المؤلّفالعلامة آیة الله السيد محمد الحسين الحسيني الطهراني
المجموعةشرح دعاء أبي حمزة
التاريخ 1398/09/18
التوضيح
هو العليم
رجاء السالك في ظل توحيد الله تعالى وجُودِه
شرح فقرات من دعاء أبي حمزة الثماليّ – الجلسة السادسة عشرة
محاضرة القاها
سماحة العلاّمة آية الله السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
قدّس الله نفسه الزكيّة
بِسمِ اللهِ الرَّحمٰنِ الرَّحیمِ
وصَلَّی اللَهُ عَلَی مُحَمَّدٍ وآلِهِ الطّاهِرینَ
ولَعنَةُ اللَهِ عَلَی أَعدَائِهِم أَجمَعینَ
توحيد الله تعالى منشأ الاتّكاء عليه وحده
«سَيِّدِي، عَلَيْكَ مُعَوَّلِي ومُعْتَمَدِي ورَجَائِي وتَوَكُّلِي، وبِرَحْمَتِكَ تَعَلُّقِي، تُصِيبُ بِرَحْمَتِكَ مَنْ تَشَاءُ، وتَهْدِي بِكَرامَتِكَ مَنْ تُحِبُّ؛ فَلَكَ الْحَمْدُ عَلَى مَا نَقَّيْتَ مِنَ الشِّرْكِ قَلْبِي، ولَكَ الْحَمْدُ عَلَى بَسْطِ لِسَانِي».
التعويل يعني الاتّكاء، والمـُعوَّل يعني المـُتَّكى والمـُعتمَد؛ ومن المعلوم أنّ تقديم ما هو حقُّه التأخيرُ يُفيد الحصرَ؛ وبما أنّ «معوّلي» مبتدأ و«عليك» خبر، فإنّ ذلك سيعني أنّ: اتّكائي هو عليك وحدك، ولا أتّكئ على غيرك أبدًا!
«وبِرَحْمَتِكَ تَعَلُّقِي»،
«تُصِيبُ بِرَحْمَتِكَ مَنْ تَشَاءُ، وتَهْدِي بِكَرامَتِكَ مَنْ تُحِبُّ»؛
(ولهذا) «فَلَكَ الْحَمْدُ عَلَى مَا نَقَّيْتَ مِنَ الشِّرْكِ قَلْبِي»،
«ولَكَ الْحَمْدُ عَلَى بَسْطِ لِسَانِي» (بهذه الكلمات).
فحينما أدعوك الآن، وأحصر اتّكائي واعتمادي بك، وأقصر رجائي عليك، وأُوكِلُكَ كافّة شؤوني، وأُسلّمك إرادتي واختياري، وأتنصّل من هذه الإرادة وهذا الاختيار، وأُعلّق نفسي برحمتك، وأتعلّق بمحبّتك، عالِمًا بأنّك توصل هذه الرحمة إلى من تشاء، وتهدي إلى كرامتك وعظمتك من تُحبّ، فإنّ ذلك كلّه يدلّ على توحيدك، وأنّني عرفت أنّك متّصف بهذه الصفات، وأنّك الوحيد القادر على هذه الأفعال، دون غيرك!
ولهذا، فإنّ قلبي منزّه عن الشرك؛ أي: حينما ذكرت هذه المسائل، فإنّني كنت أرى ذاتك المقدّسة هي المنشأ للآثار، دون غيرك؛ ولهذا، فإنّني لم أجعل لك أيّ ندّ أو شريك في هذه الصفات؛ فهذا هو حال قلبي الطاهر الذي مدحك بهذه الصفات. لكنّني، في الوقت ذاته، لم أنس بأنّني لست أنا الذي طهّرتُ قلبي، بل أنت الذي طهّرتني بواسطة هذه الطهارة والنزاهة التي منحتها لقلبي، وأخرجتني بها من الشرك.
ومن هنا، فإنّ الحمد يختصّ بك أنت على أنّك طهّرتَ قلبي من الشرك، وأطلعتَني على هذه المعاني التي مدحتُك بها، وكذلك على أنّ بسطتَ لساني وأنطقتَه بمحامدك.
علّة عدم استطاعة الإنسان شكر الله تعالى
«أَ فَبِلِسَانِي هَذَا الْكَالِّ (والعاجز) أَشْكُرُكَ»؟!
إلهي، صحيح أنّك نقّيتَ قلبي من الشرك، وأنطقتَ لساني؛ ولهذا، يكون الحمد مختصًّا بك؛ لكنّني، في نفس الوقت، غير قادر على أداء حمدك وشكرك كما يجب وينبغي؛ فلساني كالٌّ هنا أيضًا!
و«كالّ» بتشديد الكاف يعني عاجز، حيث يُراد من «كلَّ»: أُثقِلَ وأُصيب بالإنهاك الشديد، ويُراد من «كالّ»: مُثقل؛ أي أنّه حُمِّل أثقالاً كثيرة، إلى درجة أنّه صار عاجزًا.
أفهل يُمكنني عن طريق هذا اللسان الذي أحمدك به شُكرَك على كافّة المحامد المختصّة بك، وشُكرَ كلّ هذه النعم التي وهبتني إيّاها؟! فأنّى لهذا اللسان الذي صار كالاًّ وثقيلاً وعاجزًا وبطيئًا أداءَ الشكر على نِعَمك؟!
«أَمْ بِغَايَةِ جُهْدِي» (جَهدي۱) «فِي عَمَلِي أُرْضِيكَ»؟!
فمهما سعيتُ، وبذلتُ من جهد، وصرفتُ من قدرة وطاقة في سبيل رضاك، لكي يرضى عنّي ـ بكلّ ما للكلمة من معنى ـ مقامُ عظمتك وجلالك المقدّس، فكيف سيتسنّى لي كسبُ عطفِك، وإرضاؤُك بواسطة عملي هذا، ولو بذلتُ فيه غاية جهدي؟!
«وَمَا قَدْرُ لِسَانِي يَا رَبِّ فِي جَنْبِ شُكْرِكَ»؟!
فإذا كنتُ قادرًا على أداء شكرك بلساني كما يجب وينبغي، فإنّ ذلك سيعني أنّ لساني هذا يتوفّر على قدرةٍ تُعادل القدرةَ التي تُمكّنه من الإيفاء بشكرك؛ في حين أنّه عاجز، عاجز، عاجز؛ وهو صفر في مقابل الألف أو أكثر! بل إنّ عجزَه بلغ مستوىً، بحيث لا يُمكن تقييمه بتاتًا! فأيّة معادلة يُمكنني وضعُها بين هذا اللسان، وبين الشكر الذي يليق بمقامك ومنزلتك؟! فلساني لا يملك أيّة قيمة أبدًا! وأنّى لهذا اللسانِ شكرَك مقابل كلّ النعم التي منحتني إيّاها؟! فلساني صفرٌ، وعديم القيمة، وعاجز!
«وَمَا قَدْرُ لِسَانِي يَا رَبِّ فِي جَنْبِ شُكْرِكَ؟! وَمَا قَدْرُ عَمَلِي فِي جَنْبِ نِعَمِكَ وإِحْسَانِكَ [إليَّ]»؟!
فأنّى لي القيام بأيّ عمل في مقابل النعم والإحسان اللذين تفضّلتَ بهما عليّ؟! وأيّة قيمة يتوفّر عليها عملي هذا لكي أعتمد وأتّكئ عليه؟!.
سعة الجود الإلهيّ والطريقة اللازم اتّباعها لاستجلابه
«إِلَهِي إِنَّ جُودَكَ بَسَطَ أَمَلِي، وَشُكْرَكَ قَبِلَ عَمَلِي»؛
إلهي، إنّ حقيقة الأمر هي أنّ جودك وعطاءك وكرمك وإحسانك المطلق واللامتناهي قد بسط أملي.
إلهي، إنّني أريد الوصول إلى ساحتك المقدّسة ومقام قُربك؛ لكن، بأيّ شيء يُمكنني ذلك؟ هل يُمكنني الوصول إليك بواسطة الشكر الذي يُريد لساني تأديته؟ فلساني لا يملك أيّة قيمة! فأنّى له أن يتوفّر على قيمة في مقابل شكرك؟! وهل أستطيع إيصال نفسي إليك بواسطة العمل الذي أريد القيام به مقابل النعم والمواهب التي تفضّلت بها عليّ؟! فعملي لا قيمة له! وبالتالي، ما هو الشيء الذي سيدفعني للحركة نحوك؟ إنّه جودك وحسب!
فجودك واسع جدًّا، وكرمك رحبٌ وغير متناهٍ؛ وهذا هو الذي ساهم في انبساط أملنا وعدم انسداده؛ إذ لدينا أمل فيك، حيث نجده عليه السلام يقول: «إِنَّ لَنا فيكَ أَمَلاً طَويلاً». فلو تقرّر ألاّ يكون لديك جودٌ وعطاءٌ إلى هذا الحدّ، لاختنق أملُنا، وانسدّ وانقبض رجاؤنا؛ إذ متى ما رغبنا في رجائك، والمسير إليك، والوصول إلى قُربك؛ فإنّ الأمر لن يخلو من حالتين: فإمّا يجب أن تتهيّأ لدينا قوّة وحركة نحوك، وإمّا يجب أن تكون هناك جذبة منك لكي تُحرّكنا نحوك. لكن، حينما ننظر إلى أنفسنا، فإنّنا نرى بأنّنا صفر، سواءً من حيث عملنا أو لساننا؛ ولهذا، لا يُمكننا الحركة [من ذاتنا]. وأمّا بالنسبة إليك، فإذا كان جودك وإحسانك محدودين ومقتصرين على الصالحين وأولياء الله تعالى والأفراد ذوي الذوات الطاهرة، فإنّ ذلك سيسدّ أملنا! حيث سنقول: «من هذه الناحية، لا توجد حركة؛ ومن الناحية الأخرى، لا توجد جذبة»؛ وبالتالي، سيتعيّن على الإنسان أن يظلّ واقفًا في مكانه إلى الأبد.
فحينما ننظر إلى هذه الناحية [ناحيتنا نحن]، فإنّنا نرى بأنّه لا يوجد أيّ شيء؛ لكن، حينما ننظر إلى تلك الناحية [ناحيتك أنت]، فإنّنا نجد أنّ جودك واسع؛ أي: عندما ننظر إلى تلك الجهة، فإنّنا نرى اللانهاية. فالمطر الذي يهطل من السماء لا يحسِب مقدارَ الماء الذي يسكبه في بيت العجوز الفلانيّة، وكم سيصبّ في منزل زيد أو عمرو، وكم سيسكب في الشارع والزقاق والصحراء، بل نجده يهطل هكذا، لينال كلُّ وعاء يوضع أمامه من الرحمة بمقدار استعداده؛ فيحصل حوض بيتكم على الماء بمقدار استعداده، وتمتلأ الأنهار من هذا الماء بمقدار قابليّتها:
﴿أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَسَالَتۡ أَوۡدِيَةُۢ بِقَدَرِهَا فَٱحۡتَمَلَ ٱلسَّيۡلُ زَبَدًا رَّابِيًا﴾.۱
ومن هنا، فإنّ ذلك الجود يأتي من تلك الناحية بلا حساب ولا مقدار؛ وذلك العطاء والكرم ينزل أيضًا من دون عدّ؛ وحينما يأتي من هناك، فإنّه لا ينظر إلى الموضع الذي يجب أن يتنزّل فيه قليلاً، والموضع الذي يتنزّل فيه كثيرًا؛ إذ لا مكان في تلك الناحية لهذه الحسابات، بل نحن الذين نقوم هنا بهذا التحديد؛ فنحمل وعاء أو صحنًا، ونضعه تحت المطر؛ فيكون وعاءُ أحدهم أكبر، بينما يُحضر آخر صينيّةً؛ ويكون وعاء شخصٍ أكبر، فيضعه تحت المطر، بينما يكون السقف الجملونيّ لمنزل شخص آخر نظيفًا جدًّا، فيجمع في منزله كافّة المياه التي تأتي عن طريق الميزاب، ويُخزّن الماء من السقف الذي هطل عليه المطر.
وعليه، فإنّ الذي يضع حدًّا على قدرتِكَ وَجُودِكَ هي ماهياتنا ورغباتنا الصغيرة، لا أنّ هذه القدرة وهذا الجود يصيران صغيرين من ناحيتك أنت، ثمّ يتنزّلان علينا بعد ذلك؛ لأنّ ما يأتي من ناحيتك أنت لا يخضع للحساب والعدّ؛ وهذا أمر يبعث على السرور كثيرًا؛ فمن المـُبهج جدًّا أنّه: حينما يتفضّل الله تعالى على أحد، فإنّه يتفضّل عليه بلا حساب! وفي هذه الحالة، إذا كان هناك أفراد يتوفّرون على ماهيات وقابليّات صغيرة، فإنّ ذلك يعود إلى أنّهم بأنفسهم صغار، وهم الذين يُحدّدون [من قابليّاتهم]؛ وإلاّ، لو تمكّنوا من تخليصِ أنفسهم من هذا الصغر، وقطعِ هذا الحزام، وإخراجِ أنفسهم من هذا الضيق، لُصبّ الماء الواسع والرحمة الواسعة على وجودهم.
توجد رواية منقولة عن الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم، يقول فيها:
«أَلاَ إِنَّ لِلهِ فِي أَيَّامِ دَهْرِكُمْ نَفَحَاتٌ، أَلَا فَتَعَرَّضُوا لَهَا» (لكي تتنزّل هذه النفحات الإلهيّة والسبحانيّة وتتجلّى على قلوبكم)، «ولاَ تُعرِضوا عَنها».۱
فإذا وجّهتَ قلبَك إلى الله تعالى عند مجيء هذه النفحات الخاصّة، فإنّه سيلتقطها؛ لكن، إن كنت غافلاً في تلك الأثناء، فإنّ ذلك سيكون بالضبط مثل نزول الماء من السماء وأنت حامل وعاءً مقلوبًا، حيث ستسقط قطرات الماء على هذا الوعاء، وتجري من جوانبه؛ وحينئذ، لن يمتلأ الوعاءُ أو السطل أو الصينيّة من ذلك الماء. فحينما تحلّ النفحات من عالم الغيب، فإذا كان الإنسان غافلاً عن الله تعالى ومنشغلاً بغيره، فإنّ هذه النفحات ستأتي، وتنصبّ على رأسه وقلبه؛ لكن، من دون أن تنفذ إلى هذا القلب، بل ستجري عليه، وعلى جوانبه. وأمّا إذا كان الإنسان مراقبًا في تلك الأثناء، وكان في حال توجّه، فإنّ قلبه سيلتقط تلك النفحات.
ومن هنا، فإنّ الجود المفاض من الله تعالى لا يخضع لأيّ عدّ أو حساب؛ وبما أنّه بهذا النحو، فقد بَسَط أملَنا، ولم يُغلق ملفّ رجاءنا، ولم يقُل: «لا يجوز لك التوفّر على هذا الأمل، ولن تصل إلى مقام القرب؛ ومهما بذلت من جهد، فلن يُفيدك في شيء؛ لأنّ جودَ الله تعالى محدودٌ كَجُودك؛ وقبل أن يأتي هذا الجود، ويصل إلى وجودك، فإنّه سيكون قد انتهى!»؛ وإلاّ، لو كان بهذا النحو، لانسدّ أملنا حتمًا؛ لكنّ جودك لانهائيّ؛ وبالتالي، فإنّه يستوعب وجودنا؛ وعليه، فإنّ أملنا فيك واسع وغير مُغلق. وبما أنّ أملنا واسع، فإنّنا نسمح لأنفسنا بالتوفّر على هكذا أمل في طريق الوصول إليك والقرب منك؛ فهذه المسألة قد اقتضت أن يكون لدينا أملٌ في طريقك.
«وَشُكرَكَ قَبِلَ عَمَلي».
فليست لأعمالنا أيّة قيمة، بل هي أعمال لا تليق بمقامك؛ غير أنّ الشكر الذي صدر منك ساهَمَ في قبول هذه الأعمال؛ فأنت الذي قلت بنفسك: ﴿لَئِن شَكَرۡتُمۡ لَأَزِيدَنَّكُمۡ﴾،۱ حيث تكون هذه الزيادة عبارة عن الشكر الذي تقوم به تجاهنا؛ كما أنّك قلت أيضًا [ما مفاده]: «إنَّ اللهَ شكورٌ»،٢ وشكر الله تعالى يتمثّل في زيادة النعم وقبول العمل.
الدين والدنيا بين السالك وعامّة الناس
«سَيِّدِي إِلَيْكَ رَغْبَتِي ومِنْكَ رَهْبَتِي وإِلَيْكَ تَأْمِيلِي،٣ وقَدْ سَاقَنِي إِلَيْكَ أَمَلِي، وعَلَيْكَ يَا وَاحِدِي عَكَفَتُ هِمَّتِي، وفِيمَا عِنْدَكَ انْبَسَطَتْ رَغْبَتِي، ولَكَ خَالِصُ رَجَائِي وخَوْفِي، وبِكَ أَنِسَتْ مَحَبَّتِي، وإِلَيْكَ أَلْقَيْتُ بِيَدِي، وبِحَبْلِ طَاعَتِكَ مَدَدْتُ رَهبَتي»!
يا إلهي، ويا سيّدي، ويا مولاي، أنت تعلم بأنّني قصَرتُ رغبتي وميلي بك أنت وحسب!
تَرَكتُ لِلناسِ دُنياهُم وَدينَهُ | *** | شُغلاً بِحِبِّكَ يا ديني وَدُنيائي٤ |
فهؤلاء الناس لديهم نزوات وآمال وخيالات وجهود ومتاعب، حيث يميل بعضهم نحو الدين، وبعضهم الآخر نحو الدنيا؛ ويُحبّ بعضهم أن يظفروا بالجنّة، ويرغب بعضهم الآخر أن يصيروا قدّيسين؛ لكن، أنت تعلم يا إلهي أنّني تركتُ الدين والدنيا لهؤلاء الناس، ليتوجّه كلّ من يُريد نحو دينه، ويتوجّه كلّ من يشاء نحو دنياه؛ لأنّني قصرت ديني ودنياي عليك أنت.
فما هو ديني؟ هو أنت! وما هي دنياي؟ هي أنت! فأينما تكون أنت، يكون كلّ شيء، وأينما لا تكون، لا يكون أيّ شيء!
«مَاذَا وَجَدَ مَن فَقَدَكَ، ومَاذَا فَقَدَ مَن وَجَدَكَ؟»٥ (لاشيء!)
فديني هو ما تُريده أنت، ودنياي هي أيضًا ما تُريده أنت؛ وإذا لم تشأ، فلن يكون ذلك الدين ديني، ولو عدّه الناس بأجمعهم دينًا؛ فإذا لم تشأ، فلن أعترف به كدين؛ وكذلك، إذا لم تشأ، فلن تكون تلك الدنيا لأجلي، ولو تعاون كافّة أفراد الإنسان مع بعضهم، وبذلوا في سبيلها غاية جهدهم ومسعاهم؛ إذ لن تُفيدني في أيّ شيء؛ لأنّك أنت ديني ودنياي!
وتُعبّر مناجاة المريدين ـ وهي المناجاة الثامنة من المناجاة الخمس عشرة ـ عن هذا المعنى بنحو جيّد جدًّا.
يُقال: تبادل البعضُ أطراف الحديث مع المجنون ـ الذي كان عاشقًا لليلى ـ من الليل إلى الصباح، ودار بينهم البحث عن مسألة أنّ الحقّ مع عليّ، أو عمر، حيث طال بهم الحديث إلى حلول الصباح؛ وفي نهاية المطاف، سألوه: «ما هي النتيجة الآن؟ وما هي حصيلة كلامنا طيلة هذه الليلة؟ فهل كان الحقّ مع عليّ أم عمر؟»؛ قال: «الحقّ مع ليلي، الحقّ مع ليلى!».
كانَت لِقَلبي أَهواءٌ مُفَرَّقَةٌ | *** | فَاِستَجمَعَت، مُذ رَأَتكَ العَينُ، أَهوائي |
فَصارَ يَحسُدُني مَن كُنتُ أَحسُدُهُ | *** | وَصِرتُ مَولى الوَرى مُذ صِرتُ مَولائي |
تَرَكتُ لِلناسِ دُنياهُم وَدينَهُم | *** | شُغلاً بِحِبِّكَ يا ديني وَدُنيائي |
ما لامَني فيكَ أَحبّائي وَأَعدائي | *** | إِلّا لِغَفلَتِهِم عِن عظمِ بَلوائي |
أَشعَلتَ في كَبِدي نارَينِ: واحِدَة | *** | بِينَ الضُلوعِ وَأُخرى بَينَ أَحشائي |
وهذا كلام أنيق جدًّا، ويتضمّن العديد من الأسرار! فهو يُريد القول: إنّني عاشق لليلى؛ فهي ديني، ودنياي، ونبيّي ورسولي! فدعونا نرى ما تقوله ليلى؛ لأنّ كلامي هو كلامها؛ فانظروا إلى ما تقوله هي؛ لأنّني صرت منجذبًا إليها، وأرى الحقّ في وجودها؛ وهذا هو معنى الولاية! فالولاية تعني تسليم القلب، بنحوٍ يُسلب معه عن الإنسان اختيارُه وإرادته برمّتهما، ويحلّ محلّهما اختيار الله تعالى وإرادته.
تَرَكتُ لِلناسِ دُنياهُم وَدينَهُم | *** | شُغلاً بِحِبِّكَ يا ديني وَدُنيائي |
يُقال: إنّ حضرة سيّد الشهداء عليه السلام كان يُردّد حينما سقط على الأرض:
تركتُ الخلقَ طُرًّا في هَواكا | *** | وأيتَمتُ العِيالَ لِكَي أراكا |
ولَو قَطَّعتَني في الحُبِّ إربًا | *** | لَمَا حَنَّ الفُؤادُ إلى سِواكا۱ |
«سيّدي إليكَ رَغبَتي».
فكُن متأكّدًا بأنّه لا رغبة ولا توجّه ولا ميل لي نحو غيرك، كما أنّ رغبتي إليك ليست مقرونة بالرغبة إلى سواك، بحيث تكون رغبتي حينئذ إلى الطرفين معًا.
«وإلَيكَ رَهبَتي».
فأنا أخشاك أنت! لكن، ماذا عساي أن أخشى؟! هل أخشى أن تقتلني بخنجرك وسيفك؟ كلاّ! لأنّه:
... | *** | زیر شمشیر غمش رقصکنان باید رفت |
[أي: عليك أن تذهب راقصًا إلى تحت سيف غمّه]؛٢
فتلك هي السعادة! وهل عليّ أن أخشى جهنّم؟ كلاّ! ...
فأنا أخشى أن تُبعدني، ولا تأتي عندي؛ وأنا لا أخشى من أيّ شيء، بل أخشاك أنت وحسب؛ لأنّني أعلم أنّك قادر على ذلك؛ فإذا حرمتني، انتهى أمري.
«وإليكَ تَأميلي»؛ فقد قصرت أملي عليك.
«وقَد سَاقَني إليكَ أمَلي».
فمع أنّني صرت هائمًا على وجهي في الصحاري، إلاّ أنّ أملي فيك ساقني إليك، حيث يقول بابا طاهر في هذا الصدد:
غــم جانــان بیابــان پــرورم کــرد | *** | هـوای عشـق، بی بـال وپـرم کـرد٣ |
[يقول: جعلني غمُّ المعشوق حليفَ الصحراء، وصيّرني هوى العشق كطائر بلا ريشٍ ولا جناح].
ويقول حافظ أيضًا:
صبا به لطـف بگـو آن غـزال رعنـا را | *** | که سر به کوه و بیابان تو دادهای ما را٤ |
[يقول: قولي بلُطفٍ يا ريح الصَّبا لذاك الغزال الفاتن المختال، هَيَّمتَنا بين صحارٍ و قفارٍ وجبالٍ].
فهذا عين كلام الإمام السجّاد الذي أورده بهذا اللسان!
زیر شمشیر غمش رقصکنـان بایـد رفـت | *** | کآنکـه شـد کشـته او، نیکسـرانجام افتـاد |
غـــم عشـــقت بیابـــان پـــرورم کـــرد | *** | فراقـــت مـــرغ بی بـــال وپـــرم کـــرد |
بــه مــو واجــی صــبوری کــن صــبوری | *** | صــبوری طرفــه خاکی بــر ســرم کــرد |
«وقَد سَاقَني إليكَ أمَلي».
وقد سلبني هذا الأملُ النومَ والأكل، ونأى بي عن المجتمع، وأبعدني عن التفكير بالمصالح الشخصيّة، وحظر عليّ سمر الليالي، وحرمني ـ ولله الحمد ـ من حلوى الزلابية والبامية، وأمثال ذلك. فجميع الناس يلهثون وراء الأماني والأفكار والخيالات؛ وأمّا أنا، فقد تحقّقتُ بالإنسانيّة، وصرتُ حاسرَ الرأس، وحافي القدمين، ومسلوب العقل! حيث أوصلني الأمل الذي زُرع فيّ تجاهك إلى هذا المستوى.
ضرورة تخلّي السالك عن كلّ ما سوى الله تعالى دفعةً واحدةً
«وعَلَيكَ يا واحِدي عَكَفتُ هِمَّتي»؛ فيا واحدي، ويا إلهي المتفرّد، ويا من لا وجود لغيره، فهو واحدٌ، لقد أحللتُ همّتي بهذه العتبة.
فقد طرحتُ هنا كلّ همّتي وقدرتي وجميع ما أملكه من استطاعة، وأتيتُ إلى هذا الموضع بكلّ ما أتوفّر عليه من أموال؛ فأنت تعلم أنّني مسكين!
يُحكى أنّ سيّدًا [من أهل بيت النبيّ] أراد السفر لأداء الحجّ، وحينما وصل في وسط الطريق إلى بغداد، ذهب عند أحد العظماء، امتثالاً لأمر أستاذه الذي قال له: «في طريق سفرك، اذهب عند ذلك العظيم، والتق به»؛ وحينما التقى به ذلك العظيم، قال له: «أيّها السيّد، إلى أين تريد أن تذهب؟ هل تريد الذهاب للحجّ؟»، قال: «نعم»، قال له: «لقد كان لأبيك عليّ بن أبي طالب سيفان: سيف يضرب به نفسَه، وسيف يضرب به الناس».
هل تعلمون ماذا أراد أن يقول له ذلك العظيم؟ لقد تحدّث معه بالإشارة، وأراد أن يقول: ما هي غايتك من هذا الحجّ الذي تذهب إليه؟ هل ذهابك هو لأجل النزوات والتنزّه والشراء، أم لأجل الزيارة وفي سبيل الله تعالى؟ لقد كان لجدّك عليّ بن أبي طالب سيفان: سيف يضرب به نفسه على الدوام؛ أي أنّه كان يسعى دائمًا لمجاهدة نفسه؛ فما هو هدفك من هذا السفر؟ فهل تريد حقيقة الذهاب للزيارة، وترغب في زيارة الله تعالى؟
فتأمّلَ هذا السيّدُ، وتأمّل، ثمّ فتح كيس أمواله، ووضعه أمام ذلك العظيم، وقال: «لقد وصلتُ إلى مرادي، وزُرتُ الكعبة، وأدّيتُ الطواف»؛ ورجع قافلاً من هناك.۱
«وعَلَيكَ يا واحِدي عَكَفتُ هِمَّتي»؛ فقد قصرتُ همّتي على هذا الموضع، ولم أعُد أملك أيّة همّة أخرى غيرها.
وطرحتُ هنا كلّ ما أملكه من قدرة واستطاعة؛ وحينئذ، ما الذي سأملكه؟ لا شيء! فقد قدّمتُ كلّ شيء وبكلّ سرعة ويُسر!
يُحكى أنّ أحدهم جاء عند عظيم من العظماء، وقال له: «أريد الحصول على برنامج ودستور لكي أعمل به»؛ فقال له ذلك العظيم: «هل تُريد أن تعمل به؟»، قال: «نعم»؛ فقال له: «اذهب، وبِع كلّ ما تملك، وحوّله إلى نقود، ثمّ أحضره إلى هنا.. هذا وحسب!».
ولا يخفى أنّه ليس من السهل على الإنسان أن يبيع كلّ ممتلكاته دفعة واحدة، ويهبها بأجمعها؛ لأنّ لابنه وزوجته ورفيقه و... متطلبّات؛ وطبقًا للقول المشهور، فإنّ الإنسان قد يُصاب طيلة هذه الأيّام التي يعيشها في الدنيا بمرض أو ضُعف أو تعثّر؛ وبالتالي، عليه أن يدّخر [أمواله]، وأمثال ذلك؛ لكن، لم يكن لذلك الرجل هنا أيّ خيار؛ لأنّ أستاذه أمره بذلك.
فذهب، وباع كلّ ما يملك، وحوّله إلى دنانير ذهبيّةٍ وضعها في كيس، ثمّ أحضرها إلى ذلك العظيم الذي قال له بدوره: «حسنًا، اذهب، وألقها في نهر دجلة، وارجع عندي».
لقد تحمّل في سبيل هذه الأموال الكثير من المشاقّ، وأراد أن يهبها لذلك العظيم لكي يُطعم بها الفقراء، ويكسو بها المساكين، ويشتري بها معاطف جلديّة للفقراء، ويبني بها مسجدًا، ويفعل بها الخيرات، لكنّه يقول له: «ألقها في الماء»؛ أي: لا شيء!
حسنًا، فهذا أمرٌ، ولا يوجد خيار آخر! فذهب إلى نهر دجلة، وفتح كيس الأموال، وألقى دينارًا واحدًا، ثمّ ألقى ثانيةً دينارًا آخر؛ وفكّر قليلاً، ثمّ ألقى دينارًا آخر؛ وهكذا، إلى أن وصل إلى نهاية الكيس.
فقال له ذلك العظيم: «اذهب، اذهب! لا توجد فيك أيّة فائدة؛ فقد ألقيت الدنانير واحدًا، واحدًا.. اذهب! فأنت لا تليق بهذا الطريق بتاتًا؛ أ فهل ألقيتَ بالدنانير واحدًا واحدًا؟ فبأيّ شيء كنت تُفكّر؟!».۱
وهذا هو المراد من كلام الإمام حينما قال: «وعَلَيكَ يا واحِدي عَكَفتُ هِمَّتي؛ أو: عَكَفَت هِمَّتي».
«عَكَفتُ هِمَّتي»: تعني أنّني طرحتُ همّتي هنا؛ و«عَكَفَت هِمَّتي»: تعني أنّ همّتي اعتكفت وسكنت هنا، وأتت إلى هذا الموضع.
«وفيما عِندَكَ انبَسَطَت رَغبَتي».
فحالُ رغبتي حالُ بُرعمٍ لا يُمكنه الانفتاح أبدًا، إلاّ إذا هبّت عليه نفحةٌ من نسيم سَحَرك؛ فلأنّ هذه النفحة قد صدرت منك، فإنّ برعم أملي قد انفتح؛ هذا، مع أنّه حينما ينفتح البرعم، فإنّ لا ينفتح مرّتين؛ ولهذا السبب قلتُ في الليلة السابقة: لا يُمكن الرجوع من الفعليّة إلى القابليّة؛ مع أنّ هذا البُرعم في حالِ توجّهٍ نحو الفعليّة، حيث انبسط برعم وجودي بسبب رجائك، وانفتحت وردة وجودي ببركة نسيم رحمتك.
«ولَكَ خالِصُ رَجائي»؛ فرجائي وأملي الخالص الذي لم يَشُبه أيّ قلق أو دنس أو غشّ مختصّ بك أنت.
فنجد أنّ الأمّ تُنشِد لطفلها، وتقول: «يا أمل قلبي، يا رجاء نفسي، يا فلذة كبدي، يا حبيبي، يا روحي، يا أعزّ ما لديّ!»، وأمثال ذلك؛ وهذا هو عين كلام الإمام عليه السلام: «لَكَ خالِصُ رَجائي»؛ أي: أنت روحي، أنت عزيزي، أنت معشوقي، أنت رجائي، وأنت الأمل الذي لا ليس لي أمل آخر غيره!
«وخَوفي»؛ وخوفي هو لك وحدك فقط.
فكما أنّ رجائي مقتصر عليك، بحيث لا يكون لديّ أيّ أمل في سواك، فإنّ خوفي أيضًا هو منك أنت فقط؛ فلو أخذوا منّي كلّ العالم، لما خفت من ذلك أبدًا؛ لكن، إذا أخذوك منّي، فإنّ الخوف سينتابني!
«وبِكَ أنِسَت مَحَبَّتي».
فقد نَزَعَت إليكَ هذه العلاقةُ والجذبةُ المغناطيسيّة التي لقلبي! يا مَن هُوَ لِلقُلوبِ مِغناطيسُ۱!٢
«وإِليكَ ألقَيتُ بِيَدي»؛ فقد ألقيت حِملي وقلبي بيدي إليك، ووضعتهما في عهدتك.
وقد جئتُ إليك بيدي، وألقيتُ في عهدتك زمام وجودي برمّته، ووضعته بيدك، ولم أعُد أملك أيّ اختيار أو إرادة.
«وبِحَبلِ طاعَتِكَ مَدَدتُ رَهبَتي».
ويُراد من الرهبة الخوف، وتلك الأمور التي يلحظها الإنسان، ويتجنّب بسببها المعصية وكلّ ما يُخالف رضى المحبوب.
حياةُ الإنسان بذكر الله وطمأنينتُه بمناجاته تعالى
«يا مَولايَ، بِذِكرِكَ عاشَ قَلبي».
فحنما أذكرك، يحيى قلبي؛ وعندما لا أذكرك، يكون هذا القلب ميّتًا؛ ولهذا، فإنّ عمري يقتصر على الساعات التي أكون فيها ذاكرًا لك، فلا حياة لي بدونك؛ لأنّ الساعات التي يعيش فيها قلبي، ويجيى فيها إدراكي هي الساعات التي أذكرك فيها.
«الكَلُّ عِبارةٌ وأنتَ المعنى | *** | يا مَن هُوَ لِلقُلوبِ مِغناطيسُ» |
مَن آدمُ في الكونِ ومَن إبليسُ؟ | *** | مَن (ما) عرشُ سليمانَ؟ ومَن بِلقيسُ؟ |
الكُلُّ إشارةٌ وأنتَ المَعنى | *** | يا مَن هُوَ لِلقُلوبِ مِغناطيسُ». المحقّق |
بی عمر زنده ام من و این بس عجب مدار! | *** | روز فــراق را کــه نَهــد در شــمار عمــر۱ |
[يقول: إنّني أعيش من دون عُمرٍ، وهذا ليس بالأمر العجيب جدًّا؛ لأنّ زمان الفراق [عن المعشوق] لا يُحسب من العُمر].
يعني: حينما أكون في حالة فراق، ولا أتمتّع بوصلك، فإنّنا لا أكون حيًّا؛ ولهذا، إذا سألتني في ذلك الحين: كم عمّرتَ؟ فإنّني سأجيب: لا شيء، فقد عشتُ من دون عمر؛ لأنّني كنت في حالة فراق؛ وبالتالي، من الذي يكون في عمره حيًّا؟ هو الذي يكون في حالة وصال؛ ومن هنا، يقول الإمام عليه السلام: «بذكرك عاش قلبي».
«وبِمُناجاتِكَ بَرَّدتُ أَلَمَ الخَوفِ عَنّي»؛ فمتى ما أرادت نارُ الخوف الاستيلاءَ عليّ، برّدتُ نفسي بواسطة مناجاتك.
فحينما تُؤيسني عن ساحتك المقدّسة خواطرُ الإبعاد، والتي مفادها: «أبعدوه من هنا! لا تفتحوا له الطريق! لا تمنحوه شيئًا مقابل جهوده! أذيقوه الحرمان! أخرجوه من سلك أحبّائي، وأدخلوه في زمرة أعدائي! وأمثال ذلك»؛ وحينما يشرع أذى هواجس الخوف في الاستيلاء عليّ، فأسعى للتخفيف عن نفسي، وتبريد نار هذا الخوف، فإنّني أقوم بذلك عن طريق مناجاتك، فأجلس للحديث معك، حيث يُراد من المناجاة: الهمس والكلام بهدوء.
فبمجرّد بثّ الشكوى إليك، أحصل على السكينة والهدوء، ويطمئنّ قلبي؛ تمامًا مثل ماء بارد عذب أشربه، فيُصبّ على النار المستعرة في قلبي التي اشتعلت جرّاء الهواجس اللاذعة والحارقة والمؤذية الناشئة من الخوف.
نوع الذنوب التي يجبُ على الإنسان خشيتُها
«فَيَا مَولايَ ويا مُؤَمَّلي ويا مُنتهى سُؤلي، فَرِّق بَيني وبَين ذَنبي المانِعِ لي مِن لُزومِ طاعَتِكَ»؛ يا إلهي، ويا سيّدي، ويا موضع أملي، ويا منتهى قصدي، ويا أقصى غايتي، وغاية رغبتي وطلبي (فهذا الطلب الذي أملكه ينتهي عند مقام معيّن، وأنت هو منتهاه؛ فليس من شأن أيّ شي آخر أن يقع مطلوبًا لطلبي الذي أسعى إليه في هذا الطريق)، أسألك أن تُفرّق بيني، وبين الذنوب التي تحجزني عن ملازمة عتبتك وطاعتك.
فأنا أحمل الكثير من الذنوب؛ لكنّني لا أخاف من المعاصي التي لا تُفرّق بيني وبينك، ولا تتسبّب في صدور خطاب الإبعاد من ساحتك المقدّسة، ونزول كلمة اللعن والطرد عليّ، بل أخاف من المعاصي التي تُقصيني عن بيتك، وتفصلني عن طاعتك (ويُراد من اللزوم الالتصاق؛ فلزم أي التصق؛ والملازم يعني الملتصق والراسخ)، وفأضحى بعيدًا عن هذه الطاعة.
«اللهُمَّ اغفِر لِيَ الذُّنوبَ التي تَهتِكُ العِصَمَ».۱
فما دام ستار العصمة موجودًا، يكون الإنسان في مقام العبوديّة؛ لكن، حينما يُخرق ويُهتك هذا الستار، فإنّ خطاب الإبعاد سيُوجّه إلى ذلك الإنسان.
«اللهُمَّ اغفِر لِيَ الذُّنوبَ التي تَحبِسُ الدُّعاءَ».٢
ومتى ما حُبس الدعاء، لم يُستجب للإنسان مهما دعا، فيطرأ عليه حال الوَهن والتراخي والكدورة، ويُسلب منه حال المناجاة.
إلهي، أسألك أن تُفرّق بيني وبين هذه الذنوب، وتُبعد عنّي كافّة المعاصي؛ لأنّها تُقصيني بأجمعها عن طاعتك؛ لكن، توجد بعض الذنوب الخاصّة التي تمتلك آثارًا سيّئة للغاية وقويّة؛ نظير: جرح قلب المؤمن، وإيذاء الوالدين، وكسر قلب الفقراء والمساكين، وكذلك القلوب المجروحة، وقلوب المرضى، وقلوب الذين لا ملجأ ولا مأوى لديهم؛ وعلى العكس من ذلك، فإنّ كسب قلوب هؤلاء يُساهم في فتح الطريق أمام الإنسان؛ فإلحاق الأذى بهؤلاء يؤدّي لطروّ حالة الانقباض على الإنسان؛ وعلى العكس من ذلك، فإنّ رعايتهم وإبداء السرور والحبّ تجاههم يجلب له حالة الانبساط.
إلهي، فرّق بيني وبين الذنوب التي تُبعدني وتحجزني عن لزوم طاعتك.
علّة طمع الإنسان الكبير في رحمةِ الله تعالى وَجُودِه
«فَإِنَّما أسأَلُكَ لِقَديمِ الرَّجاءِ فيكَ، وعَظيمِ الطَّمَعِ مِنكَ»؛ فأنا أسألك لأنّ رجائي فيك ليس أمرًا جديدًا، بل إنّني أرجوك منذ القديم؛ كما أنّني أسألك لأنّ طمعي فيك كان عظيمًا منذ البداية.
فطمعي فيك لم يكن ضئيلاً أو يسيرًا؛ لأنّني لم أكُن أنظر في ذلك الحين إلى ضآلتي، لكي أسألك شيئًا قليلاً! إذ ما عساي أن أكون في الأساس؟! فإذا أردتُ أن أنظر إلى نفسي، فإنّني كلّما دقّقت النظر، رأيتُ بأنّني أصغُر، وأصغُر، وهكذا، إلى متى؟ كأن أكون في البداية ـ مثلاً ـ إنسانًا طوله متر واحد؛ ثمّ ما إن أنظر إلى نفسي، حتّى أرى بأنّ طولي يتقلّص باستمرار، إلى أن يصل إلى نصف متر، ثمّ يتقلّص ويتقلّص، إلى أن يبلغ سنتمترًا واحدًا، ثمّ ميلمترًا واحدًا، ثمّ نقطة واحدة، ثمّ لا شيء! ولهذا، لا يُمكنني النظر بتاتًا إلى نفسي، بل إنّني أنظر إلى عظمتك، حيث إنّ طمعي فيك عظيم!
«الذي أوجَبتَهُ عَلى نَفسِكَ مِنَ الرَّأفَةِ والرَّحمَةِ» (لقديم الرجاء فيك وعظيم الطمع منك).
فانطلاقًا من قديم الرجاء فيك وعظيم الطمع منك، أوجبتَ على نفسك الرحمة والرأفة، بل إنّ وجودك ـ في الأساس ـ منبعٌ لترشّح الرحمة، بحيث تصدر هذه الرحمة من ذاتك بذلك النحو مثل الشمس! أ فهل يُمكننا تصوّر الشمس من دون نور؟! فالشمس المفتقرة إلى النور ليست شمسًا، بل مجرّد كوكب أسود جامد؛ وأمّا الشمس التي تكون بهذه الوضعيّة وتتوفّر على هذه الخاصيّة، فإنّ الإشعاع والتدفّق يكون لازمًا لوجودها، حيث يشعّ نورها في طبقات السماوات بمقدار ما تصل إليه أشعّتها، لتُبدّل الظلمات بأسرها إلى نور، وتُحدث تغييرًا في جميع الذرّات. ولهذا، كم يكون الجوّ صافيًا، واستنشاق الهواء مُريحًا بالنسبة للإنسان في فترة ما بين الطلوعين، وحينما تبدأ الشمس في الطلوع؛ وذلك بسبب انتشار الموادّ الواهبة للحياة في الجوّ عن طريق هذه الشمس! وهذا خلافًا للفترة التي تبدأ فيها الشمس في الغروب، ويأخذ نورها في الانكفاء؛ وذلك لأنّها تأخذ معها مقدارًا من تلك الموادّ الواهبة للحياة. ومن هنا، إذا أراد الإنسان المطالعة أثناء الغروب، فإنّ ذلك سيُشكّل خطرًا عليه؛ خلافًا لوقت ما بين الطلوعين؛ إذ تُستحسن المطالعة والدراسة في الفترة القريبة من الصبح،۱ ولا يحسُن ذلك عند الغروب، حيث إنّ الذين جرّبوا هذا الأمر، ودرسوا في هذه الفترة، ابتلوا في آخر حياتهم بالعمى؛ كما أنّ هناك رواية منقولة عن الرسول الأكرم جاء فيها [ما مفاده]:
«من أَحَبَّ كَريمَتاهُ، لَم يَكتُب بَعدَ العصرِ»؛٢
فإذا كانت الشمس [المادّية] بهذا النحو، فكيف ستكون شمس وجود الله تعالى؟! أ فهل سيكون بالمقدور حجب نوره، والوقوف في وجه رحمته؟!
«اللهُمَّ إِنّي أَسأَلُكَ بِرَحمَتِكَ التي وَسِعَت كُلَّ شيءٍ»!٣
يقول الإمام عليه السلام: لقد أوجبتَ ـ في الأساس ـ على نفسك الرأفةَ والرحمة، وألزمتَ ذاتك بهما! إذ من آثارك الوجوديّة أن تبلغ هذه الرحمة كافّة الموجودات، بحيث يكون الوجود الذي نمتلكه قائمًا تحت ظلّ رحمتك، والتي لولاها، لما وُجدنا، ولما تحقّق أصل كينونتنا!
توحيد الله تعالى بين الوحدة العدديّة والوحدة بالصرافة
«فَالأَمرُ لَكَ وَحدَكَ لا شَريكَ لَكَ».
فعبارة «لا شَريكَ لَكَ» تُبيّن مسألة الوحدة.
ففي السنة التي فتح فيها الرسولُ الأكرم مكّة، أمسك بباب الكعبة، وحرّكها، ثمّ رفع صوته، وقال: «لا إِلَهَ إلاّ الله، وَحدَهُ، وَحدَهُ، وَحدَهُ، أَنجَزَ وَعدَهُ ... إلخ»؛۱ فأيّة وحدة هذه؟ وما هو نوع الوحدة التي يتحدّث عنها القرآن الكريم؟ إنّها الوحدة بالصرافة؛ أي الوحدة التي لا يُمكن أن يُفرض معها الاثنان.
توجد في نهج البلاغة مجموعة من الخُطب التي تحدّث فيها أمير المؤمنين عليه السلام عن التوحيد؛ وهي ـ بحقّ ـ خُطب عجيبة جدًّا! ومن ضمنها، الخطبة الواردة في أوّل هذا الكتاب، حيث جاء فيها:
«الحَمدُ لِلهِ الذي لَيسَ لِصِفَتِهِ حَدٌّ مَحدودٌ ولا نَعتٌ موجودٌ ولا أَجَلٌ مَمدودٌ».٢
وهي خطبة عجيبة جدًّا تدور حول التوحيد؛ كما أنّ هناك خطب أخرى تتحدّث أيضًا عن وحدة الله بالصرافة؛ أي أنّ وجوده تعالى واحد بالصرافة؛ بمعنى أنّه واحد لا يُمكن أن يُفرض معه الاثنان؛ وهذا يعني أنّ وجوده واسع جدًّا إلى درجة أنّه لا توجد ذرّة في هذا العالم، إلاّ والذات الإلهيّة المقدّسة وصفاتها موجودة معها وغير منفصلة عنها؛ أي أنّ الموجودات بأسرها مندكّة في وجوده عزّ وجلّ.
فأمير المؤمنين هو الذي صرّح بهذه الخطب، من دون أن يتمكّن أيّ أحد من استيعاب كلامه؛ إلى درجة أنّ فيلسوق الشرق وفخر بلاد المشرق أبو علي ابن سينا كان يعتقد بأنّ وحدة الله تعالى هي وحدة عدديّة، ولم يستطع بتاتًا إدراك حقيقة الوحدة بالصرافة.٣ فهذا هو كتاب الإشارات! وهذا هو كتاب الشفاء! فلم يُعلم معنى الوحدة بالصرافة، إلاّ بعد مرور ألف سنة من زمان أمير المؤمنين، وكذلك الشأن بالنسبة لمعنى أنّ الله تعالى واحد من دون أن يُفرض في مقابله الاثنان، ومعنى «واحدٌ لا بِعَدَدٍ قائمٌ لا بِعَمَدٍ».٤
فكان الناس يقرؤون سابقًا: «واحدٌ لا بِعَدَدٍ قائمٌ لا بِعَمَدٍ»، ويُفسّرونها بهذا النحو: «الله قائم، ولم تُوضع أعمدة تحت أقدامه»، ظانّين أنّ شأن العليّ الأعلى شأن الكواكب السماويّة التي لا توجد تحتها أعمدة!
فهو تعالى واحد، لكن ليس بالوحدة العدديّة؛ وبعدما تَبيّنَ معنى الوحدة بالصرافة بعد مرور ألف سنة على قراءة أمير المؤمنين لهذا الخطبة، تمّت الإجابة عن إشكالات المادّيين برمّتها، وكذلك عن شبهة ابن كمّونة وأمثالها.
فقد طرح ابن كمّونة شبهة مفادها: «ما هو الإشكال في أن يكون لدينا إله آخر واجب للوجود مثل الله، وتكون صفاته غير متناهية أيضًا، وجميع شؤونه تُشبهه تعالى؛ ويقوم الله تعالى بهداية هذا العالم، وذلك الإله بهداية عالم آخر؟»؛۱ ولم يتمكّن أكابر العلماء من الردّ على هذه الشبهة!
وهذا الآغا حسين الخوانساري الذي كان من كبار المجتهدين والفقهاء ـ وهو والد الآغا جمال الخوانساري الذي كان بدوره من العظماء، وله حاشية على شرح اللمعة، كما شرح كتاب الغرر والدرر المفهرس من كلام أمير المؤمنين عليه السلام، وكان باختصار من الرجال الذين يُعوّل عليهم في العلوم ـ لم يتمكّن من الردّ على شبهة ابن كمّونة، وقال (ما مفاده): «إذا أردنا الجواب عن طريق الوحدة بالصرافة، فإنّنا سنسقط في محذور وحدة الوجود، من دون القدرة على التملّص منه؛ ولهذا، علينا القول إجمالاً: "هكذا وصلنا عن الأئمّة، ونحن نقبل به تقليدًا"؛ فنقول: "الله واحد"، ثمّ نمرّ!».٢
لكن، ما معنى هذا الكلام؟ يعني أنّ أعظم مسألة توحيديّة قد بُنيت على أساس مسألة التقليد!! وما معنى: «هكذا قالوا، ونحن نقبل به»؟! فهل هذه المسألة من فروع الدين؟ إنّ هذه المسألة من أصول الدين! أي: مسألة معرفة الذات الإلهيّة بالوحدانيّة.
وعليه، ستكون كافّة هذه الاعتقادات مُنضويةً تحت التقليد؛ وعلينا حينئذ أن نقرأ الفاتحة!!
فحينما يقول الإمام هنا: «فَالأَمرُ لَكَ وَحدَكَ»، فإنّ كلّ كلامه يكون عن الوحدة. فماذا نقرأ في التشهّد؟ نقرأ: «لا إلهَ إلاّ الله وحدَهُ»، وهو تعبير عن الوحدة؛ ثمّ نقرأ: «لا شريكَ له»، وهو تفسير لها؛ ولهذا، لا يحسُن بالإنسان أن يُفرّق بين هاتين العبارتين، ويقول: «لا إله إلاّ الله وَحدَهُ»، ثمّ يقول بعد ذلك: «لا شريكَ له»؛ إذ لا ينبغي عليه التفريق بين التفسير والمفسَّر، بل عليه أن يقول دفعةً واحدة: «لا إله إلاّ الله وَحدَهُ لا شريكَ له»، ثمّ يتوقّف في الأخير، ليتبيّن معنى «وَحدَهُ».
والمراد من ذلك أنّ لله تعالى وحدة لا يُمكن أن يُفرض ويُتعقّل معها الاثنان، حيث جاءت هذه الوحدة، وجاءت، إلى أن استوعبت الموجودات بأسرها؛ فليس هناك أيّ موجود، إلاّ وهذه الوحدة الإلهيّة حاكمة عليه.
«فَالأَمرُ لَكَ وَحدَكَ لا شَريكَ لَكَ»: ففي أيّ عالم يُمكننا العثور على شريك لك؟! فحتّى الذبابة لا تستطيع ـ بحسب ما تملكه من وجود ـ أن تُواجه حكمتك وسلطانك؛ إذ إنّ جميع أفعالها وأعمالها وخواطرها وحركاتها تتّبع المسار الذي عيّنته لها أنت بنفسك.. ﴿مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلَّا هُوَ ءَاخِذٌ بِنَاصِيَتِهَآۚ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَٰطٍ مُّسۡتَقِيمٍ﴾.۱
ما هو الرجاء الذي يطلب الإنسانُ من الله تعالى تحقيقَه؟
«والخَلقُ كُلُّهم عِيالُكَ».
فكم لله تعالى من عيال؟ حيث يُقصد من العيال: الذين تُعيلهم أنت، وتقع نفقتهم على عاتقك، وليس المراد منهم خصوص الزوجة؛ ولهذا، فإنّ خادم الإنسان وخادمته وتلامذته وسائقه والعمّال الذين يشتغلون في مصنعه ويحصلون على أرزاقهم منه يصيرون كلّهم عياله؛ وحينئذ، كم سيكون لله تعالى من عيال؟ بِعَددِ عالَمِ الخلق، وليس فقط الإنسان، حيث إنّ هذه المخلوقات تشمل الإنسان، والأسماك في البحر، والطيور في السماء، والأتربة، والجبال، والشلاّلات، والأشجار، والنسائم، والمجرّات، والنجوم، وكلّ ما يُمكن للعين أن تراه؛ مع أنّ ما ذكرناه لا يشمل سوى عالم الطبع؛ وإلاّ، فعليكم الذهاب حتّى إلى عالم البرزخ، وعالم الملكوت، وملائكة الغيب والشهادة؛ فهي مخلوقات بأسرها!
إلهي، إنّ هؤلاء بأجمعهم مخلوقاتك، وأنت الذي تمنحهم أرزاقهم؛ فهبني أنا أيضًا رزقًا يسيرًا! وما هو هذا الرزق اليسير؟ ألاّ تجعلَني من المحرومين! فأنا لديّ رجاء يتمثّل في الاستعداد الذي أتوفّر عليه؛ فامنحه رزقه، وإلاّ، إذا لم تمنحه هذا الرزق، فإنّنا سنبقى من دون قابليّة واستعداد. فإذا كنّا نمدحك كلّ هذا المدح بأنّك لا شريكَ لَكَ، وأنّك إله، وأمثال ذلك، فلكي نجني ثمرة من ذلك؛ وإلاّ، لما جئنا، وضيّعنا أوقاتنا من دون فائدة؛ كلاّ! وخلاصة القول: لقد تخلّينا عن أفعالنا وشؤوننا المعيشيّة بنحو مطلق، وجئنا لكي نمدحك ونُثني عليك؛ مع أنّ ذلك ليس بسبب أنّنا لم نستطع القيام بفعل آخر ـ نظير زوجة سعدي التي لزِمت بيتَها لعدم توفّرها على عباءة ـ ، بل إنّنا نستطيع القيام بكلّ شيء؛ غاية الأمر أنّنا حسبنا المسألة بشكل جيّد، وتوصّلنا إلى أنّه لا بدّ من المجيء إلى هنا؛ فجئنا عندك، وسألناك أن تقضي لنا حاجتنا!
إلهي، إنّ شهر رمضان على مشارف الانقضاء، وما زال مقدار النصف من دعاء أبي حمزة لم ينته بعدُ، ولا نعلم هل سنتمكّن من إنهائه أم لا؛ لكنّنا نسألك بعظمتك وكرمك ورحمتك وعطفك وجميع الصفات التي اعترفنا بأنّها موجودة لديك أن تقضي حاجتنا، ولا تنظر إلينا؛ لأنّنا لا نمتلك أيّة أهليّة! وإذا كنتَ تتوقّع منّا هذه الأهليّة، فإنّنا نقول لك: «عليك أن تيأس منّا!»؛ فنحن عرفناك بهذا النحو: أنّ جودك واسع، ولدينا أمل في هذا الجود؛ فهب لنا حاجتنا! نرجو من العلي الأعلى أن يقضي لنا ـ إن شاء تعالى ـ حوائجنا!
لقد تقدّم الإمام السجّاد عليه السلام إلى الأمام حاملاً اللواء بيده، ونحن ـ المساكين ـ نقتفي أثره؛ غاية الأمر أنّ ما يقوله هو إنّما يقوله واقعًا وحقيقةً؛ في حين أنّ كلّ ما نقوله نحن مجازٌ! ولا ضير في ذلك؛ إذ ما عسانا أن نفعل؟! فهذا هو الفارق بين الإمام والمأموم؛ وإلاّ، لو تحدّثنا بنفس الطريقة التي يستطيع الإمامُ الحديثَ بها، لكانت أمورنا جيّدة جدًّا! فنحن نقول ذلك كذبًا، ونرجو إن شاء الله تعالى أن يحصل من هذا الكذب شيء ما بطريقة أو بأخرى!
ندعو الله أن يقضي حوائجنا ـ إن شاء تعالى ـ ببركة الإمام عليه السلام، ولا يُعاملنا بسيّئاتنا.
اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد.