6

أركان الرجاء الثلاث

16
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمدعاء أبي حمزة الثمالي

المجموعةسنة 1422

التاريخ 1422/09/28

جلسات المجموعة(8 جلسة)

التوضيح

ما هي أركان الرجاء الثلاثة؟ هل ينبغي أن يكون المرجوّ من أمور الدنيا أم الآخرة؟ ومن هو المرجوّ وكيف يجب أن تكون حالة الراجي؟ كيف يطلب السالك أمور الدنيا كالصحة والرزق؟ وهل المرض شرٌّ مطلق؟ وهل للقرابة من الأئمّة أثر في النجاة؟ تجيبكم هذه المحاضرة، التي ألقاها السيد محمد محسن الطهراني، عن هذه الأسئلة العميقة، كاشفةً أسرارًا من عالم التكوين عبر قصص تاريخيّة مذهلة.

/۱۲
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

أركان الرجاء الثلاث

1
  •  

  • هوالعليم

  •  

  • أركان الرجاء الثلاث

  • نظرة عرفانيّة للمرض والشفاء

  •  

  • شرح دعاء أبي حمزة الثمالي - سنة ۱٤٢٢ هـ - الجلسة السادسة

  •  

  • محاضرة القاها

  • آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدّس الله سره

  •  

  •  

أركان الرجاء الثلاث

2
  •  

  •  

  • أعوذُ باللهِ منَ الشَّيطانِ الرَّجيم‌ 

  • بِسمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحيم‌ 

  • وصلَّى اللهُ على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسمِ محمّدٍ 

  • وعلى آلهِ الطيّبينِ الطّاهرينَ 

  • واللعنةُ على أعدائِهِم أجمعينَ

  •  

  •  

  • «وَاعْلَمْ أَنَّكَ لِلرَّاجِي بِمَوْضِعِ إِجَابَةٍ، وَلِلْمَلْهُوفِينَ بِمَرْصَدِ إِغَاثَةٍ».

  • إنّي أعلمُ أنّك للآملين فيك في مقام القبول والإجابة، وللذين سيطر عليهم اليأس وانقطعت بهم السبل في مقام العون والمساعدة.

  • ما هي أركان الرجاء الثلاثة؟

  • فيما يتعلّق بحقيقة الرجاء، ينبغي حقًّا أخذ ثلاثة أصول بعين الاعتبار: 

  • أحدها: من هو مرجوّ الإنسان؟ 

  • و[الآخر]: ما هو الرجاء؟ هل هو من أمور الدنيا أم من أمور الآخرة؟

  • الركن الأوّل: هل المرجوّ من أمور الدنيا أم الآخرة؟

  • تنقسم الآمال التي يحملها الإنسان إلى قسمين: إمّا ما فيه صلاح الدنيا وفساد الآخرة، أو ما فيه صلاح الآخرة مع تدبير أمور الدنيا، وهذا الثاني بدوره قابل للتقسيم. ولكن على أيّ حال، يُطلق على القسم الأوّل صلاح الأمور الدنيويّة وعالم الكثرات والأهواء النفسيّة، لأنّ من يريد الدنيا بأيّ ثمن، دون أن تكون الآخرة في حسبانه، فمن الواضح أنّه يريدها كيفما كانت، ولا تهمّه الآخرة أو خرابها. إنّه يريد الوصول إلى دنياه بأيّ وسيلة كانت.

  • ما هي الدنيا؟ 

  • والدنيا ليست مجرّد الماء والخبز، الدنيا هي: التعلّقات وكلّ ما توجّه النفس إليه اهتمامها التامّ، دون أن تلحظ فيه الجانب الباطنيّ والمعنويّ. أظنّ أنّ هذا تعريفٌ جامعٌ ومانع. قد لا يهتمّ إنسانٌ بالماء والخبز، بل قد لا يأكل الطعام أصلًا، ويؤمّن غذاءه كلّه عن طريق الأقراص والكبسولات. فهناك اليوم أقراص وكبسولات، يتناول الإنسان واحدة منها فلا يحتاج لعدّة أيّام إلى الفيتامينات والسعرات الحراريّة وسائر احتياجات البدن. وعندما يتناول أحدها، حتّى لو وُضع أمامه أفضل الطعام، فإنّه لا يشتهيه، بل تُسدّ شهيّته تمامًا.

  • وفي وقتٍ من الأوقات، كنتُ أبحث بنفسي عن هذه الأقراص لأترك الطعام جانبًا، فمن لديه الصبر ليجلس ويأكل ويحرّك فمه! يتناول قرصًا واحدًا ويرتاح لعدّة أيّام، ليتفرّغ لأعماله. لكنّي لم أحصل عليها بعد. سيكون الأمر ممتعًا جدًّا لو تحقّق (مزاح)!

  • كيف كان الأنبياء يقضون ليلهم؟ وما هو السمّ القاتل للسالك؟

أركان الرجاء الثلاث

3
  • انظروا إلى النبي موسى على نبيّنا وآله وعليه السلام، بقي أربعين يومًا في جبل الطور، وفي هذه الأربعين يومًا ورد في الرواية أنّه «لَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ وَلَمْ يَنَمْ»۱. لم يأكل ولم يشرب ولم ينم لحظة واحدة! فكيف يمكن لإنسانٍ أن يصل إلى حالٍ تتولّى فيه الروح والنفس تدبير البدن، فلا تدعه يتأثّر بالعلل والعوامل الطبيعيّة، ولا يخضع لقانون الكون والفساد؟ هذه من خصوصيّات الروح، والأمثلة والحكايات على ذلك كثيرة جدًّا.

  • أو حين سُئل رسول الله صلّى الله عليه وآله، حيث كان لا يأكل ولا ينام، وقد أثار ذلك تعجّب الناس، فسألته بعض نسائه: لماذا لا تأكل؟ أنت دائم الصيام وتصل صومك بالصوم الذي يليه؟ فقال صلّى الله عليه وآله: «أَبِيتُ عِنْدَ رَبِّي يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِي»٢. أي إنّي أقضي ليلي عند ربّي، فهو يطعمني ويسقيني. نعم، نحن نقضي ليلنا بطريقة، والنبيّ صلّى الله عليه وآله أيضًا يقضي ليله. نحن نقضيه في مشاهدة الأفلام ومباريات كرة القدم، نجلس لساعات نراقب الكرة تذهب من هذا الجانب إلى ذاك... نحن نذهب مع الكرة إلى ذلك الطرف من الملعب، ثمّ يضربها أحدهم فتعود، فنعود معها. بدلًا من أن تتبعنا الكرة، نحن نتبعها. لقد ارتفع مقامنا حقًّا! فأينما تذهب تجرّنا معها، فينتقل كلّ وجودنا فجأةً إلى ذلك الجانب؛ خيالاتنا، تصوّراتنا، أميالنا، رغباتنا... آه، الآن ستدخل المرمى! آه، الآن أصبحت هدفًا!

  • وعندما تعود إلى هذا الجانب، تنتقل كلّ هذه الرغبات وهذا الوجود. فما هو وجودنا؟ إنّه ما في أذهاننا، فالجسد ليس بشيء. أمانينا وأفكارنا وميولنا هي التي تتحرّك مع هذه الكرة، تذهب هنا وتعود هناك. وهذا بعينه هو السمّ القاتل للسالك، وخَطَرُهُ عليه أشدّ من سمّ الأفعى والعقرب. إنّه حال التذبذب والتردّد، ألاّ يكون للإنسان ثبات، بل يتأرجح دائمًا من جانبٍ إلى آخر. أيّها المسكين البائس، ماذا سيبقى لك؟! نقوم ونذهب لنجلس في مجلس نقهقه فيه ونقضي الوقت بالضحك والحديث الفارغ! وماذا نقول؟ إنّها ليلة من ليالي رمضان، وقد قيل لنا: "ابقوا مستيقظين"، فبقينا مستيقظين، ولكن ليس بالقهقهة وتضييع الوقت، بل فلنذهب ونرى كيف كان الأعاظم يقضون لياليهم.

    1.  بحار الأنوارالعلامة المجلسي - ج ٥٣ - الصفحة ٣٢٦
      أنه تعالى جعل ميقات نبيه موسى أربعين يوما وفي النبوي أنه ما أكل وما شرب ولا نام ولا اشتهى شيئا من ذلك في ذهابه ومجيئه أربعين يوما شوقا إلى ربه.
      وفي تفسير العسكري عليه السلام كان موسى عليه السلام يقول لبني إسرائيل: إذا فرج الله عنكم، وأهلك أعداءكم آتيكم بكتاب من عند ربكم يشمل على أوامره ونواهيه ومواعظه وعبره وأمثاله، فلما فرج الله عنهم أمره الله عز وجل أن يأتي للميعاد ويصوم ثلاثين يوما عند أصل الجبل، إلى أن قال: فأوحى الله إليه: صم عشرا أخر وكان وعد الله أن يعطيه الكتاب بعد أربعين ليلة.
    2. الكافي، ج ٤، ص ۱٩۰

أركان الرجاء الثلاث

4
  • أذكر أنّ المرحوم العلامة رضوان الله عليه كنتُ أحيانًا آتي من القسم الداخلي للمنزل إلى القسم الخارجيّ منه في ليالي رمضان، فأراه يكتب في الساعة الواحدة بعد منتصف الليل. في ليالي الشتاء، لا الصيف. لا شأن لي الآن بمحتوى ما يكتب، ولكنّي أهتمّ بهذه النقطة: اعلموا أنّ هذه الكتابة كانت تتمّ في هذا الوقت، فلتدركوا أيّ نوعٍ من المسائل كانت تُكتب. أي إنّ رجلًا في الستين أو الخامسة والستين أو الثامنة والستين من عمره، يقوم ويُعرّض نفسه لهذه المشقّة...

  • قبل ليالٍ قليلة، كنتُ أبحث عن مسألة فلم أجدها في المجلدات ۱٥ و۱٦ و۱۷ من "معرفة الإمام"، لعلّ الرفقاء يعرفون... هذه القضيّة التي كتبها سماحته في كتابه عن ذلك الرجل، عمر، في أيّ مجلد هي؟

  • [أحد الحاضرين:] في كتاب قبض وبسط نظريّة الشريعة.

  • هل كتبها هناك؟

  • [الحاضرون:] نعم، في كتاب قبض وبسط نظريّة الشريعة.

  • [سؤال:] أليست في "معرفة الإمام"؟

  • [جواب:] لا، إنّها في كتاب "قبض وبسط..."، حول حالة عمر.

  • [سؤال:] وليست كلّها، بل ما طُبع في الدورة الأولى؟

  • [جواب:] نعم، كانت في الطبعة الأولى ثمّ حُذفت.

  • نعم، حُذفت، لأنّه كتب في الهامش: "لا يُطبع هذا الذيل"، ورغم ذلك طبعوه. لقد انتبهنا لهذه القضيّة بعد وفاته، وكادت أن تثير ضجّة كبيرة. ثمّ أدركنا أنّها طُبعت عمدًا، رغم تصريحه بعدم طبعها، بل كان قد كتب ذلك بقلمٍ أحمر. إذًا هي ليست في "معرفة الإمام".

  • قصّة بني الحسن مع الإمام الصادق عليه السلام: نقدٌ منهجيٌّ لتبريرات السيّد ابن طاووس

  • كنت أبحث عن هذه المسألة، وبينما كنتُ أتصفّح، رأيتُ حقًّا أيّ مسائل عجيبة نقلها هذا الرجل! ومنها قضيّة تدلّ على استقامته الفكريّة، وهي أنّ الإنسان لا ينبغي أن يتنازل عن الحقّ أبدًا.

  • كنتُ أقرأ عن قصّة بني الحسن، وهم أناسٌ تركوا سجلاًّ أسود في التاريخ، بسبب تعدّياتهم وظلمهم للأئمّة عليهم السلام. إنّ أفعالهم مدعاة للخزي والعار لهذه السلالة. والآن يأتي البعض ليبرّر لهم، لأنّهم لا يستطيعون تصوّر الحقيقة. فالسيّد ابن طاووس، بكلّ جلالته ومقامه وعظمته، يبرّر أفعال بني الحسن تجاه الإمام الصادق عليه السلام! فلماذا تبرّر لهم؟! من أعطاك الإذن بذلك؟! يقول إنّ ما نُسب إلى بني الحسن في علاقتهم بالإمام الصادق عليه السلام كان من باب التقيّة، لكي لا يظنّ الخلفاء أنّهم على وفاقٍ معه. يا عزيزي، لقد ألقوا بالإمام الصادق عليه السلام في السجن! حبسوه في إسطبل السجن! فأيّ تبريرٍ هذا؟ لا تبرير له. أمهلوا الإمام الصادق عليه السلام يومًا وليلة ليبايع محمّدًا وإبراهيم ابني عبد الله المحض، اللذين خرجا على المنصور الدوانيقي. وكان محمّد هذا يدّعي المهديّة، ويقول إنّه هو المهديّ المنتظر، وجاء أبوه عبد الله المحض ليأخذ البيعة له من الإمام الصادق عليه السلام! فقال له الإمام عليه السلام: «إنّ ذلك المهديّ من ولدي، وأنت تأخذ له البيعة منّي؟!». فقال عبد الله المحض هناك: «بايع، وإلّا ضربنا عنقك هنا!». هل كان كلّ هذا لتضليل الأعداء؟ وأمهلوا الإمام عليه السلام يومًا وليلة، فإن لم يبايع قتلوه في اليوم التالي!

أركان الرجاء الثلاث

5
  • نحن لم نخترع هذا من عند أنفسنا، بل هو مكتوبٌ في التاريخ. ثمّ يأتي المرحوم العلامة هناك ويهاجم السيّد ابن طاووس، قائلًا: «لماذا تبرّئ بني الحسن، بينما تاريخنا يروي هذا؟ إن كنت تقول إنّ التاريخ كاذب، فاطرحه جانبًا كلّه، وإن كان صادقًا، فلماذا لا نقبله؟». ثمّ يقول: «إن قلنا هذا، فإنّ العامّة...». لعن الله حقًّا هذا الجمود، وهذا التحجّر، وكلّ فهمٍ أعوج! «إن قلنا هذا، فإنّ العامّة ستزهد في أهل البيت». بل أنتم تقدّمون للناس أهل بيتٍ مزيّفين! نحن نقبل بأهل البيت الذين لهم هذه الخصوصيّات، وبهذه الطريقة يجب أن ننظر إليهم، لا أهل بيتٍ مصنّعين ومزيّنين خرجوا من المصنع، فهؤلاء ليسوا أهل البيت.

  • لا محسوبيّة في نظام الله: عندما لا تكون القرابة ضمانة للصلاح

  • في أهل البيت هؤلاء، يجب أن يكون هناك من كلّ نوع. ابنٌ لإمام ـ دعنا من الأئمّة أنفسهم ـ يصبح عليًّا الأكبر عليه السلام، وابنٌ لإمام يصبح أبا الفضل عليه السلام، وابنٌ لإمام آخر يصبح جعفرًا الكذّاب. وفي أهل البيت، ابنٌ لإمام يصبح عالمًا مثل عليّ بن جعفر ـ وهذا علي بن جعفر المدفون هنا في قم ليس هو الراوي العالم. ومع أنّ هذا أيضًا مقامه عظيمٌ جدًّا، فهو رجلٌ جليل القدر، ومن المناسب أن يزوره الإنسان بين الحين والآخر ويستفيد من أنفاسه. مرّةً كنتُ في خدمة المرحوم العلامة رضوان الله عليه وكان عمري حوالي ثلاثة عشر أو أربعة عشر عامًا، وجرى الحديث عن عليّ بن جعفر، فقلتُ للمرحوم العلامة: «يا سيدي! إنّ علي بن جعفر هذا محظوظٌ جدًّا، لأنّ الشيخ الأنصاريّ رحمه الله دُفن هناك عنده». فقال: «كلّا! بل الشيخ الأنصاري رحمه الله هو الذي حظي بأن يكون في جوار علي بن جعفر». فهل تلتفتون؟

  • إنّه رجلٌ عظيمٌ جدًّا. أمّا علي بن جعفر الراوي فمدفونٌ قرب المدينة، على بعد ثمانية فراسخ منها. حسنًا، أحدهم يصبح مثل عليّ بن جعفر، والآخر يصبح مثل إخوة الإمام الرضا عليه السلام، أبناء موسى بن جعفر عليه السلام، الذين يأتون إلى محكمة المدينة ويتّهمون الإمام الرضا عليه السلام زورًا وبهتانًا بتزوير الوصيّة! فماذا يفعل الإنسان؟ التاريخ يروي ذلك. أنتم تبرّئون بني الحسن، فماذا ستفعلون بإخوة الإمام الرضا عليه السلام وأبناء إخوته؟ اتّهموه بتزوير الوصيّة! أي أعمامه وإخوته! أعمام الإمام الرضا عليه السلام، إخوة موسى بن جعفر عليه السلام وأبناء الإمام الصادق عليه السلام، جاؤوا يتّهمونه بذلك، حتّى قال لهم القاضي: «اخجلوا من أنفسكم! فالإمام الرضا عليه السلام شخصيّة مشهورة وليس مخفيًّا، ألا تخجلون من قولكم هذا؟ انهضوا واخرجوا! اذهبوا!». لقد طردهم من المحكمة.

أركان الرجاء الثلاث

6
  • علينا أن نعلم أنّ نظام الله ليس فيه محاباة أو محسوبيّة. ففي هذه العائلة نفسها، أهل البيت، يوجد من كلّ نوع، لكي لا يأتي أحدٌ ويقول: «كلّا يا سيدي! إنّ هذه السلالة مميّزة منذ بدء الخليقة، لقد كانوا مختلفين، فلا يمكن أن يكونوا لنا أسوة وقدوة». كلّا، الله يقول: «تفضّلوا وانظروا»، ابن أمير المؤمنين عليه السلام يأتي ويدّعي الإمامة في مقابل الإمام السجاد عليه السلام، وهو محمّد بن الحنفيّة، وإن تاب لاحقًا، ومن جهة أخرى، ابن أبي بكر، ابنه محمّد، يصبح ابنًا لأمير المؤمنين عليه السلام، فيكون اسمه محمّد بن علي، لا محمّد بن أبي بكر. قال هو نفسه: «لا تقولوا لي محمّد بن أبي بكر، بل قولوا محمّد بن علي». وقد تبنّاه أمير المؤمنين عليه السلام. هذا يصبح هكذا، وذاك يصبح هكذا. هكذا هي سنّة الله.

  • عالم الخلقة لا يعرف المجاملات، ولا المحسوبيّة وروابط القربى. إنّه ليس كعالمنا الذي تقوم فيه كلّ المعايير على العلاقات، بينما تغيب الضوابط. بتوصيةٍ من فلان، ينقلب كلّ شيء. اليوم الأمر هكذا، وغدًا تتعلّق المشيئة الإلهيّة بأن يكون على نحوٍ آخر. ولا يستطيع أحدٌ أن يتكلّم، بل يقول: «سمعًا وطاعة».

  • وخلاصة القول، إنّ الحديث في هذا الشأن ذو شجون، ولعلّنا نوفّق في فرصةٍ أخرى أن نوضّح هذه المسألة أكثر ممّا كتبه المرحوم العلامة رضوان الله عليه۱. فقد كنّا نراه مثلًا منهمكًا في الكتابة في ليالي شهر رمضان، وهذا بحدّ ذاته نوعٌ من البيتوتة؛ فالبيتوتة تعني إحياء الليل حتّى الصباح، كما في الحديث الشريف: «أَبِيتُ عِنْدَ رَبِّي يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِي»٢.

  • فالركن الأوّل للرجاء هو نوع الطلب، هل هو دنيويّ أم أخرويّ؟ 

  • الركنان الثاني والثالث: من هو المرجوّ؟ وكيف يكون حال الراجي؟

  • الركن الثاني: بناءً على هذا الطلب، من يجب أن يكون المرجوّ؟ من الطبيعيّ أنّ المرجوّ يتناسب مع هذا الطلب، فكما يقولون يجب أن تكون هناك مناسبة بين الموضوع والحكم. 

  • الركن الثالث: حال الإنسان المريد والراجي، كيف يجب أن تكون إرادته؟ وفي أيّ مقامٍ يجب أن يكون؟ فللرجاء مقامات متعدّدة.

    1.  رسالة‌ السير والسلوك‌ المنسوبة‌ إلى بحر العلوم ص ٣۷
    2. روى الصدوق في «من لا يحضره الفقيه» ج ٢، ص ۱۱۱، باب الصيام، عن معاوية بن عمّار قال:
      سَألْتُ أبَا عَبْدِ اللهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ صِيَامِ أيَّامِ التَّشْرِيقِ، قَالَ: إنَّمَا نَهَى رَسُولُ اللهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ عَنِ صِيَامِهَا بِمِنَى، فَأمَّا بِغَيْرِهَا فَلَا بَأسَ. وَ نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ عَنِ الوِصَالِ في الصِّيَامِ وَ كَانَ يُوَاصِلُ، فَقِيلَ لَهُ في ذَلِكَ، فَقَالَ: أنِّي لَسْتُ كَأحَدِكُمْ، أنِّي أظِلُّ عِنْدَ رَبِّي فَيَطْعِمُنِي وَ يَسْقِينِي.
      وأورد هذه الرواية في «المحجّة البيضاء» ج ٢، ص ۱٤٢، نقلًا عن «من لا يحضره الفقيه».

أركان الرجاء الثلاث

7
  • لا شكّ أنّنا لا نعتبر هنا مسألة الرجاء والأمل في الأمور الدنيويّة بمعزلٍ عن الآخرة، لأنّ البحث في ذلك لا معنى له ولا فائدة. فمقصود فقرة الدعاء «إلهي واعلم أنّك للراجي بموضع إجابة» ليسوا أولئك الذين يأملون في المسائل الماديّة فقط بأيّ ثمن، فهذا لا معنى له هنا. فيبقى الشقّ الآخر، وهو أن يكون طلب الإنسان ورجاؤه ذا جانبٍ أخرويّ. وهذا يعني أنّ الراجي يضع الله نصب عينيه بشكلٍ إجماليّ، ويريد ألّا يترتّب على أمره شرّ. فكيف ينبغي لهذا الشخص أن يأمل؟ وكيف ينبغي للإنسان أن يقصد؟

  • الأمور التي يقصدها هذا الإنسان يمكن أن تكون على قسمين: 

  • إمّا مسائل تتعلّق بالآخرة، وهذه لها ملفّها الخاصّ وحديثها الخاصّ الذي سيطول بنا لو خضنا فيه. فكيف يجب أن يفكّر الإنسان في مسائل الآخرة ونعيم الجنّة؟ وهل طلب الجنّة من الله باطلٌ أم لا؟ وكيف يمكن فهم كلمات الأعاظم التي تنهى عن طلب هذه الأمور؟ بينما نجد في الروايات والأدعية المأثورة طلب هذه النعم حتّى من الأئمّة عليهم السلام. كهذا الدعاء الذي يُقرأ بعد الصلاة: «وَزَوِّجْنِي مِنَ الْحُورِ الْعِينِ». فما هو موقع هذا الدعاء؟ البعض يقول إنّه لا ينبغي لنا أن نقول حتّى هذا. أو الآيات التي تدلّ على نعم الجنّة، مثل قوله تعالى: ﴿وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ﴾۱. فكيف يوفّق الإنسان بين هذه النصوص وبين ما سمعه من الأعاظم؟ سنترك هذا لوقتٍ آخر.

  • ولكن ما سنتحدّث عنه قليلًا هو: كيف يطلب الإنسان أمور عالم الدنيا؟ كأن يقول: "اللهمّ ارزقنا الصحّة والسلامة"، "اللهمّ ارفع عنّا البلاء والمرض والشدّة والضيق"، "اللهمّ وسّع علينا في الرزق والمعيشة"... هذه الأمور التي نطلبها جميعًا، كيف نطلبها من الله دون أن يختلط فيها شيءٌ من النفس والربوبيّة؟

  • ما يُستفاد من نهج الأعاظم وكلماتهم هو أن يطلب الإنسان في دعائه من الله "العافية"، والعافية لفظٌ جامع.

  • قصّة مرض العلامة الطهراني: أيهما أهم، قوّة الجوارح أم عزيمة الجوانح؟

  • في إحدى المرّات، أُصيب المرحوم العلامة بمرضٍ في الكبد فجاء إلى طهران، وكان الأقارب والأصدقاء يأتون لزيارته، إلى أن عاد إلى مشهد وأجرى عمليّة هناك. جاء لزيارته أحد أقاربه من أهل العلم، وأبدى قلقًا شديدًا، فقال له المرحوم العلامة: «يا سيدي، ليس في الأمر شيء، كلّه خير ورحمة. نحن نتوقّع دائمًا أن نكون في حالٍ واحدة، نتوقّع دائمًا أن نكون أصحّاء، وكأنّ المرض وجودٌ شيطانيّ يجب الفرار منه كما نفرّ من الشيطان. نعم، يجب على الإنسان أن يبحث عن الطبيب والدواء والعلاج، ولكنّ المرض ليس وجودًا شيطانيًّا، فالمصائب جزءٌ من الحياة». 

    1. سورة الزخرف (٤٣) الآية ۷۱

أركان الرجاء الثلاث

8
  • فقال ذلك الرجل: «ولكن يا سيدي، ورد في دعاء كميل: "وَقَوِّ عَلَى خِدْمَتِكَ جَوَارِحِي"». 

  • فأجابه المرحوم العلامة فورًا: «وَاشْدُدْ عَلَى الْعَزِيمَةِ جَوَانِحِي».

  • يقول أمير المؤمنين عليه السلام في دعاء كميل: اجعل جوارحي قويّة وصحيحة لأتمكّن من خدمتك. فقال المرحوم العلامة: «أصلح ذلك القلب والباطن أولًا. فاشدد على العزيمة جوانحي». أي قوِّ مراتبي الباطنيّة للقائك، وللعزم على الحركة في طريقك. فقد تكون هذه الأمراض والشدائد هي التي تدفع الباطن وتحرّكه. ذاك هو المهمّ. ولكنّنا ما إن نرى مرضًا حتّى نقول: "آه، لقد انتهى الأمر! أيّها المرض، اذهب بسرعة!". لا، دعه يبقى قليلًا، اصبر قليلًا، لماذا يذهب بسرعة؟ طبعًا هذا لا يعني أن تمتنعوا عن إعطاء المريض دواءه، أو أن تقولوا له إذا جاء إليكم بعد ستّ جلسات: "انتظر قليلًا"، لا! بل قوموا بعملكم، ولكن إذا حدثت مشكلة ما وتأخّر الشفاء، فلا نقل: لماذا حدث هذا أو ذاك؟ بل لنلتفت إلى الجانب الآخر من القضيّة.

  • «وَاشْدُدْ عَلَى الْعَزِيمَةِ جَوَانِحِي». قوِّ باطني ومراتبي الوجوديّة للعزم على الحركة نحوك وقصد لقائك. وفي دعاء الإمام السجّاد عليه السلام في الصحيفة السجّاديّة، في ذلك الدعاء المفصّل للمرض، يتساءل: «هل أشكرك على الشفاء أكثر، أم على السلامة التي تؤدّي إلى عبادتك، أم على المرض الذي يمنعني من ارتكاب الذنوب؟»۱. حقًّا، إنّ الإمام السجّاد عليه السلام يبيّن هناك مراتب عرفان الإنسان بربّه في مواجهة هذه الحوادث والظواهر.

  • هل المرض شرٌّ مطلق؟ نظرة عرفانيّة لتكاليف الميكروبات!

  • إذًا هذه الصحّة والسلامة التي يطلبها الإنسان من الله، كيف يطلبها؟ هذا هو المهمّ. "اللهمّ اجعلني سالمًا، اللهمّ أعطني الصحّة". هذا يعني: "لا تعطني المرض". وهذا نفيٌ لنقيضه. فإن كان الإثبات في القضيّة الثبوتيّة صادقًا، فنقيضه باطل. فهو يطلب رفع النقيض، أي إزالة المرض، وهذا يعني: "لا تصبني بمرضٍ أبدًا"، وكأنّه يقول: "إن أصبتني بمرض، فهذا يعني أنّي في وضعٍ يخالف مشيئتك الحتميّة ومصلحتي اللازمة". مع أنّ المرض من الله والشفاء من الله. وكما أنّ القرص والدواء يفعلان فعل الشفاء في البدن، فكذلك الميكروب والفيروس يعملان بجدّ ويؤدّيان مهمّتهما في البدن، بالقدر الذي كُلّفا به.

    1. الصحيفية السجّادية: الدعاء الخامس عشر: «اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى مَا لَمْ أَزَلْ أَتَصَرَّفُ فِيهِ مِنْ سَلامَةِ بَدَنِي، وَ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى مَا أَحْدَثْتَ بِي مِنْ عِلَّةٍ فِي جَسَدِي فَمَا أَدْرِي، يَا إِلَهِي، أَيُّ الْحَالَيْنِ أَحَقُّ بِالشُّكْرِ لَكَ، وَ أَيُّ الْوَقْتَيْنِ أَوْلَى بِالْحَمْدِ لَكَ أَ وَقْتُ الصِّحَّةِ الَّتِي هَنَّأْتَنِي فِيهَا طَيِّبَاتِ رِزْقِكَ، وَ نَشَّطْتَنِي بِهَا لِابْتِغَاءِ مَرْضَاتِكَ وَ فَضْلِكَ، وَ قَوَّيْتَنِي مَعَهَا عَلَى مَا وَفَّقْتَنِي لَهُ مِنْ طَاعَتِكَ أَمْ وَقْتُ الْعِلَّةِ الَّتِي مَحَّصْتَنِي بِهَا، وَ النِّعَمِ الَّتِي أَتْحَفْتَنِي بِهَا، تَخْفِيفاً لِمَا ثَقُلَ بِهِ عَلَيَّ ظَهْرِي مِنَ الْخَطِيئَاتِ، وَ تَطْهِيراً لِمَا انْغَمَسْتُ فِيهِ مِنَ السَّيِّئَاتِ، وَ تَنْبِيهاً لِتَنَاوُلِ التَّوْبَةِ، وَ تَذْكِيراً لِمَحْوِ الْحَوْبَةِ بِقَدِيمِ النِّعْمَةِ وَ فِي خِلالِ ذَلِكَ مَا كَتَبَ لِيَ الْكَاتِبَانِ مِنْ زَكِيِّ الأعْمَالِ، مَا لا قَلْبٌ فَكَّرَ فِيهِ، وَ لا لِسَانٌ نَطَقَ بِهِ، وَ لا جَارِحَةٌ تَكَلَّفَتْهُ، بَلْ إِفْضَالًا مِنْكَ عَلَيَّ، وَ إِحْسَاناً مِنْ صَنِيعِكَ إِلَيَّ.
      اللَّهُمَّ فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ، وَ حَبِّبْ إِلَيَّ مَا رَضِيتَ لِي، وَ يَسِّرْ لِي مَا أَحْلَلْتَ بِي، وَ طَهِّرْنِي مِنْ دَنَسِ مَا أَسْلَفْتُ، وَ امْحُ عَنِّي شَرَّ مَا قَدَّمْتُ، وَ أَوْجِدْنِي حَلاوَةَ الْعَافِيَةِ، وَ أَذِقْنِي بَرْدَ السَّلامَةِ، وَ اجْعَلْ مَخْرَجِي عَنْ عِلَّتِي إِلَى عَفْوِكَ، وَ مُتَحَوَّلِي عَنْ صَرْعَتِي إِلَى تَجَاوُزِكَ، وَ خَلاصِي مِنْ كَرْبِي إِلَى رَوْحِكَ، وَ سَلامَتِي مِنْ هَذِهِ الشِّدَّةِ إِلَى فَرَجِكَ، إِنَّكَ الْمُتَفَضِّلُ بِالْإِحْسَانِ، الْمُتَطَوِّلُ بِالِامْتِنَانِ، الْوَهَّابُ الْكَرِيمُ، ذُو الْجَلالِ وَالاكْرَامِ».

أركان الرجاء الثلاث

9
  • يجب أن نرى ما هو التكليف الملقى على عاتق هذا الكائن الموقّر، الميكروب؟ ميكروب الكوليرا، الطاعون، الخانوق (الدفتيريا)، السعال الديكي، وأمثال ذلك. وفي المقابل، ما هو مقدار التكليف الملقى على عاتق الدواء الذي يدخل البدن؟ وهنا، في عالم العلل والأسباب، الحديث يطول إلى ما شاء الله. هل سلسلة العلل والعوامل الماديّة هي المؤثّرة، أم ما هو هناك في عالم الغيب وينزل منه؟ الرفقاء بحمد الله أهل خبرة وبصيرة في هذا المجال. يجب أن نرى في عالم التكاليف، ما هو التكليف الملقى على عاتق هذه الموجودات الحيّة، فكلّها حيّة، فميكروب الخانوق الذي يسبّب انسداد القصبة الهوائيّة والاختناق، أو التهاب السحايا (المننجيت) الذي يسبّب اضطرابًا في الدماغ ويعطّل الجهاز العصبي، إلى أيّ حدٍّ منحه الله القدرة والاختيار للتقدّم؟

  • قصّة التاجر الهندي والإيثار الذي قضى على وباء الكوليرا

  • كان الشيخ الأنصاري رحمه الله ينقل حكايةً عن أحد أصدقائه للمرحوم العلامة، وقد كتبها المرحوم العلامة في إحدى الجلسات التي حضرها عند الشيخ الأنصاري رحمه الله. كنتُ قد قرأتها منذ زمنٍ بعيد، ولا أدري إن كنتُ أحتفظ بما كتبته أم لا. قال إنّ أحد أصدقائه ذهب إلى الهند، وعندما عاد قصّ عليه هذه الحكاية. قال: «كنتُ في الهند في إحدى المدن، وبدأتُ بالتجارة بالأموال التي أخذتها معي من إيران، وهناك في الهند والغربة لا يمكن البقاء وحيدًا، فعقدتُ قراني على مخدّرة مكرّمة هنديّة، عملًا بالسنّة النبويّة الشريفة، أردت أن أعمل بالسنّة ـ ومن الجيّد جدًّا أن يعمل الإنسان بالسنّة، طبعًا السنن التي تتوافق مع أهوائنا! أمّا السنن التي لا تتوافق فلا والعياذ بالله! نسأل الله أن يوفّقنا لقبولها كلّها ـ المهمّ أنّ عملي ازدهر هناك، ورُزقتُ بعدّة أطفال، وأصبح لي متجر وتجارة».

  • عفوًا، لقد أخطأت، هذه قصّة أخرى. القصّة التي تتعلّق بمرض الكوليرا، بطلها إيرانيّ من أصدقاء الشيخ الأنصاري رحمه الله، ذهب إلى الهند وعمل كأجير لدى أحد التجّار الهنود. قال: «ذهبتُ إلى هناك، ونلتُ ثقة ذلك التاجر الهندي لدرجة أنّه سلّمني كلّ دفاتره وأعماله، فكنتُ أعقد الصفقات مكانه. حتّى أصبحتُ أتردّد على منزله وغرفة نومه. وفجأةً، انتشر وباء الكوليرا، وأعلنت الحكومة أنّ على أقارب كلّ مصاب أن يبلّغوا عنه فورًا، وإلّا فسيتحمّلون العواقب الوخيمة.وكان المرض يفتك بالناس بسرعة. أو أن يتعهّدوا بأنّه إذا مات المصاب، فإنّ الحكومة ستصادر جميع ممتلكاته. وفجأةً، أُصيب ذلك التاجر بالكوليرا، وعندما علمت عائلته بذلك، فرّوا وأبلغوا عنه. جاءت الحكومة لتأخذه، لكنّه رفض الخضوع للعلاج، ووقّع على أن تصادر الحكومة كلّ ممتلكاته إذا مات.

أركان الرجاء الثلاث

10
  • «لقد تخلّت عنه عائلته وفرّت، لكنّي لم أذهب، وبقيتُ إلى جانبه. كنتُ أطعمه وأعتني به، بل كنتُ أنام إلى جانبه في غرفته نفسها. ورغم أنّه كان يصرّ عليّ بالذهاب لأنّ المرض معدٍ، لكنّي لم أستمع إليه، وقلتُ إنّ هذا يخالف المروءة والشهامة. وبعد أيّامٍ من علاجه ببعض الأعشاب، وبينما كانت زوجته وأطفاله قد تخلّوا عنه تمامًا، بدأ يتعافى تدريجيًّا حتّى شُفي تمامًا، وعاد إلى صحّته المعتادة، وكان ذلك عجيبًا! كانت معجزة أن يُصاب أحدهم بالكوليرا ثمّ يُشفى.

  • وعندما عادت عائلته، لم يسمح لأحدٍ منهم بدخول المنزل، وأغلق الباب في وجوههم وطردهم جميعًا. وبعد فترة، أُصبتُ أنا بالكوليرا، وظهرت عليّ الأعراض. فأخبرته بأنّي أريد الذهاب، فقال: "لن أسمح لك بالذهاب ولو قُطّعتُ إربًا!". مرضتُ وسقطتُ طريح الفراش، فكان هو الذي يحضر لي الطعام والأدوية العشبيّة، وبعد أسبوعين أو ثلاثة، شفيتُ. أليس هذا عجيبًا؟».

  • إنّ القضيّة ليست عشوائيّة. كان التاجر الهندي ينام في غرفته. حسنًا، هل كان ذلك كوليرا أم لا؟ قطعًا كان كوليرا، فقد أكّد الطبيب ذلك. فكيف حدث هذا؟ ذلك التاجر الهندي لم يكن يعرف الله، فلماذا حدث له هذا؟ لأنّه كان إنسانًا، فنفسه البشريّة وإنسانيّته كانت في مقام الفطرة، والعمل الذي قام به هو الإيثار، وهذا الإيثار له قيمة. إنّ مجرّد التسمّي باسمٍ ما لا يحلّ المشكلة.

  • كيف نجّا حكمٌ فقهيٌّ شيعة سامرّاء من وباء الكوليرا؟

  • ونظائر هذه المسألة كثيرة جدًّا. ذات يوم، كان أستاذنا المرحوم آية الله الحاج مرتضى الحائري رحمة الله عليه قد تشرّف بزيارة مشهد، فذهبنا مع المرحوم العلامة لزيارته. ودار في ذلك المجلس حديثٌ طيّبٌ جدًّا، ومن جملة ما قاله أنّه نقل حكاياتٍ عن والده المرحوم الحاج الشيخ عبد الكريم الحائري. قال إنّ والده روى أنّه عندما كانوا في سامرّاء في زمن الميرزا الثاني ـ الميرزا محمّد تقي الشيرازي، الذي كان رجلًا قد فني عن نفسه كما يقول المرحوم العلامة، وهو الذي كان يُرجع احتياطاته إلى السيّد أحمد الكربلائي ـ انتشر وباء الكوليرا.

  • ذات يوم، جاء المرحوم [السيّد محمّد] فشاركي إلى الميرزا محمّد تقي. قال [الشيخ الحائري رحمه الله]: «كنتُ جالسًا أنا، والحاج الآغا ضياء، والمرحوم النائيني، وآخرون، ففُتح الباب ودخل المرحوم السيّد محمّد فشاركي». كان السيّد محمّد فشاركي من كبار علماء سامرّاء والنجف، وكانت دروسه معروفة بأنّها تُخرّج المجتهدين، حيث كان يُرشد الطالب فقط، وعلى الطالب أن يبحث عن المسألة بنفسه. دخل وقال للحاضرين: «هل تعدّونني مجتهدًا أم لا؟». قالوا جميعًا: «نعم، نعدّك مجتهدًا عادلًا». قال: «وهل تعتبرون حكم المجتهد نافذًا أم لا؟». وهنا قد يبدأ البعض بالجدل الفقهيّ، لكنّه لم يُتعب نفسه، وقال: «سواء قبلتم بحكم المجتهد أم لم تقبلوا، فقد حكمتُ بأن يقرأ كلّ شيعيٍّ في سامرّاء زيارة عاشوراء كلّ صباح، ويهدي ثوابها إلى روح والدة إمام الزمان، حضرة نرجس خاتون عليها السلام، ويتّخذها شفيعة عند ابنها ـ فالعالم كلّه بيد ابنها ـ ليرفع هذا البلاء عن الشيعة».

أركان الرجاء الثلاث

11
  • انتشر هذا الحكم في سامرّاء، وبدأ الشيعة يقرؤون زيارة عاشوراء كلّ صباح. وقبر نرجس خاتون يقع في سامراء نفسها؛ فهل تشرفّتم بزيارتها؟ أمّا الذين لم يوفَّقوا لذلك بعد، فرزقهم الله ذلك إن شاء الله، [وأمّا الذين تشرّفوا فيعلمون أنّ] هناك تحت القبّة أربعة قبور: 

  • أحدها قبر الإمام عليّ النقيّ عليه السلام، ثمّ قبر الإمام الحسن العسكريّ عليه السلام. وإلى جوار الإمام العسكريّ، يقع قبر زوجته السيدة نرجس خاتون عليها السلام، وهي والدة إمام الزمان؛ ويُذكر أنّ الإمام الحسن العسكريّ هو الوحيد من بين الأئمّة عليهم السلام الذي دُفنت زوجته إلى جانبه. وأمّا القبر الرابع فيقع عند موضع قدمي السيّدة نرجس، وهو قبر السيّدة حكيمة خاتون عليها السلام، وهي أخت الإمام عليّ النقيّ وعمّة الإمام الحسن العسكريّ عليهما السلام.

  • قال [الشيخ الحائري رحمه الله]: «منذ أن بدأوا بقراءة زيارة عاشوراء، لم يمت شيعيٌّ واحد، بينما كانت جنازات السنّة تُحمل كلّ يومٍ بالعشرات إلى المقبرة، حتّى أصبحوا من خجلهم يحملون موتاهم ليلًا». كانوا يتساءلون: «ماذا أكل هؤلاء حتّى لم يموتوا؟». حسنًا، تعال وكن شيعيًّا أنت أيضًا أيّها المسكين! فليس هذا سحرًا. وكانوا إذا مات لهم أحد، يحتفظون به حتّى الليل ثمّ يحملونه إلى المقبرة.

  • هذا لا يعني أنّ الميكروب لم يدخل أبدان الشيعة، ربّما دخل، لكنّه لم يكن مأمورًا بإيذائهم. يدخل ثمّ يزول. أمّا عند الآخر، فيدخل ويبدأ بالعمل والتخريب، وفجأةً في منتصف الليل يموت ذلك المسكين، فالتكليف الملقى على عاتق كلّ شيء يأتي من هناك.

  • حسنًا، ما هي الساعة الآن؟ التاسعة والنصف. هل نستمرّ أم نكتفي بهذا القدر؟ نخشى أن نتعرّض للاعتراض. إن شاء الله، تتمّة الحديث للّيلة القادمة. هذه الصحّة وهذا المطلب الذي نريده من الله، في أيّ حدودٍ يجب أن يكون؟ وكيف نطلب الصحّة من الله؟ وكيف نطلب السلامة؟ وكيف نطلب رفع الضيق واليسر والبسط؟ هذه الكيفيّة في الطلب، إن شاء الله، لما بعد.

  • نسأل الله أن يبصّرنا ويُنير قلوبنا بكيفيّة الارتباط به، وأن يشملنا بعنايات صاحب مقام الولاية، حضرة إمام الزمان الإمام المهديّ عليه السلام، في الدنيا والآخرة.

أركان الرجاء الثلاث

12
  •  

  • اللهمّ صلِّ على محمّدٍ وآلِ محمّد