6

الإيثار والإنفاق وآثارهما في نفس السالك

اعملك لدنياك كأنّك تعيش أبدًا

16
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمدعاء أبي حمزة الثمالي

المجموعةسنة 1420

التاريخ 1420/09/17

جلسات المجموعة(6 جلسة)

التوضيح

ما هو المعنى الحقيقيّ لـ«إقراض الله»؟ وما هو الثواب الفوريّ الذي يحصل عليه المنفق والمؤثر؟ لماذا يُعتبر تأجيل أعمال الخير من آفات السلوك؟ وما هي قصّة الرجل الذي تعلّم لغة الحيوانات في زمن النبيّ موسى عليه السلام، وما العبرة منها؟ تجيب هذه المحاضرة من سلسلة شرح دعاء أبي حمزة الثماليّ، والتي ألقاها آية الله السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهراني، عن هذه الأسئلة، مبيّنة أهميّة اغتنام اللحظة الحاضرة في السير إلى الله.

/۱۱
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

الإيثار والإنفاق وآثارهما في نفس السالك - اعملك لدنياك كأنّك تعيش أبدًا

1
  •  

  • هوالعلیم

  •  

  • الإيثار والإنفاق وآثارهما في نفس السالك

  • اعملك لدنياك كأنّك تعيش أبدًا

  •  

  • شرح دعاء أبي حمزة الثمالي - سنة ۱٤٢۰ هـ - الجلسة السادسة

  •  

  • محاضرة القاها

  • آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدّس الله سره

  •  

  •  

الإيثار والإنفاق وآثارهما في نفس السالك - اعملك لدنياك كأنّك تعيش أبدًا

2
  •  

  •  

  • أعوذُ بِاللهِ مِن الشّیطانِ الرّجیم

  • بِسمِ اللهِ الرّحمٰنِ الرّحیم

  • و صلّى اللهُ علَی سیّدنا و نبیّنا محمّدٍ

  • و علَی آلِه الطّاهرینَ

  • و اللّعنةُ علَی أعدائِهم أجمَعینَ إلَی یَومِ الدّینِ

  •  

  •  

  • «الْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي أَسْأَلُهُ فَيُعْطِينِي وَ إِنْ كُنْتُ بَخِيلًا حِينَ يَسْتَقْرِضُنِي»

  • الحمد مختصٌّ بالله الذي كلّما سألته يعطيني؛ وإن كنتُ بخيلًا عندما يطلب منّي شيئًا. 

  • تذكر هذه الفقرة، كما في الفقرات السابقة، أنّ العطاء الإلهيّ متّصل ومستمرّ في مقابل السؤال. وبالطبع، يمكننا القول إنّ لازم إجابة الله هو هذا العطاء، وهذه الفقرات قد استُخدمت كعطف بيان جُمَليّ؛ أي «كلّما نسأل الله، يعطينا؛ وكلّما يطلب منّا، نبخل.

  • يقول الإمام عليه السلام هنا جملة لافتة: الله يقترض منّا! لماذا لم يقل الإمام: وَ إِنْ كُنْتُ بَخِيلًا حِينَ يَسْأَلُنِي؟

  • الفرق بين القرض والإنفاق

  • لأنّ معنى الاستقراض وأخذ القرض، وهو القرض الحسن، هو أن يأخذ الإنسان من آخر سلفةً أو قرضًا ثمّ يسدّد ذلك القرض عند رأس المدّة. ففي الواقع، لا ينقص شيءٌ من جيب هذا المقرض، بل يُحبس ماله لمدّة في مكانٍ ما ويعطيه لزيد وعمرو. لكنّ إعطاء القرض يختلف عن الإنفاق. ففي الإنفاق، عندما يعطي الإنسان شيئًا، فإنّه يخرج من مِلكه. بالطبع، له ثواب وتلك مسألة أخرى، ولكن من الناحية الظاهريّة، عندما يعطي الإنسان مائة تومان للفقير، فإنّ الفقير ينفق المائة تومان ولا تعود إلى جيب المقرض؛ ولكن عندما يُقرض، فإنّ ذلك المقترض يعيد هذا القرض مرّة أخرى، وبالتالي لا ينقص منه شيء. لهذا، في أخذ القرض، تُحفظ عفّة ومتانة وعزّة المسلم والمؤمن، وثواب إقراض الناس كبير.

  • إنّ الله ليس ماديًّا وليس له بدنٌ وجسمٌ ماديّ، فلماذا يقول: «يَسْتَقْرِضُنِي»؟ السؤال الذي يسأله الله من عبده المؤمن، أيّ نوع من السؤال والاستقراض هو؟ المقصود بسؤال الله واستقراضه هو إنفاق العبد المؤمن في الموارد التي أمر الله بها؛ فمثلًا، أن يتصدّق، يعطي الخمس، يعطي الزكاة، يتبرّع، يساعد مساعدة بدنيّة لا ماليّة ويرفع الكرب عن إنسان ما. تقول الآية الشريفة: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ﴾۱ فإقراض الأخ المؤمن هو إقراضٌ للّه. فمن ذا الذي يقرض الله؟! وورد في الأحاديث القدسيّة أنّ من أقرض عبدي المؤمن، فقد أقرضني٢؛ ومن ساعده، فقد ساعدني. وقد بُيّنت هذه الأمور وحقوق الإخوان في الأحاديث القدسيّة مثل: يا عيسى، يا عيسى...٣ ويا داود ....٤

    1. سورة الحديد الآية ۱۱
    2. جاء في تفسير آية من ذا الذي يقرض الله قرضًا حسنًا في الميزان ج‌٢، ص: ٢٩٦ضمن البحث الروائي: في الدر المنثور:، أخرج عبد الرزاق و ابن جرير عن زيد بن أسلم، قال: لما نزلت مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً الآية، جاء أبو الدحداح إلى النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) فقال: يا نبي الله، ألا أرى ربنا يستقرضنا مما أعطانا لأنفسنا وإنّ لي أرضين: إحداهما بالعالية والأخرى بالسافلة، و إني قد جعلت خيرهما صدقة، و كان النبيّ صلّى الله عليه وآله يقول: «كم من عذق مذلّل لأبي الدحداح في الجنة.»
      أقول: و الرواية مروية بطرق كثيرة.
      وفي صحيح مسلم حديث رقم ٢٥٦٩: إنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ يقولُ يَومَ القِيامَةِ: يا ابْنَ آدَمَ، مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي، قالَ: يا رَبِّ، كيفَ أعُودُكَ وأَنْتَ رَبُّ العالَمِينَ؟! قالَ: أَمَا عَلِمْتَ أنَّ عَبْدِي فُلانًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ؟ أمَا عَلِمْتَ أنَّكَ لو عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ؟ يا ابْنَ آدَمَ، اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي، قالَ: يا رَبِّ، وكيفَ أُطْعِمُكَ وأَنْتَ رَبُّ العالَمِينَ؟! قالَ: أَمَا عَلِمْتَ أنَّه اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلانٌ، فَلَمْ تُطْعِمْهُ؟ أَمَا عَلِمْتَ أنَّكَ لوْ أطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذلكَ عِندِي، يا ابْنَ آدَمَ، اسْتَسْقَيْتُكَ، فَلَمْ تَسْقِنِي، قالَ: يا رَبِّ، كيفَ أسْقِيكَ وأَنْتَ رَبُّ العالَمِينَ؟! قالَ: اسْتَسْقاكَ عَبْدِي فُلانٌ فَلَمْ تَسْقِهِ، أمَا إنَّكَ لو سَقَيْتَهُ وجَدْتَ ذلكَ عِندِي.
    3. الكافي،ج ۸، ص ۱٣٥ في حديث طويل منه: يا عيسى أعطيتك ما أنعمت به عليك فيضًا من غير تكدير وطلبت منك قرضًا لنفسك فبخلت به عليها لتكون من الهالكين. 
      يا عيسى تزين بالدين وحبِّ المساكين وامش على الأرض هونًا وصلّ على البقاع فكلَها طاهر.
      يا عيسى شمّر فكل ما هو آت قريب  واقرأ كتابي وأنت طاهر واسمعني منك صوتًا حزينًا.
      يا عيسى لا خير في لذاذة لا تدوم وعيش من صاحبه يزول.
      يا ابن مريم لو رأت عينك ما أعددت لأوليائي الصالحين ذاب قلبك وزهقت نفسك شوقا إليه... .
    4. الجواهر السنيّة في الأحاديث القدسيّة، الحرّ العاملي ج۱ ص٩۰ـ ٩۱: عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه و اله و سّلم) يقول: أوحى الله الى داود: يا داود ان العبد ليأتيني بالحسنة يوم القيامة فأحكمه بها في الجنة. قال داود: يا رب وما هذا العبد الذي يأتيك بالحسنة يوم القيامة فتحكمه بها في الجنة قال عبد مؤمن سعى في حاجة أخيه المسلم أحبّ قضاءها قضيت أو لم تقض. 
      وفي رواية أخرى: يا داود: اسمع مني ما اقول والحق أقول من أتاني بحسنة واحدة أدخلته الجنة، قال داود: يا رب وما هذه الحسنة؟ قال: من فرج عن عبد مسلم، قال داود: إلهي فلذلك ينبغي لمن عرفك ان لا يقطع رجاءه منك.

الإيثار والإنفاق وآثارهما في نفس السالك - اعملك لدنياك كأنّك تعيش أبدًا

3
  • إذن، هذا الإقراض هو للّه، وعندما يتصدّق الإنسان على فقير، فهو في الواقع قد أنفق؛ ولكن هذا الإنفاق ليس إنفاقًا قد ذهب من كيسه، لأنّ الله يعيده إليه، ولا يترك هذا المقدار الذي أنفقه دون عوض، ويسجّله في صحيفة أعماله. وعوض ذلك هو تلك الحالة التجرّديّة التي تحصل له وقت العطاء؛ سواء علم أم لم يعلم!

  • هل إقراض الله يشبه إقراض البشر؟

  • لقد استخدم الله هنا تعبير «القرض»، ولكن في الواقع، القرض يحتاج إلى مدّة؛ مثلًا، يُقرض الإنسان لشهر، لشهرين، لسنة، وبعض القروض لعشر سنوات أو عشرين سنة، وبعض القروض هي قرضٌ حسن، وبعض القروض هي من نوع «لا تُعِدْه!»؛ أي إنّ الشخص قد اقترض وتعهّد أيضًا بإعادته، لكنّه لم يُعِده! كلّ هذه قروضٌ مختلفة.

  • ولكن هذا القرض الذي يذكره الله هنا سداده هو في اللحظة نفسها؛ أي بمجرّد أن نُقرض، يُعطى الجواب في اللحظة نفسها! هذا العوض، والجزاء، والأجر، والثواب الذي يعطيه الله يكون في اللحظة نفسها. إذن، هذا لم يعد قرضًا ولا ينبغي تسميته قرضًا؛ لأنّ إعادة القرض تحدث بعد مدّة!

  • ما هو الجزاء الفوريّ للإيثار والإنفاق؟

  • في القرض، يتضرّر الإنسان قليلًا بسبب حبس المال؛ لأنّه في النهاية يجب أن ينفق هذا المال ويستفيد من منافعه. فعلى سبيل المثال، الذي يأخذ مالًا من آخر لمدّة ستة أشهر، لو أنّ صاحب المال عمل به خلال هذه الأشهر الستّة، لترتّبت على ذلك المال منافع؛ ولكنّه الآن قد صرف النظر عن منافعه في هذه الأشهر الستّة! أمّا بالنسبة للّه، فالجزاء يكون في اللحظة نفسها؛ أي بمجرّد أن تُؤْثِر، يحصل لك التجرّد النفسانيّ في نفس اللحظة. التجرّد يعني التغيير، والتبدّل، والتحوّل الذي يحصل للإنسان في تلك اللحظة.

  • إذن، لا يُسمّى هذا قرضًا! الأمر أشبه بأن تأخذ مالاً من هذا الجيب وتضعه في ذاك الجيب؛ فهنا أنت لم تُقرض أحدًا! وأكثر من ذلك، فإنّ ما دفعته من جيبك قابلٌ للزوال؛ فمثلًا، يسرقه لصّ، أو في ليلة واحدة يصدر قانونٌ وتفقد كلّ هذه الأموال قيمتها أو تصبح قيمتها النصف. يتحدّث متحدّث من خلف مكتب فترتفع قيمة الأموال، فتصبح المائة تومان مئة وعشرين تومانًا! وفي الغد يتحدّث آخر، فتصبح المائة تومان ثمانين تومانًا! هذا الاختلاف والتقلّب الذي يحدث سببه أنّ كلّ هذه الأمور لها جانبٌ اعتباريّ.

الإيثار والإنفاق وآثارهما في نفس السالك - اعملك لدنياك كأنّك تعيش أبدًا

4
  • مثلًا، يعقدون اتفاقيّة مع دولة ما، فترتفع قيمة عملة هذا البلد؛ ثمّ فجأة تتدهور العلاقات بين البلدين وتصبح قيمة العملة النصف. رأيتم في قضيّة الصلح أنّه ما إن أُعلن الصلح، حتّى ارتفعت قيمة عملة إيران وتضرّر الكثيرون. كان بعض الناس قد اشتروا بضائع، وبما أنّ تلك البضائع كانت تُباع وتُشترى بالعملة الأجنبيّة، انخفضت أسعارها فجأة! لأنّه عندما ينخفض سعر العملة، ينخفض سعر تلك البضائع أيضًا؛ كلّ هذه تُسمّى اعتباريّات.

  • ولكن ما يعطيه الله ليس اعتباريًا، بل يبقى. وذلك التجرّد الذي يحصل للإنسان وقت الإيثار والإنفاق ليس اعتباريًّا، والكرام الكاتبون يسجّلونه في صحيفة الأعمال. ولو انقلبت الأرض، ونزلت السماء على الأرض، وحدث زلزال، وجاءت صاعقة، وانتهى كلّ شيء، فإنّ هذا محفوظٌ ومسجّلٌ في صحيفته، ولم يعد قابلاً للفناء والزوال! الإيثار والإنفاق الثاني له صحيفة أخرى؛ والإنفاق الذي يليه له صحيفة أخرى، وهكذا تُسجّل الواحدة تلو الأخرى.

  • لماذا يُعتبر الإنفاق في الحياة أفضل من الوصيّة به بعد الموت؟

  • ورد في الرواية أنّ رجلاً توفّي وكان قد أوصى بأن ينفق النبيّ تموره. وعندما أنفق النبيّ التمور بيده، سقطت هناك تمرة ذابلة. فأخذها النبيّ وقال: لو أنفق حبّة التمر هذه في حياته، لكان أفضل من أن أنفقها أنا۱. لأنّ إنفاق النبيّ لها يُشبه قضيّة نذر الزيت المسكوب للحرم. يقول الرجل: الآن بما أنّني سأموت ويدي ستقصر عن هذه التمور، ولن يضعوا شيئًا منها في قبري، فليعطها النبيّ للفقراء.

  • الآن، سواء أعطاها النبيّ أم غير النبيّ، فما الفرق؟! هل تريد أن تمنّ على النبيّ وتقول: يا رسول الله، تعال وأنفق؟! النبيّ أيضًا يقول: تفضّلوا، هذه قائمة الفقراء، اذهب وأنفق! الآن وقد متَّ، فهل أتحمّل أنا عناء ذلك؟! إنّ إعطاء النبيّ للتمور لا فضيلة فيه، بل هو قد أضاف عناءً على النبيّ ومع ذلك يمنّ عليه أيضًا.٢

  • لماذا كان العرفاء يرفضون أن يكونوا أوصياء على أموال الناس؟

  • مثل الذين كانوا يدنو أجلهم يقولون: سنجعل العلاّمة الطهرانيّ وصيًّا لنا. إنّكم تفعلون أمرًا سيّئًا جدًا! لأنّ ذلك لا يجلب له سوى العناء والمتاعب. فإن كنتم صادقين، أعطوه ذلك الثلث الذي تريدون دفعه في حياتكم ليقوم هو بتوزيعه! إن كنتم صادقين، فتبرّعوا في حياتكم بما تريدون التبرّع به بعد موتكم؛ لا أنّه عندما تريدون أن ترسلوا الخمس للسيّد، تضعون حتّى ذلك القرش الواحد في الظرف وتختمونه، حتّى إذا وصل إلى يده يرى كم هو ثقيل، بينما لا يكون مبلغ الخمس هذا أكثر من ثمانية آلاف وخمسمائة وأربعة وستّين تومانًا وثلاثة قروش! لقد رأيتُ هذا بنفسي ولا أمزح! ثمّ عندما تريدون أن تموتوا تجعلونه وصيًّا لكم؟!

    1. لآلي الأخبار (تویسركاني)، ج ٣، ص ۱۰۱: روي أنّ رجلاً شابًّا من الأنصار جمع مالاً كثيرًا من الحلال فمرض، وعاده رسول الله في جماعة فقال له يا رسول الله، أوصيك أن تتصدّق أموالي كلّها على الفقراء والمساكين بيدك بعد وفاتي، فقبل رسول الله وصيّته فلمّا مات أمر بضبط أمواله ثمّ ذهب في داره، وتصدّق أمواله كلّها بيده، فقال الراوي، قلت في نفسي: للأغنياء خير الدنيا والآخرة، فنظر رسول الله صلّى الله عليه وآله إليّ وعلم ما أضمرته، فأخذ تمرة من ماله ورفع يده حتّى ظهر إبطه، ثمّ نظر إليّ فقال: ما الذي بيدي؟ فقلت: جعلت فداك تمرة واحدة من التمرات. فقال: والذي أرسلني بالحقّ نبيًّا صدقًا لو تصدّق هذا الرجل بيده تمرة واحدة لكان خيرًا له ممّا تصدّقته عنه.
    2. وفي المصدر السابق: قال الإمام الصادق عليه السلام: «درهم يعطيه الرجل في صحّة خير من عتق رقبة عند الموت»، وفي خبر آخر: قال رجل لأبي عبد الله عليه السلام أوصني فقال: «أعدّ جهازك وقدّم زادك وكن وصيّ نفسك ولا تقل لغيرك يبعث إليك بما يصلحك».

الإيثار والإنفاق وآثارهما في نفس السالك - اعملك لدنياك كأنّك تعيش أبدًا

5
  • هل هو عاطلٌ عن العمل ليصبح وصيًّا لكم؟! وصيٌّ ليقسّم منزلكم وأموالكم! هل هو صاحب مكتب عقاريّ ولديه محكمة؟! كلّ هذه مسائل لم يقلها المرحوم الوالد العلامة، ولكن في النهاية، ما يجب أن يُقال نقوله نحن؛ لأنّ هذه الأمور يجب أن تُعرف لنكون على بيّنة، ومعرفة هذه الأمور مفيدة جدًّا لنا.

  • لقد أعلن المرحوم الوالد العلامة في حياته في كلّ مكان: أنا لا أقبل وصاية أحد! لأنّه في إحدى المرّات أصبح وصيًّا وابتُلي بمصائب. ومن ناحية أخرى، هناك بحثٌ فقهيّ يقول إنّه إذا علم الوصيّ في حياته ورفض، فإنّ تلك الوصاية تبطل؛ ولكن إذا علم بعد الوفاة، فإنّ تلك الوصاية تُمضى۱. بالطبع، هناك كلامٌ في هذه المسألة ولا يمكننا الموافقة عليها بجميع حدودها وثغورها.

  • حينها، كان البعض يأتون ويتذاكون، ولا يخبرون المرحوم الوالد العلامة في حياته بأنّه وصيّ. وعندما يموتون، كان يتّضح فجأة في وصيّتهم أنّهم كتبوا أنّ العلاّمة الطهرانيّ هو وصيّي! كان على دراية بالمسائل وفعل هذا؛ أي إنّه لم يجعل المرحوم الوالد العلامة وصيًّا في حياته. وعندما علم هو، انزعج من هذا العمل وقال لي: العمل الذي قام به هذا قد خرّب سلوكه في العالم الآخر! ثمّ بسبب هذه الوصاية، حدثت مسائل بين الورثة وانفصل البعض! في النهاية، ما هذه الأعمال التي تقومون بها؟! لا يمكن للمرء أن يخدع الله! لأيّ شيءٍ يتذاكى المرء؟! بينما عندما طلب المرحوم الوالد العلامة من هذا الرجل نفسه أن يعطي بعض رفقائه مائتي متر من الأرض على سبيل القرض ليبنوا منازل، لم يعطِ!

  • هذه الأمور عبرةٌ لنا. هذه الوصيّة بالثلث وأمثالها، كلّها مسائل لا طائل من ورائها! فما قسّمه الإنسان في حياته، فقد قسّمه؛ وإلّا إذا أراد أن يؤجّله إلى ما بعد حياته، فلن يناله الكثير؛ لا أنّه لن يناله شيء على الإطلاق! إذا أردتَ أن تنفق بعد حياتك على الإمام الحسين عليه السلام والتكايا والعزاء، فأنفق الآن! خصّص الآن مالًا للإنفاق على عزاء سيّد الشهداء! على سبيل المثال، عندما تريد أن تساعد الفقراء والأيتام كصدقة، فتعال الآن وساعد ولا تؤجّل عمل اليوم إلى الغد!

    1. وسائل الشیعة، ج ۱٩، ص ٣۱٩، باب أنّ من أوصیٰ إلی غائبٍ تعین علیه القبول و من أوصیٰ إلی حاضرٍ یوجد غیره جاز له عدم القبول علی کراهیة.

الإيثار والإنفاق وآثارهما في نفس السالك - اعملك لدنياك كأنّك تعيش أبدًا

6
  • الصوفيّ ابن وقته: سرّ فلاح المرحوم العلامة الطهرانيّ

  • صوفى ابن الوقت باشد اى صديق *** نيست فردا گفتن از شرط طريق۱

  • يقول: 

  • الصُّوفِيُّ ابْنُ الوَقْتِ يَا صَدِيق *** ولَيْسَ قَوْلُ "غَدًا" مِنْ شَرْطِ الطَّرِيق

  • ابن الوقت يعني الآن! ولا معنى لـ «التسويف»، في السلوك، والإنسان الذكيّ لا يؤجّل عمل اليوم إلى الغد. الغد للغد واليوم لليوم! اليوم قد خُصّص لنا سهمٌ وحصّة من الوجود، وسهم وحصّة وجود الغد هي للغد. كان والدنا المرحوم شخصًا ناجحًا لأنّه كان ابن وقته؛ أي إنّ دأبه كان أنّه لا يريد حقًّا أن تفوته الأوقات، وكان حاله هكذا منذ صغره.

  • كان يقول: أحيانًا كانت تأتي عطل؛ مثل عطلة أيّام النوروز التي تستمرّ ثلاثة عشر يومًا، وكانت المدارس تعطي واجبات، فكنتُ أعود إلى المنزل وفي اليوم الأوّل نفسه، أنتهي بسرعة من جميع واجبات الثلاثة عشر يومًا! أو مثلًا، كان يختار دائمًا من الواجب الموسّعِ الوقت المضيّقَ٢ وأوّل الوقت، وكان هذا أحد أسرار فلاحه ونجاحه. فيجب على الإنسان أن يكون ابن وقته ولا يؤخّر!

  • وصيّة الإمام الحسن عليه السلام: كن لآخرتك كأنّك تموت غدًا

  • يقول الإمام الحسن عليه السلام لجُنادة: «اسْتَعِدَّ لِسَفَرِكَ وَ حَصِّلْ زَادَكَ قَبْلَ حُلُولِ أَجَلِكَ... واعمَل لدُنياكَ كأنّكَ تعيشُ أبدًا، واعملْ لآخرتِكَ كأنَّكَ تموتُ غَدًا».٣ يا جُنادة، استعدّ لسفرك الذي هو في طريقك، وهيّئ زاد هذا السفر قبل أن يحين وقت الارتحال وتُقرع طبول الرحيل! في أمور الدنيا كن كأنّك تعيش أبدًا! فلا تُعطِ الدنيا أهميّة كبيرة! ولآخرتك كن كأنّك ستموت غدًا!

  • فإن كان إنسان سيعيش حياةً أبديّة، أو يعلم أنّه سيعيش مثلًا ألف عام أخرى، عندما يقال له: «اشترِ هذا المنزل! ، يقول: سنشتريه في العام القادم، فنحن سنعيش ألف عام، سنشتريه بعد عامين. يقال له: افعل هذا العمل! فيقول: سأفعله لاحقًا.

  • قصّة الرجل الذي تعلّم لغة الحيوانات: عبرة في حقيقة الأقدار

  • هل رأيتم كيف يُصاب بعض الناس بالهلع والذعر عندما يُخبرون بدنوّ موتهم؟! مثلًا، يقول لهم الطبيب إنّك ستموت بعد شهر! فإذا أدرك أنّ الأمر صحيح، تنقلب كلّ الأمور رأسًا على عقب فورًا! يذهب إلى زيد وعمرو ويطلب منهم المسامحة ويقول: لقد اغتبناكم واتّهمناكم، سامحونا! ويسدّد ديونه؛ لأنّه يرى أنّه سيموت بعد شهر وسيذهب، وأنّ هناك حقائق أمامه يجب أن يحاسب عليها.

    1. مثنوی معنوی، دفتر اول.
    2. الواجب الموسع هو الواجب الذي يكون المكلّف في سعة من أدائه بأيّ وقت من الأوقات داخل وقته كالصلاة اليوميّة مثلاً فإنّه يمكن أن يأتي بها في أوّل الوقت ويمكن أن يؤخّرها وإن كان أوّل الوقت رضوان الله وآخره غفران الله. والواجب المضيّق هو الواجب الذي له وقت خاصّ يسعه بالكامل لا يمكن أن يقع الواجب في جزء منه بحيث يقدّم فيه أو يؤخّر كصيام أيّام شهر رمضان. 
      والمراد هنا أنّ المرحوم العلاّمة كان يتعامل مع الواجب الموسّع على أنّه مضيّق. (م)
    3. بحار الأنوار، ج٤٤ ص ۱٣٩: عن جنادة بن أبي أمية قال: دخلت على الحسن بن علي ابن أبي طالب عليه السلام في مرضه الذي توفي فيه وبين يديه طست يقذف عليه الدم ويخرج كبده قطعة قطعة من السم الذي أسقاه معاوية لعنه الله فقلت: يا مولاي مالك لا تعالج نفسك؟ فقال: «يا عبد الله بماذا أعالج الموت»؟ قلت: إنا لله وإنا إليه راجعون.
      ثم التفت إلي فقال: «والله لقد عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وآله أن هذا الأمر يملكه اثنا عشر إماما من ولد علي وفاطمة، ما منا إلا مسموم أو مقتول، ثم رفعت الطست وبكى صلوات الله عليه وآله.»
      قال: فقلت له: عظني يا ابن رسول الله، قال: «نعم استعد لسفرك، وحصل زادك قبل حلول أجلك، واعلم أنك تطلب الدنيا والموت يطلبك، ولا تحمل هم يومك الذي لم يأت على يومك الذي أنت فيه، واعلم أنك لا تكسب من المال شيئا فوق قوتك إلا كنت فيه خازنا لغيرك.
      واعلم أن في حلالها حساب، وفي حرامها عقاب، وفي الشبهات عتاب، فأنزل الدنيا بمنزلة الميتة، خذ منها ما يكفيك، فإن كان ذلك حلالا كنت قد زهدت فيها، وإن كان حراما لم يكن فيه وزر، فأخذت كما أخذت من الميتة، وإن كان العتاب فان العتاب يسير.
      واعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا...» إلى آخر الحديث .

الإيثار والإنفاق وآثارهما في نفس السالك - اعملك لدنياك كأنّك تعيش أبدًا

7
  • ينقل مولانا قصّة ذلك الذي تعلّم لغة الحيوانات في زمن موسى عليه السلام هكذا: جاء رجل إلى موسى وقال: علّمني لغة الحيوانات (منطق الطير، منطق الحيوانات)! 

  • فقال موسى: هذا ليس في مصلحتك. 

  • قال: علّمني ولا شأن لك. 

  • قال: إذا أردتَ أن تتعلّم، فبسم الله! فأفاض عليه عناية، فتعلّم لغة الحيوانات وذهب سعيدًا جدًّا. وعندما كان يسير في الطريق وكانت الحيوانات تصدر أصواتًا، كان يفهم ما تقوله؛ ماذا تقول القطّة، ماذا يقول الكلب، ماذا تقول الحمامة، ماذا يقول العصفور، ماذا يقول الحمار، ماذا تقول الشاة.

  • وذات يوم، وضع في منزله طعامًا أمام الديك والكلب وحيواناته الأخرى، فأخذ الديك الطعام وهرب. فاعترض عليه الكلب قائلًا: لماذا أخذت حصّتي؟! 

  • قال الديك: لا تقلق، الليلة سيموت بغل هذا الرجل وسيلقونه في الخرابة لمدّة أسبوع، وستكون أيّامك مزدهرة، اذهب وكُل ما تشاء، فأنا لستُ آكِل لحوم، أنا آكل فقط القمح والأرزّ! 

  • قال هذا الرجل في نفسه: الآن هو الوقت المناسب لآخذ هذا البغل وأذهب به إلى السوق وأبيعه. فأخذ البغل وباعه وارتاح. ثمّ قال: كم لهذا الحيوان من قيمة! لماذا يقول موسى إنّه ليس في مصلحتك؟!

  • في اليوم التالي، قال الكلب للديك: هل تسخر منّا؟! أتينا لننال شيئًا، ففقدنا البغل، بينما كنّا قد وعدنا أنفسنا بأن نذهب غدًا أوّلاً إلى قلبه وكبده ثمّ بقيّته! 

  • قال الديك: لا تقلق ولا تحزن أبدًا، فاليوم سيموت حصانه. وعندما سمع ذلك الرجل أخذ الحصان أيضًا وذهب به إلى السوق وباعه بسعر جيّد. 

  • وفي اليوم التالي، قال الكلب مرّة أخرى: يبدو أنّ علم الغيب الذي لديك لا ينفع!

  • من صفات الديك أنّه مطّلعٌ على الأمور ويعرف وقت الزلازل وأوقات الأذان، ويميّز حضور الجنّ والنفوس الخبيثة والأرواح النوريّة، وهذا حقيقيّ. فقال الديك: لا تحزن أبدًا، لأنّه اليوم سيموت هو نفسه، وستكون هناك وليمة لي ولك لمدّة أسبوع؛ يقدّمون أنواع الأرزّ المطبوخ، والأرز والدجاج! فنحن نأكل الأرز، وأنت تأكل اللحوم والدجاج... إلخ.

  • عندما سمع هذا المسكين هذا الكلام، ذهب إلى موسى عليه السلام وهو يلطم رأسه وقال: يا ويلاه، أغثني! 

الإيثار والإنفاق وآثارهما في نفس السالك - اعملك لدنياك كأنّك تعيش أبدًا

8
  • قال موسى: ماذا حدث؟! 

  • فروى له القضايا. فقال موسى عليه السلام: أيّها الجاهل، لقد قلتُ لك إنّ هذه المسألة لا تنفعك وليست في مصلحتك، لكنّك لم تستمع! قال: ماذا أفعل الآن؟. قال موسى: هناك طريق واحد، وهو أن تعطي مال صاحب الحصان والبغل وترضيهما؛ لأنّه كان من المقرّر أن ينزل عذابٌ في هذا البيت، وأنت أتيتَ ودفعتَ العذاب عنهما واحدًا تلو الآخر حتّى أصابك، ولكنّ هذه القضيّة قد دخلت في التقدير الإلهيّ.

  • جاء إلى مشتري البغل وقال: أعِد البغل وخذ مالك. قال: لن أعيده لأنّ البغل قد مات فقال له: سأعيد مالك. قال: كلّا، هل تظنّ أنّ ما تعرفه لا أعرفه أنا؟! كان من المقرّر أن ينزل بنا بلاء، فاشترينا البغل وأصاب هذا البلاء البغل.

  • عندما رأى أنّه لا يستطيع التغلّب على مشتري البغل، ذهب إلى مشتري الحصان وقال: يا فلان، تعال لنفسخ المعاملة بموجب خيار الفسخ. 

  • قال: لم يكن لديك خيار فسخ. 

  • قال الرجل: أريد أصلًا أن أستعيد هذا الحصان وأعطيك مالك. 

  • قال: لا يمكن، لأنّ الحصان قد مات، فماذا أعيد؟! 

  • فقال: خذ مالك. 

  • قال: لن آخذه، هذا المال كان صدقة دفعت عنّا البلاء. فعاد الرجل إلى موسى ينتحب. 

  • قال موسى: لم يعد هناك أيّ طريق، ولا أستطيع فعل شيء، اذهب وأوصِ وصيّتك وسوِّ حساباتك لترحل بسلام. فعاد هذا المسكين البائس إلى منزله، وحتّى المساء ذهب إلى هذا وذاك، ونادى جيرانه، وطلب منهم المسامحة، ومات في تلك الليلة.۱

  • كيف ينطبق منطق القصّة على حياتنا اليوميّة؟

  • هذه مسألة مهمّة جدًّا، وتحدث لنا كلّ يوم! فعلى سبيل المثال، إن كان لدينا منزل وقيل لنا إنّ سعر المنزل قد انخفض أو أنّ البلديّة تريد هدم هذا المكان، فإنّنا نبيع هذا المنزل بسرعة كبيرة لنتخلّص من هذه الخسارة. أو على سبيل المثال، لو قال له قائل: أريد أن أخبرك بقضيّة، بشرط أن تعطيني ثلث أرباحها، وهي أنّهم يريدون شقّ شارع هنا وسترتفع أسعار هذه المنازل خمسة أضعاف أو عشرة أضعاف. فيذهب فورًا ويشتري تلك المنازل، لأنّ سعرها سيرتفع! هذه القضيّة مثل تلك القضيّة؛ فمولانا لا يروي عبثًا، بل يريد أن يستنتج!

    1. مثنوی معنوی، دفتر سوم.

الإيثار والإنفاق وآثارهما في نفس السالك - اعملك لدنياك كأنّك تعيش أبدًا

9
  • تحدث الكثير من هذه القضايا في حياتنا اليوميّة على مدار الأربع والعشرين ساعة، بالطبع مع اختلاف في الكمّ والكيف؛ فمعاملاتها نوع، وقروضها نوع آخر. وعلى سبيل المثال، إن قال رجل لصديقه كلامًا عن آخر ليحبّبه في نفسه، ويتسبّب في تدهور علاقة هذا الصديق مع ذاك؛ فإنّ من يفعل هذا، سيُقدّر الله له الشيء نفسه يومًا ما. فعامل الناس كما تتوقّع أن يعاملوك! ولا ينبغي أبدًا أن ننسى هذا ونظنّ أنّنا قد حقّقنا نفعًا من وراء ذلك! يحفر الله له ألف بئر. أيّها المسكين، ماذا ستفعل بالجانب الآخر من القضيّة؟! في العالم الآخر، الحكم ليس بيدي ولا بيدك، الحكم بيد آخر!

  • الآن، لو قيل للإنسان: ستموت بعد أسبوع، أُقسم بحياتكم أنّ صلواتنا ستُؤدّى في أوّل وقتها، وسنراقب ألسنتنا لدرجة أنّنا لن ننطق بكلمة غير لائقة، وفي أوقات الفراغ سننشغل بذكر لا إله إلّا الله، وفي منتصف الليل سنستيقظ قبل أن يرنّ المنبّه، بل قبل ساعة! سنذهب ونطلب المسامحة والرضا من جميع الذين تكلّمنا عنهم بسوء، حتّى لو كانوا في مكانٍ بعيد، وسنُظهر لهم المودّة ونقول: أرجوك بالله سامحنا! لماذا تكون القضيّة هكذا؟ لأنّ المسألة جديّة!

  • الآن، لو قيل فجأة: لقد تصدّق أحد عنك بصدقة كبيرة أو دعا لك أحدهم فتأخّر موتك ثلاثين عامًا، فإنّ المنبّه يرنّ والسيد يطفئه ويضرب الساعة بيده حتّى لا يصدر صوتًا! أنت الذي كنتَ تستيقظ قبل ساعة حتّى الأمس؟! تختلط الحسابات مرّة أخرى! هذه هي طبيعة الإنسان. يقول الإمام المجتبى عليه السلام: «وَ اعمل لِآخِرَتك كَأَنَّكَ تَمُوتُ غَدًا»؛ وكن لآخرتك مجتهدًا وساعيًا كأنّك ستموت غدًا!. وفي النهاية، هؤلاء هم الفائزون، والنصر حليفهم.

  • عندما تصبح حوائج الناس إليك نعمة من الله

  • الآن الحديث هو أنّ الله المتعال يطلب منّا. ذلك الكلام لسيّد الشهداء عليه السلام الذي علّق الرفقاء لافتته، هو: «وَاعْلَمُوا أَنَّ حَوَائِجَ النَّاسِ إِلَيْكُمْ مِنْ نِعَمِ اللهِ عَلَيْكُمْ فَلَا تَمَلُّوا النِّعَمَ فَتَحُورُ نِقَماً»۱؛ حوائج الناس إليكم من نعم الله عليكم. فهذا الذي يأتي إليكم الآن ويطلب حاجة، هو من نعم الله. فلا تملّوا من هذه النعم ولا تتكاسلوا، فإن فعلتم، عادت عليكم نقمة.

    1. بحار الأنوار، ج ۷٥، ص ۱٢۱.

الإيثار والإنفاق وآثارهما في نفس السالك - اعملك لدنياك كأنّك تعيش أبدًا

10
  • هذا هو سؤال الله واستقراضه، والله يستقرض بهذه الطريقة. ولكن عندما يستقرض، نكون نحن بخلاء، وهذا البخل سببه أنّنا لم ندرك أهميّة المسألة والقضيّة، والأمر بالنسبة لنا مزاحٌ وتافه؛ أي إنّنا نعلم، لا أنّنا لا نعلم؛ ولكنّنا لا نعلم بشكل صحيح!

  • هل السلوك بالنسبة لك رغبةٌ أم ضرورة حياتيّة؟

  • إذا كان الرفقاء يتذكّرون، في عيد الفطر من العام الماضي، جاء على لساني هكذا في أثناء الخطبة التي أُلقيت، أنّه هل حدث مرّة أن طلبتم من بعضكم البعض الدعاء للذهاب إلى العمل؟! مثلًا، عندما يسألونكم: ما هو دعاؤك؟ تقولون: ادعوا لنا أن نذهب اليوم إلى العمل، ادعوا لنا أن نعود من العمل إلى المنزل، ادعوا لنا أن نذهب اليوم ونفتح دكّاننا، ادعوا لنا أن نفتح اليوم العيادة، ادعوا لنا أن نشتري اليوم طعامًا للزوجة والأولاد، مؤونة، خبزًا وخضارًا!

  • لماذا لا نطلب هذه الطلبات؟! لأنّنا نعتبرها من ضروريّات الحياة، والإنسان قد أدرك وفهم معنى المنزل، وتأمين المؤونة وإعداد الطعام قد تحقّق لديه كضرورة، لذلك لا يقول: ادعوا لي. كلّما أصبح حالنا تجاه أمر السلوك هكذا، فسنصل إلى نتيجة ما!

  • لا ينبغي أن تقولوا للسلوك: ادعُ لي! إذا قلتم: سيّدنا، ادعُ لنا أن يوفّقنا الله! أو سيّدنا، ادعُ لنا أن يمنحنا الله همّة! فقد عطّلتم أنفسكم بلا فائدة، وأقولها بصراحة، يجب أن يُضحك عليكم!

  • الآن، لكلّ منّا منزلٌ أو هو في حجرة أو في أيّ مكان آخر. هل خطر ببال أحدٍ من قبل ألاّ نعود إلى المنزل عندما نرجع من هنا؟! إذن إلى أين نذهب؟! على الرغم من أنّه قد يخطر ببال البعض أن يتشرّف بالذهاب إلى الحرم من هنا ثمّ نعود إلى المنزل؛ ولكن ألّا نعود إلى المنزل، فهذا لا يخطر بالبال أصلًا! لأنّ هذه الحقيقة ملموسة لنا، وهي أنّه يجب أن نذهب من هنا إلى المنزل. إذن، لم يصبح السلوك ملموسًا لنا بعد! نعم، نحبّ أن نكون سالكين؛ ولكن لم يصبح السلوك بالنسبة لي شخصيًّا ملموسًا كضرورة وكأمرٍ لازم وحيويّ!

  • ولكن المسألة الموجودة هنا، والتي تجعل الإنسان لا ييأس، هي أنّ رحمة الله أوسع من نقائصنا. يقول الله: هذا المقدار الذي تقبله لا بأس به، تعال بهذا المقدار! ثمّ يزداد أكثر فأكثر، وترتفع الهمّة. يجب أن نطلب منه هو أن يمنحنا التوفيق والمتابعة والاستمرار! قال الله: كونك تملك هذه النقائص لا بأس به، هذه النقائص لك؛ ولكن نحن أيضًا لدينا هنا أشياء ترمّم تلك النقائص. أنت تملك هذه النقائص، فأين ذهبت ألوهيّتي؟!

الإيثار والإنفاق وآثارهما في نفس السالك - اعملك لدنياك كأنّك تعيش أبدًا

11
  • «يَا مَنْ سبقت رَحْمَتُهُ غَضَبَهُ»۱، «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِرَحْمَتِكَ الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ»٢. الرحمة هي حالة عناية الله وجذبه لعباده نحوه، رغم كلّ نقائصهم وتقصيرهم! لذلك، مهما كان، يجب على الإنسان أن يطلب من الله!

  • الْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي أَسْأَلُهُ فَيُعْطِينِي وَ إِنْ كُنْتُ بَخِيلًا حِينَ يَسْتَقْرِضُنِي.

  • مجلس تمام گشت و به آخر رسید عمر***ما هم‌چنان در اول وصف تو مانده‌ایم٣
  • يقول:

  • انتهى المجلس وانقضى العمر *** ونحن ما زلنا في بداية وصفك.

  • من أيّ مكان نبدأ، لا حدّ لكلام الإمام السجّاد عليه السلام. يمكننا فقط أن نقول هذا: وهو أنّنا في هذه الدنيا كنّا نشغل أنفسنا بهذه المواضيع منكم! «وَ الشَّقِيُّ مَنْ حُرِمَ غُفْرَانَ اللهِ فِي هَذَا الشَّهْرِ الْعَظِيمِ».

  • إن شاء الله، نأمل أن يجعلنا الله برحمته الواسعة في زمرة السعداء! وأن يشملنا بما تفضّل به من خير ورحمة وبركة على أوليائه ومعصوميه وكبرائه! وأن يبرّئنا من كلّ شرّ وسوء وبعد ونقمة برَّأَهُم منه!

  •  

  • اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ

    1. مصباح الزائر، ج۱، ص٣٥٣ .
    2. مقطع من دعاء كميل بن زياد.
    3. گلستان سعدی، دیباچه.