5

حِلم الاستدراج وخطر الانحراف عن الولي

هل لقب عليُّ الزمان وحسينُ الزمان صحيحان؟

3
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمدعاء أبي حمزة الثمالي

المجموعةسنه 1421

التاريخ 1421/09/08


التوضيح

ما هو أخطر أنواع الحلم الإلهي؟ ولماذا يُعتبر إطلاق لقب عليّ الزمان على إنسان ما شركًا وبدعة؟ ما هو واجب السالك تجاه أستاذه حين تتعارض رؤيته مع أمر الأستاذ؟ ما هو موقف المرحوم العلاّمة ونجله المحاضر من الثورة الإسلاميّة؟ تجيب هذه المحاضرة لآية الله السيد محمّد محسن الحسينيّ الطهراني عن هذه الأسئلة الخطيرة في مسير السير والسلوك إلى الله.

/۱٦
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

حِلم الاستدراج وخطر الانحراف عن الولي - هل لقب عليُّ الزمان وحسينُ الزمان صحيحان؟

1
  •  

  • هوالعلیم

  •  

  • حِلم الاستدراج وخطر الانحراف عن الولي

  • هل لقب عليُّ الزمان وحسينُ الزمان صحيحان؟

  •  

  • شرح دعاء أبي حمزة الثمالي - سنة ۱٤٢۱ هـ - الجلسة الخامسة

  •  

  • محاضرة القاها

  • آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدّس الله سره

  •  

  •  

حِلم الاستدراج وخطر الانحراف عن الولي - هل لقب عليُّ الزمان وحسينُ الزمان صحيحان؟

2
  •  

  •  

  • أعوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيمِ 

  • بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 

  • وَصَلَّى اللهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا أَبِي القَاسِمِ مُحَمَّدٍ 

  • صلَّى الله عليه وآله وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ 

  • وَاللَّعْنَةُ عَلَى أَعْدَائِهِمْ أَجْمَعِينَ

  •  

  •  

  • «وَالحَمْدُ لِلهِ الَّذِي يَحْلُمُ عَنِّي حَتَّى كَأَنِّي لَا ذَنْبَ لِي» 

  • الحمد يختص بالله الذي هو حليم في التعاطي مع ذنوبي، إلى درجة وكأنّي لم أرتكب ذنبًا.

  • قصّة في الحلم للاستدراج

  • تقدّم في المجلس الماضي أنّ للحلم أقسامًا مختلفة، وأحد أقسامه هو الحلم النابع من النقمة لا من الرحمة. يُنقل أنّه كان الملاّ نصر الدين يمرّ بمكان ما، فجاء طفل وضرب حماره بمسمار أو عصا، فقفز الحمار وسقط الملا من على ظهره أرضًا. فأعطى الملا تومانًا من النقود لهذا الطفل! فقيل له: «لماذا أعطيت هذا الطفل نقودًا؟!». قال الملا: «ستفهمون لاحقًا!». وفي اليوم التالي، كان حاكم المدينة يمرّ من ذلك المكان، فضرب هذا الطفل حصان الحاكم بمسمار هذه المرّة، فألقى الحصانُ الحاكمَ أرضًا. (طبعًا، ورد في الحكاية أن الحاكم أمر بإعدامه). فقال الملاّ: «بالتومان الواحد الذي أعطيته له بالأمس، اشتريت دمه. فأعطيته تومانًا بالأمس، واليوم صفّيت حسابه».

  • بطبيعة الحال، هذه القصص هي مجرّد أمثلة ولها جانب رمزيّ وتمثيليّ، وليس لها واقع خارجيّ، إنّ جميع القصص التي تسمعونها عن الملا نصر الدين هي من اختراع الإنجليز!

  • فقد كان الملا نصر الدين رجلاً عالمًا وفاضلاً وواسع العلم جدًّا، عاش قبل مئة عام وكان معروفًا بالسيّد نصر الدين. لقد كان مُدرِّسًا للفلسفة ولـ "منظومة السبزواري". وقد قام الإنجليز باختلاق هذه الحكايات عنه لكي يُشوِّهوا صورته.

  • على أيّة حال، نحن لا نهتمّ بمسألة تزييف هذه الفكاهات. فهذه المسألة قد تكون رمزيّة، وربّما وقعت بالفعل، وقد رأينا نحن نظائرها.

  • حلم السيّد الحدّاد رحمه الله تجاه المتمرّدين حوله

  • هذا نوع من الحلم، وهو خطير جدًّا، ولا قدّر الله أن يشمل الإنسان هذا النوع من الحلم! فهذا الحلم هو ذاته الذي يذكره المرحوم العلاّمة في كتاب "الروح المجرّد" عن رجل كان في زمن السيّد الحدّاد رحمه الله. وكنت أنا بنفسي موجودًا في ذلك الوقت ورأيت أفعاله التي لم تكن لها أيّة مناسبة مع علاقة التلمذة والأستاذيّة، وكان يقوم بأمور ومسائل بناءً على ذوقه ورأيه الخاصّ، في حين أنّ هذا الأمر لم يكن قطعًا مرادًا من قبل السيّد الحدّاد رحمه الله. فعلى سبيل المثال، في تلك السفرة التي زار فيها إيران، ورغم أنّه قيل لذلك الرجل لا تأت إلى إيران، لكن بعد فترة، ويبدو بعد عشرة أو خمسة عشر يومًا من قدوم السيّد الحدّاد رحمه الله، أتى هذا الرجل أيضًا إلى إيران. أتذكّر تمامًا أنّه عندما دخل ذلك الرجل إلى المجلس، التفت إليه سماحته وقال: «ألم أطلب منك ألّا تأتي إلى إيران؟! فلماذا أتيت؟!». فقال ذلك الرجل: «لم أستطع تحمّل فراقكم». وهذا الفعل منه ليس صحيحًا!

حِلم الاستدراج وخطر الانحراف عن الولي - هل لقب عليُّ الزمان وحسينُ الزمان صحيحان؟

3
  • هل كان السيّد الحدّاد رحمه الله يعلم أنّ الفراق صعب عليه أم لم يكن يعلم؟ إن لم يكن يعلم بهذه المسألة، فالذهاب إلى مثله لغو وباطل، وإن كان السيّد الحدّاد يعلم، فقد عصى وقام بعمل باطل، وكانت نظائر هذه المسألة تحدث كثيرًا .

  • في إحدى المرّات، روى لي هذا الرجل المطرود نفسه هذه القصّة، وهي أنّ شيخًا، رغم أنّه كان من المخالفين ومن المغرضين، كان يأتي أحيانًا إلى منزل السيّد الحدّاد. على أيّ حال، كان باب منزله مفتوحًا ولم يكن يقول لأحد لا تأتِ. كان هذا أحد الرجلين اللذين قاما ضدّ السيّد الحدّاد رحمه الله وكانا يفرّقان الناس من حوله، ولم يذكر المرحوم العلاّمة اسميهما في "الروح المجرّد". أحدهما تاب وهو الآن في قم وعلى قيد الحياة، والثاني في مكان آخر، وهذا هو الذي كان يروي لي القصة .

  • كان السيّد الحدّاد يعلم أيضًا بما يفعله في الخفاء ـ فإن لم يعلم هو، فمن يعلم؟! هو على علم بكلّ هذه الأمور ـ ولكن عندما كان يأتي إليه، لم يكن يتفوّه بكلمة ويرفع يده في حالة من التسليم، وهذا الرجل نفسه كان يضرب جذر المدرسة من وراء ظهره! ومع ذلك، إذا حلّ وقت الغداء أو العشاء، كان سماحته يبسط المائدة ويقوم بالضيافة، وربّما حدث أنّ السيّد الحدّاد اقتدى في الصلاة بهذا الرجل الذي كان يفعل هذه الأمور والأعمال في الخفاء!

  • نقل لي هذا الرجل المطرود نفسه فقال: «كنّا نأتي إلى هنا مرّة في الأسبوع ظهيرة يوم الخميس لنصلّي صلاة عند السيّد الحدّاد رحمه الله أو نجلس ساعة، وفي ليلة الجمعة نذهب لزيارة سيّد الشهداء عليه السلام ونعود ليلًا إلى النجف. كان منزله بين النجف والكوفة. كان كلّ أملنا من هذا الأسبوع إلى الأسبوع التالي أن يأتي يوم الخميس ونأتي لنصلّي صلاة خلفه. وفي أحد الأيام أتيت ورأيت أن هذا الشيخ يقف في الأمام ويريد أن يصلي، فانهار السقف فوق رأسي! لقد انتظرت أسبوعًا كاملًا ليأتي يوم الخميس وأصلّي خلف السيّد الحدّاد، والآن رأيت عمر يقف في الأمام والسيّد الحدّاد رحمه الله يقف خلف عمر!» .

حِلم الاستدراج وخطر الانحراف عن الولي - هل لقب عليُّ الزمان وحسينُ الزمان صحيحان؟

4
  • طبعًا، ربما لم يقل هذا الكلام جزافًا، فقد رأى أنّ الصورة البرزخيّة لجناب عمر قد تجلّت في هذا الشيخ! فليس الله وحده من له تجليات، ففي النهاية أبو بكر وعمر وعثمان لهم تجليّات أيضًا! فالعالم مليء بتجليّات هؤلاء، والأفراد مختلفون، فمنهم من هو على شاكلة عمر ومنهم من هو على شاكلة أبي بكر! كما أنّ في الجانب الآخر من القضيّة تجليّات ومظاهر أيضًا.

  • هل يصحّ استخدام تعابير مثل "عليّ الزمان" و"حسين الزمان" 

  • طبعًا، لا أقصد هذه الاصطلاحات والتعابير التي تُستخدم الآن، مثل "حسين الزمان" و"عليّ الزمان". طبعًا، لأن إمام الزمان نفسه حي، فلا يجرؤون على قول: "إمام الزمان"! ولكن لأنّ أمير المؤمنين قد توفّي ولم يعد يستطيع الكلام، يقولون باستمرار: "عليّ الزمان"، "أمير المؤمنين الزمان"! أو لأنّ الإمام الحسين قد استشهد ولم يعد يستطيع قول شيء، يقولون: "حسين الزمان" و... وهو يقول: منذ بداية الخلق، أنا الحسين شخص واحد! ومنذ بداية خلق آدم، بل منذ بداية خلق الأفلاك، وإلى الأبد وما دام الله إلهًا، لم يكن هناك أكثر من سيّد شهداء واحد وحسين واحد! فليس الأمر كأن يولد "حسين زمان" من بطن أمّه في كلّ يوم كالدجاجة ويأتي إلى الدنيا!

  • فمنذ بداية خلق عالم الوجود إلى الأبديّة الإلهيّة، سيّد الشهداء واحد، وأمير المؤمنين عليه السلام واحد! وليس لدينا "عليّ الزمان"! كلّ هذا كفر وشرك وبدعة وضلالة! «فأمير المؤمنين عليه السلام هو وجود خاص بشروط وخصوصيّات خاصّة، وله إشراف وإحاطة ولائيّة وتكوينيّة على عالمي الملك والملكوت، وما زال له ذلك» .

  • نعم من حيث الوزن والهيئة، كان الكثيرون يشبهون أمير المؤمنين، والكثيرون سيأتون أيضًا، بل وحتى أشجع من أمير المؤمنين، ولا إشكال في ذلك أبدًا! كان عمرو بن عبد ودّ أشجع من أمير المؤمنين، فهل لأنه أمير المؤمنين يجب أن يكون قادرًا على تحريك جبل أبي قبيس أيضًا؟! لا، عندما ضُرب أمير المؤمنين بضربة السيف، أصابه ضعف شديد لدرجة أنه لم يستطع رفع كوب الماء من جانبه، ثمّ سقط وفارقت روحه المطهّرة جسده وسكن الجسد. يقول عليه السلام إنّكم ترونني اليوم متحرّكًا وغدًا ساكنًا، واليوم أنا أثر وغدًا أنا خبر۱ .

    1. نهج البلاغة (عبده)، ج ٢، ص ٤٦: 
      «وَ إنَّما كنتُ جارًا جاوَرَكم بَدني أيّامًا و ستُعقَبون مِنّي جُثّةً خَلاءً ساکِنةً بعدَ حَراك، و صامِتَةً بعدَ نُطوقٍ»

حِلم الاستدراج وخطر الانحراف عن الولي - هل لقب عليُّ الزمان وحسينُ الزمان صحيحان؟

5
  • فالمسألة هنا هي تلك النفس القدسيّة للإمام التي هي حقيقة أمير المؤمنين، وإلا فنحن لا نقتدي بأمير المؤمنين لهيئته ووزنه، فلا نقتدي به لأنّ وزنه كان سبعين أو ثمانين كيلوجرامًا مثلًا، فالذين يزنون سبعين أو ثمانين كيلوجرامًا كُثُر جدًّا الآن. أصبح أمير المؤمنين، أميرَ المؤمنين لأنّه كان باب علم النبيّ، ومن كلّ باب كان ينفتح له ألف باب، وكان قرآنًا ناطقًا، وكان عالَمُ الوجود بأسره، سواء كثرات الملك والشهادة أو كثرات المجرَدات، يتحقّق من نافذة وجوده عليه السلام. فهل يوجد مثيل لأمير المؤمنين عليه السلام؟! هل "عليّ الزمان" الذي يتحدّثون عنه هو هكذا؟! هل سيّد الشهداء، و"حسين الزمان" الذي يتحدّثون عنه هو هكذا؟! فسيّد الشهداء هو باب رحمة الله؛ يا رحمة الله الواسعة! ظهور رحمة الله الواسعة هو في سيّد الشهداء، والأولون والآخرون محتاجون إلى شفاعته. فهل هذا الذي يسمونه "حسين الزمان" هكذا؟!

  • إذا أردنا أن نقول كلامًا جزافًا دون أن ننتبه إلى مفاهيمه ومعناه، فهذه مسألة أخرى، فمن يشبه المجانين هم كذلك، لأنهم أيضًا يتحدثون جزافًا. والإنسان النائم أيضًا يقول في نومه أشياء كثيرة ولا أحد يعيره انتباهًا، لأنّه نائم. فالمسألة هكذا على أيّ حال.

  • الآن، إمام الزمان عليه السلام هو صاحب الولاية الكبرى، وولاية عالم الوجود تحت يده، ونفسه هي مجرى ومجلى فيض الله. وكلّ من يقرّب نفسه من الإمام، يشرق فيه ذلك المجرى والمجلى، ويوضع تحت ذلك المجرى والمجلى بحسب سعته وقابليته واستعداده. فعلى سبيل المثال، ومع عدم التشبيه والعياذ بالله من التشبيه، نعتبر إمام الزمان عليه السلام شمسًا، فنحن مرايا بحجم خمسة ريالات، أو تومانات، أو عشرة شاهيّات، أو قرانات، وهذا النور يصطدم بهذه المرآة ويظهر، فهل أصبحنا نحن "إمام الزمان" ومهديّ الزمان؟! فما قيمة العشرة شاهيّات، وما قيمة تلك الشمس التي تمنح النور لجميع الأفلاك؟! هل تدركون كم هي سخيفة هذه التعابير!

  • الخليفة الأول والثاني لهما أيضًا مجلى ومجرى، ويشرقان على أولئك الذين يتبعونهما واتخذوا طريقتهم، والذين يواصلون الآن نفس تيّار السقيفة وكتمان الحق والأنانيّة والتفرعن. هذه المواصلة تعني أن يصبحوا مجلى لأولئك "الأجلاء"! الخليفة الأول، يا له من جليل! الخليفة الثاني، هذا أجلّ منه! عثمان لم تكن لديه ظلمة وكدورة الاثنين الآخرين، وعلى كل حال هو أيضًا كان غاصبًا للخلافة، وفي فترة حكمه أسرف وبذر كثيرًا ووزع أموال المسلمين بين حاشيته. ولكن كل ما حل بالإسلام كان بسبب الخليفة الأول، والأهم منه الخليفة الثاني. هذا الخليفة الثاني هو ضد أمير المؤمنين. كل ما تراه من نور في الإمام، تجد في مقابله ظلمة متراكمة، وفي النهاية هذا أيضًا فن!

حِلم الاستدراج وخطر الانحراف عن الولي - هل لقب عليُّ الزمان وحسينُ الزمان صحيحان؟

6
  • قيل لمسيلمة الكذاب: «ما معجزتك؟» قال: «عندما أبصق في بئر، يجف ماؤها»! 

  • فقيل له: «هذه ليست معجزة!». 

  • فقال هو: «النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم كان يبصق في البئر الجافة فيفيض ماؤها، وأنا أبصق فيفيض ماء البئر جفافًا! إن استطعت، فافعل أنت هذا! فالمعجزة معجزة، ولا فرق!» .

  • لزوم التوجه التام للولي الإلهي وعدم الالتفات إلى غيره

  • ذلك الرجل المطرود الذي كان يأتي إلى منزل السيّد الحدّاد رضوان الله تعالى عليه، قال: «أتيت ورأيت عمر يقف في الأمام والسيّد الحدّاد قد اقتدى به». 

  • يا جاهل! السيّد الحدّاد رحمه الله لا يقتدي بعمر، هو يصلّي صلاته الخاصّة به، والآن هو متوجّه إلى مكان آخر ولا يرى أصلًا هذا الشمر الذي يقف في الأمام، بل هو يرى تمثالًا يتحرّك! أنت ترى عمر، وهو لا يرى لا عمرًا ولا أبا بكر، لا يرى شيخًا ولا آدميًا. هو متوجّه إلى التوحيد والمبدأ، وبه يقتدي، لا بهذا الشيخ الذي يقف الآن في الأمام، ولكن لأنّك لم تصل بعد إلى ذلك الإدراك والسعة، فإنّك ترى الظاهر. وطبعًا ترى صحيحًا لا باطلاً، ولكن عليك هنا أن تنتبه إلى هذه النقطة، وهي أنّك أينما تقف، فإنّك تقف خلف السيّد الحدّاد رحمه الله، وعندما تقتدي في الصلاة بذلك الرجل، فأنت في الواقع لم تقتد به بل اقتديت بالسيّد الحدّاد رحمه الله، وليكن ذلك الرجل حيثما كان.

  • هنا تختلط علينا المسألة؛ نرى نصفها ونأخذه، ونترك النصف الآخر وهو الأهم. نأخذ هذا الجانب، وهو أن عمر يقف الآن وهو صحيح، ونترك الجانب الآخر. هل أنت الآن ترى عمر ولا ترى السيّد الحدّاد رحمه الله؟! هل ترى هذا الشيخ المعاند والمغرض، ولكن لا ترى أستاذك ووليّك؟! كلّ الخطر يكمن هنا، في أنّ الإنسان يرى النصف ولا يلتفت إلى النصف الآخر .

  • جيّد جدًّا، ماذا تريد أن تفعل في الصلاة؟! هل تريد أن تحاسب الله؟! حسنًا، ألقِ بالمسؤوليّة على عاتق أستاذك! ما شأنك أنت إن أراد أن يقف خلف عمر أو خلف يزيد؟! إن كنت لا تقبله أستاذًا لهذه الدرجة بأنّه قادر ويستطيع تحمّل هذه المسألة، فكلاكما مرخص! ولكن إن كنت تقبله بهذه الدرجة وأنّه يستطيع تحمّل الحساب والكتاب، فلماذا تترك هذا النصف الفعّال؟! الجميع يرون ذلك الجزء الأول، ولو أتى غيرك لرآه أيضًا، وهذه ليست مسألة مهمّة. أوّل أمر ينكشف للسالكين هو مشاهدة الصور البرزخيّة. كونك رأيت ذلك الرجل في هيئة عمر، لم تفعل شيئًا مهمًّا جدًّا، بل لو كان هناك أفراد آخرون لرأوا هذا أيضًا.

حِلم الاستدراج وخطر الانحراف عن الولي - هل لقب عليُّ الزمان وحسينُ الزمان صحيحان؟

7
  • قال: «عندما رأيت أن السيّد الحدّاد رحمه الله قد اقتدى، غضبت وقلت في نفسي: عجيب أنّ يقف ويريد أن يصلّي! لن أسمح بذلك! لقد قطعت كلّ هذه المسافة من النجف لأصلّي خلف السيّد الحدّاد رحمه الله، والآن أصلي خلف عمر؟! ». وأراد أن يتشاجر معه ويحدث إراقة دماء! قال: «أتيت لأتشاجر معه، وفجأة رأيت أن السيّد الحدّاد رحمه الله قد غضب وانتفخت أوداج عنقه، وبدأ يوبّخني قائلًا: "ألا تخجل ولا تكفّ عن هذا الفعل؟! إلى متى تريد أن تؤذيني؟!"» .

  • عجيب حقًّا! علينا أن نتأمّل قليلًا! هل كان هؤلاء تلامذة حقًّا؟! كيف يمكن للإنسان أن يتصوّر هذه المسألة ونظائرها؟!

  • نظريّة المتكلمين حول تجريبيّة أحكام الدين والشريعة

  • يطرح المتكلمون الجهلة المعاصرون في علم الكلام بحثًا مفاده أن الدين والشريعة عبارة عن مجموعة أحكام وقوانين لم توجد بشكل منظّم ومرتّب وفي زمن معين وتحت ظروف معينة دون نمو وتكامل. في حين أنّ تصورّناعن الدين والشريعة هو أنّ الشريعة والدين عبارة عن سلسلة من الأحكام والاعتقادات والأصول الأخلاقيّة والاجتماعيّة والاعتقاديّة المتعلّقة بالمبدأ والمعاد، بالإضافة إلى أحكام تتعلّق بأفعالنا، سواء كانت أفعالاً عباديّة أو أفعالاً تتعلّق بالأمور الاجتماعيّة والمعاملات والتجارات وعلاقاتنا في المجتمع، وهذه الأحكام ثابتة؛ أي أنّها تقع ضمن إطار معيّن، وهي ذاتها التي نزلت في ذلك الزمان على النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم، وقام الأئمة عليهم السلام من بعده على مدى ٢٥۰ عامًا بتبويب وتفصيل هذه الأحكام، وما هو بين أيدينا الآن هو ما قاله الإمام، ولا يمكننا أن نتخطّاه. طبعًا هناك مجموعة من المسائل والكليّات التي يجب علينا في كلّ زمان أن نطبق الزمان عليها، لا أن نطبق تلك الكليّات على الزمان. هذا هو ما نعتقد به .

  • ولكن اليوم، يُطرح أمر جديد وهو أنّهم يقولون: كما أنه من الممكن في العلوم التجريبيّة أن تزول النظريّات السابقة بمرور الزمان والتجارب التي تطرأ على العلوم البشريّة الواحدة تلو الأخرى، وتوضع التجارب في سياق التكامل والنموّ والتقدّم، وتزيل التجربة اللاحقة التجربة السابقة، أو تزيل النظريّة اللاحقةُ النظريةَ السابقة، فمن الممكن أن تطأ النظرياتُ اللاحقة بأقدامها أصل وأساس المسائل التي طُرحت سابقًا بفضل تقدّم العلم. نعرف الكثير من الحالات، والعلوم التجريبيّة قائمة على هذا الأساس أصلاً. وأهمّ مسألة هي المسائل المتعلّقة بالطب. ونحن نرى أنّه في كلّ فترة من الزمن، تأتي نظريّات جديدة وتنسخ تمامًا النظريّات الطبيّة السابقة في منهج العلاج وتشخيص الداء والمرض وفي كيفيّة التكنولوجيا. خاصّة في قضية التكنولوجيا الطبيّة، وهذه المسألة مطروحة بشكل جادّ. في الماضي، وحتى في زمن ابن سينا، كانوا يعالجون الأمراض بالجراحة ـ طبعًا ليست عمليات الجراحة التي تُجرى الآن ـ ولكن بعد ذلك، وشيئًا فشيئًا، وبفضل التغييرات والتبدّلات التي طرأت على كيفيّة العلاج وتقنيّاته، نرى أنّ تلك الوسائل الأوليّة قد نُسخت وتحوّلت الآن إلى وسائل أحدث، وكلّ يوم، بالنظر إلى ما هو أمامنا في المستقبل، تصبح أحدث فأحدث، حتّى يخرج الأمر شيئًا فشيئًا من سيطرة الطبيب وينتقل إلى الجهاز والتقنية.

حِلم الاستدراج وخطر الانحراف عن الولي - هل لقب عليُّ الزمان وحسينُ الزمان صحيحان؟

8
  • يقول المتكلّمون المعاصرون: بشكل عام، الأحكام الدينيّة هي مثل هذه النظريّات؛ أي أن الأحكام والمباني الدينيّة والاعتقادات والإيمان بالله والملائكة والجنّ والشياطين والمعاد وحشر الإنسان بالبدن المثالي وبغير البدن المثالي والعنصري وكيفيّة العقاب والثواب، وكذلك الأحكام العباديّة وسائر الأحكام مثل المعاملات، كلّها تخضع لقاعدة التجربة وازدهار هذه الأحكام في ميدان التجربة. أي أنّ تجربة الأزمنة اللاحقة تؤدّي إلى نسخ التجربة السابقة واستبدال المواقف القديمة بالمواقف الجديدة. وبناءً على هذا، فإنّ الدين الذي كان في زمان النبيّ أصلًا كان مرتبطًا بذلك الزمان، وربما يصرّحون أيضًا بأنّ الدين الذي كان لدى النبيّ في آخر حياته كان أكثر تكاملًا بكثير من الدين الذي جاء به في البداية، وأنّ تلك الأحداث أدّت إلى نمو وتكامل هذا الدين!

  • فعلى سبيل المثال، عندما يتحدّث عربي ما في المدينة بصوت عالٍ مع النبي، تنزل فجأة آية ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ﴾۱، أو عندما ينادون النبيّ باسمه، تنزل آية ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ﴾٢ وتقول: «النبي ليس أبًا لأحد منكم لتنادوه كما تنادون آباءكم». أو عندما يشكّلون تجمّعًا وحزبًا ضد الإسلام ومبادئه في مسجد ضرار، تنزل آية ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى﴾٣، أو فيما يتعلّق بمسجد قباء تنزل آية ﴿لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ﴾٤.

  • يقول هؤلاء: المسائل التي تحدث تؤدّي إلى تطوّ ر المحتوى الديني، وبواسطة ذلك التطوّر، يتطوّر الدين ونبوّة النبيّ أيضًا. أي أنّ رسول الله عندما توفّي، كانت المعلومات التي أدخلها الله في عقله بواسطة هذه الأمور اليوميّة أكثر بكثير مما كانت عليه في بداية رسالته، ولو كان حيًا حتى الآن، لزادت معلوماته طبعًا مع التجارب الأحدث، وأصبح من ناحية الاعتقادات والمعلومات أضخم بكثير! يأتون بعبارات مثيرة للاهتمام حقًّا، عبارات تليق بهم، ويعتقدون أنّ القضيّة ـ نعوذ بالله ـ هي قضيّة مجتمع حيواني!

    1. سورة الحجرات (٤٩) الآية ٢.
    2. سورة الأحزاب (٣٣) الآية ٤۰.
    3. سورة التوبة (٩) الآية ۱۰۷.
    4. سورة التوبة (٩) الآية ۱۰۸.

حِلم الاستدراج وخطر الانحراف عن الولي - هل لقب عليُّ الزمان وحسينُ الزمان صحيحان؟

9
  • الرد على النظرية الباطلة للمتكلمين المعاصرين حول الدين والشريعة

  • أوّل جواب بديهيّ جدًّا يمكن أن يُعطى لهؤلاء هو أنّه لو كانت مسائلكم صحيحة، وبهذه الكيفيّة كانت تضاف آيات إلى القرآن باستمرار مع تجارب النبيّ، وفي كلّ قضيّة كانت تأتي آية فورًا، فلو عاش النبي ۱٤۰۰ عام، لبلغ طول صفحات القرآن من الأرض إلى الثريا! يا أحمق، مسائل القرآن رمزية؛ أي أن ما يحتاجه البشر، أورده الله في القرآن بشكل رمزي ومثال لتطبيق الأمور الجزئية على تلك القاعدة الكلية. فعلى سبيل المثال، في قضية الزواج، والعلاقات، والمعاملات، ومراعاة الأدب بين الإنسان والإمام، وفي مسائل التواضع والاجتماع والداخل، أورد أمورًا. هذه مسائل يحتاجها الإنسان لتكامله. فالآن، حدثت قضيّة ما، وأدّت تلك القضيّة إلى بيان هذه القاعدة الكليّة، لا أن تأتي قاعدة كليّة جديدة لكلّ قضيّة تحدث كلّ يوم حتّى يوم القيامة! لا نريد كلّ هذا القدر من القواعد الكليّة! فعلى سبيل المثال، في صف دراسي من ثلاثين تلميذًا، وكلهم مشاغبون، عندما يشاغب أحدهم؛ يحدث ضجة أو يرمي قلمه، فيمسك المعلم أذنه ويعاقبه ليفهم التسعة والعشرون الآخرون الدرس. وليس من الضروري أن يصفهم جميعًا واحدًا تلو الآخر من أول الصف ويمسك آذانهم جميعًا ويعاقبهم باستمرار في كل مسألة. لو كان الأمر كذلك، لكان عليه أن يترك عمله وحياته ويمسك بمسطرة ويخصص ساعة من وقت الدرس للعقاب!

  • لزوم ترجيح نظر الوليّ الإلهيّ على الرغبة الشخصيّة

  • كنت أفكر في نفسي، ما هو الهدف من هذه الحكايات التي أوردها المرحوم العلاّمة في "الروح المجرّد"! مثلًا، ذكر اسم الحاج محمد علي خلف زاده! كان المرحوم العلاّمة يقول: «في بعض الأوقات، عندما كنا في محضر السيّد الحدّاد رحمه الله وقت الصلاة، كان هو يقتدي بي، وفي بعض الأحيان كنت أنا أقتدي به. كان الحاج محمد علي خلف زاده عندما يرى أنّ السيّد الحدّاد رحمه الله قد اقتدى بي، كان يقف خلف السيّد الحدّاد ولا يقتدي بنا». كان السيّد الحدّاد رحمه الله يقول: «هذه الصلاة باطلة، والاقتداء بالمقتدي يوجب بطلان الصلاة». كان يقول: «لا أستطيع أن أقتدي بشخص غير السيّد الحدّاد رحمه الله، وأصلًا لا أرى في العالم سوى مقتدًى واحد!» .

حِلم الاستدراج وخطر الانحراف عن الولي - هل لقب عليُّ الزمان وحسينُ الزمان صحيحان؟

10
  • يعني إذا اقتدى مقتدٍ وهو مأموم، فلا يمكنك أن تقتدي به، بل يجب أن تقتدي بالإمام أو تصلي فرادى. حتى لو انتهت صلاة الإمام قبل صلاة المأموم، لا يمكنك أن تقتدي ببقية صلاة المأموم، وإذا اقتديت فالصلاة باطلة. كان هو يشعر بهذا بشكل صحيح، وهذه المسألة صحيحة؛ أي طبقًا لرؤيته، عندما أدرك هذه الحقيقة بتلك الخصوصيات والأوصاف، وهو لا يرى السيّد الحدّاد رحمه الله شخصًا عاديًّا بل يراه كلّ شيء له ولكلّ شيء، ويقول: «لا أستطيع أن أقتدي بأحد غيره»، لذا يقف خلفه ويقتدي به .

  • نحن أيضًا نقبل هذا الجانب من القضيّة، وهذا النصف من القضيّة، وهو أنّه يوجد في الدنيا شخص واحد وهو السيّد الحدّاد رحمه الله، وهو مقتداك فقط، ونحن نؤيّدك ونعطيك الحقّ في هذا الأمر. ولكنّ الجانب الآخر من القضيّة هو أنّه عندما يقول لك السيّد الحدّاد رحمه الله: «صلِّ خلف السيّد محمّد حسين»، فهذا يعني أن هناك الآن قوّة أسمى وفكرًا أعلى وبصيرة ورؤية أسمى من مرتبة بصيرتك ورؤيتك. ألا تعتبر السيّد الحدّاد رحمه الله هو الكلّ والمقتدى؟! فذلك المقتدى يقول لك قف خلف هذا الشخص وصلِّ! لماذا لا تقتدي؟!

  • لو أمسكت بكلتا يديك ووضعتهما بجانب السيّد الحدّاد رحمه الله، ولو لم تقتدِ بالسيّد محمّد حسين لصفعتك على قفاك، وكنت أنت من شدّة الألم تقتدي وتصلّي، فهل كنت ستموت وتنزع روحك وتسلم الروح لبارئها؟! إذن يتضح أنّك تستطيع فعل ذلك، لا أنّك لا تستطيع! الجدار والعمود والخشب لا تستطيع فعل شيء، والسيّد الحدّاد رحمه الله لا يأمر الخشب والحديد أبدًا!

  • كان إشكال هذا الرجل أنّه كان يعتبر النصف الأول من الأمر فقط وهو الصحيح، ويتعثّر في النصف الثاني، في حين كان يجب عليه أن يعتبر النصف الثاني أيضًا، ولأنه لم يفعل ذلك، فسد الأمر! وكانت القضايا تحدث الواحدة تلو الأخرى، وكان هذا الرجل يفعل ما يريد ولا يصغي للأوامر والنواهي! هذه المسائل ليست مجرّد قضيّة شخصيّة، بل كانت تسبّب للسيّد الحدّاد رحمه الله مشاكل خارجيّة واجتماعيّة وإشكالات واعتراضات، وكان هو يتعامل معها دائمًا بالحلم!

حِلم الاستدراج وخطر الانحراف عن الولي - هل لقب عليُّ الزمان وحسينُ الزمان صحيحان؟

11
  • عندما يثبت ذلك الرجل على ذلك المسلك، ولأنّ القضية قد ثبتت، يأتي الغضب فجأة ويضرب ما تحت قدميه ويرفعه ويرميه! فهذا هو القسم الأوّل من الحلم الذي ليس له عاقبة حميدة ولن ينتهي بحسن العاقبة!

  • عدم قبول الأعذار والتبريرات في السير والسلوك

  • هذا الرجل بعد أن ناله غضب السيد الحداد، كتب رسالة إلى المرحوم العلاّمة ـ هذه القصة حدثت قبل ٢٥ عامًا، وكنت حينها في العشرين من عمري، وأعطاني هو تلك الرسالة وقرأتها ـ جاء فيها: «يا سيد محمد حسين، أنا الآن في الجحيم، ولا أحد غيرك يستطيع إنقاذي! لقد أتى المحيطون وقلبوا ذهن المولى تجاهي، فتعال وأنقذني!» .

  • هذا الإنسان الجاهل، في هذه اللحظة أيضًا لا يريد أن يعترف، وما زال يلقي باللوم على المحيطين! في حين أنّه في نظري لو اعترف حقًّا، لكان نظر السيّد الحدّاد رحمه الله قد تغيّر أيضًا! فهو ليس لديه حسابات شخصيّة مع أحد، وأفعاله ليست نابعة من حقد وكراهية. ولكن هذا الرجل يكذب ولا يقبل بخطئه! والسيّد الحدّاد هو الخبير، ويضع ألفًا مثلي ومثلك على الرفّ أيها المسكين! فبالصعود والنزول المستمرّ، من تريد أن تخدع؟! المرحوم العلاّمة أيضًا كان يعرف القضيّة ولم يقل شيئًا.

  • من تخادع أيّها المسكين؟! تعال وفكّر في نفسك قليلًا وقل: ربّما أكون قد أخطأت! وابحث عمّا يجب عليك فعله! لماذا تلقي باللوم فقط على المحيطين؟! يا لها من مصيبة تلك التي تظهر لديّ ولديك أحيانًا؟! نحن نلقي باللوم باستمرار على هذا وذاك، ولا نلقّن أنفسنا أبدًا بهذا الأمر ونطبّقه عليها، بل نقول: «المحيطون يفعلون كذا، لا سامحهم الله!». فهل فكرنا في أنفسنا أصلًا؟! إذن، ما دوري ودورك في هذا المجال؟!

  • إن كنت أنا حقًا بهذا القدر من قلّة الفهم، وانعدام الكفاءة، والضعف، والعجز، والطفولة، لدرجة أنّ المحيطين يجرّونني هنا وهناك ويفسدون الأمر، فيجب أن أذهب لأبحث عن عملي الخاصّ! حقًّا، لماذا أشغلت الأمّة بي إلى هذا الحدّ؟! إن كنت أنا إنسانًا عديم الكفاءة إلى هذه الدرجة بحيث يفسد المحيطون الأمور، فما دوري هنا وما الفرق بيني وبين بقيّة الناس؟! ما فائدة هذه الادعاءات التي أدّعيها؟!

حِلم الاستدراج وخطر الانحراف عن الولي - هل لقب عليُّ الزمان وحسينُ الزمان صحيحان؟

12
  • رمزيّة كلام الأولياء تأسّيًا بالقرآن

  • المحيطون يفسدون ذهن إنسان في المسائل الاجتماعيّة والشخصيّة والداخليّة والعائلية؛ فمثلًا، يتحدّثون من وراء ظهر زيد ويخلقون شجارًا بين اثنين ثمّ يقولون اذهب وقل كذبة مصلحة لتحلّ القضيّة. ولكنّ هذه المسائل ليست كالمسائل الشخصيّة والعائليّة، والمحيطون ليس لهم دور فيها. فلماذا لا ننسب العيب إلى أنفسنا؟! ما المشكلة في ذلك؟!

  • هنا أشعر أن سطرًا بسطر من الأمور التي ذكرها المرحوم العلاّمة في "الروح المجرّد" لها بالنسبة لي ولكم جانب رمزيّ وتمثيليّ، ويجب علينا أن نلحظ هذه المسائل في كلّ قضيّة ومسألة تحدث. فعلى سبيل المثال، عندما نرى قضية هذا الرجل الذي رغم أنّ السيّد الحدّاد أمره لم يصلّ خلف المرحوم العلاّمة، فعلينا أن نلتفت فجأة ويرنّ ناقوس الخطر في آذاننا؛ لماذا أورد هو هذا الكلام هنا؟! ولو أراد، كما يقول هؤلاء المتكلمون المزعومون، أن يروي قصّة، لكتب مثلًا: «السيّد الحدّاد شرب ماءً صباح يوم الأحد، وفي الظهر لبنًا، وفي العصر شايًا»، وبهذا العمل لأصبح "الروح المجرّد" مائة مجلد!

  • لم يكتب هو المسائل اليوميّة، بل أورد في هذا الكتاب القضايا التي لها علاقة بالسلوك والمفيدة لكيفيّة تعاملنا مع البيئة والمسائل الداخليّة والشخصيّة والاجتماعيّة والسلوكيّة.

  • لزوم الاهتمام الخاصّ بكتاب "الروح المجرّد"

  • قلت له يومًا: أعتقد أنّك لو سمّيت هذا الكتاب "دليل السلوك"، لكان اسمًا جيّدًا جدًّا! فضحك هو أيضًا! حقًّا يجب على الإنسان أن يقرأ كتاب "الروح المجرّد" ويطبّقه على نفسه ويرى إلى أيّ مدى سار مع هذا الكتاب وتقدّم. يجب أن نكون هكذا مع جميع كتب المرحوم العلامة، لا أن يقتصر الأمر على كتاب "الروح المجرّد" فقط، ولكن لأنّ هذا الكتاب يبيّن علاقته هو بأستاذه، فإنّه يحظى بأهميّة خاصّة.

  • هذا الأمر عجيب حقًّا! لا قدّر الله أن يكون هذا الحِلم الذي يمارسه الله مثل حلم الأولياء الذي يستأصل من الجذور، ومن لا يدرك ويلقي باللوم على المحيطين! ولكن عندما يفهم أنّه المخطئ ويلقي باللوم على نفسه، فإنّه في النهاية يصرخ ويصيح ويذهب إلى هنا وهناك ولا يترك المسألة حتّى يسمحوا له بالدخول يومًا ما.

حِلم الاستدراج وخطر الانحراف عن الولي - هل لقب عليُّ الزمان وحسينُ الزمان صحيحان؟

13
  • الموقف من الثورة والحكومة الإسلاميّة

  • ذكر المرحوم العلاّمة في كتاب "وظيفة الفرد المسلم" مسار دخوله وخروجه من مسائل الثورة والأمور التي كانت تدور حول هذه القضيّة. وكما قال هو نفسه، فهو مؤسّس هذه الثورة. وأذكر حينها أنّه جاء إلى السيّد الخمينيّ وحثّه وقال لنتابع المسائل، طبعًا هناك أمور لم تُقل بعد. وإن شاء الله تعلن لاحقًا إذا وفق الله، وربّما تتاح تلك الأمور غير المقولة عن الثورة من بعض مصادرها. بعد ذلك، على كلّ حال، حدث تيّار، وكما قلت أنا أيضًا في السيرة الذاتيّة المختصرة جدًّا التي كتبتها للمرّة الثانية، لم يستمرّ التعاون بينه وبين آية الله الخمينيّ لأسباب معيّنة.

  • أحد هؤلاء في الزمن السابق كانت لديه اعتراضات على المرحوم العلاّمة بشأن مسألة الثورة، وكان يقول: «لماذا لا تشاركون في هذه المظاهرات؟! لماذا لا تقومون بعمل؟! إذن، لأيّ وقت هذه الأحكام؟! أليس الآن هو وقت تنفيذ هذه الأحكام؟!». كان ينصحه باستمرار ويذكّره بالأمور. كان سماحته يقول: «كنت أنا نفسي في صميم الثورة، ولكن في النهاية لكلّ شيء حساب وكتاب. لا يمكننا أن نتقدّم خطوة واحدة على البصيرة والرؤية التي لدينا تجاه هذا الأمر؛ لأنّنا مسؤولون عن أفعالنا. فافعل أنت ما تريد الآن، فأنت أعلم بشأنك!». حتّى أنه استخدم تعبيرًا ذات مرّة بشأن هذا الرجل: «لقد أصبحتَ كتفاحة أكلها الدود، وقد أفسدوك، ولم تعد هناك فائدة!».

  • وهذا الرجل نفسه، عندما قامت الثورة، كان يتحدّث في المجالس ضدّ السيّد الخميني ويذهب هنا وهناك ويهينه ويشتمه ويغتابه. وقد وبّخته أنا بنفسي عدّة مرّات وقلت له إنّ السيّد الخمينيّ الآن حاكم الإسلام، وشتمه وسبّه حرام شرعًا. نعم انتقاده بشكل عام لا إشكال فيه، ولكن الانتقاد الذي يؤدّي إلى التخريب والوهن حرام شرعًا. كان هذا الرجل يقول: «أنتم مخطئون، نحن نرى أشياء لا ترونها!» عجبًا!

  • كنت أنت تقول لي قبل الثورة: انهض من تحت اللحاف والمدفأة واخرج إلى الشوارع تحت رصاص البنادق! طبعًا هو لم يكن يذهب! البندقيّة ليست بشيء، لقد ذهبت أمام دبّابة كانت تطلق النار ولم أكن قلقًا أبدًا، وقالوا لي: «الدبّابة ستطلق النار عليك!». فقلت: «إن كان من المقرّر أن يصيبني الرصاص فسيصيبني، وإن كان من المقرّر ألّا يصيبني فلن يصيبني». في النهاية، أخذوني بالقوة من أمامها إلى الزقاق، ولكن هذا الرجل نفسه الذي كان يتكلّم لم يكن يخرج!

حِلم الاستدراج وخطر الانحراف عن الولي - هل لقب عليُّ الزمان وحسينُ الزمان صحيحان؟

14
  • فماذا حدث الآن حتّى تتكلّم ضده؟! كلّ شيء له حساب، هو مرجع تقليد وحاكم، وحفظ هذه الحكومة محترم وواجب شرعًا! وهذه المسائل تشكّل مبادئ لنا. فلا تظنّوا أنّ هذه المسائل هي بسبب بعض المصالح، حقًّا هذه الكلمات تشكل مبادئ لنا!

  • عدم الإفراط والتفريط في تشخيص الواجب والعمل به

  • لقد أخذ الشيخ العطّار النيسابوري، والذي كان من أولياء الله والموحدين من الدرجة الأولى، السيف بيده وذهب لقتال المغول، وعندما خرج من الزقاق، أتى مغولي من الخلف وضربه بالسيف. لماذا يقولون إن الإنسان يجب أن يكون منعزلًا؟! يجب على الإنسان في كل زمان أن يشخّص واجبه ويعمل طبقًا لواجبه. ونحن أيضًا نعمل طبقًا لتشخيصنا، لا نفرّط ولا نُفرِط!

  • وعلى هذا فنحن مكلّفون ومسؤولون. وفي يوم القيامة، لا يقول الله لماذا لم تقلّد فلانًا وفلانًا وزيدًا وعمروًا، بل يسألني ويسألك ويسأل سائر الناس: لماذا عملتم خلاف فكركم وعقيدتكم وتشخيصكم ويقينكم؟! لماذا لم تسلكوا المقدّمات التي توصل إلى يقين صحيح وغفلتم عن المسائل التي توضّح لكم الطريق؟!

  • هذه الشروط مهمّة! وإلا، إذا وصل الإنسان إلى يقين، فليس من اللازم أن يستمع إلى كلّ من يقول له افعل عملاً باطلاً؛ في الواقع لا يجب أن يستمع، لأنه إذا استمع فسيعاقب، حتّى يصل إلى اليقين.

  • مهما نبّه المرحوم العلاّمة هذا الرجل الذي كان يهين آية الله الخمينيّ، لم يستمع، لدرجة أنّ الناس كانوا يقولون للمرحوم العلامة: «هل هذه الكلمات التي يقولها تلميذكم هي كلماتكم وتعبّر عن رأيكم؟!». 

  • فكان سماحته يقول: «نعوذ بالله، هذا ليس كلامنا!». هذه هي آثار التخريب الاجتماعي. 

  • ومرّة أخرى، وفي مجلس آخر، قال كلمات، وأرسل إليه سماحته رسائل عدّة مرّات لكنّه رأى أنّه لا فائدة! لأنّه قال إنّ هذا الرجل أصبح كتفّاحة أكلها الدود، وليس لديه استقرار وقد تزعزع؛ فاليوم هو على حال وغدًا على حال آخر، ويذهب باستمرار إلى هنا وهناك ثمّ يعود.

  • وهو نتيجة لذلك، يشمله القسم الثاني من الحلم، وإذا وفّق الله سنتحدث عن هذا في الجلسة القادمة. 

  • لقد عاقب المرحوم العلاّمة هذا الرجل، على غرار العقاب الذي نفّذه السيّد الحدّاد رحمه الله؛ وحرمه من المشاركة في الجلسات لمدّة أربعين يومًا. فاعترض قائلًا: لماذا يجب أن أعاقب أنا؟! فلان أيضًا يقول مثل هذه الكلمات، لماذا لم يشمله هذا العقاب؟! 

حِلم الاستدراج وخطر الانحراف عن الولي - هل لقب عليُّ الزمان وحسينُ الزمان صحيحان؟

15
  • يجب أن يقال لهذا الرجل: أنت الذي تعتبر هذا السيّد وليًّا وتعتبر رأيه صائبًا وقد سلّمت له، فلماذا تعترض؟! وهكذا اعتراضات أخرى. لكنه كان يستطيع أن يسهّل الأمر؛ يخفض رأسه ويقول: حاضر، أنا في خدمتكم، وسأجلس في المنزل لمدّة أربعين يومًا! لكنّه لم يفعل ذلك!

  • این نفس بد اندیش به فرمان شدنی نیست***این کافر بدکیش مسلمان شدنی نیست
  • يقول: 

  • هذه النفس سيّئة النيّة لا تطيع الأوامر *** هذا الكافر سيّئ الملّة لا يصبح مسلمًا

  • واستمرّ هذا الرجل في الإشكال والاعتراض، وبدلاً من أن تكون هذه الأربعون يومًا منبّهة ومذكّرة له، أصبحت سببًا للنقمة والابتلاء والهلاك، وبعد الأربعين لم يأتِ إلى الجلسات أيضًا. ليس فقط خلال الأربعين يومًا، بل بعد انتهاء الأربعين أيضًا لم يأتِ! وكان يقول: «يجب أن تتضح هذه المسألة! لماذا تمّ اختياري أنا شخصيًّا؟! في حين أنّ الآخرين مشمولون بنفس هذه المسائل. لماذا قام المرحوم العلاّمة بمثل هذا العقاب تجاهي؟!».

  • هو لا يريد أن يعاقب الآخرين، فما شأنك أنت وما علاقتك؟! وقد قيل: حَفِظْتَ شَيْئًا وَغَابَتْ عَنْكَ أَشْيَاءُ. وشيئًا فشيئًا وصل به الأمر إلى أن قال له سماحته: «أهلاً بك!» وهو ذهب أهلاً به فأهلًا به! ووصل به الأمر إلى درجة أستحي من مواصلة الحديث عنها!.

  • هذا الحلم هو حلم ساحق وليس له عاقبة حميدة. يصبر الله باستمرار ويصبح الإنسان مشمولًا لآية ﴿لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾۱. يزيد من ذنبه باستمرار ويزيد من وزره ووباله أيضًا، حتّى يعلق في هذا الوزر والوبال ولا يستطيع الخروج. وعندما يعلق، ينقطع ذلك الحبل تلقائيًّا!

  • قضيّة الأستاذ والتلميذ تشبه أضلاع مثلث ثلاثة، على رأسه الله، وعلى أحد الأضلاع الأستاذ، وعلى الضلع الآخر التلميذ، وعندما تنقطع العلاقة مع الله، تنقطع العلاقة مع هذا الضلع أيضًا. وبقول المرحوم العلاّمة الذي كان يقول: «علاقتنا مع تلاميذنا تلقائيّة. أنظر إلى نفسي وأرى أنّ التلميذ قد قطع علاقته». تمامًا كما لو أن جهازًا تلقائيًّا انقطع، فإنّ التيّار ينقطع ويغلق في جميع فروعه. وليس الأمر أنّه يكون قائمًا في مكان وغير قائم في مكان آخر. على سبيل المثال، عندما تضع قابس الكهرباء في المقبس، يظهر أثره في مكان آخر، في الواقع بمجرّد أن يقطع العلاقة لم يعد موجودًا هنا، وعندما يوصل، فهو موجود هنا .

    1. سورة آل عمران (٣) الآية ۱۷۸.

حِلم الاستدراج وخطر الانحراف عن الولي - هل لقب عليُّ الزمان وحسينُ الزمان صحيحان؟

16
  • عندما يقطع العلاقة، تترسّخ خطواته في ذلك المسار المنحرف شيئًا فشيئًا، وعندما يصبح الأمر هكذا، يشمله قوله: «وَأَشَدُّ المُعَاقِبِينَ فِي مَوْضِعِ النَّكَالِ وَالنَّقِمَةِ». عصا الله ليس لها صوت؛ ولكن عندما تأتي، فإنّ ألمها يكمن في أنّ الإنسان لا يدري من أين جاءت لأنها ليس لها صوت!

  • مرد را دردی اگر باشد خوش است***درد بی‌دردی علاجش آتش است 
  • يقول: 

  • إذا كان للرجل ألم فهذا حسن *** فألم عدم الألم علاجه النار

  • نأمل أن يديمنا الله على طريقهم ببركة الأطهار والواصلين إلى حريمه، وكما أمسك بأيديهم وأوصلهم جميعًا إلى المنزل المقصود، ونجّاهم من هذه الإشكالات العويصة وصعوبات الطريق والمسائل المحرّفة التي تؤدي إلى الانصراف وتبدّل الطريق! نسأله ألّا يحرمنا من زيارة أهل البيت في الدنيا ومن شفاعتهم في الآخرة! وأن يديم علينا في كلّ حال نظر وليّه إمام الزمان الإمام المهدي أرواحنا لتراب مقدمه الفداء، ويثبّت أقدامنا تحت ولايته وفي شيعته!

  •  

  • اللَهُمّ صلِّ على محمّد و آل محمّد