2

ضرورة الحفاظ على نوافذ القلب

خطر الدخول في أنظمة الظالمين

852
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمدعاء أبي حمزة الثمالي

المجموعةسنة 1428

التاريخ 1428/09/03

جلسات المجموعة(3 جلسة)

التوضيح

ماذا تفعل الذنوب في لسان الإنسان وقلبه؟ وما هو أثر معونة الظالم على القلب والتفكير والسلوك؟ وكيف يكون حال المعارضين للظالم عندما يدخلون معه؟ وهل يختلف حالنا نحن عن هؤلاء أم أنّا مثلهم بنسب متفاوتة؟
تتناول هذه المحاضرة ضرورة الحفاظ على نوافذ القلب من أن تغلق متوقّفة عند نموذج معونة الظالم وآثارها على القلب.

/۱۷
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

ضرورة الحفاظ على نوافذ القلب - خطر الدخول في أنظمة الظالمين

1
  •  

  • هو العليم 

  •  

  • ضرورة الحفاظ على نوافذ القلب

  • خطر الدخول في أنظمة الظالمين

  •  

  • شرح دعاء أبي حمزة الثمالي - سنة ۱٤٢۸ هـ. ق - الجلسة الثانية

  •  

  • محاضرة القاها

  • آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهراني 

  • قدّس الله سره

  •  

  •  

ضرورة الحفاظ على نوافذ القلب - خطر الدخول في أنظمة الظالمين

2
  •  

  •  

  • أعوذُ بِاللَه مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيم‌

  • بِسمِ اللَه الرَّحمَنِ الرَّحيم‌

  • وصلَّى اللَه عَلَى سيّدنا و نبيّنا أبي القاسم مُحَمّدٍ

  • وعلى آله الطّيّبين الطّاهرين و اللعنة عَلَى أعدائِهِم أجمَعينَ‌

  •  

  •  

  • آثار الذنوب على اللسان والقلب

  • «أدعوك يا سيّدي بلسان قد أخرسه ذنبه، ربّ أناجيك بقلب قد أوبقه جرمه».

  • لقد أذنب هذا اللسان إلى درجة صار معها ألكن أخرس غير قادر على الكلام. فالألكن والأخرس لا يمكنه أن يتكلّم. وهكذا أناديك وأتكلّم معك في باطني بقلب أدّى جرمه وظلمه إلى هلاكه وبواره وفنائه، نعم وفنائه، فالقلب الميّت لا حياة له، والشيء الميّت حُرم من نعمة الحياة ولا يتأتّى منه القيام بأيّ عمل، ولا يمكنه فعل شيء، فهل رأيتم ميّتًا يمشي؟! ضعوا هنا جنازة ثمّ ائتوا إليها بعد عشر سنوات ستجدون أنّها لم تتقدّم عن مكانها سانتيمترًا واحدًا وأنّها ثابتة في مكانها. فالقلب الميّت لا حركة له، وبما أنّه لا حركة له ندرك أنّه ميّت لا حيّ، فهو لا يمكنه أن يفعل شيئًا.

  • القلب الذي يمكنه أن يتحرّك ويصدر منه صوت وضجيج ومناجاة هو القلب الحيّ. وقد أشير في الآيات القرآنيّة الشريفة إلى هذا الأمر بحيث أنّ هذا القلب إذا كان ميّتًا يختم عليه بخاتم الشقاء، ولدينا في بعض الروايات أيضًا أنّ المعصوم يقول إنّه هل يمكننا أن نحيي الموتى بكلامنا؟! فالقلب الميّت لا يمكن أن يُصنعَ له شيء، لا يمكن، ما لم يمت القلب يمكن أن يُصنع له شيء، وما دام هناك نافذة يمكن أن يتحرّك، ولكن إذا مات القلب وأغلقت النوافذ ينتهي الأمر…

  • كيف يؤثّر الدخول في أنظمة الظالمين على القلب؟

  • كان المرحوم العلاّمة يقول حول الذين يدخلون في أنظمة الظالمين وفي الحكومات، في الحكومات الجائرة، حكومات بني أميّة وبني مروان وبني العبّاس، ويميلون نحو هذا الجانب أو ذاك، هؤلاء عندما يدخلون يكونون في البداية من المعارضين، لماذا؟ لأنّ لهم قلوبًا، وهم يميّزون بها بين الصحيح والسقيم، هذا العمل صحيح وهذا العمل باطل، لديه قلب وهو يرى، وهذا القلب يهديه إلى الصحّة والسقم، ويبيّن له الحدود، لا يزال بعيدًا، لا يزال بعيدًا عن الأمور والقضايا، ينظر من الأعلى فيجد أنّ هذا العمل الذي قام به هذا العامل هو باطل أيًّا يكن الذي عمله، هو يقيس أعمال الناس بواسطة المعايير التي يعتمدها قلبه لمعرفة الحقّ والباطل، فيقيس بها أعمال الناس، ألا ترون أنّه يقال دائمًا: إذا أردت أن تحكم على إنسان ما فلا بدّ أن تجعل نفسك بعيدًا عن تلك الأحداث، واجعل نفسك في مكان الآخرين واجعل الآخرين في مكانك، ثمّ بعد ذلك احكم؟! عندها يتمكّن الإنسان من أن يجعل نفسه قريبة نوعًا ما من ذلك الحدث.

ضرورة الحفاظ على نوافذ القلب - خطر الدخول في أنظمة الظالمين

3
  • اختلاف حكم الإنسان على الآخرين وحكمه على نفسه

  • لقد صادفت ذلك أنا شخصيًّا في علاقتي مع كثير من الناس رغم أنّهم من ذوي الشأن والذين يُرجَع إليهم في الأزمات ويستشارون في المشاكل وفضّ النزاعات، وكثيرًا ما يحدث أن يخطئ هؤلاء، ففي النهاية الإنسان ممكن الخطأ، صحيح أنّه إنسان موثوق في طرح الدعاوى وفي تعيين الحدود والثغور، ولكنّه هو نفسه عندما يواجه عين تلك الحادثة يتبدّل كلامه، لقد كان هو نفسه يوضّح هذا الأمر ويبيّنه للآخرين، يتعجّب الإنسان من أنّ هذا كان يتكلّم حتّى هذه اللحظة هكذا، فلماذا تغيّر كلامه؟! لأنّه هو نفسه ابتلي بهذه المشكلة فأُغلق عقله وأغلق قلبه، جاءت الأحداث والمصالح والمنافع وأصابه البلاء الذي كان يصيب الآخرين، ولكن لأنّه لم يكن حتّى ذلك الحين قد ابتلي بتلك المسألة فإنّه ينظر إليها بعين نافذة البصر ويحلّها ويقول: يا عزيزي الحقّ معك أنت بهذا المقدار وأنت أيضًا بهذا المقدار، لقد أخطأت أنت هنا وأخطأت أنت هنا. فينتهي الأمر وترتفع الخصومة، ولكنّ هذا الإنسان نفسه والذي حلّ عشرات الخصومات والاختلافات إذا ما ابتلي بتلك المشكلة بعينها لا يمكنه أن يخرج منها سالمًا، بل يغرق فيها ويحتاج أن ينقذه الآخرون. يا عزيزي أنت نفسك كنت تقول هذا فماذا جرى الآن بعد أن ابتليت بهذه المشكلة؟! حتّى إنّ بعض الناس جاؤوا إليّ وأقرّوا بأنّا أخطأنا، نحن بمجرّد أن ابتلينا بهذه المشكلة أصبنا بأزمة وتغيّر كلامنا بعد أن كنّا نقول إنّ الأمر كذا وكذا.

  • لذلك يقول العقلاء في أمثال هذه الأمور: يحسن أن يُخرج الإنسان نفسه وينظر كيف ينظر الناس إليه، فإذا ما خرج من الأمر وجعل غيره مكانه حينها كيف يحكم بالنسبة إلى هذا الأمر؟! فليحكم على نفسه بما يحكم به على غيره. ما دمت تعترض على فلان وتنبّهه وتقول إنّ فلانًا يفعل كذا وكذا ولا بدّ من منعه ولفت نظره وإلا ستكون هناك مشكلة كبيرة. فإنّا نقول لك: صحيح الأمر هو كذلك، ولا بدّ أن يكون كذلك، ولكن الإنسان يرى أنّ هذه المشكلة تحصل له ولا يكون مستعدًّا أن يُعترض عليه، والحال أنّ ذلك الحكم الذي يحكمه هو على الآخرين يحكم به الآخرون عليه أيضًا ولا يختلف الأمر أبدًا، لم يختلف إلا الإنسان الفاعل، والأمر واحد، وصورته واحدة. إلى الآن كان هناك أربع تفّاحات وخمس برتقالات، والآن صارت خمس تفّاحات وأربع برتقالات، العدد واحد، فقط تبدّل عدد البرتقال والتفّاح، فمجموعهما كم يكون؟ أحد عشر أم تسعة؟ أخبروني كم هو مجموع أربعة وتسعة؟ أحسنتم بارك الله بكم، فإذن مجموع الأربعة والخمسة ليس أحد عشر، لقد رأينا في بعض الأماكن أنّهم يقولون أنّ اثنين مضروبة في ثلاثة تساوي ثمانية لا ستة. فقد رأيت شيئًا من هذا القبيل في أحد الأماكن، فهذا خطأ إذن فمن قال به؟!

ضرورة الحفاظ على نوافذ القلب - خطر الدخول في أنظمة الظالمين

4
  • فهذا الأمر مهمّ ومهمّ جدًّا أن كيف يحكم الإنسان؟ حقًّا هو أمر عجيب، فقبل أن يحكم الإنسان لا بدّ أن يجعل نفسه مكان من يحكم عليه.

  • اشتراك الناس في الابتلاء باختلاف الحكم

  • ويبدو أنّ هذا قانون تكوينيّ عامّ إلا ما شذّ وندر، ويندر أن يُبتلى إنسان بذلك ثمّ يخرج منه بسلام، ويبدو أنّنا جميعًا مبتلون به ولا فرق بيننا فيه، ولا يمكن لأحد أن يبرئ نفسه {وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} فالنبيّ يوسف يقول: أنا لا يمكنني أن أبرّئ نفسي في وقت من الأوقات ولا يمكنني أن أجعل نفسي متميّزًا عن الآخرين كلاّ، فأنا هكذا أيضًا، أنا أمتلك هذه الخصوصيّة أيضًا، وأنا لديّ هذه الصفات أيضًا، وأنا لديّ هذه الغرائز أيضًا، أنا لديّ غرائز شهوانيّة أيضًا ولا أختلف عن الآخرين، وكوني أصبحت موضع اهتمام الله ليس سببًا لأن أكون دائمًا على منوال واحد ويستريح بالي ويختم على سجلّي. كلاّ فليس الأمر هكذا، ونظام الغيرة الإلهيّة لا يسمح حتّى لرسول الله الذي هو أشرف الكائنات أن يكون لديه وللحظة واحدة تصوّر على خلاف هذا النظام وعلى خلاف هذا السير وعلى خلاف مقام الربوبيّة ومقام العبوديّة، ولو فعل ذلك لسقط في قعر جهنّم، فغيرة الله لا تعرف أحدًا، لا تعرف النبيّ ولا أمير المؤمنين ولا فاطمة الزهراء ولا إمام الزمان ولا يزيد ومعاوية وقارون والمأمون وأمثالهم، لا تعرف أحدًا لا تعرف أحدًا. والأحداث هنا كثيرة، فلو أردنا أن نفكّر في هذا الجانب أو ذاك فالأمور كثيرة، وما فهمناه أثناء حياتنا والتجربة التي كانت لدينا مع الأعاظم وأولياء الله أثبتت لنا هذا الأمر وثبت لنا هذا الأمر، فذلك الوليّ الإلهيّ الذي رؤيته للنّاس رؤية توحيديّة ليس الأمر في يده، هذه هي حقيقة الأمر. لا أنّه يريد أن يظهر نفسه على هيئة معيّنة ويتصنّع ثمّ يقول: الجميع من وجهة نظري التوحيديّة على منوال واحد، على هيئة واحدة وعلى شكل واحد. فالجميع بالنسبة إليه سواء، الكبير منهم الذي في السبعين والثمانين والعالم الكبير وصاحب العنوان وصاحب المكانة والثروة وصاحب الشهرة، والطفل ابن السنتين والثلاث سنوات والذي لا يمكنه أن يمشي، حقًّا هما متساويان عنده ولا يختلف الأمر لديه.

ضرورة الحفاظ على نوافذ القلب - خطر الدخول في أنظمة الظالمين

5
  • التوحيد في نظرة أولياء الله إلى أنفسهم وإلى الآخرين (قصّة الإمام الحسن ودعوة الفقراء له)

  • بينما كان الإمام الحسن عليه السلام يسير في شوارع المدينة رأى بضعة فقراء جالسين يتناولون الطعام فدعوه إلى طعامهم، فنزل الإمام عن جواده، لا يريد الإمام بذلك أن يتواضع أو أن يفتخر عليهم أو يُكتَب في الجرائد اليومَ التالي أنّ فلانًا نزل عن جواده وجلس مع الفقراء أو يعرض على شاشات التلفزة، كلاّ يا عزيزي فالإمام الحسن عليه السلام لم يكن يبحث عن هذه الأمور، سواء قال الناس أم لم يقولوا وسواء رآه أحد أم لم يره، فإنّه عليه السلام عندما ينظر إلى هؤلاء الناس الذين هم فقراء ويدعونه بصفاء قلب منهم ليشاركهم طعامًا كهذا فإنّه يرى نفسه متّحدة مع هذه الجماعة فيقول: ولماذا لا آتي وأجلس؟! فأنا جائع ومن جهة أخرى لا أحد ينتظرني، أو أنّ الإمام جمع بين الحقّين فلم يكسر قلب هؤلاء كما لم يكسر قلب غيرهم.

  • كان الوقت غروبًا وكنت آتي بسيّارة أجرة إلى المنزل وكان قد اقترب وقت الغروب فقلت للسائق: إن لم يكن أحد ينتظرك فتفضّل لنفطر معًا فإنّه لا يفصلنا وقت طويل عن الإفطار، تعال لنفطر معًا، وطبعًا كان من السائقين الذين أعرفهم ومن هؤلاء الذين يعملون في المكتب المجاور فقال: سيّدنا زوجتي وحدها وهي صائمة والله لا يرضى أن تجلس وحدها على مائدة الإفطار.

  • فقلت: كلاّ ما دام الأمر هكذا فإنّي لا أصرّ، فإذا انتهى الأمر إلى الزوجة فلا حقّ لي بعد ذلك أن أتكلّم وأن أتجاوز حدودي، فلو كان جارًا أو غيره لأصرّيت، ولكنّي قلت له هو أن يأتي في ليلة أخرى، فما إن يصل الأمر إلى العيال فإنّه ينتهي، فهم مقدّمون ونحن نتراجع ونختم على أفواهنا بخاتم السكوت ونترك الإصرار!

  • وحقًّا الأمر هو هكذا فقد قامت الزوجة وهي صائمة بإعداد الطعام وهي تأمل أن يأتي زوجها ويجلس على المائدة فالله لا يرضى، واقعًا نحن لا نتنازل عن حقّهنّ، وعلى الإنسان أن لا يصرّ هنا على الآخر بالتنازل. وعلى الإنسان أن يلتفت إلى جميع الجوانب ويلاحظ ويراعي جميع الجوانب. ينبغي أن لا ينقلب الباطل إلى حقّ في تعاملنا وأن لا يضيع الحقّ، وهذا الأمر مهمّ جدًّا، ولديّ العديد من التجارب حولها في زمان المرحوم العلاّمة في علاقته مع الأصدقاء وتربية تلامذته.

ضرورة الحفاظ على نوافذ القلب - خطر الدخول في أنظمة الظالمين

6
  • وعلى كلّ حال فالإمام الحسن عليه السلام عندما يشارك في مائدة كهذه فهو لا يتواضع، ولماذا يتواضع؟! هل يقول في قلبه: أنا إمام الشيعة، وأنا حجّة الله على جميع الخلق، وقد جلست مع أربعة من الأصدقاء وأتناول الطعام! لئن كان هذا المعنى يخطر في مخيّلتنا نحن فإنّه لن يخطر في بال الإمام الحسن إلى يوم القيامة. لماذا؟ لأنّ قلب الإمام عليه السلام صار قلب الله، والله لا يميّز بين فقير وغنيّ. بالنسبة إلينا هذا الاختلاف في الطبقات يسبّب اختلافًا في التعامل وفي السلوك والأعمال، ولكن هل يختلف الغنيّ عن الفقير بالنسبة إلى الله؟! فمن أين جاء الغنيّ بغناه؟ ومن أين جاء بثروته؟ هل جاء بها من بيت خالته؟ وهل ذلك الفقير الذي لا يملك شيئًا ارتكب ذنبًا؟ نعم؟ هذه النظرة التي لدى الله بالنسبة إلى الخلائق والعباد هي بعنيها وبدون زيادة ونقصان موجودة في قلب وليّ الله، والإمام الحسن هو أحد أولياء الله.

  • فيصبح قلبه مصدر التفكّر والبصيرة والرؤية بالنسبة إلى عالم الوجود، فلا فرق هنا بعد ذلك. إحساس الوحدة هنا هو الحاكم، أنا واحد من عباد الله، وهؤلاء أيضًا آحاد من عباد الله جالسون يتناولون الطعام وأنا لست شبعان وأشتهي أن آكل، ولم يقل لي الطبيب إنّ الطعام مضرّ لك. فيجلس الإمام معهم ويتناول الطعام معهم بطريقة لا يشعرون معها أنّه يتكلّف وبحالة من الثقل وبحالة من الاشمئزاز لا قدّر الله، قد تحصل حالة اشمئزاز إن ذكرنا حالتهم، ولكنّ الإمام يمضي ويجلس مع هؤلاء الناس ويبدأ بتناول الطعام.

  • سبب القدرة على التمييز بين الحقّ والباطل قبل الدخول في النظام الجائر ومقداره

  • حسنًا فالذين يكونون خارج النظام الجائر ينظرون إلى ما حولهم بقلب يميّز بين نقاط الضعف ونقاط القوّة، يميّز بين كلّ ذلك وطبعًا إلى حدّ ما، فنحن لا نقول إنّ الناس يدركون مائة بالمائة، بل كلّ إنسان بمقدار سعته الوجوديّة والفهم الذي لديه والإدارك الذي لديه فيعرف هذه الأمور ويميّز بينها فيدرك الجيّد. لماذا؟ لأنّ قلبه لم ينعدم بعد، نوافذ البصيرة والنورانيّة التي جعلها الله في قلبه بواسطة الفطرة التي لم تخضع لتغيير، هذه لم تغلق بعد. كيف يدرك الأطفال معنى الكذب وقبحه؟ فالطفل البريء الذي لم يذنب بعد ولم يتلوّث بعد بالدنيا وبالمنافع والمصالح الدنيويّة ولم يستتر عنده الحقّ، ولم تؤدّ المنافع إلى تجاوز طريق الفطرة، والذي هو عبارة عن رؤية الحقّ ورؤية الواقع والنظرة إلى الأمور، والإحساس بالوحدة النوعيّة مع جميع الناس تلك المسألة لا تزال موجودة بين جميع الأطفال؛ لذلك إذا ما رأى طفل مخالفة للحقّ يتعجّب أن لماذا حصل ذلك؟! لماذا فعل والدي هذا؟! لماذا فعلت والدتي ذلك وأخفت عنّي هذا الشيء ثمّ قالت لي إنّه غير موجود؟ لماذا قالت؟ هذا عجيب جدًّا، هذا عجيب.

ضرورة الحفاظ على نوافذ القلب - خطر الدخول في أنظمة الظالمين

7
  • الطفل يدرك قبح الكذب (قصّة من طفولة المحاضر)

  • أنا أذكر مرحلة الطفولة بشكل دقيق ولا تغيب عن ذاكرتي أبدًا تلك الأحداث والوقائع، وهذه الحافظة تسبّب مشكلة للإنسان، فبعض الناس ينسون الأحداث والأمور، وقد طلبت من الله أن يسلبني الحافظة بالنسبة إلى هذه الأمور، وطبعًا أحيانًا يشعر الإنسان أنّها مفيدة لأجل العبرة ولكي يفهم ماذا عليه أن يفعل.

  • ربّما كان عمري قريبًا من سبع أو ثمان سنوات، وكنّا قد ذهبنا إلى مكان، إلى أحد المنازل، فكنّا قد دخلنا منزلاً في أحد الأيّام، وكانت حاسّة الشمّ عندي قويّة جدًّا، فلو كان هناك شيء مخفيّ لم يكن ليخفى عليّ. وكنت قد دخلت إلى غرفة فأحسست أنّ هناك فاكهة في تلك الغرفة آنذاك، والتفتُّ إلى أنّ الوضع قد تغيّر فالتفتّ إلى صاحب المنزل وقلت له: هل تلك الفاكهة موجودة؟ طفل في السادسة أو السابعة. فقال لي: كلاّ لا وجود لشيء من ذلك، من قال ذلك؟! ذلك الذي كان هناك قال لي: كلاّ من قال؟! فأنا أشمّ رائحتها وهو يقول لي: من قال؟! ثمّ نظرت فرأيت أنّ هناك مختبئًا وراء الخزانة يأكل من تلك الفاكهة، فلم أتأثّر وقلت أثناء مشيي: ما هاتان القدمان المختبئتان هنا؟! فلم تكن تلك الخزانة قد غطّت جميع بدنه بل كان نصفه من الركبة إلى الأسفل باديًا وكان صوت تناوله الطعام يتناهى من فمه إلى سمعي وكان سمعي قويًّا جدًّا، كما أنّ حاسّة الشمّ كانت قويّة، وعلى كلّ حال قلت له: فما هاتان القدمان إذن؟ ثمّ حرّك ذلك المختبئ نفسه جانبًا كي لا أرى تلك القدمين. وعلى كلّ حال تابعت سيري.

  • ولست أنسى أبدًا هذا الموقف، لم يكن الأمر مهمًّا بالنسبة إليّ وكان بسيطًا جدًّا، فجلست جانبًا وأخذت أفكّر وأنا في عالم الطفولة وفي عمر ستّ سنوات أن لماذا يتكلّم ابن الستّين سنة هذا بذاك الكلام؟ جلست أفكّر في ذلك، لم يكن الأمر مهمًّا بالنسبة إليّ، ولا زلت أذكر جيّدًا أنّ الأمر لم يكن مهمًّا ففي النهاية كان هناك شيء ما سأتناول منه لاحقًا، ولكن أن يتكلّم ابن الستّين هذا بذاك الكلام فهذا كان أمرًا صعبًا، ولنفترض أنّي لم أكتشف ذلك ولم أشمّ تلك الرائحة أو أنّ عيني لم تقع على رجلي المختبئ، ولنفترض أنّه لم يكن أصلاً، فأن يأتي إنسان ويجيز لنفسه في عالمه الخاصّ أن يكذب على طفل ثمّ يدرك الطفل أنّه كذب، فهذا ما لم أستطع هضمه، وهذا ما لم أتمكّن من إدراكه، لم أتمكّن من الوصول إلى ذلك، في عالم الطفولة ذاك قاضيت ذلك الرجل، فما هذا العمل؟! إنّه باطل. أوّلاً أنت إذ لديك هذه الفاكهة يمكنك أن تعطيني منها وتقول لي: تفضّل يا عزيزي فقد أكل هذا فكل أنت أيضًا، أو تقول لي: سأحضر لك منها، أو تقول لي إن أعطيتك سيكون كذا وكذا بحيث يكون التبرير مقبولاً، أما وأنّي عرفت أو أنّي سأعرف يومًا ما، فإن لم أعرف حينها فسأعرف في يوم آخر، فكيف يمكن ذلك؟! فانظروا هذه الحكاية عن أيّ شيء تحكي؟ تحكي عن أنّ هذا الطفل ابن السنوات الستّ هل هو إنسان أصلاً حتّى نتكلّم معه؟ فلو أنّ طفلاً في السادسة قال: أعطني فإنّا نمشي غير مبالين.

ضرورة الحفاظ على نوافذ القلب - خطر الدخول في أنظمة الظالمين

8
  • عدم تمييز أولياء الله بين الصغار والكبار والعقلاء والمجانين في الاحترام والتقدير

  • أمّا المرحوم الوالد عندما كان يتعاطى مع هذه المسائل كان كأنّه يتعاطى مع ابن خمسين أو ستّين سنة ولديه جميع جوانب الإدراك والشعور وجوانب التكامل الطبيعيّ والاجتماعيّ، فقد كان يتكلّم مع ابن ثلاث سنوات في عالمه وكأنّه يتكلّم مع ابن ستّين سنة في عالمه الخاصّ. فلو قال: إنّه ابن ثلاث سنوات ولا يستحقّ الاهتمام. فهذا غير صحيح. لأنّه أعطى لهذا الطفل مكانته الحقيقيّة الخاصّة به في نظام الوجود، ولو كان كلّ شيء في مكانته الحقيقيّة الخاصّة به فلن يتمكّن الإنسان من التجاوز. والمشكلة هي أنّنا نحن لا نجعل الناس في مواقعها المناسبة ولا نلتفت إليهم ولا نحسب لهم حسابًا.

  • أذكر أنّي ذهبت برفقة المرحوم العلاّمة إلى مجلس ما برفقة بعض إخواني، وما إن جلسنا في ذلك المجلس حتّى جاءت امرأة كانت قد فقدت عقلها وكنّا نحن نعرفها وقد سرّت من المرحوم العلاّمة فجاءت إليه، فلمّا رأيناها نحن بدأنا بالضحك، فقد كان شيئًا ممتعًا بالنسبة إلينا وكان ينفعنا ويحدث لنا نوعًا من التسلية. فنظر إلينا المرحوم العلاّمة وقال: لماذا تضحكون؟ إنّها إنسان من الناس، ومخلوق مثل سائر المخلوقات، أخذ الله عقلها لمدّة، ولكنّ إنسانيّتها لم تذهب، ومقام عبوديّتها لم يختلف، ومكانتها في النظام الاجتماعيّ ونظام الخلقة لم يتغيّر فلماذا تضحكون؟! على الإنسان أن يحترم هؤلاء أيضًا. والأمر عجيب جدًّا، فقد كان يقول إنّ علينا أن لا ننظر نظرة استهزاء إلى من فقد عقله ولا ننظر نظرة سخرية، إنّه مريض، لقد أصابه مرض، إذا دخلت منزلاً ووجدت مريضًا ارتفعت حرارته ولديه مرض فهل تسخر منه؟ كلاّ! تجلس عنده وتقرأ سورة الفاتحة وتطلب له السلامة والعافية، وهذا أيضًا هكذا مريض كسائر المرضى، غاية الأمر أنّه مريض يمشي ويتكلّم ونحن لا ندرك، والذين فتحت أعين باطنهم ربّما يدركون ماذا يقول هؤلاء، ليس من المعلوم أنّ كلام هؤلاء كلّه لا معنى له، من أين نعرف ذلك؟ ولكنّ أعيننا الظاهريّة وآذاننا الظاهريّة هي على ارتباط مع ما نهتمّ به، وليس لدينا خبر عن هذه المفاهيم والمعاني، أمّا أولياء الله إذا ما التقوا بمجنون وبفاقد للعقل والذين يتكلّمون بنوع من الكلام فربّما يدركون من كلامه أشياء أخرى، بل هم يدركونها حتمًا، وقد كنت في بعض هذه الأحداث فأخبروني ماذا يقول هذا المجنون وماذا يقصد. هؤلاء ينصتون إليهم بأذن أخرى. وهذا النوع من العمل والتفكير لا يتأتّى إلا ممّن اتّحدت نفسه واتّحد قلبه مع قلب نظام الخلقة الأحسن، ومع ذلك القلب المنير إذا ما نظرنا إلى مقام الفاعليّة في جميع الأشياء، والقلب المستنير إذا ما نظرنا إلى قابليّة الفيض في جميع القوالب، فمن الذي يمكنه أن يدرك ذلك في جانبي الفاعليّة والقابليّة؟ لا أحد يمكنه، لا أحد.

ضرورة الحفاظ على نوافذ القلب - خطر الدخول في أنظمة الظالمين

9
  • ضرورة حفظ نوافذ القلب من أن تُغلق وأن تتغيّر موازينه

  • لذلك كان المرحوم العلاّمة يقول: إنّ الذين لم يدخلوا في جهاز الظلمة في البداية تكون لديهم نوافذ، وتدرك قلوبهم الحقائق وتميّز الصحيح من السقيم لأنّ قلوبهم لم تمت ولا يزال لديها نشاط ولا تزال تنبض. بعض القلوب يحفظونها بالأجهزة، فإذا ما قطعوها عنها توقّفت، وبعض القلوب ليست هكذا بل تنبض بنفسها، وما دامت تنبض فإنّها تحكي عن أنّ صاحبها لا يزال حيًّا ولذا يحرم تشريحه ويحرم استخراج عضو منه، فرغم أنّ دماغه توقّف ولكن لأنّ قلبه لا زال ينبض فهذا يحكي عن اتّصال روحه ببدنه، توقّف دماغه وتوقّفت رجله ولكنّ قلبه لا يزال ينبض. هل ينبض بسبب وصله بجهاز بطّارية أم من نفسه؟ إن كان ينبض بنفسه فهذا يعني أنّ الروح متّصلة بهذا البدن ولا يمكن استخراج عضو منه، ولا يمكن تشريحه، ولا يمكن أن نحكم عليه ولذا يحرم تشريحه، ويحرم أن يقطعوا منه عضوًا رغم أنّ دماغه توقّف عن العمل، فبما أنّ قلبه لا يزال يعمل فهذا دليل على اتّصال الروح بالبدن، إن كان دماغه قد توقّف عن العمل فليكن، إن كانت رجله توقّفت عن العمل فليكن فما المشكلة في ذلك؟ هل القلب يعمل بنفسه أم وُصلت به بطّاريّة؟ إن كان يعمل بنفسه فهذا يعني أنّ الروح متّصلة بهذا البدن فلا يمكن أن تبتر منه عضوًا ولا يمكن أن تشرّح وتحكم عليه بأنّه ميّت، وهذا حرام. فإذا ما توقّف القلب عن العمل عندها يحكم عليه بالموت ويعرضه الموت، هذا القلب قبل أن تغلق نوافذه يكون صاحب فهم، فلنعمل عملاً أيّها الرفقاء يمنع إغلاق هذه النوافذ، يمنعه، ويمنع أن تسبّب الظروف والأمور المحيطة إغلاق تلك النوافذ، فإن كنّا لا نضيف في هذه النوافذ فعلى الأقل لا نغلق ما هو موجود منها. ولنحتفظ على الدوام بتلك الرؤية التي نمتلكها حول الأمور، فإن شعرنا يومًا ما أنّ هناك تغيّرًا فلنجلس مع أنفسنا ولنقارن حالها بما سبق، ولنعدِ النظر في أحوالنا ولندقّق في الأمور، ولننظر إن واجهنا أمرًا ما هل نمتلك تلك الصلابة والقوّة والإحكام والإتقان التي كانت في رؤيتنا فيما سبق؟ وتلك الرؤية التي كانت لنا حول الأفراد والتي كنّا نبديها بكامل الشجاعة وبلا مبالاة لأنّه لم تكن لدينا منفعة ولم يكن يصيبنا ضرر فكنّا نقول الواقع كما هو، فلو جاءكم الآن اثنان غريبان وطلبا منكم أن تحكموا بينهما في قضيّة ما وليس بينكم وبين أيّ منهما قرابة ولا تعرفون أيًّا منهما، وليس أحدهما يرجح على الآخر بشيء ولا تطمعون بأيّ منهما، فأحيانًا إذا جاء إلى الإنسان اثنان فإنّه يقول: سأنحاز إلى هذا فإنّه يعينني غدًا، فلو ذهبت إلى تلك الدائرة لمعاملة ما فإنّه يمضيها لي ويفيدني غدًا أو بعد غد. ولكن لو لم يكن الأمر هكذا بل جاء اثنان من إحدى الدول الأخرى وتكلّما معك ليرجعا بعد ذلك ولم يكن لديك أيّ خبر عن أيّ منهما فإلى أيّ منهما تنحاز عند الحكم؟ لا يشكّل أحدهما مصدر نفع لك ولا ضرر، حينها تتعامل بحريّة كاملة في الفكر، لماذا؟ لأنّك لا ترى لنفسك أيّة منفعة سوى أداء الحقّ، ودقّقوا في هذا فلو أنّهما ذهبا إلى يزيد لحكم بعين ذلك الحكم. لماذا؟ لأنّه ليس لديه أيّة مصلحة. فحتّى لو ذهبا إلى يزيد وحتّى لو ذهبا إلى أبي بكر ولم يرَ هو أيّة منفعة سيقول: لماذا أكذب؟! أنا لا أرى أيّة منفعة، لا يصيبني أيّ ضرر، هنا اثنان جاءا من مكان بعيد ثمّ يريدان أن يعودا ولا علاقة لهما بحكومتي ولا بخلافتي ولا يؤثّران على زوجتي ولا على أولادي ولا على دنياي، ولا على شيء! فنحن نبحث حول الذين هم من أهل الدنيا، فمن كان لا يحصل على أيّ نفع دنيويّ يقول: لماذا أكذب؟ هذا الحقّ لك فاذهب، انتهى الأمر. ولكن لو جاء إلى هذا نفسه اثنان أحدهما تبيّن أنّه من المعارف والأقارب بعد أن تحدّث معه قليلاً، فجلسا وأنسا معًا، وهنا يتغيّر حال الميزان قليلاً… حسنًا فلو قلت الآن: سيصل الكلام إلى الأقارب ويمكن أن ينزعجوا ويؤذوني…

ضرورة الحفاظ على نوافذ القلب - خطر الدخول في أنظمة الظالمين

10
  • محاكمة لأحد الأقارب

  • كنت في مجلس وسأحدّثكم عن خواطري الخاصّة، كنت في مجلس ولكن لم أكن سوى مستمع حرّ وناظر، وكان قد جاء اثنان إلى أحد العلماء لفضّ خصومة حصلت بينهم، ولم يكن لذلك العالم اطّلاع على أحوالهما، فلمّا شرع بالحديث معهما كان كلامه جيّدًا وفي أثناء حديثه طُرح أمر ما فأدرك أنّ أحدهما من أقاربه، وما إن حصل ذلك شعرت بأنّ لحن حديثه بدأ يتغيّر شيئًا فشيئًا، واختلفت التعابير شيئًا فشيئًا والاصطلاحات بدأت تتغيّر، وفي النهاية انتهى الأمر لصالحه، وأنا لم أكن على اطّلاع بأنّ الحقّ مع هذا، ولا شأن لي بذلك، ولكنّ كلامي هو عن التغيير في العبارة والاصطلاح والكلام، فما حقيقة ذلك؟! وبماذا اختلف هذا عن حكومة عمر؟! لقد صار مثله لا يختلف عنه.

  • يقول الإمام السجّاد إنّ تلك النوافذ التي في القلب مفتوحة ما لم يرتكب ذلك القلب الجرم والجناية والظلم، وكما يقول المرحوم العلاّمة كان ذلك الرجل يقضي فيعطي الحقّ لصاحبه، وكانت نظرته إلى الأمور والقضايا صريحة، كان صريحًا وكان حرًّا بلا اضطراب، ولكن ما إن دخل النظامَ أصابه لون، أخذوا ريشة التلوين وغمسوها باللون ولوّنوه بها، واللون الأوّل والمرحلة الأولى من الصبغ لا جِرم لها، لأنّ اللون على قسمين ـ وهذه مسألة شرعيّة ـ يقولون إنّه لا يمكن الوضوء مع وجود هذا النوع من اللون، ولكن ليعلم الرفقاء أنّ اللون على قسمين: لون له جرم ومانع من وصول الماء إلى الجلد، ولا بدّ من إزالته قبل الوضوء، مثل الألوان الموجودة واللاصقة وأمثال ذلك. ولون مثل الدواء الأحمر ومثل حبر الدواة، واسم الدواء الأحمر مركوكروم الدواء الأحمر إذا أصاب البدن صبغه ولكن لا جرم له، وهو ليس مانعًا من وصول الماء ويمكن الوضوء به. فاللون في المرحلة الأولى من الصبغ لا جِرم له، يأتي ويذهب ولكن في النهاية هناك نظام وقوانين فيعطونه مالاً وراتبًا، فالذين كانوا يأتون إلى خلفاء الجور لم يكونوا يأتون بالمجّان، بل كان هناك سجلّ وديوان ورواتب. فهذه هي المرحلة الأولى من الصبغ واللون الأوّل، ولكن بعد يومين يلاحظ عيال هذا الرجل أنّه كان يتكلّم ثمّ صار لا يتكلّم، يسمع كلامًا فلا يتكلّم ولا يطرح شيئًا بل يتنازل ويتأقلم، فإن لم يفعل ذلك قالوا: ماذا حصل؟ يمضي يومان أو ثلاث فيأتي لون جديد يصبغه فيضاف إلى جِرمه جِرم جديد، فسواء لاحظت أم لم تلاحظ فإنّه يضاف مقدار يسير من الجِرم، فالصبغ لا يغلظ دفعة واحدة ولا يجعل على الجسم المصبوغ كورق الكارتون كلاّ، بل يجعل صبغ رقيق جدًّا يمكن أن ينفذ. والنتيجة أنّا نرى أنّ الميول تغيّرت ويصبح هذا الرجل من أعوان الظلمة، وهم الذي يساعدونهم.

ضرورة الحفاظ على نوافذ القلب - خطر الدخول في أنظمة الظالمين

11
  • يقول الإمام الصادق عليه السلام: لو لم يكن هؤلاء الأعوان للظلمة من الذين يجبون لهم الأموال ويديرون لهم دواوينهم وحساباتهم ويعظّمونهم ويروّجون لهم في البلاد ويجذبون الناس إليهم لما كان لهؤلاء الخلفاء العبّاسيّين مكان ليأخذوا حقّنا، ولما كانت لهم مكانة ليأخذوا حقّنا. لقد أحاط بهم هؤلاء حتّى تمكّنوا من أخذ حقّنا، بعضهم يأتي ويعظّم ويأتي آخر ويقول: حاضر يا سيّدي، ويأتي ثالث ولا أدري ماذا يفعل، ويأتي رابع وينشر كتابًا، ويأتي خامس ويروّج له في هذه الناحية وتلك ويتكلّم ويدعو الناس ويجمع الأموال، فإذا ما اجتمعت الأموال خرج ذلك الرجل من موقعه الخاصّ وشيئًا فشيئًا ينتهي الأمر إلى حيث يشعر هذا بأنّه شيء ذو بال، والحال أنّه هو نفسه الذي كان بالأمس يسير في الشارع ولم يكن أحد ينظر إليه ولم يكن أحد يردّ سلامه، فهذا يصبح من أعوان الظلمة، وشيئًا فشيئًا وشيئًا فشيئًا ليس فقط يذهب ذلك الحكم السابق، بل وبعد مدّة من السكوت ينقلب الأمر إلى المدح والثناء والتمجيد وإذا ما انتقد أحد فإنّه يقطّب حاجبيه. فماذا حصل يا عزيزي؟! قبل شهرين عندما التقيت بك طرح هذا الكلام فلم تقطّب حاجبيك بل أيّدته أيضًا، فمن أين جاء هذا التقطيب؟! هل تغيّرت الأوضاع؟ هل تغيّرت الأمور؟ ماذا حصل؟! كلاّ لم يحصل شيء، بل هناك تغيير في الأسس وتغيير في النفس وتغيير في القلب قد حصل لديه بواسطة هذه الألوان، هذه الألوان التي جاءت وجاءت وصبغ بها وصبغ، لمّا نقلوه من هذه الغرفة إلى تلك وجاؤوا له بالشاي أضيف عليه لون جديد، وجاء إليه اثنان وقالا له: السلام عليكم سيّدنا فأضيف إليه لون جديد، وجاء آخر فدعاه فأضيف إليه لون، رفعوا له أيديهم فأضيف لون جديد، أركبه آخر في سيّارته فأضيف لون جديد، وأخذوه من مكان إلى مكان فأضيف لون جديد، وهكذا لون جديد ولون جديد حتّى صار اللون غليظًا، فإذا ما صار اللون غليظًا لم يعد بالإمكان الوضوء به وصار الوضوء به باطلاً. فهل التفتّم ماذا أريد أن أقول؟ لم يعد بالإمكان أن يتوضّأ هذا الرجل، فالصلاة التي يصلّيها إذن تصبح صلاة بلا وضوء، الصلاة التي كان يصلّيها سابقًا كانت صلاة بطهارة، لأنّه لم يكن عليه لون حاجب، أمّا الآن فقد تلوّنت يده ووجهه وموضع المسح من رجله، وعندما يكون هناك لون حاجب فلا بدّ من إزالته، ولا يمكن التيمّم، فالتيمّم هو عندما لا يكون هناك إمكان للوضوء وإمكان لاستعمال الماء، أمّا عندما يتمكّن فالتيمّم باطل. وهذه الصلاة التي يصلّيها هذا الآن صارت صلاة بلا وضوء، والكلام يتغيّر والرؤية تتغيّر، والفكر يتغيّر، ويصبح الإنسان من أعوان الظلمة، فإذا ما مضت مدّة أخرى من الزمان يصبح هذا الذي كان معينًا ومؤيّدًا ومرافقًا ومساعدًا وممهّدًا الأمور للآخرين هو نفسه يذوب في الأمر وفي المشروع ويصبح واحدًا منهم، وهذه مرتبة تغلق فيها النوافذ، عندها يصبح الإنسان من أعوان الظلمة.

ضرورة الحفاظ على نوافذ القلب - خطر الدخول في أنظمة الظالمين

12
  • المراتب الثلاث للإنسان حسب حالات قلبه

  • كان المرحوم العلاّمة يقول: هناك ثلاث مراتب للإنسان:

  • المرتبة الأولى وهي المرتبة التي ينظر فيها الإنسان بعين مفتوحة وبحريّة وبقلب لا تزال له نافذة، بقلب لم يعرض له الموت، بقلب لم يوبَق بعدُ على حدّ تعبير الإمام السجّاد، والموبق هو القلب الذي وصل إلى الهلاك، أي بقلب لم يهلك، قلب لديه بصيرة، ينظر في هذه المرحلة بهذا القلب. 

  • والمرتبة الأخرى هي مرتبة الانتقال إلى حالة انسداد النوافذ، اليوم أغلق نافذة، وغدًا تغلق نافذة ثانية وبعد أسبوع ثالث تغلق نافذة ثالثة، تغلق واحدة واحدة من تلك النوافذ. يقول أحدهم: ذهبت لزيارة رجل كانت تربطني به علاقة وكنت أتردّد عليه، كان من أهل الفضل وأهل العلم وكنت أثق به وأعتمد على كلامه، فلمّا جلست وتحدّثت معه رأيت أنّه يتحدّث عن بعض المسائل بحدّة وشدّة وبعبارات قاسية لم أكن أرضى بها، ففي النهاية لكلّ شيء حسابه وحدّه، ولا معنى لهذه العبارات ولا داعي لها. وكان الكلام مستغربًا في نظري بالنسبة إلى بعض هذه الأمور. وبعد هذا حصلت له أحداث خاصّة ومشاكل فمضيت إلى منزلي، ولمّا تحدّثت عن ما سمعته في تلك الليلة من ذلك الرجل وكان عجيبًا جدًّا بالنسبة إليّ أي انقلب ليس فقط ۱۸۰ درجة بل ٣٦۰ درجة، غاية الأمر أنّه كان في موقع النفي والآن في موقع الإثبات فقلت في نفسي: ما ذاك الذي رأيته منه فيما سبق وما هذا؟! إنّه بسبب أنّ الإنسان لا يمكنه أن يبرّيء نفسه، لدينا علم وقرأنا الكثير من الكتب وحفظنا الكثير من المعلومات، الكثير من هذه المعلومات، لدينا الكثير من المحفوظات فقد حفظنا كثيرًا ـ وأنا أتحدّث عن هذا الرجل فقد كان يقول لي: إنّه كان يحفظ الكثير وقد قرأ الكثير من الكتب، وهناك الكثير من المعلومات في ذهنه، ولكن إلى أيّ حدّ استطاع هذا الرجل أن يحفظ الولاية على قلبه على مرّ الزمان وأن يقف على نافذة قلبه، وتلك النوافذ التي أوجدها الله في قلبه ابتداء من دون أن يواجه شيئًا من أجل هدايته إلى الطريق الصحيح ولكي يميّز الطريق الصحيح من الباطل، يتفقّد تلك النوافذ في كلّ يوم ويلاحظها ويختبرها ويرى أيّ منها قد أغلق وأيّ منها لم يغلق؟ وما هي رؤيته؟ وما هي مسائله؟ وماذا يحبّ؟ وكيف هو عشقه للحقائق؟ للطريق؟ للصدق؟ للأمانة؟ لقول الصدق؟ وذلك المقدار الذي كان يصرّ عليه فيما سبق وكانت لديه حريّة وكان ثابتًا؟ ولكنّه الآن وبدلاً من أن يختبر هذه الولاية على القلب كلّ يوم قد خسرها وجاءت ولاية الآخرين وأخذت مكان ولايته، وبذهاب ولايته امتلأت تلك النوافذ بواسطة ولاية الآخرين، ولأنّ الآخرين على باطل، فإنّهم سدّوا جميع النوافذ، لذلك يتغيّر الكلام. فهل فهمتم معنى كلام الإمام السجّاد إلى حدّ ما أن إلهي أناجيك بقلب ميّت، لم يعد هذا القلب حيًّا، لا حياة له، نعوذ بالله! وطبعًا سنتحدّث إن شاء الله في الليالي القادمة حول هذا الأمر.

ضرورة الحفاظ على نوافذ القلب - خطر الدخول في أنظمة الظالمين

13
  • [المرتبة الثالثة] هذه الحالة للقلب تسمّى حالة الموت، وقد ورد ذلك في آيات القرآن أيضًا: {خَتَمَ اللَه عَلى‌ قُلُوبِهِمْ وَ عَلى‌ سَمْعِهِمْ وَ عَلى‌ أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ}‌ عندما يختم الله فلا مكان بعد ذلك للفلاح والنجاح، لا يعود يعي. {الَّذِينَ آتَيناهُمُ الْكتابَ يعْرِفُونَهُ كما يعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ‌} يعرفون النبيّ كما يعرفون أبناءهم، يعرفون أنّ هذا رسول ومن عند الله، ولكنّهم لا يتخلّون عن أنفسهم حتّى الموت، ففي معركة أحد وربّما في بدر، لم يتخلّ ذلك المشرك عن ذاته حتّى عند الموت، قال: إذا أردت أن تقطع رأسي فاقطعه من هنا من أسفل الرقبة لتحفظ لي مقامي وشخصيّتي حتّى بعد موتي، فقد أراد رجل أن يقطع رأس أبي جهل في آخر لحظاته، فانظروا حقًّا هذا هو الواقع، أنت تموت الآن ولن تنفعك الدنيا فلماذا تريدها؟ حتّى في تلك اللحظة؟! كثيرون هم كذلك. ففرعون عند موته قال: لقد أخطأت يا إلهي

  • ـ لا فائدة الآن اذهب وشأنك، فكثيرون عند الموت يدركون! {آلْآنَ وَ قَدْ عَصَيْتَ قَبْل} ؟!‌ أهذا وقت الإنابة والتوبة؟ كلاّ فقد فات الأوان وأغلق الملفّ، ولا فائدة بعد ذلك. ولكنّ العجيب هو أنّ بعضهم حتّى عند الموت لا يتراجعون وهذا عجيب جدًّا. 

  • وقد واجهت مثل هؤلاء، أذكر أنّ هناك رجلاً كان قد ارتكب في حياته معاصي كثيرة وسمعت أنّه مريض ويودّع الدنيا ولم يكن مرضه من الأمراض الجيّدة، أي لم يكن قابلاً للعلاج على ما يبدو، ولم يكن قد بقي من عمره سوى أيّام، فأرسلت إليه وقلت له: يا عزيزي الآن أنت أخبر بحالتك وأنت ترى، وقد ارتكبت في حياتك هذه الأعمال، لقد آذيت هؤلاء الناس وارتكبت هذه المعاصي ولا يخفى عليك شيء، فعليك الآن أن تبدأ بإصلاح نفسك شيئًا فشيئًا، والطريق الذي أمامك ليس فيه مزاح، فإن كان هناك مزاح حتّى هذه اللحظة ففي هذه الأيّام القادمة لا مزاح وأنت بنفسك مطّلع، فلا بدّ أن تهتمّ بنفسك وبوضعك لترى ماذا سيحلّ بك. فذهب ذلك الذي أرسلته إليه وتكلّم معه، فلمّا رجع قال لي: وكأنّه ليس مريضًا وكأنّه لا يعلم بأنّه سيأتيه الموت في الأيّام القادمة، وكأنّ هذا الرجل لا اطّلاع له على حالته، وكأنّ هذا الرجل لا يعلم أنّ هناك ما ينتظره، والعجيب هو أنّه عندما شعر بأنّي آتي وأريد أن أقول له هذا الكلام أصرّ وضاعف من أعماله التي كان يقوم بها سابقًا عشر درجات قائلاً: كلاّ أنا هكذا ولا أغيّر وأمثال ذلك. ثمّ فارق الدنيا، فهل التفتّم؟ إنّه عين أبي جهل لا يختلف عنه، هو عين أبي جهل الذي قال ذاك الكلام في تلك المعركة غاية الأمر أنّ ذاك اسمه أبو جهل وهذا اسمه شيعيّ، والشيعيّ الذي يرتكب المعاصي ليس من شيعة أمير المؤمنين، وأمير المؤمنين لا يرضى به ولا يجعله إلى جانبه.

ضرورة الحفاظ على نوافذ القلب - خطر الدخول في أنظمة الظالمين

14
  • سهولة قبول التوبة من قبل الله وصعوبة الاعتراف بالخطأ

  • أنت الآن تعلم، إن كنت ترتكب المعاصي حتّى هذه اللحظة فلا بأس تعال الآن وعوّض ما فات وأعلن وقل وأخبر، فأنت تعلم، هو يعلم بوضوح كوضوح الشمس أنّ هذا العمل باطل، فلو لم يكن حاله هكذا لما آخذه الله، فالإنسان يخطئ أحيانًا عن جهل وقصور لا عن تقصير، والله يعفو عن الإنسان، هذا الإنسان يعلم حقيقة الأمر، ولكنّ مقام الاستكبار وأن لا يكون ضعيفًا أمام الناس ولا يقول الناس: انظروا لقد أخطأ والآن يريد أن يتراجع، إنّه يقول خلاف ما فعل، إنّه نادم، إنّه إنّه إنّه… تأتي هذه النفس وتقول له: سيقولون انظروا وانظروا وانظروا. وتستعرض كلّ ذلك أمامه إذا ما تراجعت فماذا سيقول عنك فلان؟ ماذا سيقول الناس؟ إذا تراجعت لا أدري ماذا سيقولون، فتمنعه من الوصول إلى مرتبة من السعادة ومن الوصول إلى مرتبة من الندم، ومن الوصول إلى مرتبة من الاستغفار، ومن أن يطلب المغفرة من الله، بالنسبة إلى الله هذا يسير، فلو بقيت ساعة من عمر الإنسان وقال كلمة يا الله صادقًا فإنّ الله يعفو ويعفو. يقول يا الله صادقًا ويعوّض ما فات في تلك الساعة الباقية بقدر استطاعته في تلك الساعة، فيقول الله: قبلت منك ذلك. فالله لا ينظر إلى الماضي، بل ينظر إلى الحالة الراهنة للإنسان، إن كنت أخطأت في الماضي فقد أخطأت. ولكن قلنا بالأمس إنّ تلك الدقيقة التي يقول فيها الإنسان يا الله بحيث أنّه لو شفي من مرضه وبقي بضعة سنوات لما عاد إلى ذنبه السابق، بل يستمرّ على تلك الدقيقة، هكذا، تستمرّ تلك الساعة وتستمرّ، والملائكة يعلمون أيضًا، ولم يقم هذا بشيء حتّى أخذه الموت وهو على أنانيّته وفرعونيّته فماذا يصنع الله له لا ندري، نحن لا نرى إلا الظاهر.

  • أمثال أبي جهل وعتبة وشيبة موجودون في أنفسنا

  • حسنًا، ولا يختلف الأمر سواء كان الناس في ذاك الزمان زمان النبيّ أم في هذا، فنحن دائمًا نقول إنّه كان في زمان النبيّ واحد يدعى أبا جهل وآخر يدعى المغيرة وآخر يدعى شيبة وآخر أبا سفيان، وهذا بالنسبة إلينا أمر عظيم وأمر عجيب، فهؤلاء الذين وقفوا أمام النبيّ ورشقوه بالحجارة وكسروا أسنانه وشقّوا جبينه، وهؤلاء أمرهم عجيب في نظرنا. كلاّ فعتبة وشيبة موجودان الآن، وعمر وأبو بكر موجودان الآن، ويزيد موجود الآن والشمر موجود الآن وهارون والمأمون موجودان الآن وكلّ منّا لديه حصّة من النفس ومن الجهل ومن الضلال ومن الغفلة بحيث لو جعلنا هذه الحصّة بحالها ولم نلجم النفس ولم نسيطر عليها فإنّا سنسير في ذلك الطريق عينه الذي ساروا فيه، ثمّ سنصل إلى تلك المرتبة وسنقوم بتلك الأعمال عينها، سنقوم بتلك الأعمال وسنكون على تلك الهيئة وذلك الشكل، غاية الأمر أنّ الصور تختلف، سنقوم بذلك. نعوذ بالله نعوذ بالله حقًّا إنّه لعجيب.

ضرورة الحفاظ على نوافذ القلب - خطر الدخول في أنظمة الظالمين

15
  • عندما ننظر في أحوال الأئمّة عليهم السلام في التاريخ ونقرأ ذلك نصادف أحداثًا تقشعرّ منها الأبدان وترتجف! كيف يمكن لابن أخ الإمام عليه السلام أن يذهب إلى هارون الخليفة العبّاسيّ ويقول له: من العجيب أن يكون هناك خليفتان على الأرض، خليفة في بغداد وخليفة في المدينة وهو على أهبة الاستعداد وعن قريب سيبرز لقتالك بجيش مجهّز ومقاتلين عازمين على مواجهة الخليفة! آه آه أيّها الكذّاب، يا عديم الأصل ما هو الذنب الذي ارتكبه موسى بن جعفر هذا؟! ماذا صنع لك حتّى أتيت إلى هارون تسعى به؟! فقد كان هذا محمّد بن إسماعيل ابن أخ الإمام موسى بن جعفر، وإسماعيل هو ابن الإمام الصادق أخ موسى بن جعفر، يأتي ابن الأخ إلى الخليفة ويسعى بعمّه وهو بذلك الشأن ممّا يؤدّي إلى القبض عليه وسجنه وقتل موسى بن جعفر ابن أخيه، وكم يفصله عن الإمام؟ واسطة واحدة. والده ابن الإمام الصادق، فكيف يمكن لقريب الإنسان أن يأخذ من خليفة بني مروان السمّ، من هشام بن عبد الملك ويسمّ الإمام الباقر عليه السلام، فمن سمّ الإمام الباقر كان من أقاربه المقرّبين من بني الحسن الذين هم عائلة الإمام الباقر عليه السلام وقد استشهد بسببهم! ونحن نصل إلى هذا فاحذروا! نصل إلى هنا، فلم يقتل موسى بن جعفر أبو جهل وعتبة وشيبة بل تسبّب بقتله ابن أخيه، ابن أخيه، فبنو عمومة الإمام الباقر سبّبوا قتله.

  • كيف يمكن أن يتّهم أبناء إمام من الأئمّة إمام زمانهم عليّ بن موسى الرضا في المحكمة لدى قاضي المدينة بأنّه وضع وصيّة باسم أبيه؟! عجيب عجيب يقولون إنّ هذا الرجل قد اختلق هذه الوصيّة الموجودة الآن وهي له، وعندها تشهد إحدى زوجات موسى بن جعفر وتقول: إنّ موسى بن جعفر كتب هذه الوصيّة أمام عينيّ أفلا تخجلون؟! ثمّ ينظر إليهم قاضي المدينة ويقول لهم: ألا تخجلون إذ تتّهمون رجلاً كهذا؟ أفهل يتأتّى من صاحب هذه الهيئة أن يقوم بهكذا عمل؟! اذهبوا وابتعدوا من هنا. يطردهم جميعًا، أفهل يتأتّى من صاحب هذه الهيئة والمحاسن أن يخترع وصيّة ويقوم بعمل كهذا؟!

ضرورة الحفاظ على نوافذ القلب - خطر الدخول في أنظمة الظالمين

16
  • كيف يجري ذلك؟ يجري شيئًا فشيئًا! ويصل الإنسان شيئًا فشيئًا إلى هنا. أمّا حادثة إنكاره للإمام الجواد فحدّث ولا حرج ولها قصّتها المفصّلة، وقد كانت إحدى مصائب عليّ بن موسى الرضا، وحقًّا كان هذا الإمام الرضا غريبًا، وأعتقد أنّه كان أكثر غربة من جميع الأئمّة! لقد كانوا يقتلون الأئمّة، قتلوا الإمام الحسين، أمّا الإمام الرضا فجاؤوا به إلى المحكمة أمام الناس، ألا يخجلون من ذلك؟! كم كان شاقًّا على الإمام أن يأتي الناس ويقولوا: ما شاء الله ما شاء الله! انظروا إلى أبناء رسول الله! تعالوا وانظروا ماذا يقول هؤلاء! لقد اختلق وصيّة! لو قطّعوا الإمام مائة مرّة بالسيف قِطعًا قِطعًا لكان أهون عليه من هذا الموقف المهين له! حقًّا ماذا كان الناس يقولون لموسى بن جعفر عندما كانوا يرون ذلك؟! تفضّل وانظر هذا إمام وهؤلاء أبناؤه، فهؤلاء أبناء الإمام في النهاية، أبناء أخ الإمام في النهاية، فلم يكن كلّ واحد منهم سلمان وأمثال سلمان من النجوم اللامعة في سماء العلم والتقوى و…، كان نديم المتوكّل من أبناء الإمام الهادي.

  • بينما كان الإمام الهادي عليه السلام جالسًا بين أصحابه بُشِّر من داخل الدار بأنّ ولدك جعفرًا قد ولد، فتقطّب حاجبا الإمام فجأة، وتعجّب الحاضرون أن كيف بشّر بولادة ابنه ومع ذلك تقطّب حاجباه؟! قالوا ماذا جرى يا ابن رسول الله؟! لقد حدث حدث مبارك فلتهنّئ. فقال الإمام: الله يعلم ماذا سيجري على الشيعة من بعدي من المصائب بسبب ولدي هذا! فالحقيقة أنّه ليس بين الله وبين أحد قرابة.

  • {وَ ما أُبَرِّئُ نَفْسِي‌} هذا كلام قاله النبيّ يوسف، فليس بين الله وبين أحد قرابة، أفضل الناس على وجه الأرض الإمام الهادي، فهل كان في زمان الإمام الهادي من هو خير منه في زمانه؟! أبدًا الإمام الهادي في زمانه هو الأفضل من الجميع وليس أفضل فحسب، وما هي كلمة "أفضل"؟! فأن تقول عن الإمام إنّه أفضل فهذا إهانة لمقام الإمامة، على الإنسان أن يستغفر من ذلك، فما هي كلمة "أفضل"؟! الإمام هو واسطة الفيض بين الله وبين الخلائق فما هي كلمة "أفضل"؟! كأنّك تقارن بين قطرة وبين عالم الوجود كلّه، فهل تقولون إنّه أفضل من هؤلاء، ألا يبعث ذلك على الخجل؟! كلاّ، ومع ذلك فابنه يصبح هكذا. من هو الأفضل في زمان موسى بن جعفر؟ إنّه الإمام موسى بن جعفر في النهاية، أمير المؤمنين [في زمانه]، الإمام الحسن [في زمانه]، سيّد الشهداء [في زمانه]، وكلّ هؤلاء، وجميع الأئمّة.

ضرورة الحفاظ على نوافذ القلب - خطر الدخول في أنظمة الظالمين

17
  • عاقبة إهمال القلب

  • أمّا إذا لم يربّ هذا القلب وإن لم يخضع نفسه للتربية فسيجري عليه ما جرى على مستكبري العالم وما سيجري عليهم.

  • لذلك يقول: {وَ ما أُبَرِّئُ نَفْسِي}‌ أنا لا يمكن أن أبرّئ نفسي أبدًا، لا يمكن أن أنسى نفسي، لا يمكن أن أنسى واقعي، فأنا إنسان هكذا، بهذه الحالة وبهذه القابليّة، ولا بدّ من الالتفات أن لا تؤدّي المعاصي والأعمال الباطلة لا سمح الله إلى سدّ تلك النوافذ.

  • حسنًا كنّا قد قرّرنا أن لا نتجاوز الساعة وليذكّرني الرفقاء إن شاء الله، ولكنّا أوكلنا ذلك الليلة إلى النسيان كما يحصل في سائر الأيّام. نسأل الله أن يشملنا جميعًا بتوفيقه ويجري على قلوبنا من بركات هذا الشهر المبارك، ويجعلنا من زمرة المنتبهين والملتفتين والمتذكّرين، فقد كان السيّد الحدّاد رضوان الله عليه يقول إنّ على الإنسان أن يقف على نافذة قلبه ويخرج غير الله. وإن شاء الله سنتحدّث عن هذا الموضوع في الليالي القادمة.

  •  

  • اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد.