المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني
المجموعةسنة 1431
التاريخ 1431/10/01
التوضيح
لماذا لم يطلب الأنبياء والأولياء عليهم السلام الأجر على الرسالة؟
ما معنى المودّة في القربى ومن كنت مولاه فهذا عليّ مولاه؟
وكيف يترجم ذلك في مواقف الحياة المختلفة في العبادة وفي العلاقة مع الآباء والأبناء والأزواج والزوجات والعلاقة مع الناس ورعاية حدود الله وعدم الزيادة والنقصان في دينه؟!
كلمات مفتاحيّة: اتّباع النبيّ والأئمّة صلوات الله عليهم ـ مودّة القربى ـ الحجاب والسفور ـ الاختلاط ـ القوّاميّة ـ البدعة ـ المصافحة بعد الصلاة.
هو العليم
معنى المودّة والولاية لأهل البيت عليهم السلام
شرح دعاء أبي حمزة الثمالي - سنة ۱٤٣۱ - الجلسة الحادية عشرة
محاضرة القاها
سماحة آية الحاج الله السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهراني
قدّس سرّه
أعوذُ بِاللَه مِنَ الشَّیطانِ الرَّجیم
بِسمِ اللَه الرَّحمَنِ الرَّحیم
وصلَّى اللَه عَلَى سیدنا و نبيّنا أبي القاسم مُحَمّدٍ
وعلى آله الطّيبين الطّاهرين و اللعنة عَلَى أعدائِهِم أجمَعينَ
حُجَّتِي يا اللَه فِي جُرأَتِي عَلَی مَسألَتِك مَعَ إتیَانِي مَا تَکرَهُ جُودُك وَ کَرَمُك، وَ عُدَّتِي فِی شِدَّتِي مَعَ قِلَّة حَیَائِي رأفَتُك وَ رَحمَتُك.
حجّتي يا الله في الجرأة التي لديّ على سؤالك رغم فعلي الأمور المكروهة سواء كانت محرّمة أو غير محرّمة هي عبارة عن جودك وكرمك وعطائك وعظمتك، وعدّتي ورأسمالي في الشدّة وفي الصعوبات رغم قلّة حيائي وخجلي من ذات ربوبيّتك وعظمتك هو عبارة عن الرأفة والرحمة. والرأفة تطلق على حالة العناية والترحّم على ما من هم في المرتبة الأدنى، والرحمة عبارة عن إظهار السعة الوجوديّة ولو إلى غير من هم في المرتبة الدنيا.
سرّ عدم طلب الأنبياء والأولياء والمعصومين عليهم السلام للأجر على الرسالة
لقد تقدّم للرفقاء في الليالي السابقة بعض الكلام حول الفقرة الأولى، ووصل الكلام إلى أنّ الأنبياء لا يفتحون لأنفسهم حسابًا في تبليغ الرسالة، وهكذا الأولياء، وفوق جميع هؤلاء المعصومون عليهم السلام الذين هم في المرتبة العليا من المعرفة الشهوديّة بالتوحيد، فهم أولى أن لا يفتحوا لأنفسهم حسابًا، فكلّما كان الإنسان أقرب في تجرّده إلى مبدأ التجرّد، فإنّ صفات ذلك المبدأ ستظهر فيه أكثر، وكلّما كان أبعد ظهرت الصفات فيه على النقيض، فهما على طرفي نقيض، فطلب الكثرة هو بسبب عدم إدراك حقيقة الوحدة، فالذين يسعَون إلى الأنا ومحوريّة الأنا لم يشمّوا رائحة التوحيد والإسلام وإن كانوا متلبّسين بزيّ الإسلام والتبليغ ولباس أهل العلم والمعنويّة. فارتداء هذا اللباس ليس أمرًا شاقًّا؛ فيمكنك أن تُلبس الصنم عمامة وعباءة ورداء ولا مشكلة في ذلك، في حين أنّ هذا الصنم هو من الجصّ ومن المعدن، المهمّ هو إدراك الحقيقة، يقول شعر سعدي:
ای برادر تو همان اندیشهای | *** | ما بقی تو استخوان و ریشهای |
إنّما أنت فكر يا أخي ما تبقى فعظام وعروق
هذا الفكر يعني العقل والمعرفة والإدراك، فلو وضعتم ذلك جانبًا فإنّ الحيوانات مثلنا أيضًا لا يختلفون عنّا، حتّى إنّ لحمهم أكثر من لحمنا وربّما كان ألذّ، ووزنهم أكثر من وزننا، فالفيل الذي نزلت سورة في القرآن باسمه فهو له قيمة إلى هذه الدرجة، ما هي سورته أيّها الأطفال إن كنتم قرأتموها؟ {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفيلِ ، أَ لَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ في تَضْليلٍ}۱ فأحيانًا يبلغ وزن الفيل أربعة عشر طنًّا، فالفيلة التي في تايلند تبلغ أربعة عشر طنًّا، ولكن كم عقلها؟ دماغها أصغر من دماغ الإنسان، كم وزنها؟ أربعة عشر طنًّا، ثلاثة عشر طنًّا، فالأساس في حقيقة الإنسان هو فكره الذي لديه، التفكير الذي لديه، الفهم الذي لديه، ظهور صفات الإنسانيّة التي لديه، وإلا فإنّ جنكيزخان المغوليّ وتيمور والتتر كم كانت لهم من قيمة؟ فهؤلاء أيضًا كانوا بشرًا! كم كانت قيمة يزيد؟! كم كانت قيمة ابن زياد؟! هؤلاء الخلفاء ما هي قيمتهم؟! وماذا فعلوا سوى الظلم والجناية التي تصدر عن الوحوش بصورة معتادة؟ ولكن انظروا ماذا فعل الأئمّة وماذا فعل الأولياء وماذا فعل العرفاء وماذا فعل الأنبياء؟ انظروا ودعونا نتصفّح تاريخهم، وبعد مرور الأيّام نحاكم.
الأنبياء لا يأخذون لأنفسهم شيئًا؛ لأنّهم وصلوا إلى حقيقة التوحيد تلك. لذلك يقول الله تعالى في آيات القرآن: {قل} وبيّن لهم حقيقة موقعك ولا تخفِ عنهم {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} قل لهم إنّ حقيقتي قد تجلّت فيك، قل لهؤلاء الناس إنّك تختلف عن الآخرين. {قل لا أسألكم عليه اجراً} لا أريد أجرًا قل لهم أنا مختلف عن الآخرين وأبرهن على أنّني مختلف، وليس الأمر بالكلام فقط، فبعضهم يتكلّمون وعندما يصل الدور إلى العمل فإنّهم يودّون لو يقطّعون بطن الإنسان إلى أربع قطع، فالتواضع هو فقط أمام الناس، بالابتسامة وطأطأة الرأس والتمثيل، فقل للناس يا يونس، وقل للنّاس يا موسى، قل لقومك يا نوح إنّنا نختلف عن الآخرين، نختلف عنكم، فلماذا لا تأتون إلينا؟! أتظنّونّ أنّنا مثلكم، اليوم نقوم بالدعاية لك، وغدًا نطلب منك هديّة أو مقامًا ووظيفة ونقول: إنّا عملنا لك بالأمس فعوّض لنا، فالدنيا دار حساب وكلّ شيء بحسابه، فقد قمنا بالدعاية لك وجمعنا لك الأصوات وجمعنا لك الناس وكنّا لك خدّامًا حتّى تجلس أنت على عرشك وتصل إلى ما تريد ثمّ تودّعنا؟! شكرًا لك! إمّا أن تعطيني وإمّا أن أحدّث عن كلّ ما لديك. فيا نوح قل للنّاس إنّه لا فرق عندي بين أن تقوموا بالدعاية لي أو لا تقوموا، فإن جئتم ودعوتم الناس لي فقد دعوتم إلى أنفسكم لا إليّ، فأنا لم أحتفظ بشيء لنفسي لكي تطالبوني غدًا. كان بإمكانك أن لا تأتي، فالتفت جيّدًا واعلم أنّه لا شيء من ذلك هنا، أنت السبب في كلّ ما أصابك، فاذهب وقم بالدعاية لغيري لتأخذ نتيجتها فهذا الباب مفتوح وهذا الطريق معبّد، اذهب إلى مكان آخر لتأخذ الثمن في اليوم التالي لماذا جئت إلى هنا حيث لا شيء في اليوم التالي؟! عندما جاء طلحة والزبير إلى أمير المؤمنين فقالا: يا عليّ نحن لم نبايع أبا بكر وأمثاله لكي تصل أنت، فأخبرهم الإمام أن قد وصلت الآن فاذهبا وشأنكما.
ـ ماذا حدث؟! لقد صبرنا ٢٤ سنة لأجل هذا اليوم، ٢٤ سنة لم نبايع خلالها ولم نشارك في ذلك الصف، ٢٤ سنة اعتزلنا جماعتهم حتّى تقول لنا اليوم: اذهبا وشأنكما وتطفئ السراج لنا وتقول إنّ السراج لبيت المال؟! فلمن دعوتم أنتم؟!
ـ لقد دعونا لك.
ـ عبثًا دعوتم، كان بإمكانكم أن لا تدعوا.
ـ آه ماذا حصل لقد تحطّم كلّ شيء كلّ ذلك النسيج فيا عجبًا، فماذا كنّا نصنع مدّة ٢٤ أو ٢٥ سنة؟
ـ كان بإمكانك أن تكون أكثر دقّة فأربع وعشرون سنة أو خمس وعشرون سنة كثيرة جدًّا لمعرفة إنسان ما، كن مع عليّ مدّة أسبوع واحد تعرفه لا مدّة أربع وعشرين سنة، كن مع عليّ بضعة أيّام تدرك أنّه صاحب وحدة وتوحيد أم صاحب كثرة ومصالح أم صاحب سيف قاطع وحادّ وميزان حقّ، تدرك ذلك، لا حاجة في ذلك إلى ٢٤ سنة، كم كنت أحمق إذ صبرت ٢٤ أو ٢٥ سنة حتّى وصل عليّ إلى الخلافة فجئت تطلب حقّك! لقد كنت شديد الحماقة، فالله يخلق أناسًا حمقى إلى هذا الحدّ، رغم أنّ طلحة والزبير كانا من الأذكياء، ومن أهل العمل وأهل الفنّ والمهارة ومن الذين يدركون الحقائق، ولكن كيف يأتي ذلك الستار ويغطّي على المشاعر ويحول دون توجّه النفس إلى الحقّ ويحول حتّى رأيا أنّه هكذا يعاملنا ما شاء الله! فماذا نفعل؟ نذهب إلى غيره، والأحداث مفصّلة ولو دخلنا فيها لقصّرنا عن جميع الأبحاث.
فكلّما اقترب الإنسان أكثر من أمر التوحيد فهو محكّ ومعيار لكلّ واحد منّا نحن الجالسين هنا ـ ويبدو أنّ الليلة هي الليلة الأخيرة من ليالي شهر رمضان المبارك ولكن لا بدّ من رؤية الهلال وإلاّ فيجب صوم يوم الجمعة إن لم يثبت، ففي هذه الليلة التي هي ليلة الخميس سنة ۱٤٣۱ الهجرية القمريّة وفي بلد آل محمّد السيّدة فاطمة المعصومة سلام الله عليها، نختم كلامنا للأصدقاء في هذا الشهر ـ علينا أن نختبر أنفسنا وأنّا كم نحسب حسابًا في المسائل والقضايا لأنفسنا؟! نترك ما في قعر الصندوق في العلاقات وفي الأعمال وفي المسائل لأنفسنا، وفي الوقت نفسه نمنّ بها على الله وننسبها إليه، نحن نعمل، نعمل لأجل الله، لأجل المدرسة، نمنّ وننسب إلى أنفسنا "نا نا نا" فكلّه ينتهي بهذه الـ "نا" فهذا كلّه منّة، فنحن خدمنا. فعلينا أن نختبر كم هي نسبة الانتساب إلى ذاك الجانب وكم نسبة الانتساب إلى أنفسنا؟ حتّى إذا ما حدث أمر ما لا نسخط كثيرًا ونفقد، فلنحاسب أنفسنا من الآن وليكن لدينا هذا التمرين وهذا التهيّؤ والاستعداد لكي نجتاز الأمر بسهولة، ففي النهاية قد تحدث أمور كهذه، وفجأة بعد سنوات طوال يرى الإنسان أنّه ارتفع الصراخ، حدث أمر بسيط لا يستدعي هذا الجزع، إمّا أنّ هذا العمل الذي كنت تقوم به كان لله، وإمّا لم يكن لله، فإن كان لله فبما أنّهم يقولون الآن لا تفعل فلا تفعل، لن يكون هناك أذى بعد الآن فهذا أفضل، لا بدّ أن تزغرد وتقفز في الهواء فقد كانوا إلى الآن يقولون: افعل. والآن رفعت عنك إحدى المسؤوليّات فلا أذى في ذلك ولا صراخ وضجيج، ولا نقل كلام هنا وهناك، ولا شكوى واعتراض عند هذا وذاك، فلتفرح كثيرًا.
عندما أرسل أمير المؤمنين مالكًا الأشتر إلى مصر أرسله بالقوّة، أفهل كان يذهب هكذا؟ كان يقول: ماذا جرى يا عليّ لقد انتهت الحرب للتوّ ونريد أن نجلس معًا. فقال له الإمام: اذهب وحيثما كنت فأنا معك. لم يكن يقبل أن يذهب. لم يكن هؤلاء يقبلون. نحن نظنّ أنّ مالكًا الأشتر قائد جيش أمير المؤمنين، كلاّ يا عزيزي فهؤلاء كانوا هم الأذلّ في المجتمع والله، لقد كانوا يلقون عليهم قشور الخيار في السوق إذا ما مشوا فيه، هكذا كانوا يتعرّضون للهتك ولم يكونوا يرفعون رؤوسهم، لا أنّه إذا قيل لأحدهم إنّ فوق عينك حاجبًا أعدّ له سجلاًّ كبيراً يمتدّ من هنا إلى أعلى المنارة، كلاّ يا عزيزي لم يكن هناك وجود لهذا الكلام ولهذه الأمور.
فلنحاسب أنفسنا فإن كنّا نعمل لأجل أنفسنا فعلينا أن لا نعمل، فالعاقل يعمل دائمًا على أساس العقل، فإن كان العمل لا بدّ أن يكون على أساس المصالح فلتذهب إلى مكان فيه ذلك، لماذا جئت إلى هنا؟! فالإنسان العاقل هو من يبحث عن حسابه، يفكّر: هذا العمل الذي أقوم به كم أحصل مقابله على نفع؟! كم يقدّم لي اعتبارًا؟! كم يرفعونني على أساسه؟! كم يعظّموني ويمدحونني أمام الجميع؟! كم يضعون في حسابي البنكيّ؟! وكم وكم وكم؟!
فالإنسان العاقل يختار هذا العمل، وطبعًا العقل المراد هنا هو العقل الشيطانيّ لا العقل الرحمانيّ، والعقل الشيطانيّ لا يسمّى عقلاً، بل يسمّى تزويرًا يقول أمير المؤمنين: "ما معاوية بأدهى منّي".۱ ما لديه هو الشيطنة، لا يسمّى ذكيًّا كيّسًا، الكياسة هي للمؤمن لا للمنافق، "المؤمن كيّس"٢ لا المنافق كيّس ولا الكافر كيّس، فالمنافق مزوّر والمؤمن كيّس. والكياسة تعني القيام بأيّ عمل هو لصالح آخرة الإنسان، ويهيّئ الأمور للوصول إلى التجرّد والتوحيد، فهذه هي الكياسة، مهما كان ذلك العمل، وهذا معنى أن "المؤمن كيّس"، أمّا ذاك فتزوير، فالخداع تزوير، والنفاق تزوير، وإيقاع الخلاف بين اثنين تزوير، وأمثال ذلك، وآثاره واضحة، له كيفيّة خاصّة، وطريقه أيضًا واضح فلكلّ طريق.
بناء على ذلك فإنّ الأئمّة عليهم السلام والأولياء والأنبياء كلّهم يدعون إليه لا إلى أنفسهم، يدعون إليه.
ضَحِكُ النبيّ مِنْ قَوْمٍ يُؤْتَى بِهِمْ إلى الجَنَّةِ في كَبْلِ الحَدِيدِ
وقد كان المرحوم العلاّمة يذكر هذه الحادثة كثيرًا والرفقاء يعرفونها، ففي معركة بدر عندما أسروا سبعين رجلاً خيّر رسول الله المسلمين بين أخذ الفداء وبين قتلهم، فقالوا نأخذ الفداء ونتهيّؤ بها للقتال، فوافق رسول الله، فكان الأسرى في الأغلال وكان بينهم العبّاس عمّ النبيّ، ولكن النبيّ لم يكن يستطيع أن يفكّ أغلاله، لأنّه إما أن يفكّ قيود الجميع أو يتركه مثلهم، وعندما رأى المسلمون رسول الله منزعجًا فكّوا قيودهم، وجعلوهم في مكان مغلق، وقبل ذلك مرّ النبيّ بهم فلمّا رآهم في الأغلال ضحك، فالتفت واحد منهم إلى العبّاس وقال له: هذا الذي تزعمون أنّه رحمة للعالمين يرانا في السلاسل ويضحك. فانظروا إلى هذا فقد قاس على نفسه، فهو من أهل هذه الأمور وهذه الحسابات الدنيويّة والمعايير السياسيّة، السياسات الشيطانيّة، فهذا واحد منهم يرانا في هذه الحالة وهو مسرور، فوجئ. فقالوا: لماذا تضحك يا رسول الله؟ ما يضحكك؟! ونادوه باسمه حيث لم يكونوا يقولون رسول الله. فقال رسول الله "أضحك لأني أجرّكم بالسلاسل إلى الجنّة فأنتم لا تأتون بأنفسكم، فأضحكني ذلك".۱
وهذه العبارة عجيبة جدًّا، فلو فكّرتم بها من الآن إلى مثل هذا اليوم من السنة القادمة فهو قليل، سنة كاملة حول أنّه ماذا يريد النبيّ أن يقول وما هذا العالم وفي أيّ مرتبة وهنا يصل الإنسان إلى الكثير من المسائل، المسائل التربويّة والمسائل السلوكيّة والدقائق والظرائف والرقائق واللطائف، فهناك الكثير من المسائل حين يقول النبيّ نريد أن نأخذهم بالسلاسل، فإلى هذا الحدّ نحن نحبّكم، وبعد ذلك يقولون إنّ الإسلام دين القسوة والخشونة، وإن شاء الله سأفصّل هذه المسائل في كتاب الارتداد إذا وفّقني الله. فهذا المنهج الذي كان لدى الأعاظم عبارة عن ذاك المنهج الذي وضعه هؤلاء، المنهج الذي جعلوه طريقًا إلى الله. هذا هو أجرهم لا غير.
ولكن نجد أنّ الأمر يختلف بالنسبة إلى رسول الله، فهو يقول: {قل لا أسألكم عليه أجرًا}، الله يقول للنبيّ، فهنا أيضًا الخطاب هو خطاب الله، فكما خاطب نوحًا وموسى وشعيبًا، خاطب النبيّ أن قل إنّ أجري على الرسالة هو مودّة ذوي القربى، وذوو القربى معروفون، هم أهل بيت النبيّ أوّلهم أمير المؤمنين وابنة النبيّ فاطمة الزهراء وأحد عشر ابنًا لهما، آخرهم بقيّة الله أرواحنا فداه، هذا الإمام الثاني عشر والحجّة الرابع عشر، هذه المجموعة هي شرف عالم الوجود. {قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} مودّة قرابتي وذوي قرابتي هي ثمرة الرسالة، ثمرة الرسالة هي مودّتهم، فما هي مودّتهم حتّى تكون ثمرة الرسالة؟ ما هي؟ وكيف كان أجر الأنبياء السابقين هو انفتاح طريق الإنسان نفسه إلى الله، أمّا هنا فهي محبّة أهل البيت ومودّتهم، أي أن يحبّهم الإنسان فقط؟
ما معنى المودّة في القربى ومن كنت مولاة فعليّ مولاه ولماذا كانت هي الأجر؟
فهل معنى ذلك أن نحبّهم كما نحبّ عمّاتنا وخالاتنا؟ يبدو أنّ هذا ليس صحيحًا، فمحبّة أهل البيت ومودّة أهل البيت لا معنى فيها على أساس التبنّي والقرابة والرحم لأن يجمع رسول الله الناس في حادثة عيد الغدير في ذلك الحرّ الذي لم يسبق له نظير، رسول الله الذي هو عقل مطلق وعقل محض وممحّض، بل عقل منفصل وعقل العقول، وإنّه لقول فصل وما هو بالهزل، رسول الله هذا لا معنى لأن يجمع الناس ويقول لهم: أحبّوا أهل بيتي، فأهل السنّة لا يمكنهم أن ينكروا سند عيد الغدير وحصول تلك الحادثة آنذاك فما هو الجواب الذي يمكن أن يقدّموه عن هذا السؤال؟ فبما أنّنا نحن رافضة فلو جاء يهوديّ وسألهم هل نبيّكم عاقل؟ ولو سأل مسيحيّ إنّه جمع ثمانين ألف رجل في ذلك الحرّ الشديد مدّة يومين ليرجع المتقدّمون ويصل المتأخّرون، ثمّ يرتقي المنبر ويخطب خطبة عجيبة وغريبة من أغرب خطب رسول الله، ثمّ يقول: "ألست أولى بكم من أنفسكم قالوا بلى قال فمن كنت مولاه فهذا عليّ مولاه اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله"، ويمسك بيد أمير المؤمنين ويرفعها أمام الجميع ليقول للجميع أحبّوا عليًّا وأولاد عليّ، ألا يكون النبيّ حينها مجنونًا؟ ألا يكون مجنونًا حين يقول لهم: أحبّوه؟! فمن بين هؤلاء الثمانين ألفًا من الناس ـ ونقل البعض أنّهم كانوا ثلاثين ألفًا وبعضهم أنّهم كانوا مائة وثلاثين، فالحدّ المتوسّط لذلك هو سبعون ألفًا ـ هل لدينا في التاريخ رجل واحد يقول أحبّوا عليًّا وليس معنى الولاية هو المتابعة مائة بالمائة وتسليم الاختيار وتفويض الإرادة وجعل إرادته بدلاً من إرادتنا. بل المقصود من الولاية والأولويّة هو المحبّة، محبّتهم ومودّتهم. "اللهمّ من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه" فمعنى مولاه يعني حبيبه أي أحبّوا عليًّا. فهل يتصوّر واحد من هؤلاء الحاضرين هناك ذلك، ولو كنتم أنتم في ذلك الزمان ولو كنّا نحن فهل نتصوّر أنّ النبيّ يفعل ذلك وأنّ مقصوده فقط هو المحبّة؟ ألسنا كنّا نقوم حينها ونقول للنبيّ: ماذا فعل الحَرُّ في رأسك؟! لقد أوقفتنا في هذا الحرّ ليومين فما معنى أن تقول أحبّوا عليًّا؟ ألم يكن بإمكانك أن تقول هذا في البيت؟ أغاثنا الله! هؤلاء الذين يقولون إنّ الغرض مِنْ "مَن كنت مولاه" هو هذا فحسب وأنّ الولاية بمعنى الصحبة ومحبّة الجوار ألا يفكّرون بتبعات ذلك، وأنّه لو جاء يهوديّ ـ فنحن رافضة وخارجون عن الدين ـ فلو جاء يهوديّ أو مسيحيّ وقال: في النهاية هذا النبيّ الذي لديكم هل هو عاقل حين أوقف الناس ليومين؟ ولا يمكن أن تنكروا سند ذلك، فالسند موجود ومن مسلّمات التاريخ وإلا لأمكنهم أن ينكروا سنده كأيّ شيء آخر لا ندركه الآن فنقول: هذا ليس من الإمام أصلاً، وعندما لا نتمكّن من إنكار السند نقول نردّ علمه إلى أهله ولا علاقة لنا به. حسنًا فهذا لا يمكن إنكار سنده، فماذا يقولون لو قيل لنا إنّ المراد هو محبّة عليّ. ولم يقم أحد من هؤلاء السبعين ألفًا ليقول: أيّها النبيّ لقد أوقفتنا هنا يومين في هذه الصحراء والحرّ حتّى تقول لنا: أحبّوا عليًّا، كان بإمكانك أن تصبر حتّى نصل إلى مسجد المدينة حيث الهواء لطيف فماذا يحصل لو فعلت ذلك؟! يومان ولم يقل أحد شيئًا، فإذن حيث لم يقل أحد منهم ذلك فماذا فهموا من كلام النبيّ وماذا أدركوا؟ لقد فهموا تلك الطاعة إذن والتي تستحقّ الانتظار بل تستحقّ أكثر من ذلك، وإلا لو قال أحبّوه حسنًا أحبّوه. إذا كان لا بدّ أن يبتلي الله الإنسان بالضلال والحيرة فإنّه يؤوّل كلام رسول الله أيضًا وإلا فإنّ ذلك العالِم يدرك، فهذا أمر واضح، يقول انتظروا يومين في هذا الحرّ والبرد وتلك الظروف ثمّ يقول: أحبّوا عليًّا فهذا لا يحتاج إلى تأويل. الأمر يحتاج إلى حفظ من الله وعلى الإنسان أن يلجأ إلى الله، وقد رأيت أناسًا عندما يقعون في طريق الباطل يصلون إلى حدّ إذا أرادوا أن يستمرّوا في طريقهم الباطل ذلك فعليهم أن يتخلّوا عن جميع الضروريّات والبديهيّات والمسلّمات التي كانوا يقبلون بها حتّى الآن، ولو أبقى على أيّ واحدة منها فإنّه سيشكّ في الأمر. وقد رأيت، أقول: يا فلان أنت كنت تقول سابقًا إنّ المراد من هذه الجملة هو هذا، فلماذا تقول الآن: كلاّ؟
ـ أحيانًا يلتفت الإنسان إلى أنّه يتغيّر، يلتفت إلى أنّه ربّما كان المعنى غير ذلك، يمكن أن يخطئ.
ـ فأنت تعدّ هذا خطأ، ثمّ أقول: حسنًا بما أنّك تقول هذا، فهناك شواهد ويمكنك أن تتراجع وتدرك الحقيقة.
فيقول: أصلاً أنا لا أريد الكلام حول هذا الأمر.
فانظر ما إن يشتدّ الأمر قليلاً حتّى تأتي الغشاوة وتغلق عليه بإحكام فيقول: كلاّ كلاّ أنا لا أريد الكلام حول هذا، ليس مهمًّا دع هذا الأمر.
ـ فلتقل من البداية هذا فتريحنا لماذا يصل الأمر إلى هنا؟! لو كان هذا المسكين ذا فهم لكان عليه أن يدرك من الآن أنّ أمره قد انتهى. يقول: كلاّ كلاّ لا شأن لنا بذلك انتهى الأمر، انتهى الأمر.
أين رأينا في مدرسة أهل البيت أنّه جاء أحد وقال: كلاّ كلاّ لا شأن لنا بذلك، اذهب وشأنك فنحن لا نتكلّم ولا شيء لدينا؟! هل لدينا مورد واحد فيه ذلك؟ فلنبيّنه إذن. كلّ ما كان من هذا فقد كان في الجانب الآخر، الضرب والجلد والعصا وأمثال ذلك كلّ ذلك كان هناك، أمّا في هذا الجانب فـ "يا أخا اليهود"۱ و "يا أخي السائل"٢، كانت هذه العبارات. أمّا هناك فقد كان السوط والضرب. إنّه يسبّب الاختلال في أفكار المسلمين ويحدث التشويش، فأبو بكر جالس أعلى منبر النبيّ يتكلّم وقد جاء هذا ليشوّش الأذهان ويهدّد الأمن، فاضربوه وأخرجوه، فلا يسمعنّ أحد صوته. هل رأينا في تاريخ الأئمّة أحدًا يتكلّم مع الناس بهذه الطريقة، ائتونا بشاهد واحد لنرى، ففي النهاية هذه الكتب التي قرأها الآخرون وقرأناها نحن أيضًا فلم ينزل الوحي عليهم، الوحي على النبيّ وحده. لذلك فما معنى المودّة لعليّ المرتضى وأهل بيته؟ فالمودّة له بمعنى قبول ولايته، بمعنى من كنت مولاه فهذا علي مولاه، بمعنى النبيّ أولى بكم من أنفسكم.
نقاط حول آية: {قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم… أحبّ إليكم من الله ورسوله}
وهناك آية عجيبة في القرآن يقشعرّ لها بدن الإنسان، آية عجيبة:
{قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَه وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَه بِأَمْرِهِ}٣
ما شاء الله، لقد رمى الله هنا السهم الأخير، رمى السهم الأخير! قل لقد تركنا المجاملة جانبًا في هذة الآية، فالله يقول هذا بلسان الحال فما زاد عن الآية أنا أقوله، الله يقول: لقد تركت المجاملة في هذه الآية جانبًا وأقول بصراحة من دون تساهل، تركت كلّ شيء جانبًا وأقول لكم بشكل واضح كما هو الواقع، وقد أردت هذا المعنى لا المجاز ولا الاستعارة والكناية ولا شيئًا آخر: إن كان آباؤكم وأمّهاتكم وأبناؤكم ونساؤكم وأزواجكم… .
فكم من رجل يدخل النار بسبب امرأته، وكم من امرأة تدخل النار بسبب زوجها، فالزوج يقول: قومي وسلّمي وجاملي وتحدّثي مع الضيوف واضحكي وتكلّمي فما هذه السخرية والتزمّت والتحجّر؟! وما هذه الأمور التي جئتِ بها فإذا جاء أحد تقومين إلى غرفتك ولا تسلّمين ولا تردّين السلام ولا تتحدّثين؟! قومي ودعينا نجلس وتحدّثي واضحكي وكوني فرحة، والمرأة تقول: زوجي يقول هذا فيجب أن أكون هكذا فلا بدّ من ذلك، ثمّ بعد ذلك تكون الأمور جيّدة وجيّدة جدًّا! والله يعلم ماذا في هذه الأمور وأيّة علاقات تحدث بعد ذلك، وواقعًا على الإنسان أن يستعيذ بالله ويلجأ إليه.
وقد كان أصدقاؤنا سببًا للتوفيق إلى العمل على وصيّة أمير المؤمنين عليه السلام وأن تترجم كما قال المرحوم العلاّمة، وقد وعدت أن أنهيها حتّى نهاية شهر رمضان، ولكنّها ستطول قليلاً لأنّي جعلت لها مقدّمة وقد طالت قليلاً، وهي وصيّة أمير المؤمنين عليه السلام إلى الإمام الحسن في حاضرين بعد رجوعه من صفّين، وأذكر أنّ المرحوم العلاّمة عندما رجع من النجف إلى إيران كان يشرح نهج البلاغة أيّام الجمعة ويفسّر هذه الوصيّة، وكان عمري خمس سنوات أو أربع سنوات، ولا زالت عبارات تلك الجلسات منتقشة في ذهني! والقصص التي كان يحكيها وكانت كيفيّة تعبيره في تلك الأيّام جميلة جدًّا، فوصيّة الإمام عليه السلام لابنه في حاضرين هي معجزة أمير المؤمنين في نهج البلاغة.
عدم فهم بعض العصريين لفقرات وصيّة أمير المؤمنين للإمام الحسن عليهما السلام في حاضرين
بعد انتصار الثورة ترجمت هذه الوصيّة في جريدة اطلاعات، ولكنّ ذلك المترجم تصرّف وحرّف فيها وحجب بعض كلام المعصوم ولم يذكر ما يرتبط بالنساء، وقام بفعل قبيح ووقح جدًّا، رغم أنّ الترجمة كانت سلسة وجيّدة، فقد كانت ترجمته سلسة وجيّدة، ولكنّه خان وزاد وأنقص في كلام أمير المؤمنين، وهذه المصيبة كانت موجودة لدينا منذ زمان خلق آدم ولا تزال موجودة ويبدو أنّها ستبقى حتّى ظهور الإمام، فحيث كان هناك أمر مفيد لنا ويحقّق مصلحتنا نذكره، وحيث كان هناك أمر لا يفيدنا حتّى ولو قاله الله فإنّا لا نذكره، حتّى لو كان الله.
وقد نقل لي أستاذي آية الله الشيخ أبو القاسم الغروي۱ في تلك الرحلة التي سافر خلالها إلى ألمانيا عند أخيه لأجل العلاج في مدينة هامبورغ، وكانت هناك جلسة حضرها العديد من الإيرانيّين الذين كانوا هناك، وجرى حديث ذات ليلة مع رجل كان يصلّي هناك وكان مسؤول مسجد هامبورغ، وقد صار في عداد المتوفّين الآن، كان يقول: هذه الآية من القرآن التي تقول: الرجّال قوّامون على النساء ما معناها؟! إنّها لا تنسجم مع العصر، فأن يكون للرجال قواميّة على النساء وولاية وسيطرة فهذا لا ينسجم. لقد قال أستاذي إنّه تجرّأ وقال: ما نعرفه من الإسلام هو أنّه دين المساواة فما معنى ذلك؟ يعني هذه الآية ليست آية! هذه الآية هراء! هزل ولغو وعبث! هذا معنى ذلك في النهاية. ما نعرفه من الإسلام هو أنّه دين المساواة.
ماذا رأيت أنت وماذا فهمت من الإسلام حتّى صرت تقول هذا، أنت لم تفهم الإسلام، أنت لم تفهم الإسلام. وقد ذكرت في تلك المقدّمة أنّ معجزة أمير المؤمنين اليوم هي في تلك الفقرات التي ترتبط بأمور النساء، إنّه يوصي الإمام عليه السلام واليوم اتّضح أنّه يرى ما بعد ۱٤۰۰ سنة، ويرى أنّ هذه العلاقات بين المرأة والرجل، وهذه الهواتف آه منها آه منها آه منها! وشبكة الانترنت وهذه الهواتف النقّالة وهذه العلاقات ماذا أحدثت في العلاقات الزوجيّة بين الناس! وأيّ بلايا أوقعت على رؤوس الأسر! إنّه يرى هذا العصر: "وإن استطعت أن لا يعرفن غيرك فافعل". فاليوم اتّضحت معجزة ذلك لا في ذاك الزمان، حينها لم يكن هناك شيء. يقول في إحدى العبارات: "وَ لَيْسَ خُرُوجُهُنَّ بِأَشَدَّ مِنْ إِدْخَالِكَ مَنْ لَا يُوثَقُ بِهِ عَلَيْهِنَّ"٢
أن يفتحن باب الدار ويخرجن إلى حيث شئن ليس بأسوأ من أن تدخل من لا تثق به إلى بيتك وتخرج. ففي هذا الزمان تتّضح هذه الأمور، وفي هذا العصر يتبيّن أنّه في كمين الشيطان لا تنفع صلاة الليل ولا ذكر {لا إله إلا الله} ولا ذكر السجدة اليونسيّة ولا الصلاة في أوّل الوقت، ولا الصيام ولا غير ذلك، فعندما يقولون: ينبغي أن لا تكون المرأة على تواصل مع الرجل ولا تتكلّم مع الرجل ولا تتّصل به ولا تجيب على اتّصاله، فهذا أمر كان يعرفه أمير المؤمنين، كان أمير المؤمنين يعرف ويعرف ويعرف أنّ في هذا التواصل أيّ جنايات وفجائع واعوجاجات ومصائب لا ينجو منها إلا واحد بالألف، وأنا بدوري ووفق الدائرة المحدودة التي على تواصل معها يمكنني أن أقرّ وأعترف أنّ كثيرًا من المشاكل التي شوهدت كان سببها هذه العلاقات، وهذا النوع من التواصل، والحال أنّ الذين وقعوا كانوا ظاهري الصلاح، من أهل الصلاة والصيام وأهل القرآن وأهل المجالس. آه سيّدنا ماذا نفعل؟!
ـ ماذا تفعلون؟! عندما أقول: لا تتكلّموا. فلا تتكلّموا. وعندما أقول: لا تُجبْن على اتّصال الرجل عبر الهاتف فلا تجبنْ. عندما يمضون ويصطدمون يضربون على رؤوسهم أن ماذا نفعل؟ كان بإمكانك أن لا تفعل كلّ ذلك. أين يوجد مثل السيّدة زينب، يقولون: السيّدة زينب السيّدة زينب… فكم امرأة هي مثل السيّدة زينب؟! كم سيّدة زينب لدينا؟! كم سيّدة زهراء لدينا؟! لقد صار الجميع السيّدة الزهراء والسيّدة زينب! أنتِ من رأسك إلى أخمص قدميك عائشة ثمّ تقيسين نفسك على السيّدة زينب؟!
اليوم ندرك أنّ أمير المؤمنين عندما يقول يجب أن يكون تدبير المنزل وإدراة أموره بحيث تكون أنت وحدك المشرف عليه ولا يتمكّن الآخرون من التدخّل فيه، فماذا كان الإمام يرى وما هي الآفاق التي كان يراها؟! لم يكن يقول ذلك لنفسه بل كان يقوله لنا نحن.
فهذه الوصيّة وصيّة كان المرحوم العلاّمة يقول إنّ من الجيّد أن تُترجم وتنشر في عيد الغدير، وتوزّع بين عموم الناس، وإن شاء الله إذا وفّقنا الله ستكون جاهزة للنشر هذه السنة في عيد الغدير.
واقعًا عجيب، واقعًا عجيب، علينا أن لا نزيد ولا ننقص من عند أنفسنا، فكلام المعصوم يجب أن لا يزاد عليه ولا ينقص. إنّ اتّباع كلام المعصوم يعني قبول ولايته، والآية القرآنيّة تقول ذلك أيضًا: إن كان آباؤكم وأمّهاتكم وأبناؤكم وعشيرتكم وأموال جمعتموها وأزواجكم… فمهما قال الزوج لا بدّ أن أطيع فقد أمر الزوج في النهاية فماذا أفعل؟ اذهبي وافعلي ما شئت! ويقول الرجل: تقول زوجتي إنّها ستفسد حياتي وتجعلها مرّة وقلقة وأنا مجبر أن أتنازل.
يقول الله: إن كانت أموال اقترفتموها وجمعتموها وتجارة تخشون كسادها وخسارتها فتغشّون فيها وتكذبون، أحبّ إليكم من الله ورسوله، فإذا وُزنت كانت أثقل وأحبّ، عندما تنظر إلى القلب ترى حين المقايسة أنّ ذاك الجانب هو الأهمّ.
لقد اتّصل أحدهم بي وطبعًا ليس على الهاتف النقّال بل على المنزل فقال: إنّ زوجتي تقول: عندما تأتي ابنة عمّتي بغير حجاب وتأتي ابنة خالتي بدون حجاب وتأتي فلانة دون حجاب أنت تعبس وتقطّب، وتفسد علاقاتنا وأوضاعنا. وتقول لي: أنت رجعيّ وأمثال ذلك فإذا فعلت ذلك مرّة أخرى فسأخرج من المنزل، إمّا هذا وإمّا ذاك، فكانت تقول له: قل لسماحة السيّد ماذا نصنع؟ فقلت: افعلوا ما شئتم! فاستقبال غير المحجّبة في المنزل حرام، وجلوس الرجل والمرأة حرام، والسفور حرام، والحرام لا يصير حلالاً. طبعًا هناك بعض أنواع السفور صارت حلالاً الآن!! ولكن ما نعلمه هو أنّ السفور حرام ولن يصبح حلالاً أبدًا. أن تأتي ابنة العمّة سافرة فهي مخطئة إذ تأتي، ألا يمكنها أن تضع حجابًا على رأسها، أيصيبها صداع في رأسها؟! فلتضع حجابًا على رأسها، لماذا لم يكن رأسها يؤلمها في الخارج؟! لأنّ الشرطة توقفها إن خرجت دون حجاب، أمّا إذا جاءت إلى المنزل فهي ترفعه. فليكن على رأسها إنّه لا يسبّب ألمًا، لا يصيبها شيء بسببه. وكذا بالنسبة إلى الثياب فهي في الخارج تلبس الثياب، أمّا إذا دخلت إلى بيت أقربائها نزعتها كلّها، أفهل هي في حمّام؟! فلتبق كما كانت. إن أردت أن تتكلّمي فلتتكلّمي فلنفترض أنّا لن ندقّق كثيرًا في أمر الكلام. ولكنّهم يقولون: كلاّ لا بدّ أن تأتي وتخلع ثيابها وتجلس وتضحك حتّى لا يكون هذا رجعيًّا ويصبح عصريًّا، يمكن أن يكون الإنسان أكثر عصريّة بأن يذهب إلى الأماكن المعاصرة وينظر إليها ويتعلّم المعاصرة! فقلت: إنّ هذا العمل حرام، والسماح لها من قبلك بما أنّك المسؤول عن المنزل هو حرام. فلم يسمح لها باستقبالها فخرجت من المنزل وقالت لا أرجع. آه لقد خرب كلّ شيء فجأة فاتّصل في اليوم التالي وقال: لم أسمح لها باستقبالها فخرجت.
فقلت: خرجت فلتخرج إلى جهنّم.
ـ ماذا نفعل الآن؟
ـ أنت أخبر ما علاقتي أنا بذلك؟ لو سألتني حتّى يوم القيامة فإنّي أقول: إنّه حرام. أمّا قولك ماذا أفعل الآن؟ فهذا شأنك، وأنا لا أتراجع عن كلامي وحكمي وفتواي وأقول: كلاّ، إذا غضبت زوجتك فلا بأس أن تأتي تلك السافرة وتجلس وتتحدّث وتضحك وليجلسوا ويقضوا أوقاتهم معًا، فأنا لا أقول هذا، اذهب وعالج نفسك بنفسك، اذهب ودبّر الأمر بنفسك، لقد وصل الأمر إلى حال يريدون من الجميع معه أن يتواضعوا له ويعظّموهم مهما فعلوا. فهذا معنى إن كان أبناؤكم أحبّ إليكم من الطريق إلى الله ورسوله، يعني أنّ تترك طريقك من أجل ابنك، وتترك مدرستك من أجل زوجتك، وتقصّر من أجل أموالك وتجارتك، فتربّصوا أي ترقّبوا وتوقّعوا وانتظروا قلقين، فالتربّص هو التحديق هنا وهناك هذا هو التربّص، فلو سمع الإنسان صوتًا ثمّ أخذ ينظر إلى هذه الناحية وتلك لعلّ حيوانًا يأتي من هنا أو عدوًّا من هناك فهذا هو التربّص، فهو النظر إلى هذه الناحية وتلك والترقّب، فتربّصوا حتّى يأتي الله بأمره، حتّى آتي وأحاسبكم وأصفّي حسابي معكم، ولست أمازحكم، لقد جئت بكم إلى هذه الدنيا بغير اختياركم، وسأخرجكم منها وقد كلّفتكم بتكليف لا بدّ أن تقوموا به، فإن قمتم به فلكم السعادة الأبديّة والفلاح الأبديّ والسرور الأبديّ والفوز الأبديّ، وإلا أخذنا بتلابيبك حتّى تتذكّر طفولتك. أتظنّ أن لا خبر عن ذلك، وأنّك تأتي هكذا وترجع وتفعل ما تشاء وكيف تشاء. بل هناك حساب دقيق.
فإذن يتّضح من هذه الآية أنّ ولاية الأئمّة ومودّة الأئمّة وهي عين مودّة الله فلو أراد الإنسان أن يرجّح شيئًا على ولاية الله فعليه أن يترقّب ويتربّص. فهذه هي المتابعة. فبما أنّ رسول الله هو آخر نبيّ وآخر رسول، وليس بعده نبيّ، فإنّ الله تعالى يقول: هذه السلسلة لم تنقطع، فالأنبياء السابقون كانوا يقولون اذهبوا إلى الله لأنّ النبيّ اللاحق سيأتي ويملأ هذا المكان، وهكذا من بعده حتّى يصل الأمر إلى رسول الله وبعده انقطع الوحي، فبما أنّ الوحي انقطع فمن الذي يجب أن يكون خليفة رسول الله؟ من كان نفسَ رسول الله، من كانت له وحدة مع رسول الله. ومن هو؟ إنّه أمير المؤمنين وأحد عشر ابنًا من أبنائه. إنّه نفس رسول الله وله وحدة معه، وكلامه كلام رسول الله. فإذن متابعة رسول الله لها مشروعيّة لأنّها تفتح طريق الإنسان إلى هناك، وهذه المشروعيّة الذاتية ستكون أيضًا لمتابعة من كان نفسه، نفس رسول الله وروحه، فإذن هو عينه، {قل إن كنتم تحبّون الله فاتّبعوني يحببكم الله}۱. إن كنتم تدّعون أنّكم تحبّون الله فاتّبعوني لا بدّ أن تسيروا خلفي.
معنى وحدة الأديان ومنافاته لاتّباع النبيّ صلّى الله عليه وآله
لا يمكنكم أن تقولوا نحن نحبّ الله ونقول بوحدة الأديان أيضًا، فواحد على دين عيسى، فدين عيسى مشروع، وآخر على اليهوديّة، فهؤلاء الذين يقولون بوحدة الأديان لا يدركون أنّ وحدة الأديان في كونها طريقًا صحيحة، ولكن هذا الدين لا حجّية له في زمان آخر، فعندما يشرّع الدين من ناحية المشرّع فإنّ حجيّته هي بإمضاء المشرّع، فكما يعدّ خائنًا ومنحرفًا من أضاف في زمان التشريع حكمًا على الدين اليهوديّ أو أنقص منه حكمًا، فكذلك إذا أسقط المشرّع ذلك الدين عن درجة الاعتبار وجعل مكانه المسيحيّة ثمّ قال قائل أنا لا أعتقد بالمسيح، فهذا خائن أيضًا، وهكذا بالنسبة إلى تشريع الشريعة الإسلاميّة، ويستفاد من هذه الآيات أنّ حقيقة الدين حقيقة الاتباع، فمن كان متّبعًا فهو من أهل الدين، ومن لم يكن متّبعًا فليس من أهله. والاتّباع لمن؟ اتّباع أهل البيت، لأنّ الله ورسول الله يقولان: إنّ اتّباع رسول الله هو اتّباع الله، واتّباع ذوي القربى هو عين اتّباع رسول الله، فنحن لا ننقص من أنفسنا ولا نزيد، أننقص حيث نشاء! لا بدّ من العمل بما قالوا به بنفسه وفي موضعه وفي موطنه.
ما حكم المصافحة بعد الصلاة؟
قد سئلت عن التصافح بعد الصلاة ما حكمه؟ فقلت إنّه بدعة، والبدعة خلاف الشرع، وقد قلت الصواب. والآن أيضًا أقول ذلك، فنحن مأمورون بعد الصلاة مباشرة بسجدة الشكر، ثمّ بتسبيحات السيّدة الزهراء، فأين ورد أن نعانق بعضنا ونتصافح؟! أين ورد لدينا أن قولوا هذا الكلام واقرؤوا هذا الشعر وأمثال ذلك؟! هل لدينا رواية أن التفتوا بعد الصلاة إلى بعضكم وقولوا تقبّل الله تقبّل الله؟! ما لدينا هو أنّ على المصلّي بعد الصلاة أن يحافظ على حالة الصلاة ولا يتكلّم ولا يلتفت ذات اليمين وذات الشمال، ولا يدير بوجهه إلى هذه الجهة وإلى تلك، فماذا حصل حتّى يصافح هذا وذاك! فهل هذه صلاة؟ بل يسجد سجدة الشكر ثمّ يسبّح تسبيحات السيّدة الزهراء، وقد سمعت السيّد الحدّاد رضوان الله عليه يقول: أيعقل أن يسمّي الإنسان نفسه سالكًا ويترك تسبيحات السيّدة الزهراء بعد الصلاة؟! أيعقل؟! إنّه ليس سالكًا! فانظروا إلى هؤلاء الأعاظم كم كانوا متعبّدين وكم كانوا متقيّدين! ولكن هناك من سأل البعض فقال له: هناك من يقول إنّ أحد العلماء يقول إنّ المصافحة بعد الصلاة بدعة فما هو رأي العلماء؟ فقال بعضهم مستحبّة ولا إشكال فيها، وقال آخر: كلاّ لا دليل عليها، وقال ثالث… لا بدّ أن تكون الفتوى على أساس متين يا عزيزي، هل مصافحة المؤمن مستحبّة في جميع الأحوال؟ هل مصافحة المؤمن مستحبّة في بيت الخلاء أيضًا؟! فالإنسان لا يتكلّم هكذا، هناك الكثير من الأمور المستحبّة، المستحبّ هو ما يكون موضع رضا الشارع مع تحقّق موضوعه وشروطه، لا في كلّ مكان. فالسلام مستحبّ أم لا؟ ولكن الشارع نفسه الذي يقول هو مستحبّ ورسول الله كان يسابق الناس في السلام، هذا السلام عينه يكون مخالفًا لرضا الله في بعض الموارد، فمن كان يصلّي لا تسلّموا عليه، فهذا مكروه ويشتّت ذهنه.
يقولون: كلاّ هنا مستحبّ، ولا بدّ من السلام.
ـ كلاّ فإنّ ذهنه يتشتّت.
وفي الحمّام أيضًا، فمن كان في الحمّام ماذا يفعل؟ إنّه ينظّف نفسه، فلو فرضنا أنّ هناك من يقول له: السلام عليكم السلام عليكم. هو مشغول بعمله فينبغي أن لا نشغله ولا نخرجه عن جوّه الخاصّ، أو الخطيب عندما يتكلّم فعندما يأتي أحد ويسلّم فيجب عليّ أن أقول: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. السلام عليكم عليكم السلام، فهذا واجب أم مستحبّ؟! فالروايات التي لدينا لا بدّ أن يجعل كلّ منها في مقامه، فهناك دعاء، ولكلّ مقام دعاؤه الخاص، فهناك دعاء للوضوء ودعاء لبيت الخلاء، فهل تقرأ دعاء بيت الخلاء عند الوضوء؟! أتذكرون أشعار مولانا؟ إن كنتم لا تذكرونها فاذهبوا الليلة وطالعوها ولن أذكرها الآن ينبغي أن تطالعوها أنتم لكي تصل إلى عمقها. نعم فهذا الدعاء مستحبّ لذاك الموضع، وهذا الدعاء مستحبّ لهذا الموضع. والمصافحة مستحبّة عندما يلتقي مؤمنان لا بعد أن يصلّيا، فعندما يصلّيان لم يلتقيا، وعندما يلتقيان بدلاً من الاقتصار على المصافحة وهزّ اليد كما يفعل أهل هذا الزمان ينبغي المصافحة بكلتا اليدين وتقبيل اليد بعنوان أنّ هذه اليد لم تكن إلا يد الله، نعم هذا صحيح ولكن هل نأتي بهذا الاستحباب الذي موضعه لقاء المؤمنَين إلى ما بعد الصلاة؟ هذا خطأ. فعله بعد الصلاة هو مورد كراهة الله لا مورد رضاه، وهكذا لو كان هناك إنسان في حالة سكوت، فأحيانًا يكون الإنسان صامتًا متفكّرًا، يجلس هكذا ساكتًا ويريد أن يبقى هكذا ساكتًا، فهنا أيضًا يكره السلام عليه فيخرج عن حالته، والإنسان بنفسه يدرك أنّ هذا الإنسان ساكت أو يفكّر في أمر ما أو يغوص في أمر ما. وهكذا لو كان هناك إنسان مريض فلو أراد الإنسان أن يسلّم عليه ويحدّثه فإنّه سيلتفت إليه ويخجل ويغيّر من وضعه، فهذه كلّها موارد يكره فيها السلام. فلتستعمل عقلك يا عزيزي، فالإنسان لا يسلّم في أيّ مكان، فالمصافحة لها مكانها، ومكانها هو حين يلتقي مؤمنان ويصل أحدهما إلى الآخر فيتصافحان ويسأل كلّ منهما عن أحوال الآخر وأوضاعه، وهذا جيّد جدًّا، ولكن لم يأمرونا بذلك في حال الصلاة، فلماذا نقول إنّ المصافحة مستحبّة بنحو كليّ وشامل، واستحبابًا مطلقًا، كلاّ، فالمصافحة بعد الصلاة مكروهة، وليست ممّا يرضاه الشارع ويمضيه.
نعم هناك رواية في أنّ رسول الله في المعراج بدأ بعد الصلاة بالتسليم على الأنبياء، وهذا يرتبط بعالم المكاشفة وعالم الكشف، ولا علاقة له بهذه الصلاة وبهذا العمل الظاهري، وإذا استطعنا أن نستنبط منه، فإنّ الروايات التي تدلّ على عدم فعل المنافي، مع عدم ورود عمل كهذا طيلة حياة أهل البيت عليهم السلام، تكفي لكون ذلك بدعة.
المستحبّ هو ما يجده الإنسان من قبل الله والرسول والأئمّة لا أن يبدي وجهة نظره الخاصّة ويضيف أو ينقص، فـ{ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}۱. وكان بإمكان رسول الله أن يلتفت بعد الصلاة إلى هذا الجانب وذاك ويصافح عمر وأبا بكر وعبد الرحمن وسلمان وأمثالهم، فهل لدينا في الرواية أنّ النبيّ كان يصافحهم بعد الصلاة عندما كان في المدينة عشر سنوات وفي مكّة ثلاث عشرة سنة؟ وهل كان أصحاب الأئمّة في ذاك الزمان يصافح بعضهم بعضًا بدلاً من تسبيحات السيّدة الزهراء والأدعية المأثورة؟ فإلى أين نحن ذاهبون؟ إلى أين نحن ذاهبون؟ ولماذا علينا أن لا نعمل بالسيرة التي وصلتنا عنهم صافية وواضحة؟ ولماذا علينا أن نؤوّل ونوجّه؟ فإلى متى علينا أن نؤوّل؟ إلى متى علينا أن نوجّه؟ إلى متى علينا أن نضيف من أنفسنا خلافًا لما كانوا يعملون؟ فلو أنّ الإمام الصادق كان يصافح فعلى أعيننا، ومن الآن نصافح، وما دام لم يصافح فلماذا نضيف من عند أنفسنا، لا أدري ما هذا الداء ما هذا الداء الذي جعلنا ملوكيّين أكثر من الملك! فهذا مرض في النهاية مرض، الأئمّة ولمدّة ٢٥۰ سنة لم يصافحوا، وفجأة صارت المصافحة عندنا مستحبّة فماذا حصل؟! نحن الآن عندما نقول ذلك للنّاس فإنّهم يعملون به، يرتّبون عليه أثرًا فيخسرون فيض الصلاة وحضور القلب والله، فما دام لديه حالة توجّه إذا ما التفت إلى هذا وقال له تقبّل الله ـ وإن شاء الله يقبل الله ـ فقد انتهى الأمر وذهبت تلك الحالة، والأئمّة لم يوصونا عبثًا بأن علينا أن نلتفت إلى دين الناس، وأن نلتفت إلى خلوص الناس، فلنلتفت أكثر بقليل ولا نضيف من عند أنفسنا.
الدين هو ولاية أهل البيت عليهم السلام والولاية هي الاتّباع الكامل لهم
فهذا هو المطلوب، وهذا الأمر مهمّ وهو أنّ الدين هو عبارة عن ولاية أهل البيت، وولاية أهل البيت تعني متابعة أهل البيت، فإذن الدين هو الولاية والولاية هي الاتّباع التامّ المطلق، فإذن كلّ ديننا هو ولاية إمام الزمان، جميعه وبنسبة مائة بالمائة، هو متابعة إمام الزمان مائة بالمائة، هو اتّباع إمام الزمان مائة بالمائة، هو التبعيّة لإمام الزمان مائة بالمائة، هو الالتفات إلى جميع ذلك مائة بالمائة، ولا يكون هناك شيء آخر بنسبة واحد بالمائة، لا تكون هناك نسبة من غيره، كلّه عبارة عن ولاية إمام الزمان واتّباعه، ومن سار على خلاف ذلك فقد خسر، هذا معنى تلك الآية الشريفة: {قل لا أسألكم عليه أجرًا إلا المودّة في القربى}. يعني أنّ هذا الأجر المترتّب على الرسالة يعني تقبّل ولاية بقيّة الله، هذا معناها وانتهى الأمر، هذا معنى الدين، والأجر هو الاقتداء بإمام الزمان، الأجر يعني اتّباع إمام الزمان، الأجر يعني رفض جميع الإرادات والمشيئات وجعل إرادته ومشيئته بدلاً منها، هذا المعنى هو معنى الأجر، هذا هو الأجر.
حسنًا لقد انتهى الوقت، وإن شاء الله نرى ماذا يقدّر الله حتّى الليلة القادمة، وعلى كلّ حال، إذا ثبتت الرؤية قبل انعقاد الجلسة فستكون الليلة القادمة الليلة الأولى من الشهر، وإلا فسيكون المجلس طبق المألوف، وإذا ما وفّقت فسأكون من جهتي في خدمة الرفقاء والأصدقاء.
وقد صار ختامه مسكًا، واتّضح أنّ كلّ الالتفات والقصد والنيّة لا بدّ أن تنصبّ على إمضاء صاحب الولاية وفي سياق تحصيل ذلك، وهذا يتطلّب عملاً، أمّا الاقتصار على المجيء إلى هنا والجلوس والاستماع فليس بشيء، وعلينا جميعًا ابتداء منّي وانتهاء بالحاضرين أن نعمل بهذه التعاليم التي جرى الحديث عنها خلال هذه الأيّام، وأن نفكّر وننظر إلى أيّ حدّ يمكن أن نقترب بأنفسنا من هذه المفاهيم.
نطلب من الله أن يتجاوز عن زلاّتنا وخطايانا وضعفنا بكرمه وجوده، وبصدق سرّ هؤلاء الأولياء والنفوس الطاهرة المقدّسة والنوايا الخالصة التي تنشأ عن ضمائر وسرائر العصمة المطلقة والطهارة المطلقة لكلمات الإمام السجّاد هذه، فهذه الفقرات ليست تجميعًا نأخذ واحدة من هنا وواحدة من هناك ثمّ نؤلّف منها نصّ زيارة لأحد ما، كلاّ يا عزيزي بل هذه نوايا نشأت من ضمائر وصلت إلى الطهارة الذاتيّة، فطهارة هؤلاء ليست طهارة كسبيّة بل طهارة ذاتيّة، وعصمة هؤلاء عصمة ذاتيّة، كأنّ وجود الله بعينه ـ والذي هو في مقام العبوديّة ـ يعيد القول إلى الله ويخاطب الله ويجيب الله، يجيب على قوله لبّيك، فالإمام السجّاد عليه السلام هكذا يدعو الله، فبهذه النوايا الطاهرة نقسم على الله أن يعاملنا بلطفه، وهذا ما نتوقّعه، فنحن نتوقّع من الله أن يرينا ألوهيّته وأن يرينا مولويّته، وأن يثبّت أقدامنا على صراط وليّه والإمام الحيّ الإمام بقيّة الله، وأن يديم علينا نظره وعنايته.