المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني
القسمعنوان البصري
المجموعةالخسران و بطلان العمر
التاريخ 1427/02/03
التوضيح
هل يعني استغلال العمر الإكثار من العبادة والزهد الظاهر؟
هل يمكن لغير أولياء الله أن يطّلعوا على بواطن الناس؟
كيف تنفى البطالة في مراتب الظاهر والخيال والسرّ؟
لماذا صار أصحاب سيّد الشهداء عليه السلام نموذجًا؟
تجيب هذه المحاضرة على هذه الأسئلة ضمن سلسلة السلوك العقلاني من شرح فقرة ولا يدع أيّامه باطلاً من حديث عنوان البصريّ
هو العليم
السير العقلاني والمراتب الوجوديّة الثلاث
شرح حديث عنوان البصريّ - المحاضرة ۱٢۷
ألقاها:
آية الله الحاجّ السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ
قدس الله سره
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلّى الله على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم محمّد
وعلى آله الطيّبين الطاهرين
واللعنة على أعدائهم أجمعين
كان البحث حول كلام الإمام الصادق حين قال: ولا يدع أيّامه باطلاً، وكان حديثنا في الجلسات السابقة حول كيفيّة السلوك العقلاني وتصحيح الخيال، وحيث طالت المدّة بين هذه الجلسة والجلسة السابقة، قلت: فلنلخص المسائل السابقة. وإن شاء الله لا يملّ الرفقاء من هذا التكرار، وربّما لا يكون خاليًا من الفائدة أيضًا، وإذا استطعنا اليوم فسننهي هذا الموضوع ونشرع في الجلسة الآتية بفقرة أخرى إن شاء الله.
يقول الإمام لعنوان إنّ من كان طالبًا لطريق الله فعليه أن لا يدع أيامه تنقضي باطلة.
واقعًا هذا الكلام عجيب جدًّا، سهلٌ على اللسان، وربّما كان الجميع معترفين بهذا الأمر سواءٌ العالم منهم والعامي، أهل العلم وغير أهل العلم من جميع الأصناف، ووِرْدُ ألسنة الجميع أنّه لا ينبغي لأيّ إنسانٍ أن يقضي عمره بالبطالة، وأن يكون وضعه بحيث أنّ ما يحصّله من مرور العمر لا يسبّب له الندم، وأن لا تكون هناك خسارةٌ وحسرة ولو بأيّ مقدار وأيّ مستوى.
شدّة اهتمام الإنسان بعدم تضييع عمره بالنسبة إلى أمور الدنيا وإهماله لأمور الآخرة
واللطيف هو أنّنا نراعي هذا الأمر في الشؤون الدنيويّة لنا على أحسن نحوٍ وأكمله، فالذي يُبتلى بمرضٍ متعارف ويشعر بالخطر إن كان إنسانًا عاقلاً ولم يكن لا أباليًّا فإنّ كامل غمّه وهمّه ينصبّ على علاج نفسه، وتحصيل الصحّة والسلامة، يصرف جلّ غمّه وهمّه في هذا الأمر كي يصل إلى النتيجة المطلوبة، أو الإنسان الذي يسعى إلى تحصيل شهادة من هذه الشهادات الظاهريّة، نجد أنّه يبذل الجهود والمساعي لتحصيلها بكلّ ما أوتي من قوّة وإمكانات ووسائل وأدوات. أو التاجر الذي يسعى في تجارته بنظرةٍ دنيويّة لا بنظرةٍ إلهيّة، فالتجارة بالنظرة الإلهيّة تختلف، فأوّلاً لا يكون شديد الحرص والاهتمام كما أنّه لا يصرف كامل وقته، وإذا خسر شيئًا لا يحزن يقول: إن ذهب فلا بأس. بكلّ بساطة. فهذه رؤية إلهيّة. ثم إذا جاءه إنسان وطلب منه شيئًا لا يملكه يدله على غيره فيقول: هناك تاجرٌ آخر في تلك الجهة من السوق لديه هذه الأشياء وهو خيرٌ منّي، فاذهب إليه. هذه الرؤية هي رؤية إلهيّة، في الرؤية الدنيويّة ليس الأمر كذلك، وبصورةٍ عامة كلّ الأفكار ترجع إلى تحصيل المنافع لنفسه وإلحاق المضارّ والمشكلات بالآخرين، فهذه هي الرؤية الماديّة.
أذكر أنّي كنت أطالع يومًا كتابًا ما فقرأت أنّ المزارعين في أميركا زاد محصول القمح عندهم على ما يبيعونه بشكلٍ كبير، فكانت كميّة كبيرة جدًّا ذُكرت هناك ولو وُزّعت على الدول الأفريقيّة الفقيرة لأمّنت حاجتها إلى القمح لسنة، وحفاظًا على الموازنة الدوليّة والتجارة ألقوا كلّ هذا القمح في البحر حتّى تبقى قيمة القمح في الأسواق العالميّة كما هي ويستمرّوا على ما كانوا عليه. هذه هي المعاملات الماديّة والرؤية الماديّة، فليمت الناس في الدول الفقيرة من الجوع في حين أنّهم يمكنهم أن يعطوهم هذا القمح، هذه النعمة الإلهية النازلة من السماء، فهم لم يكن بإمكانهم أن يصنعوا القمح، فالأرض ليست لهم والماء ليس لهم والشمس ليست لهم، هذه وسائل وأدوات جعلها الله تعالى لإحياء الأرض والزرع والمحصول ولكنّهم استعملوها في طريقٍ شيطانيّ فهذا الإنسان يقول: إن مات الآخر فليمت ينبغي أن لا تهبط قيمة هذا الشيء، ينبغي أن لا تهبط. هذا الإنسان الذي نرى أنّ كامل همّه وجهده يبذلهما على أكمل وجه، يظنّ أنّه يبذل عمره وقدراته ويفكّر ويتشاور مع المستشارين وأهل الخبرة لكي يصل إلى هذه النتيجة الدنيويّة المطلوبة.
ولكن إذا دقّقنا في الأمور المعنويّة والإلهيّة نجد أنّ الأمر سخيف جدًّا، فليس هناك الإرادة والهمّة الكافيتان لذلك، هناك اهتمام بنسبة عشرين بالمائة أو بنسبة ثلاثين بالمائة أو أربعين بالمائة، فلا نهتم بهذا الأمر اهتمامنا بالمسائل الحيويّة والمهمّة فما سبب ذلك؟ إنّه استبدال الأمور العابرة بالأمور الأساسيّة الحيويّة، فنرى أنّ الأمور العابرة حيويّة وواقعيّة ولا يُتساهل فيها، والأمور الحيويّة عابرة ولا تستحقّ الاهتمام، ونتعامل معها بهذا المقدار.
هل يعني استغلال العمر الإكثار من العبادة والزهد الظاهر؟
واقعًا هذه الفقرة عجيبة ولا يدع أيّامه باطلاً، نحن نتصوّر أنّه يجب أن نقضي العمر بالعبادة فمن يصلّي أكثر ويُظهر القداسة والزهد أكثر والمشغول بذكر الله أكثر، فهو الإنسان الذي قلبه متوجّهٌ دائمًا إلى ذكر الله ولسانه مشغولٌ به. ولكن ليس الأمر كذلك والمسألة أرفع من ذلك، كان هناك الكثير من الناس ولا يزالون، هدفهم الأساسي وغايتهم هي الدنيا ولكنّهم يشتغلون بهذه الأمور إرضاءً لأنفسهم وتظاهرًا أمام الآخرين، الأمر الذي يسبّب الشبهة، فهذه المسألة عجيبة جدًا وكثير من الأخطار تنشأ من هنا.
هل يمكن لغير أولياء الله أن يطّلعوا على بواطن الناس؟
فالذين يظنّهم الناس ظاهري الصلاح وباطني الصلاح، يسيرون في منهجهم ومسلكهم بطريقةٍ تشدّ انتباه العوام، ويستعملون بشكلٍ جيّد الأدوات الكافية والوسائل اللازمة، فيؤسر الناس المتحيّرون عديمو الخبرة بهذه الأمور في شباك الظواهر الجذّابة، ولأنّهم لا اطلاع لهم على الباطن فإنّ تمييز الصالح من الطالح بالنسبة إليهم ليس فقط أمرًا مشكلاً بل هو ممتنعٌ، فلا يمكنه أن يميّز أصلاً أيّ شيطنة وتعفّنٍ وراء حجاب الزهد والقداسة هذا، لا يمكنه أن يعرف أيّ نفسٍ شيطانيّةٍ وراء هذه الكلمات والألفاظ والعبارات الأخلاقية التي تبيّن للناس، مجلسهم مجلس دعاءٍ وابتهال وبكاء، كلامهم كلامٌ أخلاقي وروايات الأئمة المعصومين وآيات القرآن الكريم وحكايات وكلمات الأولياء والأعاظم، حركاتهم بطمأنينة وهدوء، يطأطئون رؤوسهم ويمشون فيخال الإنسان أنّهم سيقعون على الأرض بعد خطوتين، ذهابهم وإيّابهم خادعان، وحركاتهم حركات إنسانٍ مخادعٍ للعوام، لا حركاتٌ ناشئةٌ من الملكات الصالحة في النفس، عندما يتكلّمون فإنّ كلامهم جذّاب، ولكن عندما يتعامل الإنسان معهم يظهرون ما عندهم...
أذكر أنّه في زمان المرحوم العلامة رضوان الله عليه كان هناك رجلٌ من أئمة الجماعات يشارك في مجالس العزاء التي كانت تقام صباحًا في أيّام عاشوراء في مسجد القائم، كان هناك عدد من الخطباء يتكلّمون وكان آخرهم الشيخ الحلبي رحمة الله عليه، فقد كان آخر الخطباء وإنصافًا كان يتكلّم بشكلٍ جيّد، طبعًا في بعض الموارد كان يذكر أمورًا موضع تأمّل ونظر، ولكن من حيث المجموع كان رجلاً فاضلاً يتحدّث عن دراسة، ومواضيعه مهمّة، ولذلك كان الناس يأتون، عندما كنت حينها أنظر إلى حركات واحدٍ من أئمة الجماعات هؤلاء، كنت أرى أنّ هذا الإنسان لا يناسب، أي إنّ وضعه ومكانته لا يناسبان أن يأتي إلى هنا، فلم أكن أشعر بالتناسب، ففي النهاية لا بدّ أن تكون هناك مشابهة بين المشاركين بحيث يقبلون دعوة الإنسان، وكان المجلس مجلسًا عامًا يمكن لأيّ إنسانٍ أن يشارك فيه، وبعد مدّةٍ علمت أنّ هذا الرجل الذي كان يأتي مع القادمين والذي كان يُظهر المحبّة للمرحوم العلامة كانت له علاقةٌ مع بعض الأفراد المرتبطين بالمرحوم العلامة، ولكي يصل إليهم لم يكن يرى بدًّا من الحضور إلى هذا المسجد ويجعل نفسه من المرتبطين والمتعلقين به ولذلك كان يأتي.
فانظروا كم الأمر عجيبٌ! وهذا الأمر بيّنه هؤلاء بأنفسهم الذين كانوا على صلةٍ به، ثمّ وبعد أن قويت علاقته بهم بدأ بالكلام ضدّ المرحوم العلامة، فعندما شعر أنّه صار صاحب موقع عندهم وإذا تكلّم فإنّ كلامه مقبول بدأ بالكلام، ولكنّه كان قد استعجل بهذا الكلام لأنّه كان قد بقي هناك مقدارٌ ما حتّى تحصل الثقة، كان ينبغي أن يصبر سنتين أو ثلاثًا، إلا أنّه استعجل فتفرّق عنه هؤلاء المريدون فلم يصل إلى هنا ولا إلى هناك.
اللطيف هو أنّه من هو الذي يمكن أن يميّز؟ أيّ واحدٍ من الناس؟ لا أقول من الرفقاء الحاضرين هنا، بل الذين كانوا هناك، فلو قلت لأيّ واحدٍ منهم لقال: كم كان محبًّا للعلامة! وكم كان يتعامل بلطف! ولكن عندما كنت ألاحظ حركات المرحوم العلامة في العلاقة معه كنت أرى أنّها بمستوى بسيط جدًّا ولا شيء فيها. فقد كان حاله واضحًا، كلّما كان يقترب من المرحوم العلامة كان المرحوم العلامة يجعل له حدًّا وحريمًا ويحافظ على موقعه. وهذا الأمر كان بالنسبة إلى الجميع لا بالنسبة إلى هذا وحده، فهذا كان واحدًا من الموارد التي رأيتها، كانت هناك موارد أخرى، فهذا واحدٌ منها وقد كنت أرى الكثير من الموارد المشابهة. حتّى أحيانًا كانت كيفيّة علاقة الأعاظم مع الناس تبعث على التساؤل عندنا، فمع أنّ هذا يبدي المحبّة والموّدة فلماذا لا يُشاهد من الطرف المقابل جوابٌ مناسبٌ له، كلّ هذه الكلمات التي تجري على لسانه وحركاته وسلوكه وكلامه وقول: ليتني أفديك بروحي، وأمثال ذلك، فلماذا لا يُشاهد من الأعاظم جوابٌ مناسب لهذا؟ لماذا؟ إنّه كان يلاحظ الباطن، كان يرى أنّ كلّ ذلك خدعةٌ ورياء ومكرٌ، كلّ ذلك نفاقٌ، كلّ ذلك للفت أنظار العوام، هو يرى ذلك في الباطن، غاية الأمر أنّ مقام الستر والإخفاء لا يسمح له أن يُعلن هذا الباطن وينظر إليه ويقول: أنت الآن إذ تبدي هذا الاحترام أمامي، ماذا قلت عني قبل ليلتين في ذلك المجلس مع فلان؟! لا يقول هذا، بل يمضي بنحوٍ من الأنحاء: أيّدك الله وسدّدك، وفّقك الله إن شاء الله، يتجاوز عن المسألة بهذا الشكل فيظنّ ذاك أنّه وصل إلى الغاية وسيطر على قلب ذلك الولي، ولكنّ قلبه هو العنقاء التي لا يمكن لأيّ إنسانٍ أن يصطادها ولا تقع في فخّ أيّ ذبابة، هكذا هي حقيقة المسألة.
يظنون أنّهم يمكن أن يصلوا بهذه الألفاظ والعبارات غافلين عن أنّ هذا الضمير والسرّ مرتبطٌ بسرّ الله ويستفيض النور منه وأنّى للظلمة أن تعترض النّور؟! أنّى للظلمة أن تدخل النور؟ يأتي النّور ويقضي على الظلمة، فإذا أضيء هذا المصباح فلا ظلمة، وإذا أطفأتم هذه المصابيح تجدون الظلمة قد غطّت كلّ شيء، ما إن تضغطوا هذا المفتاح حتى تتبدّد الظلمة وتنتهي، وإذا جاء النور فلا يمكن للظلمة أن تأتي وتقول: أنا أريد أن أجعل نفسي مع النور في مرتبةٍ واحدة، ما إن تأتي حتّى يطردها. هذا حول أيّ شيء؟ هذا ما يرتبط بالأمور الدنيوية وذاك ما يرتبط بالأمور الإلهيّة.
المراتب الثلاث لنفي البطالة
يقول الإمام عليه السلام لعنوان إنّ سالك طريق الله إذا أراد أن يُصلح نفسه وإذا أراد أن يصل إلى الهدف، وإذا أراد أن يصل إلى تلك المرتبة وذلك الكمال والتمام الذي جُعل له والمقصودِ من تكوّنه وتكوينه، فعليه أن لا يقضي عمره بالبطالة، كلّ لحظةٍ من عمره يجب أن تكون بذكر الله، كلّ ساعةٍ من عمره يجب أن يقضيها بذكر الله، وذلك في المراتب الوجوديّة الثلاث:
مرتبة الظاهر
المرتبة الأولى مرتبة الظاهر: فينبغي أن يكون عمله مطابقًا للشرع، ذهابه وإيابه مطابقًا للشرع، حركة لسانه مطابقة للشرع، يجب أن تسمع أذنه ما يطابق الشرع، يجب أن تتحرّك يده ورجله بما يطابق الشرع، ما إن يرى أنّ هناك غيبة في مكانٍ ما إمّا أن يبدّل الكلام على الفور أو يترك المجلس، ما إن يرى أنّهم يتكلّمون كلامًا فارغًا، إمّا أن يصحّح الكلام أو يخرج وينجو بنفسه من تلك المخمصة. فالكلام الذي يريد أن يقوله لا بدّ أن يشعر أنّه موافقٌ للشرع ومطابقٌ له، لو كان هناك وليٌ من أولياء الله أو الإمام عليه السلام إلى جانبه هل كان يتكلّم بهذا الكلام أم لا؟ الأمر دقيقٌ جدًّا ويمكن للإنسان أن يفكّر في هذه الأمور كثيرًا، وأن يعلم أنّ هذه النقطة التي يقولها هنا هل يمكن أن يقول خيرًا منها أم لا؟ هذه الطريقة التي يريد أن يختارها هل يمكن أن يقول الكلام بطريقةٍ أفضل منها أم لا؟ فلنختبر أنفسنا أربعين يومًا ونتيجة ذلك نحن من يراها.
مرتبة المثال والخيال
ربّما يكون العمل الذي يقوم به الإنسان في الظاهر جيّدًا، ولكنّه كما ذكرنا باطنه ومثاله وملكوته سيئة وغير مناسبة، فالحركة جيّدة ولكنّ باطنها غير جيّد، أذكر أنّ المرحوم العلامة ذات يوم كان يقول: نحن في هذه المسائل وهذه الأحداث التي وقعت وكانت امتحانًا إلهيًّا للجميع ـ عند بداية الثورة والحركة التاريخيّة سنة اثنين وأربعين هـ . ش. والتي كانت بداية هذه الحركة وهذه الثورة منها ـ كان يقول: كنت أتصوّر أنّه إذا انطلقت هذه الحركة فإنّ أوّل من سيرتبط بنا في هذه الخطوات وهذه النهضة هم الدعاة للبلاغ والإبلاغ، الدعاة للإرشاد والصلاح والرشاد، وفي بداية المسألة لمحت أعيننا استقبالاً فسررنا ونشأ لدينا أمل.
وفي جلساتٍ عديدة ـ كنت في ذلك الزمان طفلاً في الثامنة من عمري أو السابعة ونصف أذكر بشكلٍ دقيق تلك الجلسات وتلك الخصوصيّات ولا زلت أذكر جميع الذين كانوا يشاركون في تلك الجلسات ولا تزال صورهم ماثلةً في ذهني، والكلام الذي كان يجري لا يزال في ذاكرتي، فلان ماذا كان يقول، وفلان ماذا كانت ردّة فعله على هذا الأمر، لا تزال كلّ واحدة من هذه الأمور في ذاكرتي والآن أستعرضها ـ كان الأمر الملفت بالنسبة إليّ كيفيّة تعاطي كلّ إنسان مع هذه المسألة، فبعضهم كان يقول: يا سيّد هذا الأمر لا يكون من الأساس. وبعضهم كان يقول: كلا لا إشكال. وبعضهم أوّل ما كانوا يسألون عنه أن ما هو دورنا نحن في هذا الأمر؟ ما هو موقعنا؟ ما هي وضعيّتنا؟
وقد كان النبيّ يقول في كلامه العجيب الشبيه بكلام الإمام الصادق عليه السلام: وإخلاص العمل لله۱ وهذه أيضًا من الجمل التي يترنّم بها الجميع، ولكن عندما نصل إلى الباطن ونصل إلى حقيقتها فإننا جميعًا نتردّد ونشكّك ونرتجف. في البداية يكون لدينا تصوّرٌ عن الإخلاص وعندما نصبح في داخل الحادثة نجد فجأةً أن يا للعجب في أيّ ورطةٍ نحن؟! أين جعلنا أنفسنا؟! تأتي النفس وتشرع بالمحاولة فتصعد وتهبط، بما أنّ الأمر انتهى إلى هنا فعليّ أن أترك، علّي أن أنفصل، كان إلى الآن يتعاطف مع الآخرين ولكنّه الآن عندما يرى أنّ هناك إنسانًا آخر قد طرح نفسه يخرج هو: هذا ليس مكاني. نعم! كنت تريد أن تعمل من أجله، فعُلم أنّ كلّ ذلك كان من أجل أن يكون العمل باسمك.
في البداية ندّعي الإخلاص، ولكن ما إن نتقدّم يسيرًا ونتقدّم ونصبح في وسط الحدث فجأةً تنهض النفس. وليس هكذا بل نرى فجأةً أنّ هناك إنسانًا آخر قد جاء وقال: أنا أقوم بهذا العمل أيضًا. فتلاحظ النفس أنّه إن كانت مكانة ذلك أدنى من هذا فإنّها ترضى، أمّا إذا رأت أنّهما متساويان أو أنّ مرتبة ذلك أعلى هنا تشرع النفس بالاعتراض، لماذا جاء ذاك؟! بما أنّه جاء فلن أكون أنا، إمّا أنا أو هو. فما هذا؟ إنّها تحدّيات يجعلها الله لنا حتّى يصلحنا. وإلا كان بإمكانه أن لا يأتي بشيءٍ من ذلك، كان بإمكانه أن لا يحصل هكذا أمرٌ. هذه النفس تقع في بوتقة اختبارٍ كهذه، فإن كان هناك إخلاص في العمل تقول: وهل هناك أفضل من ذلك؟ جاء إنسانٌ آخر فسنصل إلى النتيجة بشكلٍ أسرع وإلا إن كان فيه غشٌّ وخلطٌ وتركيب يرى الإنسان أنّه جاء واصطدم. وتشرع هذه النفس بالاصطدام وبردّات الفعل.
الأمر الأول الذي كنّا نراه هناك بعد قبول الأمر في ذلك الزمان هو أنّه ما هي مكانتنا في هذا المجال؟ وما هي موقعيّتنا؟ ثمّ قال: عندما صرنا في العمق ودخلنا إلى لبّ القضية رأينا عجبًا . كلّ الذين يقولون: إخلاص العمل لله تراجعوا إلى الوراء هذا يقول: إذا قمت أنا بهذا العمل سيحدث كذا، وهذا يقول: إذا قمت أنا بهذا العمل سيحدث كذا، إذا أقدمت على هذه الخطوة كيف ستكون أحوالي؟ سأكون في خطر، وضعي، حياتي، حركتي، كلّ ذلك سيخضع للتغيير والتبديل لذلك كان كلّ واحدٍ من هؤلاء يتراجع وربّما كان يواجه أيضًا، فذلك القبول الذي كان في البداية والانجذاب والتقبّل والقول: كم هي مسألة جيّدة! كم هي صحيحة! يجب أن نفعل ذلك، ما إن تقدّمنا قليلاً كانت الأحوال تريد أن تخرج بشكلٍ آخر. الجميع يريدون أن يكونوا متساوين، وفي مستوى واحد، وهنا تأتي النفس وتبدأ بالاعتراض.
كان المرحوم العلامة يقول: عندما كنت أذهب إلى بيوت بعضهم، كنت أرى أنّه عندما يجلسون على الفرو كان يقول أنا نبّهتهم: من يجلس في هذا المجلس فعليه أن يجلس كالآخرين فلترفعوا هذا الفرو من هنا. فرأينا أنّهم تأذوا، أهناك إنسانٌ يلفت نظرنا؟!
ماذا حصل؟! نحن أتينا لنجلس على سفرةٍ واحدة، نحن أتينا لنكون على هيئةٍ واحدة، غاية الأمر أنّ البعض عاميّ والبعض عالم، فلا إشكال في ذلك ولكنّ الجميع في هيئةٍ واحدة، التفتوا كان النبيّ مع أصحابه على هيئةٍ واحدة، غاية الأمر هو رسول الله ونحن أمّته، أي إنّ رسول الله لم يكن يرى نفسه أرفع من الآخرين قيد أنملة، كان أعلى ولكن لم يكن يرى! فهذا غير أن أرى نفسي فرؤيتي هي مقام الإثبات وذاك مقام الثبوت، لأنّه لم يكن يرى صار رسول الله وخاتم النبيين.
الآن إذ أتكلّم معكم فأنا المتحدّث وأنتم المستمعون، لا فرق بيني وبينكم أبدًا من دون مجاملة ولا أتواضع أيضًا ـ أنا لست من أهل التواضع أمّا ما يجري في باطني فالله يعلم، أقول الحقيقة، وإن كنت أقول مجازًا فالله يُصلح ويجعله حقيقةً؛ لأنّنا في النهاية جميعنا في المجاز إلى حدٍّ ما، النسبة المئوية تختلف وهذا المجاز يجب أن يتحوّل إلى حقيقة ـ لا فرق بيني وبينكم أبدًا إلا أنّي لديّ اطلاعٌ أكثر على أمور الأعاظم فآتي وأنقل لكم هذه الأمور، هذه هي المسألة لا أكثر من ذلك ولا فرق آخر، لو كنتم أنتم مكاني لجلست أنا مكانكم وأنتم تكلّمتم، فالثقة التي لديكم بي هي من حيث نقلي للأمور من دون تصرّف، هذا كلّ ما في الأمر ولا فرق آخر، لا بين العالم منّا ولا بين غير العالم منّا، لماذا؟ لأنّ الله واحدٌ للجميع بنسبةٍ واحدة.
كلّ من خطا في الطريق وخطا في الشريعة، وخطا في الإصلاح فقد انتهى الأمر بشرط أن يكون قد خطا، ولربّما كان المستمع أرفع من المتكلّم، ومعنى ربّما أنّ الأمر هو هكذا؛ لأنّه يمكن أن يكون هناك الكثير من المشكلات التي نبتلى بها نحن دون المستمعين، فليس الأمر بهذه البساطة حتى يحكم الإنسان. هذا هو الفرق فقط أنّي أجلس أنا هنا وأنقل كلام الأعاظم، ففي النهاية أنتم لم تكونوا معهم، بينما كنت أنا ولا شكّ في ذلك، وأنتم لا تتوقّعون منّي شخصيًّا شيئًا، فأنتم تقولون: أخبرنا بما قاله الأعاظم، نحن لا شأن لنا بكلامك أنت، بل حدّثنا عمّا سمعت. وأنا أقول: حسنًا. أشعر بالواجب والتكليف وإجابة دعوة المؤمن. فمن أراد أن يسير فهو يقتضي ويفرض أن أبيّن تلك الأمور لكم. هذا هو الفارق الوحيد وإن كان هناك أكثر من ذلك فهو شيطان كلّه ولا تردّد في ذلك، كلّ ذلك شيطان لا اختلاف في ذلك.
عندما جاء المرحوم العلامة وسار في هذا الطريق... ـ أقول هذا حتى يعلم الرفقاء أنّ مسألة إخلاص العمل لله ليست كلامًا هزليًا وعلى الإنسان أن يختبر نفسه ـ إنّه النبيّ الذي جاء وادّعى رسالةً عالميّة، إنّه أمير المؤمنين الذي ادّعى ولاية الملك والملكوت، إنّه الإمام المجتبى وسيّد الشهداء والإمام السجّاد والإمام الهادي وبقيّة الله، هؤلاء فلكلّ شيءٍ مقامه في النهاية.
كان المرحوم العلامة يقول: عندما كنت أذهب إلى بيوت بعضهم وأقول: خذوا هذا الفرو من هنا، كنت أرى أنّهم يتأذّون: آه السيد محمّد حسين ينبّهنا أن خذوا الفرو من هنا! ولم يكونوا يأخذونه.
في أحد الأحداث كان يقول: حين حدث أمرٌ ما وقام نظام الشاه بمهاجمة المدرسة الفيضيّة وهاجم الجنود الطلاّب وضربوهم، وأغاروا على غرفهم وأحرقوا الكتب وألقوا بها خارجًا كانوا يلقون الطلاب من أعلى السطح إلى الأسفل وقد قُتل عددٌ منهم على ما نُقل، وكان من ذلك أن كُسرت رجل أحد المراجع وتأذّى من ذلك. كان المرحوم العلامة يقول: ذهبنا لزيارة بعض السادة وعندما طرحنا أنّه يجب زيارة هذا الرجل؛ ففي النهاية قد أصيب وتأذّى، وكان رجلاً كبيرًا ومرجعًا. كان يقول: تحدّثت ساعةً ونصف ساعة حتّى حصلت على رضاه في عيادته. هكذا.
وإخلاص العمل للّه، على الإنسان أن يُخلص عمله للّه، ماذا يُدرينا نحن بواقع الحال؟ ماذا يُدرينا ما هي الأمور الموجود، هل لدينا خبر؟! كلا! الكلام كلامٌ أخلاقي، الكلام حماسيّ، الكلام يثير العواطف، الكلام دينيّ، الكلام إلهيّ، هذا كلّه صحيح، هذا كلّه له مكانه، أمّا في باطن المسألة فماذا يجري؟! باطن الأمر أين هو؟! هل الطريق الذي تطويه النفس متّحدٌ مع الطريق الذي يُطوى في الظاهرأم لا بل النفس والباطن يسيران في طريق، والظاهر يتّجه في اتّجاهٍ آخر؟ الناس يظنّون هذا، أمّا وليّ الله فيرى أمرًا آخر، [يرى أنّه يفكّر هكذا:] لا أقوم بعملٍ فيذمّوني، لا أخطو خطوةً فيشمت بي الناس ويتّهموني بقلّة الدراية ويتّهموني بالخوف. في النهاية يا عزيزي تعال قليلاً وامتلك عشرةً بالمائة أو خمسةً بالمائة من تلك الرؤية ثمّ بعد ذلك انتخب طريقك، بعدها أدرك ماذا هناك، لا أنّه بعد مائة سنة ومائتي سنة يكون الأمر على حال أخرى وتتعجّب أنّ هذا كان كذا وذاك كان كذا، فهذا الأمر العجيب كنت تراه سابقًا، هذه التعجبّات التي تحصل فيما بعد كانت فيما سبق لكنّك لم تقلها وذهبت وعملت، قيل لك: افعل هذا. فلم تفعل، لا تفعل هذا. ففعلت.
فإذن مسألة الباطن ومسألة النفس في عالم الخيال وتصحيحها مسألةٌ مهمّةٌ، وهذا الأمر مخفيّ عن أنظار العوام، وأنّ هذا العمل الذي له صورةٌ ظاهريّة وظاهر الصلاح وله موقعٌ حسنٌ بين الناس وهذه الحركة ماذا في باطنها؟ ماذا وراءها؟ هذا يرتبط بالخيال.
يقول الإمام عليه السلام أصلح قوّة خيالك، أصلح قوّة وهمك ـ لم نصل بعد إلى مرتبة العقل، لم نصل بعد إلى مرتبة السرّ ولا زال كلامنا حول عالم النفس وعالم القلب ـ فالقلب مصدر قوة الخيال والوهم وتنزّل تلك المفاهيم العقلانيّة في النفس وفي الظاهر، هذا هو عمل القلب. يقول الإمام عليك أن تُصلح قلبك، عليك أن تُصلح فكرك بما أوتيت من قوّة، فلم يقل أحد أنّ بإمكان الإنسان أن يصل إلى مقام العصمة، مقام العصمة خاصٌّ بإمام الزمان عليه السلام فقط والأولياء الذي بلغوا إلى مرتبة طهارة السرّ لا القلب، فالقلب لا يزال بحاجة إلى كثيرٍ من العمل، والنفس أيضًا تحتاج إلى الكثير من العمل حتّى تصل إلى تلك المرحلة.
مرتبة السرّ
الذين وصلوا إلى مرتبة طهارة السرّ فعلهم وعملهم وخيالهم منبعثٌ من مقام طهارة الذات والذي هو مقام العصمة، فهؤلاء لم يعودوا يحتاجون إلى إصلاح، فهم في مرتبة الصلاح، هؤلاء لا يحتاجون إلى الإخلاص، نحن لم نصل بعد إلى تلك المرتبة، إن كنّا أقوياء نقوم بطرد الفكرة الشيطانيّة إذا جاءت، هذه هي قدرتنا، يخطر في بالنا عملٌ خاطئ في حقّ رفيقٍ لنا فنقول: لا هذا خطأ، يجب إصلاح ذلك ولا أفعله. ولكنّه في النهاية يخطر في الذهن، أحيانًا يحصل أن يخاف الإنسان من ارتكاب بعض الأمور وبعض الذنوب، لا يرتكبها ويحترز عنها، ولكنّ التفكير بها يخطر في الذهن، لا يمكن للإنسان أن يمنع التفكير بها، يأتي التفكير بها إلى الذهن ويبقى فيه فيشعر الإنسان باللذّة والالتذاذ منه، ولكن في الخارج إذا أراد أن يقوم بهذا العمل يخاف ولا يقوم به، جزاه الله خيرًا أنّه لا يقوم به في الخارج، يريد أن يُجري معاملةً يعرف أنّ الحقّ في هذه المعاملة مع شريكه، الحقّ مع رفيقه، الحقّ مع إنسانٍ ثالث، ولكن يمكنه أن يتصرّف بنحوٍ يجعل المعاملة لصالحه ولا ينتفع صاحبه مع أنّه محقٌّ. يمكنه أن يفعل ذلك، فيجلس ويفكّر ويقول ليتني أتمكّن من فعل ذلك فأحصل على هذه المنفعة، ولكن بمجرّد أن يأتي الزبون ويقوم هو بهذا العمل يرى أنّه لا تمتدّ يده إلى الورقة ويقول كلاّ، هذا العمل فيه مشكلة، هذا حقّه وهو بهذا العمل يُصاب بالضرر وأنا من أصبته به، فأنا إذن مذنبٌ ولكنّه لا يشمئزّ من ذلك، تأتي صورته إلى الذهن ولكنّ النفس اللوّامة لا تسمح لذلك التخيّل، فلا يحصل في الخارج.
يريد الإنسان أن يرتكب محرّمًا وعملاً مخالفًا للعفّة، يرى هذا العمل في ذهنه وفي نفسه مناسبًا جدًّا ومنسجمًا مع النفس ولذائذها، ولكن بمجرد أن يريد أن يفعل ذلك يأتي الخوف والخشية من الله ويمنعانه. أيضًا جزاه الله خيرًا إذ توقّف هنا وإن كان تخيّلُ هذا الأمر يخطر في ذهنه، هذا الخيال لأيّ شيءٍ هو؟ لماذا يحصل في الذهن؟ لأنّ الخيال لم يُصحّح بعد، لأنّ الفكر لم يصحّح بعد. أمّا عند ولي الله فحتّى هذا الخيال لا يأتي أصلاً.
هل يمكن أن يتخيّل الله قصد السوء لبعض عباده؟ كلا، هل هذا ممكنٌ؟ كلا. هذا أمرٌ مضحكٌ، كيف يريد الله لعبدٍ من عباده سوءًا ولعبدٍ آخر خيرًا؟ الجميع بالنسبة إلى الله سواء، النبيّ والإنسان العاديّ سواءٌ. هذا هو بنفسه ارتفع وارتقى ووصل إلى تلك المرتبة، ولكن هل هناك عند الله فرقٌ بين النبيّ والإنسان العادي؟ أبدًا، كلاهما عبدان لله، هل هناك اختلاف بين النبيّ وبين نملةٍ؟ وبين حيوانٍ ضعيف؟ أبدًا، فبنفس المستوى من إعمال الله للإرادة والمشيئة والقدرة في خلق ذرّةٍ تراها الآن في النور ـ هذه الذرات المعلّقة التي في النور خذوا ذرّةً منها فلو كان النور يسطع من النافذة إلى داخل الغرفة، وكانت الغرفة فيها غبارٌ وتراب فيكون أفضل ، فهناك ذرّاتٌ تتحرّك لا حظوا واحدة منها ـ القدرة التي خلق بها الله هذه الذرّة هي بعينها خلق بها النبيّ، بعينها بلا أيّ فرقٍ.
إرادة الله ومشئيته بالنسبة إلى الموجودات في العالم واحدة،{ إنّما أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون}۱. فإذا أراد الله أن يخلق شيئًا فقط يقول: كن. سواءٌ كان النبيّ أو أمير المؤمنين أو إمام الزمان أو ذرّةً. لا يختلف الأمر في هذا المجال. الأمر يرتبط بما تعلّقت به الإرادة، أمّا الإرادة نفسها فواحدة. وليس حاله كحالنا، فلو أردت أنا أن أحمل هذا الكوب أصرف خمسًا من السعرات الحراريّة حتّى أحمله، أو لكي آخذ هذه النظّارة من هنا أصرف سعرتين، كلاّ، ليس الأمر كذلك، وأنّه لأنّ وزن هذا قليل فيحتاج إلى سعرتين، أمّا وزن هذا الكوب فخمسة، فليس هكذا. بالنسبة إلى الله سعرةٌ واحدة هذه الذرّة احتاجت إلى سعرةٍ واحدة، وخلقُ أعظم الكواكب أيضًا احتاج إلى سعرةٍ واحدة. الكوكب عظيمٌ لا إرادته، النبيّ عظيمٌ لا قدرة تكوينه، لا القدرة والمشيئة لإرادته. إنّها ليست كبيرةٌ، إنّها لا تختلف لذلك فإنّ النبيّ يرى نفسه مساويًا للآخرين، أمّا نحن فلا، نحن لأنّنا نرى أنّه صُرف فينا المزيد من السعرات فنحن أرفع! لقد صُرفت في خلقنا مليارات السعرات الحمد لله ما شاء الله... هذه النفس عندما تكون في مقام الأنانيّة والفرعونيّة ترى نفسها أرفع من الجميع، هذا ما نراه، يقول: فليمت الجميع وأحيا أنا، ليمت الجميع وأكون أنا، لتبقى مكانتي وأوضاعي، هؤلاء الملوك لماذا يُقاتلون؟ يقولون لنكُنْ نحن في النهاية، ليمت الناس ونبقى نحن، أمثال داريوش٢ وخشايار٣ ورؤساء الجمهوريّات والسلاطين والأمراء والحكّام وأمثال معاوية وأمثال يزيد الذين جاؤوا، يزيد ماذا يفعل؟ يقول يجب أن يموت ابن النبيّ لأبقى! هكذا، أنا يجب أن أبقى، وليموتوا هم، فليُقتل الجميع، ولو جاء النبي أيضًا فليُقتل، ولو جاء لقتله، غاية الأمر أنّه لم يكن هناك نبيّ فلم تنله أيديهم.
إنّ تصحيح الخيال ينشأ عن هذا، فبالنسبة إلى أولياء الله أصلاً لا يأتي خيال هذا الأمر إلى أذهانهم وأنّهم يريدون أن يرتكبوا هذا الحرام ثمّ يمتنعون عنه، لو قتل نفسه لما حصل لديه هذا الخيال، فإمام الزمان عليه السلام مهما فعل ليرتكب الحرام فإنّه لا يخطر في ذهنه لكي يصدر عنه، هذا المقام مقام المخلَصين، وهو يختلف عن مقام الإخلاص، الإخلاص فعلنا نحن، يأتي فعل الحرام إلى الذهن فنعيده، يأتي فعل العبث إلى الذهن فنردّه، لا يرضي الله ويسبّب سخط الله وعدم رضاه وغضبه فنردّه. لا إشكال علينا أن نفعل ذلك، نحن لم نقل: علينا أن نكون مثل إمام الزمان ولن نكون، إن شاء الله تحت تبعيّته وبولايته وعنايته سيُدخلنا في تلك الولاية إن شاء الله. نحن يجب أن نقول إن شاء الله لأنّه إن لم يفعل ذلك فماذا سيفعل، ففي النهاية نحن شيعته أم لا؟ هو يجب أن يأتي ويصحّح أعمالنا الخاطئة، فهذا هو عمل الإمام في النهاية، فعمل الإمام هو أن يأتي إلى الشيعة والمحبّين ويقول: ليكن عندك اثنان بالمائة على الأقل وأنا أجعلها خمسة، ليكن عندك عشرة بالمائة وأنا أجعلها ثلاثين، أزيدها، لم يريدوا منّا إلا هذا القليل من المحبّة، القليل من الإخلاص، القليل من المودّة وإذا ما وصلنا إلى هذه المرتبة فإنّما وصلنا بعناية الإمام فقط ولا أثر لشيءٍ آخر هنا، ولن يكون هناك أثرٌ، فقط عناية الإمام عليه السلام بلا تردّد.
ففي وليّ الله وفي إمام الزمان أصلاً [لا يحصل ذلك]، وهذا هو الفرق بين الإمام وغيره. فعند الإمام عليه السلام لا يحصل خيال الالتفات إلى النفس كي يردّه. لا يحصل الالتفات إلى الدنيا ومنافعه الشخصيّة لكي يزيله. لو حصل لما كان إمامًا بل كان مثلنا بلا أيّ فارق، لا يختلف عنّا، فردٌ من الناس في أيّ مرتبة كنّا.
الآن عمري ما يقارب الخمسين سنة وقد قرأت بعض الكتب أيضًا ودرست بعض الدروس، وأدرّس بعض الدروس أيضًا، ولديّ بعض الأعمال، فهل انتهى الأمر؟ كلا، لم ينته، فعندي أيضًا يحصل التفكير في الذنب وتحصل الأمور الخاطئة، وذهني متعلّقٌ بألف أمرٍ، وإن كنت ماهرًا جدًّا أتغلّب عليها ، فإذا حصل في ذهني شيءٌ من ذلك أردّه، إذا حصل خطأٌ في ذهني أصحّحه، عندما أرى أمرًا ما أجعل نفسي مكان الآخرين وأجعل الآخرين مكاني، أشعر أنّ هذا الأمر كان خاطئًا فأصحّح، هل الإمام مثلي أيضًا؟ كلا، أبدًا أبدًا. في أيّ شيءٍ الإمام مثلي؟ عمري خمسون الآن فلو صار ثمانين لم أتغيّر، ولو صار مائة سنة لحيتي الآن سوداء وبيضاء ثمّ بعد ذلك تصبح كلّها بيضاء وتصل إلى هنا، لم يختلف الأمر، أُمسك بيدي عصا وتكون هيئتي على نحوٍ يبدو للناس أنّ أمري قد انتهى، فمن هو الخبير بهذا الباطن؟ من؟ من هو الخبير بوضعي؟ صار عمري ثمانين سنةً فهل صحّ باطني أم لا؟ بل تنازل باطني وتراجع وأفل؟ لأنّه كلّما تقدّم الإنسان في العمر زاد تعلّقه بالنفس والتعلقات النفسيّة، لذلك يقولون إنّ الشباب يسيرون بشكلٍ أفضل، وتعلّقهم بالدنيا أقلّ، فالشاب لا تعلّق له، تعلّقه بالدنيا يسير، ونفسانيته أقلّ.
خوش بود گر محك تجربه آيد به ميان تا سيه روى شود هر كه در او غش باشد.۱
يقول: أسعد بوقت تحلّ فيه التجربة حتى يسوّد وجه من كان في قلبه غشٌّ.
من وصل إلى مقام الولاية سواءٌ كان إمامًا أو إنسانًا متّبعًا للإمام عليه السلام فإنّه لا يفكّر أبدًا بالذنب، فهو لا يأتي لكي يزيله، هذا هو الذي يُسمّى مقام طهارة السرّ وطهارة الباطن.
فإذن كوننا في مرتبةٍ ما مرتبة الظاهر، ليس دليلاً على أنّ الباطن أيضًا قد وصل إلى مرتبة الكمال أيضًا في طهارته وعصمته وقداسته، بل يجب أن نوصل الأمر إلى تلك المرحلة.
لماذا صار أصحاب سيّد الشهداء عليه السلام نموذجًا؟
لماذا صار أصحاب سيّد الشهداء عليه السلام نموذجًا؟ هل فكّرنا في ذلك يومًا ما؟ لماذا قال أمير المؤمنين لم يأت مثلهم ولن يأتي. لن يأتي لا أنّه لن يأتي من الأولياء، كلا فبحث الأولياء مختلفٌ، بل المراد في القضايا التي ستحدث لاحقًا في التاريخ وفي الجماعات التي ستأتي وفي الأحداث التي ستقع.
فهذا زيد بن عليّ ثار في الكوفة، ويحي بن زيدٍ أيضًا ثار في جرجان، وبنو الحسن محمّد وإبراهيم ابنا عبد الله المحض ثارا في المدينة أيضًا، وزيد النار أخو الإمام الرضا عليه السلام ابن موسى بن جعفر والذي يُسمّى زيد النار قد ثار أيضًا على بني العباس حيث خرج في البصرة وقتل جميع بني العباس، وقتل نساء الناس وأطفالهم، فهذا أيضًا نوعٌ من الثورة، فهؤلاء جميعًا قد ثاروا. وأراد المأمون أن يعدمه وجاء به إلى محضر الإمام الرضا ولأجل الإمام الرضا ومنّةً عليه عفا عنه، لقد ثار كلّ هؤلاء فلماذا يقول أمير المؤمنين والأئمة الآخرون إنّها لم تكن كواقعة كربلاء، ما سبب ذلك؟ سببه هذا: هؤلاء الذين جاؤوا إلى كربلاء بماذا كانوا يفكّرون، حقًا بماذا كانوا يفكرون؟ وماذا كان يدور في مخيّلتهم؟ سأوضّح الأمر بدقيقتين أو بثلاث.
تارة يكون هدف الإنسان هدفًا إلهيًّا، يريد أن يأتي ويدفع الكفار ويحقّ حقّ المظلوم، يرى أنّ هناك مظلومًا يُرتكب في حقّه الظلم فيتابع أمره ليأخذ له حقّه، يذهب إلى المحكمة والدوائر وهنا وهناك، يرى أنّه مضى يومٌ أو يومان ولم يصل إلى نتيجة، اليوم فاته طعام الغداء، ولم يرجع إلى بيته ليلاً، وغدًا عليه أن يُتابع فتمضي عدّة أيّامٍ فيقول يا له من خطأ كبيرٍ ارتكبته، ألا يقول؟ هدفه إلهيٌّ تمضي عدّة أيامٍ فيقول: عجيب! لو انتهى الأمر لتركناه، هناك الكثير من المظلومين الذين يضيع حقّهم، فليكن هذا واحدًا منهم، لقد خسرت حياتي.
وتارةً ينهض الإنسان ويمضي إلى الحرب، يدافع عن الحدود، يدفع العدو، يمضي وقتٌ، ففي النهاية لا يوزّعون الحلوى في الجبهات يا عزيزي، هناك رصاصٌ وسيفٌ وألغامٌ ووسائل تدمير وقتل، كان إلى الآن حين كان جالسًا هنا يقول: يا له من أمرٍ جيّد المضي في سبيل الله! الجهاد! القتال! ولكن عندما يذهب إلى هناك يرى العجب ـ ما أقوله لكم أمور سمعتها أو رأيتها بنفسي من مختلف الناس ـ في اليوم الأول يسقط صاروخٌ هناك، في اليوم الثاني يدمّرون ذلك المكان فيرى أن يا للعجب ليس في الأمر مزاحٌ، والأمر يختلف، كنت جالسًا في منزلي وأستمع من الراديو والتلفاز هذه الأخبار، أمّا هنا فالأمر يختلف، ثمّ ومن جديد إذا حلّ الليل وجاء وقت النوم يرى أنّهم ضربوا هذا المكان ودمّروه ويرى جثّة صديقه، تمضي عدّة أيّام ومدّةٌ من الزمان فنجد أن تفكيره الأوّل ونشاطه السابق وشوقه القديم كلّ ذلك قد تغيّر، ومع ذلك لا يتراجع بل يقول: عليّ أن أصمد، عليّ أن أتابع، عليّ أن أقوم بهذا، حتى إذا مضت مدّةٌ يقول: ما هذا لقد كنت عاطلاً عن العمل، ما دام الأمر غير ممكن فماذا نصنع؟! وبينما هو يقول ذلك يأتي صاروخٌ ويقع على رأسه فيُصبح من الشهداء، فكم يختلف الأمر؟ بالطبع لا أريد أن أقول إنّ الجميع على هذا النحو، كلاّ ففي النهاية يمكن أن يكون هناك مخلصون يصمدون حتّى النهاية ثابتي الأقدام، فهذا الأمر واضحٌ، ولكنّهم ممتزجون، ولكن اعثروا على واحدٍ في أصحاب الإمام الحسين عليه السلام فكّر هكذا منذ أن انطلق الإمام من مكّة، أو في ليلة عاشوراء إلى ما بعد ظهر اليوم التالي، أن يكون خطر في ذهنه ذلك، من هو؟ أيّ أصحاب سيّد الشهداء قال ليتني لم آت؟ من منهم فكّر في لحظة من اللحظات بزوجته وأولاده، فكّر بأطفاله وبأرضه وبأعماله التي يقوم بها؟ من منهم كان هكذا؟ من منهم خطر في ذهنه من صبح عاشوراء إلى وقت الذهاب حتّى خطورٌ واحد؟ انظروا كم الأمر دقيق، حتّى خطور واحد أن ليت أمر الإمام الحسين قد انتهى إلى الصلح لما وصل الأمر إلى هذا.
لقد كانوا يتسابقون (ويتسابقون إلى الموت) ۱، لقد كان يتقدّم أحدهم كيلا لا يتأخر عن القافلة، لا قدّر الله أن يحصل بداءٌ ويقول له الإمام الحسين: ارجع أنت، لا قدّر الله يحصل بداءٌ ويقول الإمام: كلا أنت لا حاجة لأن تكون معنا، أن يحصل أمرٌ ما ومانعٌ. وقد كانوا قلقين خائفين قبل أن تسقط أبدانهم على الأرض، كانوا قلقين خائفين أن لا قدّر الله يحصل أمرٌ ما.
ما هو الشعور الذي كان لدى أصحاب سيّد الشهداء؟ واقعًا ماذا كانت حقيقة الأمر؟ فزهير الذي لم يكن يذهب إلى الإمام الحسين ثمّ يذهب إليه ثمّ يرجع على حال آخر، تتغيّر طبيعته وفطرته، مسّته مادّة الإكسير فحوّلت نحاسه إلى ذهب، فجاء إلى الإمام الحسين وقال: نحن أخوان فلنذهب. إلى أين نذهب؟٢ يأتي ويقول لو قتلوني ألف مرّة وأحرقوني وذرّوا رمادي في الهواء ثمّ أحيوني من جديد فهذا موقفي. ما هو الأمر الذي أدركه؟ هو في أيّة مكانة؟ لقد وصل إلى طهارة السرّ، فطهارة السرّ هي هذه. أي لا يخطر في أذهان أصحاب سيّد الشهداء بعد ذلك خطور مخالف لمسير الهدف، ولو قتلوا أنفسهم فلا يتأتّى منهم ذلك لا يتأتّى. وما دام لا يتأتّى فماذا يصنعون؟ لو قتلوا ألف مرّة ومليون مرّة وألف مرّة فلا شيء. لو قطّعوهم إربًا إربًا بل لو أحرقوهم جميعًا فلا شيء، فأصحاب سيّد الشهداء وصلوا إلى مرتبة بحيث اتّحدوا في طهارة السرّ مع سيّد الشهداء.
وهذا معنى قول أمير المؤمنين عليه السلام في كلامه العجيب: هنا مناخ ركاب ومصارع عشّاق.٣ هذا هو المكان الذي يسقط فيه العشّاق لا البشر المتعارفون، لا كلّ من حمل بيده علمًا، كلاّ! سيسقط هنا من اتّحد سرّه بسرّ ولدي الحسين، صار شيئًا واحدًا مع حقيقته، اتّحد مع نفسه، لذلك فإنّ زهيرَهُ صار متّحدًا معه، وبريرَهُ صار متّحدًا معه، وذلك الغلام التركيّ صار متّحدًا معه، والحرّ بن يزيد الرياحيّ في تلك الساعة الأخيرة يأتي ويتّحد مع ذلك السرّ. فانظروا ماذا يفعل إكسير الإمام الحسين هذا، ما إن يأتي ويمسّ هذا فإنّه لا يغيّره فحسب، بل يجعله متّحدًا معه. فاذهبوا وتوسّلوا بقبر الحرّ فكأنّكم توسّلتم بسيّد الشهداء بلا أيّ فرق، اذهبوا وتوسّلوا بحبيب بن مظاهر فكأنّكم توسّلتم بسيّد الشهداء بلا أي اختلاف، بلا أيّ فرق.
أذكر أنّي كنت في زيارة كربلاء بحضور المرحوم العلاّمة والسيّد الحدّاد، ورحم الله جدّنا السيّد معين الشيرازي فقد كان هناك أيضًا. وهذه الزيارة التي في مفاتيح الجنان أنّ إمام الزمان عليه السلام يأتي ويقف إلى جانب قبور الشهداء من جهة أقدامهم ـ رزقنا الله جميعًا ـ وهناك يقرأ الإمام زيارة عجيبة جدًّا، زيارة يدرك الإنسان من خلالها أيّ مقام كان لهؤلاء. حيث يقول الإمام لهم: السلام عليكم يا أولياء الله وأحباءه. السلام عليكم يا من صاروا أولياء لله فأنتم من أولياء الله. السلام عليكم يا أصفياء الله وأودّاءه. يا من اختيروا وانتخبوا. ثمّ يقول: بأبي أنتم وأمّي.۱ أي فداكم أبي وأمي، فهذا ليس كلامنا نحن، هذا ما يقوله الإمام عليه السلام، قد كان هذا الأمر عجيبًا جدًّا بالنسبة إلى جدّنا، فقد جاء إلى هناك وكان يقول: ينبغي أن لا يكون هذا كلام الإمام، فلا يمكن أن يقول: بأبي أنتم وأمّي، ولكن ليس الأمر هكذا، فهؤلاء عندما اتّصلوا بسيّد الشهداء صاروا هم سيّد الشهداء، أي إنّ تلك الولاية تأتي وتجعلهم فانين فيها، ويصبحون متّحدين معه، فإذن تحت قبّة سيّد الشهداء حقيقةٌ واحدة هي الإمام الحسين، وقد استوعبت فيها جميع هؤلاء ومحتهم وأفنتهم.
فنظر إليه المرحوم العلامة وقال: كلاّ، ليس الأمر هكذا، حيث إنّ هؤلاء هنا فهم متّحدون مع الإمام الحسين، فكأنّ إمام الزمان عليه السلام يقول للإمام الحسين: بأبي أنت وأمي فهذا لا إشكال فيه. لأنّ الإمام لا ينظر إلى الفرد ويقول له يا من هو منفصل عن سيّد الشهداء أنا أخاطبك، فالمنفصل عن سيّد الشهداء لا معنى له ولا قيمة، يا من جاء وأفنى نفسه وصار واحدًا بما أنّك صرت واحدًا فبأبي أنت وأمي، بما أنّه حصل الاتحاد فبأبي أنت وأمي، هذه هي حقيقة المسألة فانظروا كم هو الأمر مهمٌّ أن يجعل الإنسان حقيقة ذاته وحقيقة سرّه متصلةً.
كان الهدف اليوم أمرًا آخر، كما هو الحال في سائر الوعود التي كنّا نقطعها ولكن يبدو أنّ الوقت قد انتهى. وإن شاء الله تتمة الكلام حول كيفيّة وصول الإنسان إلى طهارة السرّ التي هي نتيجة بحثنا ونتيجة كلام الإمام الصادق عليه السلام حين قال: ولا يدع أيّامه باطلاً، لفرصةٍ أخرى إن شاء الله. نسأل الله أن يجعلنا من شيعة أئمتنا ومواليهم وأتباعهم وأتباع منهج الإمام عليه السلام بقيّة الله أرواحنا فداه وأن لا يجعل يد ولاية هذا العظيم ترتفع عنّا في لحظةٍ من اللحظات وأن لا يحرمنا في الدنيا من زيارته وفي الآخرة من شفاعته.
اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد