6

الشهرة من منظور أولياء الله

كيفية تعامل العلّامة الطهراني مع الشهرة والصيت

47
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمدعاء أبي حمزة الثمالي

المجموعةسنة 1424

التاريخ 1424/09/10

جلسات المجموعة(12 جلسة)

التوضيح

تركّز هذه المحاضرة على فقرة «وَنَوَّهْتَ بِاسْمِي كَبِيراً». فتتناول تقلّبات الدهر وعاقبة المتكبّرين، وتدعو إلى التعامل الصحيح مع الشهرة الدنيويّة. وتستعرض سيرة العلّامة الطهراني كمثال، فتذكر سبب هجرته إلى مشهد، وقصصًا حول كتبه، مبيّنة الفرق بين الصيت الزائل والشهرة الإلهيّة الحقيقيّة التي نالها بفضل زهده وإخلاصه.

/۱٤
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

الشهرة من منظور أولياء الله - كيفية تعامل العلّامة الطهراني مع الشهرة والصيت

1
  •  

  • هوالعليم

  •  

  • الشهرة من منظور أولياء الله

  • كيفية تعامل العلّامة الطهراني مع الشهرة والصيت

  •  

  • شرح دعاء أبي حمزة الثمالي - سنة ۱٤٢٤ هـ - الجلسة السادسة

  •  

  • محاضرة القاها

  • آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدّس الله سره

  •  

  •  

الشهرة من منظور أولياء الله - كيفية تعامل العلّامة الطهراني مع الشهرة والصيت

2
  •  

  •  

  • أعوذُ بِالله مِنَ الشَّیطانِ الرَّجیم

  • بِسمِ الله الرَّحمَنِ الرّحیم

  • و صلّی الله عَلَی سیّدنا و نبیّنا أبی‌القاسم محمد

  • و علی آله الطّیبین الطّاهرین

  • و اللعنة عَلَی أعدائِهِم أجمَعینَ

  •  

  •  

  • «إِلَهِي رَبَّيْتَنِي فِي نِعَمِكَ وَ إِحْسَانِكَ صَغِيراً، وَ نَوَّهْتَ بِاسْمِي كَبِيراً»

  • إلهي، أنت الذي ربّيتني في نعمك وإحسانك وأنا صغير. وهيّأت لي الأسباب لنموّي في صغري، وجعلت اسمي في كبري معروفًا ومشهورًا ورفيعًا.

  • في الجلسة السابقة، ذكر للرفقاء ما هو المقصود بالرفعة، ومن أين تأتي الشهرة ومن أين تنشأ، وهل هي مدعاة للغبطة، أي هل يجب على الآخرين أن يتحسّروا على شهرة فلان؟! أم أنّ الأمر ليس كذلك، وهي ليست مدعاة للغبطة أبدًا!

  • تقلبات الدهر للإنسان

  • إنّ الدهر والدنيا في تقلّب مستمر:

  • چنین است رسم سرای درشت***گهی پشت به زین وگهی زین به پشت
  • يقول: هكذا هي عادة الدنيا القاسية *** يومًا السرج على الظهر، ويومًا الظهر على السرج

  • فيومًا يذكرون الإنسان بالخير، وفي يوم آخر هؤلاء الناس أنفسهم يذكرونه بالسوء، مع أنّ ذلك الإنسان لم يتغيّر وتصرّفاته لم تتبدّل، ويومًا يُعلنون اسم الإنسان على المنارات وفي الصحف اليوميّة هنا وهناك، ويومًا آخر لا يذكره أحدٌ أصلًا! وهذا أمر عجيب جدًّا! وروعته تكمن في أن يفهم الإنسان هذه الأمور ويعتبر، ويدرك حقيقة الدنيا، وماهيّتها، وماذا يفعلون فيها، وماذا يعطون في هذه الدنيا، فيومًا تعظيم وتكريم بسبب انتساب ما، أو صلة بشخص أو عمل أو علاقة أو أيّ من جاذبيّات الدنيا ـ فالدنيا مليئة بالجاذبيّات! ـ وفي يوم آخر لا ينظرون إلى الإنسان أصلًا، بل لا يلتفتون إليه ولا يذكرونه!

  • قصّة إبادة البرامكة المعتبرين على يد هارون

  • قرأتُ يومًا في كتاب القصص والعبر عن إبادة هارون للبرامكة. فقد كان البرامكة قد تغلغلوا في بلاط هارون بشكل عجيب، وكان يحيى البرمكي ابن خالد البرمكي. وقد ذهب خالد البرمكي إلى الشام في زمن عبد الملك بن مروان، وكان خالد هذا مجوسيًّا. ويُقال: «إنّ إسلامه كان تظاهرًا، وإسلامًا زائفًا!» وبقي في الشام ولم يعد. ولأنّه كان سياسيًّا داهية، تغلغل شيئًا فشيئًا في بلاط الحكم العباسيّ، وحصل على أعوان وأنصار حتّى بلغ ابنه يحيى منزلةً وجلالًا وعظمة في بلاط الخلفاء العباسيّين. وكان ليحيى بن خالد البرمكي ولدان هما جعفر وفضل، وكانا ذا تأثير كبير على هارون، وبالأخص جعفر الذي كان محبوبًا جدًّا لدى هارون حتّى أنّه قيل: ذات ليلة كان هارون مع جعفر في مجلسه، فدخلا غرفة وكان في أعلاها رف، وأراد جعفر أن يأخذ شيئًا من ذلك الرف لكن يده لم تصل، فأجبره هارون على أن يمتطي كتفه ليأتي بذلك الشيء من الأعلى، أي استخدمه كالسلّم! بدلًا من أن يستخدم السلم! أي أن الأمور بلغت هذا الحد! ـ ومن الواضح الحال الذي سيؤول إليه من يصل إلى هذه المنزلة في بلاط هارون ـ حتّى حانت النهاية على أيّ حال بسبب القضايا التي حدثت وتقرّر أن يُطوى ملفهم.۱ 

    1. قال ابن خلدون في تاريخه، ج ۱ ص ۱٥: ومن الحكايات المدخولة للمؤرخين ما ينقلونه كافة في سبب نكبة الرشيد للبرامكة من قصّة العباسة أخته مع جعفر بن يحيى بن خالد مولاه وأنه لكلفه بمكانهما من معاقرته إياهما الخمر أذن لهما في عقد النكاح دون الخلوة حرصًا على اجتماعهما في مجلسه وأنّ العباسة تحيلت عليه في التماس الخلوة به لما شغفها من حبّه حتى واقعها (زعموا في حالة السكر) فحملت ووشي بذلك للرشيد فاستغضب وهيهات ذلك من منصب العباسة في دينها وأبويها وجلالها... وإنما نكب البرامكة ما كان من استبدادهم على الدولة واحتجافهم أموال الجباية حتى كان الرشيد يطلب اليسير من المال فلا يصل إليه فغلبوه على أمره وشاركوه في سلطانه ولم يكن له معهم تصرف في أمور ملكه فعظمت آثارهم. (م)

الشهرة من منظور أولياء الله - كيفية تعامل العلّامة الطهراني مع الشهرة والصيت

3
  • فالدهر لا يبقى على هذه الحال أيّها الرفقاء، وسيأتي يوم تُطوى فيه الملفّات، فكلّ من كان في هذه الدنيا، مهما كان شأنه، سيُمرّغ في التراب يومًا ما، أيًّا كان! نحن في سنوات عمرنا هذه التي تبلغ ثمّانية وأربعين عامًا ـ وهي ليست كثيرة جدًا، أليس كذلك؟! فما زلنا شبابًا! لم نشخ بعد! ـ لقد رأينا الكثير من العبر حقًّا، في الزمن الماضي وحكم الملك السابق، والأحداث التي كانت تقع في ذلك الوقت.

  • المصير المخزي للشاه البهلوي في أواخر عمره

  • عجيب! في زمان حكم الملك السابق، كنت أستمع ذات مرّة لخطاب له، وعندما كان يتحدّث ـ كان الأمر عجيبًا! ـ كأنه لا يخاطب إيران فحسب، بل يخاطب الكرة الأرضيّة بأكملها! فكان يتحدّث بهذه الطريقة وبهذه العبارات «لقد أمرنا نحن بذلك»، لم يكن يقول «قلنا» أو «ذكرنا» أو «نرجو»، بل كان كل كلامه: «أمرنا» كنت أقول في نفسي آنذاك: هل يعلم هذا المسكين في أيّ وضع هو؟! فعندما يُسدل الله تعالى ستائر الغفلة على عيني الإنسان، ففي الواقع هذه ستكون نتيجة قوله: «لقد أمرنا! لقد أصدرنا الأوامر! وتعلّقت إرادتنا بذلك!» فقد وصل حال هذا المسكين إلى درجة أنّه لم يسمح له أحد بدخول بلاده، فكان يُنقل من هنا إلى هناك، ويبقى لعشرين يومًا فيقولون له: «اخرج من هنا» فيذهب إلى مكان آخر ويبقى شهرًا فيقولون: «اذهب إلى مكان آخر، اذهب إلى مكان آخر!» وقرأتُ مرّة مذكّراته ـ أي ما كُتب عنه لا بقلمه، فقد قرأت كلّ الكتب التي كتبها بقلمه ـ ولكن هناك كتاب كُتب عنه، رأيت حكاية مثيرة للاهتمام لا تزال في ذهني.

  • في يوم من الأيّام، قال ابنه ـ الذي لا يزال حيًّا وهو خارج إيران ـ من باب السخرية والاستهزاء في مكان ما: «سيدي، حتّى الله يمزح!» ويا لها من عبارة بذيئة! فالتفت إليه الملك وقال: «يا فلان! امزح مع من تشاء، لكن لا تمزح مع الله! انظر إلى أيّ حال وصلنا، هل ترى!» وكُتب: «كانا في مكان لم يعرفا ما يفعلان من شدّة العرق والحرّ ورطوبة الجوّ، ولم يكن هناك أيّ مبرّد في ذلك المكان» وهؤلاء كانوا يومًا ما تحت أشجار السرو والدلب، وعند جداول المياه، وفي مواكب الاستقبال والتوديع، وكانوا يعيشون بهذه الكيفيّة!

الشهرة من منظور أولياء الله - كيفية تعامل العلّامة الطهراني مع الشهرة والصيت

4
  • عاقبة جبابرة العالم في أشعار الإمام الهادي

  • عندما كان الإمام الهادي عليه السلام في تلك الليلة بجانب المتوكّل العباسيّ، يصوّر هذا الأمر في تلك الأشعار بشكل عجيب! ويقول:

  • بَاتُوا عَلَى قُلَلِ الْأَجْبَالِ تَحْرُسُهُمْ***غُلْبُ الرِّجَالِ فَلَمْ تَنْفَعْهُمُ الْقُلَلُ۱
  • حقًّا يقشعّر بدن الإنسان! إلى أين ذهبوا؟ ذهبوا إلى قمم الجبال وبنوا القصور ليأمنوا من حوادث الدهر! فهل بقوا؟! «فَلَمْ تَنْفَعْهُمُ الْقُلَلُ»، لم تنفعهم القمم وتلك الأعالي!

  • وَ اسْتُنْزِلُوا بَعْدَ عِزٍّ مِنْ مَعَاقِلِهِمْ***فَأُسْكِنُوا حُفَراً يَا بِئْسَ مَا نَزَلُوا٢
  • لقد سُحبوا من تلك الأعالي وأُنزلوا! ومن قمّة الجبل أُلقوا في قعر القبر! وأُهيل عليهم التراب وانتهى الأمر! وخُتم على شهادة ميلادهم بخاتم البطلان وأُودعوا في سجلّات التاريخ. انتهى أمرهم! ومن هنا يبدأ الأمر، والحساب والعقاب! يقول الإمام عليه السلام: «من هنا يبدأ حسابهم! أين كنت؟ في أيّ مكان كنت؟ ماذا كنت تفعل؟ هل فكرت في هذا اليوم؟ أيّها الحمقى! أيّها التعساء الذين عشتم عمرًا من سبعين أو ثمّانين عامًا في خيالاتكم، لا في الواقع! لو كنتم تعيشون في الواقع، لما ذهبتم تبنون بيوتكم فوق الجبال! ولما رفعتم قصوركم وبنيتموها في أماكن نائية!»

  • القصّة العجيبة لمقتل نادر شاه

  • كان نادر شاه من أولئك الرجال الشجعان! وكان من الملوك الذين يحضرون المعارك بأنفسهم، ـ فبعضهم يجلس في بيته ويصدر الأوامر فقط! فلا يصيبه وخز إبرة، يجلس في مقرّ القيادة ويأمر: «اذهبوا واضربوا واقتلوا وتقدّموا!» ولكن لم يكن الجميع كذلك! ـ والشاه عبّاس الصفويّ كان من الملوك الذين يحضرون المعارك بأنفسهم، والذي روّج للمذهب الشيعي في إيران، وأفضل منه جدّه الشاه إسماعيل الصفويّ الذي كان رجلًا صالحًا جدًّا ،ولقد بذلا جهدًا حقيقيًّا لنشر مدرسة التشيّع، جهدًا حقيقيًّا، بالطبع، لا يتوقّع أحد منهم صلاة الليل، ولكن عندما يأتي البعض الآن ويثيرون بعض القضايا والنقائص، يقول الإنسان: «رحمة الله عليهم، لو وجدهم الإنسان لقبّل أيديهم وأرجلهم» كان الشاه إسماعيل الصفويّ يقاتل بنفسه في ساحة المعركة، وكان أقرب الناس إلى القتال، وكان يحضر بنفسه في مقدّمة المعركة، فهؤلاء هم الملوك الذين كانوا موجودين في السابق، وكانت إيران آنذاك معروفة بمساحتها! وأحد هؤلاء الملوك الذين كانوا يحضرون المعارك بأنفسهم هو نادر شاه. ولم تكن عقائد نادر شاه جيّدة، ولم تكن عقائده سليمة جدًّا، بل يقول البعض إنّه كان زرادشتيًّا، وهناك شكّ في إسلامه أصلًا. وكان نادر شاه يضع أربعة من أفضل وأخلص قادته حول خيمته كلّ ليلة لحراسته، في أركان خيمته الأربعة، أربعة من قادة الجيش، اثنان من القزلباش واثنان من مخالفيهم اليوخاري باش٣. ولقد تمّ مقتل نادر شاه على أيدي هؤلاء الحرّاس أنفسهم، فهم الذين اقتحموا خيمته، وعندما استيقظ فجأة، ضربوه وأردوه قتيلًا. 

    1. بحار الأنوار، جـ٥۰، صـ٢۱۱-٢۱٢. طبعة مؤسسة الوفاء، بيروت/لبنان، سنة: ۱٤۱٤ هـ.[نقلًا عن كتاب مروج الذهب للمسعودي]
    2. نفس المصدر السابق.
    3. أي اثنان من الشيعة واثنان من السنّة.

الشهرة من منظور أولياء الله - كيفية تعامل العلّامة الطهراني مع الشهرة والصيت

5
  • تأثير تقدير الله ومشيئته في الحياة

  • هل كان نادر شاه قويًّا جدًا؟! فمن يستطيع أن يقف أمام تحقّق تقدير الله ومشيئته؟! ومن يستطيع أن يواجهه؟! من يستطيع؟! فيُلقي فيروسًا في دم الإنسان حيث أنّك لو بحثت العالم كلّه لن تستطيع إخراجه! هل يمكنك ذلك؟! أو يُلقي ميكروبًا في جسم الإنسان، فيجعل العالم كلّه يدور حول هذا الميكروب الصغير. من أين أتى هذا؟ وكيف نخرجه؟ يقول: «أنا لن أتفضّل بالخروج، لقد أتيت! وما شاء الله! يا له من مكان جيّد، دافئ، وناعم، وحرارته ٣۷ درجة، إنّه جيّد جدًّا، فلماذا أخرج؟! فالجوّ في الخارج بارد، وسأصاب بالزكام! وهنا جيّد جدًّا، سأبقى هنا وأتكاثر، فليكن منكم ما يكون، لا شأن لي بكم» والآن من يستطيع أن يخرجه من جسم الإنسان؟! من يستطيع فليأت وليخرجه! هنا، في اللحظة الأخيرة، يعترف الجميع بذلّهم. ولكن يكون الأوان قد فات! عندها يُسألون: «أين كنت؟ وكيف كنت وماذا كنت تفعل؟»

  • المواجهة الصحيحة مع السعي إلى الشهرة

  • لذا، لا ينبغي للإنسان أن يغبِط أبدًا ويقول لماذا ترقّى ذلك الرجل؟ ولماذا أصبح مشهورًا؟ ولماذا يذكره الناس؟ فلماذا يريد أن يصبح مشهورًا؟ فإنّه لا يستحقّ الغبطة! تراهم يتصارعون ليصبحوا مشهورين ومعروفين، وليتقدّم هذا أو ذاك! أو ليصبح رئيس المصنع هذا أو ذاك! أو ليصبح هذا وزيرًا أو ذاك! ما هذا الأمر؟! فهل تستطيع بالمنصب الذي تشغله الآن أن تأكل أكثر من وجبة طعام واحدة؟! لن تأكل أكثر من وجبة واحدة؟! ولديك مكانك الخاص، فما هذا الذي يجعلك تتصارع لتصبح مشهورًا ومعروفًا؟! والجميع منخرط في هذا الموضوع والقضيّة، وهو موجودٌ في جميع الفئات، وفي كلّ مكان ومجموعة. أن يصبحوا معروفين ورؤساء بين أقرانهم، وأن يعلوا أكثر فأكثر. هل حدث أن وجدت إنسانًا عندما يريدون التصويت، ينهض ويذهب للجلوس في زاوية حتّى لا يراه أحد؟! فعندما يريدون تعيين قائد، يذهب حتّى لا يحضر التصويت أصلًا؟! هؤلاء الأفراد قليلون، فإذا رأيتهم فاعلم أنّهم خاصّون، ويختلفون عن البقيّة. فعندما يريدون تعيين رئيسٍ، فلا يأتي إلى الجلسة أصلًا ولا يقدّم اسمه فلا يُقرأ اسمه! وعندما يريدون تعيين منصب بارز، لا يحضر من الأصل. لا أنّه يرسل الأفراد والمبلّغين إلى هنا وهناك، ويقيم المراكز باستمرار في المدن؛ لا أعرف ما هي المراكز! أعتقد أنّها من هذه المحلات التي يلصقون فيها الإعلانات واللافتات والصور ليفيد أنّ هنا مركز، وهناك مركز، وفي هذا الشارع مركز، وفي ذلك الشارع مركز. ويكثرون من الصوّر باستمرار! ويا لها من صور؟! كنّا نذهب مرّة إلى مكان ما في وقت كانت فيه هذه البرامج، رأينا حسينيّة جميع أبوابها وجدرانها ـ بدلًا من "يا أبا عبد الله" ـ ملصق عليها صور، من الأسفل إلى الأعلى، ومن الجانبين، ولم يتركوا مكانًا فارغًا بحجم رأس الإبرة، وكل صور السيّد بوجوه مختلفة: ضاحكًا، وسعيدًا، وبوضع جيّد. ولكن بمجرّد أن ينهض ويذهب إلى مكان آخر، ينسى كل هذا، فيفكر في نفسه وكيف يستولي على أموال الشعب لمصالحه الخاصة؟! فما الغرض من إلصاقه لكلّ هذه الصور؟! لنذهب ونصبح رؤساء، وليذكروا اسمنا! لنذهب ونحصل على منصب ومقام. هل شوهد عكس هذا حتّى الآن، أنّه عندما يريدون انتخابه لا يأتي إلى الجلسة؟!

الشهرة من منظور أولياء الله - كيفية تعامل العلّامة الطهراني مع الشهرة والصيت

6
  • كيفيّة تعامل العلّامة الطهراني مع المناصب والمقامات الدنيويّة

  • كان المرحوم العلّامة رضوان الله عليه يقول:

  • «في تلك الأوقات التي كنت فيها في طهران في أوائل الثورة ولم يكن مجلس صيانة الدستور قد عُيّن بعد، اتّصل بي أحد الأقارب يومًا وقال: "يا فلان، هل لديك خبر بما حدث بالأمس؟" قلت: "ماذا حدث؟" قال: "بالأمس كانت هناك جلسة في مكان ما، وتقرّر أن يتمّ انتخابك رئيسًا لمجلس صيانة الدستور ـ لقد قدّم شخص هذا الاقتراح ـ لكنّه لم يُؤيّد بعد، ومن المقرّر أن يتمّ الحديث والتأمل في هذه القضيّة أكثر ولكن لتعلم أنّ هذا الأمر قيد الإجراء!" فعندما سمعت ذلك، وكأنّ جبلًا قد انهار على رأسي؛ فكيف لي أن أصبح رئيسًا لمجلس صيانة الدستور؟! فكوني رئيسًا لمجلس صيانة الدستور يعني إبداء الرأي في القوانين وفي القضايا التي تجري في البلاد، وإذا أصبحت رئيسًا لمجلس صيانة الدستور فلن أتوانى عن قول الحقّ والحقيقة في أيّ أمر، أيًّا كان المعنيّ، فهل سيقبلون الأمر هكذا؟! لن آتي وأقول: سيّدي، عملك صحيح وعمل سيادتكم ليس صحيحًا! لا! سأضع يدي على النقطة الأساسيّة أوّلًا، وأقول: هذا العمل خطأ! خلاصة القول، اضطرب وضعي كثيرًا وقلت: يا إلهي، ماذا تريد أن تفعل؟! لم أر منك مثل هذا الشيء من قبل! ولم تكن لديك مثل هذه البرامج معي سابقًا! فما القضيّة؟! لم أنم تلك الليلة حتّى الصباح! وفي اليوم التالي، كنت أذهب مع بعض الناس إلى مكان ما، فقال أحدهم وهو شبه صديق ومن معارفنا: "سيّدي، هل لديك خبر من انتُخب رئيسًا لمجلس صيانة الدستور؟" قلت: "من انتخبوا؟" قال: "أذيع في الراديو اليوم أنّ السيّد فلان ـ ذكر اسم الرجل ـ قد انتُخب رئيسًا لمجلس صيانة الدستور وأمينًا له" ما إن سمعت هذا الكلام، انتابتني حالة من البهجة والسرور وزال عنّي الغم والحزن، فقلت بصوت عالٍ دون وعي: {ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِيٓ أَذۡهَبَ عَنَّا ٱلۡحَزَنَۖ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٞ شَكُورٌ}۱ وكان ذاك الرجل ملّمًا بالعربية فقال: "سيّدي، ما هذه الآية التي قرأتها؟" قلت: لا شيء! قُد سيّارتك، ولا شأن لك بي.»

    1. سورة فاطر (٣٥) الآية ٣٤.

الشهرة من منظور أولياء الله - كيفية تعامل العلّامة الطهراني مع الشهرة والصيت

7
  • وأمّا بقيّة الأحداث فلم يخبرني بها، وماذا فعل. وأنا سأتجاوز تفاصيل الأمور وأكتفي بخلاصتها.

  • فهؤلاء هم الذين فازوا ولم يخسروا! وهؤلاء هم الذين نالوا حظّهم من هذه الدنيا! وهؤلاء هم الذين أدركوا واقع الأمر وتعرّفوا على حقيقة عالم الوجود والتربية والتكامل! وهؤلاء وصلوا إلى سرّ التكامل؛ فللتكامل سرّ لا يصل إليه أيّ أحد! وهناك أسرار هنا لا يصل إليها أيّ أحد! وقد كانوا يعترضون على المرحوم العلّامة لماذا لم ينزل إلى الميدان؟! ولماذا لم ينزل إلى الميدان ؟! ـ وبالطبع، فهؤلاء غير مطّلعين! ـ فكان يقول: «لو نزلت إلى الميدان، فهل كانت آرائي ستَلقى القبول؟!» مع أنّه نزل ولم تلقَ آراؤه القبول! وقد نقل بنفسه تلك الأمور ونقلت أنا بعضها أيضًا، وفي حياته كنت أرى بعض الأفراد يوجّهون إليه هذا الاتهام، بأنّ «البعض باسم العرفان يعتزلون في الزوايا ولا يقومون بما يجب عليهم من أعمال.» هل هو الذي لا يعمل؟! عندما جاء إلى سيادتكم شخصيًّا، فلماذا رفضت الأمر ولم تقبله؟! والآن بعد أن ابتعد، ارتفع صوتك؟! فعندما جاء وقال: «سيّدي، أنا مستعدّ لأكون عضوًا في مجلس الخبراء، وقد جهّزت صورًا لأُرسلها أو أنّه أرسلتها لوزارة الداخليةّ» ألم يقل أولئك المقرّبون: «سنقابل هذا الأمر مهما كلَّفنا ذلك؟!» ألم يقولوا ذلك؟! الآن هذا الاتهام الذي يوجّهونه ويقولون: «البعض لم يأتوا» هل هو صحيح؟! هل سيتجاوز الله عن هذه الأمور؟! حسنًا، هذه القضايا ستتّضح يومًا ما بشكل أو بآخر، وسيرى التاريخ من كان المحبّ، ومن كان المخلص، ومن أراد أن يعمل عمله للّه، ومن كان رضا الله مبتغاه، ومن كان يسعى وراء أمور أخرى؟!

  • سبب هجرة المرحوم العلّامة الطهراني إلى مشهد

  • كان يقول:

  • «جئت إلى مشهد لأنشر معارف الإسلام في ظلّ وجوار الإمام عليّ بن موسى الرضا عليهما السلام، فقد رأيتُ أنّ هؤلاء الناس قد قاموا، وبذلوا الدماء، وقدّموا الآباء والأمّهات والأبناء، فهم قاموا من أجل الإسلام، وقد استقرّ الإسلام الآن، ولكن أين هي مبادئ الإسلام؟! أيّ إسلام وأيّ مبدأ؟! فمن الذي يريد أن يبيّن الإسلام للناس؟! رأينا أنّه يجب أن نستغلّ هذه الفرصة ونبيّن للناس ونذهب إلى مشهد ونشتغل بهذه المسائل.

الشهرة من منظور أولياء الله - كيفية تعامل العلّامة الطهراني مع الشهرة والصيت

8
  • أهميّة مطالعة كتب المرحوم العلّامة الطهراني

  • وإنّي أقول هذا الأمر من منطلق الجدّ واليقين والتأكيد: «إذا لم يطّلع فرد من رفقائنا ـ فلا شأن لنا بالبقيّة ـ على ما كتبه المرحوم العلّامة في كتبه، فهو خَسِرَ الدُنيا والآخِرَة! بهذه البساطة.» فما كتبه في هذه الكتب هو ما بيّنه الإمام الصادق عليه السلام وأراد أن يبيّنه للناس! ولا شائبة فيه، ولا حشو ولا زوائد، فلم يزد أو ينقّص من عنده شيئًا. وما أقوله لكم ليس مزاحًا، ولا أتحدّث من باب المزاح أو أنّه من الكلام الذي يأتي هكذا بعد الإفطار! لا، القضيّة ليست كذلك! لقد ثبت لي هذا الأمر بالتجربة العينيّة أنّ المسائل الأخرى كلّها مشوبة؛ فينقصون منها ويزيدون، ويحرّفونها يمنة ويسرة، ويمدّون جزءًا ويصلونه بما يحتمل المدّ، ويجعلون الوضيع عزيزًا والعزيز وضيعًا. فهذه المسائل كلها مشوبة! أمّا في مسائله، فيوجد مُرّ الحق وحاقّ الواقع، وهذا هو الواقع!

  • حكاية طريفة عن استقبال النوّاب وتوديعهم 

  • الآن، على ماذا يغبط الناس؟ على أنّ فلانًا أصبح رئيسًا؟! وفلانًا جلس في ذلك المنصب والمقام؟! وأنا أقول هذا بجدّيّة، هل حقًّا يأتي إنسان عاقل في هذه الدنيا ليخلق لنفسه وجع الرأس؟! يأتون به إلى العمل من الساعة الثامنة، وما إن يصل حتّى يأتي ذلك العامل، وهذا. سيّدي، هناك مشكلة! سيّدي، هناك نقص! سيّدي، ماذا نفعل هنا؟ سيّدي، ماذا نفعل هناك؟ ويتّصلون به فيجب أن يذهب. ولماذا كلّ هذا؟! ليقولوا: «السيّد فلان دخل الوزارة! نعم! لينحنوا له حتّى الخصر وينزلوا إلى الخصر!

  • أحد الأصدقاء ـ وهو غير موجود هنا بالطبع ـ كان يقول:

  • ذهبنا بمناسبة إلى أحد هذه المجالس التي يُعيّن فيها النوّاب ـ من هذه المجالس النيابيّة وما شابه ـ لا أعرف إن كان اليوم الأوّل أو اليوم الأخير الذي يغادر فيه النوّاب القدامى ويحلّ محلّهم النوّاب الجدد، يا سيّدي، كان المشهد يستحقّ المشاهدة؛ فأولئك الذين فقدوا مناصبهم، يا لحالهم! وهؤلاء الذين كانوا سيأتون ليحلّوا محلهم، يا لحالهم! كان الأمر يصلح فقط لأن تقف وتشاهد وتتأمّل. فأولئك الذين كانوا على وشك أن يفقدوا مناصبهم كانوا مطأطئي الرؤوس، ولم تكن لهم رغبة حتّى في ردّ السلام 

الشهرة من منظور أولياء الله - كيفية تعامل العلّامة الطهراني مع الشهرة والصيت

9
  • ـ يا سيّدي، السلام عليكم! كيف حالك؟ 

  • ـ وداعًا! 

  • وكانوا يريدون أن يفتحوا باب السيّارة بسرعة فيذهبوا! أمّا أولئك الذين كانوا سيأتون، فكان مع كلّ واحد منهم ستّة مرافقين، ابتعد من هنا! واذهب إلى هناك وافتحوا الباب للسيّد! فهو قادم جديد وسيفعل كذا وكذا! ويا لسلامهم الذي كانوا يلقونه، سلام يلفظون فيه حرف "العين" من "عليكم" ليس من قاع الحلق فحسب، بل أسفل من ذلك! ويا لأحوالهم، أحوال حلوة جدًّا ومدهّنة ومزيّنة! ويمدحون السيّد النائب! وهذا يمدحه! ولقد أصبح السيّد النائب منتفخًا، بحجم فيل نُفخ فيه! مثل تلك المناطيد التي كانوا يطلقونها في الهواء سابقًا! يا سيّدي! أنت لا يسعك الكرسيّ، تعال وتصاغر قليلًا، فذلك الفيل ينفع في الأعلى، ولكن أنت لا تدخل من الباب، ولكن من العجيب أنّهم يدخلون! فهذا الباب يجب أن يُدخل منه هكذا على أي حال! نعم، من هذه الأبواب يمكن الدخول! هؤلاء بهذه الحالة يريدون أن يأتوا ويعملوا للّه؟! حقًّا؟! هل هذا هو واقع القضيّة؟! حسنًا، وما يحدث هو نتيجة ذلك! «ما كان عيانًا فلا يحتاج إلى بيان» أليس كذلك؟! الأخذ والربط واستعمال الهراوات والعصيّ والعتلات والمجارف للوصول إلى المنصب والمقام. أمّا الأذكياء، فماذا يفعلون؟! يهربون إلى جبل قاف!

  • أحد هؤلاء السادة ترشّح في إحدى الانتخابات التي جرت، وكتب حجّة الإسلام فلان، لكنّ المسكين لم يفز في الانتخابات الأولى بلقب حجّة الإسلام وحده؛ ولأنّ الانتخابات كانت على مرحلتين، قال في السنة الثانية: «ما العمل وما الحلّ للنجاح في هذه المرّة؟» ففي الانتخابات الثانية أضاف كلمة «دكتور» كبيرة قبل حجّة الإسلام، ثمّ كتب حجّة الإسلام بخطّ صغير، «الدكتور حجّة الإسلام فلان» ومع ذلك لم يفز المسكين، فهذه "الدكتور الكبيرة" لم تجلب له الحظّ أيضًا. خلاصة القول، كان الحظّ قد أدبر عنه ـ وهو موجود الآن في إحدى المحافظات ـ وقد كنت أنا بنفسي في تلك المحافظة عندما كانت هذه القضايا تحصل، والآن كلّما رأيته من بعيد، أتذكّر فعله هذا. ولقد كان الأمر مثيرًا للاهتمام وعجيبًا حقًّا!

  • فالإنسان العاقل لا يقوم بمثل هذه الأعمال! فهل الإنسان عاطل عن العمل؟! هل الإنسان عاطل ليأتي ويقوم بهذه المسائل وبهذه الكيفيّة؟! يا سيّدي، إذا كنت تعمل بواجبك وانتُخبت، فقد انتُخبت، وإذا لم تُنتخب، فلم تُنتخب، وإذا لم تكن تعمل بواجبك، فاذهب وأصلح نفسك. فالله تعالى لا يقبل هذه الألاعيب، وليس في نظام الله لعب! في نظام الله الحقُّ ولا يمكن تعدّي الحقّ، وهذه الأمور لا تستحقّ الغبطة.

الشهرة من منظور أولياء الله - كيفية تعامل العلّامة الطهراني مع الشهرة والصيت

10
  • هل كلّ شهرة محمودة؟

  • هذا الموضوع الذي ذكرته كان مقدّمة للمسألة الجديدة.

  • نصل هنا إلى موضوع جديد، وهو أنّه هل كلّ صعود ورفعة هي من المصلحة أم لا؟!

  • يقول الإمام السجاد عليه السلام: «إِلَهِي... نَوَّهْتَ بِاسْمِي كَبِيراً» وشهرتني فصار الناس يذكرونني بالخير والثناء أي أنّ هذه الشهرة من صنعك، ولا ينبغي لي أن أنسبها إلى نفسي، ويجب أن أكون منتبهًا، فإن لم أنتبه فسأتلقّى من تلك الصفعات التي تهوي بي إلى قعر الوادي! من تلك الصفعات! فإذا توّهمت أنّ أمر الشهرة هذا بيدي، فسيضربون الإنسان على رأسه ضربة لا يدري بعدها أين ينتهي به المطاف؟! فيجب أن تحذر! ولا تتوهّم أنّ شهرتك الحاليّة من عندك! ولا تتوهّم أنّ ذكر الناس لك بالخير له علاقة بك! ولا تتوهّم أنّ لك أثر في هذه القضية وأنّها تخصك! لا يا سيّدي! شاءت الأقدار أن تشتهر، وحدث أمر من الأمور فصار بعض الناس يذكرونك بالخير. فليس الأمر كما تظنّ.

  • أمّا أن يسعى الإنسان بنفسه وراء الشهرة، فهذا خطر، وخطر عظيم. فالإمام عليه السلام لا يقول: لنذهب نحن ونسعى وراء الأمر، بل يقول: «نَوَّهْتَ بِاسْمِي كَبِيراً» أي أنت رفعت اسمي وأنا لم أرد ذلك بنفسي، ولم أفعل هذا، بل أنت الذي فعلته، وهذا الأمر منوط بك، وأنت أعلم كيف تتعامل مع عبادك وكيف تتصرّف مع الناس، فترفع واحدًا، وتخفض آخر، وتعزّ واحدًا، وتترك آخر، وتشهر واحدًا ولا تشهر آخر.

  • وأمّا أن نسعى نحن بأنفسنا وراء الشهرة، ونريد أن نصبح مشهورين ومعروفين، فهنا يكمن الخطر! والمهلكة هنا، أي في الشهرة والصيت الخارجان عن إطار التكليف، والعمل الخارج عن إطار التكليف. فعندما يعمل الإنسان بتكليفه، فمن الطبيعيّ أنّ من يقوم بهذا العمل قد يواجه صورًا متعدّدة، فقد يُعجَب البعض بهذا العمل، فبالطبع سيذكرون الإنسان بالخير، وقد يكره البعض هذا العمل، فيذكرونه بالسوء. وعلى كلّ حال يجب على الإنسان أن يعمل بتكليفه.

  • مطالعة كتاب معرفة المعاد وتأثيراته على الإنسان

  • في هذه الكتب التي كتبها المرحوم العلّامة، وأنا أقول هذا بجد! ـ كان المرحوم العلّامة يقول لي مرارًا: «من يجب أن يفهم، سيفهم! ومن لا يجب أن يفهم، لن يفهم!» ـ له كتاب اسمه معرفة المعاد وهو ذو عشرة مجلدات. وهذا الكتاب مفيد حقًّا، وفيه معارف راقية جدًّا. إنّه عجيب جدًّا! لقد صوّر في هذا الكتاب اعتباريّة الدنيا والحقائق التي وراء الحجاب. 

الشهرة من منظور أولياء الله - كيفية تعامل العلّامة الطهراني مع الشهرة والصيت

11
  • لقد كنت في مكان ما وكان هناك عدد من علماء طهران المشهورين. فسأل أحد الحاضرين أحد العلماء وقد توفّي الآن: «سيّدي، ما رأيك بهذا الكتاب؟» فقال بلهجة ساخرة ومستهزئة: «ماذا؟ هذا الكتاب؟! هذه المعارف مكتوبة في كلّ مكان! ليس فيه أيّ معارف جديدة!» أردت في تلك اللحظة أن أفتح الكتاب وأقول: يا عزيزي، اقرأ لي صفحة واحدة منه واشرحها، هل تلتفتون؟! في حين أنّه من المستحيل أن يقرأ أحد ذلك الكتاب نفسه ولا يتغيّر، وهذا الكتاب هو معرفة المعاد! التفتوا! ما هذا العامل الذي يؤدّي أن يُحكم على هذه المسألة بهذه الطريقة؟! فليفكر الإنسان كيف تتشكّل مسألة بهذه الصورة والكيفيّة، فعالم يأتي هكذا، وعالم يأتي هكذا! 

  • من يريد أن يتميّز ويشتهر خارج إطار تكليفه، فهل هذه الشهرة وأن يروج الإنسان لنفسه باستمرار، صحيحة له أم لا؟! فهل رأيتم المرحوم العلّامة قد روّج لنفسه مرّة واحدة بخصوص هذه الكتب؟! هل قال: «يا عزيزي، انشروا كتابي هذا في الصحف. يا عزيزي، خذوا هذا الكتاب إلى هنا وهناك ليعلم الجميع عنه، يا عزيزي، انشروا هذه الكتب!» حقًّا، هل سمع أحد هذا من المرحوم العلّامة مرّة واحدة؟! لا! لم يُسمع، بل كان العكس هو الصحيح. كانت هناك حالات ـ ولأنّني على اطّلاع بسبب علاقتي بالمرحوم العلّامة ـ لم يكن يريد أن تنتشر بهذه الطريقة والكيفيّة. كانت عبارته: «نحن نكتب الحقائق، ومن يجب أن يستفيد، سيهيّئ الله له السبيل ليستفيد.» ومن لا يريد أن يستفيد، فمنذ اللحظة التي يفتح فيها الكتاب سيسعى لإستخراج الإشكالات.

  • آراء الأفراد حول كتاب "وظيفة الفرد المسلم في حكومة الإسلام"

  • لقد كتب كتابًا بعنوان "وظيفة الفرد المسلم في حكومة الإسلام"، وبالطبع كان عبارة عن عدّة محاضرات له تحولت فيما بعد إلى كتاب، ويتّضح من نصّ الكتاب أنّه ليس نصًّا تأليفيًّا، أي أنّه نفس ما تمّ تفريغه من الشريط، مع تغييرات طفيفة. وقد بيّن فيه حقيقة الإسلام والحكومة الإسلاميّة وحاجة الإسلام إلى الحكومة وحاجة الحكومة إلى الإسلام، والأمور التي حدثت له شخصيًّا في قضايا الثورة.

الشهرة من منظور أولياء الله - كيفية تعامل العلّامة الطهراني مع الشهرة والصيت

12
  • يا سيدي، منذ أن أريد طباعة هذا الكتاب، اتصلوا قائلين: «سيّدي، ليس من المصلحة طباعة هذا الكتاب! هضم هذا الكتاب ثقيل على البعض! المجتمع الآن ليس مستعدًّا لهذا الكتاب! لا يمكنهم الآن التعامل مع هذا الكتاب بشكل إيجابي! الآن كذا! والآن كذا!» حتّى أنّ شخصًا اتصل بي مرّتين وقال: «سيّدي، اذهب بأيّ وسيلة ممكنة واصرف والدك عن نشر هذا الكتاب!» وفي المحادثة الأخيرة في الهاتف قلت له: يا عزيزي، إذا كان والدي قد أمضى سبع سنوات في قم والتقى بكلّ هؤلاء العلماء، ثمّ ذهب إلى النجف وأمضى سبع سنوات أيضًا في النجف ورأى الجميع، ومع ذلك هو لا يفهم ما يكتب، فمن الأفضل أن يغلق باب هذا المنزل وكلّ هذه الأمور، فبعد أربعة عشر عامًا من معاشرة الجميع، ألن يعرفهم! بحيث أنّك تدرك هذه المسائل، وهو لا يدركها! حسنًا، فإذًا لا فائدة منه! فإذا كان يدرك هذه الأمور، فاذهب واطبعه ولا ترفع صوتك! فما علاقتك بالأمر؟! هو أعلم! اذهب وشأنك. وعلى كلّ حال، منعوا نشر هذا الكتاب ولم يسمحوا بطباعته.

  • كنت أمشي معه يومًا في مستشفى الإمام الرضا في مشهد. كنّا قد ذهبنا إلى هناك معه إلى طبيب لفحص العيون، فقال لي: «يا فلان! ما رأيك في هذا الكتاب الذي كتبناه؟» قلت: «يا سيّدي، هذا الكتاب سيثير موجة شئنا أم أبينا، ولا شكّ في ذلك! ولكنّ المهم هو هل ستتحوّل هذه الموجة إلى طوفان أم أنّها ستهدأ تدريجيًا في قاع البحر وتصل إلى حدّ الاعتدال؟ ورأيي هو الثاني، لا أن تتحوّل الموجة إلى عاصفة وتقلب كلّ شيء.» فقال: «أحسنت! لكنّهم لا يفهمون هذا الأمر!» ثمّ قال: «﴿ذَٰلِكَ مَبۡلَغُهُم مِّنَ ٱلۡعِلۡمِ﴾۱، هذا هو مقدار فهم هؤلاء الذين يعترضون!» فهؤلاء الذين يقولون: «سيّدي، لا تقل هذا الكلام! سيّدي، لا تقل هذا الكلام!» ﴿ذَٰلِكَ مَبۡلَغُهُم مِّنَ ٱلۡعِلۡمِ﴾. مرّت هذه القضيّة، ونُشر هذا الكتاب في النهاية في عدّة أماكن.

  • كنّا في طهران يومًا في منزلنا في شارع الأحمديّة، والمرحوم العلّامة كان موجودًا أيضًا. وصدرت مجلّة اسمها «مجلة بيان»، وقد أبدت رأيًا حول هذا الكتاب ـ وظيفة الفرد المسلم في حكومة الإسلام ـ للمرحوم العلّامة. وكان لبّ وخلاصة هذا المقال هو هذا النقد: «إنّه أراد في هذا الكتاب فقط أن يطرح نفسه ويرفع من شأنه، وينتقد الآخرين! وهذه المطالب التي وردت هنا، هو وحده مدّعيها!» كانت هذه ماهيّة ونتيجة وخلاصة دراسات كاتب مقال «مجلّة بيان». فأحضر أحد المعترضين المجلة وقال: «اذهب وأرِ هذه المجلة للسيّد ليرى بنفسه! تفضّل! هذه المطالب التي قلتها أصبحت هكذا! مثلًا، هل رأيت الآن أنّنا كنّا نقول أنّ هذا سيحدث؟!» فضحكت في تلك اللحظة، ولكنّني قلت لن أقول له (أي ذاك المعترض) شيئًا حتّى بعد أن أُري المجلّة للمرحوم العلّامة! ولكنّي ضحكت ضحكة طويلة من البداية! لأنّني كنت أعرف النتيجة! أريته للمرحوم العلّامة وقلت: أحد الأفراد أحضر هذه المجلة لتطالع هذا النقد وترى ما هي نتيجة طباعة الكتاب؟! فبدأ بالمطالعة، وعندما انتهى، انفجر من الضحك مثل الضحكة التي ضحكتها، قهقه وقال: اذهب يا عزيزي! لقد أعددت نفسي لأكثر من هذا بكثير، فهذا ليس بشيء! يا سيّدي! ما كتبوه هنا ليس بشيء! كنا [نتوقّع] أكثر من هذا، فلم يكتبوا شيئًا والأمر ليس مهمًّا! أعد المجلة إليهم.

    1. سورة النجم (٥٣) الآية ٣۰.

الشهرة من منظور أولياء الله - كيفية تعامل العلّامة الطهراني مع الشهرة والصيت

13
  • الشهرة والصيت الإلهي للمرحوم العلّامة الطهراني

  • لم يعرّف المرحوم العلّامة بنفسه ليصبح مشهورًا ومعروفًا. بل الله تعالى هو الذي شهره وعرّف به، فهو لم يفعل ذلك بنفسه. أصلًا لم يكن في هذا الوارد وهذه القضايا! بل كان يهرب بشدّة منها ويمتنع! أنا نفسي أتذكّر في أيام شهر رمضان المبارك، واعظًا اسمه المرحوم الحاج السيّد ضياء الدين التقوي رحمه الله، كان رجلًا فاضلًا وعالمًا كبيرًا، ومن العلماء والوعّاظ المتّقين جدًّا، ذو فهم ونفس طيب، وشيخًا كبيرًا صافي الضمير. وكان يدرّس الأسفار والإشارات في مسجد "سبهسالار" آنذاك، فقد كان رجلًا عالمًا. كان يرتقي المنبر في مسجد قائم، وأحيانًا كان يريد أن يمدح المرحوم العلّامة، فكان المرحوم العلّامة يتشاجر معه، وكان الأمر يصل إلى الصراخ والصياح! وكان المرحوم العلّامة يقول له:

  • يا سيّدي، إذا أردت أن تمدحني، فسأغادر مجلسك! ما هو المدح؟! اصعد المنبر وتحدّث وقل: «قال الباقر وقال الصادق» تحدّث عن الإمام والمعارف، فمن هو السيّد الطهراني هنا؟!

  • بهذه الكيفيّة! رأيت مرارًا الشجار بينه وبين المرحوم العلّامة، حتّى في أحد الأيام ظهرًا، لم يطق المرحوم الحاج السيّد ضياء الدين التقوي صبرًا فوق المنبر وقال: أقسم بجدّي، مع أنّني أعلم أنّ ما سأقوله سيسبب الاستياء والألم لسماحة السيّد الطهراني، ولكنّني أعتبره واجبي وتكليفي: أبقى الله الظلّ المبارك لآية الله الطهراني للإسلام ولنا! يا سيّدي، فقال الحضور بالإجماع: آمين! فقلت: يا إلهي! لم يعد يستطع الصبر! ولم يعتنِ المرحوم العلّامة أبدًا، فقد فات الأوان، وانتهت القضيّة بهذه الكلمات! وعندما نزل من المنبر، قال له السيّد العلّامة: «شكرًا جزيلًا! سيّدي، نحن استسلمنا الآن! فأنت تفعل ما تريد!» ولقد كان شيرازيًّا، رحمه الله، وكانت له لكنة أيضًا، نعم، لم يكن بلا لكنة، وكان شيخًا لطيفًا جدًّا، حقًّا كان شيخًا ذا صفاء وإخلاص.

  • ولم يكن المرحوم العلاّمة محتالاً ومخادعًا، فيقول هكذا: «سيّدي، لا تمدحني!» أمّا في الأماكن الأخرى فإذا صعد خطيب المنبر ولم يمدح (أحد العلماء)، فيقول له بهدوء: «سيّدي، من الأفضل مراعاة بعض الأمور.» ولكنّ هذا العالم ليس كذلك! يقول الحقّ ولا يريد أن يخسر، فعندما فهم لبّ الحق وحاقّ الواقع، فهم حقًّا أنّ هذا هو الواقع.

الشهرة من منظور أولياء الله - كيفية تعامل العلّامة الطهراني مع الشهرة والصيت

14
  • تقبيل اليد وكيفية مواجهة المرحوم العلّامة الطهراني له

  • عندما كتب في كتاب "الروح المجرّد": «يضايقني أن يأتي الناس ويقبّلوا يدي! يضايقني!» وأنا في هذا المجلس أطلب من الرفقاء متضرّعًا، أقول بجدّ: «حقًّا إذا قبّل أحد يدي، فإنني أتضايق، وأقولها بجدّ، وهذا الضيق يؤثّر فيّ، ولكن قد يُفترض أنّه لو كان المرحوم العلّامة موجودًا، لتضايق ولم يحدث شيء، لكن هذا الضيق يترك في نفسي أثرًا سلبيًّا، حسنًا، ربما لا نظهره ولكن له أثر سلبي!»

  • يا سيدي! لم تقبيل اليد؟ لماذا؟! فمثلًا، لدى الإنسان جبهة أيضًا! فهل نزل وحي بأنّه يجب تقبيل اليد حتمًا؟! يا سيّدي، تعالوا نتصافح.

  • عندما يقبلون يدي، أتضايق! كان السيّد الحدّاد يقول له: "انظر إلى الأمر على أنّه من الله" وقد كان يقول هذا حقًّا!

  • أمّا أنا الذي لا أرى الأمر من الله، فماذا أفعل؟! حينما أرى تقبيل اليد هذا من الله، سأقول للرفقاء! إذا أردتم أن تقبّلوا، فافعلوا، ولكن ليس الآن!!

  • هذه المسائل التي تتعلّق به كانت مسائل واقعيّة! أي في عالم الواقع، يجب على الإنسان أن يقوم بعمل: أي أن يكون [في أعماله] واقعيّة وحقيقة وصدق.

  • ما شأننا بالآخرين؟! فليفعل الآخرون ما يشاؤونه وليذهبوا في أي طريق يشاؤونه، فما علاقتنا بهم؟! بل يجب أن نعمل بما نفهمه نحن.

  • فالشهرة التي تكون خارج إطار التكليف لها عواقب! ويبدو أنّنا هذه الليلة أيضًا، مثل سائر الوعود التي قُطعت، لم نتمكن من الوصول إلى نهاية المسألة.

  • إن شاء الله، إذا قسم الله ووفّق، سنبيّن تتمّة الكلام على الرفقاء في الجلسة القادمة إن شاء الله.

  •  

  • اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد