9

شرط قبول العمل والصدق النافع عند الله

المسلم الكاذب والكافر الصادق!

18
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمدعاء أبي حمزة الثمالي

المجموعةسنه 1421

التاريخ 1421/09/13


التوضيح

ما هو شرط قَبول الله للأعمال الصالحة؟ ولماذا لا قيمة للصدق إن لم يكن للّه؟ وكيف يتعامل الله مع زلّات السالكين الحقيقيّين؟ في هذه المحاضرة، يجيب آية الله السيّد محمّد محسن الطهرانيّ رضوان الله عليه عن هذه الأسئلة، كاشفًا عن أهمّيّة الإخلاص والتقوى، ودافعًا بقوّة عن ضرورة قول الحقيقة ولو خالفت مصالح البعض.

/۱۷
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

شرط قبول العمل والصدق النافع عند الله - المسلم الكاذب والكافر الصادق!

1
  •  

  • هوالعلیم

  •  

  • شرط قبول العمل والصدق النافع عند الله

  • المسلم الكاذب والكافر الصادق!

  •  

  • شرح دعاء أبي حمزة الثمالي - سنة ۱٤٢۱ هـ - الجلسة التاسعة

  •  

  • محاضرة القاها

  • آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدّس الله سره

  •  

  •  

شرط قبول العمل والصدق النافع عند الله - المسلم الكاذب والكافر الصادق!

2
  •  

  •  

  • أعوذُ باللَهِ مِن الشّیطانِ الرّجیم 

  • بِسمِ اللهِ الرّحمَنِ الرّحیم 

  • الحمدُ لِلهِ ربِّ العالمینَ 

  • وصلَّى اللهُ علَى سیّدنا ونبیّنا أبي‌القاسمِ محمّدٍ 

  • وعلَى آلهِ الطّیّبینَ الطّاهرینَ 

  • ولَعنةُ اللهِ علَى أعدائِهم ومخالِفیهم ومُعاندیهم أجمعینَ 

  •  

  •  

  • «والحمدُ للّهِ الَّذي یَحلُمُ عنّي حتّى کأنّي لا ذَنبَ لي، فَرَبّي أحمدُ شَیءٍ عِندي وأحقُّ بَحمدي».

  • في الحلم من النوع الثالث، لا يتسبّب الذنب بالابتعاد

  • كان القسم الثالث من أقسام الحلم هو أنّه في عين ارتكاب الإنسان للذنب، إلّا أنّ ذلك الذنب ـ وبالطبع من الأفضل أن نسمّيه خطأً ـ لا يترك أثرًا عميقًا وكدورةً وظلمةً في النفس؛ بل يكون أثره وتأثيره مؤقّتًا ومقطعيًّا، ولا يوجب ابتعادًا جادًّا للإنسان. والآن، لماذا وبأيّ علّةٍ يكون هذا القسم من أقسام الحلم هكذا؟!

  • في أحد الأيّام في الزمن السابق، قبل حوالي ثلاثين عامًا، كنّا برفقة أحد الأرحام الذي كان قد أتى لتوّه من النجف، كنّا في خدمة المرحوم العلامة رضوان الله عليه، وقد ذهبنا إلى مجلس أحد السادة ومعاريف طهران، والذي انتقل الآن إلى رحمة الله. كان منزله قريبًا من السوق وكان محلّ تردّد أئمّة جماعات طهران. كان هذا الرجل قد جاء في مناسبةٍ لزيارة المرحوم العلامة، وكان قصده هو أيضًا ردّ الزيارة له. كان المنزل ممتلئًا بالجمع، وقد حضر جميع أئمّة الجماعات، ولكنّنا لم نكن نعلم أنّ صاحب المنزل نفسه ليس موجودًا. كان الحديث والحوار يدور من هنا وهناك، وكان المرحوم العلامة أيضًا جالسًا صامتًا هكذا.

  • فطرح أحد العلماء الذين كانوا هناك مسألةً وقال: «كنّا في مجلسٍ شبيهٍ بهذا المجلس، فطرح سائل آيةً وأورد إشكالًا على هذه الآية ولم يُجب أحدٌ عنه». ويبدو أنّ الآية كانت: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلصَّٰبِ‍ُٔونَ وَٱلنَّصَٰرَىٰ مَن ءَامَنَ باللَهِ وَٱليَومِ ٱلأٓخِرِ وَعَمِلَ صَٰلِحًا فَلَا خَوفٌ عَلَيهِم وَلَا هُم يَحزَنُونَ﴾۱، والتي تشمل اليهود والنصارى. تقول الآية: «كلّ من آمن من اليهود والنصارى وعمل عملًا صالحًا، فأجره محفوظ عند الله».

  • الإشكال هو أنّ كلّ هؤلاء اليهود والنصارى، من الممكن أن يقوموا بعملٍ جيّدٍ أيضًا ويكون عملهم عملًا صالحًا؛ فعلى سبيل المثال، هؤلاء الذين اكتشفوا الكهرباء، أو قاموا باختراعٍ ما، وهيّأوا الوسائل التي توجب راحة الإنسان وتنوّع أمور معيشته وتسهيلها، أغلبهم من اليهود والنصارى، وهم مشمولون لهذه الآية! هؤلاء يؤمنون باليهوديّة والمسيحيّة، إذن يجب أن نقول إنّهم الآن في الجنّة! وهكذا المخترعون والمكتشفون والذين ينتمون إلى أديان مختلفة ولكنّهم لا يكذبون ولا يسرقون ولهم منهج وطريق لأنفسهم.

    1. سورة المائدة (٥) الآية ٦٩.

شرط قبول العمل والصدق النافع عند الله - المسلم الكاذب والكافر الصادق!

3
  • فطرح أحد العلماء هذه القضيّة، وأجاب كلّ واحدٍ من الحاضرين بجوابٍ ولكنّه لم يلقَ القبول. أتذكّر أنّ أحدهم ـ رحمه الله ـ كان شيخًا طاعنًا في السنّ، وأجاب هكذا: «الإيمان بآدم يقتضي الإيمان بالخاتم؛ أي أنّ الذي يؤمن بحضرة آدم يجب أن يكون قصده الإيمان بالخاتم أيضًا، وليس صحيحًا أن يضع في اعتباره وجهًا خاصًّا وتعيّنًا خاصًّا فقط. ففي ضمن الإيمان بنوح والإيمان بموسى، يوجد الإيمان بالنبيّ أيضًا؛ وبناءً على ذلك، فهؤلاء الأفراد غير مشمولين برحمة الربّ. وفي الواقع، من يؤمن بالنبيّ عيسى، فإنّه يؤمن بكلّ مسائل شريعته وكلّ القوانين والمعارف والمعتقدات التي تتضمّنها، وفي شريعة النبيّ عيسى قد بُشِّر بالنبيّ الأكرم، والذي يعتقد بتلك الشريعة ولكن لا يعتقد بهذه الشريعة، فكأنّه أصلًا لا يعتقد بتلك الشريعة، ويشمله قوله تعالى: ﴿...نُؤمِنُ بِبَعض وَنَكفُرُ بِبَعض...﴾۱؛ مثل الذي يكون مسلمًا ويعتقد بالنبيّ ولكن لا يعتقد بالصلاة والحجّ وولاية أمير المؤمنين عليه السلام. فهذا ليس لديه اعتقادٌ أصلًا ويكذب حين يقول إنّي أعتقد وألتزم!». عندما قال هذا الكلام، لم يعد البقيّة يتكلّمون.

  • عندما خرجنا من منزله، قال هذا السائل الذي كان من أقاربنا للمرحوم العلامة: «ما هو رأيكم بخصوص هذه المواضيع التي طُرحت؟». فقال: «كلّ هذه المواضيع ناشئة عن عدم مطالعة هؤلاء السادة للقرآن!» قال: «كيف؟!» فقال: «بناءً على قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَهُ مِنَ ٱلمُتَّقِينَ﴾٢، فإنّ التقوى لا معنى لها بدون الإيمان بالنبيّ، والله يقبل العمل الخيّر والصالح الصادر عن تقوى؛ أمّا مجرّد أن يكون عملٌ خارجيٌّ محطّ اهتمام الناس ومشمولاً بحكمهم بالحُسن، فقد لا يكون محطّ نظر الله ومحلّ قبوله! بالطبع، الجواب الذي قدّمه ذلك الرجل ليس جوابًا باطلًا، وهذه المسألة متضمّنة فيه أيضًا، ولكنّ الآية تقول صراحةً: ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَهُ مِنَ ٱلمُتَّقِينَ﴾.

  • يُقال للمتّقي إنّه الذي وضع نفسه تحت حفظ الله وحراسته وحصانة ولايته. من الممكن أن يكون هناك إنسان لا يعتقد بالله أصلًا وينكره، ولكنّه يصدُق في حياته، إلّا أنّ صدقه ليس من أجل أن يكون في سياق أمر الله ورضاه، بل يقول: أصلًا أنا أرغب في أن أصدُق، أو أنّه يقوم بعملٍ ما في الخارج ولهذا العمل ظاهرٌ جيّدٌ ولكنّه ليس للّه، بل لنفسه؛ فمثلًا يقول: أنا أقوم بهذا العمل في الخارج ولا شأن لي بالله، في هذه الحالة لم يعد لديه توقّعٌ من الله أيضًا. أنت الذي لا تعتقد بالله، لم يعد لديك توقّع للجنّة أيضًا! لقد قمت بعمل، حسنًا، فلتكن قد قمت به! هذا العمل الذي تقوم به ليس في سياق القرب من الله والوصول إليه ونيل رضاه، بل هو من أجل فكرك وحالك وسائر المسائل والمصالح والمنافع التي تقتضيه.

    1. سورة النساء (٤) الآية ۱٥۰.
    2. سورة المائدة (٥) الآية ٢۷.

شرط قبول العمل والصدق النافع عند الله - المسلم الكاذب والكافر الصادق!

4
  • والحمد للّه، ترون الآن في إيران أنّ الأفراد عندما يستيقظون من نومهم صباحًا، تكون في أذهانهم خطّة المكر، والكذب، والحيلة، والخداع، والاحتيال على الناس، وأكل أموالهم، والسرقة، إلى أن يلبسوا ثيابهم ويذهبوا إلى السوق أو الدائرة ثمّ يعودوا إلى المنزل ويناموا. هذا ما نراه وهو أظهر من الشمس، وموجود من كلّ صنف وكلّ نوع وبكلّ شكل، ولا يحتاج إلى بحثٍ أيضًا! ورحمة الله على الزمان السابق ألف مرّة!

  • سخن سربسته گفتی با حریفان***خدایا زین معما پرده بردار 
  • والمعنى: 

  • لقد تكلّمتَ بكلامٍ مبهمٍ مع الأقران *** يا إلهي، ارفع الستار عن هذا اللغز 

  • والآن متى يرفع الستار، نحن لا نعلم! الحمد للّه، هذا هو وضع بلادنا الإسلاميّة، نحن المسلمين، وتجارتنا، وعملنا وكسبنا وقانوننا! وفي المقابل، الدول الأخرى كافرة، لا دينيّة، ملحدة، مرتدّة، لا مذهبيّة، ضدّ الله وضدّ النبيّ، ولكن لا يوجد فيها كذبة واحدة، ولا زور واحد، ولا حيلة واحدة، ولا خدعة واحدة! إنّها تمامًا مثل إيران ولا فرق بينهما أبدًا؛ طابق النعل بالنعل!

  • والآن لو أراد أحدٌ أن يأتي من تلك البلدان إلى هنا وينشغل بالعمل والكسب والتجارة، فهل يستطيع أن يصدُق؟! يجعله الناس بائسًا في اليوم الأوّل نفسه ولا يدعونه يصل إلى اليوم الثاني! ولكن لو ذهب أحدٌ من تجّار إيران هؤلاء أو الذين يعملون في دائرة أو أيّ مكان وعاش هناك، فهل يستطيع أن يكذب؟! لا، ففي اليوم الأوّل نفسه يمسكون بأذنه ويطردونه من ذلك البلد ويقولون: تفضّل، هذا ليس مكان جنابكم! هذا البلد مكان أناس يعيشون بصدق، ومن يريد أن يكذب فليتفضّل بالخروج!

  • كان الشيخ الأنصاري رحمه الله يقول: «نقل لي أحد المعارف قائلًا: "كنتُ قد ذهبتُ إلى سويسرا، وهناك استأجرتُ متجرًا وكنت أبيع وأشتري البضائع. وفي أحد الأيّام رأيتُ الناس يشترون التذاكر لركوب القطارات أو حافلات المدينة ثمّ يركبون، وفي أغلب الأوقات لا يوجد موظّفٌ ليفحص التذكرة، ثمّ يرمي التذكرة بعيدًا، ولكن في بعض الأحيان يأتي مفتّش إلى داخل الحافلة وينظر إلى التذاكر. فقلتُ في نفسي: الآن بما أنّه ليس من المعلوم متى سيأتي هذا المفتّش، لذا سأركب هكذا بدون تذكرة ـ كان يريد أن يفعل هناك نفس الأعمال التي كان يفعلها في إيران ـ وبالصدفة، جاء المفتّش ونظر وحقّق في الواحدة تلو الأخرى، وعندما وصل إليّ قال: ’أين تذكرتك؟‘ قلتُ: ’ليس لديّ تذكرة!‘ فقال ذلك المأمور: ’حسنًا، ما اسمك؟‘ فقلتُ اسمي، فكتب اسمي وذهب ولم يفعل بي أيّ شيء أصلًا! فقلتُ في نفسي: كم هو جيّد، لقد زال الخطر عنّي! كم هم أناس طيّبون هؤلاء! والآن بما أنّ امتلاك التذكرة وعدم امتلاكها سيّان، سأفعل غدًا الشيء نفسه.

شرط قبول العمل والصدق النافع عند الله - المسلم الكاذب والكافر الصادق!

5
  • في اليوم التالي عندما جئتُ إلى المتجر وفتحتُ الباب، رأيتُ أنّه لا يأتي أيّ زبون! جلستُ حتّى الظهر ولكن لم يأتِ أيّ زبون! حتّى العصر لم يأتِ شخصٌ واحدٌ إلى المتجر! وفي اليوم الثاني والثالث أيضًا لم يراجع متجري زبونٌ واحد! لو كنّا نحن أيضًا مثل أولئك الناس لأصبح أمرنا مستقيمًا، وحينها لما استطاع أحدٌ أن يقول أيّ كلام! فذهبتُ إلى جاري هذا الذي بجانبي وقلتُ له: ما الذي فعلتُه؟! لمَ الأوضاع هكذا؟! ثلاثة أيّام وأنا آتي إلى المتجر ولم يأتِ زبونٌ واحد! فقال: ’ألا تشتري الجريدة؟!‘ قلتُ: لا! قال: ’لقد وضعوا صورتك واسمك في الجريدة وكتبوا إنّ هذا الرجل ممنوعٌ من المعاملة ومقاطعٌ بسبب مخالفته للأنظمة الحكوميّة وعدم دفعه ثمن التذكرة! فلو عشتَ مائة عامٍ، لما أتى زبون واحدٌ إلى متجرك‘. حقًا هم أناسٌ يجب أن نقول لهم: أحسنتم! لا يستطيع أحدٌ أن يفرض عليهم شيئًا بالقوّة. إنّهم يعملون وفقًا للأنظمة!

  • قلتُ: والآن ماذا يجب أن أفعل؟! قال: ’والله لا أعلم، لم يعد هناك فائدة! يجب أن تجمع أغراضك وتذهب إلى بلدك وتعمل كاسبًا هناك! بالطبع يمكنك أن تفعل شيئًا واحدًا، وهو أن تذهب إلى دائرة الشرطة وتقول لهم إنّني أعتذر، سامحوني، لقد تبت!‘ فذهبتُ واعتذرت، فقالوا: ’الآن سنتساهل معك تساهلًا واحدًا وهو أن نعلن أنّ هذا الرجل قد عرض أمواله للبيع في مزاد، وسنمهلك أسبوعًا واحدًا، وبعد أسبوع ينتهي المزاد‘. في الغد كتبتُ فوق المتجر: البضائع معروضة في المزاد، فجاء الزبائن، ثم انتهى المزاد، ورأيتُ أنّه لم يعد هناك فائدة، فجمعتُ الأغراض وعدتُ إلى إيران وبدأتُ من جديد بعملي السابق"».

  • هل هذا الإيرانيّ الذي يذهب إلى هناك ويصدُق، يصدُق للّه أم لا؟! القضيّة هي أنّ ذلك المكان هو مكانٌ لا يمكن فيه الكذب والاحتيال والتقصير في العمل، لأنّ الناس هناك لا يقصّرون في عملهم، وإذا صنعوا جهازًا ووضعوه في متناول الناس، فإنّ الناس يثقون بهذا الجهاز.

  • كان أحدهم يقول لي اليوم: «لقد استجوب نائبٌ وزيرَ الصناعات بسبب هذه السيّارات التي يصنعونها والتي لا أمان فيها أصلًا، فأجاب الوزير جوابًا، ولم يرضَ هو به». وبالطبع من الواضح أنّ جميع الأجوبة من طراز واحد ونوع واحد. ولكن يجب أن أقول لذلك النائب: يا سيّدي النائب، بدلًا من أن تستجوب الوزير، ثقّف الناس! من الذي يشتري هذه السيّارة؟! أنا وأنت نشتري هذه السيّارة، والآن لو لم نشترِها، إلى أين تذهب السيّارة؟! لن يدفنوها في الأرض! وحينها لن يصنعوها بهذا الشكل، وسيضطرّون إلى إتقان العمل. أيّها السادة، هل تركبون أنتم أيضًا هذه السيّارة التي يخرج إطارها عند منعطف الطريق وتسقط في الوادي؟! لذا أقول: لو أصبحت ثقافتنا مثل ثقافتهم، لما استطاع أحدٌ أن يفرض علينا شيئًا بالقوّة، ولكن عندما يشتري هؤلاء الناس أنفسهم كلّ ما يصنعونه ويضعونه على رؤوسهم، يقولون هم أيضًا: ما دام الأمر كذلك، فنحن أيضًا سنواصل عملنا! يا سيّدي النائب، لمَ تأتي وتستجوب الحكومة؟ تعال ووعِّ الناس، ثقّف الناس! يجب على الناس أن يقاطعوا وألّا يشتروا البضائع!

شرط قبول العمل والصدق النافع عند الله - المسلم الكاذب والكافر الصادق!

6
  • الإرادة الحقيقيّة للناس، تمهّد لمساعدة الله

  • كان هذا فيما يتعلّق بالمسائل الاقتصاديّة، وأمّا فيما يتعلّق بالمسائل المعنويّة فالأمر كذلك أيضًا؛ ﴿إِنَّ ٱللَهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَومٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِم...﴾۱. والأمر هكذا في كلّ مسألة. قرّر الناس في زمن الشاه أن يثوروا ضدّ المفاسد الاقتصاديّة، فساعدهم الله أيضًا وأسقطوا الشاه بتلك القدرة التي كانت لديه، وبتلك التجهيزات، وبذلك الكمّ والكيف، وبذلك الدعم الدولي. إنّ اللهَ إذَا أرَادَ شیئًا هیّأ أسبابَه، فعندما تقرّر أن يُطوى بساط الشاه، هيّأ أسباب ذلك. عندما كان الشاه يقتل الناس باستمرار، كان الناس يتظاهرون أكثر؛ لأنّهم قرّروا أن يتمّ هذا الأمر، والله ساعدهم أيضًا!

  • العمل الذي يكون في سياق التقرّب إلى الله هو الذي يوجب القرّب

  • إذن، الصدق الذي يكون من أجل تدبير أمور المعيشة لا قيمة له! عندما تشعر أنّك لو كذبتَ كذبة واحدة، لما انتبه أحدٌ حتّى آخر عمرك، ثمّ تصدُق، حينها يكون هذا الصدق للّه! أمّا أن يكذب إنسان أمام أعين الجميع ويدرك أيضًا أنّهم يدركون كذبه، فهذا ليس هو المقصود. أو أن لا يكذب إنسان لأنّ القضيّة لن تبقى خفيّة وبعد ذلك سيبحث الناس ويدركون، فهذا أيضًا لا قيمة له. ولكن لو استطعتَ أن تكذب ولن تُكشف هذه الكذبة حتّى آخر عمرك، ومع ذلك تصدق، فهذا له قيمة.

  • وعلى هذا الأساس، فإنّ ذلك العمل الذي يقع في سياق التقرّب إلى الربّ هو الذي يوجب القرب.

  • بدا لي العشق ميسورًا وها جاءت مشاكله

  • إن كان الرفقاء الكرام يذكرون، كنّا في تلك الجلسات الأولى قد تحدّثنا عن مراتب العمل وجانبه الملكوتيّ والناسوتيّ، والآن نريد أن نعود إلى هناك. فالجانب الملكوتيّ للعمل هو عبارة جانب ارتباط الإنسان بالله؛ أي أنّه الجهة الإلهيّة! فقد يقوم إنسان ما بعملٍ خاطئٍ بينما تكون وجهته واتّجاهه ورايته نحو الله، يخطئ ولكنّ اتّجاهه هو الله، وحركته إلى الله، وفكره وذكره هو الوصول إلى الله وتحصيل رضاه والعمل بالتكليف الذي قرّره الله؛ وهذه المسألة ليست مسألة سهلة! إنّها مسألة سمعنا بها جميعًا وعلمناها بشكل أو بآخر، ولكن عندما نريد أن نحقّق هذه المسألة في حياتنا، نواجه المشاكل:

    1. سورة الرعد (۱٣) الآية ۱۱.

شرط قبول العمل والصدق النافع عند الله - المسلم الكاذب والكافر الصادق!

7
  • ...***كه عشق آسان نمود اول ولي افتاد مشكلها۱
  • يقول: 

  • ... *** بدا لي العشق ميسورًا وها جاءت مشاكله! 

  • أو هذا الشعر لحافظ الذي يقول فيه:

  • چو عاشق می‌شدم گفتم که بردم گوهر مقصود***ندانستم که این دریا چه موج خون‌فشان دارد٢ 
  • والمعنى: 

  • لمّا عشقتُ قلتُ: لقد فزتُ بجوهرة المقصود *** وما علمتُ أنّ هذا البحر كم فيه من موجٍ يسفك الدماء 

  • يصل الإنسان إلى درجةٍ لو أراد فيها أن يفعل ما يرضي الله، فقد يتداعى بناء حياته كلّه، ولكن يجب عليه أن يصمد! فليتداعَ!

  • ألا یا أیها السّاقی أدر کأساً و ناولها***که عشق آسان نمود اول ولی افتاد مشکل‌ها 
  • ألا أيّها الساقي أَدِر كأسًا وناولها***بدا لي العشق ميسورًا وها جاءت مشاكله
  • فهل ظننتم أنّكم تأتون وتُعطى لكم الكأس، وتأخذون جامًا وتشربون جرعة أو جرعتين فتسكرون ثمّ لا مبالاة! لا يا عزيزي، يضعونك في الطريق قليلًا ثمّ يلقون بك في المطبّات، والآن اذهب صعودًا وهبوطًا! فيقول الإنسان: يا إلهي، بداية الطريق كانت جيّدة جدًّا ولم نشعر بشيء! فيقول الله تعالى: لقد أريناك باب الحديقة الخضراء لتدخل، والآن بعد أن دخل يجب عليك أن تسير! وبالطبع، لذّته في هذا أيضًا! فمن يريده، يريده بكلّ ما فيه من مسائل، وإلّا فلا لطف فيه! وإن شاء الله يقسم الله لنا جميعًا من تلك الجواذب التي تحصل للإنسان في سبيل عشق ذاته! إنّها جواذب ولذّات، تلك اللذّات التي لم تعد لذيذة بدون هجران!

  • بيان حال الهجران والفراق عند حافظ في كلام العلامة الطهرانيّ

  • كان فصل الشتاء، وكنّا نجلس مع المرحوم العلامة واثنين أو ثلاثة آخرين تحت مدفأة الكرسيّ. كان عمري حينها حوالي ثمانية عشر أو تسعة عشر عامًا. فسألته: حافظ الذي يئنّ كلّ هذا الأنين من ألم الهجران، حسنًا، فليدع القضيّة! لا معنى لأن يصرخ ويصيح كلّ هذا الصراخ ويقول: يا إلهي، انظر إلينا نظرة، لقد أوقعتنا في هجرانك! فقال عبارةً عجيبة: «لو أعطوه الدنيا والآخرة وقالوا له إنّنا لن نوصلك إلى وصله، لما تخلّى عن هذا الهجران!»

    1. دیوان حافظ، الغزل ۱.
    2. دیوان حافظ، الغزل ۱٢۰.

شرط قبول العمل والصدق النافع عند الله - المسلم الكاذب والكافر الصادق!

8
  • الأعاظم والأولياء لا يريدون أن يكون غير الله في قلوبهم وسرّهم

  • هجرانه وفراقه هو الأصل، لا فراق المسائل الأخرى! حتّى لو قالوا له إنّنا لن نوصلك إلى الوصل أيضًا، ولكن مجرّد أنّه يشعر بأنّه هو في قلبه، فهذا يكفيه، وحقًا هو كذلك! بالطبع، هو كريمٌ جدًّا ويوصل إلى الوصل! وماذا يضع الإنسان في قلبه غيره؟! هل يضع البناء والسيّارة والدكّان وبضاعة التجارة والرئاسة؟! ولو قال الله لعبده: أنا لن أوصلك إلى وصلي! يقول الإنسان: «لا توصلني، ولكن لا تضع غيرك في قلبي! فقط افعل هذا العمل الواحد!» وبالطبع، يا إلهي، لا تسمع منّي هذا الكلام وأوصلني إلى وصلك!

  • المهمّ هو تلك القضيّة الأولى، وهي ألّا تضع غيرك في قلبنا! وإذا اقتضى تقديرك وإرادتك وكبرياؤك وجلالك وعظمتك أن تبقينا في الهجران، فأبقِنا! والويل لنا لو قال الله: أنا أخرج نفسي من قلبك، وحينها سأعطيك كلّ ما تريد! سأعمر حياتك وسأعطيك الأموال! حينها يكون أمرنا قد فسد! هؤلاء الأعاظم والأولياء مثل حافظ وباباطاهر وابن الفارض الذين يتحدّثون عن الهجر، لم يكونوا يريدون أبدًا أن يدخل غيره في قلوبهم! يقول ابن الفارض في شعر له:

  • ولو علِمتُ بأنّ الحُبَّ آخِرُهُ***هذا الحِمامُ لَما خالَفتُ لُوّامي۱ 
  • أي لو علمتُ أنّ آخر هذا الهجر والعشق سيصل إلى هذه الشدّة، لما خالفتُ أولئك الذين كانوا يلومونني، ولكنتُ قد أعطيتُهم الحقّ! أي أنّ حرقة الهجران تصل إلى هذا الحدّ! يناجي الله ويقول: يا إلهي، نحن مخلصون لك! في النهاية، انظر إلينا نظرة لطف! فصحيح أنّنا جئنا وسرنا في الطريق، ولكن لا تتكبّر أنت علينا! نعلم أنّنا لسنا أهلاً لهذا المقام، وقد جئنا كذبًا ومجازًا وألصقنا أنفسنا، ولكن أين كرمك وسخاؤك؟! نحن فاسدون، فكن أنت عظيمًا! كلّ هذا لأنّهم لم يكونوا يريدون أبدًا أن يدخل غيره في قلوبهم وسرّهم وسويدائهم! ولو طال الهجر ألف عام! وهل عمر الإنسان ألف عام؟! ألسنا نحن للأبديّة؟! من يوجد فإنّ حياته حياة مؤبّدة.

  • يقولون: «سيّدنا، نحن نصلّي ونذكر ولكن لا نرى شيئًا!» حسنًا، لا ترَ! وهل من المقرّر أن ترى؟! وهل تريد مع كلّ ذكر تقوله أن يُرفع حجابٌ ويأتي إليك جبرئيل بهدية؟! لا، لا خبر عن هذا! يقولون: «ذكَرنا الله لعامٍ كامل، ولكن لا نشاهد شيئًا!» لم يعطِ الله ضمانًا بأنّه بعد عام سيأتي إسرافيل مع ألف ملك إلى باب منزلك ويستأذن للدخول! لا يا عزيزي، لا وجود لهذا الكلام! فلا تنشغلوا كثيرًا بهذه الأفكار!

    1. دیوان ابن‌فارض ج ص ۱٤٩ (بيروت الدار العلمية).

شرط قبول العمل والصدق النافع عند الله - المسلم الكاذب والكافر الصادق!

9
  • الاحتياج والفقر يوجبان الرشد والتقدّم المعنويّ في العبادات

  • لقد كان هناك أعاظم يبكون وينوحون ويبتهلون، وكانوا يضربون أنفسهم بالأرض والسماء إلى هذا الحدّ لتُفتح لهم نافذة! أمّا نحن فلم نصعد إلى أعلى ولم ننزل إلى أسفل، ولم نقطع واديًا! نحن مرتاحون، سكارى لا يعقلون، هكذا نسير في حياتنا، حتّى إنّهم لم يقرعونا قرعة خفيفة! انظروا أنتم إلى مسلمي صدر الإسلام في زمن الأئمّة عليهم السلام الذين كانوا مبتلين بالسجون والجلد والعذاب! في صدر الإسلام، ما الذي فعلوه بوالد عمّار بن ياسر ووالدته! لقد شووهما، ولكنّهما كانا يقولان باستمرار في تلك الحال: «أحدٌ أحد»!

  • حقيقة الأمر هي أنّ كلّ شيء كان دائمًا جاهزًا ومهيّأً لنا! يقول حافظ:

  • موج اشک ما کی آرد در حساب***آن که کشتی راند بر خون قتیل۱ 
  • متى يأخذ في الحسبان موجَ دمعنا *** ذاك الذي سيّر سفينته على دم القتيل 

  • ذلك الرجل سيّر سفينته على دم القتيل، ثم أنت تتنهّد تنهيدة وتبكي، وبعد ذلك تقول: يا إلهي، نحن ننتظر ما الذي سيأتينا! كلّ هذا من أجل أن نعلم ونصحّح وضعنا وطريقنا، وألّا يكون لدينا طمعٌ ساذج. طريق الله هو طريق التصحيح! الله ليس في انتظار ركعتي صلاتنا! ما دمنا في هذا الفكر بأن نشاهد الأثر المترتّب على هذه الصلاة التي نصلّيها، فإنّنا لن نخطو خطوة واحدة! اذهبوا وجرّبوا! كلّما كانت النيّة والإرادة، حاجةً واحتياجًا، وكانت فقط من أجل الأنس به، تقدّمنا.

  • أيّها المسكين، أنت تقول إنّه ليس لدينا مزاجٌ لنستيقظ ليلًا للصلاة! ألم تكن لتقوم لو أيقظوك لعملٍ آخر؟! على سبيل المثال، لو أنّ مؤسّسة تعمل من الساعة الثالثة إلى الرابعة بعد منتصف الليل، وكان عليك أن تأخذ مالًا من هناك في الساعة الثالثة بعد منتصف الليل، ألم تكن لتستيقظ من نومك؟! إنّها خطّة جيّدة جدًا أن تُنشأ مثل هذه المؤسّسات وتصرف شيكات الناس في تلك الساعة! حينها انظروا كم سيصطفّ الناس! هؤلاء أنفسهم الذين كانوا يقولون: «نحن متعبون وجرس الساعة لا يوقظنا، فماذا نفعل!»

  • لا يوجد شيء اسمه "ماذا نفعل"! أو لو قالوا: في الساعة الثالثة بعد منتصف الليل سيعطونكم خمسين ألف تومان مجّانًا، أو أصلًا في هذه الساعة سيعطونكم سلعة، حينها ما الذي أقوله عن الجرس، ستعلّقون ناقوس الكنيسة في منزلكم، وستضعون بوق القطار أيضًا حتّى لا يفوتكم النوم! كلّ هذا هو استخفاف بالمسألة! حسنًا، استخفّوا بها!

    1. دیوان حافظ، الأشعار المنسوبة، غزل ۱٦.

شرط قبول العمل والصدق النافع عند الله - المسلم الكاذب والكافر الصادق!

10
  • أين يقع الإمام صاحب الزمان عليه السلام في حياتنا؟!

  • ربّما قرأتم حكاية المرحوم الحاج السيّد أحمد الكربلائيّ في كتاب «التوحيد العلميّ والعينيّ» للمرحوم العلامة. كان المرحوم السيّد أحمد الكربلائيّ أحد البكّائين المعروفين في زمانه، وكان يبكي كثيرًا، وكانت نوحاته وبكاؤه في مسجد السهلة تُسمع في أغلب ليالي الأسبوع، ليس فقط ليالي الجمعة! إن شاء الله، أن تُقسم لنا جميعًا زيارة مسجد السهلة، ففي ليالي الأربعاء يكون مزدحمًا جدًّا، ولكن في سائر الليالي يكون خاليًا، ربّما لا يكون في المسجد أكثر من بضعة أنفار. قلّما كان من سادة النجف وأمثالهم من لم يسمع بكاء السيّد أحمد الكربلائيّ في مسجد السهلة!

  • ينقل المرحوم العلامة: «كان السيّد جمال الدين الگلپايگانيّ يذهب في منتصف ليلة الجمعة إلى مسجد السهلة لأمرٍ كان لديه من المرحوم الشيخ محمّد علي البروجرديّ. كان السيّد جمال الگلپايگانيّ تلميذه، وكان يذهب ليالي الجمعة إلى مسجد السهلة ويصلّي ويأتي. ينقل هو أنّه في إحدى الليالي بينما كنتُ مشغولًا بالصلاة، رأيتُ في منتصف الليل سيّدًا جاء وكانت حالته خاصّة نوعًا ما! فوقف في جهة مقام الإمام صاحب الزمان عليه السلام وانشغل بالدعاء والصلاة، وبعد أن صلّى ركعتين، بدأ يقرأ الشعر، وكان يتحرّك في وسط المسجد ويذهب ويجيء ويقرأ شعر حافظ! خلاصة القول، هكذا مضى الوقت حتّى قُرب طلوع الفجر، حيث حدث في حاله انقلابٌ عجيبٌ، وكان مضطربًا جدًّا ويبكي وصوته عالٍ جدًّا. في ذلك الوقت تحرّك نحو الأمام، نحو ذلك المحراب والمقام، وكان يهمس مع نفسه:

  • ما بدین در نه پی حشمت و جاه آمده‌ایم***از بد حادثه اینجا به پناه آمده‌ایم 
  • رهرو منزل عشقیم و ز سر حدّ عدم***تا به اقلیم وجود این‌همه راه آمده‌ایم ۱
  • والمعنى:

  • نحن لم نأتِ إلى هذا الباب طلبًا للحشمة والجاه *** بل من سوء الحادثة لجأنا إلى هنا 

  • نحن سالكو منزل العشق، ومن حدود العدم *** قطعنا كلّ هذا الطريق حتّى إقليم الوجود 

  • ثمّ صلّى صلاة الصبح ووضع رأسه على الأرض وسجد قليلًا ثمّ قام ومشى باتّجاه النجف. وعندما خرج، انتبهتُ إلى أنّ هذا الرجل هو السيّد أحمد الكربلائيّ!».٢

    1. دیوان حافظ، الغزل ٣٦٦.
    2. توحيد علمى و عينى، ص: ٢ (فارسي) 

شرط قبول العمل والصدق النافع عند الله - المسلم الكاذب والكافر الصادق!

11
  • حينها، السيّد أحمد الكربلائيّ بهذه الحال والكيفيّة، كان في النهار عندما يدرّس في صحن الحرم في النجف، يُسمع صوت ضحكه من على بعد أمتار! تلك كانت حالته في الليالي، وهذه حالته في النهار وعلاقته بالناس! لقد ادّخر بكاءه لوقت آخر.

  • أعاظمنا ومفاخرنا كانوا هؤلاء! حقًا، أيّ ألمٍ كان لديهم؟! المرحوم السيّد الحدّاد بتلك الحالات والابتهال العجيب، أيّ ألمٍ كان لديه؟! أيّ إحساس كان في داخلهم يحثّهم؟! هذه الحالات لم تكن مبنيّة على العادة! وما نعلمه عن المرحوم العلامة لم يكن أقلّ من ذلك! أو حالات السيّد القاضي التي كتبها المرحوم العلامة في أوّل كتابه وقد طُبعت.

  • قضيّة التوسّل بالإمام صاحب الزمان عليه السلام، لأيّ شيء كانت؟! فنحن أصلًا لا نأخذ الإمام صاحب الزمان بالحسبان ولا نضعه في برنامج حياتنا، والالتفات إلى حضرته ليس في برنامجنا! كأنّه لا يوجد أصلًا إمام زمان! كأنّه لا يوجد أصلًا صاحبٌ لنا، ووليٌّ لنا، وأبٌ لنا في البين! لمَ يجب أن يكون الأمر هكذا؟! لقد كان الطريق هو هذا الذي سلكوه، هؤلاء وضعوا الله في قلوبهم وأخرجوا غير الله، ولعبوا بهذه الأسباب ومظاهر الدنيا. جاءوا إلى هذه الدنيا ولكنّ الدنيا لم تستقرّ في قلوبهم.

  • لزوم تبعيّة المريد للمراد

  • عندما ترك المرحوم العلامة مسجد القائم، وقع جميع الأفراد من السادة والعلماء ورجال الدين الذين كانوا في طهران وسائر الأماكن في تعجّب وحيرة! عندما تحدّثتُ مع عدد من أكابرهم، كانوا يقولون: «كيف يترك مسجدًا بهذه الأهمّیّة والحساسيّة؟! فهل هذا ممكن؟!» وقال لي أحد هؤلاء السادة، الذي لو ذكرتُ اسمه لعرفتموه جميعًا: «مريدوه في طهران، فكيف ذهب إلى مشهد؟!» هنا رأيتُ أنّي لو لم أتكلّم لكنتُ قليل الإنصاف جدًّا! فقلتُ: «هل يجب على المريد أن يتبع المراد، أم على المراد أن يتبع المريد؟!» ففهم قصدي وطأطأ رأسه ولم يتحدّث معي بأيّ كلمة أخرى. انظروا إلى طريقة التفكير! يقول: «مريدوه في طهران، فلمَ ذهب إلى مشهد؟!» هذا هو تفكيرنا الإسلاميّ! 

  • عدم جواز كتمان الحقائق لأجل المصالح وعدم مخالفة طباع العوام

شرط قبول العمل والصدق النافع عند الله - المسلم الكاذب والكافر الصادق!

12
  • عندما كتبتُ مقالة "الشمس المنيرة" حول المرحوم العلامة ـ وطبعًا أنا أكتب الآن تلك المواضيع بطريقة أخرى وأسلوب آخر۱ ـ اعترض عليّ الكثيرون، وكان أهمّ اعتراض هو هذا: «المواضيع التي كتبتها هنا، تزعج بعض السادة المراجع، والآن هناك عدد كبير من رجال الدين وأئمّة الجماعات من تلاميذ هؤلاء، ولذا فليس من المصلحة الاجتماعيّة أن تكتب هذه المواضيع!»

  • فقلتُ: وهل كتبتُ هذه المواضيع لرجال الدين حتّى تزعجهم أو لا تزعجهم؟! أنا لم أكتبها لهؤلاء! فلتزعجهم، ولتزعجهم أكثر أيضًا! لقد كتبتُ هذه المواضيع لذلك الشابّ واليافع وذلك الرجل العاقل الذي لا يزال فيه مقدارٌ من الفطرة التي وهبها الله، وله نصيبٌ من الوجدان والعقل السليم، ولم يُحرم من الصدق والصفاء والتعلّق والارتباط بالله. أُقسم بالله وأُشهد الله، منذ أن وضعتُ هذا القلم على الورق لأكتب هذا الكتاب وأُنهيه، لم يأتِ في ذهني ولو للحظة واحدة أنّي كتبتُ هذا الكتاب لهؤلاء! وهذه المقالة الجديدةالتي أكتبها الآن ٢ هي كذلك أيضًا؛ بالطبع فيها مواضيع إضافيّة كثيرة. والآن أيضًا أقول: الله شاهدٌ أنّ هذا الكتاب وهذا التأليف أيضًا لا أكتبه لهؤلاء، بل أكتبه لهؤلاء الشباب؛ «علیکُم بالأَحداث!»٣

  • المسألة هي أنّنا لم نرهن ديننا للمصالح. قلتُ لذلك المعترض: أنت تحمل همّ من؟! هل تحمل همّ هؤلاء الأفراد؟! ألم يكونوا يعرفون السيّد محمّد حسين، ولم يكونوا يعلمون أنّه التلميذ الأوّل في درس السيّد الخوئيّ؟! ألم يكونوا يعلمون أنّه في الوقت الذي كان جميعهم يقضون لياليهم حتّى الصباح وصباحاتهم حتّى الليل في الجلسات والمسائل المتفرّقة، لم يُضع هو ساعة واحدة من عمره في البطالة؟! ألم يكونوا يعلمون أنّه لا يوجد أحدٌ، أو على الأقلّ قلّة من الأفراد، وهبوا كلّ عمرهم لإحياء مذهب أهل البيت مثله؟!

  • كان المرحوم العلامة الطباطبائيّ بعد الثورة في منزل صهره، وقد ذهبتُ برفقة المرحوم العلامة لزيارته، وصادفنا مجلسًا حضره عدد كبير من العلماء وأئمّة المساجد في طهران، وكان الحديث يدور حول قانون مجلس الخبراء المتعلّق بحذف كلمة «الشيعة الحقّة»، وأن يكتب العلماء وأئمّة مساجد طهران رسالة وعريضة ويوقّعوها ويرسلوها إلى المجلس ليعيدوا النظر في حذف هذا القانون ويعيدوا كلمة «الحقّة» مرّة أخرى. لأنّهم في مجلس الخبراء تحدّثوا عن حذف كلمة «الشيعة الحقّة»، وهناك حذفوا كلمة «الحقّة»، وكان بعض العلماء الذين توفّوا الآن هو السبب في هذا؛ في ذلك الوقت، كان المرحوم الشيخ مرتضى الحائريّ رحمه الله قد خرج من المجلس وغضب، ولم يذهب إلى المجلس بعد ذلك، وأصابه ألم في قلبه أدّى فيما بعد إلى وفاته.

    1. في مقالة سناء الأبدية.
    2. وهي مقالة سناء الأبدية.
    3. الكافي، ج ۱٥، ص ٢٣۱.

شرط قبول العمل والصدق النافع عند الله - المسلم الكاذب والكافر الصادق!

13
  • في ذلك المجلس الذي كان بحضور العلامة الطباطبائيّ، كنتُ شاهدًا بنفسي أنّ جميع الأفراد في ذلك المجلس قالوا بالاتّفاق: «لو ذهب السيّد محمّد حسين إلى مجلس الخبراء، لاستطاع أن يعيد القانون!» لو كان هو في المجلس لما سمح بحذف هذه الكلمة. بعد ذلك، قال سيّدٌ كان قد أتى من العراق إلى هذا المجلس، وكان في زمن الشاه يتحدّث ضدّه في راديو بغداد، قال بلهجته العربيّة: «لو اجتمع جميع الأفراد، فلدينا بطلٌ واحدٌ وهو السيّد محمّد حسين، نُلقيه في نحرهم!»

  • هؤلاء السادة أنفسهم الذين كانوا يعرفون السيّد محمّد حسين، عندما توفّي، لم تصل برقيّة تعزية واحدة من طرفهم إلى مشهد! أين كان هؤلاء؟! ألم يكونوا يعلمون أنّ جميع أبناء السيّد محمّد حسين هم من طلبة العلوم الدينيّة؟!

  • أحد السادة الذين بقول المرحوم العلامة: «لو قرأ سطرًا واحدًا من العروة، لكان في قراءته ستّة أخطاء إعرابيّة»، أصابه ألم في عينه ثمّ عميت عينه، وذهب إلى الخارج للعلاج أيضًا؛ بالطبع كان الأطبّاء هنا قد قالوا له إنّه لا فائدة من السفر، ولكن على أيّ حال سافر. فقال لي ابنه: «أرسلوا له مائتي برقيّة من النجف!» ولكن عندما أُصيب العلامة الطباطبائيّ بمرض القلب، لم تصله برقيّة واحدة! والدنا يفارق الدنيا ويتوفّى، ولكن هؤلاء السادة أنفسهم الذين كانوا يقولون: «لدينا بطلٌ واحد»، لم يرسلوا لنا برقيّة تعزية واحدة! فقط اثنان أو ثلاثة أرسلوا برقيّات، وبعضهم كانوا من الأقارب! والآن، هل أكتب أنا كتابي لأجل هؤلاء؟! هل أكتب كتابي بحيث لا يزعج السادة؟! لن أفعل هذا لمائة ألف عام! فليُزعجهم!

  • لقد كتبتُ الكتاب لذلك الذي جاء النبيّ من أجله. لم يأتِ النبيّ لكعب الأحبار اليهوديّ وعبد الله بن أُبيّ وأبي سفيان، بل جاء النبيّ لهؤلاء الشباب، أحداث السنّ، المستضعفين، الشيوخ، وأولئك الذين لهم قلوب. ومن كان حول النبيّ؟! كان أولئك الذين كان لديهم مقدارٌ من الضمير، ولم يخلطوا الله بالدنيا ليتكسّبوا من الله والنبيّ والدين؛ بل جاء النبيّ لأولئك الذين كانوا قد تجاوزوا هذه المسائل. كانوا يقولون، لا بالإشارة والكناية، بل صراحةً: «السيّد محمّد حسين يتعامل مع بضعة دراويش ومن اعتزل الدنيا! يجب على الرجل أن يذهب مع التجّار ويحلّ مشاكل أهل السوق! السيّد محمّد حسين ينفع بضعة فقراء!» فرق القضيّة هنا!

شرط قبول العمل والصدق النافع عند الله - المسلم الكاذب والكافر الصادق!

14
  • من عمل لغير الله، فلا يتوقّع شيئًا من الله

  • لقد وضعنا الله جانبًا وأدخلنا غيره، واتّخذناه أصلاً لأنفسنا، وعندما اتّخذناه أصلًا، فإنّ الأصل الحقيقيّ يتنحّى جانبًا ويقول: «إمّا مكاني أو مكان غيري!» هنا تتقدّم غيرة الله وتقول: «إذا طلبتني، فإنّ حسابك لن يختلف وينطبق عليك قانون"يحلُمُ عنّي"؛ ولكن إذا طلبتَ غيري، فحينها افعل ما تريد، فما شأنك بي بعد الآن؟!» إن كنتَ تعمل للنّاس ولراحتهم، حسنًا، لقد وصل الناس إلى الراحة، وليس لك شأنٌ بي أيضًا، وأصلاً هذا العمل ليس لي! أنت أصلًا لا تقبل بي ولا تؤمن بالمبدأ الصانع، أنت أصلًا لا تؤمن بالله، أنت لا تؤمن بعلّة العلل، أنت لا تؤمن بالجنّة والنار، وأنت لا تؤمن بالنعيم والرضوان، فلمَ تتوقّع القيامة إذًا؟! كلّ ما هو موجودٌ انتهى هنا، وداعًا! لقد تعبتَ واكتشفتَ واخترعتَ ليرتاح الناس، والآن الناس مرتاحون، فقد انتهى الأمر وانقضى! أنت الذي لا تقبل بنا، ماذا تريد بعد ذلك؟! أنت الذي لا تؤمن بالقيامة، لمَ تتوقّع الجنّة؟! أنت نفسك تقول إنّه لا قيامة ولا جنّة، إذن لقد سوّيتَ حسابك مسبقًا، ففي أمان الله بعد هذا!»

  • شرط تغاضي الله عن أخطائنا ونقائصنا

  • أمّا الصنف الثاني، فيضعون الله في البين ويقولون: «يا إلهي، نحن نأتي إليك، ولكنّنا نخطئ ونزلّ أحيانًا، ولكن لا عناد ولا غرض في الأمر. نحن ضعفاء ولدينا نقص، ونخطئ أحيانًا!» فيقول الله: «المهمّ هو إرادتكم لي؛ اطلبوني وتعالوا، وحينها لا إشكال في الأخطاء والنقائص التي ترتكبونها!» وبالطبع بشرط أن تطلبوني؛ لا تقولوا غدًا إنّي قلتُ لكم اذهبوا وأذنبوا! هذا كلامٌ مهمٌّ جدًّا! فكّروا في هذه القضيّة! يقول الله: «اطلبوني، ثمّ إذا أخطأتم وكان لديكم نقص، فإنّكم مشمولون بـ "الحمدُ لِلَّهِ الّذي یحلُمُ عَنّي حَتّی کَأنّي لا ذَنبَ لي"»! يقول الله: «لأنّكم أردتموني وكان هذا هو مقصدكم حقًّا، فلو ارتكبتم ذنبًا وخطأً أيضًا، فسأتغاضى عنه!»

  • وبالطبع، عندما يكون المقصد هو هو حقًّا، فإنّ الله نفسه يمدّ يد العون؛ وأحيانًا تصدر من الإنسان خطيئة، وذلك لم يعد مهمًّا. لذا كان المرحوم السيّد الحدّاد يقول: «السالك لا يذنب، بل يخطئ وتصدر منه زلّة». والله أيضًا مثل البنّائين، بيده مالجٌ، فما إن يخطئ الإنسان، حتّى يمرّر الله عليه مالجًا ويقول: «كم هذا الطريق مستوٍ، وقد تقدّم بشكلٍ مستوٍ!» والسبب هو أنّ باطنه واتّجاهه كانا صالحين.

شرط قبول العمل والصدق النافع عند الله - المسلم الكاذب والكافر الصادق!

15
  • المقصود من فقرة «حتّی کأنّي لا ذَنبَ لي»

  • إن شاء الله، سنصل في تتمّة الحديث إلى أنّ الإمام السجّاد عليه السلام يقول في دعاء أبي حمزة هكذا. بالطبع، لو لم نصل في هذه الدنيا، سنصل في ذلك العالم، وسنذهب إلى الإمام السجّاد عليه السلام نفسه ونقول: مولانا هذا الدعاء الذي قدّمته بنفسك، درّسنا إيّاه! وحينها سنرى أنّ الفرق بين ما أقوله أنا وما يقوله الإمام هو ما بين الأرض وعرش الله! يقول الإمام في دعاء أبي حمزة يا إلهي، لقد أذنبتُ ولكن لم يكن قصدي التجرّي والعناد، بل كان علّة هذا الذنب ومنشؤه الزلّة والخطأ!۱

  • وحينها يجب أن نكون حذرين، وهذه مسألة مهمّة، ألّا يصدر منّا عملٌ ـ لا قدّر الله ـ يكون القصد منه التجرّي والمقابلة والوقوف وجهًا لوجه! لأنّه في هذه الحالة يقول الله: «لم نعد معذورين! إلى الآن، لأنّي كنت أنا مقصدك ومقصودك، وكنتَ طالبًا لي، فقد قبلتك وأتيت بك وحرّكتك، وإذا غفلتَ وارتكبتَ خطأً أو زلّةً أو ارتكبتَ خطأً أو مخالفةً، فقد تغاضيتُ عنها».

  • وإذا كانت الكيفيّة على هذا النحو، فإنّ الأمر يستقيم؛ لأنّ الباطن هو باطن التوحيد، وهذا الباطن التوحيديّ يحرق الظاهر. والآن تفهمون كلام المرحوم السيّد الحدّاد هذا الذي قال: «التّوحیدُ نورٌ یُحرقُ جمیعَ سیّئات المُوحّدینَ، والشّرکُ نارٌ یُحرقُ جمیعَ حَسناتِ المُشرکینَ».٢ والذي يكون في ذاته وحقيقته توحيدٌ، فلو ارتكب خطأً، فإنّه مشمولٌ بكلامه.

  • والمقصود بالموحّد هم هؤلاء الموحّدون السالكون، لا ذلك الذي وصل؛ لأنّ ذلك الذي وصل لم يعد لديه خطأ، وقضيّة الخطأ عنده سالبة بانتفاء الموضوع، وأصلًا لا يوجد خطأ في عمله. المقصود هو الذي يسير في طريق التوحيد ومسيره، فكره فكر التوحيد، اتّجاهه اتّجاه التوحيد، قبلته التوحيد، قبلته ليست الدنيا، قبلته ليست الوصول إلى زخارف الدنيا، قبلته ليست الوصول إلى الرئاسات، وقبلته ليست الوصول إلى المال والمنال والمريد وجمع المريدين، بل قبلته هي الله! فإن وجد مريدٌ، فليكن؛ وإن لم يوجد، فليذهب المريدون بسلامة! وداعًا جميعًا! وإن وجد مالٌ، فليكن؛ وإن لم يوجد، ففي أمان الله! وإن وجدت حياة ورئاسات، فلتكن؛ وإن لم توجد، فوداعًا لكم! نحن مخلصون للجميع! لأنّ السالك يعني هذا؛ يومٌ قليل ويومٌ كثير، واحدٌ فوق وواحدٌ تحت، واحدٌ يأتي وواحدٌ يذهب! والآن لو ارتكب هذا السالك خطأً أو زلّةً، فإنّه مشمولٌ بنفس كلام المرحوم السيّد الحدّاد.

    1. «إلهي لم أعصك حين عصيتك وأنا بربوبيتك جاحد، ولا بأمرك مستخفّ، ولا لعقوبتك متعرّض، ولا لوعيدك متهاون، ولكن خطيئة عرضت وسولت لي نفسي وغلبني هواي...».
    2. الروح المجرّد ص ٣۱۷.

شرط قبول العمل والصدق النافع عند الله - المسلم الكاذب والكافر الصادق!

16
  • ومقصود الإمام السجّاد عليه السلام هو هذا أيضًا. بالطبع هو لسان حال، ونحن نتحدّث نيابة عن الإمام السجّاد. ولهذا السبب يقول الإمام: يا إلهي، لقد جعلتُك وجهتي، فعندما تكون وجهتي أنت، لو أخطأتُ فكأنّي لم أخطئ أصلًا! أنت تستر الجميع؛ «حَتّی کَأنّي لا ذَنبَ لي!».

  • وفي ضمن هذه المسألة، هناك مسألة أخرى أيضًا، من المفترض أن تكون في سياق كلام الإمام وقوله، وذلك الموضوع هو قوله تعالى: ﴿...فَأُوْلَٰٓئِكَ يُبَدِّلُ ٱللَهُ سَيِّ‍َٔاتِهِم حَسَنَٰت...﴾۱. فالذين هم مثل الفُضيل، يكونون في الذنب وتحصل لهم الغفلة، وفجأةً يحصل لهم تنبّه فيقلبون كلّ شيء رأسًا على عقب؛ هؤلاء مشمولون بهذه الآية. أي أنّ جميع الأعمال التي قام بها حتّى الآن، فجأةً بقفزة واحدة ووثبة واحدة خرج تمامًا من ذلك الويل وتلك البئر واستقرّ في النقطة العليا، لذا فإنّ ما هو في ذلك الويل وتلك البئر لم يعد له علاقة به؛ لأنّه قد جاء واستقرّ في هذا الأعلى.

  • الذين يحصل فيهم انقلاب وتتغيّر حالاتهم ويتغيّر وضعهم تمامًا، ويغسلون أيديهم بالكلّيّة من كلّ الدنيا وما فيها، ومن المال والمنال والتعيّنات والاعتباريّات، ويحملون خيمتهم ومضاربهم ويضعونها هناك، هم مشمولون بفقرة «یَحلُم عَنّی حتی کَأنّي لا ذَنبَ لي». لم يعد الله يقول: قف هنا! لمَ جئتَ إليّ؟! لقد فعلتَ كلّ الأعمال وظننتَ أنّ هذا المكان هو مكانٌ جزافيّ؟! لأنّ الله ليس لديه حقد وحسد وكراهية، وينظر إلى هذا القلب ويقول: «هذا القلب صافٍ، انتهى الأمر!».

  • آية ﴿فَأُوْلَٰٓئِكَ يُبَدِّلُ ٱللَهُ سَيِّ‍َٔاتِهِم حَسَنَٰت﴾ فيها بحثٌ فلسفيٌّ وروائيٌّ لا نريد أن ندخل فيه؛ ولكن ما هو مسلّمٌ هو أنّ هذا الصنف من الأفراد مشمولون بنفس تلك الرحمة والغفران من الربّ، وكأنّهم لم يعودوا قد ارتكبوا ذنبًا.

  • أظنّ أنّنا لو أردنا أن نوضّح، فإنّنا حقًا لا نستطيع أن نؤدّي حقّ واحدٍ من ألف جزءٍ منه. فهل نستطيع حقًا أن نبيّن كيفيّة ارتباط الإنسان بالله وعمل الإنسان في ذلك الارتباط؟! في أيٍّ من مراتب الظاهر والمثال والباطن والسرّ كان عمل الإنسان محطّ نظر الله؟ هل كانت كلّ هذه المراتب محطّ نظره؟ لقد بيّنتُ أنّ هذه أمورٌ نتركها على عهدة الإمام السجّاد عليه السلام نفسه. نحن فقط نترجم كلام هؤلاء الأعاظم بناءً على فكرنا الناقص وفهمنا القاصر.

    1. سورة الفرقان (٢٥) الآية ۷۰.

شرط قبول العمل والصدق النافع عند الله - المسلم الكاذب والكافر الصادق!

17
  • والآن بما أنّ إلهنا هو إلهٌ غنيٌّ عنّا، ونحن محتاجون إليه، وكلّما طلبنا منه أعطى، وكلّما طلب هو منّا قصّرنا، وكلّ حاجة كانت لنا يقضيها بدون شفيع، وهو إلهٌ «تَحبّبَ إليّ»؛ يتحبّب إليّ مع كونه غنيًا عنّي، وهو إلهٌ لا يتركني لنفسي، وهو حليمٌ تجاه ذنوبي؛ بناءً على ذلك، فأيّ وجودٍ نعرفه في العالم يكون أولى من ربّي بالثناء والحمد؟! لا يوجد أحد! ولهذا «فَرَبّي أحمدُ شَيءٍ عندي»؛ فربّي من بين جميع الموجودات هو الأكثر استحقاقًا للحمد، والأجدر بالثناء، والأمثل «وأحقُّ بِحَمدي»؛ وهو أولى وأجدر بحمدي!

  • إن شاء الله، إذا قسم الله لنا، سنصل في المجلس القادم إلى الفقرة التالية التي يقول فيها: «أللّهمّ إنّي أجِدُ سُبُلَ المَطَالِبِ إلَیکَ مُشرَعَةً».

  • نسأل الله تعالى أن يقرننا ويحشرنا مع هذه الحقائق والمواضيع التي مدحه بها هؤلاء الأعاظم وأولياؤه، وحمدوه على هذه المسائل! وأن يصحّح طريقنا واتّجاهنا تجاه هذه المواضيع! وألّا يقصِر أيدينا عن الإمام صاحب الزمان عليه السلام ووليّه المطلق في الدنيا والآخرة! 

  •  

  • اللّهمّ صلّ علَى محمّدٍ وآل‌محمّدٍ