المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني
القسمالمرأة والأسرة
المجموعةالمرأة والأسرة - طهران
التاريخ 1419/08/16
التوضيح
ما الذي سيفعله إمام الزمان عليه السلام؟ ألا يمكن تحقيقه قبل زمان ظهوره الشريف؟ أم لا بدّ من ظهوره لتحقيق هذا الهدف؟ ماذا سنجني من الاهتمام فقط بالمعرفة الظاهريّة للإمام عليه السلام ؟
وما هي نظرة الأولياء حول معرفة الإمام عليه السلام؟ وما مدى انعكاس المعرفة الباطنيّة للإمام عليه السلام على تكامل السالك؟
تسعى هذه المحاضرة إلى الإجابة على هذين السؤالين من خلال شرح حديث الصادق عليه السلام :إِذَا قَامَ قَائِمُنَا وَضَعَ اللَه یدَهُ عَلَی رُؤوسِ الْعِبَادِ فَجَمَعَ بِهَا عُقُولَهُمْ وَ كَمَلَتْ بِهِ أَحْلَامُهُم
هو العليم
أهميّة الالتفات إلى حقيقة الإمام الباطنيّة
المرأة والأسرة – طهران - الجلسة الثانیة
محاضرة القاها
آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهراني
قدس الله سرّه
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربَّ العالمين
والصلاة والسلام على سيِّدنا ونَبيِّنا
وحبيب قلوبنا وطبيب نفوسنا أبي القاسم محمّد
الّلهمّ صلِّ على محمّدٍ وآلِ محمّد
وعلى آله الطيبين الطاهرين
واللّعنة على أعدائِهم أجمعين
أعتذر عن وصولي متأخرًا للّقاء الأعزّة والأحبّة، إذ أنَّ وضعي الصحّي لم يكن مساعدًا، ولكنّي رأيت بأنّي إن أخرّت قدومي، فقد لا أوفّق للقاء الأصدقاء، وسأكون قد أخلفت بالوعد.
هذه الليلة هي ليلة ولادة إمام الزمان عليه السلام، وهي ليلة تحقّق مظهر العدل التام، وإجراء الحقّ والعدل.
هناك رواية منقولة عن النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله، ويبدو أنَّها عن الإمام الصادق عليه السلام، ولها رواية شبيهة عن النبيّ الأكرم، قال الإمام: «إِذَا قَامَ قَائِمُنَا وَضَعَ اللَه یدَهُ عَلَی رُؤوسِ الْعِبَادِ فَجَمَعَ بِهَا عُقُولَهُمْ وَ كَمَلَتْ بِهِ أَحْلَامُهُم»۱؛ أي إنَّه عند ظهور إمام الزمان بقيّة الله أرواحنا فداه، سيضع الله يده على رؤوس جميع الناس، فيكتمل إيمانهم بواسطة ظهور الإمام وتكتمل عقولهم.
ما الذي سيفعله إمام الزمان عليه السلام؟
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: ما الذي سيفعله إمام الزمان عليه السلام؟ كما وأنّ هناك سؤالاً آخر وهو: ألا يمكن تحقيق هذا الأمر في غير زمان ظهوره الشريف؟ أم لا بدّ من ظهوره لتحقيق هذا الهدف؟ أي: هل إنّ إجراء العدالة بحاجة إلى الفرج الظاهري للإمام؟ أم أنّ هذا الأمر سيكون ممكنًا أيضاً وميّسرًا للناس في أيّ زمانٍ غير زمان ظهور الإمام؟ وبعبارة أخرى: هل علينا أن ننتظر ظهور الإمام فقط، ولا يمكننا أن نقوم بأيّ عمل آخر، بل يجب أن تتسمّر أعيننا بانتظار ظهور الإمام؟ أم أنَّ الأمر يمكن أن يتحقّق بطريقة أخرى؟!
نماذج من انشغال أهل الظاهر بالرؤية الظاهريّة للإمام عليه السلام وتركهم السعي لإدراك حقيقته الباطنة
زرت في أحد الأيام وبمعيّة عدد من رفقاء الطريق والأصدقاء أحد العلماء الكبار؛ كان هذا الرجل طوال المدّة التي قضيناها عنده والتي دامت لما يقارب الساعة والنصف يتكلّم طوال هذه المدّة عن ظهور الإمام وزمانه وآثار ذلك الظهور وعلاماته، وكيف أنَّ فلانًا من الناس قد رأى منامًا أُخبر فيه عن ظهور الإمام في هذا التأريخ؟ وأنّ فلانًا قد رأى الإمام في مكاشفة وهو يكتب له عددًا. ثمّ قال الرجل: عندما كنت في مدينة كذا في سنة كذا، توصّلت وعن طريق بعض الحسابات التي أجريتها والأعمال التي قمت بها إلى أنَّ الإمام سيظهر في عام ۱٤۱٦ للهجرة، أي قبل هاتين السنتين الماضيتين. إنَّ الوقت الذي كنت قد زرته فيه كان قبل سبع أو ثمان سنوات، وقد مضى كلّ الوقت حينها في الحديث عن هذا الموضوع.
سألته فقلت له: هناك عدة أسئلة تطرح نفسها وهي:
أولًا: فيما يتعلّق بالكلام الذي تكلّمت فيه عن موضوع ظهور الإمام وقلت فيه: إنَّ الإمام سيظهر في العام كذا، وقلت بأنَّ فلانًا قد رأى منامًا، وفلانًا رأى مكاشفةً وأمثال ذلك، فهذا الأمر إمّا أن يكون صحيحًا أو خطأً، فإن كان خطأً، فلماذا تقوله للناس؟! ولماذا تُوقع الناس في الخطأ؟! فهذا الأمر يحتمل الخطأ والبطلان؛ وكما رأيتم الآن كان أمرًا باطلاً؛ فقد كان قال لنا بأنَّ الإمام سيظهر في عام ۱٤۱٦هـ، وها نحن نعيش في عام ۱٤۱۸ هـ ولم يحصل أيّ شيء لحدّ الآن، فيُعلم من هذا بطلان ذلك الأمر. كما كنت قد قلت له: إن كان الأمر خطأً، فلماذا تطرحه؟! وإن كان صحيحًا، فلماذا لم نسمع من الأئمة مثل ذلك؟ وما هي المصلحة المترتبة على عدم إخبار الإمام عليه السلام الناس بأنَّ الإمام سيظهر في سنة ألف وأربعمائة وكذا. علما بأنَّ ما كانوا يطرحونه عليهم السلام كان يحمل معنى عامّا، ولم يُحدّدوا تأريخًا خاصًّا له؟ قلت له: هذا أولاً.وأمّا السؤال الثاني فهو: لو افترضنا صحّة هذا الأمر، فسيكون الأمر مفيدًا ونافعًا لأحدهم إن أدرك زمان الظهور، أمّا لو ارتحل عن الدنيا قبل ظهور الإمام، فما الذي سيستفيده من هذا الظهور؟! ماذا؟!، وما الذي سينتفع به منه؟! فلنفرض أنَّ إمام الزمان عليه السلام سيظهر بعد شهرين، وأنا أعلم بأنَّني سأموت بعد أسبوع من الآن، فما الذي يعنيني من هذا الأمر؟! وأيّة مشكلة من مشاكلي سيُعالج، وأية فائدة ستعود على وصولي للكمال من هذا الظهور الذي سيحصل بعد شهرين؟ إن كان الظهور يفيدني في مثل هذه الحالة، فسيفيد من كان قد ارتحل عن الدنيا قبل ألف سنة أيضاً، وهذا هو عين معنى الولاية الغيبيّة التي لا فرق فيها بين الظاهر و الباطن، حيث تكون كافّة مقدّرات الأمور بيده عليه السلام. فبناءً على هذا، فما الذي سننتفع به من قضاء وقتنا في الكلام عن الوقت الذي سيظهر فيه الإمام عليه السلام؟ وعمّا يحصل في زمان ظهوره؟! وما شابه ذلك من أمور. كم كان في سابق الأيام مَنْ كان يدّعي اللقاء بإمام الزمان عليه السلام في هذا العالم؟! وكانوا ينقلون حكايات للناس، ويبيّنون الآثار والعلامات، وها هم الآن نائمون في أعماق الثرى؟ إنَّ كلّ ذلك يعني أنّ كلامهم كان باطلًا بأكمله!
لقد سمعت بنفسي من البعض الذين كانوا يعيّنون زمان الظهور بضرس قاطع وكانوا يذكرون أسماء الذين سيدركون زمان الظهور، وها قد توفّوا قبل سنتين، حتّى أنَّ أحدهم كان قد جاء إلى والدي في إحدى الليالي، إنَّ هذه الحكاية التي أذكرها لكم الآن تعود إلى ما قبل عشرين عامًا، فقال لوالدي: أريد أن أبشّرك بشيء، فقال له: حسنًا، ثمّ قال لوالدي: سأبشّرك بأمر، ولكن يجب أن تعطيني هدية على هذه البشارة، فضحك المرحوم الوالد وقال: هات بشارتك أولًا، وستصلك الهديّة إن شاء الله. كان هذا الرجل من أولئك المهتمّين بالعلوم العجيبة والغريبة، وله بعض الاطّلاع عليها. قال الرجل: حسبت في علم الأعداد والجفر وأمثاله، فوجدتك أحد الثلاثمائة والثلاثة عشر الذين سيكونون في ركاب إمام الزمان.
لقد ارتحل والدي قبل ثلاث سنوات. على أنَّه لم يفنّد كلامه في حينها، بل كان يضحك ويمازحه، فكان يقول: أتمنّى أن يقبلوني، وأمثال هذه العبارات التي لا تحمل في طيّاتها لا رفضاً ولا قبولاً، ولكنّ الكلام في هذا وهو: إنَّ أبي لم يجلس ينتظر وقت ظهور إمام الزمان، بل قام بما يجب عليه القيام به في وقته، أمّا ذاك المسكين، فقد أمضى وقته في الانتظار، وفي إقامة المجالس وجمع الناس والتحدّث إليهم عن الوقت الذي سيظهر فيه الإمام، وما الذي سيفعله حينها، فعمل على إشغال الناس بمثل هذا الكلام، ثمّ وبعد أن لم يحصل ما كان قد وعدهم به، نراه لجأ إلى القول بحصول البداء. إنَّ هذا ليس بالتصرّف الصحيح؛ فليس من الصحيح أن يتمّ إشغال الناس بمثل هذه الأمور. لماذا لا يطرح المرء أمورًا حقيقيّة؟ ولماذا لا يطرح عليهم حقيقة من الحقائق؟ ولماذا لا يطرح عليهم ما ينفعهم وينفعه هو، وما يساعد على علاجهم؟!
إن وفّقنا الله بأن تتنوّر أبصارنا بالجمال المنير لإمام الزمان عليه السلام، تلك الرؤية التي لا تعادلها الدنيا والآخرة فبها ونعمت، وإن لم يحصل مثل هكذا توفيق، فهل يجب علينا أن نضع إحدى يدينا فوق الأخرى، ونبقى عاطلين باطلين حتّى يظهر إمام الزمان عليه السلام؟ فلعلّ إرادة الله لم تتعلّق برؤيتنا له.
رأي السيّد الحدّاد قده في الرؤية الظاهريّةلإمام الزمان عليه السلام
في أحد الأيّام كنت بمعيّة المرحوم السيّد الحدّاد، وذلك عندما كنت أبلغ من العمر سبعة عشر سنة، وقد حصل هذا الأمر قبل خمسة وعشرين عامًا، فجلست معه لمدّة ساعة. كان ذلك في كربلاء في نفس تلك الزيارة التي أشار إليها المرحوم العلاّمة في كتاب الروح المجرّد. كان المرحوم العلاّمة وأخي قد خرجا من المنزل باتجاه حرم سيّد الشهداء لأداء الزيارة، وكان من المقرّر أن نلتحق بهما أنا والسيّد الحدّاد رحمه الله بعد أن يتحدّث إليَّ لمدّة ساعة من الزمان. فتكلّم معي، وكنت أسأله ويجيبني، ثمّ التفتُّ إليه وسألته: هل الرؤية الظاهرية للإمام عليه السلام ضروريّة للسالك من الناحية السلوكيّة؟ فضحك وقال لي: إنَّ هدف السالك وغايته يجب أن تكون معرفة الإمام عليه السلام، والوصول إلى باطنه؛ فهدف السالك يختلف عن أهداف بقيّة الناس.
لاحظوا الآن لتروا كيف قاموا بتزيين الشوارع والمواكب، وهم ينشدون الأشعار فرحين ويقومون بتوزيع الحلوى؟ إنَّ كلّ ما يقومون به هو صحيح، وهو مما يجب أن يحصل، فلا بدَّ من انتشار مظاهر الفرح، ولا بدَّ من الاحتفال. إنَّ إحياء شعائر الدين هو أمر واجب، ويجب أن يُقام في الحكومة الإسلاميّة وفي الدولة الإسلاميّة، الأمر الذي نتهاون به نحن المسلمون والشيعة على وجه الخصوص.
التهاون بإحياء شعائرالإسلام في لبنان بالمقارنة بأعياد النصارى
أثناء زيارتي في العام الماضي إلى لبنان خرجت مع بعض الأصدقاء في إحدى الليالي، فرأينا بأنَّ المدينة مزدحمة جدًا، وكانوا يطلقون الألعاب الناريّة؛ كان منظرًا عجيبًا حقًا، فسألتهم : ما هي المناسبة؟ قالوا: يصادف هذه الليلة أحد الأعياد المسيحيّة، ولم تكن تلك الليلة هي ليلة الميلاد، بل كانت ليلة أحد أعياد المسيحيّين، فكانوا يوقفون السيّارات، ويقدّمون الحلوى وبإلحاح، ويظهرون التودّد. وبعد عدّة أيّام حلّ يوم السابع عشر من شهر ربيع الأول، الذي هو يوم ميلاد النبيّ الأكرم؛ فلم أشاهد حتى مصباح زينة واحداً تمّ تعليقه في مدينة بيروت بهذه المناسبة، هذا مع كون ثلثي سكّان المدينة، بل ثلاثة أرباعهم من المسلمين سواءً السنّة منهم أو الشيعة. لاحظوا أهمّية هذا الأمر؛ ففي تلك الناحية من مدينة بيروت والتي كان سكّانها من الشيعة ـ حيث كانت البناية التي كنَّا نستقرّ فيها ـ وفي ليلة ميلاد النبي، لم أرَ سوى شخص واحد يقف على الرصيف وهو يحمل وعاءً فيه حلوى، وكان يعرض الحلوى على السيّارات المارّة؛ فكانت سيّارة تقف لتأخذ منه، بينما تعبر عنه أخرى. أتلاحظون؟! لا بدَّ وأن يدفعوا ثمن ذلك في يومٍ من الأيّام.
إنَّ تعظيم شعائر الدين هو من أهمّ الواجبات، وعلينا أن نُربّي أبناءنا وأطفالنا على هذه الثقافة. أتدرون ما الذي كان يفعله معاوية؟ كان يُرسل العسل إلى منزل هذا وذاك، ويوصيهم بأن يقولوا لهم بأنَّ معاوية هو الذي أرسل ذلك، كما وكان يُرسل لهم الطعام. ما الذي يمكن للطفل أن يُدركه؟ إنَّه يتعلّق بمن يُحسن إليه. وهكذا يكون الأمر مع الكبير.
ما هي وظيفة الحكومة الإسلاميّة تجاه شعائر الدين
يجب على الحكومة والدولة الإسلاميّة أن تبذل قصارى جهدها بالنسبة إلى إحياء الشعائر الدينيّة والمناسبات المتعلّقة بأئمة الهدى صلوات الله عليهم أجمعين، وبالخصوص فيما يتعلّق بإمام الزمان عجّل الله تعالى فرجه الشريف. إنَّ كلّ ما لدينا هو من الأئمّة، وهو من إمام الزمان عليه السلام، ويجب أن يكون التأسّي بإمام الزمان عليه السلام على رأس الشعائر، ويكون الآخرون منطوين تحت اسمه. ويجب أن يكون موضوع متابعة الأئمّة عليهم السلام على رأس الشعائر، أمّا بقيّة الأشياء، فيجب أن تكون منضويةً تحت لوائهم. من أكون أنا؟ ومن يكون أمثالي؟ إنَّني وأمثالي نقتات على فتات الموائد التي يُنعم علينا بها الأئمّة المعصومون عليهم السلام.
علينا أن نهتمّ بهذه الأمور، ولكنّ الكلام هنا في هذا وهو: إنَّ لهذه الشعائر والنشاطات وجهًا ظاهريّا، ولكن يجب أن لا تُنسى الحقيقة الواقعة إلى جنب هذا الوجه الظاهري. يأتي أحدهم فيحتفل ويفرح ويقوم بتوزيع الحلوى بهذه المناسبة المتعلّقة بإمام الزمان عليه السلام، ثمّ وعندما يُسأل: هل أدّيت الصلاة؟ تراه يقول: لا لم أستطع أداءها وقد صارت قضاءً، فيُسأل: ولماذا أصبحت صلاتك قضاءً؟ فتراه يقول: إنَّ الاهتمام بأمر الاحتفال هو أهمّ من الصلاة! إنَّ السالك لا يسير في مثل هكذا طريق، بل إنَّه وعلاوة على اهتمامه بالأمور الظاهريّة، تراه يهتمّ بتلك الحقيقة التي ظهرت منها هذه التجلّيات الخارجيّة.
قال لي السيّد الحدّاد رحمه الله: إن أردت أن تلتقي بإمام الزمان عليه السلام، فسأعطيك برنامجاً ودستورًا تعمل به، ثمّ ستتمكّن من رؤية الإمام بعد عشرة أيّام، وتتكلّم معه، وهذا هو البرنامج. فأعطاني البرنامج، ولكنّه قال لي: إن كنت تريد أن يحصل لك اللّقاء الباطنيّ، وتريد أن تصل إلى تلك الحقيقة وإلى الولاية، فلا ينبغي أن يكون سعيك للحصول على الرؤية الظاهريّة، ولكن إن كنت تريد ذلك، فهذا هو البرنامج.
ولم أعمل بذلك البرنامج، لماذا؟ لأنَّني رأيت بأنَّ الرؤية الظاهريّة تمثّل رؤية تتطابق مع هوى النفس، فأنا أرغب في أن أرى الإمام، نعم أنا أستأنس في أن أذهب وأرى الإمام. إن قابلت الإمام وقال لي: لأيّ شيء جئت لمقابلتي؟ فها قد رأيتني فهل استرحت؟! إنَّك رأيتني الآن، هل عملت بما أمرت به؟! وهل قمت بما يرضيني؟! وبماذا سأجيبه إن قال لي: ما الذيعملته في الخارج حتّى تطلب الدخول إلى هذا البيت؟!
نظرة الأولياء إلى معرفة الإمام عليه السلام
هذا هو منهج أولياء الله ومدرسة العظماء؛ فالأولياء والعظماء لم يُعطّلوا حياتهم بانتظار ظهور إمام الزمان، بل كانوا يشاهدون الإمام إلى جنبهم في جميع الأحوال. لإمام الزمان حضور في هذا المجلس الآن. لإمام الزمان حضور في كلّ منزل من منازلنا ومنازلكم، لإمام الزمان عليه السلام معيّة ومجالسة مع تمام شراشر وجودنا ووجودكم، ونحن نتقلّب بين يديه كالشمع، نعم، هكذا يكون إمام الزمان، لا أنَّه شخص خارج عن وجودنا ولا أنّه لا يستطيع الارتباط بنا ما لم يرتفع الحجاب والمانع الحائل بيننا وبينه. إن توجّهنا نحو الإمام، فسنجده في قلوبنا. وعندما نصلّي صلاتنا بحضور قلب، فلنعلم بأنَّ إمام الزمان كان موجودًا في بيوتنا في تلك اللحظة. نعم، هكذا هو الأمر.
إنَّ الأجهزة الموجودة في هذا المكان تستلم الأمواج. إذ إنَّ كافّة أنواع الأمواج موجودة في هذه الغرفة؛ فهناك أمواج الراديو والتلفزيون، وهناك أمواج صوتية قصيرة وطويلة التردّد، فكلّها موجودة في هذا المكان. إنَّ الكلام يدور هنا عن المستلم، فإن تمّ تنظيم المستلم بتدوير المفتاح المُنظّم وجعله يتناسب مع إحدى المحطّات، فسيتمكّن من التقاط أمواجها، وإن اختلف التنظيم قليلًا، فسيظهر الصوت مشوّشًا وعلى شكل خشخشة وضوضاء وذلك لعدم انتظام الطول الموجي للجهاز مع المحطّة بعد. إن كانت صلاتكم تحصل بحضور قلب، فهذا يعني أنَّ المستلم لديكم سيكون متوافقًا مع المحطّة، ومنتظمًا معها. أمّا إن لم يكن الوضع كذلك، وكان غير متوافق مع المحطّة ولا يزال يفصله عنها مقدار سانتيمترٍ واحدٍ، فسيكون الأمر متذبذبًا وضوضائيّاً وذا خشخشة؛ ولمّا كان الإمام طاهرًا، فهو يحضر عند القلب الطاهر، ولا يحضر عند القلب غير الطاهر. إنَّ الإمام حقّ محضٌ. إنَّ الإمام عليه السلام عبارةٌ عن طهارة محضة، وهو قُدسٌ وصفاءٌ محضٌ. إنَّ هذا الأمر لا يحتاج لأيّ اختبار لمعرفته؛ إن شعرتم بحالة روحانية في وجودكم، فاعلموا بأنَّكم مورد عناية الإمام في تلك اللحظة، وإن لم تشعروا بحالة الروحانيّة، فلستم كذلك، فلا حاجة للتجربة من أجل معرفة ذلك. فما الفائدة المترتّبة على حضور الإمام عليه السلام ورؤيتكم له إن كنتم على مثل هكذا حال؟ وما هي النتيجة المترتّبة على ذلك؟! هل اتّضح لكم الأمر؟!
بناءً على هذا فمن هو الذي سينتفع من ذلك الهدف الذي أشار إليه الإمام الصادق عليه السلام عندما قال: «إِذَا قَامَ قَائِمُنَا وَضَعَ اللَه یدَهُ عَلَی رُؤوسِ الْعِبَادِ فَجَمَعَ بِهَا عُقُولَهُمْ وَ كَمَلَتْ بِهِ أَحْلَامُهُم»؟ إنَّ ذلك يكون لعوامّ الناس؟! فسيكون الظهور مفيدًا لعوامّ الناس؛ إذ سيستتبّ الأمن والعدل والطمأنينة، وستختفي مظاهر الفساد. ولكن ماذا عن السالك؟ من الذي سيكون هو المتضرّر من انتظار عصر الظهورللحصول على مثل هكذا هدف؟ إنَّه السالك، فالسالك هو المتضرّر.
كنت قد طرحت هذا الموضوع على الإخوة في المجلس الذي عُقد يوم أمس، إن كنتم قد استمعتم له، فقلت: في مقابل كلّ لحظة من لحظات العمر التي يمنّ الله بها علينا في هذه الدنيا، فسيعمل مرور هذه اللحظة على التقليل من حصّتنا في عالم البرزخ؛ فلو كان من المقرّر أن يمنح الله الإنسان خمسين سنة من العمر من أجل أن يصل إلى الكمال، [ثمّ نقص هذا المقدار] فسيضيف الله إلينا نفس هذا المقدار المقتطع في عالم البرزخ، وإن منحه نصيبه من الحياة الدنيويّة هنا، فسوف لن يُعطى شيئًا في عالم البرزخ، فاعلموا بأنَّ اللحظات التي تُفقد منَّا في هذه الدنيا، لن تُعوّض لا في هذه الحياة، ولا في الحياة الأخرى، إذ إنَّ كلّ شيء مبنيّ على حساب، وهذا هو معنى عدالة الله. ما دام الله عادلًا، فلا يقولنَّ أحدٌ، لماذا توفّي فلانٌ وهو في العشرين من عمره؟ كم تعتقدون أنَّ ذلك الشخص كان يحتاج من العمر لكي يصل إلى الكمال؟ إن كان هناك من هو سائر على الطريق، وارتحل عن الدنيا وهو في العشرين من العمر، وهو يحتاج بعد إلى خمسة عشر سنة ـ على سبيل المثال ـ من أجل أن يصل إلى الكمال، فسيمنحه الله خمسة عشر سنةً في عالم البرزخ، فما دام قد أنقص من عمرك في الدنيا، فها هو يضيفه إليك هناك.
علينا ألّا نجلس بانتظار ما سيحصل لنا بعد الموت وما شابه ذلك من أمور. إنَّ هذا هو رأس المال الذي يُتلف الآن والذي لن يعود إلى ما كان عليه. فما دام الأمر كذلك، فكيف يمكن لنا أن نضع إحدى يدينا فوق الأخرى، ونعمل على تعطيل وإبطال ما منحنا الله من استعداد وقوّة لكي نصل بها إلى الفعليّة والكمال؛ فنقضي عمرنا باللعب واللهو وبأمل ظهور إمام الزمان عليه السلام؛ فنمنّي أنفسنا بانتظار ما سيحصل في المستقبل، وبانتظار ظهور ذلك النجم في السماء والذي هو من علامات الظهور، أو أن تحصل تلك القضيّة في المشرق، أو ما يُقال بأنَّ السفيانيّ سيظهر في سوريا، وسيكون هذا هو وقت ظهور الإمام. هل أنت تعلم فيما إن كنت ستبقى على قيد الحياة حتّى الغد أم لا؟ فلنفرض بأنَّ السفياني قد ظهر، فإن لم أكن متواجدًا، فما الذي سأجنيه من فائدة؟
لذا علينا أن نسعى لتحقيق هذا الأمر في حياتنا الدنيا وعلينا وفي زمان الغيبة أن نحقّق الأهداف التي سيحقّقها بقيّة الله أرواحنا فداه لعامّة الناس في زمان الظهور. وهذا هو المهمّ؛ فما سيأمر به الإمام عليه السلام من تكاليفَ عند ظهوره وحضوره بيننا ـ والتي هي بمثابة السلّم الذي يُرتقى به من أجل الوصول إلى الفعليّة والكمالـ فلنعمل على تحقيقه الآن ودون الحاجة لانتظار ظهوره. إنَّ كلمات الإمام وبياناته ورسائله موجودة لدينا، وكذلك الأسئلة التي وجّهت إليه، وما أجاب عنها. وهكذا الأمر فيما وصلنا عن بقيّة الأئمة. ليس لدينا ما ينقصنا لكي ننتظر ظهور الإمام، ولكي يرتفع عنَّا بظهوره مثل هكذا نقص. فهل كان كلّ أولئك العظماء الذين وصلوا إلى مقام الولاية والطهارة في عهد الغيبة، هل كانوا ينتظرون الظهور لكي يتحقّق لهم ذلك؟!
لم أسمع المرحوم العلاّمة رضوان الله عليه طيلة حياته ولو لمرّة واحدة أنّه قد شجّع أصدقاءه ورفقاء طريقه في أحاديثه ومجالسه، على متابعة مسائل من قبيل: متى سيظهر الإمام؟ وفي أيّ تأريخ؟ لا لم أسمع منه أيّ شيء من هذا القبيل، بل كان كلّ توجّهه وتوجيهه لأصدقائه في هذا المجال منصبًّا على ضرورة العمل بالتكاليف، فكان يقول: إن قمت بكذا من الأعمال، فستكون لك معيّة مع الإمام.
كيف كانت علاقة العلاّمة الطهراني بإمام الزمان عليه السلام؟
سأل أحد الأصدقاء المرحوم العلاّمة يومًا فقال له: كيف هي علاقتكم بإمام الزمان عليه السلام؟ سأنقل لكم الآن ما أجاب به ذلك الرجل على سؤاله، غير أنَّ المسألة هي أرقى من ذلك. قال له: أترى كيف أنَّي أجلس في هذا المكان ـ وكان يجلس في الطابق العلوي من بيته ـ افرض أنّ الإمام يجلس في هذا الطابق العلوي، فكما أنّ لي إشرافًا وإحاطةً على الذين يجلسون في الطابق الأسفل من المسجد أو غيره، وهم يتكلمون ويلعبون مع بعضهم، ويتجولون، كما أنّ لي إحاطةً وإشرافًا عليهم وأراقبهم لئلّا يقوم أحدهم من مكانه، أو يرتفع صوته أو يتخطّى الآداب أو يعبث؛ فهكذا هو حال الإمام عليه السلام بالنسبة لي، فهو كأنَّما يجلس في الطابق العلويّ وأنا أتواجد في الطابق الأسفل منه، وهو يحيط بي. على أنَّ هذا الجواب الذي أعطاه كان يتناسب مع مستوى فهم ذلك الرجل وإدراكه، وإلّا فالأمر أرقى من هذا بكثير، نعم، إنَّه أعلى وأدقّ من ذلك بكثير.
حسنًا فقد قالوا:
ره چنان رو كه رهروان رفتند | *** | ... |
وترجمته: اطو الطريق كما طواه السالكون
هذا ما رأيناه بأنفسنا من أولئك الذين كانوا يعِدون الناس بالظهور؛ فها هم ارتحلوا عن الدنيا، ولم يحصل لهم شيء ممّا كانوا قد وعدوا به؛ فهذا ممّا رأيناه بأعيننا. ومن ذلك الجانب، فقد رأينا بأنفسنا أيضاً النتائج التي حصل عليها آخرون سلكوا مسلكًا آخرَ. نعم، هكذا هو الأمر؛ فترى جمعًا يحبّون ذاك، وآخرون يحبّون هذا۱. وها هو ميدان السباق، وقد قيل: إن كان المتسوّل كسولًا، فسوف لن يكون صاحب المنزل هو المُقصّر. ليس للإمام عليه السلام موتٌ أو حياةٌ، ولا فرق لديه بين الصغير والكبير، ولا يفرق الأمر بالنسبة إليه بين الغيبة و الظهور.
إنَّ نفس اجتماعكم هذا في هذا المكان وفي يوم الرابع عشر من شهر شعبان، وفي ليلة النصف منه وأنتم تريدون أن تقضوا دقائق من عمركم بالاستماع إليّ لقحطٍ في الرجال، أو من باب سوء الحظ؛ الأمر الذي جعلكم تقضون دقائق من عمركم في الاستماع لكلامي. إنَّ نيّتكم هذه هي التي جاءت بكم إلى هنا، كيف حصلت لكم هذه النيّة؟! لماذا لم تذهبوا إلى مكانٍ آخر؟ ولماذا لم تنشغلوا مثل غيركم من الناس بمسائل أخرى؟! ما الذي يقف وراء كلّ هذا؟ إنَّه الإمام عليه السلام. أليس كذلك؟!
إنَّ هذا هو ما يُسمّى بإحاطة مقام الولاية؛ فهو الذي جعلكم تأتون إلى هنا، وهو الذي يمنحكم التوفيق، ويُسيّركم في الطريق. واعلموا بأنَّ عليكم وفي كافّة لحظات حياتكم، وفي كلّ الدقائق وفي كلّ ما يخطر على أذهانكم، عليكم أن تروا أوّلا الإمام حاضرًا وناظرًا، ثمّ تتكلّموا بما تريدون أن تتكلموا به، وهكذا في الخطوة التي تريدون أن تخطوها، أو العمل الذي تنوون القيام به؛ فعليكم أن تروا الإمام حاضرًا إلى جنبكم أولّا؛ ومثلما أتكلّم معكم الآن. أتعلمون ما الذي أريد أن أقوله لكم؟
سألني المرحوم العلاّمة يومًا، أو إنَّني أنا الذي كنت قد قلت له، ولا أدري ماذا كان الموضوع الذي كنَّا نتحدّث عنه، فقلت له: يا سيّدي، إنَّني عندما أتكلّم مع إنسان أتكلّم معه الكلام عينه الذي كنت سأتكلّمه لو كان الإمام عليه السلام حاضراً إلى جنبي، يعني إنَّني أريد أن أكون كذلك. أي: يكون على كلّ واحدً منَّا عندما يريد أن يقوم بأيّ عملٍ أن يستحضر في نفسه حالة وجود الإمام عليه السلام إلى جنبه. فسترون عندها لو أنَّ الناس تسعى لتطبيق هذا الأمر ما الذي سيحصل عندها! فهل يستطيع أحدهم أن يكذب؟! وهل يستطيع أن يتّهم أحدًا؟ أو أن يكيد لغيره؟ ما الذي سيحصل لكلّ هذه الأمور؟ إنَّها ستنتفي بأكملها. حاولوا أن تجرّبوا هذا الأمر لعدّة أيّام، نعم، جرّبوه مدّة من الزمان، فإن لم تستسيغوه، فاتركوا العمل به، وإن اتّضحت نتيجته الإيجابيّة لكم ولُمست هذه النتيجة، فلا يمكن والحال هذه للإنسان العاقل والمنطقي أن يترك العمل بالأمر الراجح.
متاع كفر ودين بى مشترى نيست | *** | گروهی این، گروهی آن پسندند. |
لقد طال الحديث بنا، وها قد حلّ وقت صلاة المغرب، ولمّا كنت أنوي السفر، لذا يتوجّب عليّ أن أستأذن الأصدقاء الكرام. هذه الليلة هي ليلة النصف من شعبان، وكنت قد قلت للأصدقاء الذين كنت معهم اليوم، بأنَّ هذه الليلة هي من ليالي الإحياء، وكان الأولياء والأعاظم كافّة يؤكّدون على ضرورة إحيائها، كما وكان المرحوم العلاّمة يُحيي ليالي النصف من شعبان مع أصدقائه أيضًا، كان هذا في ذلك الوقت الذي كان يسكن طهران، ولكنَّه وبعد أن تشرّف بالإقامة في مدينة مشهد، كان يُوصي بأن يُحييها كلّ شخص في بيته، وأتذكّر بأنَّه كان يقرأ دعاء كميل في مثل هذه الليلة مع أصدقائه الخواصّ. ومن الوارد في أعمال هذه الليلة قراءة دعاء الجوشن كذلك، ودعاء كميل ودعاء الفرج لأجل ظهور الإمام، فقد ورد استحباب قراءتها.
من الطبيعي بأنَّ الإنسان إن طلب من الله المتعال الظهور والفرج الظاهريَّ للإمام، فعليه وقبل ذلك أن يكون قد طلب لنفسه الظهوروالفرج الباطنيّ أيضا، فهذا هو المهمّ. نعم، يجب على الإنسان أن يطلب الظهور الباطنيّ له، سواءٌ حصل الظهور الظاهري أم لم يحصل، كما دلّت على ذلك الروايات المروية عن الإمام الصادق عليه السلام.
وعلى أيّة حال، فإحياء هذه الليلة هو عمل مستحبّ جدًا؛ ولكن لا تتصوّروا بأنَّ على المرء أن يبقى الليل كلّه مستيقظًا، كلّا، فلو أراد أن ينام قليلًا من أجل الاستراحة من التعب، فلا إشكال في ذلك. وخلاصة الأمر، فعليكم أن تعرفوا أنَّ هذه الليلة هي ليلة مهمّة جدًا، وقليلًا ما نحصل على ليلة تناظرها، فعليكم أن لا تُضيّعوا هذه الفرصة، فهي غير قابلة للتعويض. وأتمنّى أن لا تنسوني من دعائكم؛ وأن تذكروا هذا الحقير الفقير المسكين. نأمل أن نكون وببركة نظرة إمام الزمان عليه السلام لنا، أن نكون في ظلّ عنايته الدائمة وأن يؤيّدنا ويمدّنا بلطفه الخالص في الدنيا والآخرة.
اللهمّ صلِّ على محمّد وآلِ محمّد.