المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني
القسمالمناسبات الإسلامية
المجموعةعيد الفطر
التاريخ 1416/10/01
التوضيح
لماذا علينا أن نرجع إلى أولياء الله؟ وما خصوصيّتهم وخصوصيّتنا اللتان توجبان علينا ذلك؟
كيف كان إشراف النبيّ على النفوس؟ وما معنى كونه طبيبًا دوّارًا بطبّه؟
كيف يغوي الشيطان الناس؟ وهل يقتصر في ذلك على المحرّمات؟
كيف ينبغي أن تكون العلاقة مع الوليّ؟
لماذا يبتلي الله الأولياء؟
تجيب هذه المحاضرة على هذه الأسئلة بالاستفادة من الآيات والأحاديث الشريفة والتجارب الملموسة من حياة الأعاظم رضوان الله عليهم كما تشرح فقرات دعاء العيد وما ينبغي أن يطلب فيه.
هو العليم
وجوب الرجوع إلى أولياء الله واتّباعهم
عيد الفطر ۱٤۱٦ هـ - الجلسة الثالثة
محاضرة القاها
سماحة آية الله الحاجّ السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ
قدس الله سره
أعوذ بالله مِنَ الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالمين
والصلاة والسلام على سيّدنا أبي القاسم محمّد
(اللهمّ صلّ على محمّدٍ وآلِ محمّد)
وعلى آله الطيّبين الطاهرين واللعنة على أعدائهم أجمعين
«الحمدُ للهِ الواصلِ الحمدَ بالنّعَمِ و النّعَمَ بالشّكرِ. نحمدُه علیٰ آلائِه كمٰا نحمدُه علیٰ بَلائِه، و نَستَعینهُ علیٰ هذه النّفوسِ البِطاءِ عمّا أُمِرَت بِهِ، السِّراعِ إلیٰ ما نُهیَت عنهُ، و نَستَغفِرهُ ممّا أحاطَ بِه عِلمُه و أحصاهُ كتابُه؛ عِلمٌ غیرُ قاصِرٍ و كتابٌ غیرُ مُغادِرٍ، و نُؤمنُ به إیمانَ مَن عاینَ الغُیوبَ و وَقَف علیٰ المَوعود؛ ایمانًا نفیٰ إخلاصُه الشّرك و یَقینُه الشّك.
و نَشهَد أن لا إلهَ إلّا الله وحدَه لا شریك لَه، و أنّ محمدًا [صلّی الله علیه و آله و سلّم] عَبدُه ورسولُه؛ شهادتینِ تُصعِدانِ القولَ و تَرفَعانِ العملَ، لا یخِفُّ میزانٌ توضَعانِ فیه و لا یَثقُلُ میزانٌ تُرفَعانِ عنه.
أوصیكم عبادَ الله بتقویٰ الله الّتی هی الزّادُ و بها المَعاذُ [المعاد]؛ زادٌ مُبلِّغٌ و مَعاذٌ [معاد] مُنجِحٌ، دَعٰا إلیها أسمَعُ داعٍ و وَعاها خیرُ واعٍ؛ فَأسمَعَ داعیها و فازَ واعیها».۱
اللهمّ صلّ و سلِّم و زِد و بارِك علیٰ أوّل خلقِك و خاتمِ رُسلِك الرّسولِ المُسدّدِ و المَبعوثِ الأمجَد، حبیبِنا و حبیبِك و حبیبِ قُلوبِ العالَمینَ أبي القاسم المصطفیٰ
محمّدٍ صلواتُك علیه و علیٰ عترته المَعصومینَ المَیامینَ.
و صلّ و سلِّم علیٰ خلیفتك و وصیِّ نبیِّك أمیرالمؤمنینَ علیه السّلام و فاطمة الزّهرا و الحسن و الحسین سیّدَی شبابِ أهل الجنةِ أجمعینَ، و علیٰ علیِّ بن الحسین و محمّد بن علیٍّ و جعفر بن محمّد و موسیٰ بن جعفرٍ و علیِّ بن موسیٰ و محمّد بن علیٍّ و علیِّ بن محمّدٍ و الحسن بن علیٍّ و الخلَفِ الحُجّة المهدی عجّل الله تعالیٰ به الفرج و جعلَنا مِن شیعته و مَوالیه والذّابّینَ عنهُ.
{بِسۡمِ ٱللَهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ ، إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ فِي لَيۡلَةِ ٱلۡقَدۡرِ ، وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا لَيۡلَةُ ٱلۡقَدۡرِ ، لَيۡلَةُ ٱلۡقَدۡرِ خَيۡرٞ مِّنۡ أَلۡفِ شَهۡرٖ ، تَنَزَّلُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا بِإِذۡنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمۡرٖ ، سَلَٰمٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطۡلَعِ ٱلۡفَجۡرِ}.٢
قالَ الله تبارك و تعالیٰ فی كتابِه:
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُقَدِّمُواْ بَيۡنَ يَدَيِ ٱللَهِ وَرَسُولِهِۦ وَٱتَّقُواْ ٱللَهَ إِنَّ ٱللَهَ سَمِيعٌ عَلِيمٞ}.۱
لماذا علينا أن نرجع إلى أولياء الله؟
أهمّ دليل وأوّل معيار وآخر سبب للرجوع إلى الأولياء والواصلين إلى حريم القدس واتّباع أوامرهم هو جهلنا بالأحداث والوقائع وعالم نفس الأمر. إنّ عقلنا وإدراكنا لا يستطيع الإحاطة بما وراء الطبيعة، فنحن عن حقائق عالم الوجود في حجاب الطبع، جاهلون، واطّلاعنا على أمور عالم المادّة قليل من كثير لا نهاية له، فكيف بالعوالم الأخرى والأمور التي تجري في تلك العوالم؟! ولأنّ حياتنا الآخرة وتكاملنا المعنويّ هما في العبور من العوالم العلويّة والتجرّد النفسيّ والوصول إلى حريم القدس والفضاء المجرّد والمصفّى لعالم التجرّد، فلا يمكننا أبدًا أن نستند على دائرة مدركاتنا وأن نعثر على مصالحنا ومفاسدنا. فعقلنا لا يستطيع أن يحيط بالأمور المجرّدة، وليس له اطّلاع على مستقبلنا وأمورنا النفسيّة، أقصى ما يمكن أن نقوم به في الاعتماد على أفكارنا وقوانا العقليّة هو أن نفسح المجال لهذه القوى في العمل ضمن حدود بعض الضروريّات لا أكثر.
ولهذا فنحن بحاجة إلى دليل، بحاجة إلى إنسان عارف بالطريق، وسالك للطريق وليس كأمثالنا في بداية المسير، بل طوى الصراط وله اطّلاع على منعطفاته ومخاطره، يتكلّم عن بصيرة ورؤية، لا عن خيال ووهم وعقل مجازيّ موهوم، ما يطرحه ليس من الكتب، بل يطرح من بصيرته، متنعّم بنعم الله الغيبيّة، وملهم بالإلهامات الغيبيّة.
فلا مفرّ إذن ولا مناص ولا بديل عن التسليم أمام هكذا إنسان، والتخلّي عن محفوظاتنا، وعدم الاعتماد على مكتسباتنا من مواقفنا اليوميّة، وعدم الإصرار على ما يرسمه عقلنا تخيّلاً وتوهّمًا. حينها يمكن أن نستفيد ونعبر من عوالم النفس وننجي أنفسنا من المهلكات والمهالك، وأن نطوي الطريق برؤية وبصيرة. وفي غير ذلك وإذا اعتمدنا على المسائل المدّخرة في الذهن والنفس وأردنا أن نخطو في اتّجاه ما فسنكون ضالّين مضلّين.
لقد أوضح الله تعالى البيّنات والدلائل في جميع الأحوال، فهو لا يترك عباده أبدًا، وهو بنفسه سيكون الحافظ والراعي للعباد السالكين في طريق التقرّب إليه، وإذا ما اختلفت صورة الأمر فإنّ واقعه لا يختلف. فليس للطريق إلى الله أمور وخصوصيّات وظواهر برّاقة، بل طريق الله هو طريق الباطن، طريق السكوت والتسليم ولا يتواءم مع الظواهر الخادعة والبرّاقة.
وخلاصة الأمر أنّ من الممكن أن يختلف تصوّرنا عن الله عمّا هو في الواقع، والله دائمًا متكفّل بأمور عباده.
وعلى هذا الأساس، لا يمكننا أن نطرح شيئًا من عند أنفسنا، فالعبادة التي نؤدّيها والخطوة التي نخطوها لا بدّ أن تكون عن أمر وبرنامج. ولا قدّر الله أن نزعم أنّ قلوبنا أحنّ على عباد الله من الأعاظم، وأن نكون بالنسبة إلى عباد الله "ملوكيين أكثر من الملك"، فهم أكثر رأفة ورفقًا منّا. علينا أن نكون مطيعين لأوامرهم، لا موجّهين لهم، علينا أن نقبل ما يقولون، لا أن نلقي عليهم.
كيف كان إشراف النبيّ على النفوس حسب بيان أمير المؤمنين
من الصفات التي عدّها أمير المؤمنين لر سول الله اطّلاعه على النفوس وإحاطته التامّة بما يجري للعباد، فهو يعرف مواضع الألم عند الذين يرجعون إليه، فيعالج بعضهم بالمراهم وبعضهم بالكيّ:
«طبيب دوّار بطبّه...»
فرسول الله طبيب ماهر وحاذق، يعرف موضع الألم جيّدًا، ويعرف العلاج أيضًا جيّدًا وأنّه بأيّ وسيلة لا بدّ أن يكون.
«قد أحكم مراهمه...»
فالمراهم التي يضعها يضعها في مواضعها وبشكل صحيح، والوصفة والدواء اللذين يصفهما هما بمقدار مناسب، والذكر الذي يأمر به له حسابه، والدعاء الذي يأمر بقراءته له حسابه، وأمره بالإنفاق له حسابه، فعندما يقول: أعط لفلان ألف تومان فعليك أن لا تعطي ألفًا ومائة. وعندما يقول اصرف مالك في هذا المورد، فعليك أن لا تنفق أكثر من ذلك المقدار وعليك أن لا تكون أكثر رأفة منه، وعندما يأمر بعبادة أو بغيرها فعلى الإنسان أن يقوم بهذا المقدار بعينه. ولكن في بعض المواضع لا يكفي المرهم ولا يحقّق تقدّمًا في العلاج وهنا لا بدّ من الكيّ وآخر الدواء الكيّ۱:
«وأحمى مواسمه...»
وذلك الموضع الذي لا بدّ أن يكوى فإنّه يكويه جيّدًا، وكما يقال لا يخطئ سهمه بل يصيب الهدف بشكل دقيق.
يضع ذلك حيث الحاجة إليه من قلوب عُمي وآذان صمّ وألسنة بُكم.٢ فتلك القلوب العمياء عن إدراك الحقائق، هو يدرك جيّدًا مواضع الموانع فيها، ويشخّص جيّدًا موانع الطريق، وبواسطة إحاطته الولائيّة بالنفوس يعلم موضع الألم عند هذا الإنسان.
نحن لا نعلم ولا اطّلاع لنا، نعدّ عبادة ما مقرّبة في حين أنّها ليست مقرّبة، نعدّ مجلس عزاء للإمام الحسين مقرّبًا والحال أنّه ليس مقرّبًا، هذه الأمور ليست مهمّة بالنسبة إلى الآخرين. بل هي مهمّة بالنسبة إلينا لأنّ مسيرنا وطريقنا مختلف عن الآخرين.
زيارة سيّد الشهداء هي زيارة ما دامت ضمن البرنامج المعطى، وإن كانت مخالفة له فهي مبعّدة.
لقد قام أحد الرفقاء بعمل ما كيلا يطّلع والداه على زيارته لكربلاء، فقال له العلاّمة: هذه الزيارة التي تقوم بها مبغوضة لسيّد الشهداء وليست مقرّبة.
لا بدّ أن تكون في مسير طاعتهم، فلو كان الإنسان في اليمن ولكن طبّق البرنامج، فهذا هو المهمّ، أمّا أن تكون قرب الإمام فإنّ هذه المظاهر الظاهريّة لا يمكن أن تكون مؤثّرة. لا ينسجم طريق الله مع الأهواء النفسيّة وإن كنّا نجد فيها أنسًا.
كيف ييغوي الشيطان الناس بطرقه المختلفة؟
إنّ للشيطان شباكًا وحبالاً مختلفة للوصول إلى كلّ إنسان، وهو يلاحظ مانعًا خاصًّا ومسيرًا خاصًّا لكلّ إنسان، وطرقه المبعّدة لا تقتصر على شرب الخمر والقمار. إنّها ذنوب ترتفع بتوبة واحدة و"أستغفر الله" واحدة وينتهي أمرها، لا قدّر الله أن يأتي ذلك اليوم الذي تكون فيه عبادتنا مبعّدة ونحن لا نعلم، أن تكون مجالس الذكر هذه مبعّدة ونحن غافلون، طاعة أمر الأستاذ بنفسها تصبح مانعًا من الوصول إلى الأستاذ، ويقف الإنسان في مواجهة الأستاذ بعنوان امتثال أمره! فهذه أمور لا تزول بسهولة!
الشيطان دائمًا مترصّد وفي الكمين، وهو نفسه يقسم أنّه سيسدّ الطريق على عبادك:
{قَالَ أَنظِرۡنِيٓ إِلَىٰ يَوۡمِ يُبۡعَثُونَ ، قَالَ إِنَّكَ مِنَ ٱلۡمُنظَرِينَ ، قَالَ فَبِمَآ أَغۡوَيۡتَنِي لَأَقۡعُدَنَّ لَهُمۡ صِرَٰطَكَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ ، ثُمَّ لَأٓتِيَنَّهُم مِّنۢ بَيۡنِ أَيۡدِيهِمۡ وَمِنۡ خَلۡفِهِمۡ وَعَنۡ أَيۡمَٰنِهِمۡ وَعَن شَمَآئِلِهِمۡ وَلَا تَجِدُ أَكۡثَرَهُمۡ شَٰكِرِينَ}.۱
قال الشيطان أمهلني يا ربّ إلى يوم القيامة.
فقال الله: نمهلك.
فقال إبليس: بما أنّك أغويتني وأبعدتني عن رحمتك فإنّي سأكمن وأترصّد للسالكين إليك، سأترصّدهم في كلّ حال، وأسيطر عليهم من جميع الجوانب، وأنفذ في شرايينهم وجلودهم وشعرهم وفكرهم ومخّهم، وسآتيهم بالأعمال التي تبعدهم عنك، وإن لم أستطع آتي إلى عباداتهم وأجعل نفسي شريكًا في تلك العبادة التي يؤدّونها لك.
لا تعلموهم فإنّهم أعلم منكم
إنّ الله لا يقبل تلك العبادة التي تفوح منها رائحة الشيطان والنفس، الله لا يبحث عن الضجيج والظواهر والبكاء والأصوات المرتفعة، نحن لا يمكننا أن نغيّر تقدير الله بالقوّة وبالضغط وأن نغيّر ما حدث، إن كنّا مطيعين ولا نعدل عمّا رسم لنا جرت الأمور وفق ما نريد، وكان كلّ شيء في مكانه، فلننظر ماذا يقول الأولياء العظام ولا نتدخّل ولا نعيّن لهم تكليفًا في أمورهم، ما دام هناك في يوم عاشوراء مجلس عزاء فعلينا أن لا نقيم مجلسًا آخر، فهذا مجلس هوى النفس وليس مجلس ذكر، فالإمام الحسين لا يحتاج إلى بكائي وبكائك، بل جاء الإمام الحسين عليه السلام لأجل العبور بنا. وما يقال من أنّا لم نشعر بحال جيّد في هذا المجلس فهذا كلّه تخيّل وعلى السالك أن يترك ذلك جانبًا. وما يقال من أنّه لم يذكر في هذا المجلس فلان، فهذا أمر باطل، أفهل يجب أن يذكر أحد لكي يستفاد من المجلس؟!
هؤلاء الذين يتصوّرون أنّهم أحنّ من الأمّهات ليست الأجواء الروحيّة الحاكمة على المجلس في دائرة تصوّرهم! وحده الوليّ يمكنه أن يدرك ما يجري في مجلس ما وأن يعيّن الذكر والدعاء المطلوبين وبما يناسب مقتضيات المجلس وروحيّة الحاضرين، إذا صار الدعاء مزيجًا متراكمًا بعضه فوق بعض فماذا سيكون أثر هذا الحساء على الأوقات والمجالس التي نقضيها في عمرنا كلّه؟! إنّ هناك دواء واحدًا يناسب كلّ فرد.
في المجلس الذي هو للسيّد الحدّاد يجب أن لا يكون هناك ذكر لشيء آخر، في المجلس الذي يقام باسم الأعاظم يجب أن لا تطرح أمور أخرى. كان الناس يأتون إليه ويقترحون أن دعنا نفعل كذا ولنفعل كذا. فلو قال: لا تفعلوا. لبثّت الشبهات. ولو قال: افعلوا. فليس فيه مصلحة، فلماذا لا يفهمون؟! إن كنتم أنتم بأنفسكم تدركون وتريدون أن تقيموا مجلسًا للتوسّل فهذا يعني أنّكم صرتم مستغنين عن الأستاذ والمرشد؟! فماذا تريدون أن تصنعوا؟! أتريدون أن تبدّلوا قضاء الله؟! أتريدون أن تتغلّبوا على ملائكة الله؟! فما هذا النوع من التفكير؟! أتعتقدون أنّه ليس هناك من هو أحنّ منكم؟! لماذا يؤذونه؟! لماذا يقترحون عليه بما يجعله في ضيق؟! فهذا الطريق لا يطوى هكذا بغير دليل! وهذه الأمور لا تتلاءم مع أهوائنا! هل لديكم اطّلاع عمّا يجري في الواقع حين اقترحتم هذا؟!
علينا أن لا نعلّم الأعاظم شيئًا، هم يعلمون خيرًا منّا، فالسلوك مسير لطيف ودقيق وحسّاس جدًّا! لن نُسأل يوم القيامة عنّ أنّا لماذا لم نقترح شيئًا؟ فلنترك الأمر إلى أهله إذن. وإذا اقترحنا هنا فعلينا أن نجيب هناك.
يقول أمير المؤمنين عليه السلام أن يا أيّها الناس لا تعلّموا الإمام وعترة النبيّ شيئًا فهم أعلم منكم وأكثر اطّلاعًا منكم على الطريق: ولا تعلموهم فإنّهم أعلم منكم»۱
لا تقولوا افعل اليوم كذا، وغدًا أقم هذا المجلس، وافعل لفلان كذا. ألا يملكون هم بأنفسهم ألسنة؟! أليس لهم فكر؟! فلا نزيد نحن الأمر خرابًا ونضاعف المشاكل! فلنفكّر قليلاً بأنفسنا وبالآخرين ولنعلم أنّ كثيرًا من المشاكل والأزمات هي بسبب هذه التدخّلات التي لا محلّ لها! على الإنسان أن لا يكون هكذا مع الأعاظم، ولا يمكنه أن يقوم بهذه الأعمال من تلقاء نفسه.
قصّة حول التدخّل في أعمال الأعاظم
أذكر أنّه قبل بضع سنوات أقيم في مشهد مجلس فاتحة وحضره سماحة العلاّمة رضوان الله عليه. وفي ذلك المجلس كان القرآن إلى جانب المنبر وكان كلّ من أراد أن يقرأ يجلس إلى جانب المنبر ويقرأ عشر دقائق أو ربع ساعة ويرجع.
فاقترح أحد الرفقاء على العلاّمة أن هل تسمح لنا أن نأتي بالقرآن لتقرأوا أنتم؟
فماذا يقول هنا العلاّمة؟! إن قال: أحضروا القرآن! فهذا قبيح لأنّه يجب أن لا يؤتى بالقرآن إلى أحد، بل ينبغي أن يؤتى إلى القرآن. ومن جهة أخرى إذا ردّ دعوته فهذا ليس صحيحًا، فهل هناك مشكلة في قراءة القرآن؟!
فقام من مكانه وذهب إلى جانب المنبر وقرأ القرآن لبضع دقائق. وعندما قلت: ما هذا العمل؟! قال المقترح: كنّا نحبّ أن نسمع صوت السيّد.
فانظروا ماذا يحكم منطقنا حول هذا العمل؟ فهل استماع صوت السيّد أمر مهمّ؟! هل كان يستحقّ الأمر أن يقوم من مكانه إلى ذاك المكان؟! ألم يكن باستطاعته هو أن يقوم بذلك؟! نحن نقول لهذه الأمور أمور غير مدروسة، تدخّلات غير ناضجة، واقتراحات توقع الأولياء في مشكلة! لم تكن قراءة القرآن مشكلة ولكن هذا نموذج من النماذج الأخرى، أقصد الأمور التي يمكن أن تؤدّي إلى مشكلة إذا اقترحت على الأولياء. فعلينا أن لا نقوم بذلك.
كنت في أحد أيّام عاشوراء في خدمة سماحة السيّد الحدّاد. فقام أحد الحاضرين وأخذ كتاب مفاتيح الجنان وبدأ بقراءة زيارة عاشوراء، والحال أنّي أعلم أنّه لم يكن قد أمره بذلك.
فاعترضت حينها وكان عمري ست عشرة سنة وقلت: ما دام الأعاظم موجودين فلماذا نقوم نحن بهذا؟! أفهل الكون إلى جانب السيّد الحداد دون قراءة زيارة عاشوراء إتلاف للوقت وإبطال للعمر؟! هل سيكون الوقت لغوًا فيجب أن نقرأ دعاءً وزيارة عاشوراء لكي يستفاد من هذا العمر فيرضى عنّا سيّد الشهداء؟! نحن نقول لهذا إنّه فضول لا محلّ له وتدخّل في أعمال الأعاظم!
لقد كان الأولياء والأعاظم مبتلين بذلك دائمًا، بالذين يقترحون من عند أنفسهم ويصرّون وربّما يفرضون.
كلّ ذلك غلط، وينبغي أن لا يكون! كلّ ما يأتي به الله تعالى للمؤمنين فهو صلاح.
الابتلاءات الإلهيّة عنصر تزكية ورقيّ للمؤمن
عندما أجرى السيّد عمليّة جراحيّة لعينه قلت له في أحد الأيّام التي كنت فيها برفقته في المستشفى: سيّدنا نحن لم ندرك وجه هذه الابتلاءات التي تصيبكم وما هي علّتها؟!
فقال: أنت لا تعلم ما هي اللطائف الكامنة في هذه المسائل ولا تنالها!
ورأيت أنّه ربّما يكون مراده أنّه ما لم تلتفت لن تدرك الأسرار الكامنة في هذا الأمر!
نحن نتصوّر أنّنا نكون مورد اهتمام ومقرّبين عندما نكون أصحّاء سالمين وعلى تخت مريح إلى جانب نهر، أمّا لو حدثت لنا بليّة فلن نكون مقرّبين وسنكون موضع غضب الله.
يقول الله تعالى: {وَلَنَبۡلُوَنَّكُم بِشَيۡءٖ مِّنَ ٱلۡخَوۡفِ وَٱلۡجُوعِ وَنَقۡصٖ مِّنَ ٱلۡأَمۡوَٰلِ وَٱلۡأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَٰتِ وَبَشِّرِ ٱلصَّـٰبِرِينَ}.۱
نحن نبلوكم ونجعلكم في حال من الخوف والجوع، وننقص أموالكم، ولو زرعتم لما أثمرت زراعتكم...
ولكن ليس هذا غضبًا من الله، بل هو ابتلاء للمؤمن، المرض الذي يصيبكم هو ابتلاء للمؤمن، لا بدّ للمؤمن أن ينال درجة ويتزكّى، والأمور الكامنة في هذا المجال لا تنالها عقولنا أنا وأنتم.
نحن لدينا خيالات نربّيها في أذهاننا، ونحن نحكم على أساس أفكارنا الظاهريّة ونجعل للأفراد درجة ومرتبة، ولكن لا نعلم في الواقع وفي نفس الأمر بما يجري. وقد جعل الله طرقًا للتخلّص من هذا الأمر والعبور من هذا الطريق، فلو أراد الحديد ذي الصدأ أن يتحوّل إلى شيء برّاق قيّم، فلا بدّ من إزالة صدئه، لذلك يوضع في تنّور وينفخون عليه بالنار لكي يزول ما فيه من الأوساخ، وكلّ واحدة من الصدمات التي تصيبه بواسطة الاحتراق فتتناثر الأوساخ جانبًا هي بشارة من نفحات الرحمان ونعمة من النعم الإلهيّة.
الآلام التي تصيب مؤمنًا من المؤمنين هي بشارات جنّات عدن. والابتلاءات التي يأتي بها الله لعبده هي بمعنى العبور والمرور والتصفية ونتيجة هذا الابتلاء تحصل للإنسان في ذلك الوقت مباشرة، وليست كالامتحانات التي تجرى في هذا الزمان والتي تعطى فيها النتائج لاحقًا، بل تعطى النتيجة في الوقت نفسه، ونحن نكون قد أخذنا النتيجة منذ الخطوة الأولى والثانية للبلاء. نعم يمكن أن يكون انكشافها لاحقًا، ولكنّ النتيحة حاصلة في ذلك الوقت.
{فَإِنَّ مَعَ ٱلۡعُسۡرِ يُسۡرًا ، إِنَّ مَعَ ٱلۡعُسۡرِ يُسۡرٗا}.۱
إنّ اليسر منضمّ إلى العسر ومعه، لا أنّ العسر مرتبة وبعدها يحصل اليسر، فعندما يتناول المريض الدواء ففي كلّ برهة يخرج منه المرض بمقدار ما تناول من الدواء، فاليوم تناول هذا المقدار منه فخرج المرض من بدنه، وغدًا احتمى بمقدار فخرج الداء منه بقدر ذلك. لا أنّ هذا المرض بقي على حاله وإذا ما انتهت مرحلة الدواء فجأة يخرج المرض، كلا ليس الأمر كذلك.
بناء على ذلك نحن علينا أن نترك الابتلاءات التي تواجه المؤمنين تقع في سياقها المفيد ولا نساعد بسعينا غير المدروس في تطويلها، إن كنّا نحبّ المؤمنين فلا بدّ أن نعمل وفق ما أمرنا به، فربّما تؤدّي تصرّفاتنا غير المدروسة إلى تأخير تلك النتيجة المطلوبة التي يريدها الأعاظم.
قصّة حول تأثير الابتلاءات على النفس
أذكر أنّه عندما كان جدّنا المرحوم الحاج السيّد معين الشيرازي في طريق مكّة، وبسبب حادث سير وقع له لم يتمكّن من المتابعة نحو مكّة وأصيب بجراح ونقل إلى المستشفى وبقي مدّة طويلة في مستشفى المدينة. وعندما رجع من تلك الرحلة ذهب المرحوم العلاّمة رضوان الله عليه لزيارته، والعبارة التي قالها رضوان الله عليه للوالدة هكذا كانت:
ما حدث في هذه الرحلة لوالدك وتأثيره الروحيّ عليه لا يحصل في مائة حجّة.
فهذه أمور نحن غافلون عنها، والأعاظم يدركونها ونحن علينا أن نسلّم كي نستفيد.
الجوع في شهر رمضان
شهر رمضان هو شهر التصفية {وَلَنَبۡلُوَنَّكُم بِشَيۡءٖ مِّنَ ٱلۡخَوۡفِ وَٱلۡجُوعِ}.٢ فالله تعالى يجعل الجوع نصيبنا في شهر رمضان، فنحن ندوس شيئًا ما على قلوبنا وأهوائنا ولا تعود أنفسنا تتمايل إلى كلّ ما تراه عيوننا. رغم أنّ الأيّام كانت قصيرة وسريعة المرور، ولكنّ نعمة الله ورحمته عميمة، وإن شاء الله تشملنا جميعًا.
علينا أن نسأل الله أن يجعلنا مسلّمين لأوليائه. فعلينا أن لا نعتدّ بأنفسنا أمامهم! طريق السلوك أدقّ من الشعرة وأحدّ من السيف، ويمكن في لحظة وطرفة عين أن تسلب من الإنسان نعمة فنُحرم. علينا أن ننظر ماذا فعل الأئمّة وماذا فعل الله للأئمّة وللأولياء.
عندما سار النبيّ في معركة تبوك وترك أمير المؤمنين سخر الناس من أمير المؤمنين أنّ النبيّ لم يرد أن يصطحبك ولم يرغب بك ولا شكّ أنّ لديك مشكلة مع النبيّ حتّى لم يصحبك إلى الحرب، فقال النبيّ: «يا عليّ أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلا أنّه لا نبيّ بعدي».۱
فتركُك في المدينة له صورة ظاهريّة لخداع الناس، ولكنّ صورته الباطنيّة هي أنّه يجب أن يبقى في المدينة أنا أو أنت، وأنت روحي التي بقيت هنا.
حقيقة طريق الله وقيمة الظاهر
القصّة أنّ طريق الله ليس بالظواهر بل بالباطن، وليس بالشعار بل بالحقيقة، ليس بمجالس الذكر والتوسّل والصراخ والبكاء وأمثال ذلك، طريق الله ليس طريق الهيئات المعروفة في هذا الزمان، طريق الله ليس هو الطريق الشائع بين الناس الآن، بل هو طريق التسليم، طريق السكينة والاطمئنان طريق السكون والوقار، وطريق إيكال الأمر إلى الأولياء وأولي الأمر وإزاحة النفس جانبًا.
دعاؤنا في يوم عيد الفطر
اليوم انتهى شهر رمضان، ورغم أنّ طاعاتنا لم تكن مستحقّة لأن تقبل، ونشعر بأنّنا صفر الأيدي، ولكن في المقابل أطمعتنا بشرى الأمل وسعة الرحمة الإلهيّة ونحن نطلب من الله الكرامة واللطف على قصورنا وتقصيرنا.
لقد كنّا نقرأ في دعاء القنوت اليوم:
أسألك بحقّ هذا الیومِ الّذی جعلتَه للمُسلمینَ عیدًا و لِمحمدٍ صلّی الله علیه و آله ذُخرًا و شَرَفًا و كرامتًا و مَزیدًا أن تُصلّی علیٰ محمّدٍ و آل محمّدٍ.
فبحقّ هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيدًا وللنبيّ وأئمّة الهدى كرامة وشرفًا وذخيرة للعلوّ والتجرّد، أسالك أولاً أن تترحّم على النبيّ وعترته لأنّ كلّ ما ينزل علينا من النعم الإلهيّة إنّما ينزل من نافذة رحمة النبيّ، فاعلموا أنّه إذا حصلت لكم حال جيّدة وكتبت في سجلّكم فقد كتبت أوّلاً للنبيّ ومن نافذته هو وهكذا! فإذن أولاً نحن نصلّي عليه.
وثانيًا: «و أن تُدخلَنی فی كلّ خیرٍ أدخلتَ فیه محمّدًا و آل محمّدٍ».
يا الله أدخلنا في كلّ خير أدخلتهم فيه، وفي كلّ أمر مقرّب وخير هم وصلوا بواسطة القيام به أدخلنا به نحن أيضًا واجعلنا في هذا الأمر الخيّر واشملنا به واجعلنا مشمولين به.
«وأن تخرجني من كلّ سوء أخرجت منه محمّدًا و آل محمّد».
يا الله على مستوى أعمال الظاهر والجوارح أبعدنا عن المحرّمات والذنوب الظاهريّة، وفي المثال والبرزخ أبعدنا عن الصور الشيطانيّةَ، وفي العوالم الأخرى أبعدنا عن كلّ ما يوجب البعد عنك ويمنعنا من الطريق، وإن كانت من الحجب النورانيّة ومظاهر لطفك ورحمتك، لأنّه بدون العبور عن ذلك لن يمكن الوصول إلى عالم القدس.
«اللهمّ إنّي أسألك خير ما سألك به عبادك الصالحون».
أنا لا أكتفي بالمراتب الدنيا، بل أريد منك الأفضل، لأنّنا لا نتعامل مع بخيل، بل نتعامل مع الله، وخزائن رحمة الله لا تغلق أبدًا، وذلك الكنز الذي لدى الله من بحار رحمته لا ينفد أبدًا. فلماذا نطلب نحن المراتب الدنيا؟! لذلك علينا أن نقول: يا الله أعطنا ما كان يطلبه نبيّك. ألا يعطي هو؟! حتمًا يعطي. أعطنا أفضل ما كان يطلبه أمير المؤمنين. ما دام هو لم يقل: لا تدعوا حول هذه الأمور فلماذا نقصّر نحن هكذا ونبخل؟! نقول: يا الله نحن ندعو بهذا الدعاء، فإن أعطيتنا فشكرًا لك، وإن لم تعطنا فشكرًا لك أيضًا، ولكنّنا ندعو دعاءنا.
«و أعوذُ بك ممّا استعاذَ منهُ عبادُك المُخلِصون»َ۱
يا ربّ من الآن فصاعدًا لا تدع الشيطان يقصدنا.
يا ربّ أعوذ بك ممّا يراه عبادك المخلصون لك مانعًا ويرونه طريقًا لنفوذ الشيطان ويرونه من موانع الطريق.
يا ربّ لا تجعل في سرّنا وسويدائنا غيرك، سواء في الظاهر أو في العوالم الأخرى.
اللهمّ لا تجعل في قلوبنا محبّة سوى محبّتك، ولا تجعل في قلوبنا إرادة سوى إرادتك، فإن وضعت إرادة أخرى فإنّها ستزول ولن يكون لها وجود في القبر لأنّها مجاز، أمّا لو كانت إرادتك أنت، فإنّ تلك الإرادة ستبقى معنا، ستبقى عند الموت وعند الحشر والنشر، لأنّها لن تكون مجازًا لكي نتركها ونمضي، فأخرج من قلوبنا كلّ إرادة وكلّ نيّة سوى إرادتك!
«اللهمّ إنی أسألك خیرَ ما سألك به عبادُك الصّالحونَ و أعوذُ بك ممّا استغاذَ منهُ عبادُك المُخلِصون».
يا ربّ هذا اليوم يوم عيد الفطر السعيد وقد حللنا ضيوفًا عندك مدّة شهر، وكما قال نبيّك: «فإنّ الشقيّ من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم»۱ فلا تجعلنا من الأشقياء في هذا اليوم، اللهمّ واجعلنا تابعين لأوليائك! ولا تحل بيننا وبينهم أبدًا! ولا تجعل في قلوبنا غير محبّتك ومحبّتهم، اللهمّ عجّل في فرج إمام الزمان عليه السلام، تولّ أنت جميع أموره! اجعل الصحّة والعافية والسلامة لوليّك إمام الزمان عليه السلام وأرواحنا فداه وللأعاظم.
اللهمّ إنّا لا نملك شيئًا من الذخيرة ومعتمدون على لطفك وكرمك، فاجعلنا في الدنيا والآخرة ملتزمين مع أوليائك ومصاحبين لهم.
اللهم خذ منّا كامل وجودنا واجعل حياتنا ونعمتنا الأبديّة فقط وفقط في طريق ومسير متابعة الوليّ والأعاظم الذين أتعبوا أنفسهم من أجلنا في هذا المسير. لا تحل بيننا وبينهم في الآخرة! وكن أنت المتكفّل والكافل لأمورنا وباشر أنت قلوبنا وتولّ أنت ترسيم نوايانا وأفكارنا!
ولأجل رفع البلاء عن المسلمين وتعجيل فرج إمام الزمان عليه السلام وتحقيق الائتلاف والاستيناس بين الأحبّة والأعزّة والفرج الكليّ لشيعة أمير المؤمنين عليهم السلام صلّوا على محمّد وآل محمّد ثلاثًا.
اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد.