3

الافتقار إلى الله والغنى عن الخلق

الدين بين الحزن والسرور

22
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمدعاء أبي حمزة الثمالي

المجموعةسنة 1423

التاريخ 1423/09/05

جلسات المجموعة(6 جلسة)

التوضيح

كيف يجمع السالك إلى الله بين الشعور الدائم بالفقر والحاجة، وبين عزّة النفس والاستغناء عن الخلق؟ ما هو المفهوم الصحيح لكلّ من الابتهال والفرح في الدين، وهل التشيّع دين بكاء فقط؟ كيف تكون آداب الدعاء والزيارة؟ تجيب هذه المحاضرة لآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني عن هذه الأسئلة وغيرها، مقدّمًا رؤية عرفانيّة أصيلة في الجمع بين المقامات المختلفة في مسير السالك إلى الله.

/۱٦
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

الافتقار إلى الله والغنى عن الخلق - الدين بين الحزن والسرور

1
  •  

  • هو العليم

  •  

  • الافتقار إلى الله والغنى عن الخلق

  • الدين بين الحزن والسرور

  •  

  • شرح دعاء أبي حمزة الثمالي - سنة ۱٤٢٣ هـ - الجلسة الثالثة

  •  

  • محاضرة القاها

  • آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدّس الله سره

  •  

  •  

الافتقار إلى الله والغنى عن الخلق - الدين بين الحزن والسرور

2
  •  

  •  

  • أعوذُ بِاللَه مِنَ الشَّیطانِ الرَّجیم

  • ‌ بِسمِ الله الرَّحمَنِ الرَّحیم‌

  • وصلَّی الله عَلَی سیدنا و نبینا أبی‌القاسم محمدٍ

  • وعلی آله الطّیبین الطّاهرین

  • واللعنة عَلَی أعدائِهِم أجمَعینَ الی یوم الدین‌

  •  

  •  

  • ما هو الكنز الذي يغني السالك عن الخلق؟

  • «وَأَنَّ فِي اللَّهْفِ إِلَى جُودِكَ، وَالرِّضَا بِقَضَائِكَ، عِوَضًا مِنْ مَنْعِ الْبَاخِلِينَ، وَمَنْدُوحَةً عَمَّا فِي أَيْدِي الْمُسْتَأْثِرِينَ»

  • إلهي، حقًّا ويقينًا، وجدًّا وصدقًا، لقد وصلتُ إلى هذه الحقيقة، وهي أنّني أجدُ في التضرّع والتوجّه إلى جودك ورحمتك وعطائك، وفي الرضا بقضائك، عوضًا عن منع أولئك الذين يبخلون. فبدلاً من أن أذهب إلى البخلاء والممسكين، أولئك الذين يلحظون في عطائهم سواء كان عطاءً ماليًّا أم علميًّا أم منصبًا ومكانة أمورًا غير التوحيد، وتقوم أفكارهم على الماديّات والاعتبارات والمساومات والتحزّبات والعلاقات والانغماس في الكثرات والشهوات والأهواء، من أي فئة أو صنف كانوا؛ فإنّني أتوجّه إليك. و«أنَّ» تعني «حقًّا»، فهي للتحقيق. «وَمَنْدُوحَةً عَمَّا فِي أَيْدِي الْمُسْتَأْثِرِينَ». أرى نفسي في سعةٍ وغنى، غنيًّا كلّ الغنى عمّا في أيدي طلاب الدنيا والأنانيّين، أولئك الذين يريدون منافعهم الخاصّة ولا يلتفتون إلى من حولهم أو إلى أيّ شخص آخر. أرى نفسي في غنى عن هذا الباب، فلا حاجة لي به، ومن كان غنيًّا فإنّه لا ينظر إلى ما في أيدي هذا وذاك. من كان غنيًّا فإنّه لا يبني علاقاته على مثل هذه المسائل، ومن كان غنيًّا فإنّه لا يتّخذ هذه المعايير أساسًا في علاقاته وتواصله، بل يلاحظ دائمًا هذين الجانبين في علاقته بنفسه وفي علاقته بخارج نفسه، وفي معياره مع نفسه يرى نفسه محتاجًا دائمًا. علينا أن نبحث عن علاج لأنفسنا في كلّ مرّة نشعر فيها بالاستغناء في علاقتنا بأنفسنا ومسائلنا الشخصيّة. وكلّما شعرنا بالافتقار والحاجة، فهنا يبيّن الإمام السجاد عليه السلام موضع الحاجة والجهة التي يُتوجَّه إليها بالحاجة.

  • لماذا يجب أن نشعر بالفقر الدائم إلى الله؟

  • لقد قضيتُ سنواتٍ في خدمة المرحوم العلامة الطهراني رضوان الله تعالى عليه وسنواتٍ أخرى في خدمة آخرين من الأكابر والأعاظم، وبالتأكيد رأيتُ من العظماء أكثر منكم جميعًا، وهذا أمرٌ واضح، وإن كان المقصود هو مجرّد الوجود في خدمتهم، وإلّا فمن ناحية الاستفادة فالويل لنا! قبل أيّام قليلة، تحدّثت مع بعض الإخوة الذين قدموا من بعض الأماكن، وقلت لهم ما أقوله لكم الآن وخلاصة القول، يعلم الله أنّني لا أظنُّ أنّي أقول خلاف الواقع، وإن شاء الله إن كان فيه خلاف، فهو سيصلحه في درجته ومرتبته وهو أنّني، قسماً بالله، بمقدار ما كنتُ أرى نفسي في زمن المرحوم العلامة الطهراني محتاجًا إلى الأخذ بيدي، فإنّي الآن على نفس المقدار، ولم ينقص من وضعي وحالي مقدار ذرّة واحدة مقارنة بذلك الوقت، ولو كان غير ذلك لكان خطأً! فالإنسان لا يتساهل في علاقته مع الله. مهما تساهلنا في هذه الدنيا وسعينا لخداع أيّ شخص، فإنّنا لا نستطيع خداع أنفسنا! ففي النهاية هناك غدٌ، وليس الأمر أن نقول ونفعل ونذهب وينتهي كلّ شيء! بالطبع، قد يتأخّر الأمر أو يتقدّم؛ ففي النهاية، لقد أوجد الله ما يكفي من أمراض السرطان، والإيدز، وحوادث السيارات، والأمراض، والجلطات القلبيّة، وخلاصة القول إنّ الأمراض موجودة من شعر الرأس إلى ظفر القدم. لقد دخل ميكروبٌ إلى جسد شخص من ظفر قدمه وقتله! لم تعد هناك حاجة حتى للجلطات القلبيّة أو الدماغيّة وأمثالها، فمجرّد ميكروب دخل جسده وأصابه بالكزاز وقتله! والموت لا يخبر بمجيئه. في هذه الدنيا، مهما استطعنا خداع الآخرين، وتظاهرنا أمامهم بصورة مغايرة لحقيقتنا، فإنّنا لا نستطيع خداع أنفسنا. فهل نحن حقًّا في باطننا، في أنفسنا وديننا وشريعتنا وعلاقتنا مع الله، وفي الكمالات المترتّبة على استعداداتنا الوجوديّة، في غنىً ولسنا بمحتاجين؟! يعني لو تُركنا هكذا وقيل لنا: اعملوا ما شئتم، فهل سنقول: حسنًا، نحن في وضع وحال جيّدين على هذا النحو؟! إذا شعرنا بهذا الشعور، فهذا هو جرس الإنذار! لذا، فالمسألة لا تختلف أبدًا. إنّ الغنى والاستغناء محصورٌ بذاته المقدّسة فقط، والغنى الذي يُعطى من قِبَله لأحد هو: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾۱ 

    1. سورة المنافقون (٦٣) الآية ۸.

الافتقار إلى الله والغنى عن الخلق - الدين بين الحزن والسرور

3
  • ما هي العزّة الحقيقيّة وكيف نكرّم أنفسنا؟

  • العزّة تعني الغنى والترفّع وعدم الخضوع للآخرين؛ الآخرين الذين هم أمثالنا. العزّة تعني أنّ روح الإنسان... كما قال أمير المؤمنين عليه السلام مخاطبًا الإمام الحسن عليه السلام: «يَا بُنَيَّ! وَأَكْرِمْ نَفْسَكَ عَنْ كُلِّ دَنِيَّةٍ وَإِنْ سَاقَتْكَ إِلَى الرَّغَائِبِ؛ فَإِنَّكَ لَنْ تَعْتَاضَ بِمَا تَبْذُلُ مِنْ نَفْسِكَ عِوَضًا»، يا بنيّ، أَكْرِمْ نفسَكَ وأعززْها وارفعها عن كلّ أمرٍ حقيرٍ موهومٍ ودنيء، ولا تلتفت إليه، حتى وإن أوصلتك هذه المسائل الحقيرة والدنيئة إلى منافع. «الرغائب» تعني المطالب الكبيرة جدًّا والمنافع العالية جدًّا، وهي جمع «رغيبة» بمعنى الشيء الثمين والنفيس. حتى لو أوصلتك إلى أمورٍ عالية، ومناصب، ودرجات، ورئاسة جمهوريّة، وحكومة، ووزارة، وتجارة، وأموال الدنيا، وذخائرها، والجمال، والانتفاع، والاستمتاع، والنكاح، والزيجات، فلا تُهِنْ نفسك! لأنّك لا تستطيع أن تجعل ما تحصل عليه عوضًا عمّا فقدته، ولا يمكن أن يحلّ محلّه. 

  • فعزّة النفس هذه وترفّع الطبع قد جعلهما الله فيك، ولم تأتِ بهما من عند نفسك. ﴿إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ﴾۱ العزّة للّه، والله قد جعل كلّ واحد منّا عزيزًا بواسطة نزول هذه الصفة العزيزة في وجودنا. كلّنا الآن أعزّاء لأنّ الله قد وضع فينا صفة العزّة هذه، ولأنّنا عباده، فالله لا يريد لعبده أن يخضع لمولى آخر. تخيّلوا لو أنّ مولىً شعر بأنّ عبده أو خادمه في منزله قد استدان من مكان آخر، ألا يغضب؟ ألا يذهب ماء وجهه؟! نعم، من الواضح أنّها فضيحة. كيف يكون الحال لو شعر المولى أنّ عبده أخذ طعامًا من منزل آخر وتناول غداءه هناك، أو اقترض مالًا من مكان ما؟! هذه فضيحة كبيرة جدًّا. أمّا نحن، فإنّنا ندوس هذه العزّة الإلهيّة بأقدامنا مجّانًا، ونسحقها، ونحني رؤوسنا أمام كلّ أحدٍ مهما كان، ونتملّق في كلّ مكان، ونقول «نعم» لكلّ أمرٍ ونهي. ما معنى «نعم»؟! قل مرّة واحدة «لا»، فماذا سيحدث؟! ليقل اثنان أو ثلاثة «لا»! ما معنى «نعم»؟! ﴿إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ﴾، لقد وضع الله هذه العزّة في عبده وقال: يا عبدي! هذه العزّة لم تحصل عليها بمفردك أو مجّانًا! إنّ عزّتي أنا هي الموجودة فيك، فلماذا تنفقها هنا وهناك بالمجّان؟! لماذا تبدّدها بسبب هذا الإنفاق، ذلك الرأسمال وتلك الحقيقة البكر التي لم تُمسّ، والتي يمكنك بواسطتها أن تصل إليّ؟! لماذا تأكل من رأس مالك وقد ثقبت كيسك؟ يقول الإمام علي عليه السلام: «فَإِنَّكَ لَنْ تَعْتَاضَ بما...» يا بنيّ، لا يمكنك أن تأخذ عوضًا، ولا يمكنك أن تأتي بشيء مكان «مَا تَبْذُلُ مِنْ نَفْسِكَ عِوَضًا». على كلّ منّا أن يجعل هذا المبدأ أساسًا في حياته، وأن يكون عزيزًا عند الناس، لا ذليلاً، وأن يُظهر العزّة! مثلاً، نقول: «يا عزيزي، الأمر هكذا فإن شئت فاقبل وإن لم تشأ فوداعًا لك!» 

    1. سورة يونس (۱۰) الآية ٦٥.

الافتقار إلى الله والغنى عن الخلق - الدين بين الحزن والسرور

4
  • قيل لي: سيّدنا، إن قلت هذا الكلام، سينزعج فلان منك. 

  • ـ هذا شأنه إن تأثّر! 

  • ـ سيّدنا، إذا فعلت هذا الأمر فهو أفضل لأنّ هناك اعتبارات! 

  • ـ أيّ اعتبار؟! 

  • ـ اختصر كلامك قليلاً، لا تقل هذا، ودع بعض الوقت يمرّ! 

  • قلت: ما الذي عليّ أن لا أقوله؟! عندما أشعر بالانحراف، ألا أتكلّم؟! لم يكن هذا نهج المرحوم الوالد، والآن يُفعل خلافه، فلماذا لا أتكلّم؟! 

  • يقولون: يا سيّد، دع مكانتك تستقرّ قليلاً! 

  • ـ لا أريد هذه المكانة أبدًا، فما معنى المكانة؟! ما معنى هذا الكلام؟! أنظر وأرى الانحراف يحدث، ثمّ أقف وأنظر حتى تستقرّ المكانة؟!

  • قصّة رفض أمير المؤمنين عليه السلام لمهادنة معاوية

  • قال المغيرة بن شعبة لأمير المؤمنين عليه السلام: يا علي، لا شأن لك بمعاوية، واصبر حتى إذا استقرّت أركان خلافتك، اعْزِلْه عن الخلافة! فقال عليه السلام: «لَا أَتَحَمَّلُهُ يَوْمًا»؛ لا أستطيع أن أرى معاوية في الحكم ولو ليومٍ واحد. لأيّ شيء أريد الخلافة؟ هل عليّ عليه السلام من أهل التحزّب والمساومات؟! هل عليّ من أهل ألاعيب السياسة التي نراها؟! ليس هناك من هذا الكلام. أنا أفعل هذا الفعل، فإن نجحت فقد نجحت، وإن لم أنجح فلم أنجح، لا علاقة لي بذلك. يقول أمير المؤمنين عليه السلام: انطلقوا إلى معركة صفّين، يجب أن نعزل معاوية. فإن عزلناه فبها، وإن لم نعزله فلا مشكلة! نحن لسنا مسؤولين أبدًا عن نتيجة العمل، بل نحن مسؤولون عن عملنا وفعلنا وحالنا! علينا أن نقوم بهذا الآن، فإن وصل إلى نتيجة فقد وصل، وإن لم يصل فلا علاقة لنا به؛ لأنّ الله لا يريد له أن يصل! ألم يدعُ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم الناس لثلاثة وعشرين عامًا؟! فهل وصلت دعوته إلى نتيجة؟! باستثناء أربعة أو خمسة أشخاص، مشى الجميع وراء أبي بكر وأجلسوه على منبر النبيّ، فجلس هو على المنبر مكان النبيّ! في النهاية. فماذا رأيت من هذا الرجل حتى تقول له: «نعم» ؟! أيّ شقّ قمرٍ أو ردّ شمسٍ فعل لك؟! هل أنطق لك شجرة أو حصاة؟! هل أوضح لك مسألة علميّة؟! لماذا أجلست على المنبر هذا الذي لم يكن يدري أليديه خمسة أصابع أم ستة؟!

الافتقار إلى الله والغنى عن الخلق - الدين بين الحزن والسرور

5
  • أقول أحيانًا إن هؤلاء الذين يلعبون كرة القدم ويركلون الكرة هنا وهناك، يا لهم من أناس أغبياء. أليس من الجنون أن يركض رجل بطول مترين خلف كرة بهذا الحجم الضئيل؟! والأحمق منه هو ذلك الذي يشاهد! فهل يُعقل أن يجلس المرء ساعتين ينتظر أن تذهب هذه الكرة إلى هناك أو تأتي تلك الكرة من هنا؟! هل خلقنا الله لهذا الغرض؟!

  • كان الأجدر بالمرء، بدلًا من هذا العمل، أن يحمل كتابًا في هاتين الساعتين ويقرأ رواية للإمام الصادق عليه السلام أو صفحتين من التاريخ ليأخذ العبرة، أو يقرأ صفحتين من القرآن أو صفحتين من كلام الأعاظم.

  • طبعًا، يجب أن نكون مرفقين ببعضنا، لا مشكلة في ذلك! على أية حال، لا بد من البدء ولو بالقليل من مكان ما.

  • ما هو الميزان الدقيق بين الحاجة إلى الله والعزّة أمام الخلق؟

  • على الإنسان أن يكون محتاجًا في نفسه، دائمًا محتاجًا، ولا ينبغي أن يفقد حالة الاحتياج. أمّا أمام الناس، فلا ينبغي أن يشعر بالحاجة! بالطبع، في مقام العلم والتربية وأمثال ذلك، الأمر مختلف؛ لأنّ هذا في النهاية يقع في سياق تلك الحاجة نفسها. ولكن في المسائل العاديّة والدنيويّة وفي العلاقات، يجب على الإنسان بكلّ صراحة ووضوح أن يُبدي ويُظهر عزّة نفسه وترفّعه للآخرين. ذهبتُ مرّة إلى مكان ما، وكان هناك موقف معيّن وعمل ما، وكان من المقرّر أن أحمل رسالة من طرف المرحوم الوالد رضوان الله تعالى عليه إلى شخص ما، كان معي رسالة، وعندما دخلت، قلت: يجب أن أسلّم هذه الرسالة إلى يد فلان. قالوا: أعطنا الرسالة لنرى ما هي. قلت: لا! لا ينبغي لكم أن تروا الرسالة، ويجب أن تصل إلى يد فلان فقط، أرسلها فلان ويجب أن تصل إلى يد فلان. فقالوا: حسنًا. ولكن عندما أخذوا الرسالة وأردنا أن نذهب إلى ذلك العالم، رأيت أنّهم قد فتحوا ظرف الرسالة! ذهبتُ وجلستُ وتحدّثت، وكان هناك الكثير من الناس، وكانوا يجلسون هناك في حالة من التواضع الشديد! أوّل كلمة قلتها له كانت: لقد أحضرت الرسالة وهؤلاء الأشخاص فتحوها، في حين أنّي كنت قد قلت إنّه لا ينبغي فتحها وهم قبلوا بذلك! فلماذا الأمر هكذا؟! وما إن قلتُ هذا الكلام حتى أصيب الجميع بالدهشة والحيرة! ثمّ بدأ ذلك العالم يجيب قائلاً: هذا لمراعاة بعض المسائل. 

الافتقار إلى الله والغنى عن الخلق - الدين بين الحزن والسرور

6
  • فقلت: لو كان لمراعاة بعض المسائل لقالوا لي، ولم أكن لأعطيهم إيّاها. 

  • فقال: «عجبًا!» بعد كلّ هذا الوقت، ظهر من يتكلّم بهذه الطريقة؟! 

  • وأنا أيضًا قلت بكلّ صراحة: لماذا فتحوها بعد أن عدوني بعدم فتحها؟! فليقولوا إنّهم سيفتحونها مراعاة لبعض المسائل، حينها أعرف ماذا عليّ أن أفعل، إمّا أن أعطيهم الرسالة أو لا أعطيهم إياها، فقد كان من المقرّر أن تكون وحدك من يقرأ الرسالة! 

  • على الإنسان أن يكون عزيزًا أمام الناس؛ لأنّ الجميع سواسية ولا فرق بينهم. فكلّنا متشابهون ولا اختلاف بيننا، والمسألة لا علاقة لها بعالِم وغير عالِم. قد يكون هناك احترام في وقت ما، ولكن في وقت آخر يكون أمر آخر غير الاحترام، ويختلف الأمر، والقضيّة واضحة؛ مثل هؤلاء الرؤساء الذين كانوا في زمان الشاه، وكنت أقرأ في أحوال بعضهم. في ذلك الوقت، كانت تعجبني هذه الأمور وكنت أقرأها. القصص والحكايات عن هؤلاء الذين كانوا يتحدّثون أمام الناس بكلّ جرأة وقوّة وهيبة، وكانت أوسمتهم تتدلّى من هنا وهناك، وقبّعة كلّ منهم بحجم الطشت، وبهذا المظهر كانوا يقولون: سنضرب، سنسجن، سنقتل، البلد كذا، وجلالة الملك كذا، وأمثال هذا الكلام. ثمّ ألم يكونوا يقتلون هؤلاء الناس قتلًا جماعيًّا؟! كانوا يأتون بالدبّابات ويهجمون على الناس المساكين الذين لم يكن في جيوبهم حتى سكّين! لم تكونوا تسمحون لهم حتى بحمل سكّين! هؤلاء أنفسهم، في بعض المراسم، كانوا على درجة من الحقارة والذلّ والتفاهة وانعدام الشخصيّة، بحيث كان الأطفال الصغار والكبار يركبون على ظهورهم وهم يتحرّكون كالأغنام، ويفتخرون بأنّ ابن جلالة الملك قد ركب علينا ونحن قد سيّرناه كالحمار! كان هذا فخرهم! كانوا أفرادًا تافهين إلى هذا الحدّ، ثمّ هذا نفسه يقف أمام الناس هكذا ويقول: سنضرب وسنقتل! إن كنت صادقًا، فتعال وافعل هذا أمام الناس، وافعل ذاك أمام الشاه، واصفعه بكلمتين! هناك تقول: أمرك سيّدي، ولكن عندما تصل إلى العجوز المسكينة، توجّه نحوها البندقيّة! ألا تظهر قوّتك إلا على هذه المسكينة؟! فعندما تسبّب ذلك الضابط المعروف في أحداث السابع عشر من شهريور، وبعد أن قتل آلاف الأبرياء، ذهب إلى الشاه وقال: لِيَسْلَمْ عُمْرُ جلالة الملك المبارك، لن يحدث شيء لمدّة ثلاث وعشرين سنة قادمة! عجبًا! هذه القضيّة نفسها أدّت إلى الثورة. هل هذا هو معنى أن يكون للأفراد شخصيّة تجاه القضايا والمواضيع؟! لا! يجب أن يكون المؤمن عزيزًا في كلّ مكان، وأن يكون ذلك الإحساس بالحاجة في داخله، ولا ينبغي أبدًا أن يخلو داخله من هذه المسألة. وإذا رأيتم في وقت ما أنّ مسألة الحاجة تلك لا تتجلّى وتظهر كثيرًا، فيجب أن تفكّروا في ذلك!

الافتقار إلى الله والغنى عن الخلق - الدين بين الحزن والسرور

7
  • الدين بين البكاء والابتهاج: كيف نفهمهما فهمًا صحيحًا؟

  • تقدّم في الجلسة الماضية أنّ الإمام السجّاد عليه السلام قال: «وَأَنَّ فِي اللَّهْفِ إِلَى جُودِكَ»؛ في التلهّف والتضرّع إلى جودك وكرمك. لماذا استخدم الإمام هنا لفظ التلهّف والتضرّع؟! لماذا لم يقل: في الرجوع والإقبال والتوجّه إلى جودك؟! التلهّف، والتضرّع، وحالة الرقّة والبكاء، والابتهال، كلّها تُسمّى بـ اللهف. واللهوف تعني الآهات والابتهالات. فهل على الإنسان أن يكون في محضر الله متلهّفًا دائمًا؟! ألا يمكن للإنسان أن يضحك؟! فلنفترض أنّ حال الإنسان لم يكن حال ابتهال، بل كان فرحًا وضاحكًا وحالته عاديّة، فما الإشكال في ذلك؟! لماذا كان الإمام السجاد عليه السلام على هذه الحالة، وكان دائمًا في هذا الحال؟ ولماذا كان الأئمّة عليهم السلام في مقام الدعاء حالتهم حالة ابتهال؟! ما هو السرّ في هذه المسألة؟! 

  • يتصوّر البعض أنّ الدين والتوسّل والحركة نحو الله والتوجّه إليه يجب أن تكون مصحوبة بالبكاء حتمًا، ويعتبرون الدين مقترنًا وممزوجًا ومقرونًا بالبكاء والابتهال والتلهّف وأمثال ذلك؛ لدرجة أنّ الأجانب يقولون إنّ التشيّع هو دين البكاء، وهؤلاء يبكون دائمًا وينوحون ويقيمون العزاء، وبالطبع يجب أن يكون في مجالسهم ذكر للمصيبة حتمًا! فمثلًا، إن كان هناك مجلس توسّل بسيّد الشهداء عليه السلام ولم يكن في هذا المجلس رثاء، يقولون إنّ هذا المجلس لا فائدة منه، وهكذا أيّ مجلس تُقيمه الجماعات والفرق والفئات والأفراد المختلفون. فتصوّرهم عن الارتباط بالولاية والارتباط بالله هو البكاء والنحيب والتضرّع وأمثال ذلك. 

  • منذ وقت طويل، ذهبنا إلى مجلس؛ لأنّ شخصًا قدم من مكان ما، وقال لنا أحدهم: «سيّدنا، دعنا نذهب لزيارة فلان». بالطبع، لم أكن أرغب كثيرًا بذلك. ولكن لأنّه أصرّ وهناك الكثير من هؤلاء الأفراد! ذهبنا بعد الظهر إلى ذلك المجلس، ودعونا نغضّ الطرف عمّا دار من أحاديث وما جرى من قضايا. كان هناك شخصان جالسان، وفجأة قال أحدهما: لكي لا يكون مجلسنا لغوًا ولهوًا، فلنتوسّل بحضرة بقيّة الله عجّل الله تعالى فرجه أيضًا! فبدأ أحدهما بالرثاء، وما كاد يقرأ السطر الثاني حتى ارتفع صوت صياح ذلك الرجل وصراخه إلى السماء: يا ويلاه، يا حسرتاه! التصوّر هو هذا، وأنّه علينا أينما كنّا أن نبكي ونلطم على رؤوسنا وننوح. وإن كان هناك مجلس، ولنفترض أنّه قُرئت فيه بعض الأشعار، وكانت هذه الأشعار مبهجة وباعثة على الفرح، وبالطبع ليست من هذه الأفراح والبهجات الماديّة والشهوانيّة والنفسانيّة! بل أشعار توحيديّة، أو أشعار عن الأئمّة عليهم السلام أو العظماء، وليست الحالة حالة بكاء؛ بل حالة بهجة وسرور وفرح نورانيّ وفرح رحمانيّ، لا فرح حيوانيّ، فإنّهم لا يقبلون مثل هذه المجالس! من الإشكالات التي يثيرها هذا النوع من «الولائيّين» على سلسلة العرفان هو هذا الأمر؛ يقولون: «هؤلاء ليس في مجالسهم رثاء!» في حين أنّها موجودة، لا أنّها غير موجودة، ولكن ليس المجلس دائمًا مجلس عزاء. إنّهم يكذبون، وهذا الكلام تهمة! فهل يجب عليكم أن تبكوا دائمًا؟! هل تبكون عندما تذهبون إلى منازلكم؟! في منازلكم تتحدّثون وتضحكون. أنتم أيّها الولائيّون، إن كنتم ولائيّين حقًّا، فابكوا دائمًا، لماذا تبكون في المجلس فقط؟! اذهبوا إلى بيوتكم وابكوا، وعندما تريدون النوم ليلًا فابكوا أيضًا! تصوّرهم هو أنّه إذا انقضى مجلس ولم يكن فيه بكاء، فليس بمجلس، وذلك المجلس ليس مجلسًا يدعو إلى الله وإلى طريق الله، بل يجب أن يكون هناك توسّل وأن يكون المجلس على هذا النحو! في حين أنّ الله تعالى قد أودع فينا صفات مختلفة من الجانب الكلّي لصفاته، ومسألة الابتهال والرقّة والعطف هي إحدى الصفات، ومسألة البشاشة والبهجة والنور هي أيضًا إحدى الصفات. فليس الأمر أنّ واحدة فقط منها موجودة. لقد أودع فينا القهر والغضب والرقّة والعطف، ومن ناحية أخرى أودع فينا المسائل المخالفة. ومن حيث المجموع، الإنسان هو مجموعة من تجلّيات الأسماء والصفات الإلهيّة الكلّيّة، وكلّ واحدة منها مفيدة لتكامل الإنسان.

الافتقار إلى الله والغنى عن الخلق - الدين بين الحزن والسرور

8
  • قصّة النبيّ يحيى والنبيّ عيسى عليهما السلام: أيّهما أفضل الباكي أم الضاحك؟

  • قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «کان یحیی بن زکریا یَبکی ولا یَضحک و کان عیسی بن مریم علیه السّلام یَضحک و یَبکی و کان الذی یَصنع عیسی علیه السّلام أفضلَ مِن الذی کان یَصنع یحیی علیه السّلام»۱. كانت مسألة الخوف والبكاء والعطف والرقّة غالبة على النبيّ يحيى على نبيّنا وآله وعليه السلام، فكان غالبًا ما يبكي. وفي الرواية أنّه عندما كان النبيّ زكريّا على نبيّنا وآله وعليه السلام يريد أن يتحدّث للناس، كان يقول: «انظروا هل يحيى في المجلس أم لا !» لأنّه عندما كان يبدأ في الحديث والنصح، كانت حالة البكاء والحزن تغلب على النبيّ يحيى لدرجة أنّه كان يُغشى عليه ويفقد وعيه. فكان النبيّ زكريّا عليه السلام يسأل، فإن كان في المجلس لا يتكلّم، وخلاصة القول كانوا يغيّرون حديثهم ويغيّرون الموضوع. ولكن النبيّ عيسى على نبيّنا وآله وعليه السلام كان يبكي ويضحك، ويقول النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم إنّ مقام النبيّ عيسى أعلى؛ لأنّ كلا الجانبين يظهران ويتجلّيان فيه، وهذا أفضل. الضحك والبكاء كلاهما بيد الله، وكلاهما صفتان من صفات الله الوجوديّة وتجلٍّ لتلك الصفات، وهذه الصفات لا ينبغي أن تبقى عاطلة وباطلة!

  • شعر مولانا جلال الدين الرومي في تجلّي صفات الله

  • ما أجمل ما يقوله مولانا:

  • گر به جهل آییم آن زندان اوست***ور به علم آییم آن ایوان اوست
  • ور به خواب آییم مستان وییم***ور به بیداری بدستان وییم
  • ور بگرییم ابر پر زرق وییم***ور بخندیم آن زمان برق وییم
  • وربه خشم و جنگ عکس قهر اوست***ور به صلح و عذر عکس مهر اوست
  • ما کی‌ایم اندر جهان پیچ‌پیچ***چون الف او چه دارد هیچ‌هیچ
  • چون الف گر خود مجرّد می‌شدی***اندر این ره مرد مفرد می‌شدی
  • يقول: 

  • إن علمنا فنحن في قصره، وإن جهلنا فنحن في سجنه

  • وإن نمنا فنحن سكاراه، وإن استيقظنا فنحن في قبضته

  • وإن بكينا فنحن سحابه الماطر، وإن ضحكنا فنحن برقه اللامع

  • وإن غضبنا وحاربنا فتلك صورة غضبه، وإذا صالحنا واعتذرنا فتلك صورة محبّته

    1. الکافي، ج ٤، ص ۷٥٢، باب الدعا به و الضحک.

الافتقار إلى الله والغنى عن الخلق - الدين بين الحزن والسرور

9
  • من نحن في هذا العالم المتشابك؟! كالألف، فماذا يملك هو؟ لا شيء على الإطلاق. 

  • كالألف، لو تجرّدت بنفسك، لأصبحت في هذا الطريق رجلًا متفرّدًا.

  • يقول إنّنا إذا كنّا في حالة جهل، فإنّ ذلك الجانب الضيّق من ناحية الواردات النورانيّة والعلميّة هو تجلّي صفة الربّ بمعنى التضييق والأخذ بالشدّة على الشخص. وكوننا نائمين أو مستيقظين أو ضاحكين هو بإرادته. أليس لدينا في القرآن: ﴿وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى﴾۱؛ «الله يُضحك ويُبكي»، ﴿وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا * وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى﴾٢. بالطبع، قرأت في مقال أنّهم يقولون: «لقد اكتشفنا دواءً وطريقة لاختيار جنس المولود، ذكرًا كان أم أنثى، بيد الإنسان نفسه، فكيف يقول القرآن في آية ﴿خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى﴾ إنّه بيد الله؟! هذه المسألة بيدنا! فمثلًا، يأكل الشخص هذا الطعام فيلد ذكرًا، وبالطبع ينجح الأمر في أغلب الأوقات. ليس مقصودنا أنّ هذا خطأ، ونحن لا نردّ هذا الأمر، ولكن يا أيّها الجاهل! هذا الشيء الذي تأكله الآن، من أين أتى بتأثيره؟! هذه الأفعال والانفعالات التي تحدث بلا اختيار في جهازك الهضميّ، من أين أتت؟! هل فكّرت في هذا أيضًا؟! إن كنت صادقًا، فاصنع أنت هذه الخواص! كلّ ما تلمسه قد وضعه الله مسبقًا. إن كنت صادقًا، فقدّم شيئًا خارج دائرة حكومة الربّ! تلك الفكرة التي تبذلها، من أين أتت؟ ألا تقول إنّك إذا قمت بهذا العمل بالإضافة إلى هذه المعادلة فسيحدث كذا وكذا؟! من الذي رتّب هذا الخطّ؟ من الذي وضع هذا العلم في وجودك؟!

  • قصّة العلامة الطهراني مع أحد المنكرين للتوحيد الأفعالي

  • قال المرحوم العلامة رضوان الله تعالى عليه: كنّا في طهران في زمن الشاه في مجلس يعجّ بالعلماء وأئمّة الجماعات، فدار حديث حول الأبحاث التوحيديّة، وكان أحد الأقارب هناك يثبت المطالب التوحيديّة، وكان أحدهم يعارض بشدّة ويقول: سيّدنا، هذا جبر، هذا خلاف الواقع! فتراجع هذا المسكين قليلاً والتفت إلى المرحوم العلامة وقال: خلاصة القول، تفضّلوا بمدّ يد العون والمساعدة. ثمّ واصل المرحوم العلامة الحديث وقال: الأمر هكذا. فجأة قال ذلك الشخص: ماذا تقول؟! هل هذا الطفل الذي يخرج من رحم أمّه أمام أعيننا، الله هو الذي أخرجه أيضًا؟! فقال المرحوم العلامة: نعم يا سيّد، الله هو الذي أخرجه، آية القرآن تقول: ﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا﴾٣؛ الله أخرجكم من بطون أمّهاتكم وأنتم في جهل مطبق. فتعجّب ذلك الشخص، لأنّه قال بالضبط ما توجد بشأنه آية في القرآن. والآن، هناك ألف مثال ليس لها آية في القرآن، لكنّه قال هذا الأمر! من الذي يخرج الطفل؟ يقولون: قوّة الطبيعة والجهاز الهضميّ ونظام أعضاء الجسم هي التي تخرجه! يا سيّدي، ما هذا الكلام؟!

    1. سورة النجم (٥٣) الآية ٤٣.
    2. سورة النجم (٥٣) الآيات ٤٤-٤٥.
    3. سورة النحل (۱٦) الآية ۷۸.

الافتقار إلى الله والغنى عن الخلق - الدين بين الحزن والسرور

10
  • آداب الزيارة: كيف نزور الأئمّة دون إزعاج الآخرين؟

  • للأسف، يُرى الآن أنّ هذه الثقافة منتشرة في كلّ مكان، فالناس يذهبون إلى أيّ مكان ويقرأون الزيارة ويبكون! كنّا قد ذهبنا إلى مقبرة البقيع وكنّا نزور ونقرأ زيارة أئمّة البقيع عليهم السلام، وكانوا خلفنا يصرخون بصوت عالٍ لدرجة أنّني أخطأت في قراءة عبارات الدعاء عدّة مرّات وكنت أنتقل من السطر العلويّ إلى السفليّ! وعند الخروج قلت: «يا عزيزي، اذهب إلى فندقك واصرخ هناك بقدر ما تشاء حتى يصل صوتك إلى الثريّا. هذا المكان للجميع، مكان للزيارة، وليس مكانًا للبكاء. في النهاية، ما معنى هذا الكلام؟! الناس يريدون أن يقرأوا الدعاء هنا، ويزوروا، ويعيشوا حالة روحانيّة. وفي وسط هذا الصراخ، يقولون كلّ ما يخرج من أفواههم، وأمورًا متناقضة أيضًا. نجلس في حرم الإمام الحسين عليه السلام ونزور، فيبدأون بقراءة العزاء، وما إن ينتهي أحدهم حتى يبدأ آخر، وعندما ينتهي هو، يبدأ ثالث! وكأنّ لديهم نذرًا. يا سيّدي، الحرم ليس مكانًا للعزاء والبكاء، يجب أن يكون الحرم مكانًا للخلوة والأنس والتوجّه! فاقرأ الزيارة وصلّ واجلس وتوجّه واقرأ القرآن! ابكِ في بيتك، لا مشكلة في ذلك ولا أحد يعترض، ولو بكيت من الليل حتى الصباح فلا اعتراض لدينا. ابكِ بدل النوم والاستيقاظ والاستحمام، لا اعتراض لدينا. لا ينبغي للإنسان أن يُظهر من نفسه ما يزعج حال الآخرين. إن كان هناك إنسان ليس حاله حال بكاء، فلا يمكن إجباره على البكاء، ليس لديه حال البكاء. هل يجب أن يأتي التوجّه مع البكاء حتمًا؟! لا! الإنسان يتوجّه بدون بكاء أيضًا. ثمّ بالصراخ والعويل والشعر وكلّ كلام آخر، يفسدون حال الناس ويتسبّبون في إزعاجهم، في حين أنّ كلّ مكان له حسابه الخاصّ به.

  • متى نبكي ومتى نفرح؟ لكلّ مقام مقال!

  • في مجلس العيد لا ينبغي قراءة العزاء بل يجب على الإنسان، بمقتضى العيد، أن يقرأ أشعارًا تجلب الفرح والبهجة والسرور. في مجالس العزاء، يجب على الإنسان، بمناسبة ذلك المجلس، أن يكون في حالة ابتهال وبكاء. الإمام صاحب الزمان عليه السلام يقول أيضًا عن جدّه: «لَأَبْكِيَنَّ عَلَيْكَ بَدَلَ الدُّمُوعِ دَمًا».۱ ولكن هل يبكي الإمام صاحب الزمان على جدّه أربعًا وعشرين ساعة في اليوم ولا تظهر الضحكة على شفتي الإمام صاحب الزمان عليه السلام أبدًا؟! ألا يتحدّث مع الناس، وهل تكون علاقته بهم مقتصرة على البكاء؟! ليس الأمر كذلك، ففي يوم العيد له حال، وفي الأوقات الأخرى له حال آخر. في إحدى المرّات، أردت أن أتحدّث في مجلس بمنزل المرحوم العلامة الطهراني رضوان الله تعالى عليه في مشهد، في يوم الثالث عشر من رجب أو في عيد آخر، وكان لباسي، القباء والعباءة، داكن اللون. فقال لي: غيّر لباسك فورًا والبس لباسًا فاتحًا وتعالَ، هذا اللباس ليوم العزاء لا ليوم العيد. يعني إلى هذا الحدّ كان هؤلاء العظماء حريصين حتى في لون اللباس على أن يكون مناسبًا لليوم، وأن يليق بمجلس العيد ويتناسب معه. وفي يوم العزاء أيضًا، كانوا يبذلون قصارى جهدهم. في مدرسة العرفان، يجب أن يوضع كلّ شيء في مكانه، كلّ شيء يجب أن يوضع في موقعه ووضعه، وبشكل كلّي يجب أن يكون الإنسان على هذه الحال.

    1.  مصباح الزائر، ج ۱، ص ٢٢۱. المزار الکبیر، ج ۱، ص ٤٩٦.

الافتقار إلى الله والغنى عن الخلق - الدين بين الحزن والسرور

11
  • كيف تطلب حاجتك من الله: بلسان الحال أم بلسان الاستحقاق؟

  • ولكن هناك أمرٌ هنا أيضًا، وهو أنّ الإمام السجاد عليه السلام لا يقول: «تلهّف وابتهل دائمًا!» بل يقول: «وَأَنَّ فِي اللَّهْفِ إِلَى جُودِكَ» حين أريد أن آتي إليك، فالنقطة هنا! عندما تريد أن تذهب إلى الله وهو حال الطلب، بأيّ حال يجب أن تذهب إلى الله؟! هل يجب أن تبرز صدرك وترفع عنقك وتقول: «يا إلهي، أريد أن آتي وآخذ منك»؟! يقول الله: «هل تريد أن تأخذ هكذا؟!» بهذه الطريقة لا يعطي الله أحدًا شيئًا، فكلّ شيء له قانون. إذا طرق فقير باب منزلك وأمسك بياقتك وضربك لكمة وقال: يا سيّد، أعطني مئة تومان، فإنّك ستضربه ضربة على رأسه وتقول: اذهب في سبيلك، لا يأتون لطلب المساعدة هكذا! يجب أن تقول مثلاً: ليس لديّ شيء وأنا مسكين، ذهبت إلى الطبيب ولكن ليس لديّ مال لأشتري دوائي، ساعدني! الله لا يحبّ من يأتيه بلسان الدائن! الله يحبّ من يأتيه بلسان المحتاج! لا تذهبوا أبدًا إلى الله بلسان الدائنين! الإنسان المحتاج يشعر بالخضوع في نفسه. في السابق، عندما كنّا نجد شخصًا فاضلاً يصلح لتدريسنا، وكنّا نريد أن نذهب إليه لنتعلّم الدرس، عندما كنّا نذهب إليه لم نكن نقول: تعال وأعطنا الدرس! كنّا نقول: السلام عليكم، كيف حالكم؟ هل تتلطّفون؟ هل تسمحون؟ ماذا نفعل؟ خلاصة القول، كنّا نستثير فيه الرحمة والعطف، وكانوا يلقون علينا درسًا. أمّا لو كنّا نقول: تعال وأعطنا الدرس لنرى، لقال هو أيضًا: ماذا حدث؟! هل لك دين عليّ؟! لا أريد أن أدرّس!

  • قصّة الرجل الذي طلب خاتم العلامة الطهراني بجرأة

  • كنّا في إحدى المرّات جالسين في محضر المرحوم العلامة رضوان الله تعالى عليه لا أدري ما الذي حدث لمسكين ما، خلاصة القول، بطريقة ما، نهض فجأة وجاء من جانب الغرفة وجلس على ركبتيه أمامه والتفت إليه وقال: يا سيّد، هذا الخاتم الذي في يدك، أعطني إيّاه! فخلعه هو من إصبعه وأعطاه إيّاه، فأخذه ولبسه في يده وذهب وجلس في مكانه! قلت في نفسي: ما الذي حدث؟! ما هذا الكلام الذي قاله هذا المسكين؟! وعندما انتهى المجلس، التفت إليّ وقال في جملة واحدة: هذا النهج وهذا النوع من التعامل ليس صحيحًا. لا ينبغي أن يكون حال الإنسان حال شخص دائن، كأنّه أعطى الله شيئًا والآن يريد أن يستردّه. يا سيّدي، صرخة الحاجة تنطلق من كلّ خليّة وذرّة في وجودنا! ما الذي في تصوّرنا؟! ما الذي في فكرنا؟! لو علمنا كيف أنّ هذه الخلايا في أيدينا وأرجلنا ورؤوسنا ومعدتنا وأبداننا، من ناحية وجودها وبقائها واستمرار حياتها، تمدّ يد الحاجة والعجز نحو الله ـ وهذا الذي أقوله لكم قد شوهد، وشاهده الكثيرون ـ حينها سنخجل من أنفسنا، فبينما أبداننا وخلايانا وكلّ شعرة في أجسادنا تُظهر العجز هكذا أمام قدرة الله الذي لا يزول، وتستمدّ منه العون لاستمرار الحياة، نقف نحن أمام الله بحال التوقّع! فمثلاً، نقول في أنفسنا: نصلّي ركعتين ونطلب بيتًا في الجنّة، نصلّي ثلاث ركعات ونطلب بيتًا بمساحة أربعمائة متر، وفي الركعة الرابعة تُضاف مائة متر! نحن نفعل هذا العمل، ونحن نفعل ذاك! لا يا عزيزي ليس هذا طريق العبوديّة! يجب أن نتعلّم طريق العبوديّة من الإمام السجّاد عليه السلام ونرى ماذا يقول. يقول عليه السلام: إلهي، هل أنا أصلًا إنسان يحقّ له أن يطلب منك شيئًا؟! في ذلك الطلب نفسه، وفي تلك اللحظة التي أطلب فيها هذا الطلب، إنّما هي إرادتك ومشيئتك وقدرتك ولطفك التي جعلتني هكذا، وإلّا لما طلبت.

الافتقار إلى الله والغنى عن الخلق - الدين بين الحزن والسرور

12
  • من هو الأقرب إلى الله في مدرسة العلامة الطهراني؟

  • كلّ هؤلاء الناس يذهبون الآن هنا وهناك، انظروا الآن في قم وطهران أو في أماكن أخرى، أيّ مجالس توجد! أيّ لهو ولعب يوجد! الآن، في هذه الليلة الخامسة من شهر رمضان التي نجلس فيها هنا ونتحدّث، في أيّ مسائل ولهو ولعب ولغو وتضييع وقت ومساومات وخيانات ومكائد شيطانيّة وتحزّبات ينشغل الناس، لماذا الأمر كذلك؟ لأنّ الله لم يُرد. ليس صعبًا عليه أن نصبح مثلهم، إنّها طرفة عين. قضيّة بلعم بن باعوراء عبرة لنا! يقول الله: ﴿وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا﴾۱، ولكنّه كفر بآياتنا، فقلبنا القضيّة! هنا لا مجال للمزاح. لا فرق بين أن يكون بلعم بن باعوراء أو غير بلعم بن باعوراء. طالما أنّك في الطريق وترى كلّ شيء منه، فأنت موجود! وبمجرّد أن لا ترى منه، فأنت لست بموجود! لم يترك المرحوم العلامة الطهراني رضوان الله تعالى عليه هذا الكلام حتى آخر عمره؛ كان يقول: الأقرب هو الذي يرى نفسه أدنى من جميع الرفقاء. هذه الجملة يجب التفكير بها! ففي النهاية، هناك البعض يقولون: لقد مضى عشر سنوات وخمس عشرة سنة وخمسون سنة ونحن هنا، ونحن مجتهدون وسرنا في الطريق! لا يا عزيزي، فالأقرب هو الذي يرى نفسه أدنى من الجميع، لا أن يخدع نفسه. لأنّه إذا رأى نفسه هكذا، فإنّ حاله ونفسه سيختلفان في الارتباط والمسائل، ذاك هو الأقرب. والأمر ليس باللحية البيضاء وطول العمر، ولا بالصخب والضجيج الظاهريّ، ولا بهذه العناوين. وقد شاهدنا ذلك بأنفسنا وجرّبناه.

  • لماذا يفيض الابتهال من القلب عند عرض الحاجة؟

  • هنا يشعر الإنسان في علاقته ـ شاء أم أبى ـ بحاجته هو وغنى الله، ونقصه هو وكمال الله، وفقره هو وغنى الله، حالة من الابتهال، وهذا ليس إجبارًا، ويختلف عن أن يبكي الإنسان قسرًا، وإن لم تأته حالة البكاء، يبكي قسرًا. شاء أم أبى، يظهر هذا الابتهال في قلبه، سواء جرى الدمع من العين أم لم ينزل. فأحيانًا لا يدري، وهذه الحالة لازمة لهذا الرجوع، وبدونها لا فائدة، والله لا يعطي شيئًا. فإن لم تكن هذه الحالة من الابتهال والحاجة والعجز موجودة، فإنّ الله لا يعطي. جرّبوا ألف سنة، لقد جرّبنا ورأينا أنّه لا خبر. طالما أنّ العنق مرفوع، فلا خبر، وبمجرّد أن ينحني العنق والرأس، تأتي الرحمة والعطف.

    1. سورة الكهف (۱۸) الآية ٦٥.

الافتقار إلى الله والغنى عن الخلق - الدين بين الحزن والسرور

13
  • شعر مولانا: كيف يجذب الله عبده إليه؟

  • يقول مولانا:

  • چون خدا خواهد که‌مان یاری کند***میل ما را جانب زاری کند
  • چون خدا خواهد که‌مان یاری کند***میل ما را جانب زاری کند
  • ای خنک چشمی که آن گریان اوست***وی همایون دل که آن بریان اوست
  • آخر هر گریه آخر خنده‌ایست***مرد آخربین مبارک بنده‌ایست
  • هر کجا آب روان سبزه بود***هر کجا اشکی روان رحمت شود 
  • يقول: 

  • عندما يريد الله أن ينصرنا، يميل بنا نحو التضرّع.

  • طوبى لعينٍ تبكي له، وطوبى لقلبٍ محترقٍ به. 

  • نهاية كلّ بكاء هي في النهاية ضحكة 

  • والرجل الذي ينظر إلى العواقب عبدٌ مبارك. 

  • أينما جرى ماءٌ نبت العشب، وأينما جرت دمعةٌ حلّت الرحمة.

  • فإذا أراد الله أن ينصر أحدًا، فإنّه يلقي به في حال الابتهال والنحيب والانكسار. فلازمة الابتهال والرجوع إلى الله هي حالة النحيب. أنا لا أقول إنّ الإنسان يجب أن يكون دائمًا في حالة نحيب وبكاء وابتهال، ولكنّي أريد أن أقول إنّه يجب دائمًا أن تكون فينا حالة الحاجة! وقد تكون حالة الحاجة تلك مصحوبة بالبهجة والسرور في وقت ما، وقد تظهر على شكل نحيب وابتهال في وقت آخر. أولئك الذين يسعون دائمًا فقط إلى إقامة مجلس والتحدّث والضحك وقضاء الوقت بالضحك فقط، لا ينالون نصيبًا وحظًّا كبيرًا، وأولئك الذين لا تمضي حياتهم من الجانب الآخر بدون بكاء وابتهال، فإنّهم لم يروا الأمر إلا من جانب واحد. ولكن العبد هو ذلك الذي يكون في وجوده جانب الابتهال والحاجة والعجز، وعندما يصبح كذلك، فحينئذٍ في كلّ مكان وكيفما أراد هو، يصبح الأمر كذلك؛ عندما يتوجّه نحو جود الله تأتي حالة الرقّة، وعندما يتوجّه إلى لطفه وكرمه، تأتي حالة الانبساط والفرح والبهجة.

  • بشارة أمير المؤمنين عليه السلام للحارث الهمداني

  • كان الحارث الهمداني مريضًا، فذهب أمير المؤمنين عليه السلام لعيادته ورآه مضطربًا. فقال عليه السلام: «يا حارث! لماذا أنت مضطرب وقلق؟!» قال: «يا علي، إنّي راحل عن الدنيا وأرى جهنّم وعقاب الله، وعندما أنظر إلى أعمالي، يصيبني الاضطراب. فقال عليه السلام: أأنت معنا أم لست معنا؟ قال: «أنا معكم». فقال عليه السلام: «لا تخف شيئًا! لأنّك معي، فأنا معك؛ في سكرات الموت، وعند نزول ملائكة الحساب (نكير ومنكر)، وفي البرزخ والقيامة وعلى الصراط، أنا معك.

الافتقار إلى الله والغنى عن الخلق - الدين بين الحزن والسرور

14
  • قَولُ عَلّىٍ لِحارثٍ عَجَبٌ***كَم ثَمَّ أعجوُبَةً لَهُ حَمَلَا
  • يا حارِ۱ هَمْدانَ مَنْ يَمُتْ يَرَنى***مِنْ مُؤمِنٍ أوْ مُنافقٍ قُبُلا
  • يَعرفُنى طَرْفُهُ وَ أعْرِفُهُ***بِعَيْنِهِ وَ اسْمِهِ وَ ما فَعَلا
  • وَ أنْتَ عْنِدَ الصِّراطِ تَعْرفُنى***فَلا تَخَفْ عَثْرَةً و لا زَلَلَا
  • أسقيك مِنْ باردٍ عَلى ظَمَاءٍ***تَخالُهُ فِى الْحَلَاوَةِ الْعَسَلا
  • أقولُ للِنّارِ حَين توقَفُ لِلْعَرْ***ضِ عَلى جسرها ذَرِى الّرجُلا
  • ذَرِيه فَلا تَقْرَبيهِ إنَّ لَهُ***حَبلًا بِحَبل اْلَوحْىِ متّصلًا
  • هذا لَنا شيَعةٌ و شيعَتُنا***أعطاني اللهُ فيهِمُ اْلأمَلا٢
  • عندما سمع الحارث الهمداني هذه الأشعار، ظهرت فيه فجأة حالة من البهجة، فنهض من فراش المرض وجلس وقال: إذا أردت أن أرحل الآن عن الدنيا، فلا أخشى شيئًا. عندما يسلّم الإنسان نفسه للولاية ويضع نفسه في ذلك المسار، يكون لديه ابتهال لأنّه محتاج، وبهجة لأنّ لديه أملًا؛ أملٌ في الأفراد وفي الطرف المقابل، وأملٌ في رحمة الله أيضًا. 

  • فنتيجة الحديث في هذا المجلس هي أنّه لا ينبغي للإنسان أن يقصد الله بحالة من المطالبة والاستغناء، بل يجب أن يضع استغناءه في علاقته بالناس.

  • كراهة سؤال الناس 

  • قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إنّ أفضل العباد عند الله هو أقلّهم مسألة لما في أيدي الناس. حتى إنّ أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله كانوا إذا سقط منهم شيء وهم راكبون لا يقولون للذين يمشون على الأرض: «ناولني هذا»، بل كانوا ينزلون بأنفسهم عن مراكبهم، سواء كانت جمالاً أو غيرها، ويلتقطونه عن الأرض حتى لا يسألوا أحدًا٣. هذا الكلام من النبيّ صلّى الله عليه وآله بأنّ أفضل العباد هو من يكون أقلّ طلبًا وسؤالاً، هو معنى العزّة نفسها. وفي الواقع على الإنسان أن يجعل غناه للآخرين، ويجعل حاجته في داخله وبين نفسه وبين الله. ولازم الحاجة هي تلك الحالة من النحيب والابتهال التي تجلب له الرقّة في وجوده. «وَأَنَّ فِي اللَّهْفِ إِلَى جُودِكَ وَالرِّضَا بِقَضَائِكَ عِوَضًا مِنْ مَنْعِ الْبَاخِلِينَ»، في التلهّف نحو جودك والرضا بقضائك، أي أنّ كلّ ما تقدّره لي أرضى به، حينها لا أحتاج إلى هؤلاء الباخلين، لا أحتاج إلى هؤلاء الذين يريدون لأنفسهم ويمسكون ولا يعطون.

    1. ترخيم لاسم حارث.
    2.  معرفة الإمام ج۱ ص ۱٩٢ عن (ديوان الحميري)، ص ٣٢۷ و ٣٢۸؛ و أورد أصله عن (أعيان الشيعة)، ج ۱٢، ص ٢٦٣، و (كشف الغمّة)، ص ۱٢٤، و (المناقب)، ج ٣، ص ٢٣۷، و (شرح نهج البلاغة)، ج ۱، ص ٢٩٩.
    3.  من لا يحضره الفقيه، ج ٢، ص ٧١: 
      عن الحسين بن حماد عمن سمع أبا عبد الله عليه‌السلام يقول إياكم وسؤال الناس فإنه ذل في الدنيا وفقر تعجلونه وحساب طويل يوم القيامة.
      محمد بن مسلم قال قال أبو جعفر عليه‌السلام : «يا محمد لو يعلم السائل ما في المسألة ما سأل أحد أحدا ولو يعلم المعطي ما في العطية ما رد أحد أحدا».
      عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال: «جاءت فخذ من الأنصار إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فسلموا عليه فرد عليهم‌السلام فقالوا يا رسول الله لنا إليك حاجة فقال هاتوا حاجتكم قالوا إنها حاجة عظيمة فقال هاتوها ما هي قالوا تضمن لنا على ربك الجنة قال فنكس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله رأسه ثم نكت في الأرض ثم رفع رأسه فقال أفعل ذلك بكم على أن لا تسألوا أحدا شيئا قال فكان الرجل منهم يكون في السفر فيسقط سوطه فيكره أن يقول لإنسان ناولنيه فرارا من المسألة فينزل فيأخذه ويكون على المائدة فيكون بعض الجلساء أقرب إلى الماء منه فلا يقول ناولني حتى يقوم فيشرب.»
      أخرج مسلم (۱۰٤٣)، وأبو داود (۱٦٤٢)، والنسائي (٤٦۰)، وابن ماجه (٢۸٦۷)، وأحمد (٢٣٩٩٣) عن أبي عبد الرحمن عوف بن مالك الأشجعي قال: كنّا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة أو ثمانية أو سبعة، فقال: «ألا تبايعون رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: قد بايعناك يا رسول الله ثم قال: ألا تبايعون رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: فبسطنا أيدينا وقلنا: قد بايعناك يا رسول الله، فعلام نبايعك؟ فقال صلى الله عليه وسلم: على أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً، والصلوات الخمس وتطيعوا –يعني: أولي الأمر منكم - وأسر كلمة خفيفة -أسمعهم إياها بصوت خفيف -: ولا تسألوا الناس شيئاً فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم فما يسأل أحداً يناوله إياه.»
      وفي صحيح أبي داود حديث ۱٦٤٣ عن ثوبان مولى رسول الله أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قال: "مَن يَكْفُلُ لِي أَنْ لَا يَسْأَلَ النَّاسَ شَيْئًا وَأَتَكَفَّلُ لَهُ بِالْجَنَّةِ فقالَ ثَوبانُ أنا فَكانَ لا يسألُ أحدًا شيئًا". 

الافتقار إلى الله والغنى عن الخلق - الدين بين الحزن والسرور

15
  • لماذا يُعتبر البخل من أكبر موانع السير والسلوك؟

  • كان الدكتور سجّادي، وهو أحد أصدقائنا، حفظه الله، يروي للمرحوم العلامة رضوان الله تعالى عليه ويقول: عندما كنت أدرس، كان الكثير من هؤلاء الأساتذة لا يخبرون الطلاب بالنقاط الأساسيّة وفنون عملهم، وكانوا يحتفظون بها لأنفسهم حتى لا يتفوّق عليهم أحد! وكنت أتعلّم بصعوبة. والآن، أنا أعلّم طلابي بصعوبة وهم لا يقبلون! ويقولون: يا دكتور! لا داعي لقول هذه الأمور، علّمنا عن إعتام عدسة العين والماء الأبيض وأمثال ذلك، لكي نحصل على المال بشكل أسرع! فمثلاً، أقول إنّ المرض الفلانيّ هو كذا ويحدث كذا، لكنّهم يقولون: «يا دكتور، في أيّ حالة ومتى تحدث هذه المشاكل؟! دلّنا على الطريق وقل لنا بعض الأمور الجيّدة لنصل إلى نتيجة بسرعة!» ثمّ قال لي المرحوم العلامة رضوان الله تعالى عليه: هذه النفوس تتقدّم، هذه النفوس التي لا تبخل في التعليم والتدريس تتقدّم، ولكن أولئك البخلاء الذين يحتفظون بالمعلومات لأنفسهم، ويعلّمون اثنتين ويحتفظون بالثالثة حتى لا يتمكّن ذلك الطالب من أن يصبح مثلهم، فإنّ الله يحتفظ لهم أيضًا ويغلق طريقهم، يقول الإمام السجاد عليه السلام: إنّي آتي إليك لأرتاح من أيدي الباخلين، أولئك الذين يبخلون في المال والتعليم والمسائل الدنيويّة وقضاء الحوائج ورفع المشاكل وفي كلّ اتجاه آخر. «وَمَنْدُوحَةً عَمَّا فِي أَيْدِي الْمُسْتَأْثِرِينَ»، عندما آتي إلى بابك، فإنّي غنيّ، أغنى من كلّ غنيّ. 

  • إن شاء الله، نأمل أن يشملنا الله بهذه الفقرات والمعاني العجيبة، التي على الإنسان حقًّا أن يتّخذ كلّ عبارة من عبارات الإمام السجاد عليه السلام هذه كلوحة وينظر إليها كلّ يوم. إذا كنّا كلّما أردنا الخروج من المنزل استحضرنا هذه العبارة «وَأَنَّ فِي اللَّهْفِ إِلَى جُودِكَ وَالرِّضَا بِقَضَائِكَ عِوَضًا مِنْ مَنْعِ الْبَاخِلِينَ» ونظرنا إليها، فلا يمكن أن لا تؤثّر وتكون بلا تأثير. إذا التفتنا حقًّا إلى هذه العبارة من الإمام السجاد عليه السلام، فكم سيختلف وضع الإنسان ومحيطه ومجتمعه؟! يجب أن نجعل هذه العبارة من الإمام السجاد شعارًا لعملنا وحركتنا، لأنّ كلّ كلمة من كلمات العظماء والأئمّة عليهم السلام هي بمثابة الكيمياء والإكسير وماء الحياة لجزء من أفعالنا وأعمالنا ومجرى حياتنا.

الافتقار إلى الله والغنى عن الخلق - الدين بين الحزن والسرور

16
  •  

  • اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ