسان وهو ينظر في اتّجاه معيّن، ومهما تحدّثت معه وحرّكت يدك فلا يرى، ففكره منصبّ على مكان آخر. هل رأيتم الأطفال أحيانًا يسرح فكرهم في شيء ولا يتمكّن الإنسان من تنبيههم ولفت نظرهم فعندما يقول: الله أكبر ينظر ولكن لا يرى، لا يرى أمامه جدارًا، لا يرى أفرادًا فلا يعرف أين مضى فلان، أن ذهب فلان؟ أين ذهب هذا الإنسان؟ إلى أين؟ هذه الصلاة هي التي يقول الأولياء علّموها للنّاس، هذه الصلاة هي صلاة تنهى، وهؤلاء الذي يعترضون ويقولون: نحن نصلّي بهذا المقدار فلماذا نعصي إلى هذا الحدّ؟! أليس لدينا{إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}۱؟ نعم يا عزيزي! إنّ الصلاة تنهى عن الفحشاء، ولكن ليست هذه الصلاة التي نرتّب أثناءها العباءة حتّى لا تقع العمامة ولا نتحنّك أثناءها كما لدينا في الرواية: أنّ «من تعمّم ولم يتحنّك فأصابه داء لا دواء له فلا يلومنّ إلا نفسه»٢

  • فيا أيّها الذين يقولون للنّاس إنّ التحنّك من الأمور المؤكّدة حتّى إنّ بعضهم قائل بالكراهة الشديدة في أن لا يتحنّك المعمّم أثناء الصلاة، والتحنّك يعني أن نأتي بطرف العمامة من الأعلى ويمرّ تحت الحنك والفكّ الأسفل، هذا معنى التحنّك، ثمّ بعد أن نقول للنّاس ذلك نقف نحن للصلاة ولا نتحنّك، وأنا أرى في هذه الصلوات التي شاركت فيها أنّ آية الله شبيري الزنجاني حفظه الله يتحنّك أثناء الصلاة، فقد رأيته يفعل ذلك وكم هو عمل جيّد.

  • إلى ماذا تنظر الملائكة من حديثي هذا؟ 

  • حسنًا، فإلى ماذا تنظر الملائكة؟ هل تنظر الملائكة إلى الديكور أم إلى الحقيقة؟! إلى ماذا تنظر؟ هل تنظر الملائكة إلى أنّنا الآن أتكلّم مع الرفقاء والأصدقاء وأشرح لهم دعاء أبي حمزة الثمالي وقلوبنا مستأنسة بأنّا نقرأ ونردّد عبارات الإمام السجّاد وذلك في ليالي شهر رمضان المبارك، وبمستوى فهمنا نحن، وإلا فإنّ الوصول إلى هذه المبادئ بعيد جدًّا عنّي وعن أمثالي! فنحن نجلس ونتكلّم بمستوى فهمنا نحن، وهؤلاء الأعاظم يقولون: لا بأس، تعال وتكلّم بمستوى فهمك فنحن نقبل منك، ولم يقل أحد إنّ عليك أن تبيّن هذه الكلمات تمامًا كما قصدها قائلها، كلاّ فلا معنى لهذا، ولا يمكن أن يتوقّع شيء من هذا القبيل أبدًا، فنحن نأتي ونتكلّم. 

    1.  سورة العنكبوت، الآية ٤٥. 
    2. الكافي، ج ٦، ص ٤٦٠.

إلى ماذا ينظر الله وملائكته من أعمالنا؟ - ضرورة إعداد القلب لتلقّي الحق

5
  • والآن الملائكة يأتون وينظرون ماذا أقول أنا أم ينظرون إلى هذا المسند، فأنا لدي هنا مسند من نوع خاصّ وهو نوع من الديكور وأمثال هذه الأمور… وهذه الألاعيب وأن تصوّرنا الكاميرا بشكل جيّد، والحمد لله لا وجود هنا للكاميرا، ونحن مرتاحون، ولا يمكن للملائكة أن تطالبنا بذلك، فهذا أمر لا وجود له في الوقت الحاليّ، أمّا من هذه المسجّلات وأمثالها فهناك إلى ما شاء الله، وربّما يجدون فيها شيئًا يخلّ بالصفاء والإخلاص والصدق وأمثال ذلك، وإلا فالحمد لله لا وجود للكاميرا حتّى تأتي الملائكة وتنظر وتقول: الآن أنت تأتي إلى هذا المكان وتفتح كتاب مفاتيح الجنان بأيّ نيّة؟ كنت جالسًا في غرفتك في الأعلى تكتب فماذا نويت؟! وماذا كان قصدك حين المجيء إلى هنا؟! النزول إلى هنا والحديث مع الرفقاء والأصدقاء وبثّ شجون القلب وبيان المعارف ماذا كان يجري في ضميرك؟! نعم يأتون إليه، فيأخذونه ويقولون له: انتهى الأمر، ولم يعد هناك ديكور ومظاهر وأمثال هذه الأمور و… فهذا ما يرتبط بي أنا.

  • إلى ماذا تنظر الملائكة من مشاركة الحاضرين؟

  • وأمّا بالنسبة إلى الرفقاء فإنّهم يقولون لهم الأمر نفسه، ولكن بطريقة أخرى، أنا يسألونني بنحو، وهم يسألونهم بنحو آخر، فكلّ إنسان بنحو، فالمستمع يسألونه بطريقة، والمتكلّم يسألونه بطريقة، ولا يُخدعون، ويسمعون في آن واحد بدقّة، أيعقل ذلك؟! فمثلاً لو تكلّم معكم جناب السيّد فلان من هذه الجهة فإنّكم تصغون إلى كلامه بدقّة، ولو تكلّم من جهة أخرى أيضًا فلان فإنّ أذنًا منك تسمع هذا وأذن أخرى تسمع ذاك، فهذا لا يمكن، ولو أردتم أن تسمعوا نصفًا لهذا ونصفًا لذاك فلن يكون استماعكم دقيقًا، ولكنّ هؤلاء الملائكة الذين هم على أكتافنا دقيقون إلى درجة تجعلهم يسجّلون في آن واحد كلّ ما يخطر في أذهان الحاضرين، فأيّة قدرة هذه؟! 

  • سبب قدرة الملائكة على تسجيل ما في قلوب الجميع في آن واحد

  • إنّها ترجع إلى التجرّد، فليس في عالم التجرّد تزاحم، وليس في عالم التجرّد تمانع، وليس فيه تنازع، وأنتم إذ جلستم هنا فلن يعود بإمكان رفيقكم أن يجلس في مكانكم؛ لأنّ هناك بين المادّتين تمانعًا وتنازعًا، فللمادّة حدّ، حدّ مكانيّ، ولها كمّ، ولها بأيّن، والتأيّن مكان، والمكان محدّد بحدّ، ويسبّب التنازع والتزاحم، ولكن ليس الأمر هكذا في المجرّدات، بل يوجد أمران مجرّدان في آن واحد، وكان المرحوم العلاّمة يقول: ألا ترون في جلسات الذكر أنّ أمرًا واحدًا يأتي فتأخذه دفعة واحدة تلك النفوس التي لديها قابليّة لأن تأخذه، وفي آن واحد ترى أنّ ستّة من الحاضرين قد استقبلوا أمرًا واحدًا. وكان يقول: إنّ من مؤيّدات وحدة الوجود وحدة الواردات التي تحصل لأفراد مختلفين في آن واحد. فلو لم تكن هناك حقيقة واحدة لشيء ما فكيف يمكن أن يحصل لاثنين؟ المفروض أن يحصل لهذا شيء أولاً ثمّ بعد دقيقتين يحصل لذاك، والأمر نفسه أيضًا يحصل لثالث بعد دقيقتين، وهكذا، ولا يمكن أن يحصل في آن واحد، فالماء الواحد الذي يجري في ساقية إذا أراد أن يدخل مزرعة فإنّه لا يمكن أن يصل إليها دفعة واحدة ويرويها، بل هو يصل أوّلاً إلى هذ المزرعة ثمّ الماء اللاحق يأتي إلى مزرعة أخرى وهكذا واحدًا تلو الآخر، أمّا أن يأتي الماء دفعة واحدة وفي آن واحد فيروي هذه الأرض وتلك فهذا ما لا يمكن.

إلى ماذا ينظر الله وملائكته من أعمالنا؟ - ضرورة إعداد القلب لتلقّي الحق

6
  • ولكن هنا يمكن أن تأتي واردة واحدة ودفعة واحدة تستقرّ عند خمسة أفراد في مكان واحد، هؤلاء الخمسة المتّصلون، ويمكن أن يكون أحدهم في المجلس ولكنّ فكره في البيت في طبق الخضار الذي تعدّه زوجته وتضعه على المائدة، فهو من داخل الجلسة يفكّر في طبق الخضار، فهذا لا تحصل له تلك الواردة، وهكذا المسائل الأخرى بعد طبق الخضار، أمّا الذين هم في حالة من الذكر ولا يفكّرون في طبق الخضار أو غيره وقد نظّفوا قلوبهم من جيمع التعلّقات ولا تتّصف نفسه إلا بشيء واحد، فإنّك ترى أنّ تلك الواردة تستقرّ عنده وذاك أيضًا وذاك. فلماذا ذلك؟ لأنّه لا معنى للتزاحم والتنازع في المجرّدات، إنّهما للماديّات، فهذه المنازعات والمشكلات هي لعالم المادّة، وكلّ هذا الصراع والاقتتال هو للمادة، أمّا هناك فلا معنى لذلك. 

  • ماذا ترفع الملائكة من صلاتنا وأعمالنا؟

  • فما ترفعه الملائكة وتسجّله هو تلك الحقائق الخفيّة عن الأنظار والتي يشتغل بها كلّ إنسان في نفسه، فالملائكة تهتمّ بهذا، ولا شأن لهم بأنّك صلّيت صلاة العشاء أربعين ركعة بدلاً من أربع ركعات، صلّ أربعين ركعة بدلاً من ركعتي صلاة الصبح أو مائتي ركعة، صلّ ما شئت، فلا شأن لي بذلك، ما يهمّني هو تلك الحقيقة التي على أساسها تصلّي، وذلك المقدار من الخلوص الذي وقفت بين يدي الله على أساسه، وتلك الذهنيّة وتلك الخواطر وذلك الوضع والحضور في هذا الجوّ وفي هذا الاستقبال لحضرة الله، هذا الحضور هو الذي تسجّله الملائكة. فكم لديك من الحضور؟ في أيّ أفكار أنت؟! في أيّة حالة أنت؟ بأيّ شوق تصلّي؟ تصلّي متعبًا تقول: الويل لي إن لم أصلّ فسأعاقب غدًا يوم القيامة…، حسنًا كان بإمكان الله أن يرفع هاتين الركعتين وأن يجعل المغرب خمس ركعات، فلو فعل ذلك لنمنا حتّى الظهر، فكم هو جميل! فنقوم فنصّلي بهذه النيّة. فلا فائدة من هذه النيّة، قال الشاعر: 

  • در کف شیر نر خونخواره‌ای***غیر تسلیم و رضا کو چاره‌ای؟!
  • والمعنى: أنت في يد ذكر أسد سفّاك للدماء *** فماذا بيدك من حيلة سوى التسليم والرضا؟! 

إلى ماذا ينظر الله وملائكته من أعمالنا؟ - ضرورة إعداد القلب لتلقّي الحق

7
  • فهذا ما يأخذه الملائكة ويمضون به، هذا هو المقدار الذي يأخذونه من الصلاة، يقولون: لقد صلّى صلاة لا رأس لها ولا باطن، فهذا يصلّي هكذا خوف العقاب غدًا، والله قال: حسنًا فهذا حدّه بهذا المستوى! وهناك صلاة صلاّها أمير المؤمنين بذلك الوضع وتلك الحالة التي جعلت الملائكة غير قادرين على أخذها وحفظها وتقبّلها، فصلاة أولياء الله لا تستطيع الملائكة تقبّلها، فاعلموا أنّ هناك اتّصال بذات الله. 

  • وإن كان الرفقاء يذكرون يبدو أنّنا تحدّثنا على ما أذكر حول هذه المسائل، ويبدو أنّي لم أصبح عجوزًا كثيرًا! ولا يزال لديّ شيء من الذاكرة… يبدو أنّنا تحدّثنا حول كيفيّة الصلاة وكيف أنّ هذا العبد الذي وصل إلى مقام الفناء لا يرى معبودًا، ورؤية معبود وأنّك أنت في هذا الجانب وهو في ذاك الجانب يسمع، يرى الإنسان في العبادة شخصًا فيعبده فهذا الكلام كلّه خطأ. فهذه عبادات العوامّ، ففي عبادة العوامّ يرى الإنسان الله، أي يحسّ به، ثمّ يصلّي له، وفي عبادة العوامّ ينظر الإنسان إلى عابد ومعبود من حيثيّتي العبادة ومن جانبين، وفي عبادة العوامّ يصوّر الإنسان لنفسه مخاطبًا ثمّ يخاطب هذا المخاطب الذهنيّ له فيقول له: {إيّاك نعبد وإيّاك نستعين}۱  وهذا جيّد أيضًا، وينبغي أن يكون الأمر هكذا وفق القواعد، لأنّهم عوامّ في النهاية، والاسم على المسمّى، فهم أناس لا يملكون فهمًا للمعاني والمسائل الرفيعة… .

  • فما هي صلاة السيّد الحدّاد التي تحدّثت عنها والتي لا يرى فيها إلى أين ينظر؟ ماذا يرى هنا؟ ماذا يرى؟ بماذا يشعر؟ ذلك الذي عندما يقول الله أكبر… وهنا رواية عن الإمام الصادق عليه السلام وأنّ الإمام كان أثناء قراءة الحمد فوصل إلى إيّاك نعبد وإيّاك نستعين، وفجأة أغشي عليه وسقط على الأرض وأغمي عليه، ثمّ قال: عندما قلت إيّاك نعبد وإيّاك نستعين تكرّر ذلك على لساني وتكرّر وتكرّر حتّى رأيت أنّ من أخاطبه بإيّاك نعبد وإيّاك نستعين هو نفسه يقولها على لساني.٢ فهذه هي الصلاة التي ينقلها المرحوم الوالد عن أستاذه، فأيّة صلاة هي هذه؟! فهنا لا يعود الإمام الصادق يرى معبودًا، يرى أنّه هو يقول: إيّاك نعبد فمن الذي يراه إذن؟! لا أحد، لا يرى أحدًا. 

    1.  سورة الفاتحة، الآية ٥. 
    2.  معرفة الله، ج۱، ص ٣۰٦ نقلاً عن المحجّة البيضاء ج ۱، ص ٣٥٢: وَ عَنْهُ عليه السلام: «أنَّهُ سُئِلَ عَنْ حَالَةٍ لَحِقَتْهُ في الصَّلَاةِ حتى خَرَّ مَغْشِيَّاً عَلَيْهِ؛ فَلَمَّا أفَاقَ قِيلَ لَهُ في ذَلِكَ، فَقَالَ: مَا زِلْتُ ارَدِّدُ هَذِهِ الآيَةَ عَلَى قَلْبِي حتى سَمِعْتُهَا مِنَ المُتَكَلِّمِ بِهَا، فَلَمْ يَثْبُتْ جِسْمِي لِمُعَايَنَةِ قُدْرَتِهِ».
      وفيه أيضًا: يقول السيّد ابن طاووس رحمه الله في كتاب «فلاح السائل» [ص ۱۰۷ و ۱۰۸]: فَقَدْ رُوِيَ أن مَوْلَانَا جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ الصَّادِقَ [عَلَيْهِما ‌السَّلَامُ‌] كَانَ يَتْلُو القُرْآنَ في صَلَاتِهِ، فَغُشِيَ عَلَيْهِ. فَلَمَّا أفَاقَ سُئِلَ: مَا الذي أوْجَبَ مَا انْتَهَتْ حَالُكَ إليه؟ فَقَالَ مَا مَعْنَاهُ: «مَا زِلْتُ اكَرِّرُ آيَاتِ القُرْآنِ حتى بَلَغْتُ إلَى حَالٍ كَأنَّنِي سَمِعْتُ مُشَافَهَةً مِمَّنْ أنْزَلَهَا، عَلَى المُكَاشَفَةِ وَ العِيَانِ، فَلَمْ تَقُمِ القُوَّةُ البَشَرِيَّةُ بِمُكَاشَفَةِ الجَلَالَةِ الإلَهِيَّةِ».

إلى ماذا ينظر الله وملائكته من أعمالنا؟ - ضرورة إعداد القلب لتلقّي الحق

8
  • الأمل برحمته للوصول إلى مراتب الولاية الرفيعة

  • وهذا ليس لنا نحن، أمّا نحن فلنقرأ بشكل صحيح ما هو للعوامّ، والباقي معفوّ عنه، فذاك ليس لنا، ولكن أريد أن أقول إنّ هذه الأمور موجودة وعلينا أن لا نيأس، فهذا خطأ، علينا أن لا نيأس من رحمة الله ومن لطف الله، علينا أن لا نيأس، علينا أن لا نيأس. 

  • وهؤلاء الذين وصلوا إلى هنا كانوا في البداية مثلنا فهم لم يخرجوا من بطون أمّهاتهم عارفين، بل كان يصدق عليهم قوله: {لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا}كغيرهم من الناس {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا}۱ الله أخرجكم من أمّهاتكم لا تعلمون شيئًا أبدًا صفرًا، كنتم في الفناء المحض، الفناء المحض، لا إدراك ولا إحساس ولا شيء آخر، ثمّ وشيئًا فشيئًا وبواسطة الرياضات وشيئًا فشيئًا بواسطة العبادات، وشيئًا فشيئًا بواسطة المراقبات، شيئًا فشيئًا مع القيام بذلك عن فهم لا عن تقليد أعمى، عن فهم وعقل واختيار ومراقبات شرعيّة ورياضات شرعيّة وأوامر واردة عن الأئمّة المعصومين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وبواسطة هداية ومراقبة أولياء الله، وصلوا إلى حيث كانوا تحت لواء وولاية الإمام عليه السلام، وصدرت منهم تلك الحالات. يمكن ذلك يمكن، لماذا لا يمكن؟! 

  • الإمام هو إمام لكي يأخذنا إلى مقامه

  • من العبارات العجيبة جدًّا للمرحوم العلاّمة أنّ الإمام عليه السلام أتدرون لماذا هو إمام؟ أتدرون؟! لكي يتمكّن من إيصالنا إلى حيث هو، ولو لم يتمكّن فما هو إمام، سيكون إمامًا إلى هذه المرحلة ومنها فصاعدًا سيقول: أنا لست إمامًا. والحال أنّ الإمام هو إمام لنا أزلاً وأبدًا، أي في جميع الأحوال إلى يوم القيامة وبعد يوم القيامة، في جميع ذلك هو إمام. فأئمّتنا هم أئمّة لنا ليس فقط في الدنيا، بل هم أئمّة لنا في ذاك العالم أيضًا، فما معنى ذلك؟ معناه أنّا تحت ولايتهم في تلك المرتبة التي نملك لياقتها، فهم يجعلوننا فيها، أي في ذلك العالم أيضًا نحن أيضًا تحت ولاية إمام الزمان وليس فقط في هذه الدنيا، فلا تظنّوا أنّ الأمر ينتهي، وإذا جاء عزرائيل يغلق الملفّ، كلاّ فهذه الولاية ليست ولاية، بل الولاية متى تشرع؟ تشرع الولاية للتوّ ابتداء من القبر فما بعده، فهنا نحتاج واحدًا من المليار واحدًا من المليار، هذه الستون يومًا من أيّام الدنيا لا تحتاج إلى ولاية، وطبعًا لا أريد أنّها لا تحتاج إلى ولاية، بل أريد أنّها لا تستحقّ شيئًا بالقياس إلى سيطرة ولاية الإمام في ذاك العالم، فهناك هو المهمّ، وهذه مجرّد ستون سنة وخمسون سنة. كان المرحوم العلاّمة يقول إنّ الإمام عليه السلام إمامته في أن يأخذ الإنسان، كلّ من يريد، وأمّا من لا يريد فهو لا يريد في النهاية، فهذا تقصيره هو، فكلّ من يريد يأخذه إلى حيث هو.

    1.  سورة النحل، الآية ۷۸. 

إلى ماذا ينظر الله وملائكته من أعمالنا؟ - ضرورة إعداد القلب لتلقّي الحق

9
  • الفرق بين الإمام والمأموم في السعة

  • وطبعًا سعة الإمام تختلف عن سعتنا، ولا شكّ في ذلك، فالإمام بحر ونحن حوض، لا بأس ولكن ماء الحوض هو عين ماء البحر، هذا هو الكلام. سعتنا التي هي سعة حوض لن تصبح يومًا ما بحرًا، والبحر لن يصبح محيطًا، فلكلّ حسابه، للبحر حسابه، وللبحيرة حسابها، وللنهر حسابه، وهكذا حتّى نصل إلى الحوض والكأس والصحن والكوب الصغير وأمثال ذلك، ولكنّ الكلام هو في أنّ تلك المادّة وذلك السائل وذلك الشكل وتلك الحقيقة التي لا بدّ أن يمتلكها الإنسان يوم القيامة هي عين ما يمتلكه الإمام عليه السلام، غاية الأمر أنّه بحسبه، فبعضهم يمتلك كوبًا، وبعضهم قدرًا كبيرًا، وبعضهم حوضًا وبعضهم نهرًا، والإمام عليه السلام هو في نفسه محيط، وكلّ إنسان بحسب مرتبته، فهذا ما يرتبط بالمؤمنين. 

  • أمّا غير المؤمنين فلا، فهؤلاء لديهم مزيج من النور ومن حيثيّة النقصان تشكّل لهم وجودهم في تلك المرتبة، فإذا وصلوا إلى مقام الفناء واندكّوا في ولاية الإمام عليه السلام وذابوا فيها اختلف حسابهم. 

  • فالإمام إذن هو إمام لكي يأخذنا إلى تلك النقطة وتلك الحالة التي هو عليها، وهناك تصريحات في الروايات حول هذا الأمر، والروايات فيه كثيرة. 

  • معنى دعاء الإمام لله راهبًا راغبًا

  • والإمام عليه السلام يقول: «أدعوك يا ربّ راهبًا راغبًا» فعندما أتوجّه إليك يكون لديّ جانبان وحيثيّتان: حيثيّة رهبة وحيثيّة رغبة. لدي جهتان: إحداهما القلق والأخرى الشوق والميل. القلق، فأنا قلق، أنا قلق على وضعي، قلق على حالتي، قلق بسبب تلك المدركات التي وصلت إليها وبواسطتها تغيّرت نظرتي إليك وشعوري نحوك، فهذه المدركات تجعلني قلقًا، تلك المدركات تجعلني في نوع من التشويش، وفي نوع من الاضطراب. فالرهبة تعني القلق، فأنا لا أدري وأنا على حالتي هذه هل أنا مرضيّ عندك أم غير مرضيّ؟ هل تقبل الملائكة عملي أم لا تقبله؟ حقًّا لا أدري. فلنلق نظرة على أنفسنا نحن الرفقاء الجالسون هنا، ونرى هل حقًّا في أنفسنا أمر كهذا أم لا؟ فلو كان هناك جهاز الآن يقيس أعمالنا ويجعلها في ميزان ويميّز الخلوص فيها والغشّ ويظهر أفكارنا ونفوسنا أفلا يسيطر علينا الخوف دفعة واحدة؟! ألا تتغيّر ألواننا؟! حول مجيئنا إلى هنا، وحول الأعمال التي نقوم بها، والصلاة التي نصلّيها وعمل الخير الذي نقوم به، والإنفاق الذي ننفقه والمساعدة التي نساعد بها والخدمة التي نقدّمها، فلو أتي بجهاز يفحص ذلك، أو أنّ وليًّا من أولياء الله أو إنسان لديه شيء من الإخبار عمّا في النفوس وأمثال ذلك ويقوم بالإخبار عنّا واحدًا تلو الآخر فنتقدّم بالتدريج ويأمرنا بالجلوس هنا، فنقول لا لا، بالله عليك لا تخبر، الرجل الثاني لا يتقدّم، من الذي يتقدّم؟! جميعنا نجلس مطأطئي الرؤوس. فهذه هي الرهبة، هذا معنى الرهبة.

إلى ماذا ينظر الله وملائكته من أعمالنا؟ - ضرورة إعداد القلب لتلقّي الحق

10
  • ما دام لا خداع فلا داعي للقلق، ومن كان نظيف الحساب ممّن يخاف؟ نعم تارة نقول لا ندري، نحن هكذا، بكل صراحة ودون أن يكون لدينا شعور بشيء، أصلاً أخبر أنت وأخبر عن نقاط الضعف، قل لنا عن موارد الضعف ولكنّا لسنا في مقام الادّعاء. كان أحد الكتّاب في مقام المدح لأحدهم في كتابه، فقد كنت أقرأه السنة الماضية، فكان يبيّن فضائل أحد الناس والذي بنى المدرسة المرويّة في طهران، فعندما أراد أن يضع الحجر الأساس لها، وذلك قبل مائة سنة، جمع العلماء الذين في طهران وأئمّة الجماعة والطلاب وغير الطلاب من التجّار وأهل السوق، جمعهم كلّهم وقدّم لهم طعام العشاء أو الغداء بكرم، فقد أراد أن يضع الحجر الأساس، فأمسك المعول بيده ويريد أن يحفر به فقال: يجب أن يمسك بهذا المعول ويضرب الضربة الأولى لتأسيس هذه المدرسة من لم تفته صلاة الليل منذ بلوغه إلى الآن!

  • أنت مخطئ إذ تقول هذا، عبثًا تقول هذا، فهذا بعنوان مدح، لقد كتب الكاتب ذلك ولم يعترض عليه أحد، فقد أمسك ذاك العالم المعول بنفسه وضرب به، يعني فلينظر الجميع أنّي أنا منذ بلوغي… فلو كنت أنا هناك لتقدّمت وقلت له: ماذا تقول؟ فلنفترض أنّا لم نصلّها أبدًا، أو لم نصلّها مرّتين، كنت سأقول له: أنا حاضر. ولقال: ماذا؟! ائت بالقرآن! 

  • ـ امض وشأنتك، فأنت تريد إنسانًا صلاّها، فأنا أقول إنّي صلّيتها من السنة الخامسة من عمري وأنت لم تصّلها، أنت من حين بلوغك وأنا من الخامسة. فماذا كلّ هذا يا عزيزي؟! كلّه لعب، لعب من النفس، إظهار! فما معنى ذلك؟! فما معنى إنّ من يحمل المعول ويضرب الضربة الأولى بهذه المدرسة لا بدّ أن يكون منذ بلوغه إلى الآن لم يترك صلاة الليل! فما معنى ذلك؟! الله لم يقبل منك صلاة واحدة، فما هذه الأعمال؟! تريد أن تتباهى أمام الناس بأنّك منذ بلوغك صلّيت صلاة الليل؟! فأنت إذ صلّيت صلاة الليل منذ بلوغك لم يوقظك إلا الله، وإلا لبقيت نائمًا إلى الظهر، فما هذا الكلام؟

إلى ماذا ينظر الله وملائكته من أعمالنا؟ - ضرورة إعداد القلب لتلقّي الحق

11
  • وبما أنّك الآن وفّقت لها تأتي وتتظاهر أمام الآخرين وتخطّئهم أمام بعضهم؟! أنت هكذا وذاك هكذا، هذا على رأسه عمامة، وذاك الحاج من أهل السوق، وذاك كذا الحكماء، فهؤلاء لم يعمل أيّ واحد منهم بذلك وأنا وحدي من عمل بذلك! بالله عليك لو كانت قد فاتتك صلاة الليل هل كنت ستتكلّم بمثل هذا الكلام؟ كلاّ! ماذا تصنع هذه النفس؟ تريد أن تظهر نفسها بنحو معيّن، فكيف تظهر نفسها؟ تستر تحت مظلّة عبادتها وتختبئ تحت نقاب العبادة، فليس لديها شيء آخر تقدّمه، لو كنتم أنتم أيّها الرفقاء هناك لأنزلتموه على الفور من ذلك العرش إلى الأرض، ولقلتم له: تلك صلاة الليل التي صلّيتها وتتظاهر أمام الجميع بها هل فهمت ماذا قلت فيها؟ لا بدّ أنّه سيقول: نعم أعي ما أقول، فقولوا له: ما الفرق بين ولا الضالّين وغير المغضوب عليهم؟! حينها سيطأطئ رأسه، فنقول له: امض وشأنك، دع الحجر الأساس يوضع بيد من يدرك على الأقلّ معنى ما يقوله، لا أن تقرأ هكذا ماء ماء كالأغنام حتّى النهاية، تعال وقل للآخرين ذلك، حتّى نأتي نحن ونكتبه في كتبنا كتعريف عنك وأنّ هذا الرجل عمل هذا! كلا يا عزيزي لا فائدة من ذلك، لا نتيجة لذلك.

  • لا بدّ أن يضع الحجر الأساس من كان قلبه منكسرًا، لا بدّ أن يضع الحجر الأساس للمدرسة من كان لديه صفاء، لا بدّ أن يضع الحجر الأساس للمدرسة من لا يحسب لنفسه حسابًا، لا بدّ أن يضع الحجر الأساس للمدرسة العلاّمة الطباطبائي، لقد كان صافيًا صافيًا، الخلوص له، هؤلاء من يجب أن يقوموا بهذه الأعمال، وقد كنت ذات يوم في خدمة المرحوم العلاّمة رضوان الله عليه وكنت قد أخذت له إلى مشهد صورة من قم، صورة عن وضع الحجر الأساس للمدرسة الحجّتية، وقد كان السيّد حجّت رجلاً جليلاً جدًّا، السيّد محمّد حجّت الكوه كمري، كان رجلاً جليلاً جدًّا وعالمًا كثير العلم، وفقيهًا حسن الفهم ومتنوّرًا وصاحب حالات، وكان المرحوم الوالد يحكي عنه حكايات ويقول: لا أحد يعرف ذلك. وقد بيّنها لي بنفسه، المرحوم العلاّمة بيّنها لي، وقال إنّه عندما ارتحل السيّد محمّد من هذه الدنيا حكى لي أحد العلماء هذا الأمر وهذا يكشف عن أنّه هو بنفسه كان مصدّقًا بذلك، فقد رأى في المنام أنّه ذهب إلى حرم الإمام الرضا عليه السلام، ذهب إلى مشهد، وكان هو من العلماء الذين يسكنون طهران وقد توفّي الآن، ذهب إلى مشهد لأجل الزيارة فرأى في المنام أنّه ذهب لزيارة الإمام الرضا وعندما دخل الحرم رأى أنّ الإمام الرضا ليس في الضريح، الإمام ليس في الضريح، فسأل فقيل له: لقد ذهب الإمام عليه السلام إلى قم ليشارك في مراسم السيّد حجّت، وأحتمل أنّ هذه القصّة ذكرها المرحوم العلاّمة في أحد كتبه لا أذكر في أيّ منها، ولكنّه حكى لي هذا الأمر بنفسه، فقام ذلك العالم ـ ولم يكن حينها إعلام عن الأخبار وأمثال ذلك، وكانت الأخبار تصل متأخّرة ـ وأخبر عن وفاة السيّد حجّت، ثمّ بعد ذلك وصل الخبر أنّ الأمر هو كذلك. فانظروا فالسيّد حجّة رحمة الله عليه رجل جليل القدر مخلص.

إلى ماذا ينظر الله وملائكته من أعمالنا؟ - ضرورة إعداد القلب لتلقّي الحق

12
  • وقد نقل لي المرحوم الوالد أنّه عندما أشرف السيّد حجّت على الوفاة جمع من حوله من الأقارب والأرحام وأمرهم أن يحضروا الختم الذي كان يختم به الرسائل ويستلم به الحقوق الشرعيّة من الناس، وأتلفه بيده أمام الجميع، قال ليأت الجميع وليجلسوا، فلمّا حضر الجميع وجلسوا ضرب بذلك الختم وكسره وقال: أريد أن لا يقع هذا الختم بيد أحد من بعدي، ولا بدّ أن تنتهي هذه الأمور بعدي ولا تستمرّ. فاقرأ بنفسك الحديث مفصّلاً من هذا المجمل، فقد كان رجلاً جليل القدر.

  • وهناك صورة لوضع الحجر الأساس للمدرسة الحجتيّة وربّما كان بعض الموجودين فيها من الأعاظم والأعلام من الأحياء الآن، عندما ننظر إلى تلك الصورة نرى أنّ جميع الرؤوس مرتفعة وأحدهم قد رفع رأسه أكثر حتّى يظهر بشكل جيّد في الصورة! ومن بين هؤلاء جميعًا كان العلاّمة الطباطبائي قد طأطأ رأسه، وكان قد وقف منحنيًا شيئًا ما ومائلاً ورأسه غير ظاهر أصلاً. فالتفت المرحوم العلاّمة وقال: انظر إلى الإخلاص، هذا هو الإخلاص! انظر إلى الجميع ـ وكان قد قال لي: إنّ السيّد حجّت كان مستثنى ويقف بنحو متعارف ـ انظر إلى الجميع قد رفعوا رؤوسهم ليظهروا، وانظر إلى هذا العلاّمة قد طأطأ رأسه وانحنى ومال قليلاً كي لا يبدو، هذا من يقال إنّه إنسان مخلص، هذا هو، سواء ظهرت صورته أم لم تظهر، فهذا ليس بشيء ولا يختلف الأمر بالنسبة إليه.

  • ضرورة إعداد القلب لتلقّي الحق

  • يقول الإمام عليه السلام: آتي إليك بحالة من الرهبة والقلق وأنّي كيف هي حالتي؟ آتي إليك بحالة لا أطمئنّ معها إلى نفسي أنّ لي القابليّة أن أكون مخاطبًا لك وأن تخاطبني وأجيبك وأدعوك، هذه الحالة هي حالة قلق على حالتي، على العمل الذي أقوم به، على خيالاتي وتصوّراتي، على مستوى إخلاصي، علينا أن نقوّي هذه الحالة في أنفسنا، ودائمًا علينا أن نواجه هذا الأمر، وقد كرّرت هذا الأمر مرارًا على الرفقاء وقلت لهم: إنّ من البرامج التي كان يأمر بها الأعاظم تلامذتهم لتزكية النفس هو أن أعدّوا أنفسكم دائمًا لتقبّل أيّ أمر، أي افعلوا ما يجعلكم مستعدّين لتقديم الجواب في أيّ وقت من الأوقات حقّق معكم، مهما استطعتم، ولا تكونوا أبدًا إذا سئلتم فررتم، فهذا أمر واضح، لا يمكن ذلك، لا يمكن، دائمًا دائمًا كونوا في حالة بحيث إذا سئلتم لماذا فعلتم ذلك؟ قولوا لأجل كذا، ولو كنت مخطئًا. يقولون إنّ عملك كان خطأ. 

إلى ماذا ينظر الله وملائكته من أعمالنا؟ - ضرورة إعداد القلب لتلقّي الحق

13
  • ـ نعم كان خطأ، هذا صحيح.

  • ـ لا بدّ أن تصحّحه. 

  • ـ حاضر لا مشكلة هل سيحدث شيء؟ هل في هذا مشكلة؟

  • فأن نكون في حالة بحيث إذا سئلنا أجبنا يحتاج إلى عمل وليس بالأمر اليسير. أمّا أن نكون في حالة بحيث إذا قيل لنا: يا فلان لقد أخطأت! نخجل وننطوي على أنفسنا ونصاب بكارثة، فهذا خطأ، هذا لا يسمح للإنسان أن يكون منفتحًا على الواقع… فتلك حالة مهمّة مهمّة جدًّا، وعلينا أن نعمل عليها. هذه لا تدع الإنسان مرتاحًا عند مواجهة الحقيقة، ولا تدعه يفتح جميع أبواب قلبه أمام الحقيقة في جميع الأحوال وأن يستقبل الحقيقة والواقع بالترحيب ويحتضنها. لماذا؟! لأنّ هذا الخجل الذي يعيشه يعني أنّي أحتفظ لنفسي بشيء، وإلا فالأمر لا يستحقّ الخجل، يقولون: يا فلان لقد كان عملك الذي قمت به خاطئًا، لماذا قلت لرفيقك هذا الكلام؟ لقد أخطأت! 

  • فنقول: حسنًا لقد كان خطأ وسأصلحه، لا بأس. فلماذا يجب أن نصاب الخجل ونقول يا ويلاه لقد أريق ماء وجهنا؟! لقد أريق ماء وجهنا! فلو ذهبت الآن إليه وقلت: لقد أخطأت وكنت أفتخر عليه وأتظاهر أمامه، ما شاء الله لقد تربّيتُ لدى السيّد خمسة عشر عامًا أو عشرين عامًا! 

  • ـ وأنا جئت قبل يومين وأقول لك أرأيت؟! ألم أقل لك إنّك مخطئ؟ 

  • ـ أقلت لي أنا أنّي مخطئ؟! لقد تربّيتُ لدى السيّد ولدى العلاّمة عشرين سنة وأنت فرخ ابن يومين وتملي عليّ التعاليم.

  • فلو أنّك الآن تنهض وتقول له: لقد كان كلامك حقًّا وكنت أنا مخطئًا في رأيي، فآه آه ولكن على الإنسان أن ينهض ويقول: لقد كنت محقًّا في هذا الأمر وقد أخطأت أنا وأنا مسرور جدًّا، وربّما أخطئ مرّة أخرى أيضًا، نعم هل هناك مشكلة؟! هل يجب أن لا يخطئ الإنسان؟ من الذي قال ذلك؟! الملائكة لا تخطئ والمعصومون وهؤلاء الذين وصلوا فمن قال أنّه يجب أن لا نخطئ؟! هذا رأيك أنت واعلم أيضًا أنّ عليك أن لا تظنّ أنّ عليك أن تفخر عليّ لمجيئك قبلي بيومين، فالأمر ليس بالمجيء قبل يومين أو عشرين يومًا أو مائتي يوم، فالحقّ الذي عرفته جاءك من مكان آخر، فلا تفخر عليّ ولا تمنّ عليّ، لقد كان ما قلتُه خطأ وكلامك أنت صحيح، والسلام. ثمّ تصافحه وتقبّله وتنصرف وانتهى الأمر.

إلى ماذا ينظر الله وملائكته من أعمالنا؟ - ضرورة إعداد القلب لتلقّي الحق

14
  • الاستعداد لتقبّل الحقّ هو سرّ السلوك 

  • هذه الحالة وهذا الوضع هو سرّ السلوك، سرّ السلوك وسرّ المراقبة، فما معنى السرّ؟ السرّ سرّ المراقبة وسرّ التزكية وسرّ التغيير والتحوّل هو في هذا، لقد قلت لكم، لقد أخبرتكم بأنّ على الإنسان أن يهيّئ قلبه للحقّ، أن لا يغلق النوافذ، وأن لا يحفظ لنفسه مكانًا أمام الحقّ، لا يحفظ لنفسه مكانًا، إنّه الحقّ. ما كنت أشعر به في حياتي أعترف به الآن، ما كنت أشعر به بالنسبة إلى المرحوم العلاّمة هو أنّه كان يمتلك هذه الصفة، فعندما كان يشعر أنّ هناك خطأ كان ينزعج! نعم فقد كان يخطئ هو أيضًا، وقلت لكم إنّه لم يولد واصلاً إلى الفناء، بل تكامل كغيره، خضع للتربية والعلم والتزكية وأمثال ذلك ووصل، ولأنّه كان لديه صدق ولديه همّة ولديه صفاء ولديه همّة ولديه إرادة ولديه عزم فقد سار، والآخرون هم هكذا أيضًا، كلّ واحد من الحاضرين يمكنهم، كلّكم يمكنكم.

  • ما كان متحقّقًا فيه وكنت أراه ينسبة أقلّ في الآخرين هو علاقته مع أستاذه الشيخ الأنصاري وعلاقته مع أستاذه السيّد الحدّاد، فقد كنت أرى، وكنت صغيرًا ولكن في النهاية كانت الأمور أمام عيني، والآن أحلّلها والآن أرى أنّ ما كنت أدركه حينها لم يكن خاطئًا، فالتصوّرات التي كنت أتصوّرها آنذاك في طفولتي وفي عمر الرابعة عشرة وأمثالها، وتلك الذكريات التي لديّ عن تلك الأحداث وفهمي لتلك الأمور لم تكن بغير أساس، فقد كنت أشعر ببعض المشاعر تجاه بعض الناس وأزنهم بالنسبة إلى علاقتهم بهذا الأمر، هؤلاء الذين ذكر المرحوم العلاّمة أسماءهم في كتابه ثمّ انحرفوا كنت أشعر أنّ طريق هؤلاء خاطئ، هذا خاطئ.

  • انتقاد المحاضر لبعض تلامذة والده في أوائل شبابه 

  • حتّى أنّي قلت مرّة بصراحة وكان عمري حينها سبعة عشر عامًا قلت: هذا الأمر خاطئ، وما قالوه لنا هو ما قلتُه، فنظروا إليّ وقالوا: أيّها الفرخ أنت أتيت قبل يومين أمّا نحن فقبل ثلاثين عامًا، لقد قضينا عمرنا في هذا الكلام والآن أنت تقول هذا؟! 

  • فقلت: لا فرق بين الفرخ وبين الدجاجة وبين النعامة، هذا العمل غير صحيح والسلام، العمل باطل وأنت تقول لي: فرخ! فلتقل فرخ، أو لتقل نعامة أو ديك قل ما شئت فأنا لست دجاجة بلا شكّ! قل ما شئت قل، فلا فائدة وهذا العمل أمام عظيم كهذا غيرُ صحيح، ثمّ كنت أرى أنه ـ ويا للعجب ـ كانت الأمور تسير هكذا، وقد أضيفت هذه الأمور شيئًا فشيئًا وحدثت هذه الأمور شيئًا فشيئًا وتقدّمت.

إلى ماذا ينظر الله وملائكته من أعمالنا؟ - ضرورة إعداد القلب لتلقّي الحق

15
  • كيف كانت علاقة المرحوم العلاّمة مع أستاذه؟

  • ولكنّ المرحوم العلاّمة لم يكن هكذا، وقد رأيت ذلك بعينيّ، ولا أدري ماذا كان الأمر في الواقع ولا أريد أن أحمل مسؤوليّة، هل كان يريد في الواقع أن يفهمنا نحن؟ أم أنّه كان يريد أن يكون الأمر بطريقة أخرى؟ لا أدري، ولكن عندما كنت أرى بعيني أنّ أستاذه قد اعترض على أحد أعماله، ليس فقط لم ينزعج وليس فقط لم ينفعل أمام أبنائه ـ وهذا ما أقوله لأوّل مرّة ـ وليس فقط لم تصدر عنه ردّة فعل، بل أوضح لنا بأنّ اعتراضه كان على هذا الأمر وهذا الأمر وهذا الأمر، فقد زاد الأمر وضوحًا وحتّى الاعتراض الذي لم نفهمه أكّده، فنحن لم نكن قد فهمنا، فقد ذكر السيّد الحدّاد الأمر ملفّقًا وبالكناية، وهو جاء وقال لي ولأخي الأكبر: أتعلمان على أيّ شيء يريد أن يعترض في كلامه؟ على هذا الكلام الذي قلتُه في ذاك المكان، لقد كان على ذلك. فقد جاء وأوضح الأمور وثبّتها. فهذا هو الصفاء، الصفاء يطلق على هذا، الصدق هو هذا. 

  • وفي حادثة أخرى ترتبط بنشاطاته وأعماله في أحداث سنة ٤٢، فعندما حصل ذلك أرسل إليه من هناك أنّ عليك أن تقوم بهذه الأعمال وهذه الأعمال وحدّد له كيف يجب أن يكون عمله ومنهجه ومسلكه، ولماذا أقدم فلان على أمثال تلك الخطوات من دون أن يطلعنا عليها؟ ونحن نرى أنّ أحواله قد تغيّرت ومنهجه وطريقه قد تغيّر ـ وطبعًا يرجع هذا إلى زمان قديم وقد مضى عليه كثير من الزمان ما يقارب أربعين سنة، فنحن الآن في السنة الثامنة والثمانين أو التاسعة والثمانين الهجريّة الشمسيّة؟ فقد نسيت التاريخ الهجري الشمسي أيضًا! أذكر الهجريّ القمريّ فنحن في سنة ۱٤٢٩ هـ فكم سنة مضى؟ خمس وأربعون سنة، فهذه الحادثة ترجع إلى ذلك الزمان، فقد كان حينها تحت مراقبة وأوامر أستاذه، وفي مثل تلك الأوضاع نجد فيه فجأة تغييرًا وتحوّلاً، فذلك الإشراف الذي لدى ذلك العارف بالله وتلك الإحاطة والسيطرة التي لدى ذلك العارف… أمّا لماذا يجب أن تصل الأحداث إلى هنا ثمّ ومن هنا فصاعدًا تأتي تلك الرسالة؟ فهذا من الأسرار، وإلاّ فمن الأوّل كان يمكن هذا الكلام الذي يقال حول هذا الأمر الآن، وذلك العارف الإلهيّ لا يحتاج إلى رسالة ظاهريّة لأجل إيصال الفكرة، بل يمكنه أن يعلمه بها من خلال إلقائها في نفس تلميذه، ألم يقل له: إن كنت في غرب العالم وأنا في شرقه فلا يختلف الأمر لديّ؟! عين هذا الكلام الذي كان يقوله لتلامذته وقد سمعته أنا بنفسي سمعته منه يقوله لرجل آخر، وكنت أنا جالسًا، إن كنت في غرب العالم وأنا في شرق العالم فكأنّك جالس إلى جانبي كما تجلس الآن. وهذا هو الكلام الذي قاله أستاذه له عندما كان يريد أن يأتي من النجف، ولكن لا بدّ أن يحدث هذا الأمر ويسر وفجأة يصل إلى أمور وتتضح حقائق وتبرز أمور فيحين الوقت، فترى فجأة أنّ الأمور تغيّرت وتبدّلت، ودون أن ينزعج ويكون هناك مشكلة يقول: نعم، حسنًا، انتهى، انتهى الأمر. 

إلى ماذا ينظر الله وملائكته من أعمالنا؟ - ضرورة إعداد القلب لتلقّي الحق

16
  • وكذلك كان أستاذه أيضًا مع أستاذه، هكذا كان هكذا، فليس هذا بالأمر الذي يختصّ بفئة خاصّة، كلاّ بل كلّ واحد من أولياء الله هؤلاء لديهم هذه الحالة بالنسبة إلى أساتذتهم، وهكذا وصولاً إلى الإمام، فهكذا هو الحال.

  • كيف يسهل على الإنسان الاعتراف بالخطأ؟ 

  • لذلك على الإنسان دائمًا أن يُبقي نافذة قلبه صافية ومفتوحة على الواقع، حتّى إذا قالوا له: لقد أخطأت يا فلان ذلك الخطأ لا ينادي بالويل والثبور ويقول: ماذا أصنع؟ فمن جهة لا أعرف كيف أجيب، ومن جهة أخرى فقد عملت مدّة من الزمان وتقدّمت وصار لي شأن بين الناس وموقع، فيقول الناس: لقد أخطأ فلان، في حين أنّ آخر لم يمرّ على التحاقه بالأستاذ إلا بضعة أيّام ومع ذلك كلامه صحيح! فماذا سيقول الناس حينها؟ السيّد فلان السيّد فلان!

  • ـ يا عزيزي دعك من هذا الكلام الفارغ الذي لا قيمة له {سَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً}.۱ إنّه فقّاعة ألم تروا الفقّاعة على وجه الماء؟! هذا ما يقال له الفارغ، فإذا ما أخذت طشتًا من الماء فإنّ الفقّاعات تطفو على وجهه، إنّها فارغة. كلّ هذه الألقاب فارغة، كلّها أهواء، وهذه الأهواء صارت هي الله، وهذه الآلهة صارت تنافس الله، هذه الآلهة هي التي وقفت أمام الله ولا تسمح له أن يدخل، وهذه الأهواء التي ترى الموقع بين الناس والحالة بالمقارنة إلى الآخرين والخصوصيّة، والحال أنّ كلّ ذلك أهواء، فما معنى الأهواء؟ تعني الإله وهذا الإله قد حلّ مكان الله وهو يقول: إمّا أن يكون المكان لي أو لك؟! والله غيور أيضًا فيقول: إنّي أترك نصيبي إلى شريكي، الكلّ لذاك الإله، لتلك الآلهة التي في ذهنك: فالرفيق إله، والشريك إله، والزوجة والأولاد إله، والجار إله، والزبائن إله، فقد جاءت كلّ هذه الآلهة وفتحت لنفسها أماكن، أماكن واسعة، وجعلت لنفسها حريمًا، وقالت: نحن لا نغادر من هنا، فقد أتينا إلى هنا ودخلنا القلب بقوّة، وأغلقنا جميع نوافذه وكنسنا كلّ شيء وأخرجنا الله خارجه، فليذهب هو إلى عرشه، ونحن جلسنا هنا ولن نخرج. فهذه الآلهة لا تسمح أن يدخل الله، فقد أغلقت الباب، فماذا يجب أن نصنع بها؟ لا بدّ أن نخرجها واحدًا تلو الآخر.

    1.  سورة النور، الآية ٣٩. 

إلى ماذا ينظر الله وملائكته من أعمالنا؟ - ضرورة إعداد القلب لتلقّي الحق

17
  • إن أريق ماء وجهك أمام الرفيق مرّة فليكن، وفي المرّة الثانية أيضًا، في البداية سيحمرّ لون الإنسان ويبيضّ، ولكن لا بأس، وفي المرّة الثانية يرى أنّه قد اعتاد فيحمرّ ويبيضّ لونه بدرجة أقلّ، وفي المرّة الثالثة والخامسة والسادسة والعاشرة يجد أنّه لا إشكال لديه أصلاً ويبلغ درجة أنّه إن لم تحصل هذه الأمور فإنّه ينتظرها ويقول: ماذا جرى يا إلهي لم ترسل إليّ من تلك الأمور؟

  • كان المرحوم العلاّمة يتحدّث عن أحدهم ولن أذكر اسمه ويقول: إنّه عندما كان يصل إلى جماعة يقوم بعمل يسبّب اعتراض الأستاذ، فلا تفعلوا ذلك أنتم بحيث إذا التقيتم سبّبتم اعتراض الأستاذ، فهؤلاء من يسمّون بالملامتيّة، ولا مجال لهذه الأمور في مدرسته، وهذه المسألة لا تستحقّ أن نتكلّم عنها، وإنّما ذكرتها للتوضيح والتذكير وإلا فلا حاجة لذكر هذه الأمور، وقد كان أستاذه يعرف جيّدًا أيّ موضع منه يؤدّب! أفهل يعقل أن يقوم الإنسان بهذه الأعمال الفاسدة، كلاّ بل على الإنسان أن يكون عمله صحيحًا وفي المكان المناسب، و {الْإِنْسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ}، والطبيب الدوّار بطبّه يمكنه أن يأتي ويصلح الأمر.

  • فإذا تكرّرت هذه الأمور شيئًا فشيئًا وشيئًا فشيئًا يرى الإنسان أنّه لا مشكلة كبيرة في الأمر، وسواء أخطأ أم لم يخطئ، فلا فرق بالنسبة إليه، ولا يشعر بذلك الثقل السابق، وإذا تكرّر معه ذلك أمام رفيقه صار الأمر لديه معتادًا. فيقول له رفيقه حينها: يا عزيزي كنت أظنّ أنّك شيء، تعال فأنت مثلنا. بماذا يجيب زوجته عندما يذهب إلى المنزل؟! هنا المشكلة، فقد صنع لنفسه برجًا وأعلن أنّي كذا وكذا، وزوجته تقول: ما شاء الله ما شاء الله! لقد كنت علاّمة قبل عشرين عامًا وكذا وكذا والآن صرت هكذا؟!

  • ـ لا تتكلّمي دعي الآخرين يقولون ما يحلو لهم.

  • فبماذا يجيب زوجته الآن؟ لا شيء، يقول: حسنًا لقد أريق ماء وجهي أمامك، لا بأس فمن هو التالي الذي سيراق أمامه أيضًا؟! يأتي ابنه فينظر إليه نظرة أخرى، الجيران وغيرهم، فإذا انتهى الجميع يقول: حسنًا فقد حصل ذلك، فهل فهمتم أنّي لا أعرف شيئًا؟ هل أدركتم جميعًا أنّي أخطأت فماذا بعد ذلك؟ حينها تشعر النفس للتوّ أنّها تتحرّر، فإذا ما تغيّرت نظرة الرفيق والزوجة والأولاد والجيران والمعلّم والشريك إذا تغيّرت نظرة هؤلاء جميعًا يرى الإنسان فجأة ومع هذه التغيّرات يبدأ الإنسان بالهبوط من البرج ذي المائة طابق ويهبط ويهبط ويهبط إلى الأرض، فإذا وصل إلى الأرض يقول: آه لقد استرحت، لم أعد قلقًا على شيء، وطبعًا كلّ هذا الذي ذكرته هو درجة واحدة فلا تظنّ أنّ الأمر قد انتهى، كلاّ بل هناك أمور أخرى، غاية الأمر أنّي لن أذكرها هذه السنة، وسأكتفي لهذه السنة بما ذكرت لنرى ماذا يقدّر الله لنا للسنة القادمة. ترون أنّه استراح. 

إلى ماذا ينظر الله وملائكته من أعمالنا؟ - ضرورة إعداد القلب لتلقّي الحق

18
  • كيست مولا؟ كيست مولا؟…

  • يقول: من هو المولى؟ من هو المولى…

  • رحم الله مولانا الذي كلّ ما لدينا في الإسلام فهو منه.

  • كيست مولا؟ آنكه آزادت كند***...
  • يقول: من هو المولى؟ إنّه الذي يحرّرك

  • هذه هي تلك الحريّة، هذه هي تلك الحريّة. عندما بعث النبيّ قال للجميع يوم عيد الغدير، وقد جمع ثمانين ألفًا لأجل هذا، من يستطيع أن يوصلكم إلى الحريّة هو هذا، وغيره لا يستطيع، غير عليّ هذا لا يستطيع أن يوصلكم إلى هذه الحريّة، لا يمكنه أن يفكّ هذه السلاسل، لا يمكنه أن يفكّ هذه السلاسل التي تجرّ بها القطارات والسفن وقد ربطتم أنفسكم بها لا يستطيع أحد سوى عليّ فكّها، فاتّبعوا عليًّا، لا تتّبعوا أبا بكر فإنّه يزيد يومًا بعد يوم من تلك السلاسل، اتّبعوا عليًّا. 

  • كيست مولا آن كه آزادت كند***بند رقّيت زپایت بگسلد
  • یقول: من هو المولى إنّه من يحرّرك *** ويفكّ قيد الرقّ من رجلك

  • فما معنى الرقّ؟ الاسترقاق يعني الإمساك بتلابيب الإنسان والتحكّم به اذهب إلى هناك وتعال إلى هنا، اجلس وقم، أمره بيد غيره، الرقّ يعني العبوديّة، فهو تحت عبوديّته. فمن علّق بيده وجناحه سلاسل الرفيق والزوجة والأولاد والجيران والشريك والمريض والطبيب والمهندس والتاجر وأمثال ذلك لا يمكنه أن يكون حرًّا وأن يسير نحو الله، بل هو دائمًا مقيّد، أفعل هذا ولكن يجب أن لا يعلم فلان، أفعل ذاك ولكن يجب أن لا يعلم فلان، إن فعلت هذا سيكون الأمر جيّدًا، وإن لم أفعله سيكون سيّئًا، آه آه تفكّر بهذا وذاك أفعل هذا ولا أفعل ذاك، أنت إذ كان جميع فكرك وذهنك في هذا وذاك متى تفكّر بنفسك؟ متّى تفكّر في أوضاعك؟ متى؟ من الذي يمكنه أن يفكّ هذه السلاسل الواحد تلو الآخر؟ إنّه عليّ فقط، فتعالوا أيّها الناس وبايعوا عليًّا، إنّ بإمكانه أن يذيب ليس الحبل فقط بل تلك السلاسل التي تجرّ بها السفن فيقطّعها قطعًا، لأنّه يعلم من أين يدخل وأين يضع الحرارة وأين يضع الدواء.

  • كيست مولا؟ من هو المولى ـ ومولانا يتكلّم ـ يقول: أيّها الحمقى لقد جمعتكم ثمانين ألفًا هنا لأقول لكم كما يقول الطبري إنّ ابن عمّي هذا حبيبي فأحبّوه! ما شاء الله ماذا يفكّر هؤلاء؟ حقًّا لو أنّ النبيّ فعل ذلك ألا يكون مجنونًا؟! سيقولون: نحن نحبّه في النهاية، فأبو بكر وعمر لم يكونا يكرهان عليًّ، يحبّان عليًّا، لا تتدخّل في أمرنا نحبّك، وكلّ الناس هكذا، فإن كان هناك من لا يتدخّل في أمور الآخرين فإنّهم يحبّونه في النهاية، ومن هنا تنشأ العداوة عندما يتدخّل في أمرهم، من هنا، عندما يقول لهم: إنّ عملكم هذا غير صحيح.

إلى ماذا ينظر الله وملائكته من أعمالنا؟ - ضرورة إعداد القلب لتلقّي الحق

19
  • فنحن ما دمنا ساكتين لم يكن لهم موقف تجاهنا، وبمجرّد أن بدأنا بالكلام بدأت المشكلة، فقالوا: اصمت.

  • قلت: لو كنت أريد أن أصمت فلماذا فعلت ذلك؟ لما كانت هناك حاجة إلى ذلك.

  • ومن هنا تبدأ العداوة.

  • كيست مولا؟ آن كه آزادت كند***بند رقّيت زپایت بگلسد
  • یقول: من هو المولى؟ إنّه من يحرّرك *** ويفكّ قيد الرقّ من قدمك

  • تعالوا واستشعروا الراحة لمرّة واحدة، استشعروها لمرّة واحدة، لقد أريق ماء وجهك فليكن، لا مشكلة، فقد أريق في النهاية، لا أنّه أريق مجازًا بل حقًّا وواقعًا، فلو لم يكن قد أريق لأردت أن تحافظ عليه ولقالت النفس في الخفاء: كلاّ لم يرق بعد، ولكنّك أنت تواضعت. ولكن إذا كان قد أريق حقًّا فقد أريق، ولا يمكن أن تصنع له شيئًا، إذا ما أريق وانتهى تقول: كم أنا حرّ! كم أنا مرتاح، فلم أعد قلقًا حول أن أقوم بهذا العمل بهذه الطريقة أم بتلك، لم أعد أسعى أن أفكّر في كلامي الذي أقوله كيف أقوله بنحو لا يؤذي الجالس في زاوية المجلس، بل أقول كلامي ومن تأذّى فليتأذّ، ومن لم يتأذّ فشأنه، ثمّ أمضي وشأني. لا أعود قلقًا منزعجًا، أليست هذه راحة؟! أليست هذه حريّة؟ كم نحن غافلون! كم نحن بعيدون عن الحقائق. 

  • لقد جاء أولياء الله ليقولوا لنا: نحن نريد أن نحرّركم فنحن لسنا أعداء لكم، بإمكانك أن لا تأتي، إن شئت فلا تأت، قم وارجع من حيث أتيت، نحن نريد أن نحرّرك، أن نفكّ هذه القيود التي عقدتها في رجلك الواحد تلو الآخر فتستريح. 

  • حسنًا يبدو أنّ الوقت قد انتهى وأنا لا زلت أتكلّم هكذا والرفقاء ينظرون إليّ، فليشر إليّ أحدكم بإشارة أو كناية. 

  • نسأل الله حقًّا ببركة هذه المعاني وهذه الحقائق والكلمات التي هي بحكم الإكسير ولها حكم الإكسير، كلمات الأولياء، فانظروا إلى شعر مولانا هذا:

  • كيست مولا آنكه آزادت كند***بند رقيت زپایت بگسلد
  • یقول: من هو المولى؟ إنّه الذي يحرّرك *** ويفكّ قيد الرقّ من قدمك

  • فهل نحن نجد هذا الشعر في مكان آخر؟! في كتاب آخر؟! في مجلس آخر؟! أم أنّ مجالسنا هي على النقيض من ذلك، ونحن فيها نزيد من القيود، فلو كان ذلك المسكين بلا قيود لجعلنا ليه قيودًا، نجعل القيود والسلاسل ونضيفها، كم قدّم سماحة السيّد فلان من خدمات! وماذا كتب سماحة فلان وماذا بنى سماحة فلان، فماذا نفعل في مجالسنا؟ نقيّد بالقيود. أمّا مولانا فعلى العكس من ذلك، يقول: يا عزيزي فكّ هذه السلاسل واحدة تلو الأخرى، فأيّ مجلس هو هذا؟! وأيّ كلام هو هذا؟! وأيّة محاضرة هي هذه؟! وأيّ نوع من أنواع اجتماع الناس هذا؟! فهذا كلّه يعود إلى يومي الدنيا، فلتفكّر في ما لا نهاية له مما ستؤول إليه، لقد جاؤوا بهذه الحقائق وطرقوا بها على صفحات قلوبنا لكي يذيقونا نحن أيضًا من ذلك الشراب الطهور الذي سقى الله منه أولياءه، ويطعمونا من تلك الموائد التي أعدّها الله لأوليائه «وموائد المستطعمين معدّة» ۱

    1.  مقطع من زيارة أمين الله. 

إلى ماذا ينظر الله وملائكته من أعمالنا؟ - ضرورة إعداد القلب لتلقّي الحق

20
  • فنسأل الله ببركة أوليائه أن يوفّقنا لأن نسير في ذلك الطريق والمنهاج الذي ساروا فيه ووصلوا إلى الغاية، وسكروا من كأس فيوضات الجمال والجلال، وأن يجعلنا من المستطعمين على فُتات تلك المائدة والمتّبعين والمنقادين لأوامر أوليائه.

  •  

  • اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد