3

رحمةُ اللهِ تعالى لجميعِ العبادِ

أأرباب متفرّقون خير أم الله؟

43
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمدعاء أبي حمزة الثمالي

المجموعةسنة 1424

التاريخ 1424/09/05

جلسات المجموعة(12 جلسة)

التوضيح

كيف يربي الله تعالى عباده بلطفه ورحمته؟ وما الفرق بين التعلق بالأرباب المتفرقين والاعتماد على الله الواحد القهار؟ يتناول آية الله السيد محمد محسن الطهراني هذه المعاني ضمن شرح دعاء أبي حمزة، موضحًا أن الشهرة والصيت من الله، وأن العبرة بالحقائق لا المظاهر، معززًا ذلك بقصص معبرة.

/۱۲
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

رحمةُ اللهِ تعالى لجميعِ العبادِ - أأرباب متفرّقون خير أم الله؟

1
  •  

  • هو العليم

  •  

  • رحمةُ اللهِ تعالى لجميعِ العبادِ

  • أأرباب متفرّقون خير أم الله؟

  •  

  • شرح دعاء أبي حمزة الثمالي سنة ۱٤٢٤ - هـ - الجلسة الثالثة

  •  

  • محاضرة القاها

  • آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدّس الله سره

  •  

  •  

رحمةُ اللهِ تعالى لجميعِ العبادِ - أأرباب متفرّقون خير أم الله؟

2
  •  

  •  

  • أعوذُ بِاللَهِ مِنَ الشَّیطانِ الرَّجیمِ

  • بِسمِ اللَهِ الرَّحمٰنِ الرَّحیمِ

  • و صلَّى‌ اللَهُ عَلَى سیِّدِنا ونبیِّنا أبی‌القاسمِ مُحَمَّدٍ

  • وعلى آلِهِ الطَّیِّبینَ الطَّاهرینَ واللَّعنةُ الدائمةُ عَلَى أعدائِهم أَجمَعینَ

  •  

  •  

  • «وَأنتَ المَنَّانُ بِالعَطِیَّاتِ عَلىٰ أهلِ مَملَکَتِکَ وَالعَآئِدُ عَلَیهِم بِتَحَنُّنِ رَأفَتِکَ، إلـٰهی رَبَّیتَني في نِعَمِکَ وَاِحسانِکَ صَغیراً، وَنَوَّهتَ بِاسمي کَبیراً.»

  • مقدمة: معنى الرّبوبيّة الإلهيّة في دعاء أبي حمزة الثمالي

  • يتطرَّقُ الإمامُ عليه السلام في هذه الفقرةِ إلى ظهورِ أسماءِ اللهِ تعالى وصفاتِه الجماليَّةِ. أحدُ أسماءِ اللهِ تعالى اسمُ الرَّبِّ، والرَّبُّ هو المُرَبِّي والمُنشِئ: ﴿أَأَربَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيرٌ أَمِ اللَّهُ الوَاحِدُ القَهَّارُ﴾۱ . تُشيرُ الآيةُ الشَّريفةُ إلى أربابٍ مُتفرِّقينَ؛ الَّذين نُسمِّيهم أربابَنا ونعتبِرُهم كذلك، نعتبرُ رئيسَ القومِ ربَّنا، نعتبرُ المعلِّمَ ربًّا، نعتبرُ صاحبَ البيتِ ربًّا، نعتبرُ مانِحَ الرَّواتبِ ربًّا. يقولُ اللهُ تعالى في هذه الآيةِ: ﴿أَأَربَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ﴾ أي الَّذين كلٌّ منهم مُشتَّتٌ ومتفرِّقٌ وغارقٌ في عالَمِ أهوائِه وأوديتها، أهؤلاءِ خيرٌ؟ وهل التَّمسُّكُ بهم أَولى؟ أم تمسّك الإنسان باللهِ الواحدِ الأحدِ الصَّمدِ الَّذي لا شريكَ له ولا نِدَّ ولا مثيلَ؟ أيُّهما أفضلُ؟ هل يتشبَّثُ الإنسانُ في هذه الدُّنيا ويلجأُ إلى أفرادٍ مختلفينَ ويجعلُ اتِّكالَه وملاذَه هؤلاءِ ﴿أربابٌ متفرّقون﴾؟ أحدُهم ربُّه قاضي المحكمةِ، يسند ظهره إلى القاضي، [ويقولُ] «أنا لديَّ قاضٍ، القاضي الفلانيُّ صديقي، لا يمكنُ لأحدٍ أن يحكُمَ علينا، وكلُّ ما فعلناه نافذٌ، ولا نرى لأنفسِنا مُقابلًا.» وآخرُ يسنِدُ ظهره إلى الوزيرِ، [فيقولُ] «الوزيرُ الفلانيُّ مِن أقارِبِنا، ومِن أصدقائِنا، ما دامَ هو موجودًا، فما الخطر علينا من الحوادثِ والأمورِ الَّتي تطرأُ؟» وآخرُ يستنِدُ ظهرُه إلى المديرِ، وآخرُ يستنِدُ ظهرُه إلى المحامي. ولكنَّهم غافلونَ عن أنَّ جميعَ هؤلاءِ ﴿أربابٌ متفرِّقونَ﴾، أي أنّهم في حالةِ تفرُّقٍ. والمراد من التفرّق هو التّفرّق الداخلي، لا أنّهم في الخارج يتشاجرونَ مع بعضِهم البعضِ، هذا يضربُ ذاكَ، وذاكَ يقرعُ طبلًا على رأسِ هذا، لا، بل في باطنِهم وأنفسِهم ليسَ لديهم اجتماعٌ، وذلك التَّفرُّقُ الظَّاهريُّ يَظهر ويَنبعثُ مِن التَّفرُّقِ الباطنيِّ! فإذا كانَ الباطنُ مُجتمِعًا، وإذا كانَ الباطنُ في وحدةٍ، وإذا كانَ الباطنُ في اجتماعٍ، فإنَّ بروزَه وظهورَه الخارجيَّ أيضًا سيكون في حالة من الاجتماع والوِحدة. وإذا كانَ الباطنُ في تفرُّقٍ فإنَّ البروزَ الخارجيَّ أيضًا سيكون في تفرُّق وتشتُّت، وهذه ترتبطُ بالعلَّةِ والمعلولِ، بالجانبِ العِلِّيِّ والمُؤثِّريَّةِ والسَّببيَّةِ في تعاقُبِ الأسماءِ والصِّفاتِ والغرائزِ والأفعالِ الخارجيَّةِ والظُّهوراتِ الخارجيَّةِ. فهؤلاءِ لديهم تفرُّقٌ في دواخلِهم، يعني في بواطنِهم لا يتَّبِعونَ خطًّا ومنهجًا واحدًا، هذا في باطنِه في حالة من التفرُّق، يجلسُ ويُفكِّرُ باستمرارٍ: «سأفعلُ هذا الأمرَ وسأفعل ذاكَ، سأقوم بهذا العمل وسأحقّق ذاك. » هو دائمًا في حالةِ صِراعٍ وترتيبٍ للصُّوَرِ الذِّهنيَّةِ بموازاةِ الصُّوَرِ العينيَّةِ والخارجيَّةِ. يفكّر مع نفسه: «إذا قمت بهذه الأعمال فسيحصل الأمر الفلاني في الخارج» كلُّه في حالةِ تفرُّقٍ. وعلى أساسِ هذا التَّفرُّقِ يتعاملُ مع الإنسانِ، لا على أساسِ الوحدةِ. هل رأيتُم قطُّ فردًا يأتي ويُصادِقُ فردًا آخرَ دونَ أن يرى فيه أيَّ دافعٍ؟ مِن أبناءِ هذه الدُّنيا، لا شأنَ لنا الآنَ بالمعاييرِ الأخرى. يعني أن يأتيَ فردٌ ويُصادِقَ انسانًا آخرَ ويُحبَّه دونَ نفعٍ يراه فيه، دونَ منفعةٍ يراها فيه. هل رأيتُم ذلك قطُّ؟! دونَ أن يشعُرَ في نفسِه بقُربٍ منه، في جهةٍ مِن الجهاتِ الدنيويّة.

    1. (سورة يوسف (۱٢)، الآية ٣٩.

رحمةُ اللهِ تعالى لجميعِ العبادِ - أأرباب متفرّقون خير أم الله؟

3
  • قصّة المرحوم العلّامة مع المتملّقين ومصوّريهم: كيف كشف زيفهم؟

  • ذاتَ مرَّةٍ كانَ المرحومُ العلاَّمةُ ينقل لنا قصّة عن تلك الأوقاتِ الَّتي كانَ يذهبُ فيها لصلاةِ الجمعةِ في مشهد في مسجد جوهر شاد. يقول: «ذاتَ يومٍ خرجت مِن المنزلِ بالسيَّارةِ حتَّى مكان قريب من الحرم وقطعت بقيَّةَ المسافةِ سيرًا على الأقدامِ، وبمجرّد أن دخلت إلى صحن "المتحف" ـ وهو قريبٌ مِن الشَّارعِ ـ رأيت شابَّينِ غريبَينِ عمرهما حوالي الخامسةِ والثَّلاثينَ أو الأربعينَ جاءَا وأظهرا لي الكثيرَ مِن المحبَّةِ والمودّة والاحترام، وكانا دائمًا يقولان عباراتِ مثلَ "حضرة السَّيِّد، وحضرة السَّيِّد"، وما إلى ذلك...! فتعجَّبت، لماذا جاءَ هذانِ وتبعانا؟! فأنا لم أرَهما من قبل، فقُلت: حسنًا، لعلَّهما يعرفانِني. وهكذا كانا يسيرانِ معي باستمرارٍ ويسألانِ باستمرارٍ، وكأنَّهما يريدانِ إطالةَ الأمرِ والمشي معي، وما إلى ذلك. وأحيانًا كانا يُظهِرانِ بعضَ الحالاتِ مِن أنفسِهما، فكانَ الأمرُ عجيبًا بالنِّسبةِ لي. كانا يُحنِيانِ رؤوسَهما بطريقةٍ ما ليُظهِرا لي نوعًا مِن الحميميَّةِ الزَّائدةِ. فقُلت: ماذا يفعل هذانِ؟! لقد قاما وتبعانا، وما هذه التَّصرُّفاتُ والتَّكلُّفاتُ الَّتي يقومانِ بها؟! كانَ أحدُهما يأتي إلى جانبِي ويُظهِرُ بعضَ المحبَّةِ والاحترام، ثمَّ يذهبُ هذا ويأتي الآخرُ ويقِفُ مكانَه. حتَّى انتبهت فجأةً إلى أنَّ هناك فردًا ثالثًا يُصوِّرُنا. فقلتُ: «يا عزيزيّ، هل تسخرانِ منِّي؟ اذهبا، اذهبا.» فما كان منهما إلا أن ولّيا هاربين يجرّان أذيال الخزي وراءهما! حسنًا، كانا قد التقطا صورًا، ولكن هل ظهرت أم لم تظهَر، فهذا ما يجبُ أن يُسألا هما عنه، لأنَّه أحيانًا كانت تحدُثُ مثلُ هذه القضايا، وعندما كانوا يُظهِرونَ الفيلمَ كانوا يرونَ أنَّ جميعَها قد مُحِيَت، وقد رأينا نظائِرَ هذه المسألةِ كثيرًا.

  • حقيقة التعلّق بالصور والمظاهر: قصة الصورة المفقودة

  • على كلِّ حالٍ، فهذا الإنسانُ الجاهلُ الأحمقُ يأتي ويتحرَّكُ مع هذه الشَّخصيَّةِ ثمَّ يلتقِطُ صورةً حتَّى يستفيدَ منها يومًا ما، في قضيَّةٍ ما، فينظر الناس إلى الصُّورةِ. نحنُ الآنَ نرى أحيانًا، مثلاً الصُّوَرَ الَّتي التُقِطَت لبعضِ الناس مع بعضهم الآخر، تُظهِرُ الصُّورةُ أنَّ ذلك الفردَ يضعُ نفسَه في موقعيَّةٍ ما، بحيث تَظهر تلك الحميميّة ويريها للناس. وهذه كلُّها تمثيل، فالدُّنيا فيلمٌ، وكلُّهم مُمثِّلونَ. نرى أنّ الرفقاء يضحكون من هذه المسألة، ولكن صدِّقوني هذه الأمورُ موجودةٌ. عندما يُترَكُ الإنسانُ لنفسِه، فهذا ما يؤول إليه الأمرُ، ويصبح بهذه الكيفيَّةِ.

رحمةُ اللهِ تعالى لجميعِ العبادِ - أأرباب متفرّقون خير أم الله؟

4
  • قبل وقت طويل، وذات يوم ذهبتُ لزيارةِ أحدِ الأقاربِ في إحدى المدنِ، فرأيتُه حزينًا جدًّا. فقلتُ: «يا سيِّدي، ما الأمرُ؟ لماذا أنتَ حزينٌ؟» سألَ سؤالًا: «يا سيِّدي، ألَا تعرفُ أحدًا، مثلًا، مِن هؤلاءِ الَّذين يجدونَ الأشياءَ المفقودةَ، لا أدري، يعرفونَ بعضَ الأشياءِ، يقومونَ ببعضِ الأعمالِ. يجدونَ بعضَ الأشياءِ.» قلتُ: «حسنًا، ما الَّذي فُقِدَ منكَ؟» فما كان ليخبرني. فقلتُ له: «ماذا؟ هل فُقِدَت زوجتُكَ؟ هل تركتكَ وذهبت؟» قالَ: «لا، هي هنا.» قلتُ: «حسنًا، الحمدُ للهِ،هل فُقِدَ طفلُكَ؟» قالَ: «لا، هو أيضًا في مكانِه»، قلتُ: «هل فُقِدتَ أنتَ نفسُكَ؟ هل تريدُ أن تذهبَ وتجدَ نفسَكَ، وتبحثُ عن مبصّر وعرّاف؟» قالَ: «لا!» لم يكُن يريدُ أن يقولَ، حتّى قالَ أخيرًا: «ذاتَ يومٍ ذهبتُ لزيارةِ شخصٍ ما، ولزيارتِه يحتاجُ الأمرُ إلى موعدٍ وما شابه، وعندما كنتُ جالسًا بجانبِه، التُقِطَت لنا صورةٌ ثنائيَّةٌ، والآنَ فقدتُ تلك الصُّورةَ.» فقلتُ: «يا للهولِ! ظننتُ أنَّ أحدًا قد فُقِدَ منكَ! زوجتُكَ قد فُقِدَت! أموالُكَ قد سُرِقَت! مُلكُكَ حدثَ له شيء! مستندات أملاكك حدث لها شيء !» رأيتُه حزينًا جدًّا. قلتُ له: «لو كنتُ مكانَكَ، لكنتُ أخرجتُ الصُّورةَ ووضعتُها في مكانٍ ما وخرجتُ وحدي لأكونَ مرتاحًا وبلا صداعِ رأسٍ ولا أُخرِجُ معي شيئًا. فما هذا الكلامُ يا عزيزي؟ نبحثُ عن كاتبِ أدعيةٍ ونرى ما هذا وما هذا الكلامُ؟» قلتُ: «أيُّ قيمةٍ لمثلِ هذه القضيَّةِ بالنِّسبةِ لكَ؟ كم هي هذه القضيَّةُ مهمَّةٌ لكَ في عالمِ الواقعِ وفي عالمِ الأعيانِ وفي عالمِ الحقيقةِ؟ لقد نهضتَ وذهبتَ وجلستَ بجانبِ فردٍ لدقيقتَينِ والتُقِطَت لكَ صورةٌ. كلُّ هؤلاءِ النَّاسِ يذهبونَ ويأتونَ، صعودًا ونزولًا، وهذه الأقاويلُ، وما شابه ذلك. نعم؟ أيُّ قيمةٍ لأن يُنفِقَ الإنسانُ وقتَه وعُمرَه في أنَّنا يومًا ما كنَّا هنا أيضًا. يومًا ما كنَّا في مثلِ هذا الوضعِ أيضًا.» لم نقُل له الأشياءَ الأخرى، على كلِّ حالٍ، جعلت هذا العبدَ المسكينَ نادمًا ولم يُتابِعِ الأمرَ.

  • الأرباب المتفرّقون: لماذا يتغير ولاء أهل الدنيا؟

  • كلُّ هؤلاءِ ﴿أربابٌ متفرِّقونَ﴾. يأتي يومٌ ويفتخِرُ بأنَّنا كنَّا مع فُلانٍ. ويأتي يومٌ آخرُ ولا يجرؤُ أن يقولَ إنَّنا كنَّا مع ذلك الفردِ نفسِه. يأتي يومٌ ويقولُ: فُلانٌ مثلاً، كانَ مِن المقرَّبينَ لي ومِن الأصدقاءِ ومِن كذا. ويأتي يومٌ آخرُ ويُنكِرُ الصَّداقةَ أصلًا. «متى كنَّا أصدقاءَ أصلًا؟! متى كانت لدينا مثلُ هذه المسائل؟!» في هذه الثَّورةِ نفسِها، عندما قُبِضَ عليهم وتغيَّرَ النِّظامُ. يقولونَ إنَّ كثيرًا مِن الأفرادِ ذهبوا وأتلفوا ملفَّاتِهم الخاصَّةَ لئلَّا تبقى ـ لا سمحَ اللهُ ـ تبعيَّةٌ لتلك الفترةِ في الملفِّ ويطَّلِعُ عليها الأفرادُ، تبعيَّةٌ كانوا يفتخِرونَ بها في ذلك الوقتِ في مجالسِهم. وهذه كلُّها عِبَرٌ في هذه الدُّنيا، خمسونَ عامًا كنتَ تابعًا لفردٍ ما، وبثورة ثورةٍ وتغييرٍللنظام كلَّ ذلك لست فقط نسيتَه، بل تُريدُ أيضًا إتلافَ وثائقِه ومُستنداتِه، حتَّى لا يبقى أثرٌ أبدًا، لا يبقى أيُّ أثرٍ مِن هذا، لا يبقى شيءٌ أبدًا. حسنًا يا عزيزي، بدلًا مِن أن تقضيَ هذه الخمسينَ عامًا في اتِّباعِ ﴿أربابٌ متفرِّقونَ﴾، ألم يكن من الأفضل أن تأتي إلى ﴿اللَّهُ الوَاحِدُ القَهَّارُ﴾۱، وحينها لما احتجت إلى إتلافِ سندٍ ولا التكتّم على شيءٍ. فالملفُّ واضحٌ وظاهرٌ ومكشوفٌ للجميعِ، نحنُ هكذا، تفضَّلوا. نحنُ هكذا. نحنُ لم نكُن تابعينَ في ذلك الوقتِ، ولا بعدَه كنَّا تابعينَ، ولا سنكونُ تابعينَ في النِّهايةِ. فنحنُ هكذا، يا سيِّدي هذا نحن. لماذا يسلّم الإنسانُ عُمرَه لأشياءَ ويضعُ قلبَه في أماكنَ يكونُ فيها قلقًا فكريًّا، ومُشوَّشًا داخليًّا بسببِ الانتسابِ إليها ونفيِها وعدمِها؟ لماذا لا يُصلِحُ طريقَه من البدايةِ؟ لذلك يقولُ اللهُ هنا: أيُّهم أفضلُ؟ أيُّهم أفضلُ لكَ؟ أيُّهم أنفعُ لسعادتِكَ؟ 

    1. سورة یوسف (۱٢) الآية ٣٩، سورة ص (٢۸) الآية ٦٥، سورة الزمر (٣٩) الآية ٤.

رحمةُ اللهِ تعالى لجميعِ العبادِ - أأرباب متفرّقون خير أم الله؟

5
  • هؤلاءِ في وجودِهم تفرُّقٌ، في وجودِهم تشتُّتٌ، يجعلونَ العلاقاتِ فيما بينهم قائمةً على المصالحِ المتبادلةِ. لا ينظرونَ إلى الشَّيءِ ذاتِه، لا يُفكِّرونَ في الشَّيءِ والفردِ ذاتِه. إذا كانَ هذا فردًا ما وليسَ له مصلحةٌ دُنيويَّةٌ بالنِّسبةِ لهم، لا يعتنونَ به أبدًا.

  • قصة طالب العلم مع العالم المريض: لمن تُفتح الأبواب؟

  • ينقل أحدُهم: «في العهد السابق، ذهبتُ لزيارةِ أحد العلماء، وكانَ لديَّ سؤالٌ. فطرقتُ البابَ ودخلتُ، فقالوا "إنَّ السَّيِّدَ مريضٌ." فقلتُ: "لديَّ بضعةُ أسئلةٍ، هل من الممكن أن أكتبُها وأُعطيها له."وكانَت أسئلةا تتعلَّقُ ببعضِ الإشكالاتِ في بعضِ الرِّواياتِ الَّتي كانت محلَّ نقاشٍ. فقالوا: "لا، إنَّه مريضٌ ولا يستقبِلُ أحدًا." يقول: وبينما كنتُ جالسًا في الخارجِ، فإذا ببطارق يطرق البابُ. لقد كانا تاجرين مِن تُجَّار طهرانَ قد جاءا لزيارتِه، وطبعًا، ما إن جلسا حتَّى استقبلوهما، ولم تمضِ دقيقتانِ حتَّى قُدِّمَ لهما الشاي، والسكَّر النباتيّ وما شابه ذلك. 

  • ـ تفضَّلوا، تفضَّلوا بالدُّخولِ! السَّيِّدُ ينتظِرُ زيارتَكم. 

  • ﴿أَأَربَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيرٌ أَمِ اللَّهُ الوَاحِدُ القَهَّارُ﴾۱؟ وفي كلِّ مكانٍ الأمرُ كذلك. وهذه المسألة سائدة في كلِّ مكان، إلّا في المكانِ الَّذي يحكُمُ فيه نورُ المعرفةِ ونورُ التَّوحيدِ، فهناك يختلفُ الأمرُ. هناك يُتَّخَذُ القرارُ على أساسِ التَّكليفِ وعلى أساسِ قيمةِ تلك المكانةِ نفسِها. فإذا كانَ مِن المقرَّرِ إعطاءُ موعد، يُعطَى الموعد، أيًّا كانَ الطَّالِبُ، وإذا لم يكُن مِن المقرَّرِ إعطاءُ موعد، فإنّه لا يُعطَى، أيًّا كانَ الطَّالِبُ. أيًّا كانَ! لا فرقَ أبدًا. لا يختلِفُ الأمرُ بتاتًا. فهناك النَّظرُ إلى الواقعِ لا إلى الاعتباراتِ، والرُّؤيةُ، رؤيةُ واقعٍ لا رؤيةٌ اعتباريَّةٌ؛ فلأنَّ هذا الفردَ الآنَ مُفيدٌ، هذا لا يمكنُ أن يكونَ معيارًا للاختيارِ، ولا يمكنُ أن يكونَ دليلًا لاختيارِ المورِدِ واختيارِ ذلك الفِعلِ، هناك الحقُّ هو الحاكِمُ، وهناك جانبُ الوحدةِ هو الحاكِمُ.

  • نظرة الله تعالى إلى عباده: هل هي متساوية أم متفاوتة؟

  • أمَّا عندما ننظرُ إلى اللهِ تعالى، نرى أنَّ هذه المسائلَ ليست موجودةً بالنِّسبةِ إلى اللهِ تعالى. فنظرُه إلى العباد وعلاقتُه بهم ليست قائمةً على الحاجةِ وعدَمِ الحاجةِ، إنَّها واحدةٌ! لا لأنَّه يُحِبُّ هذا أكثرَ فيُعطيه أكثرَ، ويُحِبُّ ذاكَ أقلَّ فيُعطيه أقلَّ. كلا، لا أساس لهذا الكلام. اللهُ تعالى ينظر بالنِّسبةِ لجميعِ العبادِ نظرة واحدة، أحيانًا قد تحدُثُ للإنسانِ حالةُ يأسٍ فيظنُّ أن " قد ترَكَنا اللهُ أيضًا، ولم يعُد يهتمُّ بنا، كأنَّه لا فرقَ عندَه، كيفما كانَ وضعُنا لا يهمّه أمرنا." في حين أنَّ اللهَ تعالى نظرَتُه إلى عبادِه نظرةٌ واحدةٌ، ويُلقي على كلِّ أحدٍ نظرةً بحسَبِ قابليَّتِه، بذلك المقدارِ، لا أنَّه لا ينظُرُ أبدًا. لذلك يقولُ الإمامُ هنا إنَّ جانبَ الرُّبوبيَّةِ هذا والتَّربية مِنكَ قد شَمَلَ حالي في الصِّغَرِ، الحال الَّذي لا ثقةَ فيه بأحدٍ. الطفل بمَن يثِقُ؟ وكيف يمكنُه تحصيلُ المنافع لنفسِه؟ ودفعُ المَضارِّ عنها؟ أيُّ فردٍ وأيُّ ذاتٍ تستطيع أن تدبّر سلسلةَ العلل بحيثُ تُلقي محبَّةَ الطفل في قلبِ الأمّ وتُكلِّفُها بتربيتِه؟ تُزيلُ الموانِعَ مِن طريقِه، وتُبعِدُ المَضارَّ مِن أمامِه، وتُهيِّئُ له ما هو لازم لنموِّه وكمالِه في الطُّفولةِ، وتجعلُ محبَّةَ الأمِّ وعطفَها سببًا لحركتها وتربيةِ الطِّفلِ وتنمية استعدادِه، وتجعلُ عطفَ الأبِ سببًا لنموِّ الطِّفلِ وتُسخِّرُ العِللَ والأسبابَ الظَّاهريَّةَ والعاديَّةَ في طريقِ نموِّه فمَن يفعلُ هذا؟ اللهُ يفعلُه. ولهذه المسألةِ أمثلةٌ ظاهريَّةٌ وعجائبُ مِن الحكاياتِ، كيف أنَّ اللهَ تعالى يُربِّي طفلًا مُنذُ الصِّغَرِ ويشملُه بنِعَمِه حتَّى يُوصِلَه إلى سِنٍّ يتمكّن فيها من إدراكِ المعارِفِ والتَّكامُل. كلُّ هذا بيدِ مَن؟ بيدِ اللهِ. وإذا أردنا أن نتحدَّثَ في هذه القضيَّةِ، فإنَّ شهرَ رمضانَ واحدًا لا يكفي، كيف أنَّه مُنذُ مرحلةِ الجنينِ، هذه السِّلسلةُ مِن العِلَلِ والأسبابِ تتضافَرُ حتَّى تأتيَ وتُشكِّلَ الأعضاءَ، وتُشكِّلَ الأفكارَ، وتَبنيَ الجسدَ. كيف أنّ جميعُ المقدِّماتِ مُعدَّةٌ مُسبقًا، وكلُّها مُوجَّهةٌ في اتِّجاهِ كمالِ هذا الطِّفلِ، كلُّها تتحرَّكُ في هذا الاتّجاه. والنُّفوسُ تهيجُ، والإراداتُ كلُّها تهيجُ، حتَّى يتحقّق هذا الحدث في الواقع. ما هذا؟ مِن أينَ جاءت محبَّةُ الأمّ تلك؟ ومِن أينَ جاءت محبَّةُ الأبوَّةِ؟ مِن أينَ جاءَ الأفرادُ الآخرونَ؟ مِن أينَ جاءتِ المحبَّاتُ الأخرى؟ هنا مسائلُ وأسرارٌ عجيبةٌ.

    1. سورة یوسف (۱٢) الآية ٣٩.

رحمةُ اللهِ تعالى لجميعِ العبادِ - أأرباب متفرّقون خير أم الله؟

6
  • "ونوَّهتَ باسمي كبيرًا": كيف نفهم الشهرة والصيت من منظور إلهي؟

  • حسنًا، يا إلهي، لقد أنشأتني في الصِّغَرِ وربَّيتني وأوصلتني إلى هذا الوضعِ وإلى هذه المكانةِ التَّكامُليَّةِ الَّتي أستطيعُ الآنَ أن أحمدَكَ و وأن أُدرِكَ جانبًا مِن المعارِفِ. هذا بالنِّسبةِ للصِّغَرِ، أمَّا الكِبَرُ فما هو؟ في حالِ الكِبَرِ، على فرضِ أنَّ بعضَ المسائلِ بيدي، والحركاتُ بيدي وبإرادتي، فالعملُ الَّذي فعلتَه أنتَ هنا هو أنَّكَ «نَوَّهتَ بِاسمی کَبیراً». لقد رفعتَ اسمي وجعلتَ ذِكري حَسَنًا بينَ النَّاسِ والخلائقِ، جعلتَني مشهورًا بينَ النَّاسِ. رفعتَ اسمي، جعلتَ اسمي ذا صيتٍ. مِن أينَ جاءَ هذا؟ كيف ارتفعَ اسمي! وأصبحتُ معروفًا بينَ النَّاسِ؟ واكتسبتُ شُهرةً بينَ النَّاسِ؟ قد يكونُ هناك أفرادٌ آخرونَ أيضًا، ولكنَّهم لم يصِلوا إلى هذه المكانةِ. قد يكونُ هناك أفرادٌ آخرونَ أيضًا ولكنَّ اسمَهم ليسَ كذلك. كونُكَ الآنَ قد رفعتَ اسمي والنَّاسُ جميعُهم يعرفونَني، مِن أينَ جاءَ هذا؟ مَن فعلَ هذا؟ مَن وجَّهَ النُّفوسَ إليَّ؟ مَن وجَّهَ القلوبَ؟ مَن أظهرَ هذه الخُطوطَ والمعالِمَ للأفرادِ؟ مَن فعلَ هذه الأعمالَ؟ أنا نفسِي؟! وهذه مسألةٌ مهمَّةٌ جدًّا يجبُ على الإنسانِ أن يلتفِتَ إليها، لئلَّا يتصوَّرَ أنَّ هذه الشُّهرةَ وهذا الصِّيتَ وهذا الحُسنَ في الثَّناءِ والمدحِ الَّذي يمدحُه النَّاسُ، لئلَّا يظنَّ أنَّه مِن جهتِه هو. لئلَّا يتصوَّرَ أنَّ هذه الشُّهرةَ مِن آثارِه الذَّاتيَّةِ وأنَّها حيثيَّةٌ اكتسابيَّةٌ له. لا، ليسَ الأمرُ كذلك. بل الله هو الَّذي يُعطي الشُّهرةَ والانتسابَ، وإذا شاءَ يأخُذُها. هو الَّذي يجعَلُ التَّمجيدَ والثَّناءَ، وإذا شاءَ يومًا ما يأخُذُه. 

  • هنا يقولُ الإمامُ السَّجَّادُ عليه السلام إنَّ مِن شأنِ اللهِ تعالى أنَّه بإرادتِه يُشهِرُ فردًا، يجعلُه معروفًا ومحلَّ اهتمامِ النَّاسِ، و لا يفعلُ ذلك مع فردٍ آخر. ولذا لا ينبغي لذلك الفردِ أن يغتَرَّ بهذه المسألةِ ويُخدَعَ ويتصوَّرَ أنَّ هذا حصل بقدرته، ولا ينبغي للأفرادِ الآخرينَ أن يعتبروا هذا نعمةً قد حرَمَهم اللهُ تعالى منها. لا! لقد جاءَ اللهُ وجعلَ هذا معروفًا. حسنًا، جعلَه معروفًا، فماذا في ذلك؟ لماذا أغبطُه الآنَ؟ لقد جعلَه معروفًا، فليكن. في أيِّ جانبٍ مِن علاقةِ الإنسانِ يحدُثُ ضررٌ؟ اللهُ جعلَ فردًا مَلِكًا. جعلَه مَلِكًا، فماذا في ذلك؟ لماذا آتي الآنَ وأغبطُه؟ لقد أصبحَ معروفًا، فليكن، لقد أصبحَ لنفسِه. اللهُ جعلَ فردًا رئيسًا، وجعلَه معروفًا، وجعلَه وجيهًا بينَ النَّاسِ، فيُذكَرُ اسمُه في الإذاعاتِ كلَّ ليلةٍ. فهل على الإنسان أن يجلِسَ ويحزنَ ويقولَ: "يا ويلتاه، انظر، انتهى عمرنا ولم يُذكَر اسمُنا مرَّةً واحدةً؟" ولكن الآنَ كلَّ ليلةٍ يذكرونَ اسمَه، كلَّ ليلةٍ ينقلونَ أخبارَه. "السَّيِّدُ فُلانٌ فعلَ كذا والسَّيِّدُ فُلانٌ فعلَ كذا" ولكن نحنُ لا، لا أحدَ يذكرُنا أصلًا، لا أحدَ يذكُرُ اسمَنا.

رحمةُ اللهِ تعالى لجميعِ العبادِ - أأرباب متفرّقون خير أم الله؟

7
  • قصص في حساسيّة البعض تجاه الألقاب الدنيويّة

  • كانَ أحدُ السَّادةِ ينقل لنا قصّة، ـ كان يعمل في قسمٍ مِن أقسامِ الإذاعة التِّلفزيونيَّةِ وما شابَه ذلك ـ يقولُ: «ذاتَ مرَّةٍ كانَ لدينا موضوعٌ عن فردٍ ما ـ مِن رجالِ الدِّينِ وقد تُوفِّيَ مُنذُ مُدَّةٍ طويلةٍ ـ كنَّا ننقُلُ قضيَّةً ما، فذكَرنا اسمَ هذا الرجل فقُلنا: حضرةُ حُجَّةِ الإسلامِ السَّيِّدِ فُلانٍ قالَ كذا، ـ إمَّا أنَّه أصدرَ بيانًا أو فعلَ شيئًا مشابهًاـ وعندما ذكرنا هذا، رأينا أنَّه جاءَ اتِّصالٌ هاتفيٌّ مِن مكتبِه:

  • ـ يا سيِّدي، يا سيِّدي، أنتم ذكرتم في التلفاز أنّ اسمه حضرةُ حُجَّةِ الإسلامِ.

  • ـ فقُلنا: حسنًا، هل في "حُجَّةِ الإسلامِ" إشكالٌ؟! 

  • ـ يا سيِّدي، إنَّه آيةُ اللهِ، فصحِّحوا مِن فضلِكم. صحِّحوا في الخبرِ.

  • ـ قلتُ: حسنًا يا هذا، هذه ليست قضيَّةً مُهمَّةً. لن يحدث شيء من قولنا: حضرةُ حُجَّةِ الإسلامِ فعلَ هذا الأمرَ.

  • ـ يا سيِّدي، لا يجوزُ يا سيِّدي! السَّماءُ ستنقَلِبُ على كلُّ شيءٍ! كلّ شيء سيضطرِبُ. لا معنى لهذا الكلام، ما معنى حُجَّةُ الإسلامِ أصلاً؟ 

  • رأينا بعدَ خمسِ دقائقَ أنّه جاءَ اتِّصالٌ هاتفيٌّ مرَّةً أخرى. وفي المرَّةِ الثَّالثةِ تحدَّثَ السَّيِّدُ نفسُه.

  • ـ يا سيِّدي، ماذا يعني هذا؟ لكلِّ شيءٍ حسابٌ ونظامٌ. أنتم الَّذين كذا..

  • يقولُ: «اتَّصلوا بنا هاتفيًّا بكثرةٍ، حتَّى إنَّنا بعدَ مُضِيِّ ثلاثةِ أرباعِ مُدَّةِ الخبرِ، عندما انتهت جميعُ الأخبارِ، صحَّحنا أخيرًا، عفوًا يا سيِّدي، حضرةُ آيةِ اللهِ هذا قالَ هذا الأمرَ والقضيَّةُ بهذه الكيفيَّةِ.» حسنًا، ما هذا؟ هذه هي المشكلة، هذه هي المُعضِلةُ، هذه هي!

  • ذاتَ مرَّةٍ كنَّا في مجلسٍ وكانَ هناك أحد الأفراد ـ في زمنِ الشَّاهِ، الشَّاهِ السابق ـ كانَ هذا الفردُ برتبةِ فريقٍ، وكنتُ أعلمُ أنَّه بهذه الرتبة. ولكنَّ لباسَه كانَ لباسًا مدنيًّا، وأنا في خلال ما كنتُ أقولُه، كنتُ أقولُ مثلًا: «السَّيِّدُ العقيدُ فُلانٌ كذا»، وفجأةً كنَّا نرى وجهَه يحمَرُّ، ويسوَدُّ، ويبيَضُّ، ويصفَرُّ، ويُصبِحُ بنفسجيًّا، وكان لونُه يتغيَّرُ باستمرارٍ. فقالَ أحدُهم: «يا سيِّدي، هذا جنابُ الفريقِ فُلانٍ.» قلتُ: «نعم، نعم، نعم، هل يختلِفُ العقيدُ عن الفريقِ، أم أنَّهما واحدٌ؟» قالَ: «يا سيِّدي، ألَا تعلمُ؟» قلتُ: «ماذا؟! نعم، نعم، تقصِد هؤلاءِ الَّذين يُعلِّقونَ حِبالًا كثيرةً، هؤلاءِ الَّذين يُعلِّقونَ حِبالًا كثيرةً، إذن هم برتبة الفريق. نعم، نعم، ظننت أنّهم برتبة واحدة، فقد رأينت أنَّ لباسكم لباس مدنيّ، فظنّنت أنّكم ما دمتم بهذا اللباس فالأمرُ واحدٌ لا يختلِفُ، متى ما ارتديتُم تلك الملابسَ، حينها سنعرِفُ نحنُ أيضًا ماذا نقولُ لكم.» خلاصةُ القولِ، انقضتِ القضيَّةُ في المجلسِ بالمزاحِ وهذه الأمورِ. ولكن، في البدايةِ كانَ الأمرُ ثقيلًا جدًّا عليه، وكان تحمّله صعبًا جدًّا، أن يتعبَ فردٌ كلَّ هذا التَّعَبِ، ونحنُ يا سيِّدي، مع كلِّ جهودِه، نشطُبُ عليها خطَّ البُطلان ونقولُ: «السَّيِّدُ العقيدُ فُلانٌ».

رحمةُ اللهِ تعالى لجميعِ العبادِ - أأرباب متفرّقون خير أم الله؟

8
  • وهكذا كنَّا في مجلسٍ آخرَ هناك، وكانَ هناك أحد الأفراد ـ والقضيَّةُ كانت في زمنِ المرحومِ العلاَّمةِ أيضًا ـ وكان الآخرونَ يُخاطِبونَه باستمرارٍ: «السَّيِّدُ الدُّكتورُ والسَّيِّدُ لا أدري ماذا وهذه الأقاويلُ»، ونحنُ كنا نناديه «السَّيِّدُ فُلانٌ» فقط دون ألقاب أخرى، كنَّا نذكُرُ اسمَه، «السَّيِّدُ فُلانٌ مثلًا، ماذا عنكَ؟» رأينا أنَّه مُنزعِجٌ جدًّا مِن أنَّه، لا يُعطَى ألقابًا وما إلى ذلك، وبعدَ أن مرَّ بعضُ الوقتِ على القضيَّةِ وهذه الأمورُ، كانَ هو سابقًا، يقولُ لنا «حضرةَ السَّيِّدِ وحضرةَ مثلًا آيةِ اللهِ» وهذه الألقابُ، فقالَ: «حسنًا، ما دامَ الأمرُ يتعلَّقُ بإسقاطِ الألقابِ، فنحنُ أيضًا سنحذِفُ حُجَّةَ الإسلامِ وآيةَ اللهِ.» فقالَ: «السَّيِّدُ الطَّهرانيُّ»، قلتُ: «نعم سيِّدي! ماذا تأمُرُ؟» هذا «السَّيِّدُ الطَّهرانيُّ» و«السَّيِّدُ فُلانٌ»، هذا جيِّدٌ، أمَّا بقيَّةُ الألقابِ يا سيِّدي فدعها جانبًا، كلُّ هذه يا سيِّدي اعتباراتٌ وتخيُّلاتٌ. «السَّيِّدُ فُلانٌ و السَّيِّدُ فُلانٌ»، ما هذا الكلامُ؟ «لا مَيزَ بينَ الأعدامِ»۱.

  • متى تكون الألقاب مهمة ومتى تصبح مشكلة؟

  • أحيانًا تكونُ المسألةُ مسألةَ احترامٍ وتعريفٍ بشخصيَّةِ الطَّرَفِ الآخَرِ، فحسنًا، هذا لا إشكالَ فيه. وأحيانًا أخرى، لا! المسألةُ هي الاعتدادُ بالنَّفسِ، والبناءُ على هذا الأمرِ، وهنا تحدُثُ المشكلةُ في القضيَّةِ، وهنا يجبُ على الإنسانِ أن يختبِرَ نفسَه، وأن يمتحِنَ نفسَه تُجاهَ هذه المسألةِ. اللهُ تعالى يُعِزُّ فردًا بينَ الناس، ولكن هذا لا ينبغي أن يُؤدِّيَ إلى تحسّر الآخرينَ.

  • قصة ابن سينا والمرأة الناصحة: كيف أثَّرت فيه كلمة حقّ؟

  • ذاتَ يومٍ كانَ ابنُ سينا يمرُّ مِن شارعٍ مع حشدٍ مِن الحاشيةِ والأمراءِ ورجالِ البلاطِ السَّاسانيِّ. ـ فقد كانَ رجلًا عظيمًا، كان وزيرًا وكان الرجل الأساس في دولةِ الساسانيين وآلِ بُويه ـ بينما كانَ يمرُّ والنَّاسُ ينظرونَ، فجأةً رأى ـ كانَ سمعُه حادًّا جدًّا ابنُ سينا كانَ في الحواسِّ الظَّاهِرةِ والباطِنةِ أقوى مِن الأفرادِ العاديِّينَ، أي أنّ عينُه كانت ترى أكثرَ مِن الأفرادِ العاديِّينَ، وأُذُنُه كانت تسمعُ أكثرَ، فحواسُّه كانت حواسًاا غيرَ عاديَّةٍ، كانَ ابنُ سينا فردًا نابغةً وغيرَ عاديٍّ ـ رأى امرأتَينِ تتحدَّثانِ معًا. سألت إحداهما الأخرى: «مَن هذا؟» فأجابتِ المرأةُ: «هذا رجل قد سلَبَ اللهُ منه محبَّةَ الأُنسِ به، وترَكَه لنفسِه، والآنَ أصبحَ بهذا الشَّكلِ وبهذه الهيئةِ» فتوقّف فجأةً، فتوقَّفَ الجميعُ تباعًا. ثمّ نادى تلك المرأةَ وقالَ: «تعالي، ماذا قُلتِ؟» قالت: «هذه سألتني مَن هذا الَّذي يأتي بهذا الوضعِ والناس يتبعونَه هكذا؟ فقلتُ: هذا انسانٌ قد سلَبَ اللهُ نعمتَه منه وقطَعَ أُنسَه به وترَكَه لنفسِه.» يقولونَ عندما سمِعَ هذا الكلامَ مِن هذه المرأةِ، فجأةً حدثَ فيه انقلابٌ وتغييراتٌ وتبدُّلُ حالٍ. تلك الحالاتِ الَّتي ظهرت عليه في آخِرِ عُمرِه، من هنا بدأَت التَّغييراتُ والتَّبدُّلاتُ الدَّاخليَّةُ وابتهالاتُه وبكاؤُه اللَّيليُّ وحسرتُه على فواتِ هذه الفُرَصِ، قائِلًا: «يا ويلتاه، قضينا عُمرَنا في الوزاراتِ، وفي الارتباطِ بالأمراءِ والحُكَّامِ، وفي مجالسةِ الملوكِ، والآنَ أيدينا فارغةٌ وليسَ في أيدينا شيءٌ. وإذا قالوا: تفضَّل...!» ولم يعِش بعدَها أكثرَ مِن سنتَينِ أو ثلاثٍ حتَّى تُوفِّيَ. طبعًا، في أواخِرِ عُمرِه أصبحت حالاتُه حالاتٍ جيِّدةً. العباراتُ والكلماتُ الَّتي صدرت عنه في تلك السَّنتَينِ أو الثَّلاثِ، عندما يطالِعُها الإنسانُ يقولُ إنَّها تختلِفُ بشكلٍ كلِّيٍّ عن كلماتِه وعباراتِه السَّابقةِ، تختلِفُ اختلافًا فاحشًا. لابد أنّه قد حدث له تغيّر ما. حسنًا، أليس من الأفضل أن يذهبَ الإنسانُ من البدايةِ، فليذهب الإنسان من البداية ويتّبع هذه الأمور والطريق حتَّى لا يندمَ بعدَ ذلك.

    1. قاعدة فلسفيّة استعملها المحاضر رضوان الله عليه هنا من باب الملاطفة. (م) 

رحمةُ اللهِ تعالى لجميعِ العبادِ - أأرباب متفرّقون خير أم الله؟

9
  • دعاء الإمام السجاد عليه السلام: طلب الرفعة لا الذلة

  • هنا يُريدُ الإمامُ السَّجَّادُ عليه السلام أن يُشيرَ إلى نُقطةٍ، وهي أنّه: «يا إلهي، عامِلنا بجمالِكَ في هذه الدُّنيا لا بجلالِكَ، وبالصِّفاتِ المُوجِبةِ للمدحِ» هذا ما يطلبُه الإمامُ! نعم، أحيانًا تتعلَّقُ إرادتُه ومشيئتُه بأن تختلِفَ صورةُ المسألةِ؛ وأن تختلِفَ المسألةُ بناءً على مصالِحَ. فهذا الإمامُ السَّجَّادُ عليه السلام نفسُه الَّذي يقولُ الآنَ: «وَنَوَّهتَ بِاسمي كَبيراً»، في أيَّ وضعٍ كانَ في تلك الفترةِ؟ فترة الأسر، وعلى أيَّ حالٍ كانَ؟ قد يضعُ اللهُ تعالى الإنسانَ في مرحلةٍ ما في امتحانِ لأجل تكامله، ولا ينبغي له أن يعتبرَ تلك الحالَ، حالَ ذُلٍّ ومسكنةٍ ودناءةٍ. فالسَّيِّدةُ زينبُ سلامُ اللهِ عليها عندما كانت تدخُلُ مجلسَ ابنِ زيادٍ، وتدخُلُ مجلسَ يزيدَ، وتتحرَّكُ في الكوفةِ، بأيَّ حالة كانت؟ لقد وضعوا الأغلالَ في عُنُقِ الإمامِ السَّجَّادِ عليه السلام، وكانوا يطوِفونَ بهم بالسَّلاسِلِ في الأزِقَّةِ والمدينةِ، كأسرى الممالِكِ الغريبةِ. ولكن هذه الحالةَ لم تكُن حالةَ ذُلٍّ ظاهريٍّ، بل كانَ الإمامُ عزيزًا في تلك الحالِ نفسِها، وإن اعتبرَه النَّاسُ ذليلًا وخاسرًا. تختلف الحالات الَّتي تمُرُّ بالإنسانِ، ولذلك ترونَه يبدأ الإمام بالحديث في مجلسِ يزيدَ، ولا يُبالي أبدًا بهذه الهيمنةَ وهذا الجلالَ وهذه العظمةَ الظاهريّة، والتي أُوجِدَت عمدًا للتَّنكيلِ وإثارةِ الرُّعبِ والخوفِ في نفسه، بحيثُ يأتي الأفرادُ ويحتفِلونَ، ويأتي الأمراءُ ويقِفونَ جميعًا، مِن أوّل المجلس إلى آخره، والغِلمانُ مِن اليَسارِ واليمينِ وهذه الأمورُ كلُّها. ثمّ يُدخِلونَهم، ويزيدُ جالسٌ في الصَّدرِ، حتَّى يأخُذَهم جلالُ وعظمةُ المكانِ ويجعلَهم مُنكسي الرُّؤوسِ وخجِلينَ تُجاهَ هذه المكانةِ الَّتي قد دبَّرَها يزيدُ. ماذا يُصبِحُ هذا؟ هذا يُصبِحُ الامتحانَ الظَّاهريَّ. هذا الامتحانُ نفسُه الَّذي يحدُثُ للإنسانِ ويُقدِّرُه اللهُ له. في مثلِ هذا الوضعِ، مقام العزّة المرتبِطُ بذاتِ اللهِ تعالى والمرتبِطُ بذلك المبدأِ والمرتبِطُ بـ ﴿اللَّهُ الوَاحِدُ القَهَّارُ﴾۱، فيأتي مقام العزّة ويذُرُّ على جميعِ هذه الاعتباراتِ رمادَ الفناءِ والنِّسيانِ والاضمحلالِ ويُزيلُها جميعًا ويسيطر هو عليها. فعندما يأتي الإمامُ إلى ذلك المجلسِ، ترونَ أنَّه ما إن يقولُ كلمةً، حتَّى يُجيبَه الآخَرُ، يقولُ هذا كلمةً فيُجيبُ الثَّاني، يقولُ آخر الكلمةَ الثَّالثةَ، فيبدأُ الإمام بإلقاءِ خُطبةٍ بحيثُ لا يستطيعُ الآخَرُ التَّغلُّبَ عليه بأيِّ وجهٍ مِن الوجوهِ. يذهبُ الخطيبُ ليُلقيَ خُطبةً في يومِ الجمعةِ، والإمامُ السَّجَّادُ عليه السلام جالسٌ، فما إن يبدأَ بإلقاءِ الخُطبةِ ومدحِ يزيدَ ومعاويةَ وهؤلاءِ، حتَّى يقولَ الإمامُ: « إئذن لي حتّى أصعد هذه الأعواد، فأتكلّم بكلمات ؟»٢ فيصعَدُ الإمامُ ويُرسِلُ سُلالةَ بني أُميَّةَ جميعَهم إلى قَعرِ البئرِ. ما هذا؟ هذه هي تلك العظمةُ الإلهيَّةُ الَّتي تتجلَّى في وجودِ الإمامِ، هناك يتحقَّقُ «نَوَّهتَ باسمي». هناك يرتفِعُ اسمُ الإمامِ السَّجَّادِ عليه السلام، هم يريدونَ إسقاطَ هذا الاسمِ، لكن في هذه المكانةِ نفسِها يرتفِعُ اسمُ الإمامِ السَّجَّادِ عليه السلام، فيقولُ الجميعُ لبعضِهم البعضِ: «مَن هذا؟ أيُّ فردٍ هذا؟ أيُّ شخصيَّةٍ هذه؟ أيُّ وضعٍ هذا؟» هذا يُقدِّرُه اللهُ. هكذا يُبدِّلُ ويُغيِّرُ اللهُ هذه الأوضاعَ بحيثُ إنّمن أرادوا أن يأتوا به ويُحطِّموه ويُذلُّوه، فجأةً يتحوَّلُ إلى عَظمةٍ! يتحوَّلُ إلى رِفعةٍ، يتحوَّلُ إلى مقامٍ، بحيثُ يُصبِحُ يزيد ذليلًا حقيرًا، فيقولُ: «ليأتِ المؤذِّنُ ويُكبِّرَ»، والنَّاسُ يثورونَ، فيقومُ ويذهبُ إلى قصرِه، فلا يُصلِّي أصلًا، بل يقومُ ويُجلِسُ أحدًا مكانَه. مَن يفعلُ هذه الأعمالَ؟ اللهُ يفعلُ كلّ هذا.

    1. سورة یوسف (۱٢) الآية ٣٩، سورة ص (٢۸) الآية ٦٥، سورة الزمر (٣٩) الآية ٤. 
    2. بحار الأنوار ، العلامة المجلسي، ج ٤٥، ص ۱٣۷.

رحمةُ اللهِ تعالى لجميعِ العبادِ - أأرباب متفرّقون خير أم الله؟

10
  • ولكنَّ النقطة المهمّة الموجودةَ هنا هي أنَّ الإمامَ السَّجَّادَ عليه السلام يُريدُ أن يقولَ: «يا إلهي، ذلك الاسمَ الَّذي رفعتَه لي، ذلك الاسمَ أنتَ صانعه، أنتَ قُمتَ بذلك العملِ، لست أنا الفاعل، وإذا كانَ الأمرُ مُنتسِبًا إليكَ، فما الإشكالُ بعدَ ذلك؟ ما الإشكالُ بعدَ ذلك؟» المهمُّ هنا هو ألَّا يرى الإنسانُ رِفعةَ هذا الاسمِ مِن نفسِه، هنا يكمن الخطر. لا سمحَ اللهُ، إذا جاءَ الإنسانُ ورأى ذلك مِن نفسِه وشعَرَ بأنَّ اهتمامَ النَّاسِ به هو مِن جهتِه هو، فالخطرُ قد حلَّ به هناك، وإلَّا فمُجرَّدُ الاهتمامِ مسألةٌ يُقدِّرُها اللهُ ولا إشكالَ فيها.

  • الإمامُ السَّجَّادُ عليه السلام في أحدِ الأدعيةِ الَّتي يبدو أنَّها تتعلَّقُ بأيَّامِ الحجِّ وتلك الأوقاتِ، على ما أتذكَّرُ، يقولُ الإمامُ هناك: «وَارْفَعَني مَعَ هَوانِ قَومٍ آخَرينَ»۱. ـ طبعًا لا أذكر بالدقَّة ما هو الدعاء، فليُراجِعِ الرُّفقاءُ ـ «يا إلهي، ارفعني في حينِ أنَّكَ تُخفِضُ أفرادًا آخرينَ.» يعني عندما يريدُ الإنسانُ أن يطلُبَ مِن اللهِ، فلماذا يطلُبُ «يا إلهي، أَنزِلني؟ اضرِب على رأسي؟ اجعَلني وضيعًا؟ اجعَلني وضيعًا بينَ النَّاسِ؟» لماذا؟ لماذا يفعَلُ هذا؟ فليقُل: «يا إلهي، ارفعني، واجعَل هذا الرَّفعَ سببًا للرَّحمةِ والبركةِ والإفاضةِ واستفاضةِ النَّاسِ، ولي أنا، لا أن تجعلَه سببًا لضلالي.»

  • قصة مرتبطة بتفسير دعاء "وارفعني مع هوان قوم آخرين"

  • ذات مرَّةٍ كنَّا في مجلسٍ في العهد السابِق ـ وكان ذلك في شهرِ رمضانَ ـ حيث كانَت هناك دعوة لبعض الأعيانِ والعُلماءِ والمشهورين وقد انتقل بعضهم إلى رحمةِ اللهِ. فالتفت أحدُ العلماء وهو حيٌّ حاليًّا ومِن العلماء المعروفينَ أيضًا، التفتَ وسألَ المرحومَ العلاَّمةَ هذا السُّؤالَ: «ماذا يعني الإمامُ السَّجَّادُ عليه السلام حين يقول: "وَارْفَعَني مَعَ هَوانِ قَومٍ آخَرينَ"؟ 

  • هل الإمام هنا يُريدُ أن يقولَ: يا إلهي، ارفعني وأَنزِلِ الآخرينَ. هذا هو معناه. يا إلهي، ارفعني وأَنزِلِ الآخرينَ، يعني أنا أُصبِحُ رئيسًا. أنا أُصبِحُ رئيسًا والآخرونَ جميعُهم يُصبِحونَ مرؤوسينَ، أنا أُصبِحُ سيِّدًا والآخرونَ جميعُهم يُصبِحونَ عبيدًا، أنا أُصبِحُ مولًى والآخرونَ جميعُهم يُصبِحونَ عَبيدًا، هل هذا هو معناه».

  • كانَ هناك أحد العلماء ففسَّرَ الأمرَ بالطريقة التالية حيث قال: « نعم، ما الإشكالُ؟ الإمامُ يُريدُ أن يقولَ: ألبِسنا ثوبَ السِّيادةِ، ألبِسه لقامتِنا». حسنًا، هذا لم يختلِف مِن حيثُ المعنى، الآنَ أنتم غيَّرتُم التَّعبيرَ ولكن في النِّهايةِ لا فرقَ في المعنى. «أَنزِلِ الآخرينَ واجعَلنا رؤساءَ عليهم؟» هل الإمامُ يقولَ هذا؟ يقولُ: «أَنزِلِ الجميعَ ونحنُ نُصبِحُ رؤساءَ عليهم» لا يقولُ الإمامُ ذلك.

    1. وروى الكليني في الكافي عن أبي بصير قال : كان الصّادق (عليه السلام) يدعو بهذا الدّعاء في شهر رمضان: 
      اَللّـهُمَّ اِنّي بِكَ وَمِنْكَ اَطْلُبُ حاجَتي، وَمَنْ طَلَبَ حاجَةً اِليَ النّاسِ فَاِنّي لا اَطْلُبُ حاجَتي إلاّ مِنْكَ وَحْدَكَ لا شَريكَ لَكَ، وَاَساَلُكَ بِفَضْلِكَ وَرِضْوانِكَ اَنْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّد وأهْلِ بَيْتِهِ، وَاَنْ تَجْعَلَ لي في عامي هذ اِلى بَيْتِكَ الْحَرامِ سَبيلاً حِجَّةً مَبْرُورَةً مُتَقبَّلَةً زاكِيَةً خالِصَةً، لَكَ تَقَرُّ بِها عَيْني، وَتَرْفَعُ بِها دَرَجَتي، وَتَرْزُقَني اَنْ اَغُضَّ بَصَري، وَاَنْ اَحْفَظَ فرْجي، وَاَنْ اَكُفَّ بِها عَنْ جَميعِ مَحارِمَكَ، حَتّى لايَكُونَ شَيءٌ آثَرَ عِنْدي مِنْ طاعَتِكَ وَخَشْيَتِكَ، وَالْعَمَلِ بِما اَحْبَبْتَ، وَالتَّرْكِ لِما كَرِهْتَ وَنَهَيْتَ عَنْهُ، وَاجْعَلْ ذلِكَ في يُسْر ويسار عافِيَة وَما اَنْعَمْتَ بِهِ عَلَيَّ، وَاَساَلُكَ اَنْ تَجْعَلَ وَفاتي قَتْلاً في سَبيلِكَ، تَحْتَ رايَةِ نَبِيِّكَ مَعَ اَوْلِيائِكَ، وَاَسْاَلُكَ اَنْ تَقْتُلَ بي اَعْداءَكَ وَاَعْداءَ رَسُولِكَ، وَاَسْاَلُكَ اَنْ تُكْرِمَني بِهَوانِ مَنْ شِئْتَ مِنْ خَلْقِكَ، وَلا تُهِنّي بِكَرامَةِ اَحَد مِنْ اَوْلِياءِكَ اَللّـهُمَّ اجْعَلْ لي مَعَ الرَّسُولِ سَبيلاً، حَسْبِيَ اللهُ ما شاءَ اللهُ.
      وجاء في دعاء مكارم الأخلاق: وأعزني ولا تبتليني بالكبر، وعبدني لك ولا تفسد عبادتي بالعجب، وأجر للناس على يدي الخير، ولا تمحقه بالمن، وهب لي معالي الأخلاق، واعصمني من الفخر. 

رحمةُ اللهِ تعالى لجميعِ العبادِ - أأرباب متفرّقون خير أم الله؟

11
  • ثمَّ التفتَ إلى المرحومِ العلاَّمةِ وقالَ: «سيِّدنا، هل هذا صحيحٌ؟ هذا الكلامُ الَّذي يتضمّن هذا المعنى؟» كانَ المرحومُ العلاَّمةُ في حَرَجٍ، فلم يستطِع أن يقولَ إنَّه صحيحٌ، ولم يستطِع أن يقولَ إنَّه خطأٌ! فقد ذاكَ كانَ عالمًا معروفًا، طبعًا قد انتقلَ إلى رحمةِ اللهِ. فلو قال ما يراه هو، فسيُؤثِّرُ ذلك فيه كثيرًا، فقالَ هكذا: «لعلَّنا نُفسِّرُ الأمرَ على هذا النَّحوِ مثلًا: يا إلهي، إذا تعلَّقت مشيئتُكَ بأن تجعلَ فئةً مِن النَّاسِ في منزلةٍ دُنيا ـ لا بمعنى الوضاعةِ، بل بمعنى المنزلةِ المُنخفِضةِ ـ فلا تجعَلني في زُمرتِهم. مِثلُ أن نقولَ: يا إلهي، إذا تعلَّقت مشيئتُكَ بأن تُنزِلَ نقمتَكَ وعذابَكَ على أفرادٍ، فلا تجعَلنا مِن جُملتِهم.» حسنًا، هذا جيِّدٌ جدًّا، دعاءٌ جيِّدٌ جدًّا. «إذا تعلَّقَ تقديرُكَ بأن تُصيبَ قومًا بنقمةٍ وعقوبةٍ، فلا تجعَلنا مِن زُمرةِ هؤلاءِ، واجعَلنا مِن المُفلِحينَ، لا مِن الخاسِرينَ.» الإمامُ يقولُ: «ارفَعنا في حينِ أنَّكَ تُنزِلُ فئةً مِن النَّاسِ» أي عند تعلّق المشيئةَ. وهذا المعنى، معنىً رائعٌ وراقٍ جدًّا. ولكنّ ذلك المسكين الذي أجاب انزعجَ كثيرًا، لأنَّ السائل توجَّهَ أوَّلًا بوجهِه إلى المرحومِ العلاَّمةِ وأرادَ أن يحصل على تأييده لجوابه هو، ثمَّ اتّضح خطأ ذاك هكذا، فبدأَ بالتعريض به حتَّى آخِرِ المجلسِ وكانَ الأمرُ واضحًا تمامًا.

  • الخلاصة: التكامل المستمر وعدم الاغترار بالشهرة المعطاة من الله

  • انظروا هذه كلُّها دُروسٌ لنا، فأنا لا أُريدُ هنا أن أنقُلَ الحكايات فقط، علينا أن نُعِدَّ أنفسَنا ونُهيِّئَها لكي نتكامل باستمرارٍ، لكي نتكامل، لا أن نُغلِقَ بابَ الرَّحمةِ على أنفسِنا باستمرارٍ، فبإغلاقِ بابِ الرَّحمةِ لن يُضافَ شيءٌ ولن يصِلَ إلينا نفعٌ. تكاملوا باستمرارٍ، واِرتقوا باستمرارٍ. هنا أيضًا يُريدُ الإمامُ أن يقولَ هذا نفسَه. يقولُ: «يا إلهي، لقد جعلتَ اسمي رفيعًا، وهذه الرِّفعةُ في الاسمِ والشُّهرةِ الَّتي جعلتَها، هي مِنَّةٌ منكَ عليَّ، لا أنَّها كرامةٌ لي، لا. كانَ بإمكانِكَ أن ترفَعَ اسمَ فردٍ آخَرَ مكاني، وتُشهِرَ آخَرَ، وتأتيَ بإنسانٍ آخَرَ. الآنَ تعلَّقت مشيئتُكَ وتقديرُكَ بي، فأيُّ فخرٍ هذا الَّذي أُريدُ أن أنسِبَه لنفسي ولماذا أعتبرُ هذا الأمرَ مِن جِهتي أنا؟» حسنًا، هذا جانبٌ مِن المسألةِ، جانب أنَّ اللهَ يرفَعُ اسمَ الإنسانِ ويجعلُه معروفًا ومشهورًا، ولكنَّ الجانبَ الآخَرَ مِن العُملةِ هو: هل هذه الشُّهرةُ مُفيدةٌ في كلِّ مكانٍ؟ وهل هذا الصِّيتُ الرَّفيعُ ممدوحٌ في كلِّ مكانٍ؟ وهل هذه المعروفيَّةُ مُوجِبةٌ للكمالِ في كلِّ مكانٍ؟

رحمةُ اللهِ تعالى لجميعِ العبادِ - أأرباب متفرّقون خير أم الله؟

12
  • إن شاءَ اللهُ إذا وفَّقَ اللهُ تعالى نتحدّث حول ذلك في الجلسةِ القادمةِ.

  •  

  • اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ.