3

النيّة وباطن العمل

حلم الله عن العاصين: رحمة أم استدراج؟

4
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمدعاء أبي حمزة الثمالي

المجموعةسنه 1421

التاريخ 1421/09/05


التوضيح

ما هي أصناف الناس من حيث ظاهرهم وباطنهم؟ وكيف نميّز بين المؤمن الصادق والمنافق المتظاهر بالصلاح؟ ما هو المعيار الحقيقي لقبول الأعمال؟ ومتى يكون حلم الله عن العبد سببًا في هلاكه بدلاً من نجاته؟ تُجيب هذه المحاضرة التي ألقاها العلامة السيد محمّد محسن الحسينيّ الطهراني قدّس سرّه عن هذه الأسئلة، مستشهدة بقصص وعبر من التاريخ وسيرة أهل البيت عليهم السلام.

/۱٤
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

النيّة وباطن العمل - حلم الله عن العاصين: رحمة أم استدراج؟

1
  •  

  • هوالعلیم

  •  

  • النيّة وباطن العمل 

  • حلم الله عن العاصين: رحمة أم استدراج؟ 

  •  

  • شرح دعاء أبي حمزة الثمالي - سنة ۱٤٢۱ هـ - الجلسة الثالثة

  •  

  • محاضرة القاها

  • آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدّس الله سره

  •  

  •  

النيّة وباطن العمل - حلم الله عن العاصين: رحمة أم استدراج؟

2
  •  

  •  

  • أعوذُ بِاللَهِ مِنَ الشَّیطانِ الرَّجیم‌ 

  • بِسمِ اللَهِ الرَّحمَنِ الرَّحیم‌ 

  • وصلَّی اللَه عَلَی سیدنا ونبینا أبی‌القاسم مُحَمّدٍ

  • وعلی آله الطّیبین الطّاهرین 

  • واللعنة عَلَی أعدائِهِم أجمَعینَ‌ 

  •  

  •  

  • «وَالحَمدُ للّه الّذي یَحلُم عَنّي حَتی کأنّي لاذَنبَ لي».

  • ذكرنا في المجلس الماضي أنّ لأعمال الإنسان جانبين: 

  • أحدهما: جانب الخَلق والشهادة والظهور والبروز، وهو الجانب التي نتعامل معه، وربما نضع معيار الحُسن والقُبح على أساسه، فإذا قام إنسان بعملٍ وكان عمله من وجهة النظر الظاهريّة ذا صلاحٍ ظاهر، حكمنا بصلاح صاحبه، وإذا كان ذا ظاهر غير وجيه وغير مستحسن، حكمنا بقبح فاعله وعدم استحقاقه.

  • [والجانب الآخر: جانب الأمر والغيب والباطن والنيّة.]

  • تصنيف الناس على أساس المعايير الظاهرية والباطنية في كلام العلامة الطهراني

  • كان المرحوم العلامة رضوان الله تعالى عليه يقول: ينقسم الناس إلى أربع فئات ـ وبالطبع، توجد روايات تحمل المضمون نفسه، ولكن ليست بهذه الصراحة ـ: 

  • الفئة الأولى: هم الذين بواطنهم حسنة وظواهرهم أيضًا حسنة. هؤلاء في أعلى المراتب، وبتعبير آخر، لا كلام أو مشكلة فيهم. 

  • الفئة الثانية: هم الذين ظواهرهم وأعمالهم مستهجنة وقبيحة، وبواطنهم أيضًا خبيثة ومكدّرة وظلمانيّة. وهؤلاء أيضًا من الطرف الآخر في أعلى المراتب! 

  • الفئة الثالثة: هم الذين ظواهرهم غير وجيهة، وينجزون أعمالهم بعجلة شديدة، وعندما يرى الإنسان أعمالهم لا تعجبه كثيرًا ويقول: لماذا يتصرّفون هكذا؟! ما هذا الخلق والتعامل الذي لديهم؟! لماذا يتحدثون بهذه الطريقة؟! هؤلاء الأفراد ظواهرهم مضطربة هكذا ولكنهم طيّبو الباطن ويتمتّعون بالصفاء.

  • كان هناك رجل في ذلك الزمان يأتي إلى المدينة كل يوم، وعندما يكون النبيّ صلّى الله عليه وآله في المسجد، يدخل المسجد ويرى النبي، وكان النبي أيضاً يوجّه إليه بعض الإشارات ثمّ ينصرف. واستمرّ الأمر على هذا النحو لفترة طويلة.

  • مضت مدّة ولم يعد هذا الرجل يأتي إلى المسجد. فسأل النبيّ صلّى الله عليه وآله عنه ذات يوم وقال: هذا الرجل الذي كان يأتي إلى المسجد كلّ يوم ونراه، لماذا لم يأتِ؟! فقالوا: يا رسول الله، لقد توفي منذ عدّة أيام. ويبدو أن النبي لم يُبلَّغ بوفاته، فقد تُوفي وقام المحيطون به بدفنه. فكما هو معلوم من الأخبار، أنه في ذلك الوقت لم يكن يُخبَر النبي بكلّ من يتوفّى. فمثلاً، إذا توفّي رجل في القبائل على أطراف المدينة، كانوا يدفنونه هناك وينتهي الأمر. أما إذا توفي من هم معروفون، فكانوا يحضرونهم إلى المدينة ويُعلِمون النبيّ بوفاتهم.

النيّة وباطن العمل - حلم الله عن العاصين: رحمة أم استدراج؟

3
  • فأبدى النبيّ أسفاً شديداً وقال: «عجباً! رحمه الله»! فقال الناس: يا رسول الله، إنّ هذا لم يكن مستقيماً تماماً، وربما كان ينظر إلى ما لا يحلّ له! فلم يثنِ الناس عليه كثيراً.

  • فقال: «لو كان "بائع عبيد"، لغفر الله له بسبب المحبّة التي كان يكنّها لي».۱

  • إنّ كلام النبي هذا يدل أولاً على مدى قُبح "تجارة العبيد"، وأن الإسلام لا يريد تجارة العبيد ولا العبوديّة.

  • وثانياً: يفيد أنّ هذا الرجل كان عمله الظاهري بسبب هوى النفس ووسوسة الشيطان، ولم يكن يقوم به عن "عناد" أو "غرض" أو "لجاج" أو "استكبار".

  • ولكن في المقابل، كان "باطنه" باطنًا طاهرًا، وكان يحبّ النبيّ ويعشقه، وكان متعلّقاً به ومُحبًّا له! ولم يكن يريد أن يتخلّى عنه، وإن كان يرتكب خطأً بين الحين والآخر!

  • الفئة الرابعة: هم الذين لديهم ظاهرٌ مزيّن وحسن، ولكنّ باطنهم مكدّر. وهؤلاء هم المنافقون، وفي رأيي هم أسوأ من الفئة الثانية؛ لأنّهم بهذا العمل الظاهري يخدعون الناس ويسبّبون الخطأ لجمع من الناس. فهذا الإنسان يُظهر المحبّة ولكن لغرض ما. فلكي يصل إلى مطلوبه، يقرّب نفسه من الإنسان، وعندما لا يصل إلى ذلك المطلوب، ينبذ كلّ شيء فجأة! أما أولئك الذين أعمالهم غير لائقة من البداية، فإنّ الإنسان يصحّح تعامله معهم من البداية ويعرف كيف يتعامل معهم. إنّ المنافقين لا يقتربون من الإنسان إلا للوصول إلى مطلوبهم؛ لا أنّهم يريدون أن يتقرّبوا من الإنسان، بل لأنّهم يشعرون أنه قد يكون هناك نفعٌ لهم، فيقتربون! فما دام هناك نفع يأتون، وعندما يرون أن ما يبتغونه غير متوفّر، يذهبون إلى مكان آخر.

  • قيمة عمل الإنسان في ملكوته

  • بناءً على ذلك، فإن ملكوت عمل الإنسان يشكّل الجانب الذي يعطي القيمة لفعله. فإن كان الإنسان ذا خُبث باطن، فإنّ فعله يكون كذلك أيضًا. فلنختبر أنفسنا الآن، فمثلًا لو أتى صديق إلى منزلك وأنت تعلم أنه يقول الصدق، فإنك تستقبله وتدخله إلى البيت. ولكن لو أتى آخر إلى منزلك وقال: "لقد أتيت لأراك"، وأنت تعلم أنّه أتى لغرض ما وإلا لما أتى إلى منزلك أصلاً، فماذا تفعل؟ في البداية يقول: "لقد اشتقت إليكم كثيرًا! كان قلبي يطير شوقًا إليكم! منذ مدّة كان في وجودي اشتعالٌ لكي آتي وأزوركم!" ولكنّه عند الذهاب يقول: "كنت أريد أن أطرح عليكم موضوعًا، لقد طرأت مشكلة وأحتاج إلى مليون تومان، وبالطبع لا أريد أن أسبّب لكم مشقّة، فإن كنتم تعرفون مكانًا يمنح قرضًا حسنًا فأخبروني". عندما يطرح حاجتهم، يغادر، ثمّ ترى أنّه لا خبر منه بعد ذلك! أمثال هذا هم المنافقون. والمنافق هو إنسان يخفي جانبه الأمريّ والباطنيّ خلف صورة وجيهة وجميلة! في زمان الشاه، كان الكثير من رجال السافاك (جهاز الأمن) يأتون إلى مسجد القائم ليروا ما الخبر هناك وماذا نفعل؛ فمثلًا هل لدينا حزب أو جماعة أم لا. كانوا يطلقون اللحى ويرتدون العباءة أيضًا ويأتون إلى المسجد، ومنذ دخولهم حتّى خروجهم من المسجد، كانوا يمسكون بكتاب مفاتيح الجنان بأيديهم، وكنا نرى أنّ أنظارهم تتّجه نحو المفاتيح؛ الآن لا أدري أكانوا يقرؤون شيئًا أم لا! كانوا ينظرون باستمرار هنا وهناك، وأحيانًا يسألوننا مسائل شرعيّة. في أحد الأيام، جاء أحدهم وسأل مسألة وقال: «ما رأيكم في هذه المسألة؟» قلت: جواب المسألة هو كذا. قال: «ما رأي السيّد في هذه المسألة؟» فهمت أنّه يقصد السيّد الخميني. فقلت: السيّد أيضًا رأيه هذا. فظنّ أنّني لم أفهم مراده، فقال: «أقصد حضرة آية الله الخميني». فقلت: قل من البداية إنّك تقصد رأي آية الله الخميني. فقلت له: اذهب واسأل من أرسلك! فذهب هذا الرجل ولم يعد. وبعده جاء رجل آخر، وكانوا يغيّرون أماكنهم باستمرار. فالسيّد مرتضى، وهو أحد الرفقاء ـ حفظه الله وهو الآن في مشهد ـ كنت أنا وهو نضايق هؤلاء الأفراد كثيرًا ونستخرج أرواحهم ونجعلهم يضجرون! كان السيّد مرتضى يقول: ذات مرّة دخلت المسجد ورأيت ررجلاً يدخل المسجد بعدي ويأتي إلى جانبي ويبدأ بالصلاة. وعندما انتهيت من صلاتي، جمعت عباءتي وسجّادتي وخرجت لأذهب بالدراجة النارية. ذلك الشخص أيضًا انتظر قليلًا ورأى أني ركبت الدراجة لأذهب، فقام هو أيضًا وخرج. وعندما خرج، عدت أنا مرّة أخرى إلى داخل المسجد! فوقف هكذا ولم يكن يعرف ماذا يجب أن يفعل حينها! كان أحد رجال السافاك هؤلاء يأتي باستمرار إلى المسجد ويسألنا وكان يقول دائمًا "السيد" ونحن أيضًا كنا نقول "رأي السيد هو هذا!". وكان دائمًا منشغلًا بالدعاء والمناجاة والبكاء و"إلهي العفو"، وفي ليالي الإحياء كان بكاؤه أعلى من الجميع وكان صوت بكائه يرتفع أكثر من الكل. كان يوصيني كثيرًا ويقول: «اعرفوا قدر أبيكم هذا، فلا يوجد مثله» وكان قد أطلق لحيته أيضًا! في إحدى الليالي كنت جالسًا في سيارة أجرة وكنت أعبر ميدان الشهداء ـ كان اسمه في ذلك الوقت ميدان جاله ـ، وفجأة رأيت سيارة توقفت بجانبنا. في هذه السيارة كانت هناك أربع أو خمس نساء غير محجبات، وذلك بوضع غير لائق، ولم يكن السائق يراني. نظرت فرأيت أنه هذا العظيم نفسه الذي يسألني المسائل في المسجد. فقلت لسائق الأجرة: تقدّم، لديّ عمل مع هذا السائق في تلك السيّارة. فتقدّم، فقلت له: سلام عليكم، كيف حالكم؟ فذهب ولم يأتِ إلى المسجد بعد ذلك! كان المرحوم العلامة رضوان الله تعالى عليه يقول: منذ وقت طويل جدًّا، كان أحد هؤلاء الذين كان مظهرهم خادعًا جدًّا، يأتي إلى المسجد لمدة طويلة ويتحدّث معي ويسأل المسائل. وفي جلسة التفسير كان يجلس في المقدمة، لدرجة أنه أدخلنا في شكّ حول ما إذا كان لديه مسألة حقًا أم لا؟ فعلى أي حال، كان الكثير من الذين يأتون أفرادًا ناضجين وذوي خبرة ولم يكونوا عديمي التجربة! ومرت هذه القضية وبقينا نحن في شك، وكأنّ إلهامًا كان يأتينا باستمرار بأن نحذر من هذا الرجل. عندما تشرّف المرحوم السيد الحداد بزيارة إيران وتشرّفنا بالذهاب إلى مشهد برفقته ووقبّلنا عتبة عليّ بن موسى الرضا، في إحدى الليالي دُعينا إلى مدرسة آية الله الميلاني رحمة الله عليه، وكان هناك أفراد آخرون قد جاءوا. في تلك الليلة، كان رجال السافاك قد حاصروا المدرسة بأكملها وكانت جميع التحرّكات مراقبة، وكانت ليلة عجيبة جدًّا! مرّت هذه القضيّة وعدنا إلى طهران. وبعد بضعة أيام، أتى هذا الرجل الذي كان يأتي إلى المسجد ـ وكان من أهل السؤال والإشكال والبحث ـ مرّة أخرى وقال: «زيارة مقبولة! تقبّل الله أعمالكم إن شاء الله!» ثمّ فجأة في أثناء حديثه قال: «بمن التقيتم حين كنتم هناك؟» 

    1. الكافي ج۸ ص ۷۷: عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «كان رجل يبيع الزيت وكان يحبّ رسول الله صلى الله عليه وآله حبًّا شديدًا كان إذا أراد أن يذهب في حاجته لم يمض حتى ينظر إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وقد عرف ذلك منه فإذا جاء تطاول له حتى ينظر إليه، حتى إذا كانت ذات يوم دخل عليه فتطاول له رسول الله صلى الله عليه وآله حتّى نظر إليه ثمّ مضى في حاجته فلم يكن بأسرع من أن رجع فلما رآه رسول الله صلّى الله عليه وآله قد فعل ذلك أشار إليه بيده إجلس فجلس بين يديه فقال: مالك فعلت اليوم شيئا لم تكن تفعله قبل ذلك؟ فقال: "يا رسول الله والذي بعثك بالحق نبيا لغشى قلبي شئ من ذكرك حتى ما استطعت أن أمضي في حاجتي حتى رجعت إليك"، فدعا له وقال له خيرا ثم مكث رسول الله صلّى الله عليه وآله أياما لا يراه فلما فقده سأل عنه فقيل: يا رسول الله ما رأيناه منذ أيام فانتعل رسول الله صلى الله عليه وآله وانتعل معه أصحابه وانطلق حتى أتوا سوق الزيت فإذا دكان الرجل ليس فيه أحد، فسأل عنه جيرته فقيل: يا رسول الله مات ولقد كان عندنا أمينا صدوقا إلا أنه قد كان فيه خصلة، قال: وما هي؟ قالوا: كان يرهق  - يعنون يتبع النساء - فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: رحمه الله والله لقد كان يحبني حبًّا لو كان نخاسًا لغفر الله له.»

النيّة وباطن العمل - حلم الله عن العاصين: رحمة أم استدراج؟

4
  • فقلت له: هل أنت محقّق؟! 

  • قال: «لا» 

  • قلت: فلماذا تسأل مع من التقيت إذن؟! كان هذا هو نفسه الذي أوقعنا في الخطأ ولم يكن هناك أي فرق بينه وبين شخص ظاهر الصلاح، مؤمن، متديّن، ملتزم ومتعهّد. ولكنّه كان من الذين يعملون في منظمة الأمن (السافاك)! في النهاية، من الطبيعي أن تكون منظّمة أمنية هكذا، لأنه في هذا البلد يعيش أفراد مختلفون من معمّمين ورجال دين ومراجع تقليد وتجّار، ويجب على هذه المنظمة أن تدير الجميع بطريقة ما وتتعامل مع الإنسان بحيث لا يجد أيّ شكّ أو شبهة، ولا يتردّد في أنّ هذا الرجل قد جاء حقًّا وهو مسلّم وليس لديه أيّ غرض ويريد فقط أن يسير في طريق الله! 

  • وفي ذلك العهد السابق، كان هناك رجل يأتي إلى المسجد ويقول لي: «لقد شاهدت هذا الأمر و لديّ عن والدكم هذه الأمور» فكنّا نتعامل معه بحذر. وعندما رأى أنّنا لا نوليه اهتمامًا كبيرًا، بدأ بطريقة جديدة وأخذ شيئًا فشيئًا يروي لي أحلامه ومكاشفاته! فرأيت أنه لا ينبغي لي أن أسكت هنا، وعندما كان يروي أحد هذه الأحلام، أمسكت به متلبسًا وقلت له: منامك هذا غير صحيح لهذا السبب. فاذهب يا عزيزي، ليس هنا مكان لهذا الكلام! لا يوجد من هذه الأخبار هنا! فهذه الأمور التي لديك تخص أماكن أصحاب الادعاءات والدكّاكين الأخرى. في هذه المجموعات يوجد كلّ شيء، أفراد بمظهر مزيّن وعلم ولديهم أحلام ومكاشفات ولكن خلف الستار هناك خداع وخيانة ونفاق! تخاطب الآية الشريفة النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله فتقول: ﴿فَلَعَرَفتَهُم بِسِيمَٰهُم وَلَتَعرِفَنَّهُم فِي لَحنِ ٱلقَولِ﴾۱؛ يا رسول الله، أنت تميّز المنافقين من وجوههم وسحناتهم، وتعرف هل هم مخادعون أم صادقون، تميّزهم من وجوههم ومن لحن القول وكيفيّة كلامهم! وليس المقصود بلحن القول أنّ هناك أمورًا متناقضة في كلامهم، بل عندما يتحدّثون معك، فمن كيفيّة التكلم والكلام نفسه ـ حتى لو قرأوا آية من القرآن وهي لا شيء أعلى منها ـ فأنت تميّز أنّ هذا التكلّم هو تكلّم منافق، ولم ينبع من صدق طينة وصفاء ضمير! وبطبعًا، ليس الأمر بحيث يستطيع أي شخص أن يميّز!

    1. سورة محمد (٤۷) الآية ٣۰.

النيّة وباطن العمل - حلم الله عن العاصين: رحمة أم استدراج؟

5
  • النيّة والضمير الباطن معيار حسن عمل الإنسان

  • إذن، قيمة عمل الإنسان وحسنه ليسا بالعمل الظاهر، بل يعودان إلى النيّة والضمير الباطن. فإذا كان الباطن صافيًا، فإنّ العمل الذي يقوم به الإنسان يكون مقبولاً، وإن لم يكن الباطن صافيًا، فإنّ ذلك العمل لا يكون مقبولاً. وما ذكرته في جلسة عنوان البصري قبل شهر رجب من أن الله لا يقبل صلاة وصيام الذين يحملون في قلوبهم شيئًا على إخوانهم المؤمنين، هو بسبب هذه المسألة. لأنّ طريق الله لا ينسجم مع النفاق والرياء! طريق الله لا ينسجم مع الصفقات والطرد وتشكيل الأحزاب والإقصاء وجذب الأمور إلى هذا الطرف أو ذاك! فعندما يكون في الباطن علّة، فلو صلّيت ألف عام وصمت، فلن تتقدّم قيد أنملة! إن ما يوجب الترقّي والتكامل ليس هو العمل الظاهر. فالعمل الظاهر يوجب تقوية البدن وتنشيطه، ويوجب جريان الدم، خاصّة للذين يعانون من الدهون! ولكن ما يوجب تجرّد النفس هو الجهة الباطنيّة والأمريّة للعمل. فلا فرق بين أن يصلي الإنسان باستمرار ويكون مقصوده من هذه الصلاة خداع الناس أو خداع نفسه ـ كلاهما واحد! ـ وبين أن يمارس الرياضة لمدّة نصف ساعة كلّ صباح لأنّ الطبيب قال له ذلك، فيرفع يديه ويخفضهما ويحرك رجليه هنا وهناك وينحني ويستقيم!

  • مثل هذا كمن لا يؤمن بالله ولكنّه يصلّي باستمرار؛ فهذه الصلاة ليس له منها ثواب! مرض مؤذّن مسلم ولم يجدوا ذا صوت حسن، فأعطوا مالاً ليهوديّ ليؤذّن، فأذّن هكذا: «على قول المسلمين أشهد أن لا إلٰه إلا الله، على قول المسلمين أشهد أن عليًا ولي الله!» لأنه لا يؤمن برسالة النبيّ صلّى الله عليه وآله، فإنّه يؤذن هكذا وهذا الأذان ليس له فيه ثواب.

  • مثال على أناس كانت صلاتهم سببًا في بُعدهم

  • كان ابن ملجم المرادي يصلّي باستمرار في مسجد الكوفة! لدرجة أن الذين كانوا يأتون ليلاً إلى مسجد الكوفة للمبيت أو لصلاة الليل، كانوا يرون أنه قد أتى قبلهم وهو منشغل بالصلاة! ولكن القصد من هذه الصلاة كان الحصول على فرصة مناسبة للقضاء على أمير المؤمنين عليه السلام. ظاهر العمل حسن، ولكن هل هذه الصلاة تجلب التقرّب؟! 

النيّة وباطن العمل - حلم الله عن العاصين: رحمة أم استدراج؟

6
  • في أحد الأيّام كان النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله جالسًا في المدينة، فالتفت إلى أبي بكر وقال: «يا أبا بكر، خذ سيفك واذهب إلى خلف المسجد واضرب عنق الواقف هناك!» فذهب، وبعد فترة عاد وقال: «يا رسول الله، رأيت شخصًا واقفًا يصلي، فلم أستطع أن أفعل ذلك، لم يطاوعني قلبي». فقال النبي لعمر: «اذهب واضرب عنق هذا الرجل!» فذهب، وبعد فترة عاد وقال: «يا رسول الله، رأيت رجلاً في حالة سجود. فلم يطاوعني قلبي أن أضرب عنقه». لأن الأفق متّحد، ورتبة عمر هي نفس رتبته، لذلك لم يطاوعه قلبه أن يقضي عليه، ولا يريد أن يُقضى على رفيقه! لم يكن عمر يعرفه ولكن الروح لا تسمح له بالقضاء عليه لأنه في نفس المرتبة! فقال النبي صلّى الله عليه وآله: «اقتله!» هل يوجد أحد أعلى من النبيّ؟! لأنه رفيقه وشريكه وفي نفس مرتبته يقول هذا الكلام! فقال النبي لأمير المؤمنين عليه السلام: «يا علي، خذ السيف واذهب واقضِ عليه!» فذهب وعندما عاد، قال: «يا رسول الله، لم أرَ أحدًا وقد ذهب ذلك الرجل». فقال النبي: «لو قُتل لما اختلف اثنان بعدي! وهذا هو رئيس الخوارج».۱ كان يُدعى ذا الثديّة، وكان له شكل خاص، وكان هو من يدير جميع المجالس واللقاءات والأحزاب التي تشكّلت في زمن النبيّ وبعده. وهو من أوجد فتنة الخوارج وحرب صفين والنهروان. قال أمير المؤمنين عليه السلام قبل حرب النهروان إنّنا سنخوض هذه الحرب ولن يُقتل منّا أكثر من عشرة، ولن يبقى منهم على قيد الحياة أكثر من عشرة٢. فاستشهد من أصحاب أمير المؤمنين تسعة، ولم يبقَ من الخوارج على قيد الحياة إلا تسعة، كان أحدهم ابن ملجم هذا الذي ذهبوا معه إلى مكّة وعقدوا هناك جلسات واتفقوا على القضاء على أمير المؤمنين عليه السلام! في نهاية الحرب كان أمير المؤمنين عليه السلام يبحث بين القتلى، ورأى أفراد الجيش أنه يبحث عن شخص ما. وفجأة توقف في مكان وقال إنّ كلّ فتنة الخوارج كانت بسبب هذا الرجل الذي سقط بين القتلى!٣ فهل صلاة جناب ذي الثدية فيها تقرّب؟! لا يوجد شيء أفضل من الصلاة! «الصَّلاةُ قُربانُ كُلِّ تَقِيٍّ»٤«ما نُودِيَ بِشَيْءٍ كَما نُودِيَ بِالصَّلاةِ»٥. ولكن هذه الصلاة نفسها يمكن أن تهبط بالإنسان إلى درجة توصله إلى قعر جهنّم! لأنّ العمل الظاهر ليس هو المعيار، بل يجب أن تكون النيّة صالحة! 

    1. المراجعات، ص ٣۷٣؛ مطلع انوار، ج ۸، ص: ٢٩٤:
      إن أبابکر جاءَ إلی رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم فقال: یا رسولَ الله! إنّی مررتُ بِوادی کذا و کذا فإذا رَجلٌ مُتخشِّعٌ حَسَنُ إلٰهیئةِ یُصلّی، فقال له النّبی صلّی الله علیه و آله وسلّم: «اذهَب إلیه فاقتُله.» قال: فذَهَبَ إلیه أبوبکر، فلمّا رآه علی تلک الحال کَرِهَ أن یقتُله، فرَجَعَ إلی رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم. قال: فقال النّبی صلّی الله علیه و آله و سلّم لعُمَرَ: «اذهَب فاقتُله.» فذهب عُمَرُ فرآه علی تلک الحال الّتی رآه أبوبکر علیها قال: فکَرِهَ أن یقتُله. قال: فرجع فقال: یارسولَ الله! إنّی رأیتُه یصلّی متخشِّعًا، فکَرِهتُ أن أقتُله. قال: «یا علی! اذهَب فاقتُله.» قال: فذَهَبَ علی فلم یرَه، فرَجَعَ علی فقال: «یارسولَ الله! إنّه لم یرَه.» قال: فقال النّبی صلّی الله علیه و آله و سلّم: «إنّ هذا و أصحابَه یقرَءون القرآنَ لا یجاوِز تَراقیهم، یمرُقون من الدّین، کما یمرُقُ السّهمُ من الرَّمیة، ثمّ لا یعودون فیه حتّی یعود السّهمُ فی فوقِه، فاقتُلوهم؛ هم شرُّ البریة.»
    2. نهج البلاغة محمد عبده، ج۱ ص ۱۰٣: «و اللّه لا يفلت منهم عشرة و لا يهلك منكم عشرة»
    3. بحار الأنوار، ج٣٣ ص ٣٣٤: عن طارق بن زياد قال: سار علي عليه السلام إلى النهروان فقتل الخوارج فقال: «اطلبوا المخدج فإني النبي صلى الله عليه وآله قال سيجئ قوم يتكلمون بكلمة الحكمة لا يجاوز حلوقهم يمرقون من الاسلام كما يمرق السهم من الرمية سيماهم أو فيهم رجل أسود مخدج اليد في ثديه شعرات سود فإن كان فيهم فقد قتلتم شر الناس وإن لم يكن فيهم فقد قتلتم خير الناس.»
      قال: ثم إنا وجدنا المخدج فخررنا سجّدًا وخرّ علي عليه السلام ساجدًا معنا.
    4. الخصال، ج ۱۰، ص ٦٢۰.
    5. الكافي، ج ٢، ص ۱۷.

النيّة وباطن العمل - حلم الله عن العاصين: رحمة أم استدراج؟

7
  • في يوم من الأيّام كان أويس القرني يمرّ بمكان، فرأى رجلاً قد حفر قبرًا ودخل فيه يصلّي. 

  • فقال له: «ماذا تفعل؟» 

  • قال: «أصلي». 

  • قال له أويس: «منذ كم سنة وأنت تفعل هذا؟» 

  • قال: «عشرين سنة». 

  • قال له أويس: «اذهب، لقد ابتعدت عن الله عشرين سنة! هل هناك من يدخل القبر ويصلي؟! هل تصلّي للّه أم لكي يُرفع عنك عذاب القبر؟!»۱.

  • ويُنقل في أحوال السيّدة نفيسة خاتون المدفونة في مصر، أنّها المسكينة قد قرأت مائة وتسعين ختمة للقرآن على قبرها!٢. فهل هذا العمل صحيح؟! القرآن لا يُقرأ للقبر؛ بل يُقرأ للّه.

  • توصية العلامة الطهراني بإهداء ثواب قراءة القرآن للنبيّ

  • قال المرحوم العلامة رضوان الله تعالى عليه: «كلّما قرأتم القرآن، فأهدوا ثوابه فقط لروح النبيّ صلّى الله عليه وآله». لأنّ نيّتك إذا خلصت وأهديت الثواب للنبيّ، فإنّه يضيف إليه أضعافًا ويرسله إلى من تريد. ففي هذا العالم وسيلة نجاتنا هو النبي، واسطة فيضنا ووصولنا إلى الكمال هو النبي، أفليس من نكران الجميل أن لا يهدي الإنسان هذا العمل المختصر الذي يريد أن يقوم به لمن وجوده ظاهرًا وباطنًا هو واسطة الفيض لجميع الخلائق من باب الشكر له؟! الأب والأم وجميع من نهدي إليهم ثواب القرآن يجلسون على مائدة النبيّ صلّى الله عليه وآله! وعندما نهدي ثواب قراءة القرآن إلى النبيّ يخلص العمل، وعندما يخلص العمل، يرتفع عوامل اطمئنانه، وعندما يزداد خلوص العمل، ولأنّ الله والنبيّ يعلمان نيّة الإنسان، فإن جنبة القربى في ذلك العمل تصبح أقوى وأشدّ.

  • نيّة الإنسان وصفاء باطنه هما معيار الثواب والعقاب

  • بناءً على ذلك، فإنّ هذه المسألة المطروحة في علم الأصول وهي: هل فعل الإنسان هو معيار الثواب والعقاب أم نيته؟ ومسألة التجرّي٣ وعدم التجرّي و... كل هذا يُنحّى جانبًا! فالفعل ليس معيارًا للثواب والعقاب أبدًا لأنّه عمل ظاهريّ. الأصل هو النيّة، وعلى الإنسان أن يصلح نيّته! فإذا ما قال إنسان: «أنا أصلح نيّتي ولكنّي لا أقوم بأيّ عمل»، فهذا هو أول فساد النيّة! فعندما تعلم أنّ الله تعالى قد أمرك بهذا العمل، فلا مجال للقول: «أنا أصلح النيّة ولكن لا أقوم بالعمل»! فإذا حدث ذلك فاعلم أنّ النيّة فاسدة ولا تتوافق مع أصل المسألة! فهل من الممكن أن يكون لدى إنسان صفاء باطن ويقف في وجه حكم الله ويقول: «أنا أصلح نيّتي ولكنّي لا أقوم بعمل»؟! حينها يقول الله له: حسنًا، سأريك النيّة وصفاء الباطن! هل تخدعني وتتكاسل وتريد الهروب من عبء المسؤوليّة؟! لقد أخطأ هذا! فمن لديه صفاء باطن ونيّة صالحة لا يمكنه أن يتمرّد ويخدع نفسه ويتنصّل من عبء المسؤوليّة! فإذا خدع نفسه، فليس لديه صفاء باطن وهو مشمول لخبث الباطن وكدورته وظلمته. 

    1. تذكرة الأولياء، ص ٢۱۰.
    2. أعلام النساء المؤمنات، ج ۱، ص ۷٦۸، مع بعض الاختلاف.
    3. اصطلاح في علم أصول الفقه يراد به القيام بالعمل على أساس أنّه معصية فيتبيّن بعد ذلك أنّه لم يكن معصية كمن شرب سائلاً معيّنًا باعتقاد أنّه خمر فتبيّن أنّه خلّ، فبحثوا حول استحقاقه العقاب على ذلك أو عدم استحقاقه وبينهم خلاف في ذلك، والمحاضر يرى أنّه يستحقّ العقاب على نيّته لأنّها أساس العمل. (م)

النيّة وباطن العمل - حلم الله عن العاصين: رحمة أم استدراج؟

8
  • إلا إذا لم يصل الحكم إلى إنسان ما ولم يكن على علم به؛ فمثلًا، لم يكن يعلم أنّ الحجّ واجب عليه، أو أنّ الله لم يجعله مستطيعًا ومتمكّنًا، أو أنّه مريض وأمثال ذلك، ولكنّه يقول: يا إلهي، إذا وجب عليّ الحج، فسأذهب بأيّة كيفيّة كانت. ولكن ليس بحيث إذا أصبح متمكّنًا ووجد القدرة، يقول: نيّتي خير، فلماذا أعطي أموالي لهؤلاء! أو يقول: عندما تكون نيّتي صالحة، فلماذا أصلّي؟! لا يا عزيزي، القضيّة ليست هكذا! فهذا يخدع نفسه ويلفّ الستائر باستمرار حول وجدانه! والوجدان يزجره باستمرار ويقول: العبد الذي هو في مقام الطاعة، لا يمكنه أن يخالف! من جهة الوجدان ومن جهة أخرى النفس الأمّارة يهاجمانه، وهنا مأزق القضيّة ومحلّ اتخاذ القرار، أيّهما يقدّم على الآخر. وهنا يجب أن يغيث الله الإنسان! يستطيع الإنسان أن يميّز وأن يرتّب الأثر على الحكم الذي استنبطه ضميره ونفسه ويحقّقه، ولكنّه بسبب مجموعة من المسائل والأحداث الأخرى لا يفعله، وشيئًا فشيئًا تضعف صلابة المسألة ومتانتها، وعندما تضعف، يمرّ الإنسان بجانبها بسهولة! هذا هو خداع النفس! تقول الآية الشريفة: ﴿و إِنِّي لَغَفَّار لِّمَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ صَٰلِحًا ثُمَّ ٱهتَدَىٰ﴾۱. يقول الإمام السجّاد عليه السلام هنا: «الحَمدُ للّه الّذی یَحلُم عَنّی»٢. طبعًا، إذا كان عمل الإنسان ونيّته صحيحين، فلا معنى للحلم هنا؛ لأنّ الذات هنا طاهرة وهي في مقام التقرّب والقربة، والعمل الخارجيّ أيضًا عمل صالح. فإن لم يكن الله حليمًا هنا، فماذا يريد أن يفعل؟! فإن كانت نيّة الإنسان غير صالحة ومغرضة وغير طاهرة ولكن كان عمله صالحًا، فهل يصدق الحلم هنا أم لا؟ إذن تبقى هنا ثلاث صور للمسألة: 

  • الأولى: أن تكون نيّة الإنسان غير طاهرة وعمله كذلك.

  • والثانية: أن تكون نيّة الإنسان غير طاهرة ولكنّ عمله الظاهريّ حسن. 

  • والثالثة: أن تكون النيّة طاهرة ولكنّ العمل الخارجيّ غير صحيح. 

  • وفي هذه الأقسام الثلاثة لا مجال للحلم ولأن يكون الله حليمًا.

  • حلم الله تعالى تجاه الكفار سببٌ في انغماسهم في الكثرات

  • تقول الآية الشريفة: ﴿وَلَا يَحسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَنَّمَا نُملِي لَهُم خَير لِّأَنفُسِهِم إِنَّمَا نُملِي لَهُم لِيَزدَادُوٓاْ إِثمًا وَلَهُم عَذَاب مُّهِين﴾٣. فلا يظنّ أولئك الذين كفروا أنّ هذه المهلة التي نمنحهم إياها في هذه الدنيا خيرٌ لهم، وأن يفعلوا ما يحلو لهم! إنّما نمهلهم لكي يزداد حمل ذنوبهم ثقلًا، ولهم عذابٌ مذل ومهين. فلو علموا ما وراء الستار، لعلت صيحات حسرتهم إلى عنان السماء! يعطيهم الله من الأموال وزينة الدنيا فيفرحون وينتشون! ولا يعلمون أنّ كلّ هذه الأموال والزين التي جُمعت، وهؤلاء الرفاق القلائل الذين اجتمعوا حولهم، وهذا المجيء والذهاب، كلّ ذلك بسبب أنّنا ﴿إِنَّمَا نُملِي لَهُم لِيَزدَادُوٓاْ إِثمًا﴾ لكي يضيفوا إلى ذنوبهم باستمرار وينغمسوا أكثر في مستنقع الكثرة ويهبطوا إلى أسفل!

    1. سورة طه (٢۰) الآية ۸٢.
    2. مصباح المتهجد، ص ٥۸٢.
    3. سورة آل عمران (٣) الآية ۱۷۸.

النيّة وباطن العمل - حلم الله عن العاصين: رحمة أم استدراج؟

9
  • ابتلاءات الله تعالى سببٌ في ابتعاد الإنسان عن الكثرات

  • أما إذا أراد الله لهم خيرًا، فإنّه يأتي بالإبرة ويوخزهم بها، ويأتي بالعصا ويضربهم بها ضربتين! وتلك الإبرة هي الابتلاءات التي تحدث للإنسان، وبواسطتها يبتعد الإنسان إلى حدّ ما عن الكثرة ويتنبّه! ويقول في نفسه: يا أيّها القلب الغافل، أين كنت؟! لماذا لم تفعل هذا؟! لماذا لم تفعل ذاك؟! هل أدّيت واجبك تجاه ما كان على عاتقك؟! هل أدّيت وظيفتك تجاه ما كلّفك الله؟! فجأة يحدث أمر ما فيقول في نفسه: لماذا حدث هذا ومن أين أتى هذا الضيق والمرض؟! حقًّا إنّ هذه الخصلة في الإنسان عجيبة، فعندما تحصل له الكثرة، يغفل عن الوحدة، إلا إذا وصل إلى مرتبة يستطيع فيها أن يجمع بين اللحاظين وكلا الجهتين. وإلا، فيجب أن تحدث له أمور كثيرة لدرجة أنه شاء أم أبى يجمع بين الوحدة والكثرة، أو أنه ينقلب رأسًا على عقب ويتغيّر وضعه. إن شاء الله نصبح بحيث تتحوّل هذه المسائل العرضيّة والحاليّة لدينا إلى ملكة! ولكن ما دام الإنسان إنسانًا، وهذه النفس نفسًا، فالأمر هكذا. لقد جرّب الآخرون وأخبرونا، فإذا اتّعظنا بتجربتهم، سنسلك الطريق الصحيح، وإلا فسنكون نحن أيضًا تجربة للآخرين! الكثرة تمنع الإنسان عن الوحدة؛ إلا الذي لا تؤثّر فيه الكثرة. يقول الله تعالى: ﴿أَنَّمَا نُملِي لَهُم خَير لِّأَنفُسِهِم﴾. نحن نريدهم أن يبقوا في هذه الدنيا. في النهاية، لا ينبغي أن تكون جهنم بلا زبائن! لقد تعبنا وصنعنا جهنم! وملائكتنا لم يكونوا عاطلين عن العمل! وجهنم هذه التي صنعوها، سبع طبقات في سبع دركات، حسب مراتب الظلمة للذين يدخلونها. ﴿وَلَقَد ذَرَأنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ ٱلجِنِّ وَٱلإِنسِ لَهُم قُلُوب لَّا يَفقَهُونَ بِهَا وَلَهُم أَعيُن لَّا يُبصِرُونَ بِهَا وَلَهُم ءَاذَان لَّا يَسمَعُونَ بِهَآ أُوْلَٰٓئِكَ كَالأَنعَٰمِ بَل هُم أَضَلُّ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلغَٰفِلُونَ﴾۱. يقول الله تعالى لقد خلقنا لجهنم الكثير من الجن والإنس، وعاقبتهم الذهاب إلى جهنم، فلا ينبغي أن تبقى جهنمنا هذه خالية، سيصيبها الملل! في النهاية، لجهنم أيضًا حسابها. ﴿يَومَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ ٱمتَلَأتِ وَتَقُولُ هَل مِن مَّزِيد﴾٢، نقول لجهنم باستمرار: هل امتلأتِ أم لا؟ فتقول: لا، ما زلت في البداية ولديّ متّسع كبير! الكثير من الناس في الدنيا كانوا منشغلين بالكثرات وقضوا دنياهم في الظلمات ولم يأتوا بعد ولم يحن وقت حسابهم، ولهم مراتب يجب أن يأتوا ويتطهّروا ثمّ يخرجون من الجانب الآخر. ولكن لا سمح الله أن تكون الظلمة قد رسخت في وجود أحدهم وقلبت وجوده، ففي تلك الحالة يصبح أمره صعبًا جدًّا!

    1. سورة الأعراف (۷) الآية ۱۷٩.
    2. سورة ق (٥۰) الآية ٣۰.

النيّة وباطن العمل - حلم الله عن العاصين: رحمة أم استدراج؟

10
  • عدم قبول خلافة أمير المؤمنين في حال الاحتضار وحتّى بعد الموت

  • كان عمر في حال الاحتضار، وبينما كان الكاتب يدوّن وصيّته، قيل له: «أنت تعلم أنّ عليًّا عليه السلام أولى بالخلافة من الجميع، فأوصِ له بهذا!» كان على وشك الموت ولكنّه قال لا أتحمّله حيًّا ولا ميّتًا۱ لا أستطيع أن أرى عليًّا على كرسيّ الخلافة لا في حال حياتي ولا في حال مماتي! لا أستطيع أن أفعل هذا! في النهاية، ماذا فعل بك أمير المؤمنين عليه السلام؟! كيف يصل إنسان إلى هذه الدرجة؟! كان عمر رجلًا يؤمن بجهنّم والجنّة! لا تتصوّروا أنه لم يكن يؤمن! لو لم يؤمن، لما كان جرمه بهذه الجسامة! كان يؤمن بجهنّم، ويؤمن بالجنّة، ولكنّه كان يقول إنّه مستعدّ أن يتقبّل نار جهنّم على نفسه ولا يرى عليًّا على كرسيّ الخلافة! هذا حقًّا عجيب جدًّا! كيف يتوافق هذا مع العقل، أن يرى النار وحرقها ولكنّه ليس مستعدًّا لرؤية أمير المؤمنين عليه السلام على كرسيّ الخلافة! لقد سمعت رواية ولم أقرأها ولكن سمعتها من موثوق فإذا وجدها الأصدقاء فليخبروني بها وهي أنّه يوم القيامة يوقفون عمر على شفير نار جهنّم ويقولون له: أقرّ بولاية عليّ لتنجو من جهنّم ولكنه لا يقرّ! بالطبع، ليس من المستبعد أن يكون الأمر كذلك. حقًّا، فما هذه النفس، وفي أيّ مرتبة من الأنانيّة يجب أن تكون حتى يكون لهيب النار أخفّ عليها من لهيب قبول الحقّ٢! فأيّ مخلوق هو هذا؟! أظنّ أنّ الله قد أظهر في خلق عمر قدرته من حيث صفاته الجلاليّة! فبقدر ما أظهر قدرته في أمير المؤمنين عليه السلام من حيث صفاته الجماليّة من الرحمة والعطف والكرم والعظمة والمجد، فإنّه في الجانب الآخر قد أبدع في خلق عمر! ففي النهاية، من يقف بجانب جهنّم ولهيبها ويقال له: أقرّ بالولاية، وهو لا يقرّ، هو مخلوق عجيب! حقًّا لا يمكن المرور على هذه القضيّة بسهولة! نجّى الله الإنسان من النفس الأمّارة! لا ينبغي لنا أن نعجب من هذه القضيّة التي بيّناها بهذه الكيفيّة! بل يجب أن نتأمّل قليلًا ونختبر أنفسنا بالنسبة لهذه المسألة. فالحقّ واضح كضرب اثنين في اثنين، ولكن من العجيب حقًّا كيف لا يفهم الإنسان هذه المسألة؟! حقًّا كيف يمكن تصوّر أنّ الإنسان يسعى بكلّ طريق ووسيلة ليلزم آخر ويقيّده بالقبول، ثمّ في النهاية لا يقبل ويقول: لا أريد هكذا؟!

    1. معرفة الإمام ج۸ ص ٢۰٥: ابن عبد ربّه الأندلسي، العقد الفريد، ج٣، ص ۱۸. (دار الفكر، الطبعة الأولى، ۱٤٤۰ ـ ۱٤٤۱هـ ): عن هشام بن عُروة، عن أبيه عروة قال: لمّا طعن عمر، قيل له: لو عهدتَ؟ ثمّ نقل كلاماً عن عمر، حتّى بلغ إلى ما قيل له ثانية: يَا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ! لَو عَهَدتَ. فَقَالَ: «لَقَدْ كُنْتُ أجْمَعْتُ بَعْدَ مَقَالَتِي لَكُمْ أنْ اوَلِّيَ رَجُلًا أمْرَكُمْ أرْجُو أنْ يَحْمِلَكُمْ على الحَقِّ- وَ أشَارَ إلَى عَلِيّ- ثُمَّ رَأيْتُ أنْ لَا أ تَحَمَّلَهَا حَيَّاً وَ مَيِّتَاً».
      وفي «أنساب الأشراف» ج ٥، ص ۱۸ ما يقرب منه. 
    2. عقد الدّرر، الصوّاف، ص ٧٨ ـ ٨٠:
      قالَ عبدُ اللَه بنُ عُمَرَ: لمّا دَنَت الوفاةُ مِن أبي، كانَ یُغمیٰ علیه تارَةً و یُفیقُ أُخرىٰ. فَلَمّا أفاقَ قال: ”یا بُنَیّ، أدرِکني بِعَلیِّ بنِ أبی طالب قَبلَ الموتِ...  !“ قال عبدُ اللَه بنُ عُمَرَ: فَمَضَیتُ إلىٰ عليّ علیه السّلام و قُلتُ له: ”یا ابنَ عَمِّ رسولِ اللَه، أبي یَدعوك لِأمرٍ قد أحزَنَه!“ فقامَ عليّ علیه السّلام مَعي.
      فلمّا دخلَ علیه، قالَ لَه عُمَرُ: ”یا عليّ بنَ أبی طالب، أنتُم أهلُ بیتِ الرّحمَةِ و مَعدِنُ الرّسالةِ و الحِکمةِ، و أنتُم أحَقُّ النّاسِ بِالعَفو، فهَل لك أن تَعفوَ عنّی و تَجعَلَني فی حِلٍّ عنك و عن زَوجَتك فاطمةَ الزهراءِ؟!“ فقالَ عليّ علیه السّلام: “نَعَم، اِجمَعِ المُهاجِرینَ و الأنصارَ و اصدُقِ الحقَّ الّذی كنتَ علیه مِن مكّةَ و ما كان بیني و بَینَ صاحبِك أبی بكرٍ مِن مُعاهَدَتِنا و أقِرَّ بِحَقِّنا، و أعفو عنك و [أ]جعَلُکَ فی حِلّ.“
      قالَ عبدُاللَه: فلَمّا سَمِعَ عُمَرُ كلامَ عليّ علیه السّلام، حوَّلَ وَجهَه إلىٰ نحوِ الحائِطِ و قالَ: ”النّارَ و لا العارَ!“ فقامَ علیٌّ علیه السّلام و خرَجَ عنه.
      فقالَ عبدُ اللَه بنُ عُمَرَ: فقُلتُ له: ”یا أبَتِ، لقَد أنصَفَك الرّجُلُ بِكلامِه!“ فقالَ: ”یا بُنَي، أرادَ واللَهِ أن یَنبُشَ أبا بَكرٍ فی قَبرِهِ و یُضرِمَ له و لِأبيك ناراً وتُصبِحَ قُرَیشُ مُوالینَ [لعلي] ابنِ أبی طالبٍ! و اللَهِ لا کانَ ذٰلك أبداً!“
      ثُمّ إنّه تَأوَّهَ ساعةً و ماتَ فی أنحَسِ السّاعاتِ و صار إلىٰ سَقَرَ ﴿لَا تُبۡقِي وَلَا تَذَرُ﴾،* و دُفِنَ فی الیَومِ التّاسعِ من رَبیع الأوّلِ سنَةَ ثلاثةٍ و عِشرینَ مِن الهِجرَة.

النيّة وباطن العمل - حلم الله عن العاصين: رحمة أم استدراج؟

11
  • الحلم في مواجهة عدم قبول الناس للحقّ

  • كان لديّ خلاف مع أحدهم حول مسألة ما، وكنت أرى أنّني لو لم أقم بهذا العمل، فمن غير المعلوم إلى أين سيصل الأمر! فتحدّثت معه وأجبت على كلّ ما قاله! وفي النهاية عندما كان يقول: «أرى المصلحة هكذا!» قلت: هل تريد أن يكون هذا العمل الذي تقوم به موافقًا لنظر المرحوم العلامة رضوان الله تعالى عليه؟ 

  • قال: «نعم». 

  • قلت: أنا أيضًا أريد هذا. 

  • سأتولّى مسؤوليّة هذا العمل لمدّة، فإن رأى الأفراد في هذه المجموعة أنّ عملي مخالف، فمن الطبيعي أن أكون قد فُضحت وليس لي مكان في هذه المجموعة؛ وإن لم يروا ذلك، يكون مطلوبكم قد تحقّق. 

  • فقال: «لا أستطيع أن أقبل!» 

  • فما معنى عملك هذا؟! في النهاية، أنا وأنت نريد أن تسير الأمور وفقًا لنظر الأعاظم. سأتولّى الأمور والأعمال لمدّة ستة أشهر؛ فإن كانت النتائج مرغوبة، يكون قد تحقّق مطلوبكم ومطلوبنا؛ وإن لم تكن مرغوبة، فمن الطبيعيّ أن أنسحب بنفسي، لأنّ الجميع سيرون أنّها غير مرغوبة، ويرتفع الخلاف أيضًا ولا تكون هناك مشكلة. ثمّ قال في النهاية: «لا يا سيّدي، لا أستطيع أن أقبل!» ونحن أيضًا نقول: نحن في خدمتك! في أمان الله! ﴿ذَرهُم يَأكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلهِهِمُ ٱلأَمَلُ فَسَوفَ يَعلَمُونَ﴾۱. «اتركهم ودعهم ينشغلون بما يريدون، فهناك غدٌ وسوف يرون!» 

  • وهناك رجل لم يتّصل بي لمدّة ست سنوات، ولم يتحدّث معي بكلمة واحدة! ومنذ فترة، حدثت له مشكلة فاتصل بي وقال: سيدنا، حدث كذا وكذا. فقلت: أين كنتم طوال ست سنوات؟! لقد اتصلتَ متأخّرًا ستّ سنوات يا عزيزي! والآن لا أستطيع أن أفعل شيئًا. 

  • فقال: سيّدنا! 

  • قلت: في ذلك الوقت الذي كان صراخي يعلو في الهواء وكنت أقول: يا أيّها الموقّرون، لقد خرج الأمر من يدي، فتعالوا واجلسوا وابحثوا عن حلّ ولا تفعلوا هذا العمل ولا تخلقوا هذه المشاكل، كنت أفكّر في اتصالك اليوم! كنت أفكّر في أنّه ستنشأ لك مشكلة أيضًا. الآن وقد حدث ما حدث، فانظر إلى نتيجته! ولو لم يحدث هذا لما اتصلت أيضًا! ﴿ذَرهُمۡ يَأكُلُواْ﴾ نحن نصبر، نصبر ونقول: دعهم يفعلون ما يحلو لهم، ودعهم يقولون ما يريدون. ولكن للأمور حسابًا!

    1. سورة الحجر (۱٥) الآية ٣.

النيّة وباطن العمل - حلم الله عن العاصين: رحمة أم استدراج؟

12
  • المحاسبة الدقيقة لأعمال الإنسان في الآخرة

  • بغضّ النظر عن المباني والمعتقدات، هل تظنّون أنّ هذه النفوس والأعمار والمواهب والأطفال الأبرياء والنساء والرجال ليس لهم حساب وكتاب؟!

  • بگیر و ببند و امانش نده***به‌دست من پهلوانش مده 
  • يقول:

  • أمسِك به وكبّله ولا تمهله *** ولا تسلّمه لي أنا البطل. 

  • نأخذ ونكبّل ونضرب ونذهب ولا شأن لنا بأحد! ولكن غدًا سيأتون الواحد تلو الآخر ويقفون في طريقك ويقولون: لماذا فعلت هذا؟! لذا، على الإنسان أن يصلح عمله من الآن ويفكّر في الغد، لأنّ الغد متأخّر. من الآن، كلّ خطوة تخطوها، اخطها بشكل صحيح ولا تفكّر في غد هذه الدنيا بل فكّر في غد ذلك العالم حيث لا ينقص ولا يزيد مقدار شعرة! ﴿وَإِن كَانَ مِثقَالَ حَبَّة مِّن خَردَلٍ أَتَينَا بِهَا وَكَفَىٰ بِنَا حَٰسِبِينَ﴾۱. لا يخفى عن أنظارنا مقدار رأس إبرة، و لا يُحذف من ملف أحد مقدار رأس إبرة، وسنأتي بكلّ شيء ونضعه أمام عينيك! فعلى سبيل المثال، لماذا خطرت هذه الفكرة في ذهنك في اليوم الفلاني والساعة الفلانيّة؟! أما أن تقول: أفعلها أم لا أفعلها، فهذه مسألة أخرى! فإذا قال ذلك: يا إلهي، هذه الفكرة لم تخطر ببالي! يقول الله: ﴿أَتَينَا بِهَا وَكَفَىٰ بِنَا حَٰسِبِينَ﴾ لماذا خطرت هذه الفكرة في بالك، شغّلوا الفيلم وجهاز العرض ليشاهد. بالطبع ليس جهاز عرض وفيلمًا يصنعونه ويشغّلون الجهاز لنقول: يا إلهي، لقد صنعت الفيلم وقمت بمونتاجه! ليس كما هو الحال الآن حيث يتمّ فرض الرقابة على الفيلم في الاستوديو وفجأة يتمّ وصل جزء من الفيلم بجزء آخر ومونتاجه، بل في ذلك الوقت يأتي الله بالعمل نفسه ويضعه أمام الإنسان! وهناك يطأطئ الإنسان رأسه. يقول الله: أنت ظلمت رفيقك في الوقت الفلاني! 

  • فيقول: يا إلهي، أنا لم أفعل هذا! لقد أخطأت الملائكة في الكتابة! 

  • يقول الله: ملائكتي لا يخطئون. 

  • فنحن ننام ولكنّ الملائكة دائمًا مستيقظون وحتّى المنام الذي نراه يكتبونه! ففي اليقظة الأمر أولى! عندما يلزم الأمر، يوضع المنام والعمل والكلام نفسه أمام الإنسان. والله يمهلنا باستمرار وهذا هو حِلمه.

    1. سورة الأنبياء (٢۱) الآية ٤۷.

النيّة وباطن العمل - حلم الله عن العاصين: رحمة أم استدراج؟

13
  • المقصود بحلم الله في كلام الإمام السجّاد عليه السلام

  • بالطبع، المقصود بالحِلم في كلام الإمام السجاد عليه السلام يختلف عن هذه الحالات التي ذكرتها؛ بل أنا أذكر فقط حالات الحِلم. هذا الحِلم ليس حلمًا ينتهي لصالحنا، بل ينتهي لضررنا. الحِلم الذي لا يجازي الله الإنسان على أساسه، ليس حِلمًا يأتي بعده الغفران! ـ سنتحدث عن الغفران لاحقًا ـ بل هو حِلم يكون هو نفسه جزاءنا، ولكنّه جزاء سيظهر صوته غدًا وليس له صوت الآن! لقد ضرب الله بالعصا، ولكنّ صوتها سيظهر غدًا! كان هناك رجل يفتح باب متجر آخر ويفتح قفله. فقال له أحدهم: «ماذا تفعل؟!» فقال: «أعزف على الناي!» فقال: «لماذا ليس له صوت؟!» فقال: «سيظهر صوته غدًا!» هذا هو حِلمه، فالله يصبر ويصبر، وفجأة يأتي قهره فيضرب ويدمّر كيان الإنسان!

  • استخفاف محمد رضا شاه بالمسائل الشرعية وعاقبته

  • في أواخر عهده، طغى الشاه كثيرًا حتّى أنّه استخفّ بالمسائل الشرعيّة كثيرًا؛ فعلى سبيل المثال، غيّر التاريخ الهجري القمري إلى التاريخ الشاهنشاهي، وهذه كانت حقًّا أكبر خيانة للشاه! ففي مجلس ما، كان المرحوم العلامة رضوان الله تعالى عليه جالسًا مع الشيخ مرتضى مطهري رحمة الله عليه وكان الحديث يدور حول تغيير التاريخ الهجريّ القمريّ إلى التاريخ الشمسيّ، فقال للمرحوم مطهريّ: هذا هدم للإسلام! إنّ تغيير التاريخ الهجري القمري إلى التاريخ الشاهنشاهي يسبّب محو الإسلام والله لن يرضى بهذا العمل! وبعد هذه الحادثة، بدأ الشاه في الانحدار! وطرح مسألة الحجاب. أنا بنفسي سمعت له خطابًا في الراديو في أواخر حكمه كان يقول فيه: 

  • نحن لن نسمح بأن ينسى البعض الجهود التي بذلها والدنا فيما يتعلّق بمسألة كشف الحجاب! وعندما سمع المرحوم العلامة رضوان الله تعالى عليه هذا الكلام، قال: «لقد انتهى أمره!» وبعد بضعة أشهر، بدأت الثورة، ولو تعلمون ما حلّ به، فليبقَ ذلك! إذا قرأتم التاريخ، ستشاهدون كيف وصل من تلك العزّة والمقام ومن تلك المراتب "الإلهيّة" المزعومة إلى أين! ففي ذلك الوقت كانوا يكتبون خلف الحافلات: «السلطان ظل الله في أرضه!» ثمّ يترجمونا: «الشاه ظلّ الله» وكيف ينفصل الظلّ عن الأصل؟! وكانوا يخاطبونه بجلالة الملك، والأمبراطور، و "شمس الآريين"۱! وهو أيضًا كان يظنّ أنّ الأمر هكذا! كنت أقرأ عن أحواله، بعد الثورة وصل به الحال إلى أنّه عندما كان ينتقل من مكان إلى آخر كانوا يحتجزونه في زنازين المجانين! لقد احتجزوه هو وأقاربه في مستشفى للأمراض النفسيّة في قاعدة في أمريكا ولم يأخذوهم إلى داخل المدينة! كان المجانين يأتون ويقومون بحركات ساخرة أمامهم! عجيب جدًّا! يريك الله ويقول: ﴿إِنَّمَا نُملي لَهُم لِيَزدَادُوٓاْ إِثمًا﴾، فهل ظننت أنّني أعطيتك الحكم ليومين، وأنّ كلّ شيء قد انتهى وأصبحت إلهًا وظلّ الله؟! كان الشاه يقول: من يقبل بحزبنا (رستاخیز) فبها، ومن لا يقبل، نعطيه جواز سفر ليذهب إلى أيّ مكان يريد! عجبًا، لقد اعتبرت البلد أيضًا جزءًا من إقطاعيّتك!

    1. شمس الآريين وبالفارسيّة آريامهر لقب مُنح رسمياً للشاه عام ۱٩٦٥ من قبل البرلمان الإيراني، وكان يهدف إلى تمجيد الشاه وربط نظامه بالتاريخ الإيراني القديم. (م)

النيّة وباطن العمل - حلم الله عن العاصين: رحمة أم استدراج؟

14
  • الحِلم بمعنى الإمهال يوجب غفلة الإنسان وانغماسه في الكثرات والأنانيّة

  • هذه عبر لنا! فكلّ إنسان لديه نفسه وأنانيّته بقدره. ولا فرق بين ذلك الزمان وهذا الزمان والمستقبل والماضي! في كلّ الأوقات كان الأمر هكذا، فقط الصور والأشكال تختلف! ولكن يا عزيزي! الإنسان هو الإنسان والنفس هي النفس والكثرات هي الكثرات ولا فرق. إنّها تخدع كلّ شخص بطريقة ما! كلّ هذا لأنّ الله يحلم، وحلمه يسبّب خداعنا وغرورنا وغفلتنا، وحلمه يسبّب انغماسنا في الكثرات والأنانيّة والنفس والأهواء! إذن، أهمّ وأخطر قضيّة وأمر يهمّنا في طريق السلوك والحركة نحو الله، هي مسألة حلم الله! لا تغفلوا عن حلم الله، فهذا النوع من الحلم يقتلع الأسس ويدمّر ويهدم وجود الإنسان! 

  • وللّه أنواع أخرى من الحِلم سنتطرق إليها لاحقًا، وإن شاء الله سنكون في خدمة الرفقاء. فهذا الحِلم يسبّب الهلاك والشقاء والخسران الأبديّ! ويجب أن نخاف من هذا النوع من حِلم الله، ولا سمح الله أن تكون هذه المهلة التي يعطينا إيّاها الله الآن، وهذا المسار الذي يهيّئه لنا، وهذا الهدوء الذي نحن فيه الآن، بسبب أنّنا مشمولون لهذا الحِلم من الله! فهذا جانب من القضيّة، ولكن إذا كان الإنسان حذرًا ومنتبهًا، فإنّ الله تعالى ذو رحمة وعطف، ولكن على أيّ حال، لا ينبغي لنا أن نغفل عن هذه المسائل! 

  • إن شاء الله نأمل أن يعاملنا الله في كلّ حال بعفوه وفضله، وألاّ يعاملنا بعدله وحسابه، فعندها سنكون في غاية البؤس!

  •  

  • اللّهُمّ صلّ على محمّد و آل محمّد