10

منهج السالك في التعامل مع الخلق وسرّ اعترافات الإمام في الدعاء.

لماذا يُعدّ الفضول والتجسّس على الآخرين من موانع السلوك إلى الله؟

2
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمدعاء أبي حمزة الثمالي

المجموعةسنه 1421

التاريخ 1421/09/22


التوضيح

كيف يعترف الإمام المعصوم عليه السلام بذنوب لم يرتكبها؟ وما هو المنهج السلوكيّ للتعامل مع عيوب الناس وكلامهم؟ وما المعنى الحقيقيّ لإحياء ذكرى عاشوراء؟ يجيب آية الله السيّد محمد محسن الطهرانيّ عن هذه الأسئلة، مبيّنًا مقام الإمام الجامع، ومؤكّدًا على ضرورة انشغال السالك بنفسه عن غيره.

/۱۸
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

منهج السالك في التعامل مع الخلق وسرّ اعترافات الإمام في الدعاء. - لماذا يُعدّ الفضول والتجسّس على الآخرين من موانع السلوك إلى الله؟

1
  •  

  • هوالعلیم

  •  

  • منهج السالك في التعامل مع الخلق وسرّ اعترافات الإمام في الدعاء

  • لماذا يُعدّ الفضول والتجسّس على الآخرين من موانع السلوك إلى الله؟ 

  •  

  • شرح دعاء أبي حمزة الثمالي - سنة ۱٤٢۱ هـ - الجلسة العاشرة

  •  

  • محاضرة القاها

  • آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدّس الله سره

  •  

  •  

  • .

منهج السالك في التعامل مع الخلق وسرّ اعترافات الإمام في الدعاء. - لماذا يُعدّ الفضول والتجسّس على الآخرين من موانع السلوك إلى الله؟

2
  •  

  •  

  • أعوذُ باللَهِ مِن الشّیطانِ الرّجیم

  • بِسمِ اللهِ الرّحمَنِ الرّحیم‌

  • وصلَّى اللهُ علَى سیّدنا ونبیّنا أبي‌القاسم محمّدٍ

  • وعلَى آلهِ الطّیبینَ الطّاهرینَ

  • واللّعنةُ علَى أعدائهم أجمعینَ‌

  •  

  •  

  • هل يُمكن نسبة المعصية للإمام عليه السلام؟

  • «فَرَبّي أحمدُ شي‌ءٍ عِندي وأحقُّ بِحَمدي. اللّهمّ إنّي أجدُ سُبُلَ المَطالِبِ إلیکَ مُشرعَةً ومَناهِلَ الرَّجاءِ إليكَ مُترَعةً».

  • يُعدّد الإمام السجّاد عليه السلام هذه الأوصاف لله تعالى، ثم يُبيّن جميع نقاط الضعف المنسوبة إلى بُعدنا الإمكانيّ ونقصنا الوجوديّ والخَلقيّ. وأتذكّر أنّني كنتُ في الحرم في إحدى الليالي منذ سنوات، في حياة المرحوم العلاّمة، عندما كنت أتطرّق إلى شرح دعاء أبي حمزة، فجاءني طالب علمٍ كان يحضر هذه المجالس، وكان في ذهنه أمرٌ يتعلّق بالدعاء فقال: 

  • كيف ينسب الإمام السجّاد عليه السلام في هذه الفقرات من دعاء أبي حمزة الذنب المعصيةَ إلى نفسه ويقول: «يا إلهي، أنا أذنب»؟! فمثلاً، يقول في إحدى الفقرات: «الحَمدُللهِ الّذي یَحلمُ عَنّي حَتّی کأنّي لا ذَنبَ لي». وهل يذنب الإمام؟! كيف ننسب إلى أنفسنا شيئًا ليس موجودًا ونقول إنّه موجود؟! 

  • على سبيل المثال، لا توجد الآن مسبحة في جيبي، ولكنّني أقول: «أنا أملك مسبحة»؛ أو ليس لديّ مال، ولكنّني أقول: «أنا أملك مالاً»؛ أو لم أرتكب الذنب الفلانيّ، ولكنّي أقول للناس: «لقد ارتكبتُ الذنب الفلانيّ!». إنّ هذا العمل محرّمٌ وليس صحيحًا! وكذلك لو أنّ الإنسان قد فعل أمرًا، فلا يستطيع أن يقول: «إنّني لم أفعله»؛ لأنّه فعل محرّم؛ كأن يتفوّه بكلام كذب، ولكنّه يقول: «لم أقل هذا الكذب»؛ أو يرتكب غيبةً فتصل هذه الغيبة إلى مسامع ذلك الإنسان [الذي اغتيب]، ولكنّه يقول: «لم أغتبه».

  • معنى الغيبة، ولزوم ابتعاد السالك عن الكلام الذي لا فائدة فيه

  • ولا يخفى أنّه علينا أن نعلم أنّ المسألة في الغيبة تختلف، وهي على خلاف ما يقولون. فالغيبة محرّمة، وحتّى إنّ لدينا في الرواية: «الغیبةُ أشدُّ مِن الزّنا»۱. والغيبة هي أن يهتك الإنسان ستر مؤمنٍ عند من لا يعرف عيبه. أمّا إذا كان لأحدٍ عيبٌ ونقصٌ، وكان هذا النقص يعلمه الجميع وواضحًا للكلّ، فمثلاً هو شارب للخمر والجميع يعلمون أنّه كذلك؛ فهنا، لو قال الإنسان: «إنّ فلانًا شاربٌ للخمر»؛ فرغم أنّ هذا العمل ليس محرّمًا، إلاّ أنّ المرحوم الشيخ الأنصاريّ رضوان الله تعالى عليه كان يقول: 

    1. الأمالي (للطوسي)، ج ٢، ص ۱٥۰؛ وسائل الشیعة، ج ۱٢، ص ٢۸۰ و ٢۸۱.

منهج السالك في التعامل مع الخلق وسرّ اعترافات الإمام في الدعاء. - لماذا يُعدّ الفضول والتجسّس على الآخرين من موانع السلوك إلى الله؟

3
  • رغم قولهم إنّ الغيبة لا حرمة فيها إذا كان ذلك العيب والنقص مُعلنًا، ولكن هل فعل هذا العمل مستحسنٌ؟! 

  • هذا أمرٌ عجيبٌ جدًا! أ فهل لأنّه لا حرمة فيه، يجب على الإنسان أن يقوله؟! بل ما هو الداعي في الأساس لأن يتعاطى الإنسان لكلّ شيءٍ لا يكون فعله أو تركه لازمًا؟!

  • وعلى سبيل المثال، يجلس صديقان معًا ويقولان: «هل تعلم أنّ فلانًا يرتكب هذه الأعمال؟! هل تعلم أنّ فلانًا قد أقدم على هذا العمل في المدينة الفلانيّة؟!». ففي هذه الحالة، علينا أن نقول له: «لا أعلم ولا أريد أن أعلم! وهل هذه الأحاديث والمسائل تستحقّ أن تُقال؟!».

  • ذات يوم، جاء أحد الرفقاء من مكانٍ ما، وقد أحضر معه دفترًا كبيرًا وسميكًا، حيث كان سُمكه يبلغ حوالي ثمانين أو مائة صفحة؛ والآن لا أدري كم كان قد ملأ من هذا الدفتر! فقال لي: «يا سيّدي، هل تسمح لي أن أطرح عليك المواضيع التي سمعتها في المكان الفلانيّ؟» قلتُ: «لا!». قال: «يا سيّدي، لقد ذهبتُ وبذلتُ جهدًا كبيرًا!» قلتُ: «لقد بذلتَ جهدًا عبثًا! فعندما تكون المسألة واضحةً بالنسبة لي، فلو قلتَ أنت الآن إنّ فلانًا قال هذا الكلام وفلانًا قال ذاك الكلام، سيتكدّر الخاطر أكثر، ويتغيّر قلب الإنسان تجاه الناس». 

  • والآن بما أنّ قلب الإنسان صافٍ تجاه فلان، فدعوا هذا الصفاء يبقى. فنجد أحدهم في هذا الطرف من الكرة الأرضيّة والآخر في طرفها الآخر، أو أن يكون الأوّل في هذه البقعة والثاني في تلك البقعة، وليس بينهما أيّ ارتباط، ولا يريان بعضهما بتاتًا ولو مرّة في السنة ليتحدّثا معًا، فهل الأفضل الآن أن يكون بينهما صفاء، أم أن يفكّر أحدهما دائمًا، مثلاً في الصلاة أو عند النوم، بأنّ ذاك قد تحدّث عنّي من ورائي؟!

  • ورغم أنّه قد يكون تحدّث عنه بالصدق ولم يكذب عليه، إلاّ أنّ كلامنا هو في: أيّ واحدة من هاتين الحالتين أنفع للسالك؟! فيجب أن نبحث عن هذا الأمر، لا أن نرى ما الذي قاله ذلك الإنسان! وما علاقتي أنا؟! هو أدرى بنفسه وبربّه! هو أدرى بنفسه وبتكليفه! فما الذي يجب أن أفعله أنا هنا؟!

منهج السالك في التعامل مع الخلق وسرّ اعترافات الإمام في الدعاء. - لماذا يُعدّ الفضول والتجسّس على الآخرين من موانع السلوك إلى الله؟

4
  • فطانة السالك وبصيرته في اغتنام الفرص

  • فحينما نرى حافظًا يتحدّث كثيرًا عن أنّه: «عليك أن تكون فطِنًا»، فإنّه يقصد هذا. حيث يُطلق الفطِن على الذي يستغلّ أفضل الفرص لصالحه! «المؤمنُ کیِّسٌ»۱؛ فالمؤمن فطنٌ وذكيّ، والمؤمن حاذقٌ ودقيقٌ ولطيف! والآن في مثل هذه الحالة، هل معرفة أنّ فلانًا قد تكلّم عنّا من وراء ظهورنا أفضل أم عدم معرفة ذلك؟! عدم المعرفة أفضل! فلقد ارتكب الآن خطأً وغلطة، ولكن على أيّ حال، فيما يتعلّق بي، ماذا سيعطونني؟! لو لم نعلم أنّه قد اغتابنا، لكنّا أنقياء وصافين تجاهه، وليس لدينا أيّة مشكلة معه، بل وندعو له أيضًا؛ ولكن لو علمنا بذلك، لما دعونا له بعد تلك اللحظة، ولقلنا: «يا له من إنسان! لقد تكلّم عنّا من وراء ظهورنا! ما دام الأمر كذلك، فأنا أيضًا سأحصل على أمرٍ عنه وأنشرُه!». فلم تكن طريقة الأعاظم أن يقولوا ويضربوا وينهوا القضيّة، بل كانوا يريدون دائمًا أن يتعاملوا مع الأمور، بحيث تسير هذه الأمور بهدوء.

  • كيفيّة تعامل العلامة الطهرانيّ مع من استغلّ اسمه لمصلحة شخصيّة

  • في أحد الأيّام، كنّا في محضر المرحوم العلاّمة رضوان الله عليه، فجاء إليه أحد أصدقائنا الأطبّاء في مشهد وقال: 

  • لقد وقعت قضيّة، وأريد أن أطلعكم عليها لنرى ما الذي يجب أن أفعله. لقد اتّصل بي طبيب قلبكم وقال: «الليلة الماضية في الساعة الثانية عشرة بينما كنتُ نائمًا في المنزل، رنّ جرس الهاتف فجأةً، واستدعوني من مستشفى الإمام الرضا عليه السلام، وقالوا إنّ العلامة الطهرانيّ أصابته وعكة قلبيّة وهو يتألّم. لقد تعجّبتُ كثيرًا! لأنّ هناك العديد من الأفراد الذين يحيطون بالعلاّمة، وليس الأمر بحيث يتّصلون من المستشفى ليقولوا إنّ قلبه يؤلمه وتعالَ أنت لفحصه! على أيّ حال، ذهبتُ إلى قسم القلب في مستشفى الإمام الرضا عليه السلام ورأيتُ أنّ المريض شيخٌ! وعندما سألته، أدركتُ أنّه لا يُسمّى في الأساس بالطهرانيّ! فسألتُ: ما القضيّة؟! قالوا: لقد أصابته وعكةٌ قلبيّة. ففحصتُه ورأيتُ أنّه لا توجد لديه مشكلة؛ وخلاصة القول، سمحت له بالخروج من المستشفى. والآن أردتُ أن أقول لكم: هل ينتسب هذا الرجل للعلاّمة الطهرانيّ أو له ارتباط به؟!».

    1. الکافي، ج ٢، ص ۱۸٢ (مع اختلاف يسير)؛ غررالحکم، ج ۱، ص ٤٤.

منهج السالك في التعامل مع الخلق وسرّ اعترافات الإمام في الدعاء. - لماذا يُعدّ الفضول والتجسّس على الآخرين من موانع السلوك إلى الله؟

5
  • لقد تعجّبتُ كثيرًا وقلتُ: إنّ هذا الرجل ليس له أيّ ارتباطٍ به بتاتًا! وأنتم على دراية بطريق العلاّمة ومنهجه! هل حدث حتّى الآن أن اتّصل بأحدٍ في الساعة الثانية عشرة أو الواحدة بعد منتصف الليل وقال: يا سيّدي، قلبي يؤلمني وأنا في المستشفى؟! إنّه مستعدٌّ لأن يموت ولا يكلّف أحدًا عناءً في هذه الأمور! 

  • ثمّ اتّضح أنّه بما أنّ هذا الطبيب كان طبيب المرحوم العلاّمة، فقد أرادوا أن يستغلّوا اسمه كي يأتي الطبيب المسكين إلى المستشفى ويعاين هذا الرجل! بالطبع، لم يسأل المرحوم العلاّمة من هو ذلك الرجل، وحتّى عندما أراد أن يذكر اسمه، قال: «لا تذكر اسمه!».

  • لقد أراد صديقنا ذاك أن يقول لذلك الطبيب: يا سيّدي، تابع أنت هذه القضيّة واسألهم: لماذا يجب على إنسانٍ أن يفعل مثل هذا العمل؟! فقال المرحوم العلاّمة

  • كلاّ! كلاّ! لا تُقدموا على هذا العمل أيضًا! فما المانع الآن من أن يستفيد أحدهم من اسم إنسانٍ كي يُشفى من مرضه؟! إذا لم نكن نافعين للناس ولو بقدر اسم، فما هي فائدتنا؟!

  • لا يصبح الإنسان عارفًا هكذا ببساطة! وحقًّا، كم من العظمة والجلال والبهاء يرى الإنسان في شمائل هذا الرجل! والآن، عبدٌ من عباد الله قد انتفع من مكانة إنسان؛ هذا لا يستدعي المتابعة! بالطبع، هذا لا يشمل الحالات التي تُثير المفسدة، وهو نفسه لم يكن كذلك! ففي بعض الحالات التي كانت تُنسب فيها إليه أمورٌ قد تثير مفسدةً لا قدّر الله، كان يتابعها وتنتهي المسألة، وعندما يفهم ذلك الإنسان أنّ القضيّة قابلة للمتابعة، يُنهي الموضوع؛ وأمّا في الحالات التي يأتي فيها مريضٌ، ويستغلّ اسمه ليُشفى، فلا إشكال في ذلك!

  • لزوم عدم التفات السالك إلى عيوب الآخرين

  • «المؤمنُ کیِّسٌ»؛ المؤمن فطنٌ وذكيّ. ولهذا، كان المرحوم الشيخ الأنصاريّ يقول: «غيبة الأفراد المتجاهرين بالفسق ليست محرّمة، ولكن هل هي واجبة؟!». كأن يكون فلانٌ على سبيل المثال يحلق لحيته، وحلق اللحية محرّمٌ شرعًا، وهذا الإنسان متجاهرٌ بالفسق؛ وحينئذ، لو قيل: «إنّ فلانًا يحلق لحيته»، فليس ذلك محرّمًا؛ وذلك لأنّ جميع الناس يرون فسقه. يُقال: كان لأحدٍ زوجةٌ غير محجّبة، وكان يمشي بها في الشارع، فنظر رجلٌ إلى زوجته، فقال له: «لمَ تنظر إلى زوجتي؟!»، فقال ذلك الرجل: «لو أردتَ ألاّ ينظر إليها أحد، لألبستها العباءة ،ووضعتَ على رأسها نقابًا أيضًا حتّى لا يراها أحد! لقد أخرجتها وزيّنتها لينظروا إليها، والآن بعد أن نظرتُ أنا تعترض عليّ!».

منهج السالك في التعامل مع الخلق وسرّ اعترافات الإمام في الدعاء. - لماذا يُعدّ الفضول والتجسّس على الآخرين من موانع السلوك إلى الله؟

6
  • جميع الناس يرون من هو متجاهرٌ بالفسق وحلق اللحية، ولكنّ الكلام هو في: ما هي المصلحة في الحديث عن ذلك؟! هنا، نجد بأنّ حدود الدين والشرع تجعل لكلّ مرتبةٍ حالةً خاصّة بها؛ فبالنسبة للعوامّ، يُكتفى بالقول: «لا تغتب»، وأمّا بالنسبة للخواصّ والسلاّك، فيُقال: «إنّه حتّى في حال التجاهر بالفسق، لا ينبغي لك أن تتكلّم، وإذا تكلّمتَ، فقد خسرتَ وتسمّرتَ في مكانك!»؛ فلا ينبغي للسالك في الأساس أن ينظر ما هو عيب هذا الإنسان وذاك، ولو كان لديه عيبٌ حقًّا! وهنا، أريد أن أوضّح أنّه قبل أن يتوجّه الفساد [في هذه المسألة] إلى محيط الإنسان، يكون الإنسان نفسه قد فسد أوّلاً؛ أي أنّ الذي يغتاب، يكون هو نفسه قد فسد أوّلاً، ثم نقل هذا الفساد [للآخرين]. فإذا كان هو الآن قد فسد، فذاك شأنه؛ ولكن، ماذا ستفعل أنت بهذا القلب الذي فسد؟!

  • لزوم الالتفات إلى الذات والابتعاد عن الاهتمام بشؤون الناس

  • من التعليمات السلوكيّة أنّ السالك لا ينبغي له أن يحشر نفسه باستمرار في القضايا، ليرى ماذا حدث هناك وماذا حدث هنا؛ لأنّ هذا العمل مخالفٌ للسلوك تمامًا! وعلى سبيل المثال، عندما نجلس في مجلس ويتحدّث اثنان في زاوية معًا، ننظر لنفهم ما الذي يقولانه، فتجدنا لا نسمع صوتهما، ولكنّنا نريد أن نرى ما الذي يُفهم من حركة أفواههما. هذا عملٌ مضادٌّ للسلوك! أو يتحدّث اثنان خلف تلك المدفأة، فما علاقتي أنا بأنّهما يتحدّثان، فليتحدّثا بما يشاءان! يجب أن أشغل نفسي مثلاً بشرب الماء وتقشير البرتقال. وعندما نكون في مجلس، ويتحدّث أحدٌ مع آخر، ترانا نُركّز كلّ أذهاننا على ما يقولانه. فهذا الإنسان يتحدّث بحديثٍ خاصٍّ، فلماذا ننظر نحن؟! فلنطأطئ رؤوسنا وننشغل بأعمالنا، كأن نتحدّث مثلاً مع جليسنا. 

  • فهذه الحالة التي يلتفت فيها الإنسان هي حالة خاطئة، وهي حالة نقصٍ وفراغ! فيجب على السالك أن يستغرق في نفسه أكثر، لا أن يخرج من نفسه دائمًا وينشرها ويضعها تحت تصرّف الآخرين! فمثلاً، عندما ينادي اثنان بعضهما ليتحدّثا أسفل الدرج، تجدني أسعى لكي أرى ما الذي يقولانه لبعضهما! وحتّى أنّني في بعض الأحيان أرسل شخصًا آخر ليذهب إلى هناك، ويجلس، ويرى ما الذي يقولانه!

منهج السالك في التعامل مع الخلق وسرّ اعترافات الإمام في الدعاء. - لماذا يُعدّ الفضول والتجسّس على الآخرين من موانع السلوك إلى الله؟

7
  • كنتُ جالسًا في منزل المرحوم العلاّمة في مشهد وأتحدّث مع أحدهم، فانتبهتُ إلى أنّ عدّة أفراد يجلسون خلف الباب، ولم يكن لي بهم شأن. وفجأةً، خرجتُ، فرأيتُ طالبين يذهبان بسرعة، فاصطدمت قدم أحدهما بأسفل الباب، فسقط داخل الشرفة! ماذا يعني هذا العمل؟! أتريدون أن تسمعوا ما الذي أقوله؟! كلامي قد قاله الخواجه حافظ وألصق هذه المسألة فوق القبب السبع. أنا لا أقول شيئًا! فاذهبوا، وتحدّثوا، واجلسوا هكذا، وشكّلوا جلسات من الصباح إلى المساء، فما فائدة هذا العمل؟! يجب أن نفعل شيئًا لنصلح أنفسنا!

  • سال‌ها دل طلب جام جم از ما می‌کرد***آنچه خود داشت ز بیگانه تمنا می‌کرد۱
  • يقول 

  • لسنواتٍ كان القلب يطلب منّا كأس جمشيد٢ *** وما كان يملكه هو، كان يتمنّاه من الغريب

  • الالتفات إلى شؤون الآخرين يسلب الاستقرار والسكينة من الإنسان

  • بدلاً من أن نستغرق في أنفسنا، ونجد ما نبحث عنه في هذه الأنفس، تركنا هذا، والتفتنا إلى أناسٍ سيرتحلون غدًا، ولا توجد لديهم بنا أيّة صلة أو ارتباط، بل اقتربنا من بعضنا صدفةً فقط، وسلّمنا على بعضنا، وسألنا عن أحوال بعضنا، ثمّ نراهم بعد ذلك يودّعونا، ويرحلون! 

  • ـ يا سيّدي، إلى أين تذهب؟! 

  • ـ لقد رحلت! 

  • ـ يا عزيزي، لقد كنّا هنا من أجلك حتّى الآن! 

  • ـ كان عليكم ألاّ تكونوا! من قال لكم: كونوا هنا؟! وهل أجبركم أحد على ذلك؟! 

  • حينها يلطم الإنسان على رأسه! بالطبع، ليس المقصود بالرحيل، الرحيل في الدنيا، بل المقصود هو الموت. فكلّ امرئٍ يهتمّ بشأنه، فلماذا لا نغوص في أنفسنا؟! ولماذا لا نبحث في أنفسنا؟! ولماذا نخرج من أنفسنا؟! ولماذا نذهب دائمًا إلى هنا وهناك؟!

  • ولهذا، نلاحظ أنّ الأفراد الناضجين والرصينين والمتّزنين والراسخين وذوي الخبرة والأصالة هم دائمًا صامتون ومنشغلون بأعمالهم وأفعالهم وسلوكهم، ولا شأن لهم بتاتًا بمن يفعل ماذا أو لا يفعل. ومن الأشياء الجيّدة حقًّا من هذه الناحية هو أنّه في بعض هذه البلدان الأجنبيّة مثل أمريكا، لو سار إنسانٌ في الشارع، فإنّهم لا ينظرون إليه أبدًا، وكلّ امرئٍ يسلك طريقه ومنشغلٌ بعمله. وعلى سبيل المثال، لو كانت امرأة ترتدي العباءة تسير أيضًا، فإنّهم يطأطئون رؤوسهم ويذهبون، أو لو كان رجلٌ يسير مع زوجته في الشارع، فإنّهم لا يلتفتون إليهما، وكلّ امرئٍ يسلك طريقه ومساره. والآن لا أريد أن أقول إنّ هذه القضيّة كلّها صحيحة، بل هي صحيحة من وجهة نظر واحدة؛ لأنّه حتّى لو وقع عملٌ مخالف، فإنّ الناس يمرّون دون اكتراث ولا يلتفتون إلى تلك القضيّة بتاتًا!

    1. ديوان حافظ، الغزل رقم ۱٤٣.
    2. اسم علم لأحد ملوك إيران الأقدمين، وهو مشهور بالكأس التي كان يرى فيها أحداث المستقبل، ولذلك عرف باسم: جام جم (موسوعة كشّاف اصطلاحات الفنون والعلوم، ص ٣٦۷). المعرّب

منهج السالك في التعامل مع الخلق وسرّ اعترافات الإمام في الدعاء. - لماذا يُعدّ الفضول والتجسّس على الآخرين من موانع السلوك إلى الله؟

8
  • يجب علينا أن نطبّق هذا العمل نفسه في طريقنا، وألاّ يكون لنا شأنٌ بعمل الآخرين بتاتًا؛ لأنّ لكلّ امرئٍ طريقًا فيما بينه وبين ربّه، وله حساب خاصّ به بمقتضى خياله وارتباطه وتعلّقه بربّه. إنّ عدم الالتفات إلى هذه المسألة يؤدّي إلى أن يُسلب من الإنسان ذلك الجانب من التركيز والاستقرار والسكينة الذي هو لازم للسلوك، وبدونه لا معنى لهذا السلوك. فالأفراد الذين لديهم تشتّت لا يستطيعون التحرّك أبدًا؛ لأنّ برزخهم يكون مختلاًّ ومشوّشًا، ويكون مثالهم مختلطًا ومضطربًا. فتجدهم يتحدّثون دائمًا، وينتقلون من هذا الطرف إلى ذاك، ومن هذا الغصن إلى ذاك. فيجلسون، ولكن ليس لديهم سكينة واستقرار وسكون. وعندما يجلس الإنسان مع هؤلاء الأفراد، يُؤثّر حالُهم ووضعهم فجأةً فيه، ويرى أنّه قد أصابه الاضطراب والتشويش والقلق. هذا لأنّه ليس لديهم استقرار وسكينة وطمأنينة.

  • لدينا في الرواية أنّ الملائكة دائمًا في حالة صمت وسكون وسكينة، والشياطين دائمًا في حالة حركة وانتقال من هذا الطرف إلى ذاك، ودائمًا في حالة تململ وتغيير وتبدّل. فكلّما اقترب الإنسان من صفات الملائكة، زادت فيه حالة السكون والصمت والسكينة۱. هذا، مع أنّه لو جلس الإنسان مع أحدٍ ساعتين في مكانٍ ما ولم يتكلّم، فلن يحدث له أيّ شيء، بل سيظلّ جالسًا صامتًا هكذا.

  • العلامة الطباطبائيّ، مصداق السكينة والهدوء

  • كان المرحوم العلامة الطباطبائيّ هكذا. في أيّ مجلس كنّا معه، لم يكن يتحدّث حتّى يُسأل، وكان دائمًا منشغلاً بالذكر أو صامتًا، ولم نكن نفهم ذكره الخفيّ. وعندما كانوا يسألونه، كان يجيب؛ وإذا لم يسألوا، كان يجلس صامتًا هكذا. هذه هي السكينة والهدوء. ولكنّ البعض ليسوا هكذا بتاتًا. فبمجرّد أن يجلسوا، لا يستطيعون ألاّ يتكلّموا؛ أي لو جلسوا في مجلس ولم يتكلّموا، فإنّهم لا يرون قيمة لهذا المجلس أبدًا، ويقولون: «ذهبنا إلى منزل السيّد فجلس صامتًا، وجلسنا نحن صامتين، ولم نفهم شيئًا ولم نستفد بتاتًا! يا سيّدي، تكلّموا لنستفيد!». يا عزيزي، هذا الكلام نفسه هو خسارة من رأس المال. بمجرّد أن تجلس صامتًا أمامي، تكون قد أخذتَ نصيبك؛ إذ لا يأخذ أحدٌ نصيبه بالكلام، بل يأتي الكلام بنفسه بالقدر المطلوب؛ فيتمّ بيان حلّ المشكلة بالقدر اللازم.

    1. بحار الأنوار، ج ٥٦، ص ۱۷٥.

منهج السالك في التعامل مع الخلق وسرّ اعترافات الإمام في الدعاء. - لماذا يُعدّ الفضول والتجسّس على الآخرين من موانع السلوك إلى الله؟

9
  • القرب من صفات الشياطين، عامل التشويش والقلق واضطراب الباطن

  • لدينا في الرواية أنّ كلّ من يقترب من صفات الشياطين، تزداد حالة القلق في قلبه، ومثل هذا الإنسان لديه غليان وتشويش، وتصدر منه دائمًا حركات غير عاديّة، والأعمال التي تصدر من جوارحه هي أعمال مختلفة ومتغيّرة. هذا بسبب ذلك الجانب من اضطراب الباطن والداخل.

  • لدينا في الرواية أنّه مثلاً لو حصلت لك حالة من الهدوء، فإنّك لا تريد أن تتحدّث مع أحد وتريد أن تكون هادئًا وتريد أن تستريح وتنام.۱ فمن يذهب إلى مجلس عرس ورقص وصخب وصراخ، لا يأتيه النوم، بل يجب عليه أن يذهب إلى مكان لا يصل إليه صخب. لا يستطيع الإنسان أن يتحرّك خلاف السكينة والهدوء؛ لأنّ وضعه سيضطرب. على أيّ حال، هذه المسألة لها بابٌ مفصّلٌ جدًا، ونكتفي حاليًّا بهذا المقدار الذي بيّناه.

  • سألني أحد المشاركين في جلسات دعاء أبي حمزة عن سبب تطرّق الإمام السجّاد عليه السلام للمسائل التي يذكرها في هذا الدعاء؟! فمثلاً، يذكر أنّه قد أذنب! كيف يذنب الإمام، في حين أنّ الإمام لا ذنب له؟! الذنب محدّدٌ ومعرّفٌ وواضح؛ فمثلاً، الكذب والغشّ في المعاملة والتهمة هي ذنوب، وقد بُيّنت في مراتبها.

  • فقلتُ: إنّ مسألة الذنب هذه يمكننا أن نوجّهها، لكن تعالَ الآن، واطرح موضوعًا آخر! فقد نقول: في كلّ عملٍ يقوم به الإمام السجّاد عليه السلام، فإنّه لا يرى هذا العمل لائقًا للعرض على الله، أو يرى نفسه أصغر من أن يعرض عمله عليه تعالى، ليقول: «يا إلهي! لقد صلّيت هذه الصلاة وأدّيت هذا الصوم». فهو إمام، لكنّه يرى نفسه أدنى!

  • هناك موارد في دعاء أبي حمزة لا يمكن توجيهها بأيّ تفسير بتاتًا! على سبيل المثال: «أنا الَّذي أَعطَيتُ علَی مَعاصي الجَليلَ الرُّشا»؛٢ أي: أنا ذلك الذي أعطيتُ على المعاصي الكبيرة الرشوة! الإمام السجّاد عليه السلام وإعطاء الرشوة؟! حتّى إنّ إنسانًا عاديًّا من عامّة الناس قد لا يعطي رشوة في كلّ عمره!

  • كان أحد الأصدقاء يقول: 

  • كنّا قادمين من سفر، وفي المطار تغيّرت تذكرتنا، فقال لنا أحدهم: «أعطِ خمسين دولارًا لأصلحها لك»، فلم أعطِها، واضطررتُ لأن أدفع ثمانمائة دولار، وقلتُ: أنا سأدفع هذه الثمانمائة ولكنّي لن أعطي رشوة!

    1. لم نعثر على المصدر.
    2. مصباح المتهجد، ص ٥۸٩.

منهج السالك في التعامل مع الخلق وسرّ اعترافات الإمام في الدعاء. - لماذا يُعدّ الفضول والتجسّس على الآخرين من موانع السلوك إلى الله؟

10
  • ولا يخفى أنّ هذا الرجل كانت نيّته نيّة طاهرة وصحيحة، ونحن أيضًا لم نقل له إنّ هذا ليس محلّ هذا العمل، وفي المقابل، شجّعناه على ذلك. ولكن انظروا، فالإنسان الذي يريد أن يكون طريقه طريق الله وأن يكون لديه إخلاص وصفاء هو الذي يُقدم على هذا العمل. وهنا، يقول الإمام السجّاد عليه السلام: «أنا الَّذي أعطَيتُ علَی مَعاصي الجَليلَ الرُّشا»؛ «لقد أعطيتُ الرشوة من أجل المعاصي الكبيرة والوصول إلى الظلم، لقد أعطيتُ الرشوة من أجل إبطال الحقّ ومحوه!». كيف يمكن للإمام عليه السلام أن يطرح هذه الأمور في دعاء أبي حمزة؟!

  • الجواب على إشكال اعتراف الإمام السجّاد بالذنوب 

  • الأمر الذي يبدو هو أنّ الإمام السجّاد عليه السلام يُبيّن بلسان الدعاء نقاط ضعف الإنسان الخَلقيّة؛ أي أنّه عليه السلام يريد أن يقول: يا إلهي، هناك طرفٌ في القضيّة هو أنت، وهناك طرفٌ آخر هو نحن؛ ذلك الطرف من القضيّة الذي هو أنت، هو كلّ الكمال والبهاء، والرحمة، والعطف، والعلم، والقدرة، والجلال، والكبرياء، والعظمة، والنور، والوجود؛ وهذا الطرف من القضيّة فيه كلّ ما يُمكنك تصوّره من كذب، وتهمة، ورشوة، وسرقة، وأكل مال الناس، وعصيان، وبطء في أداء التكاليف.

  • يقول عليه السلام: «والحَمدُللهِ الّذي أناديهِ کُلّما شِئتُ لحِاجَتي... فَیقضي لي حاجَتي». ويذكر في موضع آخر: «والحَمدُللهِ الّذي أسئَلُهُ فَیُعطيني وإن کُنتُ بَخيلاً حینَ یَستقرضُني»؛ [أي: الحمد مختصٌّ بإلهٍ] كلّما طلبتُ منه أعطاني، رغم أنّه عندما يطلب منّي هو ويقول: ﴿مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا﴾۱، فإنّي لا أفعل وأتباطأ وأؤجّل.

  • مقام الجمعيّة لدى الأئمّة الأطهار عليهم السلام

  • إنّ لازم المجيء إلى الدنيا وارتداء لباس الكثرة والدخول في عالم الكثرات والتوغّل في الأهواء البهيميّة والنفوس الأمّارة و... هو هذا كلّه. أي إنّه يقول: «يا إلهي، أنا هو هذا!». فليوفّقنا الله تعالى لنفهم حقيقة مقام الجمعيّة لدى الإمام عليه السلام، وكيف يكون الإمام عليه السلام في هذا المقام!

  • ففي الطرف الأوّل من القضيّة، يقول: «نَزّلونا عن الربوبيّة وقُولوا فينا ما شِئتُم٢؛ أي: لا تعدّونا أربابًا وقولوا فينا ما شئتم». فإن قلتم لنا: خالقون، فنحن كذلك، وإن قلتم لنا: رازقون، فنحن كذلك. فقط لا تقولوا لنا: إنّكم آلهة! وفي الطرف الثاني من القضيّة، نجده يُشير إلى مثل ما ورد في دعاء أبي حمزة، فكيف يمكن الجمع بين هاتين المسألتين؟! وفي أيّ مكانة يكون الإمام عليه السلام في ذلك المقام، وكيف تكون مكانته في هذا المقام؟!

    1. سورة البقرة (٢)، الآية ٢٤٥.
    2. الاحتجاج، ج ٢، ص ٤٣۸.

منهج السالك في التعامل مع الخلق وسرّ اعترافات الإمام في الدعاء. - لماذا يُعدّ الفضول والتجسّس على الآخرين من موانع السلوك إلى الله؟

11
  • هنا، لا تكون مسألة الإمامة محطّ نظر الإمام بتاتًا؛ أي تلك الإمامة التي أُفيضت من قبل الله، بل إنّه ينظر فقط إلى جانب الكثرة والإنسانيّة والبشريّة ويقول: «يا إلهي، لو لم يكن لطفك، لكان الإنسان هو هذا! أنا أعطي الرشوة، أسرق، أغتاب، أتّهم، آكل مال الناس، أعصي ولا أصلّي؛ أنا هو هذا! هذا هو بُعدي البشريّ».

  • الأعمال الصالحة مرهونة بتوفيق الله ورحمته

  • وفي الطرف الآخر من القضيّة، فإنّ التوفيق والرحمة هما منك. لو صلّيتُ، فأنت الذي وفّقتني لذلك؛ وبالتالي، فإنّني أكون هنا من دون صلاة. ولو صمتُ، فأنت الذي منحتني التوفيق لذلك، ولو لم توفّقني لما صمت! لو لم يوفّقنا الله، لكنّا في حالة الصوم قد قلنا ألف تهمة وغيبة وكذبة! إذن، الله هو الذي وفّق، والإنسان بدون توفيق هو إنسان كاذب، متّهِم، سارق، مبطلٌ للحقّ ومحيٍ للباطل! والإنسان مع التوفيق هو الإمام السجّاد عليه السلام نفسه. والإنسان مع التوفيق هو الإنسان الذي يقول: «سَلوني قبلَ أن تَفقدوني فإنّي بطُرُقِ السّماءِ أعلمُ منکم بطُرُقِ الأرضِ»۱. والإنسان مع التوفيق هو الذي يقول:

  • وإنّي وإن کنتُ ابنَ آدمَ صورةً***فَلي فيهِ معنیً شاهدٌ بأبوّتي ٢
  • عدم توفيق الإنسان معلول لإرادته هو

  • أمّا الإنسان بدون توفيق، فهو الشمر ويزيد وعمر ومعاوية. فتجده من الصباح إلى المساء يحتال، ومن المساء إلى الصباح يحلم بالاحتيال: ماذا سيفعل غدًا وبعد غدٍ بهذا وذاك! لماذا هذا الإنسان ليس لديه توفيق؟! ولا يخفى أنّ جميع هذه الأمور خاضعة لحساب خاصّ؛ أي: لأنّه هو نفسه لم يُرد، فقد أعطاه الله تعالى عدم التوفيق. ﴿نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ﴾٣؛ لقد نسيتم ربّكم، فنحن أيضًا نعطيكم ما تريدون، ونسلبكم ذكر أنفسكم. وأردتم أن تذهبوا في هذا الطريق، فنحن أيضًا نقوّيكم ونجعلكم محكمين وراسخين؛ ﴿كُلاً نُّمِدُّ هَٰؤُلَاءِ وَهَٰؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ﴾٤. هذا هو الإنسان بدون توفيق.

  • اعترافات الإمام السجّاد مبنيّة على لحاظ الجانب الخَلقيّ

  • إذن، الإمام السجّاد عليه السلام يبيّن في هذا الدعاء حال الإنسان وحال نفسه. يقول: يا إلهي، أنا أمتلك بُعد الإمامة، ذلك البُعد نفسه الذي أكون فيه واسطة بينك وبين الخلائق، وأنت الذي منحتني إيّاه. وأمّا أنا هنا، فماذا أكون؟ أنا الذي أمتلك شعرًا وحاجبًا وفمًا وأعضاء! فهذه الأنا وهذه النفس التي جاءت وظهرت بلباس البشر، إذا لم يُلحظ فيها جانب الإمامة والولاية والبُعد الربوبيّ والأمريّ؛ بل لوحظ فيها الجانب الخَلقيّ، تكون مستعدّة للكذب والافتراء والرشوة والسرقة وأكل مال اليتيم و...! فكلّ هذه الأمور تتعلّق بهذا الجانب نفسه. وعليه، فإنّ الإمام السجّاد عليه السلام صادق في كلامه وصائب في قوله. هذا، ولا ينبغي علينا أن ننسى أنّ هذا الدعاء لي ولكم؛ لي أنا الطهرانيّ شخصيًا، ولكلّ من يسمع منكم! فهذا الدعاء لي ولكم.

    1. نهج البلاغة (عبده)، ج ٢، ص ۱٥٣.
    2. دیوان ابن‌ الفارض، البيت ٦٣۱ من التائية الكبرى.
    3. سورة الحشر (٥٩)، الآية ۱٩.
    4. سورة الإسراء (۱۷) ، الآية ٢۰.

منهج السالك في التعامل مع الخلق وسرّ اعترافات الإمام في الدعاء. - لماذا يُعدّ الفضول والتجسّس على الآخرين من موانع السلوك إلى الله؟

12
  • عدم وجداننا لحقيقة أدعية الإمام السجّاد

  • لا تتصوّروا أنّنا نأتي في ليالي شهر رمضان ونجلس، والسيّد يقرأ لنا دعاء أبي حمزة، ونحن نستمع ونذهب! لا يا سيّدي، هذا الدعاء لي ولكم، والإمام السجّاد عليه السلام يريد أن يقول لي: أيّها الذي أخذتك الدنيا وخُدعتَ وأصبحت غافلاً، انتبه إلى مكانتك، واعلم هل جئتَ بهذه المكانة وهذه المسائل من عندك، أم أُعطيتَ إيّاها؟! افهم هذا، فإن فهمتَه، فالأمر قد تمّ، ولم يعد لازمًا أن تسير، بل ستكون قد طويتَ السير والسلوك!

  • بالطبع [هذا مشروطٌ] بأن نفهم هذه المسألة، لا أن نقول هكذا ببساطة: «نعم، صحيح، السيّد يقول كلامًا صحيحًا!». يجب أن نجد هذه المسألة وجدانًا، كما نجد نسبنا ووضعنا وجدانًا. هل خطر ببالنا أو ببالكم يومًا أنّ هناك نسبة بيننا وبين زيد بن أرقم أو فلان آخر؟! كلاّ! في حين أنّ الأمر ليس كذلك بالنسبة لوالدينا؛ لأنّنا رأينا أبانا وأمّنا، والقرائن والشواهد تحكي أنّ نسبتنا إليهما محرزة ومحدّدة؛ لأنّنا على يقين من ذلك. ونحن لا نتخلّى عمّا نحن على يقين منه.

  • نحن لسنا على يقين بكلام الإمام السجّاد، وقد أخذنا كلامه عليه السلام على محمل الهزل! فمن جهة، فإنّ دعاء أبي حمزة هو من كلام الإمام، ويعطي حالة انبساط والتفات وابتهال وبكاء؛ ولهذا، فإنّنا نأتي ونقرؤه. في حين أنّ الإمام السجّاد عليه السلام يطرح تلك المسائل ويبكي! ففي نهاية المطاف، من أين تأتي هذه الدموع؟! إذا كان من المقرّر أن يذكر هذه المسائل لأجلنا نحن، ويقوم ـ والعياذ بالله ـ بالتمثيل، فمن أين تأتي هذه الدموع إذًا؟! فما هي المكانة التي رأى فيها نفسه حتّى ذكر هذه المواضيع؟!

  • إذن، يجب علينا أن نفهم هذه الحالة وأن ننتبه إلى أنّه ليس لنا من الأمر شيء! أنا أضمن لكم، وإن شاء الله نلتقي في يوم القيامة! بالطبع، إن شاء الله نلتقي في مكان جيّد، لا في مكان لم يوصِنا به السادة الأطبّاء وقالوا عنه: إنّه ليس جيّدًا. لقد أوصانا السادة بالجنّة، وإن شاء الله يُعاملنا الله بنفس وصفة السادة! إن شاء الله عندما نلتقي، سنفهم أنّه لم يكن في هذه الدنيا من الأمر شيء، وأنّ كلّ ما هو موجودٌ هو عنايته وتوفيقه! والآن، لمَ نتشاجر مع هذا وذاك؟! لمَ نصرخ ونصيح كلّ هذا الصراخ؟! لمَ ننشغل بأعمال الآخرين كلّ هذا الانشغال؟! هم أيضًا لهم ربّهم!

منهج السالك في التعامل مع الخلق وسرّ اعترافات الإمام في الدعاء. - لماذا يُعدّ الفضول والتجسّس على الآخرين من موانع السلوك إلى الله؟

13
  • الانشغال بالنفس، لازم السلوك

  • قال لي أحدهم: «يا سيّدي، هل فلان على صلة بك؟». فقلتُ: لم أفكّر أبدًا حتّى الآن هل هذا الإنسان على صلة بي أم لا! إن أعجبه الأمر، فليتّصل بي، وإن لم يعجبه، فلا ضير في ذلك! وحينئذ، لماذا ينبغي على الإنسان أن يقول باستمرار: «هل اتّصل بك فلان، أم لم يتّصل؟ منذ متى لم يعُد فلان يتّصل بك؟». كفى، أنهِ الأمر! إلى متى يبقى الإنسان في هذا القيل والقال؟! روحي فداك، لقد مضى العمر، وشاب الشعر! لا تجلس هكذا مهتمًّا بهذا وذاك، ولا تجلس هكذا متعلّقًا بهوى هذا وذاك! والآن، على فرض أنّ فلانًا قد اتّصل، وعلى فرض أنّه يتّصل كلّ يوم ويزورني في قمّ ثلاث مرّات يوميًّا، فهل ارتاح بالك؟! ماذا يعطونك بمجيئه ليأخذوه منك بعدم مجيئه أو بذهابه؟! فلنهتمّ بأنفسنا!

  • الله تعالى أفضل محمود

  • ففي الطرف الآخر من القضيّة، هو بتلك الأوصاف، بذلك الكمال، بذلك الجمال، بتلك البهجة، بذلك الجود والعطاء، بتلك العظمة، بذلك العلم، بتلك الرحمة وذلك العطف؛ وفي هذا الطرف من القضيّة، لا يوجد شيءٌ غير المسكنة والبؤس والشقاء! والآن بما أنّ الأمر كذلك، «فَرَبّي أحمدُ شيءٍ عِندي»، فأيّ ذاتٍ ووجودٍ أفضل من الله في الدنيا لأستطيع أن أحمده؟!

  • فعلى أيّ شيءٍ أضع يدي أراه قد فسد! فمثلاً، عندما أرى الوردة، أقول: يا له من جمال! ولكن بمجرّد أن تُبقي هذه الوردة قليلاً خارج الماء، تراها بعد نصف ساعة قد جفّت! إذن، حمد هذه الوردة كان مؤقّتًا. أو مثلاً نقول: فلان إنسانٌ جيّدٌ جدًا ويقضي حوائج الإنسان. لكن، هل هذا الإنسان هو الذي يقضي الحوائج؟! ففي اليوم الثاني والثالث عندما نذهب عنده، نرى أنّه لا يسمح لنا بالدخول إلى الغرفة بتاتًا، بل يقول: من أنتم؟! لا شأن لي بكم!

  • عدم جواز التعامل بالشعارات مع كلام المعصوم

  • في إحدى المرّات، ذهبتُ أنا وأخي وأحد آخر لرؤية حفيد المرحوم السيّد الحدّاد في معسكر الأسرى العراقيّين في شازند شمال أراك. دخلنا إلى مبنى المحافظة ليتّصل هو، ونذهب إلى هناك، ونرى هل يوجد هكذا شخص في الأساس أم لا؟ قالوا لنا: «لماذا أتيتم؟!» قلنا: أتينا لنرى أحد أقاربنا وأصدقائنا كان في العراق وهو من ضمن الأسرى، هو شابٌ جيّدٌ وليس كالبقيّة وخصائصه تختلف. حتّى إنّنا كنّا قانعين بمقدار أنّه لو أمكن أن نراه من خلف الأسلاك الشائكة ونسلّم عليه. ولكن لأنّنا لم نأخذ موعدًا مسبقًا، لم يسمحوا لنا نحن الطلبة الثلاثة بالدخول! كان من الواضح أنّ المحافظ جالسٌ في الغرفة ولكنّهم كانوا يقولون: «الحاج مشغول، انتظروا!». فقلنا: «وهل لهذه الغرفة بابٌ آخر؟! لم نرَ أحدًا يدخل الغرفة ليكون الحاج مشغولاً! لو أراد أحدٌ أن يذهب إليه، فيجب أن يمرّ من هنا!» خلاصة القول، جلسنا هناك حتّى الظهر.

منهج السالك في التعامل مع الخلق وسرّ اعترافات الإمام في الدعاء. - لماذا يُعدّ الفضول والتجسّس على الآخرين من موانع السلوك إلى الله؟

14
  • وعندما حلّ الظهر قالوا: «لقد ذهب الحاج ليصلّي». فقلتُ له أنا: «ألم يكن لديك لسانٌ لتقول إنّه لا يريد أن يقابلنا ولا يسمح لنا بالدخول لنعود أدراجنا؟! نحن لا نريد أن ندخل مكتب الحاج بالبندقيّة!». ولا يخفى أنّه بعد شهرٍ من هذه القضيّة، عُزل ذلك الرجل، وربّما تقاعد! ففي نهاية المطاف، فإنّ كلّ عملٍ يخضع لحساب خاصّ، ولربّما كانت لديهم أعمال وأشغال خاصّة، ولم يكن بالإمكان أن يتمّ الأمر بهذا النحو، بل لا بدّ من أخذ موعد قبل عام أو ستّة أشهر! بالطبع، قلنا: لو أراد الله فسيتمّ الأمر، ولم نتابع بعد ذلك، ثمّ تمّ الأمر ولله الحمد دون أن نطلب شيئًا من أحد.

  • لا أدري، عندما قال أمير المؤمنين عليه السلام لمالك الأشتر: ليكن باب مقرّ حكمك مفتوحًا دائمًا ولا يكن لك حاجبٌ أصلاً۱، هل أخطأ ـ والعياذ بالله ـ أم أنّ أعمالنا كثيرة جدًا، وحتّى أكثر من مالك الأشتر؛ ولذلك فإنّ كلامه عليه السلام لا ينفعنا! على أيّ حال، فإنّ الحديث عن كلام الإمام عليه السلام سهل!

  • الأمل والرجاء الدائم بالله تعالى

  • «الحَمدُللهِ الّذي لا أرجو غَيرَهُ ولو رَجوتُ غَيرَهُ لأخلفَ رَجائي»؛ «الحمد لله الذي أرجو خدمته؛ ولو رجوتُ غيره، لأخلف رجائي ولم يعبأ بي». 

  • يقول الإمام السجّاد عليه السلام: لقد أخطأتَ بذهابك إلى مبنى المحافظة، ولو قرأتَ دعاء أبي حمزة الذي ذكرتُه، لما ذهبت! والآن بما أنّك لم تقرأه، فاذهب، فالذنب ذنبك! إنّ التطلّع إلى أهل الدنيا وتعليق الأمل على كرمهم ليست له نتيجة غير هذه! ونحن أيضًا نقبل من الإمام السجّاد عليه السلام، صحيح، الذنب ذنبنا!

  • الناس يبحثون عن مصالحهم. وعندما يُسلّم أقرب الناس على الإنسان ويبتسمون له، فذلك لأنّهم يريدونه لأنفسهم! أقرب الناس إلينا يريدوننا لأنفسهم! ألا تقبلون؟ إن لم تكونوا قد جرّبتم، فأنا قد جرّبت! ولكنّ المهمّ في هذه القضيّة هو أن يغضّ الإنسان نظره، وكأنّه لم يرَ شيئًا!

  • هذا الإله بهذه الخصائص هو أفضل محمود يُمكنني حمدُه؛ فلماذا أذهب إلى المحامد المجازيّة والقيم المؤقتة؟! يجب أن أخرج من هذه الكثرات، وأذهب إلى ذلك الأصل، وأبحث عمّن يدوم حمده، ويدوم حلمه، ويدوم الرجاء والأمل به، ولطفه وعنايته دائميّان و باقيان!

    1. نهج البلاغه (عبده)، ج ٣، ص ۱۱٣: «وَ تَجلسُ لهم مَجلِسًا عامًّا فَتواضَعُ فیهِ للهِ الّذی خَلَقَک و تُقعِدُ عَنهُم جُندکَ و أعوانَک.»

منهج السالك في التعامل مع الخلق وسرّ اعترافات الإمام في الدعاء. - لماذا يُعدّ الفضول والتجسّس على الآخرين من موانع السلوك إلى الله؟

15
  • حركة السلوك، حركة من الجزئيّة إلى الكلّيّة

  • السالك هو من يقطع نظره عن الجزئيّات. كان المرحوم العلامة يقول: «حركة السلوك هي حركة من الجزئيّة إلى الكلّيّة»؛ أي ألاّ ينظر الإنسان بعد ذلك إلى الجزئيّات والأمور المؤقّتة، ويرى ما وراء هذه الجزئيّات، ويكون التفاتُه إلى تلك الكلّيات؛ وحينها، يتعايش مع الجزئيّات أيضًا. يكون التفاته إلى تلك النقطة، ثم يُكيّف نفسَه، ويتوافق مع الناس أيضًا. «دارِ الناسَ»۱؛ كن مع الناس وضع كلّ إنسان في موضعه، ولكن [اعلم أنّ] الهدف كلّيٌ.

  • بالطبع، لو شمل لطفُ الله عبدًا، فإنّه يحقّق هذا الأمر فيه، ومن خلال الأحداث والتقلّبات والتغييرات والتبدّلات التي يُقدّرها في حياته ومعيشته وعلاقاته، يضع هذا المعنى ـ شاء أم أبى ـ في ذهنه، ويفهّمه أنّ: «لیسَ فی الدّارِ غیرُهُ دیّارٌ»؛٢ أي: في عالم الوجود هذا، صاحب البيت واحدٌ فقط، والبقيّة كلّهم مستأجرون!

  • معنى إحياء ذكر أهل البيت، انطباق قضايا التاريخ على الذات

  • عندما قرأ سيّد الشهداء عليه السلام في ليلة عاشوراء أشعارًا للسيّدة زينب، اضطربت عليها السلام كثيرًا؛ لأنّه لم يكن قد استقرّ في ذهنها بعدُ أنّ القضيّة جادّة! هل حدث حتّى الآن أنّ الإنسان ما لم يقع في خضمّ الحادثة وتصبح القضيّة جادّة، [فإنّه لا يصدّقها]! كانت السيّدة زينب عليها السلام تسمع من الإمام الحسين عليه السلام أمرًا بين الحين والآخر، ولكن في ليلة عاشوراء، أصبحت القضيّة جادّة، وذهب الجميع!

  • خطب الإمام الحسين عليه السلام خطبة وقال: إنّي لا أمزح معكم، فلو وقع غدًا شيءٌ فليس الذنب ذنبي! أقول لكم من الآن، كلّ من يبقى معي، فغدًا هناك سيوف وسهام ورماح، والسلام! الآن ليل، فأطفئوا السراج أيضًا، ولا تخجلوا منّي، واذهبوا جميعًا! هذا فراق بيني وبينكم! 

  • «هذَا اللّیلُ قد غَشِیَکم فاتَّخِذوهُ جملاً»٣؛ «لقد غشيكم الليل، فاتّخذوه جملاً ركوبًا، وانجوا بأنفسكم، وغادروا هذه الصحراء».

  • فجأةً، أُضيئت السرج، فرأوا أنّه من بين تلك الألف، لم يبقَ أكثر من بضع وثلاثين، والبقيّة كانوا من أهل البيت والإخوة والأبناء وأبناء الإخوة وأبناء عمومة الإمام الحسين عليه السلام. عندما رأوا أنّ الإمام الحسين عليه السلام يقول كلامًا جادًّا، وأنّ القضيّة جادّة، ذهب الجميع! إنّها الروح، ولا يُمكن تسليمها بسهولة!

    1. غرر الحکم و درر الکلم، ج ۱، ص ۸۱۸.
    2. ترجيعات الشاه نعمة الله وليّ، الترجيع الرابع.
    3. الإرشاد، ج ٢، ص ٩۱.

منهج السالك في التعامل مع الخلق وسرّ اعترافات الإمام في الدعاء. - لماذا يُعدّ الفضول والتجسّس على الآخرين من موانع السلوك إلى الله؟

16
  • حقًّا، يجب أن نلجأ إلى الله تعالى، ونتصوّر أنفسنا في ذلك المجلس ليلة عاشوراء، ونرى هل كنّا سنبقى أم سنذهب؟! كنّا سنطفئ السراج ونقول: «يا عليّ»، ونذهب! انتبه يا عزيزي، فإنّ الله تعالى يُقدّر هكذا أمور للإنسان! أجل، قد لا يصل الأمر إلى الموت، أو إلى مثل قضيّة عاشوراء، ولكنّه تعالى يقدّر هذه الأمور بطريقة أخرى. فمثلاً، تأتي مسألة السمعة والثبات على الحقّ أو التخلّي عنه. هل تظنّون أنّ قضيّة أولئك الذين تركوا الحقّ بعد المرحوم العلاّمة قد انتهت؟! كانوا يقولون: «لو نطقنا بالحقّ، لأفلست شركتُنا! لو قلنا الحقّ، فمن أين نحصّل رزقنا؟! لو قلنا، كيف نعيش مع زوجاتنا وأطفالنا؟! لو قلنا، سيخلقون لنا مشاكل!». يا سيّدي، كانوا يقولون هذه المواضيع حقًّا، وأنا لا أقول شيئًا من عندي!

  • حسنًا، ما فرقكم عن ذلك الذي خرج من خيمة الإمام الحسين عليه السلام؟! وحينها، تجدنا نقول باستمرار: «یا لَيتَني کنتُ معکُم فأفوزَ فوزًا عظيمًا»۱ أو نقرأ زيارة عاشوراء، ونلطم على الصدر من أجل الإمام الحسين عليه السلام!

  • المقصود من إحياء ذكر أهل البيت في رواية الإمام الصادق عليه السلام

  • لماذا يقول الإمام الصادق عليه السلام: رَحِمَ اللهُ مِن شیعتنا مَن أحیا أمرَنا؟!٢ هذا الإحياء للأمر لأيّ شيء هو؟ هل لو جلسنا هكذا فقط وبكينا على الإمام الحسين عليه السلام، يكون هذا إحياءً للأمر؟! لا، إحياء الأمر هو أن يطبّق الإنسان قضايا التاريخ على تاريخه هو، ويرى نفسه كلّ يوم في عاشوراء ومدرسة الإمام الصادق وأبي حنيفة، هل هو من ضمن مجلس أبي حنيفة أم من ضمن مجلس الإمام الصادق عليه السلام؟! المجيء إلى مجلس الإمام الصادق عليه السلام فيه سجن، ولكنّ الذهاب إلى مجلس أبي حنيفة فيه مال! يجب على الإنسان كلّ يوم أن يشعر بنفسه في خيمة الإمام السجّاد عليه السلام، ويرى هل هو مع الإمام السجّاد عليه السلام أم مع الآخرين؟! أن تكون مع الإمام السجّاد عليه السلام قد تكون فيه مشاكل وقد لا تكون.

  • هذا هو مقصود الإمام الصادق عليه السلام، لا أن تجلس وتلطم الرأس والصدر من أجل الإمام الحسين عليه السلام! الإمام الحسين عليه السلام ليس بحاجة إلى لطم الرأس والصدر! وأمير المؤمنين عليه السلام ليس بحاجة لذلك! هذا اللطم على الرأس والصدر ،وهذه النياحة واللطم على الصدر من أجل أمير المؤمنين عليه السلام هو إدخال النفس في حريم حضرته، وهذا هو معنى «رَحِمَ اللهُ مَن أحیا أمرَنا»!

    1. من لایحضره الفقیه، ج ٢، ص ٥٩٤.
    2. مصادقة الإخوان، ص ٣٤: عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «رحم الله عبدًا أحيا أمرَنا».

منهج السالك في التعامل مع الخلق وسرّ اعترافات الإمام في الدعاء. - لماذا يُعدّ الفضول والتجسّس على الآخرين من موانع السلوك إلى الله؟

17
  • إنّ قول الإمام الصادق عليه السلام: رحم الله آباء وأمّهات شيعتنا وموالينا ومحبّينا الذين يعقدون مجلسًا ويتحدّثون عن مواضيعنا ويبيّنون للناس ذكرنا ـ أي مأثوراتنا وما صدر عنّا ـ هو أنّ الناس بسماعهم لهذه المواضيع يتقدّمون ويقتربون أكثر، ويُكيّفون أنفسهم مع هذه المسائل، فيتساءلون: لو كانت الآن ليلة عاشوراء، ماذا كنّا سنفعل؟! لو كان الآن زمن المنصور الدوانيقيّ، ماذا كنّا سنفعل؟! لو كان الآن زمن هارون، ماذا كنّا سنفعل؟! كلّ هذه مطارق يجب أن تنزل في كلّ لحظة على رؤوسنا وعقولنا، حتّى لا نُفكّر بالهند۱ ولا ندخل في الكثرات! فتضربُنا هذه المطارق، وتُنبّهنا باستمرار.

  • إذا حصلت قضيّة وأردتَ أن تتجاوزها، فتجاوزها بسرعة واذهب ولا تتأخّر كثيرًا! لا ينبغي للإنسان أن يقف! لقد بيّنتُ لكم أنّه عندما ترك المرحوم العلامة مسجد القائم، كلّ رجل دين كنتُ أصادفه في طهران، كان يقول بتعجّب وبعبارات عجيبة: 

  • مكان مسجده كان مكانًا جيّدًا، وكان يقع في شارع سعدي الشماليّ، فكيف رضي بأن يترك هذا المسجد؟! وكان له مريدون، فكيف رحل عنه؟!

  • كلّ من كنتُ أصادفه، كان يقول الشيء ذاته! وحتّى عندما التقيتُ بأحد الشيوخ، قال هو أيضًا نفس الكلام! هذا لأنّه هو الذي كان يملك مسجد القائم، لا أنّ مسجد القائم كان يملكه! إذا امتلكك المسجد، فلن تستطيع فعل شيء بعد ذلك، وهذه هي المصيبة التي ابتليتم بها. إذا امتلكك المريد والمسجد والدكّان والرئاسة والمكانة؛ فكلّ هذه ابتلاءات! ولكن في وقتٍ ما يكون الإنسان هو الذي يملك المريد والمسجد والرئاسة؛ وفي هذه الحالة، يستطيع أن يتركها، ويقول: «كنتُ أملكها حتّى الآن، والآن أتركها، فهل هناك مانع؟!».

  • كنّا نريد أن نتحدّث في هذا المجلس عن فقرة «اللَهمّ إنّي أجِدُ سُبُلَ المَطالِبِ إلیکَ مُشرَعةً»، ولكن تطرّقت لتتمّة الفقرة السابقة، وإن شاء الله ـ لو وفّقنا تعالى ولم يحصل بداء ـ سنتحدّث عنها في المجالس القادمة. 

  • لقد انقضى شهر رمضان، والليلة هي ليلة الثاني والعشرين، وليس معلومًا كم ليلة أخرى سيوفّقنا الله. على كلّ حال، هذه الليالي هي ليالٍ محترمة جدًا.

    1. عبارة مجازيّة تُشير في الثقافة الفارسيّة إلى استحضار الإنسان للذكريات القديمة، واشتياقه للرجوع إلى الزمان القديم؛ ولعلّ السيّد قدّس الله سرّه الشريف أراد من خلالها الإشارة إلى حنين الإنسان السالك إلى الدنيا وشوقه إليها. المعرّب

منهج السالك في التعامل مع الخلق وسرّ اعترافات الإمام في الدعاء. - لماذا يُعدّ الفضول والتجسّس على الآخرين من موانع السلوك إلى الله؟

18
  • توصية العلاّمة الطهرانيّ بإحياء العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك

  • كان المرحوم العلاّمة يقول: 

  • لو استطاع الإنسان أن يقضي هذه العشر كلّها في الإحياء، وألاّ يكتفي فقط بليالي الحادي والعشرين والثالث والعشرين والسابع والعشرين، لكان قد فعل عملاً جيّدًا!

  • بالطبع، بحسب القدرة والطاقة! ليس لازمًا أن يحيي الليل كلّه، بل ينام ساعتين، ويُحيي الباقي، ثم يُعوّض نقصَ النوم في النهار؛ لأنّ لهذه العشرة الأيّام خصوصيّات مميّزة، وهذه الليالي التي نحن فيها تختلف عن العشرتين السابقتين.

  • حقًّا، لو لم تكن لدينا هذه الأدعية، فأيّ دستور وقدوة كنّا سنتّخذ، وعلى أيّ شيء كنّا سنتّكئ؟! نأمل أن يقرننا الله ـ إن شاء تعالى ـ ببركة أوليائه وأصفيائه، وببركة الإمام السجّاد عليه السلام، بنياتهم، ويحشرنا مع هذه النيات!

  •  

  • اللَّهُمَّ صلِّ علَى محمّدٍ وآل‌ محمّدٍ