4

حقيقة الحلم الإلهي وشروطه

اعرف الحق تعرف أهله

4
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمدعاء أبي حمزة الثمالي

المجموعةسنه 1421

التاريخ 1421/09/07


التوضيح

حلم الله وصبره على الظالمين؟ ما هو الذنب الذي لا يغفره الله وكيف يظهر في أعمالنا اليوميّة؟ ما هو المعيار الصحيح لمعرفة الحق؟ لماذا لا يغفر الله الشرك؟ ما معنى الارتداد؟ تجيبك هذه المحاضرة لسماحة آية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني عن هذه الأسئلة، وتكشف عن حقائق عميقة في العدل الإلهي ومعنى الشرك الحقيقي.

/۱۷
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

حقيقة الحلم الإلهي وشروطه - اعرف الحق تعرف أهله

1
  •  

  • هوالعلیم

  •  

  • حقيقة الحلم الإلهي وشروطه

  • اعرف الحق تعرف أهله

  •  

  • شرح دعاء أبي حمزة الثمالي - سنة ۱٤٢۱ هـ - الجلسة الرابعة

  •  

  • محاضرة القاها

  • آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدّس الله سره

  •  

  •  

حقيقة الحلم الإلهي وشروطه - اعرف الحق تعرف أهله

2
  •  

  •  

  • أعوذُ باللهِ منَ الشيطانِ الرجيمِ 

  • بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ 

  • وصلَّى اللهُ على سيِّدنا ونبيِّنا أبي القاسمِ محمَّدٍ 

  • صلَّى الله عليه وآله، وعلى آلهِ الطيِّبين الطاهرين 

  • واللعنةُ على أعدائِهم أجمعين إلى يومِ الدِّين.

  •  

  •  

  • «والحمدُ للهِ الذي يحلمُ عنِّي حتَّى كأنِّي لا ذنبَ لي». الحمدُ مختصٌّ بالله الذي يتحلَّى بالصبرِ والحِلمِ إزاءَ ذنوبنا؛ فمن صفاتهِ وكرامتهِ الصبرُ والتحمُّلُ والحِلم، وكأنَّنا لم نرتكب أيَّ ذنبٍ قطّ!

  • معنى الحِلم في كلام الإمام السجّاد عليه السلام

  • كما ذكرنا في المجلسِ السابق، فإنّ الحِلمَ هو: الامتناعُ عن العقوبةِ في ظرفٍ يقتضي القدرةَ عليها. يُقالُ حليمٌ لِمَنْ يكونُ صبورًا في موضعِ المقابلةِ بالمثلِ والانتقامِ فلا ينتقم؛ أي إنّه يستطيعُ أن ينتقمَ ولكنّه لا يفعل. أمّا إذا كان عاجزًا عن الانتقام، فهو ليس حليمًا أصلاً! فالحِلمُ ينتفي حيثُ لا يملكُ الإنسانُ القدرةَ عليهِ ولا يستطيعه، سواءٌ أرادَ ذلك أم لم يُرِد.

  • كمثلِ أن يتجبَّرَ إنسانٌ عظيمٌ على آخرَ ضعيفٍ ويظلمَه، فهذا الضعيفُ ليس حليمًا؛ لأنّه يعجزُ من البدايةِ عن الانتقامِ ودفعِ الظلم، وعندما يعجز، يصبحُ الأمرُ صعبًا، ولا تظنّوا أنّ الأوضاعَ تبقى هكذا [دون جواب]!

  • اللهُ تعالى هو المدّعي العام للضعفاء والمظلومين

  • إذا تجبَّرَ إنسانٌ على ضعيفٍ أو مرؤوسٍ وظلمَه، وتأذَّى ذلك منه ولم يستطع فعلَ شيء، فإنّ المسألةَ لا تبقى على هذا الحال؛ إذ يوجدُ هنا مدّعٍ عامٌّ اسمُه الله! يقولُ الله: «لقد تجبَّرتَ على هذا الإنسان وهو لم يستطع أن ينتقمَ ويقابلَ بالمثل، وأنا لستُ نائمًا؛ سأتقدَّم وأنتقم وأقابل بالمثل». وعندما يتقدَّمُ الله، فلا يُعلَم إلى أين سيصلُ الأمر! وقد يستأصلُ الظالم من جذورهِ دفعةً واحدة! فالمدّعي العام للضعفاءِ والمظلومين هو الله!

  • قصّة من ظلم زوجته بطلاقها

  • كان لأحد أصدقاءِ المرحوم العلامة رضوان الله عليه في العراق امرأة عفيفة صالحة جدًّا، وكان له منها ابنتان، فمالَ هذا الرجلُ إلى امرأةٍ أخرى سافرة، وكان منزلُها في بغداد. ومهما نصحَه الأصدقاءُ من هنا وهناك قائلين: «على أيَّة حال، الشرعُ لا يمنعُك في هذه الحالة، اذهب وتزوَّجها، ولكن بما أنّ زوجتكَ امرأةٌ عفيفةٌ ونجيبةٌ وتقيَّة، فأبقِ عليها ولا تطلّقها!»، لم يُصغِ هذا الرجلُ لكلامهم. واشترطت تلك المرأةُ أيضًا أنّها ستتزوَّجه شريطةَ أن يطلِّقَ زوجتَه الأولى! فطلَّق هذا الرجلُ زوجتَه ثم تزوَّجها.

حقيقة الحلم الإلهي وشروطه - اعرف الحق تعرف أهله

3
  • وفي النهاية، مرَّت الشهورُ الأولى بحمدِ الله بخيرٍ وسعادة، وعادةً ما يكونُ الأمرُ كذلك؛ فالشهرُ الأوَّلُ يُسمَّى شهرَ العسل، ولكن شيئًا فشيئًا، كلَّما مرَّ الوقتُ قلَّت حلاوتُه، وتتحوَّل الشهورُ التاليةُ إلى شرابٍ وسكنجبين وخَلّ، حتَّى تصلَ إلى ماءِ الحصرمِ وعصيرِ الليمونِ وما شابهَ ذلك! وفي شجارٍ وقعَ بينهما، ألقت هذه المرأةُ ابنتَيه من سطحِ المنزل فماتت كلتاهما، وتداعت حياتُه، وأُصيبَ هو نفسُه بعد ذلك بالجنونِ والخبَل! كان المرحوم العلامة يقول: «كلُّ هذه الأمورِ كانت بسببِ الظلمِ الذي ألحقَه بزوجته!».

  • ألم يضعِ اللهُ في هذه الدنيا حسابًا وكتابًا؟! أنت الذي أردتَ أن تفعل هذا، لماذا تزوَّجتَ من الأساس؟!

  • يقول الإمامُ الحسينُ عليه السلام مخاطبًا الإمامَ السجّاد عليه السلام: «يَا بُنَيَّ، إِيَّاكَ وَظُلْمَ مَنْ لَا يَجِدُ عَلَيْكَ نَاصِرًا إِلَّا اللهَ»۱؛ احذرْ من ظلمِ مَنْ ليسَ له ناصرٌ عليكَ إلَّا الله!

  • لا بأس إن واجهَ الإنسانُ امرأً قويًّا، ففي النهايةِ أحدهما يضربُ والآخرُ يُضرَب، أو يضربُ ضربتين ويُضرَبُ واحدة؛ ولكن إذا واجهَ الإنسانُ فردًا لا سبيلَ له ولا ملجأَ ولا أيَّ نوعٍ من المفرّ، فيجبُ أن يكونَ حذرًا جدًّا! لأنّ المدّعيَ العامَّ لهذا الفردِ ليس القوَّةَ والسطوةَ والرئاسةَ والمُكنةَ التي فيه، بل المدّعي العام له هو الله. ﴿عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ﴾٢. المدّعي العامُّ عليهِ هم الملائكةُ الذين لا يمكنُ خداعُهم! المدّعي العامُّ له هم ملائكةٌ لا يدخلُ في خيالِهم وسرِّهم شيءٌ غيرُ الحق! وعندما يتدخَّلُ هؤلاءِ المدّعون العامُّون، يتنحَّى جميعُ الأفرادِ جانبًا! وغفلةُ الإنسانِ توصلُه إلى هذا المصير!

  • قصّة عاقبة من ظلم صديقه 

  • كانت هناك صداقة بين اثنين، ثم قلَّت علاقة أحدهما بالآخر شيئًا فشيئًا حتَّى أصبحَ من خصومه، وقد وصلَ به التعدِّي إلى انتهاكِ السمعةِ والعرضِ والكرامةِ وما إلى ذلك. وفي أحدِ الأيَّامِ كنتُ في محضر المرحوم العلامة حين أتى ذلك الرجلُ وأخذَ يروي له ما يفعلُه ذلك الخصم ـ كنتُ أسمعُ بوضوحٍ من الغرفةِ المجاورة ـ فتأثَّرَ سماحتُه كثيرًا. قال ذلك الرجل: «سيِّدنا، ماذا أفعل؟ هل أقابلُه بالمثل؟». فقال: «لا يا عزيزي، دعْهُ يفعلُ ما يحلو له، وأنتَ لا تعبأ به أبدًا وفوِّضْ أمرَه إلى الله! حتَّى لو سألكَ أناسٌ عنه، فقُل: لم نَرَ منه شيئًا، وأنهِ المسألةَ بهذه الطريقة. لا تدعْ هذا الكلامَ يسبِّبُ أمورًا أخرى! فكلُّ كلمةٍ تقولُها وكلُّ نقطةٍ تثيرُها قد تولِّدُ أمواجًا، وتلك الأمواجُ تتَّسعُ دائرتُها باستمرار».

    1. الكافي: ٢ / ٣٣۱: عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام، قَالَ: «لَمَّا حَضَرَ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ عليه السلام الْوَفَاةُ ضَمَّنِي إِلَى صَدْرِهِ ثُمَّ قَالَ: "يَا بُنَيَّ، أُوصِيكَ بِمَا أَوْصَانِي بِهِ أَبِي عليه السلام حِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ، وَ بِمَا ذَكَرَ أَنَّ أَبَاهُ أَوْصَاهُ بِهِ.
      قَالَ: "يَا بُنَيَّ، إِيَّاكَ‌ وَ ظُلْمَ‌ مَنْ‌ لَا يَجِدُ عَلَيْكَ نَاصِراً إِلَّا اللَّهَ"»
    2. سورة التحريم (٦٦) الآية ٦.

حقيقة الحلم الإلهي وشروطه - اعرف الحق تعرف أهله

4
  • لم يمضِ وقتٌ طويلٌ حتَّى انقلبت الأمور! فذلك الرجلُ الذي كان يفعلُ ذلك، كان في أوجِ العزَّةِ والقدرة، معتمدًا على هذه الأمورِ والقوى الظاهريّة، ومستندًا إلى هذه الرئاساتِ والألقابِ الوهميّة، لدرجةِ أنّه حتَّى الناسَ العاديّين كانوا يقولون: لقد أصبحَ أمرُ هذا الرجلِ معقَّدًا جدًّا، فليختمِ اللهُ عاقبتَه بالخير! قال أحدُهم: «كنتُ في منزلهِ حين اتَّصلوا بهِ من المطارِ قائلين إنّ الطائرةَ الفلانيَّةَ جاهزةٌ للإقلاعِ وأنتَ لم تأتِ بعد؟». فقال: «لديَّ عمل، أخِّروا إقلاعَ الطائرةِ ساعةً ونصفًا حتَّى أصل». طائرةٌ بمائتي راكبٍ تنتظرُ ساعةً ونصفًا!

  • ولكن فجأةً انعكسَ الأمرُ وانقلبت حياتُه، وأولئكَ الذين كانوا يدعمونَه ويعتمدُ عليهم ويدبِّرُ الأمورَ بقوَّتهم، تخلَّوا عنه... وبعد ذلك دفنوه!

  • وفي يومٍ آخر كنتُ في محضر المرحوم العلامة، فأتى ذلك الرجلُ نفسُه مرَّةً أخرى وروى هذه الأحداثَ التي وقعت. فقال له العلاّمة: « هل فهمتَ الآن ماذا يفعلُ تفويضُ الأمرِ إلى الله؟! هل فهمت؟ كلُّ هذا كان بسببِ الأمورِ التي أنزلَها بك!». ثمّ نصحَه وقال: «الآن وقد انقطعت يدُه عن الدنيا، فادعُ له أنتَ لعلَّ اللهَ يرحمُه على الأقل!». فالوضعُ الذي حدثَ هو موعظةٌ وعبرة، وجميعُ أولئكَ الذين دعموه، حدثَ لهم ما حدثَ له! ولكن في كلِّ فترةٍ وزمانٍ يُبتلى قوم؛ مجموعةٌ الآن ومجموعةٌ لاحقًا، وهكذا يستمرُّ الأمر.

  • في الزمنِ السابق، كان الحكّامُ والملوكُ سُكارى بسلطانِهم وغرورِهم وعزَّتِهم وجاهِهم وشوكتِهم، والشيءُ الوحيدُ الذي لم يكن في خيالِهم هو اللهُ تعالى والنبيُّ صلَّى الله عليه وآله، وكانوا يقولون فقط: «نحنُ كذا وكذا! نأخذُ ونعتقل». والذين ظلموا هذا البلد، في كلِّ زمانٍ شملَ الغضبُ والسخطُ الإلهيُّ فئةً منهم؛ في المرحلةِ الأولى فئة، ثم المرحلة التالية، ثم عندما جاءَ دورُ الشاهِ نفسِه، المسكينُ البائسُ كان ينتقلُ من هنا إلى هناك ومن بلدٍ إلى آخر ولم يستقبلْه أحد، وكان دائمًا في حركةٍ كالمسافرِ من مكانٍ إلى آخر. وذلك لأنّ المدّعيَ العامَّ واقفٌ هناك وينظرُ إلى الأمورِ ولا يغفلُ عن القضايا؛ هذه هي أنواعُ الانتقام.

  • الصفاتُ الجماليّة، علّة لحمدِ الله

  • الآن، ما هو نوعُ هذا الحِلم، وهل يجبُ على الإنسانِ أن يحمدَ اللهَ على هذا الحِلمِ أم لا؟! الحِلمُ القائمُ على الانتقامِ والقهّاريَّةِ وإبرازِ الصفاتِ الجلاليّةِ وإظهارِها وتجلِّيها ليسَ جديرًا بالحمد! فأن نقول: «الحمدُ للّهِ الذي له مثلُ هذا الحِلمِ الذي يجعلُنا بائسين وأشقياء، أو الحمدُ للّهِ الذي يعذِّبُنا يومَ القيامة! أو الحمدُ للّهِ الذي حلمُه سببُ هلاكنا!» هذه الأمورُ لا تستوجبُ الحمد! فهل هذا هو الحِلمُ الذي يجبُ على الإنسانِ أن يحمدَ اللهَ من أجله؟!

حقيقة الحلم الإلهي وشروطه - اعرف الحق تعرف أهله

5
  • الحمدُ يتعلَّقُ دائمًا بالصفاتِ الجماليّة، فنقولُ مثلاً: الحمدُ للّهِ على جمالهِ، الحمدُ للّهِ على كمالهِ، الحمدُ للّهِ على علمهِ، الحمدُ للّهِ على رحمتهِ وعطفهِ، والحمدُ للّهِ على رزقهِ وخلقهِ وتربيتهِ؛ فكلُّ هذه تستوجبُ الحمد.

  • فإذا كان مرادُ الإمام السجّاد عليه السلام من الحِلم هو ذلك الحِلمَ الذي يتبعه الانتقام، والقائم على أساسِ الآيةِ الشريفة ﴿إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا﴾۱؛ أي: نحن نُبدي حِلمًا ونصبرُ ونتوقَّفُ ونُمسكُ أيديَنا لكي يرتكبوا الذنوبَ ثم نعذِّبُهم! فهل يقولون هم الآن: الحمدُ للّهِ أنّ اللهَ أمسكَ يدَه، ثم يريدُ أن يعذِّبَنا؟! بالطبعِ ليسَ الأمرُ كذلك.

  • طبعًا، نحن نقفُ جانبًا ونقول: يا رب، أنتَ أعلم. لقد قال عيسى عليه السلام كما في الآيةِ الشريفة ﴿إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾٢ يا ربّ، إن شئتَ أن تعذِّبَهم فأنتَ أعلم، وإن غفرتَ لهم فأنتَ الغفورُ الرحيم. أمّا أولئكَ الذين يريدُ اللهُ أن يعذِّبَهم، فهل يقولون: «الحمدُ للّه، أنّ اللهَ يطيلُ أعمارَنا ونحنُ نزيدُ من ذنوبِنا دائمًا ثم يعذِّبُنا هناك!»؟ من الواضحِ أنّ الحمدَ لا معنى له إزاءَ مثلِ هذا الحِلم!

  • إذن، ما هو الحِلمُ الذي يقصدُه الإمام السجّاد عليه السلام عندما يقول: «والحمدُ للّهِ الذي يحلمُ عنِّي»٣، أي الحمدُ والثناءُ والشكرُ للّهِ الذي ينظرُ إلى ذنوبي بعينِ الإغماض؟ فأيُّ حِلمٍ هذا؟

  • الشركُ هو الذنبُ الوحيدُ الذي لا يغفرُه الله

  • تقولُ الآيةُ الشريفة: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ﴾٤. اللهُ لا يغفرُ الشرك، وهذا هو الصنفُ الوحيدُ الذي لا يُتجاوزُ عنه. للّهِ العديد من أصناف الناس، والبشر مختلفون، صالحون وطالحون وذوو مراتبَ مختلفة، ولكن هناك صنفٌ واحدٌ لا يسمحُ له بالدخولِ في حيطةِ ألوهيَّتِه وربوبيَّتِه، وهم أهل الشرك. الشركُ يعني إعلانَ التحدِّي في وجهِ الله، والوقوفَ في وجهِ الله، وإظهارَ الوجودِ وإبرازَ الذات في وجهِ اللهِ تعالى، وهذا ما لا يتجاوزُ عنه الله.

  • لماذا لا يتجاوزُ اللهُ عنه؟ لماذا قال اللهُ تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ﴾؟ يعني إذا أذنبنا فلا نيأس؛ طبعًا لا أقولُ لِنُذنب، فمن المؤسفِ أن يُذنبَ الإنسانُ ثمّ يتوب.

    1. سورة آل عمران (٣) الآية ۱۷۸.
    2. سورة المائدة (٥) الآية ۱۱۸.
    3. مصباح المتهجّد، ص ٥۸٢.
    4. سورة النساء (٤) الآية ٤۸.

حقيقة الحلم الإلهي وشروطه - اعرف الحق تعرف أهله

6
  • عندما كنتُ في السادسة عشرةَ من عمري، قلتُ للسيِّد الحدّاد رضوان الله عليه: يا سيِّدي، لقد أذنبتُ كثيرًا. فقال: «ما هو الذنب؟! قُل أخطأتُ ووقعتُ في الزللِ والعثرات، فالسالكُ لا يُذنب».

  • الآن، مهما فكَّرنا نجدُ أنّ قولَ اللهِ تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ﴾، فما هو ما دونَ الشرك؟ طبعًا الذنوبُ والمحرَّماتُ معروفة؛ فهل المقصودُ شربُ الخمرِ والسرقةُ والقمارُ وتركُ الصومِ والصلاة؟ بالطبعِ كلُّ هذه مشمولةٌ بهذه الآية، لأنّه لم يحدثْ فيها شرك.

  • تقولُ الآيةُ الشريفة: ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾۱. هذه الآيةُ عجيبةٌ جدًّا! يقول: ﴿كَتَبَ﴾؛ «كتب»، ولم يقل: إنّ اللهَ قالَ هو الرحمنُ وهو الرحيم. عندما يريدونَ تأكيدَ أمرٍ ما، يأتون بلفظِ «كَتَبَ». مثلًا، في آيةٍ شريفةٍ يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾٢. والمعنى اللغويُّ لـ «كَتَبَ» هو أحكمَ وثبَّتَ. فلا شيءَ كالكتابة، فحتَّى لو تحدَّثتَ، قد يقولُ ذلك: لا، أنا سمعتُ شيئًا آخر. الآن كيفَ تُثبتُ ذلك؟ يجبُ أن يكونَ هناك مسجِّلُ صوتٍ؛ وطبعًا، حتَّى لو وُجدَ مسجِّلُ صوتٍ، قد يقال: لقد مررتَ على الموضوعِ بسرعةٍ وأنا سمعتُ خطأً. ولكن عندما تكتبُ أمرًا ما، فلا مجالَ للإنكار. تقولُ الآيةُ الشريفة: ﴿وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ﴾٣ يجبُ أن يكتبَ بينكما كاتبٌ بالعدل.

  • آدمُ على نبيِّنا وآلهِ وعليهِ السلام أنزلَنا من الجنَّة

  • «مَنْ مَلِكُ بُودَمْ وَ فِرْدَوْسِ بَرِينْ جَايَمْ بُودْ***آدَمْ آوردْ دَرْ إينْ دِيرِ خَرَابْ آبَادَمْ»٤ 
  • يقول: 

  • كنتُ مَلَكًا وكانَ والفردوسُ الأعلى مكاني *** أتَى بي آدمُ إلى هذا الدَّيْرِ الخَرِبِ

  • الدَّيْر، هو ديرٌ خَرِب، ولكنّه عُمِّرَ بالخراب. آدمُ أحضرني إلى هنا. جزاهُ اللهُ خيرًا، فلولا مجيئُه لما وصلت كلُّ هذه المُجملاتِ إلى تفصيل، ولما اتَّخذت إبهاماتُ الصُّوَر العلميّةِ لعلمِ اللهِ صورةً عينيّة! في النهاية، هو أيضًا قد بذلَ جهدًا، لم يفعلْ ذلك عبثًا! يقولُ حافظٌ الشيرازي في شعرٍ آخر:

  • «پِدَرَمْ رَوْضَةِ رِضْوَانْ بِه دُو گَنْدُمْ بِفُرُوخْتْ *** نَاخَلَفْ بَاشَمْ اَگَرْ مَنْ بِه جُوِي بِفْرُوشَمْ»٥ 

  • يقول:

  • باعَ أبي روضةَ الرضوانِ بحبَّتَيْ قمحٍ *** سأكونُ عاقًّا إن بعتُها أنا بشعير

    1. سورة الأنعام (٦) الآية ٥٤.
    2. سورة البقرة (٢) الآية ۱۸٣.
    3. سورة البقرة (٢) الآية ٢۸٢.
    4. دیوان حافظ، غزل ٣۱۷.
    5. دیوان حافظ، غزل ٣٤۰.

حقيقة الحلم الإلهي وشروطه - اعرف الحق تعرف أهله

7
  • عجيبٌ جدًّا! إحدى محاسنِ أشعارِ حافظ أنّه يتحدَّثُ دائمًا بوجهين ويمكنُ تفسيرُها بعدَّةِ طرق.

  • أنزلَنا جنابُ آدمَ أبو البشرِ إلى الأسفل. ووردَ في روايةٍ أنّه قال للّهِ يومًا: الآن وقد أنزلتَنا ـ طبعًا نحنُ أكلنا القمحَ وأُخرِجنا ـ هل يمكنُ أن نرى السجلَّ لنعرفَ من هم ذرارينا وأبناؤنا وأجيالُنا، وهل يوجدُ فيهم صالحٌ وطالح؟ فأرى اللهُ آدمَ ذلك السجلَّ الذي كان الصورةَ العينيّةَ والعلميّةَ للأشياء. كان آدمُ ينظرُ ويرى الأجيالَ تأتي وتذهبُ واحدةً تلو الأخرى. وفجأةً وقعت عينُه على داودَ عليه السلام ورأى أنّ عمرَ داودَ قصير، مثلًا ثلاثين عامًا أو اثنين وعشرين عامًا! فقال: «يا ربّ، عمرُ داودَ قصير!». 

  • فقال الله: «قدَري هو أن يكونَ عمرُه قصيرًا». 

  • فقال آدم: «لا يمكنُ هذا، فهو ابني في النهاية، لماذا عمرُه قصير؟!». 

  • فقال الله: «حسنًا، هذا ليسَ بالأمرِ الصعب، لقد جعلنا عمرَكَ طويلًا، فإذا أردتَ أن تبذلَ وتعطيَ فاعطِ من جيبكَ المبارك! لماذا تريدُ أن تأخذَ من خزانتنا؟! خُذْ من عمرِكَ ما تشاء، مثلًا مائةَ عامٍ أو مائتي عامٍ وأعطِها له!». فأخذَ هو ثلاثين عامًا وأضافها إلى عمرهِ، وبذلك نقصَ من عمرهِ ثلاثونَ عامًا، وكان اللهُ قد أخبرَه كم هو عمرُه. وعندما أتاه عزرائيل، قال: «ما زالَ هناك من عمري ثلاثونَ عامًا، فلماذا أتيتَ الآن؟!». 

  • فقال عزرائيل: «أنتَ بنفسِكَ وهبتَ ثلاثين عامًا». 

  • فقال آدم: «متى؟ لا أذكر!». (ضحك من سماحة السيّد) ففي ذلك الوقتِ لم يكن هناك مسجِّلُ صوتٍ وما شابه، ولم يكن لدى عزرائيلَ عليه السلام أيُّ شيءٍ يُثبتُ به ادِّعاءَه! فقال عزرائيل ملكُ قبضِ الأرواح: «يا رب، إنّه يقول: "لا أذكر"». كان الشيخ الأنصاريُّ رضوان الله عليه يروي هذه القصَّةَ ويقول: «كان آدمُ عليه السلام يقولُ الصدق، وهو حقًّا لم يكن يذكرُ ولم يُرِد إنكارَ المسألة». ولم يكن يمكنُ إثباتُها بطريقةٍ أخرى. فقال الله: «لا حيلة، يجبُ أن نفتحَ بابَ الخزانةِ ونضيفَ ثلاثين عامًا أخرى في تقديرنا ونحلَّ المسألة». ومنذ ذلك الحين، تقرَّر أن يُكتَبَ كلُّ أمرٍ يجري بين شخصين حتَّى لا ينكرَه أحد!

حقيقة الحلم الإلهي وشروطه - اعرف الحق تعرف أهله

8
  • فِعلُ السُّوءِ عن جهالةٍ ينالُ رحمةَ الله

  • «كَتَبَ» تعني دوَّن، وفي الكتابةِ لا يوجدُ خطأ. يقولُ البعضُ إنّ فلانًا قال هذا الكلام. فيُسألون: بأيِّ دليلٍ تقولُ هذا؟ فيقول: كتابتُه موجودة. أو إذا قيل إنّ آياتِ القرآنِ قالت كذا، نقول: آياتُ القرآنِ موجودةٌ ولم تُحرَّف. تقولُ الآيةُ الشريفة: ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ۖ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾۱. لقد كتبَ اللهُ على نفسهِ الرحمةَ وثبَّتها، لا أنّه قالها فقط. في قولهِ ﴿بِجَهَالَةٍ﴾ معانٍ كثيرة. فلمنْ هذه الرحمةُ وهذه المغفرة؟ تعني أنّ كلَّ من عملَ منكم سوءًا عن جهلٍ وعدمِ فهمٍ أي عن عدمِ بصيرةٍ، وضعفٍ، وخدعَه الشيطان، فإنّه ينالُ الرحمة.

  • أتت امرأةٌ إلى أميرِ المؤمنين عليه السلام وقالت: «لقد ارتكبتُ فعلًا مُنكرًا، فطهِّرني». فقال عليه السلام: «ماذا تقولين؟! لا أعلمُ لماذا أتيتِ! لعلَّكِ فقدتِ ذاكرتَكِ وتتوهَّمين وتتخيَّلين أنّكِ فعلتِ شيئًا! أنتِ مخطئة، وإن كان هناك شيءٌ فقد كان عن جهالة؛ فاذهبي إلى بيتكِ!»٢

  • لو لم يكن فعلُها عن جهالة، لما أتت إلى أميرِ المؤمنين عليه السلام وقالت: «يا علي، طهِّرني». عندما يُرتَكَبُ عملٌ عن جهالة؛ حينها يدركُ أميرُ المؤمنين عليه السلام، وهو حقيقةُ القرآنِ وحقيقةُ الآيةِ الشريفةِ ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾، أنّ مصداقَ هذه الآيةِ حاضرٌ هنا الآن. نحنُ لا نفهمُ هذه الأمور، بل يفهمُها الفقيه، وأميرُ المؤمنين عليه السلام هو الفقيه؛ ونحنُ لسنا حتَّى بمتفقِّهين! ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ۖ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾؛ فمن عملَ سوءًا بجهالةٍ وعن عدمِ فهمٍ ثمّ تابَ من بعدهِ وأصلحَ عملَه وسعى في الإصلاح، فإنّ اللهَ غفورٌ رحيم.

  • شهودُ الغفرانِ الإلهيِّ بعدَ أمرِ التوبةِ من المرحوم العلامة الطهراني

  • نقلَ أحدُ أصدقاءِ الزمنِ السابق، الذي أتى المرحوم العلامة رضوان الله تعالى عليه منذ وقتٍ طويلٍ جدًّا، قائلًا: «لقد أمرني بتوبةٍ مع ذكرٍ وشروطٍ وأمورٍ خاصَّة. فقمتُ بهذا العملِ بين الطلوعين وخارجَ المدينةِ عند سفحِ جبل، وبعد ذلك كنتُ منقلبًا جدًّا وبينما كنتُ أسير، ارتفعت يدي لا إراديًّا وقلت: يا رب، هذا الرجلُ من أوليائِك وقد أمرَنا بفعلِ هذا الأمرِ وقد فعلتُه. أنا من عبادك ومن نسلِ وأمَّةِ نبيِّك، فإن غفرتَ لي وسامحتَني، فستكونُ قد أسعدتَ نبيَّكَ بالطبع، وإن لم تغفرْ لي، فلن يكونَ نبيُّكَ سعيدًا، وسيبقى واحدٌ من أمَّتهِ والمنتسبين إليهِ غارقًا في كدرِ الذنب وظلمته. يا ربّ، لا ترجِّحْ غضبَ رسولِكَ على مسرَّتِه وسرورهِ!

    1. سورة الأنعام (٦) الآية ٥٤
    2. تهذیب الأحکام، ج ۱۰، ص ٩
      «أتَتِ اِمرأةٌ مُحِجٌّ أمیر المؤمنین علیه السّلام فقالت: یا أمیر المؤمنین إنّی زَنیتُ فَطَهِّرني طَهَّرك الله، فإنَّ عذابَ الدُّنیا أیسَرُ من عَذابِ الآخرةِ الَّذي لا ینقطِعُ، فَقال لها: «مِمّا أُطَهِّرك؟» فقالت: إنّی زَنیتُ، فقال لها: «و ذاتُ بَعلٍ أنتِ أم غَیرُ ذلِك؟» فقالت: بَل ذاتُ بَعلٍ، فقالَ لها: «أفَحاضِرٌ کانَ بَعلُك إذ فَعلتِ ما فَعلتِ؟ أم غائِبٌ كانَ عَنك؟» قالَت: بَل حاضرٌ، فقالَ لها: «إنطَلِقی فَضَعی ما فی بَطنِك ثمَّ إئتیني أُطهِّرك» فَلمّا وَلَّت عنهُ المرأةُ فَصارَت حیثُ لاَ تَسمَع کَلامَهُ قال: «اللَهمّ إنَّها شَهادةٌ»، فلَم تَلبَث أن أتَت فقالَت: قَد وَضعتُ فَطهِّرنی قال: «فتَجاهلَ عَلیها». (الحدیث)

حقيقة الحلم الإلهي وشروطه - اعرف الحق تعرف أهله

9
  • ما إن قلتُ هذا الكلام، حتَّى نظرتُ إلى نفسي فجأةً، ورأيتُ أنِّي لم أرتكب أيَّ ذنبٍ على الإطلاق، ومهما ضغطتُ على نفسي، وجدتُ أنِّي لم أُذنبْ في حياتي قطّ! فكَّرتُ في نفسي مرَّةً أخرى، هل يمكنُ أن يكونَ الأمرُ هكذا؟! كنتُ حائرًا تمامًا، وفجأةً تذكَّرتُ هذا الأمرَ الذي قالَه المرحوم العلامة في ذلك الوقت: "وردَ عن المعصومِ عليه السلام رواية: «التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ»۱ كان يعرفُ نفسَه جيِّدًا، ففي النهايةِ كلُّ إنسانٍ يخطئُ في حياته! طبعًا، توجدُ درجةٌ أعلى من هذه سأذكرُها لاحقًا. في بعضِ الأحيان، تُشهدُ هذه القضيَّةُ للإنسان، وفي أحيانٍ أخرى لا تُشهدُ له.

  • خُطبةُ النبيِّ في عرفات حولَ شمولِ الغفرانِ الإلهي

  • جمعَ النبيُّ الأكرمُ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم الناسَ في عرفات، في عصرِ ذلك اليومِ الذي كانوا يعتزمونَ فيه الحركةَ والإفاضةَ إلى المشعر، وكان راكبًا على ناقتهِ والناسُ مجتمعونَ حولَه، فخطبَ هناك خُطبة، وفي آخرِها قال: «أَفِيضُوا فَقَدْ غَفَرَ اللهُ لَكُمْ جَمِيعَ مَا قَدْ سَبَقَ مِنْكُمْ»٢؛ انفروا إلى المشعر، فقد غفرَ اللهُ لكم جميعَ ما سلفَ منكم. ولم يستثنِ، فلم يقل مثلًا: أنتم نعم وأنتم لا، أو أنتم عشرةٌ بالمائةِ و... بل قال: «غفرَ لكم جميع...». وهذه مسألةٌ عجيبة، وهذه القضيَّةُ يشعر بها الإنسانُ نفسُه! والذين يكونون في عرفاتٍ ومنتبهين، يشعرون بهذا الأمر. ولهذا قال: «الحَجُّ عَرَفَةُ»٣. فمن أدركَ عرفاتٍ ومات، فقد أتمَّ الحجَّ ولا يلزمُ أن يُستنابَ عنه لأداءِ الحجِّ نيابةً عنه. عندما تأتي تلك الرحمةُ من الله، لا تُبقي على شيء!

  • الأمرُ كذلك بالنسبةِ لزائري حرمِ سيِّدِ الشهداء عليه السلام: من زارَ حرمَ الإمامِ الحسين عليه السلام، لا يخرجُ من ذلك الحرمِ إلَّا وقد غفرَ اللهُ له جميعَ ذنوبه وخطاياه كما ولدته أمُّه٤. وهذا أيضًا لأنّ سيِّدَ الشهداء عليه السلام هو تلك الرحمةُ الواسعة.

  • والأرفع من هذا الأمر، أنّ أشخاصًا آخرين نقلوا أمورًا عجيبةً وقالوا: في بعضِ الأحيانِ كنَّا نقومُ بمثلِ هذه الأعمال، ولم نكن نشعرُ فقط بأنّه لا ذنبَ لنا، بل كنَّا نرى جميعَ ذنوبنا الماضيةِ حسنات! هناك، قال ذلك الرجل: «شعرتُ بأنِّي لم أرتكب ذنبًا»، ولكنَّه كان يشعرُ بشكلٍ مجمل، لا مفصَّلٍ وواحدًا تلو الآخر، بأنّه فعلَ الحسنات طوالَ حياته! وهذا لأنّ نفسَه قد تبدَّلت وتغيَّرت؛ لأنّ هذه الذنوبَ لم تكن من ضمنِ ﴿أَنْ يُشْرَكَ بِهِ﴾.

    1. الكافي، ج ٢، ص ٤٣٥.
    2. الكافي، ج ٢، ص ۱٩.
    3. عوالي اللآلي، ج ٢، ص ٩٣.
    4. الكافي، ج ٤، ص ٥۸٢: «مَن أتَی الحسینَ عارِفًا بِحقِّهِ غَفرَ اللهُ لَهُ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنبِهِ و ما تَأخَّرَ».

حقيقة الحلم الإلهي وشروطه - اعرف الحق تعرف أهله

10
  • غيرةُ اللهِ سبب عدمِ غفرانِ الشرك

  • الذنوبُ التي تقعُ في دائرةِ الشركِ مستثناةٌ من هذه القاعدة؛ لأنّ اللهَ تعالى غيورٌ وغيرتُه لا تقبلُ الغير. فعلى سبيلِ المثال، إذا لم نصلِّ يومًا، فهذا الفعلُ الذي تمَّ، قد تمَّ في حيطةِ حكمهِ ومملكته. لم نصلِّ وانشغلنا باللعب، أو لم نصلِّ وانشغلنا بالمطالعة، أو لم نصلِّ وانشغلنا بالمشي في الشارع؛ كلُّ هذه الأعمالِ قد جرت في حيطةِ فعلهِ وحكمه، مهما كانت. ولكن إذا وقفَ الإنسانُ في وجهِ اللهِ وعاندَ وأشركَ، أي قال: يا رب، كُنْ ما شئتَ لنفسك، أنا لن أفعلَ هذا وسأقفُ في وجهك! لا أنّه فعلَ ذلك عن جهلٍ وعجزٍ وغفلة، بل يقول: لن أفعلَ هذا عنادًا؛ مثلًا، يأتي فقيرٌ إلى البابِ وهو يستطيعُ أن يساعدَه، ولكنّه يقول: أنا لن أساعد، فمن كان رازقَه فليعطهِ خبزَه هو! حينها يتَّضحُ أنّه كان من الجيِّدِ لو أنّ الإنسانَ أعادَ النظرَ قليلًا في مبانيهِ واعتقاداته.

  • قرأتُ حكايةً في كتابٍ كانت عجيبةً جدًّا. كُتبَ هناك: تزوَّج أحدُ وزراءِ الخلفاءِ العباسيّين زوجة، وفي يومٍ من الأيَّامِ كانوا يجلسونَ يتناولون الطعام، فجاءَ متسوِّلٌ فجأةً وأظهرَ الفقرَ والجوع. فأخذَ الوزيرُ العباسيُّ قليلًا من الطعامِ ووضعَه في طبقٍ وأعطاه لهذا الفقير. وعندما عاد، وجدَ زوجتَه تبكي وهي حزينةٌ جدًّا. فقال لها الوزير: «لماذا تبكين؟». قالت: «هذا المتسوِّلُ الذي أتى كان زوجي السابق. في يومٍ من الأيَّامِ كنَّا جالسين على مائدةِ الطعامِ فجاءَ فقيرٌ وطلبَ طعامًا، ومهما توسَّل، قال له [زوجي]: "ليس لدينا طعام، وطرده من بيتنا بعنفٍ وفظاظة". فذهبَ ذلك الفقيرُ ودعا عليه قائلًا: "بما أنّكَ رددتَني، فأسألُ اللهَ أن يبتليَكَ بحالي". كان زوجي السابقُ رجلًا ذا مُكنة، ولكن منذ ذلك الحين بدأت أحوالُنا تتدهورُ وأفلس، حتَّى أصبحَ غيرَ قادرٍ على توفيرِ رزقي! ولهذا السببِ طلَّقني، وبقيتُ فترةً حتَّى أتيتَ أنتَ بالصدفةِ وتزوَّجتَني». ما أن قالت هذا الكلام، حتَّى بدأ الوزيرُ يضحكُ وقال: «ذلك المتسوِّلُ الذي أتى إلى بابِ منزلِكم في ذلك اليومِ كنتُ أنا!».

  • التواضعُ لغيرِ اللهِ شرك

  • كلُّ هذه الأمورِ حقيقيَّةٌ ومصدرٌ للعبرة. ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ﴾. لا ينبغي العنادُ والوقوفُ في وجهِ الله، ولا ينبغي التمرُّد. اللهُ يغفرُ كلَّ هذه الزلاّتِ ويتجاوزُ عنها، ولكنَّ العملَ الذي يقومُ به الإنسان، يجبُ ألَّا يكونَ فيه جانبُ الشركِ والاثنينيّة. فالشركُ المقصودُ في الآيةِ ليس الشركَ بمعنى عبادةِ الأوثان، بل هو الشركُ في مقامِ العمل، أي أن يُشرِكَ الإنسانُ في نفسهِ غيرَ الله، وأن يراجعَ شخصًا في عملهِ من أجلِ الدنيا. «مَنْ تَوَاضَعَ لِغَنِيٍّ لِغِنَاهُ فَقَدْ كَفَرَ»۱ والمقصودُ بهذا التواضعِ هو الشرك. التواضعُ يجبُ أن يكونَ لله، ولا ينبغي أن يكونَ للغنى. إذا تواضعتَ للغنيِّ لغناه، فاللهُ لا يغفرُ هذا العمل!

    1. نهج البلاغة، الحكمة رقم ٢٢۸ من قسم "قصار الحكم: «مَنْ أَتَى غَنِيّاً فَتَوَاضَعَ لَهُ لِغِنَاهُ ذَهَبَ ثُلُثَا دِينِهِ»

حقيقة الحلم الإلهي وشروطه - اعرف الحق تعرف أهله

11
  • المشركُ الجاهلُ مشمولٌ بآيةِ الاستضعاف

  • الشركُ ليس عبادةَ الأوثانِ والوثنيَّة، بل إذا كان الشخصُ متكبِّرًا في وجهِ اللهِ وواقفًا ضدَّ حكمه، فهو مشرك. أمّا إذا أشركَ إنسان عن جهلٍ أو كانت لديهِ وثنيَّةٌ أو صنميَّةٌ أو ما شابهَ ذلك، فهو مستضعفٌ ويشملُه حكمُ آيةِ الاستضعاف. ﴿إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا﴾۱. هؤلاءِ إمَّا مستضعفونَ فكريًّا، أي فكرُهم مستضعف، أو مستضعفونَ ظاهريًّا، أي لا قوَّةَ لهم ولا قدرة.

  • لا فرق بين أن يكونوا عبدةَ أوثانٍ أو يهودًا أو مسيحيّين، ويبقونَ على وتيرتِهم ونهجِهم وعقيدتِهم بسببِ الاستضعافِ الفكري. فإذا قضى إنسان عمرَه في الوثنيَّةِ والصنميَّةِ عن جهلٍ ولكن بسببِ عقيدتِه وصفائِه، فهل يعاقبُه اللهُ يومَ القيامةِ ويقولُ له: لقد متَّ مشركًا؟! سيقول: لم أكن أعلم. فكما أنّ هناك مستضعفين من اليهودِ والنصارى، فهو أيضًا مستضعف.

  • الشركُ عن جهالةٍ ليس ردَّة!

  • أنا أعرفُ بنفسي امرأةً كانت قد أسلمت ثمّ أعادها أهلُها إلى المسيحيّة، وعندما رأت أنّها لا تستطيعُ بسببِ عقيدتِها وإيمانِها أن تبقى إلى جانبِ زوجِها وأولادِها، كانت تبكي باستمرارٍ ورأت أن لا حيلةَ لها. لقد تسبَّبَ دينُها في عدمِ قدرتِها على البقاءِ مع عائلتِها؛ هذه المرأةُ مستضعفة. عندما أتى زوجُها إلى إيران، قال له الكثيرُ من العلماءِ إنّ زوجتكَ قد ارتدَّت ويجبُ عليكَ أن تطلِّقَها! كان زوجُ هذه المرأةِ يروي القصَّةَ للمرحومِ العلامةِ رضوان الله تعالى عليه. فقلتُ له أنا في مجلس المرحوم العلامة إنّ زوجتكَ ليست مرتدَّة، وإنّها فعلت ذلك عن جهل. فاذهب إليها وقُلْ لها لا بأس، تعالي وابقَيْ على دينِ المسيحيَّة. فهذه ليست ردَّة! الردَّةُ هي أن يرجعَ الشخصُ عن الدِّينِ عنادًا وغرضًا؛ كلُّ هذه التغييراتِ والتبدُّلاتِ التي تحدثُ بسببِ الجهلِ والاستضعافِ وضعفِ العقيدةِ وضعفِ البنيةِ والإجبارِ وما شابهَ ذلك، لا يشملُها حكمُ الردَّةِ والإعدامِ والأحكامِ الأخرى المترتِّبةِ عليه وتختلفُ عن هذه المسائل. هذا الشخصُ حدثَ له تبدُّلٌ عقائديٌّ وعادَ عن جهل، وهذا لا يُسمَّى ردَّة. طبعًا، كان الأوانُ قد فاتَ وكان هذا الشخصُ قد تزوَّج.

    1. سورة النساء (٤) الآية ٩۸.

حقيقة الحلم الإلهي وشروطه - اعرف الحق تعرف أهله

12
  • الآن أنا مشغولٌ بكتابةِ رسالةٍ في هذا الموضوع، وإن شاء اللهُ إذا وفَّقَ اللهُ فستنتهي هذه الرسالةُ قريبًا، وسنُثبتُ فيها أنّ تسعين بالمائةِ من هذه الردَّاتِ ليست ردَّة. كلُّ هذا بسببِ البُعدِ عن حقيقةِ الدِّينِ ومغزاهُ والاستضعاف. هذا الإنسان أشركَ عن جهالةٍ واستضعافٍ فكريّ. لقد أحاطوا بهِ وليس لديهِ قوَّةٌ علميَّةٌ وعقليَّةٌ ولا يستطيعُ الإجابةَ والتغلُّبَ عليهم.

  • نحن الآن نشعرُ بمسألةِ الاستضعافِ بكلِّ وجودِنا؛ فعلى سبيلِ المثال، يقولُ عدَّةُ أشخاصٍ إنّ المسألةَ الفلانيَّةَ حقّ، وإنّ فلانًا قد أيَّدها، والآن بما أنّ فلانًا قد أيَّد المسألة، فيجبُ التأمُّلُ فيها! أو لأنّ عدَّةَ أشخاصٍ قد أيَّدوا هذه المسألة، فيجبُ التأمُّلُ فيها! وكأنَّ الحقَّ بالكيلو ويجبُ وضعُ ميزانٍ ليقفَ عليهِ الأفرادُ لنرى هل كلامُهم حقٌّ أم لا! ولكن هناك من يقولُ أيضًا: لو ذهبت الدنيا كلُّها يمينًا وشمالاً، فانظر أنتَ أينَ الحق!

  • يقولُ أميرُ المؤمنين عليه السلام: «إِنَّ الحَقَّ لَا يُعْرَفُ بِالرِّجَالِ، اِعْرِفِ الحَقَّ تَعْرِفْ أَهْلَهُ»۱؛ «الحقُّ لا يُعرفُ بالشخصيَّات، اعرفِ الحقَّ نفسَه لتعرفَ أتباعَه». حقًّا إنّ كلماتِ ذلك الإمامِ عجيبةٌ وأعلى من المعجزة.

  • كلامُ الأولياءِ أعلى من أربعةِ آلافِ معجزةٍ للأنبياء

  • عندما يقولُ السيِّد الحدَّاد رضوان الله تعالى عليه: «أربعةُ آلافِ معجزةٍ لا تصلُ إلى كلِّ كلمةٍ من جُملِنا!»، أفلا يكونُ كلامُ الإمامِ عليٍّ عليه السلام معجزة؟! هذا كلامُ الإمامِ الذي يقول: اذهب أوَّلًا واعرفِ الحقَّ ولا تنظرْ إلى الشخص؛ لأنَّكَ لم تعرفْ هذا الشخصَ ورأيتَ ظاهرَه فقط. لقد شاهدتَ فقط "السلام عليكم" المفعمةَ بالمحبَّة! ولكن هل رأيتَ أيضًا ما يجولُ في باطنهِ وقلبهِ وأشرفتَ عليه؟! الآن هل أدركتم أنّ كلَّ مدركاتِنا مبنيَّةٌ على الظاهر؟!

  • الانتسابُ إلى الأولياءِ ليس معيارًا للحقَّانيَّة

  • على سبيلِ المثال، أنتم الآن تسمعون كلامي وتقولون: يا له من سيِّدٍ صالح، وهو معمَّمٌ بلباسِ رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم، وهو ابنُ المرحوم العلامة رضوان الله تعالى عليه ومنتسبٌ إليه. وهل كونُ المرءِ ابنَه يعدُّ فخرًا وشرفًا وقيمةً للإنسان؟! طبعًا، نحنُ لا نملكُ الأهليَّةَ لهذه المسألة، وهذا الانتسابُ لا يوجبُ حُسنًا في داخلنا. ألم يكن جعفرٌ الكذَّابُ ابنَ الإمامِ عليه السلام؟! ألم ينفِ ابنُ الإمامِ إمامة الإمام الرضا عليه السلام؟! لا قدَّر اللهُ ذلك اليومَ الذي نكونُ فيه هكذا! وفي الوقتِ نفسِه، الأمرُ متعلِّقٌ بالله. أنتم تنظرون إلى سيِّدٍ جالسٍ بعمامةٍ يقرأُ دعاءَ أبي حمزةَ من المفاتيحِ ويترجمُه، وهو منسوبٌ إلى المرحومِ العلامة، إذن فقد تمَّ الأمر.

    1. إرشاد القلوب، ج ٢، ص ٢٩٦؛ بحار الأنوار، ج ٤۰، ص ۱٢٥.

حقيقة الحلم الإلهي وشروطه - اعرف الحق تعرف أهله

13
  • لا يا عزيزي، ليسَ الأمرُ كذلك! يجبُ عليكم أن تنظروا إلى كلامي هذا بمعيارِ الحقّ، وإذا تجاوزتُ أنا يومًا ما، فأوقفوني وقولوا: يا سيِّدَ فلان، هذا الكلامُ الذي تقولُه لا يتطابقُ مع معيارِ وملاكِ الحقّ، ولا يتطابقُ مع تلك الأمورِ التي فهمناها وأدركناها. أيُّ إشكالٍ في أن نكونَ هكذا؟! أيُّ إشكالٍ في أن نُحدِثَ تغييرًا في أنفسِنا ونبتعدَ قليلًا عن هذه المتابعةِ العمياء؟!

  • التغاضي عن المسائلِ الباطلةِ يوجبُ الانحرافَ عن الحقّ

  • عندما يكونُ الحقُّ مجسَّمًا مثلَ أميرِ المؤمنين عليه السلام وأبي الفضلِ العبَّاس عليه السلام وعليٍّ الأكبر عليه السلام، فهناكَ ينتهي الأمرُ ولا مجالَ للتفكيرِ أصلًا! ولكن في وقتٍ ما تكونُ المسألةُ محلَّ شبهاتٍ مثلَ شربِ الخمر، فهنا لا فرقَ بين الغيرِ وابنِ المرحوم العلامة رضوان الله تعالى عليه، فهو حرام.

  • كان بعضُ الأفرادِ يقولون: نحنُ لا نتدخَّلُ في هذه المسائل. هذه مسائلُ نتركُها لهم. طبعًا، كانوا يقولون كلامًا خاطئًا جدًّا! لأنّ هذه المسائلَ لم تكن شخصيَّةً لكي تتدخَّلوا أو لا تتدخَّلوا! فالمسألةُ هي مسألةُ مدرسةٍ وعقيدة. تارةً تكونُ المسألةُ شخصيَّةً وشجارًا عائليًّا، في هذه المسائلِ لدينا كلا الطرفين ويجبُ أن نُصلحَ بينهما لتُحَلَّ المشكلة. ولكن هنا المسألةُ هي مسألةُ اختلافٍ في المدرسة! أنتَ مخطئٌ في تنحِّيك! فإذا فعلتَ هذا، فسيجعلُكَ اللهُ بائسًا! في الواقعِ أنتَ تتنحَّى عن الحقّ!

  • هل لو حدثت مثلُ هذه القضيَّةِ في زمنِ المرحوم العلامة رضوان الله تعالى عليه لكنتَ على الحالِ نفسِه؟! الآن فهمتَ أنّكَ حتَّى في زمنِ المرحوم العلامة كنتَ على المجاز؟! في ذلك الوقتِ أيضًا، كنتَ ترى المرحوم العلامة بلحيتِه وعمامتهِ الكبيرةِ وعصاه! جسدُ المرحوم العلامة يدخلُ القبرَ ويهترئُ ويتحوَّلُ إلى ترابٍ ويفنى، ولكنَّ كلامَ العلامةِ حيّ، وذلك الكلامُ وتلك المدرسةُ هما المهمَّان. أنتَ الذي رأيتَ الحقَّ، لماذا لم تدافعْ عن مدرسةِ المرحومِ العلامة؟! الآن ما الفرقُ أن أكونَ أنا القائلَ بهِ أو زيدُ بنُ أرقم؟!

  • إذن، قولُ بعضِ الأفراد: لا علاقةَ لنا بهم وأمرُهم يعنيهم، هو عينُ الباطلِ مائةً بالمائة! إذا دخلتَ في المسألةِ وتدخَّلتَ، فماذا سيحدث؟ ستفنى حياتُك؟ فلتفنَ. ستفقدُ عملَك؟ فلتفقده. لن تفقده؟ فلا تفقده. هنا شخصي ليس هو المطروح. الكلامُ الذي يُقالُ والحديثُ الذي يُذكَر، هو الذي يجبُ أن يكونَ المطروح. الآن، فليغضبِ ابنُ العلامة، فليغضب. ما الفرقُ بينَه وبين بقيَّةِ الأفراد؟! هو أيضًا لديهِ الدمُ نفسُه والكريَّاتُ والبلازما التي لديهم. ابنُ العلامةِ له رأسٌ وقامةٌ وهيئةٌ ويدانِ وقدمان، حسنًا، الآخرون لديهم أيضًا. المخُّ والأعصابُ والأوعيةُ التي لدى الآخرين، لديهِ هو أيضًا ولا يختلفُ عن بقيَّةِ الأفراد. إذا تعرَّضَ خطرٌ للمنتسبين إلى المرحومِ العلامة، ألا تذهبون وتدفعون ذلك الخطر؟! لماذا الآن وقد حدثَ هذا الخطر، تنحَّيتم جانبًا؟! لماذا سمحتم بصمتِكم أن يغوصوا أكثرَ ويتأذَّوا أكثرَ ويزدادَ عبؤُهم أكثر؟!

حقيقة الحلم الإلهي وشروطه - اعرف الحق تعرف أهله

14
  • زوالُ معيارِ الظاهرِ لمعرفةِ الحقّ

  • يجبُ ألَّا يكونَ معيارُنا هو معيارَ الظاهرِ فقط! لأنّه بمرورِ الزمن، يزولُ ذلك المعيار، وعندما يزولُ الظاهر، يزولُ هو أيضًا. أولئكَ الذين كانوا مع ظاهرِ المرحوم العلامة رضوان الله تعالى عليه، برحيلهِ فُقِدَ ذلك المعيارُ أيضًا. وأولئكَ الذين كانوا مع مِلاكِهِ وباطنهِ، حافظوا على ذلك المِلاكِ بعدَ وفاتهِ ولم يزلْ ذلك المِلاك.

  • منذ خلقِ آدمَ عليه السلام، بل قبلَ خلقِ آدمَ وقبلَ خلقِ الكرةِ الأرضيَّةِ والسماوات، كانت اثنان زائد اثنين تساوي أربعة، والآن أيضًا اثنان زائد اثنين تساوي أربعة. وحتَّى لو ظهرَ إمامُ الزمانِ عليه السلام، فاثنان زائد اثنين ستساوي أربعة. ولو قامتِ القيامةُ أيضًا، فاثنان زائد اثنين تساوي أربعة، ولو أرادَ اللهُ أن تصبحَ خمسةً فلن تصبح! هذا هو الشيءُ نفسُه الذي كان يبحثُ عنه الأعاظمُ ولكنّه للأسفِ ليسَ فينا! يجبُ علينا أن نقوِّيَ هذه المسألةَ في أنفسِنا. لماذا تنظرون إليَّ؟! لماذا تنظرون إلى الغير؟! انظروا إلى الموضوعِ واكتسبوا الموضوعَ وتعلَّموه. اكتسبوا المعيار، فهو المهم. أنا اليومَ هنا وغدًا أرحل. مع هذه الأمراضِ الجديدةِ والسرطانِ والإيدزِ والحوادثِ وسائرِ الأمراضِ والابتلاءات، لا يدري الإنسانُ كم سيعيش. من لديهِ أملٌ في أن يبقى حيًّا؟! فجأةً يشعرُ شخصٌ بألمٍ في مكانٍ من جسدهِ فيقولون: سرطان، انتهى الأمرُ ورحل! وهكذا يموتُ أفرادٌ مختلفون بسببِ هذه البلايا. أيُّ اطمئنانٍ لدينا بأنَّنا سنبقى؟!

  • حينها تكونُ الخسارةُ للإنسانِ هنا، أن يرى أنّه قد جرَّبَ زمنَ المرحومِ العلامة، وجرَّبَ أيضًا الزمنَ الذي بعده، ولكن كلَّه ذهب! إلى متى يجبُ على المرءِ أن يجرِّبَ ويقضيَ وقتَه هكذا في التجربة؟! ألا يجبُ على الإنسانِ أن يستفيدَ من التجربةِ وأن يطبِّقَ هذه التجربةَ يومًا ما؟!

  • كان الحديثُ عن حِلمِ اللهِ إزاءَ الشرك. وقلنا إنّ هذا الحِلمَ الذي يحمدُ الإمامُ السجّادُ عليه السلام اللهَ عليه، ليس هو الحِلمَ القائمَ على الغضبِ والقهر؛ لأنّ ذلك الحِلمَ لا يستوجبُ الحمد، أي أنّ الإمامَ السجّادَ عليه السلام لا يقول: الحمدُ للّهِ الذي يعذِّبُنا! طبعًا، هناك حِلمٌ أيضًا يعودُ إلى الجمال، وإن شاء اللهُ إذا وفَّقَ الله، سنتحدَّثُ عنه في المجلسِ القادم.

حقيقة الحلم الإلهي وشروطه - اعرف الحق تعرف أهله

15
  • الذنوبُ القائمةُ على الأنانيَّةِ لا يشملُها الغفرانُ الإلهي

  • الذنوبُ التي نرتكبُها وفيها جانبُ الأنانيَّةِ والاستكبارِ والتظاهرِ والتفرعنِ والإنِّيَّة، لن تنالَ عفوَ اللهِ ومغفرتَه، وعلى الإنسانِ أن يفكِّرَ في حلٍّ لهذه الذنوب. أمّا تلك الذنوبُ التي تكونُ عن غفلةٍ وجهالةٍ وعدمِ فهمٍ وبسبب سن الشباب والطفولة، فتنالُ غفرانَ اللهِ ومغفرتَه. حتَّى إنّ اللهَ يقولُ عن فرعونَ الذي ادَّعى الألوهيَّةَ في وجهه: اذهبا وتكلَّما معه. لقد قالَ عن جهل: ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى﴾۱. هو أصلًا لا يعرف من هو الله! أمّا أولئكَ المتعلِّمون الذين وقفوا في وجهِ الحقِّ ولم يتنازلوا بأيِّ بيان، فمسألتُهم صعبةٌ جدًّا والقضايا عجيبةٌ جدًّا!

  • سببُ تغيُّرِ وضعِ حوزةِ النجفِ في كلامِ العلامةِ الطهراني

  • يوجدُ تسجيلٌ صوتيٌّ للمرحومِ العلامةِ رضوان الله تعالى عليه قبلَ وفاتهِ بسنتين أو ثلاث، يشرحُ فيه لماذا أصبحت حوزةُ النجفِ العلميَّةُ على هذا النحو. كان يقول: «أولئكَ الذين وقفوا في وجهِ أميرِ المؤمنين عليه السلام وحاربوا أميرَ المؤمنين بنفسِ سلاحِ أميرِ المؤمنين، وحاربوا الإمامَ بنفسِ هذا الفقهِ والأصولِ والاصطلاحاتِ والصِّيَغ، يجبُ أن يُحاسَبوا! ذلك الذي يقول: "إذا اقتضت المصلحة، يجبُ على الإنسانِ أن يعملَ خلافَ رضا الله"، يقفُ في وجهِ أميرِ المؤمنين عليه السلام وهو من يقفُ في وجهِ الولاية! ذلك الذي يطردُ السيِّدَ حسن المسقطيَّ من النجفِ بتهمةِ قولِ التوحيد، يقفُ في وجهِ أميرِ المؤمنين! من كان السيِّدُ حسن المسقطيُّ وإلى أيِّ شيءٍ كان يدعو؟! هل كان يدعو إلى الدنيا ومالِ ومنالِ الدنيا؟! كان يدعو إلى اللهِ والإمامِ والولايةِ ويقول: اذهبوا نحو اللهِ وكُفُّوا عن الكذبِ والبهتانِ وكُفُّوا عن التحزُّبِ والمحسوبيَّةِ وتشكيلِ العصاباتِ والمجالس، وتعالوا جميعًا وكونوا واحدًا، ودعوا هذه المرجعيَّةَ وتلك المرجعيَّةَ جانبًا!

  • ألا يمكنُ أن يُقالَ هذا الكلام؟! هم يقولون: لقد درسنا كلَّ هذا، فهل نأتي الآن ونجعلُ ميزانيَّةَ شهريَّتِنا واحدةً مع ميزانيَّةِ شهريَّةٍ أخرى؟! إذن ما فائدةُ أن نصبحَ آيةَ الله؟! لقد تعبنا كلَّ هذا التعبِ ودرَّسنا الرسائلَ والمكاسبَ والكفايةَ لسنواتٍ حتَّى أصبحنا في النهايةِ مراجعَ تقليد، فهل نودعُ الآن الحقوقَ الشرعيَّةَ في حسابٍ واحدٍ ويذهبُ الجميعُ ليأخذوا من مكانٍ واحدٍ ولا يكونَ لنا اسمٌ ولا رسم؟! هذا غيرُ ممكن! هؤلاءِ هم الذين يقفون في وجهِ أميرِ المؤمنين وإمامِ الزمانِ عليهما السلام وعليهم أن يُحاسَبوا لاحقًا! وهذا الحِلمُ من اللهِ يشملُهم».

    1. سورة النازعات (۷٩) الآية ٢٤.

حقيقة الحلم الإلهي وشروطه - اعرف الحق تعرف أهله

16
  • نقرأُ في دعاءِ الافتتاح: «وَأَشَدُّ المُعَاقِبِينَ فِي مَوْضِعِ النَّكَالِ وَالنَّقِمَةِ»۱؛ اللهُ في موضعِ النَّكالِ والنَّقمة، هو أشدُّ المعاقبين. «أشدُّ» هي أفعلُ تفضيل؛ أي لا يوجدُ ما هو أعلى وأشدُّ منها!

  • تسليمُ سحرةِ فرعونَ أمامَ الحقّ

  • هذه الفقرةُ ليست موجَّهةً للمشركين والذين يعبدون البقرَ أو الغنم، بل هي موجَّهةٌ لِشِرْكِ النفس؛ أي أولئكَ الذين يقفون في وجهِ اللهِ ويتَّخذون موقفًا من الحقِّ عنادًا وجحودًا، ولا يخضعون ويخرُّون للحقِّ عندَ رؤيته. وإلَّا فاللهُ رحيمٌ حتَّى بفرعون، ولكنّه هو لم يُرِد. عندما جاءَ موسى عليه السلام ورأى معجزةَ الثعبانِ وفهمَ أنّها ليست سحرًا وأنّ هذا الأمرَ حقّ، بدأ العدُّ التنازلي. جمعَ فرعونُ كلَّ السحرةِ وأتوا. كان السحرةُ متخصِّصين جدًّا وخبراء، وكانوا أناسًا صافي القلوب وأنقياء، وعندما رأوا أنّ هذا الأمرَ لا ينسجمُ مع السحر، سلَّموا.

  • يا فرعون، الآن وقد كان كلُّ سلاحِكَ هؤلاءِ السحرة، وأتيتَ بكلِّ ما لديك، وأنتَ نفسُكَ لا تملكُ يدًا بيضاء، فالآن وقد سلَّم السحرة، فتعالَ أنتَ أيضًا وسلِّم! هنا اتَّضحَ الحقُّ ولكنَّ الشركَ جعلَه يقفُ في وجهِ الله. قال للسحرة: «لماذا آمنتم قبلَ أن آذنَ لكم؟!»

  • قالوا: «حتَّى الآن كنَّا مخلصين لك وخدمًا لك، ولكنَّ الآن لم يعدِ الأمرُ كذلك وقد آمنَّا بموسى. حتَّى الآن كنَّا نقبلُ كلَّ ما تقوله، ولكنَّ الآن قد اتَّضحَ لنا الحقُّ ولا نحتاجُ إلى إذنِك! وأنتَ أيضًا يجبُ أن تسلِّمَ للحقّ». 

  • قال فرعون: «لا!». لقد رأى الحقَّ وأنكرَه وأشركَ. ثمّ قال للسحرة: ﴿لَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ﴾٢

  • قالوا: «اصلبْنا واقتلْنا وافعلْ ما تشاء!» ﴿آمَنَّا بِرَبِّنَا﴾٣ لقد آمنَّا. من هنا بدأ العدُّ التنازليُّ لفرعون!

  • حِلمُ اللهِ تجاهَ نمرود

  • لدينا روايةٌ عجيبة: عندما حدثت قصَّةُ إبراهيمَ عليه السلام مع نمرود، قال نمرود: «ابنوا لي سلَّمًا لأصعدَ وأضربَ ذلك الإلهَ الذي في الأعلى بسهمٍ وأتخلَّصَ من شرِّ إلهِ إبراهيم!». وعندما رمى السهم، قال اللهُ لملائكته: «أحضروا سمكةً وأمسكوها في الأعلى حتَّى يصيبَها السهم، وهذا الدمُ الذي يسيل، ليتصوَّرَ أنّه قد ضربَ اللهَ بالسهمِ ولا يخيبُ عبدي ويخسر». يعني حتَّى مع نمرود، الأمرُ هكذا، حيثُ يقولُ الله: أنا لا يطاوعُني قلبي أن يخسرَ عبدي هذا، وعلى الأقلِّ عندما يضربُنا بسهمٍ في خيالهِ، فليصطدمْ بشيءٍ ويسيلْ دمٌ ليتصوَّرَ أنّه قد ضربَنا بالسهم٤.

    1. زاد المعاد، ص ۸۷، 
    2. سورة طه (٢۰) الآية ۷۱.
    3. سورة طه (٢۰) الآية ۷٣.
    4. بحار الأنوار، ج ۱٢، ص ٤٣ و ٤٤.
      روي علي بن إبراهيم القمي في تفسيره ما يلي (بتصرف بسيط لتوضيح المعنى): "إن نمرود بنى صرحاً (برجاً) في بابل، وكان طوله في السماء خمسة آلاف ذراع، وأراد أن يصعد إلى السماء ليقاتل أهلها - بزعمه -. فجلس في تابوت ورُبط بأربعة نسور رُبِّيت باللحم، فطارت به حتى بلغ مبلغاً سمع فيه أصوات الملائكة، فخاف ورمى بسهم نحو السماء، فرد الله سهمه وهو ملطخ بدم سمكة أصابها في الجو، فقال نمرود: كفيت إله إبراهيم".

حقيقة الحلم الإلهي وشروطه - اعرف الحق تعرف أهله

17
  • ولكن ما هي المسألة؟! حسنًا، اللهُ لا ينظرُ إلى أنَّكَ رميتَ سهمًا أو أنّ فرعونَ قال: ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى﴾، يقولُ الله: قولوا ما شئتم، أنتم تضيِّعون وقتَكم وعمرَكم! كنْ مثلَ أميرِ المؤمنين عليه السلام وبدلًا من أن تقول: ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى﴾ قُلْ: «إِلَهِي كَفَى بِي عِزًّا أَنْ أَكُونَ لَكَ عَبْدًا وَكَفَى بِي فَخْرًا أَنْ تَكُونَ لِي رَبًّا...»۱، فلماذا لا تقولُ هذا؟! هذا ليسَ بالأمرِ الصعب، غيِّرْ كلامَكَ واستبدلِ الربوبيَّةَ بالعبوديَّة، وحينها انظرْ ما الذي ستحصلُ عليه! تشيرُ فينشقُّ القمرُ نصفين، تشيرُ فترجعُ الشمس. ولكنَّكَ تقول: لا، نحنُ باقون على كلامنا! حسنًا، ابقَ هكذا حتَّى تخرجَ روحُك! في النهاية، عندَ الرحيل، يتَّضحُ أنّه كان من الجيِّدِ لو أنّ الإنسانَ أعادَ النظرَ قليلًا في اعتقاداتهِ ومبانيه!

  • «دَفْتَرْ تَمَامْ گَشْتْ وَ بِه آخَرْ رَسِيدْ عُمْرْ***مَا هَمْچِنَانْ دَرْ اَوَّلِ وَصْفِ تُو مَانْدَه اِيمْ» 
  • يقول:

  • انتهى الدفترُ ووصلَ العمرُ إلى نهايتهِ *** ونحنُ ما زلنا في بدايةِ وصفِكَ 

  • إن شاء اللهُ، إذا وفَّقَ الله، ستكونُ تتمَّةُ هذه الأحاديثِ للمجلسِ القادم.

  •  

  • اللهمَّ صلِّ على محمَّدٍ وآلِ محمَّدٍ

    1. کنزالفوائد، ج ۱، ص ٣۸٦. بحار الأنوار، المجلد ۷٤، صفحة ٤۰۰.
      «إِلَهِي كَفَى بِي عِزّاً أَنْ أَكُونَ لَكَ عَبْدًا، وَكَفَى بِي فَخْرًا أَنْ تَكُونَ لِي رَبّاً. إِلَهِي أَنْتَ كَمَا أُحِبُّ فَاجْعَلْنِي كَمَا تُحِبُّ»