4

سرّ نجاح الأولياء الإلهيّين ومفتاح سلوكهم

لماذا قال العلامة الطهرانيّ: «لو لم ألقَ العلامة الطباطبائيّ لكنتُ من الخاسرين»؟

24
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمدعاء أبي حمزة الثمالي

المجموعةسنة 1420

التاريخ 1420/09/14

جلسات المجموعة(6 جلسة)

التوضيح

لماذا يترك الأولياء كلّ شيء ويتوجّهون إلى الله فقط؟ ما هو السرّ الذي اكتشفوه ودفعهم لسلوك هذا الطريق؟ كيف أدرك العلامة الطهرانيّ صدق طريق العرفان من خلال شخصيّة أستاذه العلامة الطباطبائي؟ وما هي القصص التي تكشف زيف الكثير من الادّعاءات في الوسط الدينيّ؟ تُجيب هذه المحاضرة التي ألقاها آية الله السيد محمد محسن الطهراني في ضمن سلسلة محاضرات شرح دعاء أبي حمزة الثماليّ عن هذه الأسئلة، كاشفًا عن أنّ التوجّه التامّ إلى الله هو أساس السير والسلوك إليه تعالى.

/۱٦
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

سرّ نجاح الأولياء الإلهيّين ومفتاح سلوكهم - لماذا قال العلامة الطهرانيّ: «لو لم ألقَ العلامة الطباطبائيّ لكنتُ من الخاسرين»؟

1
  •  

  • هوالعلیم

  •  

  • سرّ نجاح الأولياء الإلهيّين ومفتاح سلوكهم

  • لماذا قال العلامة الطهرانيّ: «لو لم ألقَ العلامة الطباطبائيّ لكنتُ من الخاسرين»؟

  •  

  • شرح دعاء أبي حمزة الثمالي - سنة ۱٤٢۰ هـ - الجلسة الرابعة

  •  

  • محاضرة القاها

  • آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدّس الله سره

  •  

  •  

سرّ نجاح الأولياء الإلهيّين ومفتاح سلوكهم - لماذا قال العلامة الطهرانيّ: «لو لم ألقَ العلامة الطباطبائيّ لكنتُ من الخاسرين»؟

2
  •  

  •  

  • أعوذُ بِاللهِ مِن الشّيطانِ الرّجيم

  • بِسمِ اللهِ الرّحمٰنِ الرّحيم

  • وصلّى اللهُ علَى سيّدنا ونبيّنا محمّدٍ

  • وعلَى آلِه الطّاهرينَ

  • واللّعنةُ علَى أعدائِهم أجمَعينَ إلَى يومِ الدّينِ

  •  

  •  

  • لماذا حصر الأولياء هدفهم بلقاء الله تعالى؟

  • «الْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي أَدْعُوهُ فَيُجِيبُنِي، وإِنْ كُنْتُ بَطِيئًا حِينَ يَدْعُونِي» 

  • الحمدُ مختصٌّ بربٍّ كلّما أطلبه، يقول: لبّيك؛ وإن كنتُ كلّما يدعوني، أُماطل وأُبدي تباطؤًا! 

  • أشرتُ في المجلس السابق إلى أنّ العظماء والأولياء الذين جعلوا وجهتهم فقط وفقط لقاء الله، ولا توجد فيهم أيّة شائبة من شوائب عالَم الكثرة، ولا أيّ تعلّق بأهواء وآراء الدنيا الدنيئة في عالَم الكثرة، لم يختاروا هذا الطريق والمسلك عبثًا وبلا سبب؛ بل كانوا مطّلعين على حقيقةٍ، ويُدركون أمرًا دفعهم للقيام بهذا العمل!

  • إنّ كلّ عملٍ يقوم به الإنسان، وكلّ مقصدٍ يضعه نصب عينيه، إنّما هو قائمٌ على أساس مجموعةٍ من المسلّمات والتصوّرات والمبادئ الأوليّة. فهل من الممكن أن يقوم الإنسان بعملٍ ما عبثًا وبدون أيّ نفعٍ أو فائدة؟! كلاّ، هذا لا يمكن! نعم، قد يخطئ في تصوّر النفع والفائدة، ولكن أن يسعى ويُتابع أمرًا بلا سببٍ وجيه، فمثل هذا العمل لا يليق بإنسانٍ عاقل.

  • لماذا جعل الأولياء والكبار همّتهم فقط لقاء الله، وغضّوا الطرف عمّا سواه، ولم يلتفتوا إلى المسائل الأخرى؟ السبب هو أنّهم أدركوا أنّه لا توجد أيّة ذاتٍ أخرى غير الله جديرة بالاهتمام والاعتماد والاتّكاء، وهذه المسألة ترسّخت وتمركزت ونُقشت في وجودهم؛ وعندما تُنقش هذه القضيّة، لا يستطيع الإنسان أن يعمل بغيرها، وليكن ما يكون! عندما يصل الإنسان إلى أمرٍ قطعيٍّ ويقينيّ، فمهما حدث ومهما قيل عنه من كلامٍ وتُهم، وفُعل به من أفعال، فإنّه لا يستطيع أن يصرف النظر عنه؛ لأنّه وصل إلى اليقين، وذلك اليقين قد فتح له الطريق وأغلق ما سواه! حينها، كيف يُمكن للإنسان أن يختار غير ذلك المسار ويتحرّك فيه ويسير؟!

  • عندما كان المرحوم الوالد العلاّمة الطهرانيّ في قمّ في خدمة المرحوم العلاّمة الطباطبائيّ، كان يقول:

  • عندما وصلتُ إلى العلاّمة، لمستُ في وجوده صحّة الطريق واطمئنان المسار! وأدركتُ أنّ للحقّ واقعيّة، وأنّ الواقع موجودٌ في الخارج، وأنّ هناك واقعًا وحقًّا! فصِدقُ سلوكِ المرحوم العلاّمة الطباطبائيّ رضوان الله عليه وصدق قوله وصدق أفعاله، أوصلني إلى حقيقة أنّ هناك واقعًا. 

سرّ نجاح الأولياء الإلهيّين ومفتاح سلوكهم - لماذا قال العلامة الطهرانيّ: «لو لم ألقَ العلامة الطباطبائيّ لكنتُ من الخاسرين»؟

3
  • لو لم أصل إلى العلاّمة، لكنتُ بقيتُ هكذا في شكٍّ واضطراب؛ لأنّني كنت أنظر إلى أيّ شخص فأجد فيه مشكلة: كان كلامه شيئًا وفعله شيئًا آخر، وما يقوله شيء وما يفعله شيءٌ آخر!

  • المظاهر الخادعة: هل تدلّ العمامة الأنيقة على حقيقة صاحبها؟

  • طالما لا تكون للإنسان علاقة [بشخص من الأشخاص]، فإنّه لا يعلم بالمسائل والقضايا. يرى فقط عمامة منظّمة ومرتّبة جدًا، وكما يقولون: بستّين أو ثلاثين طيّة، وبطبقاتٍ دقيقة جدًا، نظيفة ورفيعة، بالسنتيمتر والمليمتر! 

  • يقولون منذ القِدَم: إنّ لفّ العمامة له قواعد وأصول! أنا منذ أن وضع والدي المرحوم العمامة على رأسي حتّى الآن، لم أَلُفَّ عمامةً واحدة للتمرين! أحيانًا كانت تخرج سيّئة، وأحيانًا تخرج جيّدة. وكان المرحوم الوالد العلاّمة يعترض عليّ كثيرًا قائلاً: ما هذه العمامة التي تضعها على رأسك؟! 

  • هل رأيتم كيف كانت عمامة العلاّمة الطباطبائيّ؟! كانت شيئًا عجيبًا! بعض صوره تُظهر ذلك الوضع. في المقابل، يرى الإنسان عمامة مرتّبة، وعصًا كذا، لكنّ كلّ هذا ظاهر!

  • لا أريد أن أقول إنّ هذه الأمور سيّئة؛ لا، هذه الأمور جيّدة وصحيحة، ويجب على الإنسان أن يكون نظيفًا ومنظّمًا ومرتّبًا. كان المرحوم القاضي رضوان الله عليه أكثر العلماء تنظيمًا في النجف. الثوب الذي كان يرتديه للخروج لم تكن فيه ذرّة وسخ، وكان يرتدي أفضل الثياب، بينما كان يرتدي في المنزل ثيابًا بالية؛ لأنّ وضعه المعيشيّ لم يكن جيّدًا. لكنّ أفضل ثيابه وقبائه وعباءته كانت للخروج؛ وهذا يدلّ على نظامه. ولكن، ما نراه ونشعر به من الأفراد في الخارج هو هذا المقدار فقط: «السلام عليكم»، حركة بطمأنينة، بوقار، بهدوء، بسكينة، وخطوات بطيئة! هذا ما نراه ولا نعلم أكثر من ذلك!

  • قبل وفاة المرحوم الوالد العلاّمة بسنة أو سنتين، خرجتُ في أحد فصول الصيف من منزله في مشهد. وما إن خرجتُ، حتّى رأيتُ شخصًا عند مفترق الطرق يريد أن يأتي إلى منزل والدي بصحبة زوجته وأولاده. كان شخصًا ذا مكانةٍ كبيرة ومن أهل العلم، والجميع يعرفونه. كانت حركته معهم بطريقة خاصّة، لكن ما إن وقعت عينه عليّ حتّى رأيتُه فجأةً يقف باستقامة ودقّة، ويُطأطئ رأسه، ولم يعُد يمنحهم مجالاً للحديث، وهم أيضًا فهموا أنّ الأوضاع سيّئة جدًّا، ويجب أن يتراجعوا قليلاً ويُصلحوا المشهد! واصلتُ المجيء حتّى وصلتُ إليه، سلّمتُ عليه وقلتُ: «سيّدنا، لقد تأخّر الوقت قليلاً!»، ثمّ ذهبت. الآن، لا أعلم هل فهم قصدي أم لا؟! خلاصة القول، هذا هو الوضع!

سرّ نجاح الأولياء الإلهيّين ومفتاح سلوكهم - لماذا قال العلامة الطهرانيّ: «لو لم ألقَ العلامة الطباطبائيّ لكنتُ من الخاسرين»؟

4
  • معايير الإمام السجّاد عليه السلام في تمييز العالم الحقيقيّ من عالم السوء

  • لماذا يحذّر الإمام السجّاد عليه السلام ـ في رسالته إلى ذلك الشخص والمرتبطة بالاستفسار عن أحوال العلماء ـ من مراجعة علماء السوء، ويُبيّن كذلك مراتب الأعمال الخارجيّة والأقوال، ثمّ يقول له [ما معناه]:

  • إذا أردتَ أن تعرف أحوال الأشخاص ونفسيّاتهم، يجب أن تجالسهم في الخلوة والجلوة! 

  • إذا رأيتَ شخصًا هكذا، فلا تغترّ ولا تنخدع! فمن الممكن أن يكون الشخص كذلك. إذا رأيتَ صلاته بالنحو الفلاني وصومه بالشكل الكذائي، فإيّاك أن تنخدع، فربّما يكون للرياء! وإذا رأيتَ أنّه صادقٌ في حديثه أيضًا، فإيّاك أن تنخدع! يجب أن تُجرّبه وتذهب وتجيء معه وتجلس وتقوم معه، حتّى تتبيّن لك نقاط ضعفه وقوّته، وتفهم هل هو صادقٌ في كلامه أم لا.۱ 

  • لماذا كان المرحوم العلاّمة يقول: «إذا أراد الإنسان أن يختار أستاذًا، فلا يُمكنه الرجوع إلى شخصٍ منذ الوهلة الأولى»؟! لأنّنا لا نعلم الغيب، ولسنا مطّلعين، ولا نعلم سرائر الأشخاص؛ فربّما يكون سارقًا!

  • ای بسا ابلیس آدم‌روی هست***پس به هر دستی نباید داد دست
  • ظاهرش چون گور کافر پُر حُلل***باطنش قهر خدای عزّوجل٢
  • يقول:

  • كَمْ مِنْ إِبْلِيس عَلَى هَيْئَةِ آدَمِيٍّ *** فَلَا يَنْبَغِي أَنْ تَمُدَّ يَدَكَ لِكُلِّ يَدٍ.

  • ظَاهِرُهُ كَقَبْرِ الْكَافِرِ مُزَيَّنٌ بِالْحُلَلِ *** وبَاطِنُهُ قَهْرُ الله عَزَ وَجَلَّ. 

  • هذا لأنّنا لا نعلم بأحوال الإنسان وغير مطّلعين عليها.

  • عندما تكون حقيقة المرجع خلاف ما يظهر للناس!

  • نقل شخصٌ موثوقٌ لأحدهم مسألة، فأخبرني بها هذا الأخير، وقال:

  • قال أحد الذين كانوا يتردّدون على منزل أحد أصحاب الرسائل العمليّة ـ وكان قد توُفّي ـ: «لو لم أوقظ ذلك السيّد صباحًا، لفاتته صلاة الصبح!» 

  • وفي الخارج، سلامٌ وصلوات، وذهابٌ وإيّابُ، والمبلّغون يمدحون ويثنون من هنا وهناك، وعوامّ الناس لا يعلمون شيئًا! 

  • مررتُ يومًا من باب منزل هذا السيّد نفسه، فرأيتُ قبل شروق الشمس جماعةً قد أتوا من مكانٍ ما، ووقفوا أمام منزله يقرؤون الزيارة حتّى يُفتح الباب فيدخلون! حسنًا، ثمّ حدثت امتحانات، واتّضحت حقيقة الأمر! فلا أحد يعلم بالباطن!

    1. راجع: معرفة المعاد، ج ۷، ص ٢٣٥؛ أسرار الملكوت، ج ٢، ص ٤٦٢.
    2. المثنويّ المعنويّ، الكتاب الأوّل.

سرّ نجاح الأولياء الإلهيّين ومفتاح سلوكهم - لماذا قال العلامة الطهرانيّ: «لو لم ألقَ العلامة الطباطبائيّ لكنتُ من الخاسرين»؟

5
  • عندما نسمع شخصًا مثل المرحوم الشيخ حسن علي الأصفهانيّ يذكر مثل تلك الأمور التي أشرتُ إليها في الجلسة الماضية، أو يقول عظيمٌ آخر عن أحدهم: «له نفسٌ كافرة!»،۱ فلا ينبغي أن نتعجّب؛ لأنّنا لا نعلم! يُقال الكثير من الكلام الجيّد، ولكنّ من هو مطّلعٌ ويرى النيّات، ويحيط ويُهيمن على سرائر وجود الإنسان، ويفهم على أيّ أساسٍ تُقال هذه الأمور، وهل لله نصيبٌ فيها أم لا؟! هذه هي المسألة!

  • العلاّمة الطهراني: لو لم ألقَ العلامة الطباطبائيّ لكنتُ من الخاسرين!

  • كان المرحوم العلامة الطهرانيّ يقول: 

  • عندما ارتبطتُ بالمرحوم العلامة الطباطبائيّ، حينها فقط أدركتُ صدق الطريق، وتنبّهتُ إلى أنّه: نعم، هذا الطريق موجودٌ أيضًا! هذا الطريق هو طريق الصدق وطريق الحقيقة، وطريق الواقعيّة، وطريق المعرفة.

  • فلم يكن يقول عبثًا: 

  • قبل أن أذهب إلى قمّ، كنتُ أظنّ أنّ جميع الأفراد الذين يرتدون هذا اللباس هم أفرادٌ مُزَكَّوْن ومُزَكُّون، مُرَبَّوْن ومُرَبُّون، صالحون وأهل تهذيبٍ ومهذَّبون؛ ولكن، عندما ذهبتُ إلى قمّ، رأيتُ بعض الأفراد الذين يخجل الإنسان من أن يُطلق عليهم اسم عالِم دين؛ وفي المقابل، هناك بعض الأفراد الذين لا تذكر الملائكة أسماءهم إلاّ على وضوء! رأينا كلا الفريقين! ولو لم ألتقِ بالمرحوم العلاّمة الطباطبائيّ، لكنت مصداقًا لـ: خسِر الدنيا والآخرة!٢

  • قصّة التاجر ورجل الدين

  • عندما كنّا في طهران، كان يسكن في زقاق منزل المرحوم الوالد العلاّمة أحدُ معارفه من تجّار السوق؛ كانت له علاقة بالكثير من المشايخ ويتردّد عليهم، وكان شخصًا قد سمع الكثير من المنابر ورأى الكثير من علماء الدين، وكان يتردّد على منزلنا أيضًا. في ليلةٍ من ليالي شهر رمضان، وبينما كان المرحوم العلاّمة عائدًا من المسجد،٣ تحرّك هذا الشخص ـ الذي أصابته حالةٌ وتأثّر قليلاً ودخل في وُجدٍ وسرور ـ خلف المرحوم العلاّمة، وناداه، وقال: «سماحة السيّد، أريد أن أطرح عليكم سؤالاً».

  • تفضّل!

  • هل هذه الجمادات آياتٌ إلهيّة أم لا؟ 

  • قال له المرحوم العلاّمة ـ الذي فهم منذ البداية ما يريد أن يقول ـ: «نعم، الجمادات من آيات الله».

  • وماذا عن النباتات؟

  • هذه أيضًا كذلك.

  • وماذا عن الحيوانات؟

    1. مطلع أنوار (فارسي)، ج ۱، ص ٢۱۱.
    2. راجع: الشمس المنيرة، ص ٣٣.
    3. كان يُواظب على شرح دعاء الافتتاح أو دعاء أبي حمزة الثماليّ خلال ليالي شهر رمضان، وكانت هذه الشروحات تمتدّ إلى وقت متأخّر يقترب من منتصف الليل، ثمّ يعود بعد ذلك إلى منزله.

سرّ نجاح الأولياء الإلهيّين ومفتاح سلوكهم - لماذا قال العلامة الطهرانيّ: «لو لم ألقَ العلامة الطباطبائيّ لكنتُ من الخاسرين»؟

6
  • كلّ هذه آياتٌ إلهيّة.

  • عندما وصل الحديث إلى هنا، قال ذلك الشخص: «وماذا عن الإنسان؟».

  • نعم، الإنسان أيضًا من آيات الله، بل هو الآية الكبرى الإلهيّة؛ فصفات الله الجماليّة والجلاليّة لها ظهورٌ تامٌّ في الإنسان.

  • عندما تكون كلّ هذه آياتٍ إلهيّة، والإنسان هو آيةٌ إلهيّة من باب أولى، فلماذا لا تسمحون لنا بأن نقول لكم «سماحة آية الله»؟! فكلّما أردنا أن نقول ذلك، تقولون: «لا يا سيّد، لا تقولوا ذلك!».

  • وذلك، لأنّ هذا الشخص قال مرّة للمرحوم الوالد العلاّمة: «سماحة آية الله»، فقال له: «أنا لستُ آية الله، أنا آية الشيطان!». والآن، أراد هذا الشخص أن يطرح مسألة ذلك اليوم بهذه الكيفيّة! 

  • أحيانًا، كان المرحوم العلاّمة يطرح أفكاره بلا مجاملة وبصراحة تامّة، كصواريخ بعيدة المدى تُطلق على هدفٍ صغيرٍ جدًا وقريب، ولم يكن يمزح. وبالطبع، هذا التعامل ضروريٌّ في بعض الأحيان؛ لأنّ التواضع ليس محمودًا في كلّ مكان!

  • توقّف لحظة، ثمّ قال لذلك الشخص: 

  • يا عزيزي، المسألة ليست هل أنا آية أم لا؛ المسألة هي أنّ هناك الآن جماعة من الغافلين عن الله قد أطلقوا على أنفسهم اسم آية الله، بحيث إنّني أخجل وأستحيي أن يُقال لي آية الله مثلهم، مع وجود مثل هذه الألقاب على هؤلاء الأفراد! وقَوْلي: «لا تُطلقوا عليّ لقب آية الله» ليس من باب التواضع؛ بل لأنّني لا أريد أن أتعفّن بتعفّنهم!۱

  • نموذجٌ لأحد هؤلاء الأفراد، هو ذلك السيّد الذي قال عنه ذلك الشخص: «لو لم أوقظه لفاتته صلاة الصبح!»؛ والحال أنّه يُقال عنه «العظمى» أيضًا! كان لقب «آية الله» قليلاً عليه، فأضافوا إليه: العظمى!

  • كيف يُمكن للإنسان أن يسمح لنفسه بنسبة لقب «آية الله» و«آية الله العظمى» ـ وهما من ألقاب أمير المؤمنين عليه السلام ويختصّان به ـ إلى أشخاصٍ لا يُميّزون الهرّ من البرّ، وهم في اكتساب الصفات الملكوتيّة أدنى من عوامّ الناس الذين يمشون في الأزقّة والشوارع؟! كيف نقول مثل هذا الشيء؟! 

  • نقرأ في دعاء الافتتاح: «آيَتُكَ الْكُبْرَى والنَّبَأُ الْعَظِيمُ»٢ وفي إحدى زيارات الإمام الموجودة في مفاتيح الجنان نقرأ: «آيَةُ اللهِ الْعُظْمَى»٣.

    1. الشمس المنيرة، ص ۱۰۱.
    2. الإقبال بالأعمال الحسنة، ج ۱، ص ۱٤۱.
    3. مفاتيح الجنان (فارسي)، ص ٣۷٥.

سرّ نجاح الأولياء الإلهيّين ومفتاح سلوكهم - لماذا قال العلامة الطهرانيّ: «لو لم ألقَ العلامة الطباطبائيّ لكنتُ من الخاسرين»؟

7
  • مواجهات الحقّ والباطل في حوزة النجف

  • كان المرحوم العلاّمة يقول: «عندما ذهبتُ إلى النجف، كانوا يقولون لي الكثير من الكلام!». هناك أيضًا كان يوجد نفس الكلام الذي نسمعه نحن الآن! لو لم يشارك شخصٌ في جلسة السيّد الفلانيّ، كانوا يقولون: «ماذا حدث حتّى لا يأتي هذا الشخص إلى مجلس العزاء؟!». حسنًا، لا يريد أن يأتي للعزاء، ما شأنكم أنتم؟! يريد أن يدرس، يطالع، يباحث. كانوا يقولون: «لا يا سيّد، مستحيل! الذين يذهبون إلى درس السيّد الخوئيّ يجب أن يشاركوا حتمًا في مجالس عزائه أيضًا! الذين يذهبون إلى درس السيّد الشاهروديّ يجب أن يشاركوا في مجلس عزائه أيضًا!».

  • كان المرحوم العلاّمة يقول: 

  • منذ بداية استقراري في النجف، وحتّى الأخير، لم أذهب إلى مجلسٍ واحدٍ من مجالس عزائهم! كنتُ أذهب إلى الدرس فقط، والجميع كانوا يعلمون أنّني أقوى تلميذٍ في هذه الدروس! 

  • أي: لم يكن الأمر أن يقولوا إنّه شخصٌ كسول وجاء لإضاعة الوقت! ففي تلك القضيّة التي تحدّث فيها المرحوم العلامة مع السيّد الخوئيّ بصراحة، وذكرتُها في الجزء الأوّل من كتاب أسرار الملكوت،۱ فأثارت ضجّة كبيرة، وجاءت اعتراضات شديدة من هنا وهناك بأنّه لماذا ذكرت هذا الأمر، كان الأمر كالتالي: قال العلاّمة للسيّد الخوئيّ الذي كان أستاذه: 

  • اطرح أنت فرعًا فقهيًّا، واذهب واعمل على أدلّته لأسبوعٍ كامل، ثمّ نأتي أمام الجميع، فتطرح أنت أدلّتك، وآتي أنا بأدلّتي؛ حينها، سنرَى من هو الأقوى في الاستدلال: أنا أم أنت!٢ 

  • عندما يقول شخصٌ هذا الكلام، فإنّه لا يمزح؛ أي: بسم الله، فليأتِ! لماذا لم يقبل السيد الخوئي؟! أنا بنفسي سمعتُ بأذنيّ هاتين وهو يروي هذه القضيّة للمرحوم الشيخ مطهّري، وكذلك طرح هذه القضيّة أمام الجميع في جلسة عصر الجمعة في مشهد عندما كان الأصدقاء الشيرازيّون والأصفهانيّون حاضرين. فليعلم هؤلاء الذين يقولون: «المرحوم العلاّمة لم يقل هذه القضيّة في العلن» أنّه قالها؛ وهذا هو الدليل!

  • حينها، هؤلاء العلماء أنفسهم اتّهموا هكذا شخصيّة بالتصوّف، وجرّموه بسبب ذهابه إلى مسجد السهلة،٣ وكانوا يقولون: 

  • السيّد محمّد حسين صوفيّ، السيد محمّد حسين درويش. لا تُسلّموا عليه، ولا تعتنوا به، ولا تتواصلوا معه، إنّه يُفسد عقولكم! إنّه مخالف ومعاند لأهل البيت!

    1. أسرر الملكوت، ج ۱، ص ۷۷.
    2. الشمس المنيرة، ص ٥٢.
    3. ولكيلا يتضرّر درسه، كان يذهب كلّ ليلة خميس إلى مسجد السهلة، وينشغل بالعبادة حتّى الصباح، ثم يعود إلى النجف صباحًا.

سرّ نجاح الأولياء الإلهيّين ومفتاح سلوكهم - لماذا قال العلامة الطهرانيّ: «لو لم ألقَ العلامة الطباطبائيّ لكنتُ من الخاسرين»؟

8
  • حكاية إجازة الاجتهاد المهينة التي رفضها العلاّمة الطهرانيّ

  • في نفس السنة التي أصيب فيها المرحوم الوالد العلاّمة بمرض، ذهبنا برفقته لمدّة أسبوعين إلى أخلمد، وهي تبعد حوالي سبعين كيلومترًا عن مشهد؛ لأنّ الأطباء قالوا إنّه يجب أن يتنفّس هواءً نقيًّا. كنتُ قد سمعتُ سابقًا أمرًا يتعلّق بإجازة اجتهاده من السيّد الشاهرودي. في إحدى الليالي بعد العشاء، عندما رأيتُ أنّه لا يمسك في ذلك الحين بالقلم والورق، اغتنمتُ الفرصة ودخلتُ غرفته وجلستُ، وتحدّثنا وضحكنا قليلاً، ثمّ قلتُ فجأة: «سيّدي، ما هي قصّتكم مع السيّد الشاهروديّ؟». تعجّب كثيرًا من أنّي كيف علمتُ بهذا الأمر، وأراد ألاّ يُفصح عنه؛ ولكن، عندما رأى أنّي مصرّ، وأريد أن أعرف الأمر، قال:

  • عندما كنت في النجف وأردت المجيء إلى إيران، قال لي المرحوم الحاج الشيخ عبّاس القوجانيّ: «من الجيّد أن تأخذوا إجازة اجتهاد من أساتذتكم الذين لم يمنحوكم إجازة».۱ 

  • لم أكن راغبًا كثيرًا، ولكن على أيّ حال، قلتُ: بما أنّه أمرني بذلك، فسأطلبها أنا أيضًا. طرحتُ هذه المسألة على السيّد الشاهروديّ، فتأمّل وقال: «تعال إلى المنزل غدًا عصرًا». ذهبتُ في اليوم التالي بعد الظهر إلى منزله، ورأيتُه جالسًا خلف تلك الطاولات القصيرة، ورسالةٌ أمامه على الطاولة. أعطاني هذه الرسالة وقال: «تفضّل». فتحتُ الرسالة هناك وبدأتُ أقرأ. عندما قرأتُ إجازة الاجتهاد، رأيتُ: يا لها من إجازة! قلتُ له: هل هذه هي إجازة الاجتهاد التي تريد أن تمنحني إيّاها؟! هذه السنوات السبع التي قضيتها عندك، وهذه المراتب التي أحرزت عليها عندك، هل هذه نتيجتها؟! بهذه العبارات؟! أطرق السيّد الشاهروديّ رأسه؛ وبعد فترة، رفع رأسه وقال: «يا سيّد محمد حسين، أنا أستحيي من إمام الزمان أن أمنحك أكثر من هذا!».

  • جعلتُ هذه الرسالة في ظرف، ووضعتها على الطاولة وقلتُ: «بما أنّ الأمر كذلك، فأنا لستُ بحاجةٍ إلى هذه أيضًا، حتّى تكون أنت أبيض الوجه أمام إمام الزمان بأنّك لم تمنحني حتّى هذا المقدار من الإجازة!»، ثمّ ودّعته وخرجت.

  • حقًا، نعوذ بالله من الجهل وقلّة العلم! 

  • بالطبع، لم يقل لي ماذا كانت طبيعة تلك الإجازة، ولكنّها كانت مُهينة جدًّا ومسيئة للمرحوم الوالد العلاّمة، الذي كان تلميذه الأوّل؛ وكان هذا في حين أنّ علاقته بالسيّد الشاهروديّ كانت علاقة عائليّة، وكان يأتي أحيانًا إلى منزله، والمرحوم الوالد العلاّمة أيضًا كان يذهب إلى منزله!

    1. لقد أعطاه بعض أساتذته الإجازة بأنفسهم، أمثال المرحوم الحاج الشيخ حسين الحلّي، والمرحوم السيد الخوئيّ، والشيخ آقا بزرك الطهرانيّ. وتُعدّ إجازة الاجتهاد الصادرة من الشيخ آقا بزرك مفصّلة للغاية، حيث جاءت في دفتر يضمّ رسالة تتعلق بالدراية والرجال كان قد كتبها المرحوم العلاّمة بنفسه، ومُنح في ذيلها إجازة لنقل الرواية أيضًا.

سرّ نجاح الأولياء الإلهيّين ومفتاح سلوكهم - لماذا قال العلامة الطهرانيّ: «لو لم ألقَ العلامة الطباطبائيّ لكنتُ من الخاسرين»؟

9
  • يا سماحة السيّد الشاهروديّ، أنا ابنه وأعلم لأيّ أفرادٍ مُنحتَ إجازات! يكتب المرحوم الوالد العلاّمة في كتاب «الشمس الساطعة» أثناء حديثه عن فقر وفاقة العلاّمة الطباطبائيّ أمورًا تتعلّق بالإجازات، ثمّ يتابع هناك: 

  • فَيَا لَلْأَسَفِ لِهَذِهِ السِّيَرَةِ الرَّدِيَّةِ الْمُرْدِيَةِ الْمُبِيدَةِ لِلْعِلْمِ والْعُلَمَاءِ والْفِقْهِ والْفُقَهَاءِ!۱

  • حينها، تكون النتيجة أنّ صدّامًا يأتي، ويُزيل الحوزة من الأساس! هل تظنّون أنّ قضايا صدّام هذه مزحة؟! هل عمل الله مزحة؟! هل هذه الحوزة التي تقول للمرحوم العلاّمة: «أنا أستحيي من إمام الزمان أن أمنحك أكثر من هذا»، هي حوزةٌ يرضى عنها أمير المؤمنين المدفون هناك؟! بل سيقول الإمام: لمائة عام لا أريد مثل هذا الشيء! اذهبوا لشأنكم! هل تأتون وتأكلون من خبزي، وتُشهرون السيف على أوليائي؟! وتشهرون السيف على المرحوم القاضيّ؟! وتشهرون السيف في وجه المرحوم العلاّمة الطهرانيّ؟! وتشهرون السيف على أمثال العلامة الطباطبائيّ؟! اذهبوا لشأنكم!

  • قبل أيّامٍ قليلة، وفّقني الله وتشرّفتُ بزيارة العتبات المقدّسة. ذهبتُ يومًا إلى حوزات النجف، ورأيتُ أنّه لا يوجد أيّ خبر! أبدًا! لا يوجد في النجف مائة طالب! اثنان هنا واثنان هناك! هذا قهر أمير المؤمنين! هذا قهر مقام الولاية الذي تجلّى الآن بصورة وظهور مثل هذه المسائل! ففي النهاية، يجب أن يتجلّى هذا القهر بشكلٍ ما؛ سواء بصورة صدّام، أو بصورة شخصٍ آخر! كلّ هذا لأنّنا أتينا وانشغلنا بمسائل أخرى. بالطبع، لقد وعد المرحوم العلاّمة بأنّه ستُشكَّل ـ إن شاء الله تعالى ـ قريبًا في النجف تلك الحوزة التي يرضاها أمير المؤمنين عليه السلام؛ ونحن أيضًا نَعُدّ الأيّامَ على أمل وعده.

  • قصّة السيد بحر العلوم: متانة العالِم الحقّ في وجه فتاوى القتل

  • في المجلس الماضي، ذكرتُ قضيّة السيّد مهدي بحر العلوم، ويبدو أنّ الحديث لم يكتمل بعدُ. كان نور علي شاه أحد العظماء ومن أولياء الله تعالى، فجاء إلى كربلاء وجمع حوله أفرادًا، وكان بعض العلماء مستائين من هذا الأمر. يجب أن يُقال لهم: لماذا لا تستسلمون للحقّ؟! لماذا تشهرون السيف في وجه الحقّ؟! اذهبوا وانظروا واسألوا ما هو كلام هؤلاء حتّى تفهموا! هم يقولون: «كلاّ، في الأساس، كلّ شيءٍ غير هذا الأمر الذي نقوله باطل! كلّ من لا يأتي إلى هذا البيت، فهو باطل! كلّ من يسمع كلامًا من غيرنا فهو باطل!». حسنًا، لماذا؟! من قال هذا؟! هل لأنّ لديك عمامة؟! هل لأنّ لحيتك شبرٌ ونصف؟! حسنًا، ليكُن ذلك! ما هو دليلك؟! الله ليس منحصر فيكم وفي مذهبكم! الله لم يدخل في جيوبكم، بل هو تعالى للجميع، والنبيّ للجميع! انظر، إن كان كلامه خطأ، فأجبه، وقل بالدليل والبرهان: إنّ كلامك خاطئ؛ وإن رأيتَ أنّه شخصٌ مثيرٌ للفتنة ولا يقبل الحقّ، ففي النهاية أبعده! ولكن، لماذا وعلى أيّ أساسٍ تريدون قتله؟!

سرّ نجاح الأولياء الإلهيّين ومفتاح سلوكهم - لماذا قال العلامة الطهرانيّ: «لو لم ألقَ العلامة الطباطبائيّ لكنتُ من الخاسرين»؟

10
  • خلاصة القول، أفتى الجميع بقتل نور علي شاه. والفتوى بالقتل سهلة؛ تحتاج إلى ورقة ودواة! بالطبع، بما أنّ المرحوم السيّد مهدي بحر العلوم كان المرجع في النجف، ومن اللازم أن يتمّ الأمر بواسطة توقيعه، فقد أرسل الجميع إليه الرسالة ليوقّع عليها، ثمّ يشنقوا ذلك المسكين!

  • الفرق بين المرحوم السيّد مهدي بحر العلوم والآخرين يكمن في هذه النقطة: هو لم يكن قد رأى نور علي شاه، وعندما أدرك أنّ المسألة هي مسألة قتل، على الرغم من أنّ جميع العلماء قالوا إنّ القضيّة هكذا، كتب في جوابه: 

  • لم أستمع بعدُ إلى أقواله حتّى يتّضح لي صحّتها من سقمها؛ لذلك، لو أفتيتُ هنا، لكان تصديقًا بلا تصوّر. في سفرٍ سأقوم به قريبًا إلى كربلاء، سأتحرّى عن الأوضاع.۱ 

  • يعني أنّه يقول: أنتم تقولون هذا الأمر بناءً على تصوّركم، لكنّني لم أره، وليس [كلامكم] حجّة عليّ. لذلك، عندما جاء، حدثت تلك الوقائع التي قصّتها مفصّلة. هذه المسألة تُظهر أنّ هذا الرجل رجلٌ صادقٌ ومتين، ويتحرّك بناءً على المبادئ!

  • خطورة الأهواء الشخصيّة في علم الرجال

  • لذلك، فإنّ المسألة المهمّة في مدح الرجال أو قدحهم هي مسألة إبراز حدس القادح والمادح؛ أي: على أيّ أساسٍ وأيّ منهج مدح هذا الشخص ذلك الرجل من رجال الحديث، أو قدحه؟ إذن، لا يُمكننا قبول كلّ كلام؛ لأنّه من الممكن أن يكون مسلك شخصٍ ما ضدّ العرفان، ولذلك قدح رجاليًّا معروفًا؛ فعندما يكون المسلك مخالفًا، تُبرّر كلّ المسائل، وحتّى لو صلّى يقولون: إنّه كذب!

  • ألم يُبدِ الرجاليّ الشوشتري (التستري) رأيه بشأن أصحاب الإمام الرضا عليه السلام؟!٢ فنجده يُنكر معجزات معروف الكرخيّ٣ المذكورة في الكتب، ويقول عنها: «غير معلومة!». حينئذ، نقول له: لا يُمكنك أن تقول غير معلومة هكذا! بأيّ دليلٍ تُنكر هذه المعجزات؟ يقول: «هو في الأساس لم يكن من أصحاب الإمام الرضا، وتكلّم بكلامٍ خاطئ! كان صوفيًّا ودرويشًا!». هل تقول هذا لأنّ معروف الكرخيّ من أصحاب السرّ؟! شيخٌ في التسعين من عمره يكتب في علم الرجال بهذا الشكل! هل هذا صحيح؟! بماذا سيجيب الله تعالى؟! الأمور مذكورة بالدليل في الكتاب، فلماذا تردّها أنت؟! لماذا تردّها لمجرّد أنّها لا توافق ذوقك؟! تعال وقل: لهذا السبب، هذه القضيّة باطلة، وهذا الأمر هنا ضعيف السند.

سرّ نجاح الأولياء الإلهيّين ومفتاح سلوكهم - لماذا قال العلامة الطهرانيّ: «لو لم ألقَ العلامة الطباطبائيّ لكنتُ من الخاسرين»؟

11
  • الدفاع عن نهج البلاغة

  • تمامًا مثل الأفراد الذين يُفسّرون خطب نهج البلاغة بناءً على أذواقهم. فبالنسبة لوصيّة أمير المؤمنين للإمام الحسن عليهما السلام في «حاضرين»، نجدهم يقولون: «إنّ المقدار الذي لا يتعلّق بالمرأة صحيح»؛ ولكن، فيما يتعلّق بالمقدار الخاصّ بالمرأة يقولون: «ليس صحيحًا، وغير معلوم أنّه من أمير المؤمنين!». لماذا لا يكون من أمير المؤمنين؟! كلّها عبارة واحدة! يقولون: «نهج البلاغة لا سند له!». إذن كيف يكون للبقيّة سند؟! أنتم بأنفسكم تقرؤون الخطب الأولى في صلاة الجمعة، ولكن، عندما تصلون إلى المسائل المتعلّقة بالمرأة، تقولون: لا سند له! تقرؤون على المنبر رسالة أمير المؤمنين إلى مالك الأشتر وتُترجمونها، ولكن هناك لا تقولون: لا سند لها! في حين أنّ كلّه واحد. هل يوجد سند لرسالة أمير المؤمنين تلك في مكانٍ غير نهج البلاغة؟! بالطبع، صدر كتابٌ باسم مصادر نهج البلاغة؛ ولكن، في النهاية هذه أيضًا جزءٌ من نهج البلاغة.

  • أساسًا، هل من الممكن أن تنظر إلى وصيّة أمير المؤمنين هذه للإمام الحسن في «حاضرين» وتقول إنّ هذا الكلام من غير أمير المؤمنين؟! لو أنكرتُ كلّ نهج البلاغة، لا يُمكنني أن أنكر هذه الخطبة وهذه الوصيّة! هذا الكلام لا يصدر إلاّ من أمير المؤمنين، وعلى حدّ قول المرحوم العلاّمة الطباطبائيّ الذي كان يقول: 

  • يقولون: هذه الخطبة غير ثابتة عن أمير المؤمنين. نحن الآن نقول مسألة واحدة وهي: من المسلّم أنّ هذه الأمور قد وصلت إلى أيدي الناس منذ زمن السيّد الرضيّ فصاعدًا، وأنّ كاتب وجامع كلّ هذه الخُطب هو السيّد الرضيّ. الآن، عرّفونا على ذلك الشخص من زمن أمير المؤمنين حتّى زمن السيد الرضيّ الذي يُمكنه أن ينطق بهذه الخطبة! 

  • شخصٌ عاميٌّ لا يستطيع أن يُلقي هذه الخطب التوحيديّة! أيُّ زيدٍ وعمرو لا يستطيع أن يُبيّن الخطبة الشقشقيّة بتلك العبارات! ففي النهاية، يجب أن يكون فردًا معروفًا يعرفه جميع أفراد ذلك الزمان! من كان هو؟! 

  • في كلّ هذه الفترة، الشخص الذي كان معروفًا بين العرب بالعلم والفضل هو يعقوب بن إسحاق الكنديّ، وكلامه معروف. كان في زمن الإمام الحسن العسكريّ، الذي أرسل إليه رسالة؛ وعندما رأى أنّ كلّ كلامه خاطئ، أحرق كلّ ما قاله ورماه.۱ مَن غيرُ يعقوب بن إسحاق الكنديّ كان يُمكنه أن يقول مثل هذه الأمور؟! إن كان هناك أحد، فعرّفونا عليه. 

    1. مناقب ابن شهرآشوب، ج ٤، ص ٤٢٤.

سرّ نجاح الأولياء الإلهيّين ومفتاح سلوكهم - لماذا قال العلامة الطهرانيّ: «لو لم ألقَ العلامة الطباطبائيّ لكنتُ من الخاسرين»؟

12
  • لنفرض في الأساس أنّ هذا كذب وأنّ السيد الرضيّ قاله من عنده. السيّد الرضيّ لم يقل إنّه قاله من عنده، بل قال إنّه جمعه. حينئذ، يأتي السؤال: ممّن جمعه؟ أيّ شخصٍ منذ زمن أمير المؤمنين فصاعدًا حتّى زمن السيد الرضيّ استطاع أن يُبيّن مثل هذه الأمور؟! لو جاء شخصٌ وذكر تلك الخطب من نهج البلاغة، فأنا الطهرانيّ أعتبره إمامًا! حينها، نجد في زماننا هذا فلانًا يقول على المنبر: «تلك الخطبة من أمير المؤمنين»؛ ولكن، عندما يصل إلى هنا يقول: «نهج البلاغة لا سند له!». أليس هذا جهلاً بالله؟! أليس هذا عدم إنصاف؟! 

  • والآن، ظهرت ـ ولله الحمد ـ وسائل يُمكن من خلالها معرفة هل هذه الكلمات من ترتيب وتركيب هذا الشخص أم لا! وحينئذ، لو أثبتت هذه الوسائلُ أنّ هذا السياق هو سياقٌ واحد، فماذا ستقولون؟ سيقولون: «هذه ليست حجّة!». لأنّه عندما يكون الأمر متعلّقًا بالتوجيه، فللشيطان طريقٌ بكلّ نحو! فلا قدّر الله تعالى أن يخرج الإنسان عن طريق الصدق والصفاء والإخلاص؛ حينها، لو جاء أمير المؤمنين نفسه ووقف أمام هذا الشخص وقال: «أنا قلتُ هذه الخطبة»، لقال: «كلاّ، لقد حدث خطأ!». هنا، فقط سيف إمام الزمان ذو الحدّين يُمكنه أن يقوم بهذا العمل، وإلاّ فلا شيء آخر يستطيع؛ وليكن من يكون!

  • سرّ توفيقات العلامة الطهرانيّ: التوجّه التامّ إلى كلام الإمام السجّاد

  • كان المرحوم الوالد العلاّمة يقول: 

  • عندما ذهبتُ إلى النجف، كانوا يقولون لي الكثير من هذا الكلام؛ كانوا يقولون: لقد أصبح درويشًا، لقد أصبح صوفيًا. لكنّني لم أكن أسمح أصلاً بأن يدخل هذا الكلام في أذني حتّى أحتاج إلى إخراجه من أذني الأخرى! 

  • وبحقّ، أقول: هل لدى الإنسان في هذه الدنيا وقت كبير ليقضيه في هذا الكلام؟ أو حتّى ليسمع هذا الكلام أصلاً؟! أقولها بكلّ جدّ! حقًّا، إنّه لعدم إنصافٍ كبير تجاه العُمر وتجاه نعم الله أن يأتي الإنسان إلى هذا الوقت القليل الذي أعطاه الله في هذه الدنيا ـ لكي يصرفه في المسائل الكماليّة ونموه، ويبحث عن تلك الأمور ـ ويصرف ساعة منه في أنّ زيدًا قال هذا وعمرًا قال ذاك!

سرّ نجاح الأولياء الإلهيّين ومفتاح سلوكهم - لماذا قال العلامة الطهرانيّ: «لو لم ألقَ العلامة الطباطبائيّ لكنتُ من الخاسرين»؟

13
  • لذلك، الطريق الوحيد الذي أنقذ والدي في خضمّ كلّ تلك الضجّة والإشاعات وفي خضمّ كلّ ذلك القيل والقال، هو كلام الإمام السجّاد عليه السلام هذا؛ أي التوجّه إلى الله تعالى فقط! فبقدر ما يكون الإنسان أقوى في هذه القضيّة، يكون طريقه أرسخ، ومساره أكثر استقامة، وتكون أقدامه أثبت في طريق الصدق.

  • السبب الأوّل للحمد: معيّة الله الدائمة وإجابته المستمرّة

  • الجهة الأولى في استحقاق الله تعالى للحمد هي أنّه دائمًا معنا ودائمًا بجانبنا، ولا توجد لحظة من اللحظات ينقطع فيها الاتّصال بين الإنسان وبينه، ولا يوجد أيّ زمان عندما يتّصل الإنسان به تعالى يكون خطّه مشغولاً، أو مثلنا يكون قد سحب سلك الهاتف من الخطّ! فخطّه دائمًا متّصل، وقد مدّ أسلاكًا بعدد أفراد بني آدم؛ دع عنك غير بني آدم؛ فلكلّ شخصٍ سلكٌ خاصّ، ورقمٌ خاصّ، ورمزٌ خاصّ يختلف عن رمز الشخص الآخر. وكلّما اتّصلت، يرفع السماعة. هذا التدبير من أيّ مركز هو؟! ﴿لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ﴾؛۱ فلا يأخذه نعاسٌ ولا نوم. معنى هذا أنّ المركز يعمل دائمًا، ويقدّم الخدمة ويدعم الأفراد دائمًا.

  • وعليه، فإنّ أحد طرفي الحمد في عبارة: «الْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي أَدْعُوهُ فَيُجِيبُنِي» هو جانبه هو، حيث إنّ فاعليّة الله ـ في الارتباط والتعلّق بنا ـ تامّة؛ أي: لا يأخذه نعاس ولا سِنة ولا نوم، فهو حاضرٌ دائمًا، ونحن من هذه الزاوية لا نجد ذاتًا غيره.

  • السبب الثاني: فقر الإنسان وعَوَزُه في مقابل غنى الله

  • الجهة الثانية هي من جانبنا نحن، حيث إنّ الله تعالى يُجيب من لا يملك شيئًا. يُجيب من لا يملك إلاّ السؤال، وليس لديه شيءٌ آخر قابلٌ للعرض؛ لأنّ الإنسان عندما يطلب شيئًا من شخص ما، يُجيبه ذلك الشخص على أمل أن يردّ له الجميل لاحقًا، ولكن الأمر ليس كذلك بين الإنسان والله!

  • أوّلاً: لأنّ الإنسان لا يملك شيئًا من نفسه، وكلّ ما لديه هو من الله؛ وفي الواقع، هو ينفق من كيسه هو. إذا أدّى عبادةً ودعاه فيها، فإنّ توفيق هذه العبادة هو من الله،٢ وإلاّ لما دعا، ولغلبه النوم. وإذا صام ودعاه وطلبه في صيامه، فإنّ هذا الصيام قد ناله بتوفيقٍ من الله، ولو لم يُوفَّق، لما صام؛ فمثلاً، لو أُصيب بقُرحة في المعدة لما صام، ولو أُصيب بصداع لما صام، ولو أُصيب بألف مرضٍ آخر لما استطاع أن يصوم. الصحّة والسلامة هو من أعطاها. لذلك، فإنّ الإنسان يطلب منه بواسطة سلعةٍ أخذها منه؛ إذن، لا دور للإنسان هنا بتاتًا!

    1. سورة البقرة، الآية ٢٥٥.
    2. راجع: بحار الأنوار، ج ٥، ص ٢۰٣.

سرّ نجاح الأولياء الإلهيّين ومفتاح سلوكهم - لماذا قال العلامة الطهرانيّ: «لو لم ألقَ العلامة الطباطبائيّ لكنتُ من الخاسرين»؟

14
  • ثانيًا: هل تريد أن تعطي شيئًا لمن هو مستغنٍ بنفسه؟!

  • يا إلهي، لقد صمنا!

  • حسنًا، لقد أتعبتَ نفسك! كان بإمكانك ألاّ تصوم!

  • يا إلهي، لقد قمنا وصلّينا!

  • إذا كنت تريد أن تمنّ عليّ، فلا تُصلِّ!

  • يا إلهي، لقد أنفقنا!

  • إذا كان الأمر مَنًّا، فلا تُنفق، واحتفظ بأموالك!

  • يقول الله بلا مجاملة: ليست لديّ أيّة مشكلة، فورًا وبكلّ سهولة، أرميك من على الدرج. حينها، يجب أن تدفع مليونيْن لعمليّة كسر ساقك. أو أُسقط طفلك من الأعلى، فيجب أن تدفع مليونًا لعمليّة عينه! فيتمّ هذا العمل بكلّ سهولة بواسطة سكّين صغير!

  • عندما أُجريت عمليّة لعين المرحوم العلاّمة، كنتُ في المستشفى. فأحضروا طفلاً كان والده طالب علم. أراد هذا الطفل أن يُقشّر بطاطا بسكّينٍ، تقليدًا لأمّه، فأدخل السكّين في عينه وأتلف البؤبؤ والقزحيّة... إلخ. قال الطبيب: سنُجري له عمليّة حتّى لا تخرج عينه وتفقد شكلها، وإلاّ، فإنّ هذا الطفل قد أُصيب بالعمى!

  • لا يُمكن للمرء هنا أن يمنّ ويتقدّم بحسابات. إذا تقدّمت بحسابات، فإنّهم يقدّمون لك حسابًا يجعلك تتذكّر أيّام رضاعتك! حقًّا، يجب أن نعترف: يا إلهي، نحن لا شيء، لقد أخطأنا، نحن بائسون، تعساء، ولا نملك شيئًا! حينئذ، سيقول: الآن وقد أصبحتَ عبدًا صالحًا وتعترف، فإنّني أقبل منك هذا الاعتراف. هذه المسألة عجيبة جدًا!

  • منطق التوحيد في مواجهة المنطق التجاريّ

  • في السنة الأولى التي تشرّفتُ فيها بالحجّ برفقة المرحوم العلاّمة، كان عمري تقريبًا ستّة عشر عامًا ونصف. في الليلة الأولى التي وصلنا فيها إلى المدينة، كان هناك عددٌ من أهل المسجد ومجموعة من الأفراد والمعروفين من نفس الحملة والقافلة. عندما أتينا، كان يدور بينهم حديثٌ حول ما يجب فعله لنستفيد من هذه الرحلة أكبر فائدة. التفت أحدهم إلى المرحوم العلاّمة وقال: 

  • عندما لم تكونوا موجودين، دار الحديث بين الأصدقاء حول مسألة أنّنا في النهاية قد أنفقنا مالاً، وتحمّلنا مشقّة، وابتعدنا عن الزوجة والأولاد۱، وتحمّلنا المتاعب. الآن، ماذا نفعل لنستفيد أفضل استفادة من هذه النفقات؟

  • نظر المرحوم العلاّمة بابتسامة، وبكلّ لطفٍ ورهافة،٢ قال: 

  • الأمر الذي تقولونه يستحقّ التأمّل، ولكنّني أسألكم سؤالاً واحدًا: لو حسبنا الآن كم تبلغ أعمارنا؟ لقد مضى ستّون عامًا من أعمارنا.٣ في هذه الستّين عامًا، ما هي الأموال التي أنفقناها على الأسفار؟ إذا أردنا أن نحسب المقدار الذي أنفقناه في هذه الفترة على السفر والترفيه، (لأنّ كلّ الأسفار لم تكن سفرًا إلى كربلاء!) فإنّه لا يساوي واحدًا بالألف من أموال الحجّ! تقولون إنّنا ابتعدنا عن الزوجة والأولاد! أسألكم: ألم يحدث أن ابتعدتم عن الزوجة والأولاد في هذه الأسفار التي قمتم بها؟! هل حسبتم حساب ذلك من قبل؟!

    1. لا يخفى أنّ الذي نطق بهذا الكلام جاء برفقة زوجته [للحجّ].
    2. طبعًا في بعض المواضع، وتبعًا لظروف الزمان والمكان، كان يفعل ما يُشبه إطلاق صاروخ بتسعة أمتار داخل زقاق بمترٍ واحد!
    3. كانت هذه الرحلة الأولى لمن كانوا هناك، مع أنّ بعضهم كان في سنّ الخامسة والخمسين أو الستّين.

سرّ نجاح الأولياء الإلهيّين ومفتاح سلوكهم - لماذا قال العلامة الطهرانيّ: «لو لم ألقَ العلامة الطباطبائيّ لكنتُ من الخاسرين»؟

15
  • خلاصة القول، بدأ يُجرّد الواحد تلو الآخر من كلّ تلك الامتيازات التي أرادوا أن يمنّوا بها على الله في تلك الليلة الأولى. يا إلهي، لقد أنفقنا مالاً للمجيء إلى هنا، وتركنا الزوجة والأولاد، لكي نأتي إلى هنا! سيقول الله تعالى: هل أنفقتَ مالاً من أجلي، وتريد أن تمنّ عليّ؟ لقد أنفقت كلّ هذه الأموال في عمرك ولم تحسب لها حسابًا، والآن تريد أن تحسب حساب هذين القرشين اللذين أنفقتهما لسفر مكّة؟! كم سافرتَ من أجل التجارة وأمثال ذلك إلى هنا وهناك، وفعلت ألف عمل ولم تحسب له حسابًا؛ والآن، تريد أن تذهب إلى مكّة ليومين، فتقول: إنّنا ابتعدنا عن زوجاتنا وأولادنا!

  • في غضون عشر دقائق أو ربع ساعة، جرّدهم المرحوم العلاّمة من أسلحتهم تمامًا! وبقوا هكذا متعجّبين وقالوا: «سيّدنا، ما هو الطريق؟». قال: 

  • الطريق هو أن نقول: يا إلهي، لقد أتينا بأيدٍ خالية؛ لم ننفق مالاً ولم نتحمّل مشقّة! لا شيء على الإطلاق! نحن متسوّلون من متسوّلي المتسوّلين، وتوقّعاتُنا كبيرة! نحن هكذا ولا نملك شيئًا!

  • انظروا إلى طريقة التفكير هذه! طريقة التفكير هذه هي طريقة تفكير التوحيد! طريقة التفكير هذه هي طريقة تفكير رسول الله! طريقة التفكير هذه هي طريقة تفكير الإمام السجّاد!

  • فلو شرحنا وفسّرنا هذه الصفحات القليلة من دعاء أبي حمزة، لكانت خلاصتها أنّ الإمام السجّاد يعرض حاله قائلاً: يا إلهي، أيدينا خالية! إنّ لبّ ومغزى كلّ هذه الأنّات والأسئلة والمسائل والأمور التي يعرضها على الله، هو: يا إلهي أنت الغنيّ ونحن الفقراء! 

  • نقرأ في مناجاة أمير المؤمنين في ليالي القدر: «إِلَهِي أَنْتَ الْغَنِيُّ وأَنَا الْفَقِيرُ، وهَلْ يَرْحَمُ الْفَقِيرَ إِلاّ الْغَنِيُّ؟ إِلَهِي أَنْتَ الْمُتَكَبِّرُ وأَنَا الْخَاشِعُ، وهَلْ يَرْحَمُ الْخَاشِعَ إِلاّ الْمُتَكَبِّرُ...»۱. فما الفرق بين مناجاة أمير المؤمنين عليه السلام هذه ودعاء أبي حمزة؟! كلاهما واحد. ماذا نملك لنأتي به ونعرضه على الله؟ الآن، الذين يريدون أن يأتوا ويخطوا خطوات، وقد أوضح الله لهم الأمر إلى حدٍّ ما، لا ينبغي لهم أن يقولوا إنّنا كذا، ونحن كذا! 

  • في زمن المرحوم العلاّمة أيضًا، كان هناك أفرادٌ يأتون ويقولون له: «سيّدنا، لقد وفّقنا الله وأصبحنا سالكين». لماذا تمنّ؟! على من تمنّ؟! لا تكن سالكًا وانهض واذهب! ما هذه التوقّعات والحسابات التي تنشأ فينا؟! يا عزيزي، يجب أن نركض خلف القضيّة! يجب أن نتمسّك بها بأيدينا وأسناننا ولا نتركها! أيّ توقّع وأيّ حساب هذا الذي يجعلنا نقول: «إنّنا كذا، ومِن أين أتينا»؟! حسنًا، عُد إلى مكانك واذهب إلى هناك! لم تُرسَل لأحدٍ مناديلُ حرير ورسائل!

    1. البلد الأمين، ص ٣۱٩. 

سرّ نجاح الأولياء الإلهيّين ومفتاح سلوكهم - لماذا قال العلامة الطهرانيّ: «لو لم ألقَ العلامة الطباطبائيّ لكنتُ من الخاسرين»؟

16
  • الحمد يختصّ بإلهٍ لا يملك هذا الطرف المقابل له شيئًا! ماذا تريد أن تُقدّم؟ وأيّ متاعٍ تملك في حرم كبريائه لتُقدّمَه؟!

  • عندما يكون السجن مدرسةً للكمال

  • قال نبيّ الله يوسف كلمة واحدة: ﴿اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ﴾۱؛ أي: عندما تريد أن تخرج من السجن، اذكر اسمي عند ذلك الملك! فابتلاه الله سبع سنوات. يقول الله تعالى: ماذا قلت؟! تقول: ﴿اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ﴾؟! ثمّ يقول الله نفسه: ﴿فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ﴾٢ لا يقول: أنا أنسيته! ابقَ هنا سبع سنوات حتّى لا تقول لأحدٍ هكذا مرّة أخرى!

  • كلّ هذا، والذهاب إلى السجن، كان سلوكًا ليوسف. والنتيجة أنّه تربّى وتهذّب هناك، وقطع مراتب كماله. والآن، عندما يريد أن يخرج إلى الناس، يجب أن تحدث تغيّرات وتحوّلات كاملة حتّى يتمكّن من الإرشاد. لذلك، عندما خرج يوسف من السجن، كان قد قطع مراتب كماله، وكان مستعدًّا لممارسة الإرشاد بين الناس.

  • مهما قلنا في هذا الأمر فالمجال يتّسع، ونحن لم نقل إلاّ هذه الجمل القليلة. تأمّلوا أنتم بأنفسكم! إنّنا لا نفهم حقًّا ما هي المعاني والأمور التي يفهمها الإمام السجّاد عليه السلام من هذه الكلمات! نحن نقول فقط في حدود مشاعرنا: إنّ هذه الأشياء موجودة، وأدنى مراتبها هي ما نقوله؛ وإلاّ فإنّنا لا نُدرك المعاني التي يقصدها الإمام في سرّه وسويدائه، ولا نفهم حقيقة ربطه بالله تعالى. فنحن نتقدّم بقدر فهمنا. نأمل ـ إن شاء الله ـ أن يُحقّقنا تعالى بهذه المعاني ببركة أوليائه.

  •  

  • اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ

    1. سورة يوسف، الآية ٤٢.
    2. الآية نفسها.