المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني
القسمعنوان البصري
المجموعةالعزّة والعلو
التوضيح
ما أسباب العزّة في الدنيا وكيف يتعامل الإنسان معها في مكان عمله ومع من هم فوقه ودونه؟ وكيف يجمع بين عدم طلب العزّة والحزم في إدارة العمل؟ وكذلك بين عدم طلب العزّة وضرورة الاستعداد العسكريّ والمادّي بأعلى المستويات؟
من هي القوّة العظمى حسب الثقافة الإسلاميّة؟ وبماذا ننصح الدول التي تدّعي لأنفسها هذا اللقب؟
كيف تجلّت العزّة الإلهيّة في أحداث الفيل وعاد وغيرهم وكيف نجيب على أصحاب تأويل المعجزات بالقوانين الماديّة؟
كيف تتجلّى العزّة الإلهيّة في التشريعات الإسلاميّة وخصوصًا في موضوع الحجاب؟ وما هي آثار عدم الحجاب على نفس المرأة ؟
يجيب آية الله السيّد محمّد محسن الحسيني الطهراني رضوان الله عليه في هذه المحاضرة على هذه الأسئلة وغيرها ضمن شرحه لفقرة ولا يطلب ما عند الناس عزًّا وعلوًّا.
هو العليم
العزّة الدنيويّة والعزّة الإلهيّة ومظاهرهما
شرح حديث عنوان البصريّ - المحاضرة ۱۱۱
ألقاها:
آية الله الحاجّ السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ
قدس الله سره
أعوذ باللـه من الشيطان الرجيم
بسم اللـه الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين
والصلاة والسلام على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم محمد
وعلى آله الطيبين الطاهرين
واللعنة على أعدائهم أجمعين
ولا يطلب ما عند الناس عزًّا وعلوًّا
يقول الإمام الصادق عليه السلام: ولا يطلب ما عند الناس عزًّا وعلوًّا.
من كانت لديه هذه الخصوصيّات ويهتمّ بهذه الأمور التي تحدّثنا عنها سابقًا للرفقاء فإنّ تفكيره حول الحقائق سيتغيّر، وسيميّز بين الأمور الاعتباريّة والواقعيّة.
ومن صفات هذا الإنسان أنّه لا يطلب ما عند الناس سواء من النعم الدنيويّة أم النعم الأخرويّة ـ إذ لا يختلفان من هذه الجهة ـ لأجل العزّة والتكبّر على الآخرين. لأنّ النعم الإلهيّة متفاوتة، وقد تحدّثنا إلى الآن حول الأمور الدنيويّة والنعم الإلهيّة الدنيويّة، ولم نتحدّث بعد للأصدقاء حول ذلك القسم.
أسباب العزّة في الدنيا
ذكرنا في الجلسة السابقة للرفقاء أنّ العزّة مختصّة بالله، والعزيز هو الإنسان الذي قد أوجدت شخصيّته حريمًا خاصًّا لها من حولها يميّزها عن سائر الناس، فصار بواسطة هذا الحريم صاحب خصوصيّات مميّزة يهتمّ بها الناس وينجذبون إليها. وهذه الخصوصيّات إمّا أن تكون ماديّة أو معنويّة ويمكن أن تكون في جهات مختلفة. فبعضهم بواسطة علمه يتميّز عن سائر الناس، فمثلاً هو في مجتمع يجعل علمه أن يكون هناك حائل بينه وبين الناس، بحيث يكون الآخرون دونه، وفي النتيجة يكون هذا الإنسان عزيزًا وموضع اهتمام. أمّا لو كان ضمن مجموعة كلّهم من صنف واحد، فهناك تزول العزّة، لأنّ الجميع بمستوى واحد. لا حاجة لكي يحصل بواسطتها ذلك الحائل والحريم، الجميع متشابهون، لا يختلف بعضهم عن بعض. فهذه العزّة هي عزّة اعتباريّة.
لو كان لإنسان مال وكان صاحب ثروة، وكان بين الماديّين موضع اهتمام من هذه الناحية، فهو جذّاب لسائر الناس بذلك، فما دام بين الناس الذين هم في مستوى متوسّط من حيث الإمكانات فإنّ له هذه الخصوصيّة والعزّة، ولكن بمجرّد أن يكون بين جماعة يتمتّعون بمستوى من الثروة أو كان الآخرون أرجح منه نرى، أنّ هذه العزّة قد زالت، فبماذا يتفاخر على الآخرين؟ فإمّا لديهم ما لديه، أو أكثر. فهذا الأمر إذن أمر اعتباريّ، وليس واقعيًّا. لو كانت العزّة واقعيّة، فيجب أن يحتفظ بها لنفسه في جميع الأماكن وجميع المجالات.
ولو كان لإنسان جمال وكان بين أناس لا يمتلكون هذا الجمال، فسيحدث طبعًا لديه غرور بهذا الجمال ويعدّ نفسه متميّزًا عن الآخرين ويفتخر عليهم. فهذا من الناحية الظاهريّة ومن الناحية الاعتباريّة يتفاخر به. ولكن لو كان في مجلسٍ الناس فيه متساوون من هذه الناحية أو أعلى فلن يكون لبضاعته مشترٍ ولن يكون لها فائدة. وهكذا لو كان لإنسان رئاسة وكان موضع اهتمام الناس، وهم يراجعونه لقضاء حوائج دنياهم، فستأخذه بالطبع العزّة والعلوّ وسيخدع بهذا المقام الذي له.
لأفلاطون في كتابه المدينة الفاضلة تعبير يقول فيه: كلّ قدرة تسبّب غرورًا إلا ما شاء الله. فالناس يراجعونه ويغدو موضع اهتمامهم، أمّا لو كان في مقامٍ الجميع فيه متساوون في هذا المنصب، فحينها لن يكون هناك معنى لأن يفتخر، فعلى من يفتخر؟ أو كان في مجلس يكون فيه رئيسه وهو يحتاجه، فيجد فجأة أنّ ذلك الفخر الذي يمارسه على الآخرين يتحوّل إلى ذلّ الطلب والحاجة إلى الآخر. فيختلف الأمر فجأة مائة وثمانين درجة. فما هذا؟ إنّه اعتبار.
افترض أنّ هناك مديرًا يمارس الأمر والنهي على من تحت يده: افعلوا كذا ـ بدون التفات إلى أنّهم وإن كانوا موظّفين إلاّ أنّهم عباد الله أيضًا ـ يأمرهم وينهاهم لا من باب التكليف ولكن من باب الإدارة والفوقيّة، يجب أن تفعلوا! إن لم تفعلوا سألعن أسلافكم! من هذا الباب. ما إن يقول: سألعن أباك، فلو دخل في أمر وقال له الأعلى منه: سألعن أباك أيضًا، فإنّ كلّ شيء سينتهي، جميع المعادلات تتهاوى، فمن المعلوم إذن أنّ هذا اعتبار وليس واقعًا.
النظرة الواحدة إلى الجميع
ذلك الذي ينظر إلى الجميع نظرة واحدة هو أمير المؤمنين. لم تتغيّر نظرته عندما كان غلامه قنبرًا في مرحلة ما قبل الخلافة، عن نظرته بعد الخلافة، لم تتغيّر مقدار ذرّة. لا يزال ينظر إلى جيرانه النظرة نفسها التي كانت لديه قبل الخلافة، إلى أقاربه إلى رفاقه وإلى الناس، إلى بائع الخضار، إلى البقّال، وإلى سائر الناس، وعندما وصل إلى حكومة المسلمين لم تختلف نظرته. فقط قالوا قم من هنا واجلس هنا، لم تخلتف النظرة، لم تختلف النفس، الوحيد الذي كان كذلك هو أمير المؤمنين، فهذه العزّة هي عزّة واقعيّة. الإنسان الذي لم تختلف فيه مرتبة ما قبل الخلافة عن مرتبة ما بعدها، هو عزيز وعزّته واقعيّة.
أمّا لو أنّي عندما أكون جالسًا هنا أتحدّث مع الرفقاء والأصدقاء بنحو، وعندما أنزل وأجلس هنا فأتحدّث بطريقة أخرى، يختلف لحن كلامي، كيفيّة نظرتي إلى الأصدقاء، فهذا اعتبار، وهذا خطأ، وهذا تخيّل، وهذا مجاز، وهذا توهّم.
كيفيّة النظر إلى الأقران والأشباه وتأثيرها على الشعور بالعلوّ والعزّة
فإذن في النعم الدنيويّة العزّة التي تحصل للنّاس في الشؤون الدنيويّة هي كلّها اعتباريّة، ولها معادلات كهذه في مقام المقارنة مع الآخرين والأخذ والردّ مع الأقران والأشباه. فهذا من الناحية النفسيّة أمر مهمّ جدًّا وإن شاء الله إذا وفّقنا الله سنتحدّث لاحقًا حول هذا الأمر وأنّ أحد أسباب الأمراض النفسيّة بل وحتّى الجسديّة والعصبيّة وكيفيّة تأثير هذه الأفكار على الجسد من ناحية فيزيائيّة، يرجع إلى هذا الأمر. إنّ كافّة الأمور الدنيويّة تفهم من خلال العلاقات مع الأقران والأمثال والأشباه. مستوى القيمة الذي نعطيه نحن للشؤون وللخصوصيّات والاعتبارات الدنيويّة يتحدّد من خلال العلاقة والحوار مع الناس المشابهين لنا، فأوّلاً ننظر إلى المماثلين لنا ثمّ نتّخذ معيارًا وميزانًا لتلك الخصوصيّة والقيمة. فلو كان المستوى في موضع ما غير متوازٍ نشعر بالعلوّ والعزّة والحريم، ولو كان هناك رفعة من الطرف المقابل فإنّ تلك العزّة والافتخار تتبدّل إلى ذلّة.
إحساس العلوّ الذي كان لديك في تلك الغرفة، ما إن تخرج منها وتأتي إلى غرفة أخرى، تفتح الباب وتدخل ولا تبتعد عنها سوى مترين، فإنّ تلك الحال من الفخر والعزّة والاستعلاء والتكبّر والنظر إلى الناس بنظرة أخرى، تتبدّل فجأة إلى ذلّة وطأطأة للرأس واعتذار وأنت المحترم وتفضّل عليّ وأنا أخطأت! وما يشبه هذا الكلام. كلاهما اعتباريّ في النهاية، فذاك كان خطأ وهذا خطأ أيضًا. المؤمن واحد في الحالين، للمؤمن نظرة واحدة في هذه الغرفة وفي تلك.
اختبر نفسك في محلّ عملك وعلاقتك مع من دونك وفوقك
عندما يتحدّث مع من تحت يده فإنّه ينظر إليه النظرة نفسها ـ التفتوا أيّها الرفقاء الأمر دقيق جدًّا ـ نحن جميعًا نقول: نحن هكذا، جميعنا نقول: لا يختلف الأمر عندما. كلاّ، اختبروا أنفسكم في محلّ عملكم، هذه الأمور التي أقولها للأصدقاء جرّبوها في الحياة واختبروها في المحيط الخارجي، ونحن علينا أن نسير وفق هذا الكلام، ونرى هل نحن واقعًا هكذا أم لا؟ نقول: نعم هكذا، وإمام الزمان هكذا قال والإمام الصادق قال ذلك لعنوان البصري وإن شاء الله نحن من المنتصرين. حسنًا فهذا الكلام أيضًا كان في كتاب! وأنا كنت أعرف هذه الأمور، ولكن عندما أختبر نفسي في العلاقات مع الناس الذين من حولي، الذين أرى أنّهم يحتاجون إليّ، والذين أحتاج إليهم، حينها يُعلم كم تركت هذه الفقرة الشريفة من كلام الإمام الصادق عليه السلام أثرًا في نفسي، وكم أنا متطابق معها، وليس المهمّ هو الجلوس في جلسة عنوان البصري واستماع هذا الكلام!
عندما أكون في الحالين واحدًا فتلك هي القيمة والواقعيّة. إذا رأيتم أنّكم مع ذلك الموظّف والذين هم تحت أيدكم لا تختلفون في كيفيّة النظر وكيفيّة الحديث والتعامل، لا من ناحية التكليف فأحيانًا يمكن للإنسان أن يحتاج إلى شيء من الحزم مع الموظّف وإن لم يحزم لا يؤدّي عمله، ويسيء الاستفادة، فالناس ليسوا جميعًا في مستوى ثقافيّ واحد، ومستوى فكريّ واحد، ويتمتّعون بفكر سليم، كلاّ ففي مقام التربية والتعليم لإنسان ما كالمدير والمسؤول لا بدّ من العمل بحزم، لا شكّ في ذلك، وإلاّ فإنّ كلّ العمل سيفسد، وكلّ التخطيط سيفشل، ولكنّ الكلام هو في أنّا كيف ننظر إلى الأمر في أنفسنا، هل كمدير أو كعبد مثل سائر عباد الله؟! كيف ننظر؟!
تلك النظرة التي ننظرها إلى موظّف أو إلى عامل أو إلى إنسان هو في أدنى المستويات في مؤسّسة ما، كعامل التنظيف مثلاً ينظّف الباحة ويسقي الحديقة والزهور، إذا رأيتم أنّ نظرتكم إليه لا تختلف عن نظرتكم إلى الرئيس الذي تحتاجون إليه في تقدّم عملكم وأموركم فاعلموا أنّ الله شملكم بتوفيقه إلى حدّ ما، لا تختلف. أمّا لو رأيتم أنّكم أردتم الركوب في سيّارة، فقدّم لكم ذلك الرجل التحيّة والاحترام فأدرتم برؤوسكم فكلاّ هذا لا يمكن. إذا جلسنا في مكان ولا يمكننا أن نهيئ لأنفسنا شيئًا فنتحدّث بطريقة أخرى، ولكن ما إن يقولوا إنّ صوتكم يسجّل الآن وهناك آلة تصوير وسينشر ذلك ويمكن أن يصل إلى أماكن كثيرة، فإنّي أضبط نفسي، فهل رأيتم ماذا حدث؟ لقد اختلف الأمر، وطريقة الكلام اختلفت، وكيفيّة الحديث.
يريد الإمام الصادق عليه السلام أن يربّينا مثل ما تربّى هو، أن يربّينا في مدرسته هو، يريد أن يرسم لشيعته ذلك الطريق الذي سلكه هو وصار الإمام الصادق، ويريد أن يحدّد ذلك الطريق، هذه هي المسألة!
يقول الإمام الصادق عليه السلام: ابحثوا عن العزّة في العزّة الإلهيّة فإنّها لا تختلف من حال إلى حال. لا تختلف في التعامل مع الناس، في تغيير المواقع، لا تختلف أبدًا، هنا بالنحو نفسه، وطبعًا كما ذكرت للرفقاء فإنّ طريقة التعاطي تتغيّر من موضع إلى آخر، فعلى الإنسان أن يحترم أستاذه، أن يحترم وليّ نعمته، فمسألة الاحترام وأداء التكليف شيء، والنظرة الباطنيّة إلى الأمر وكيفيّة القيام به وتلك العزّة الإلهيّة التي سأتحدّث عنها إن شاء الله عندما أجد فرصة لأبيّن أنّ أساس جميع الأمور إلى أيّ شيء يرجع، وكون تلك العزّة الإلهيّة واحدة في جميع الأحوال، هذا شيء آخر.
يقول الله يجب أن تطلبوا العزّة من الله: {وهو العزيز الحكيم۱ وهو العزيز العليم}٢ فكم لدينا في آيات القرآن تأكيد على هذا الأمر! فكيف يبيّن الله لنا مقام عزّته؟! وبأيّ تعبير يوصل إلى آذاننا الصمّاء أنّني وحدي أنا صاحب القدرة في الدنيا والآخرة ، وحدي أنا صاحب العزّة والجلال في الدنيا والآخرة. ابحثوا عن العزّة الحقيقيّة في العلاقة معي، بالالتفات إلى عزّتي عاشروا الناس. وهذه هي المراقبة التي يتحدّث عنها الأعاظم.
تلك المراقبة التي يقولون إنّ على الإنسان أن يكون عليها دائمًا هذا معناها أن يجعل ارتباطه بالله بنحو يجعل معنويّاته ونفسه التي ابتعدت عن التربية الإسلاميّة والثقافة الإسلاميّة لسنوات طويلة بدلاً من الاقتراب من مقام القرب الإلهيّ، يجعلها ترجع إلى مكانها الأوّل شيئًا فشيئًا، وتتغيّر شيئًا فشيئًا حتّى يغدو الأمر عندها ملكة، سواء قالوا تعال، أو قال اذهب في أمان الله لا يختلف الأمر، يرجع ويسير يحصل لديه تغيير في هذه النفس حتّى يرجع.
من هي القوة العظمى في الرؤية الإسلاميّة؟
في الرؤية الإسلاميّة القدرة والعزّة لله، ونحن ابتعدنا عن الرؤية الإسلاميّة، نحن نرى القوة في القوى الظاهريّة، في نظرنا الدولة التي لديها طاقة ذريّة أكثر وقنابل ذريّة أكثر فهي العظمى. فمن هي الدولة العظمى في نظرنا الآن؟ إنّها أميركا، لا شكّ في ذلك. من هي الدولة القويّة؟ بريطانيا، لعنة الله عليها ـ كان المرحوم العلاّمة يقول: إن كان الجميع يقولون الموت لأمريكا فأنا أقول الموت لبريطانيا. فإنّ بريطانيا هي التي تدير أميركا أيضًا ـ من هي الدولة العظمى؟ الاتّحاد السوفياتي؛ لأنّ لديهم قنابل ذريّة، ولأنّا نرى أنّ كلّ دولة لديها طاقة ذريّة أكثر فهي أقوى، وكلّ دولة دبّاباتها أكثر فهي أقوى، وكلّ دولة بنادقها أكثر فهي أقوى، وكلّ دولة تكنولوجيّتها أكثر تطوّرًا فهي أقوى. ولكن في الإسلام الأقوى والأعظم هو الله تعالى فقط لا غير، الأقوى هو الإسلام فقط لا غير. الإسلام، الإسلام الواقعيّ، لا الإسلام الذي تدّعيه الدول الإسلاميّة وهي بعيدة عنه ألف فرسخ، كلاّ الإسلام الحقيقي هو الأقوى والأعظم، واستعمال لفظ العظمى في الدول الأجنبيّة والكافرة هو خطأ من منظار الثقافة الإسلاميّة، العظمة تعني الإسلام، الأقوى والأعظم هو [قوله تعالى:] {كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا}٣ صيغة أفعل تعني الأعلى، الرجل الأعلى، القرية الأعلى من سائر القرى، فالأعظم والأقوى هو صاحب القوّة التي لا قوّة فوقها، فهل أميركا لا قوّة فوقها؟ فمن هي أميركا ومن هي بريطانيّا؟ ومن هي الدول الأخرى؟! إنّها كافرة، كلّها دول كفر، إنّهم يبحثون عن المادّة بدلاً من البحث عن الله، دائمًا يطوّرون أسلحتهم.
نصيحة إلى الغرب الذي يدّعي أنّه قوّة عظمى
نحن ننصحهم، ننصح رؤساءهم أيضًا أن تعالوا واسمعوا كلام الإمام الصادق، تعالوا فكّروا قليلاً، انظروا ماذا قال الإمام الصادق أيضًا، لا تنظروا كثيرًا إلى قنابلكم وأدواتكم وتجهيزاتكم. ألم تروا ماذا جرى سابقًا في زمان رؤساء الجمهوريّة السابقين بعد الثورة في حادثة طبس؟! ألم تحسبوا؟ ألم يدرسوا بأحدث الوسائل والأقمار الصناعيّة حركة الرياح وكيفيّة الهواء وتغيّر الطقس، فلا شيء أعلى من ذلك، ولكنّهم أخطؤوا خطأ واحدًا وهو أنّهم نسوا هذه الآية من القرآن: {يا أيّها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحًا وجنودًا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرًا}.۱ أتذكرون عندما جاء المقاتلون في معركة بدر، ولم تكونوا تدرون ماذا تصنعون، فقد جاؤوا إلى تلك المعركة بأيّة أسلحة وأرادوا أن يقضوا على كيان الإسلام، وأن يقضوا على النبيّ. وفي معركة الأحزاب تعاهدوا مع قبائل المشركين ليقضوا على الإسلام، ألم يأتوا؟ عندما جاء عمر بن عبد ودّ فهل وقف أحد منكم أمامه، من وقف سوى أمير المؤمنين؟ واقعًا كم كانوا عديمي المروّة، وعديمي الإنصاف وعديمي الوجدان! أين هي الحادثة التي تخلّف عنها أمير المؤمنين؟! ثمّ بعد ذلك أعطوه حقّه هكذا بيده!، عجيب جدًّا، إنّ مسائل التاريخ هذه عبرة لنا.
فالله هنا يقول إنّ الأقمار الصناعيّة الأمريكيّة يمكنها أن ترى حركة الرياح العاديّة، ولكنّ الخطأ الذي أخطؤوه ولا بدّ أن يلتفتوا إليه ويتراجعوا عنه هو أنّ الأقمار الصناعيّة لا يمكنها أن تكشف الملائكة المسبّبة للرياح! أليس لدينا في القرآن الكريم حول قوم عاد أنّا {أرسلنا عليهم الريح العقيم}٢ فهل كانت هذه الرياح عاديّة مثل هذه الرياح المتعارفة أم لا؟ بل الملائكة ـ وبواسطة اتّصال الملكوت بالملك ـ تسبّب تغييرًا وتحوّلات ماديّة في عالم الملك، فيحدثون عاصفة فلا يبقى دير ولا ديّار بعدها، فهل الأقمار الصناعيّة تلك تكشفها أيضًا؟ هل يمكن لها أن تشير إلى جبرائيل يا فلان ويا فلان؟ كلاّ بل هي بإمكانها أن ترصد أنّ الرياح جاءت من البحر المتوسّط مثلاً وستصل إلى هنا وسيسقط القليل من الثلج. ومقدار من هذا صحيح أيضًا. ولكنّ أحداث عالم البرزخ والمثال فلا يمكن كشفها بها. فعندما جاءت الطائرة الأمريكيّة إلى يزد تريد أن تضرب الدولة الإسلاميّة والبلد الإسلاميّ فلماذا لم تكتشف الأقمار الصناعيّة تلك العاصفة التي تنطلق؟ لماذا؟ لأنّه كان عمل الملائكة. لقد أخطأتم ويجب أن تتراجعوا، تلك الرياح التي هبّت [لا يمكن اكتشافها بقوّتكم].
كيفيّة مواجهة صاحب الزمان عليه السلام للأسلحة المتطوّرة
يقولون عندما يأتي إمام الزمان فكيف سيواجه هذه الأسلحة الموجودة الآن؟ لقد أوضح الله لنا الأمر بهذا السيل الذي حصل ، ينطلق سيل من البحر، يحدث زلزال ويضرب ويخرّب كلّ شيء، يحدث زلزال يبتلع كلّ هذه الأسلحة وتغلق أبوابها. تفضّلوا لا شيء! لا حاجة لإطلاق رصاصة واحدة، لا حاجة أبدًا. ألم يأت الزلزال؟! لقد رأيتم كيف تنشقّ الأرض بشكل كامل وتقول ائتوني بكلّ ما لديكم، ثمّ تعود كما كانت، فلو حفروا الآبار ليستخرجوها فهل يمكن أن يستخرجوها؟ انتهى الأمر. لدينا أعماق في الأرض بما يكفي لابتلاع مائة ضعف من هذه الأسلحة، وتقول أيضًا: {هل من مزيد؟}۱ ائتوني أيضًا بغيرها! فما هذه؟ هذه هي القوّة العظمى، من هي القوّة العظمى؟ هذه هي. فعلينا أن نستيقظ ونعي إذن.
لقد تكرّر هذا الأمر كثيرًا، فعندما جاء أبرهة ليدمّر الكعبة بخمسائة فيل ـ وليس الأمر بسيطًا، خمسمائة فيل في مقابل اثنين من العرب لا يحملان في أيديهما حتّى خشبتين، لقد كان بإمكانكم أن تدمّروا الكعبة بفيلين اثنين، ومع ذلك أرسل خمسمائة فيلاً ويأتي بأمر من النجاشي ليدمّر الكعبة ويقضي عليها. وعندما يدخل من الذي يتمكّن من مواجهته؟فهذه قوّة عظمى في النهاية، إنّها قوّة عظمى موجودة الآن. وهنا لدينا نظرتان:
نظرتنا نحن أهل الدنيا: عندما ننظر إليها فإنّا نفرّ وينتهي الأمر، فقد جاء أمر الله وسوّيت الكعبة بالأرض.
ونظرة جناب عبد المطّلب عليه السلام: يأتي بكامل الوقار. يقولون لأبرهة: جاء شيخ قريش يريد لقاءك. فقال: تفضّلوا. يتوقّع الجميع أنّه سيتحدّث عن تدمير الكعبة، ولكن عندما أتى أجلسه إلى جانبه. قال: ماذا تأمرون؟ فقال: إنّ جنودك أخذوا جمالي وقد جئت لآخذها منك ـ ويبدو أنّي ذكرت هذه القصّة للرفقاء ذات يوم ـ فتعجّب فجأة ـ وطبعًا فإنّ عبد المطّلب لم يأت بحثًا عن جماله! كان يريد أن يلقّنه درسًا وأن يسخر منه أن ماذا تصنع أنت؟! أتغترّ بفيلك؟! كان يريد أن يرشده! قال: لقد أخذ جنودك جمالي فمرهم أن يعيدوها. فقال أبرهة: لقد كنت أتوقّع منك غير هذا. قال: لو أنّك جئت وطلبت منّي أن أعود لأجبتك. فقال جناب عبد المطّلب: وما شأني أنا لكي أطلب؟! أنا أريد جمالي فأعطنيها! وللبيت ربّه، فلهذه الكعبة ربّ وهو أدرى وأعلم! فلماذا آتي أنا وأتطفّل على عمل الله. لو أنّ عبد المطّلب طلب ذلك لكان مشركًا! هناك لا تسمح غيرة الله أن يطلب، من كيس من أنت تطلب؟ أمن كيسي؟ فهل يحترق قلبك على هذه الكعبة أكثر؟ أنت تهتمّ بموقعيّة هذه الكعبة أكثر منّي؟ هذا من يدعى موحّدًا. يقول: أنا لديّ جمال، وقد سرقتموها فأعيدوها. فقال: حسنًا أعيدوا إليه جماله. عندما خرج عبد المطّلب قالوا له: لماذا لم تكلّمه في الأمر؟! قال: وما شأني أنا؟! لقد ذهبت لآخذ جمالي، وللكعبة ربّها. ولكن في الوقت نفسه يشرع بالعبادة، فيجب أن يقوم أيضًا بهذا الأمر، فيذهب ويدعو، يصعد إلى أعلى الجبل ويخرّ ساجدًا ويقول: إلهي نحن لا قوّة لنا! نحن لا علم لنا! نحن لا استطاعة لنا! احم أنت أرضك! احفظ أنت بيتك! احفظ أنت المأوى. فالعبد الموحّد يراعي هذين الأمرين معًا في مقام العلاقة الخاصّة مع الله، وفي مقام التربية وكيفيّة العلاقة مع الناس. ومن ناحية أخرى لا يقول أيضًا: ما شأني أنا؟ يفعل الله ما يشاء، كلاّ فالله يقول عليك أن تدعو أنت أيضًا، أنت عليك أن تتضرّع، ثمّ أنا أقرّر ما أريد، وأنا أخبَر بما أريد.
الجميع يقولون انتهى أمر الكعبة، وما إن يأتي الأمر بالهجوم فجأة تأتي جنود لم تروها۱ والجميع كانوا يرون جيش الأبابيل. فأيّ قمر صناعيّ يمكنه أن يرصد جيش الأبابيل؟! أيّ تفكير وقواعد ظاهريّة ترصد أنّ حيوانًا صغيرًا بحجم عصفور يأتي ـ والآن هذه الطيور الأبابيل موجودة في مكّة بحجم العصفور وأطول بيسير ـ تحمل في منقارها حجرًا وهذا الحجر أشدّ تأثيرًا من الرصاص، فيرمي كلَّ واحد منها على رأس واحد منهم.
سخريّة تأويل المعجزات بقواعد ماديّة
الآن تقول جماعة: أيمكن؟ يأتي بعضهم من أهل التأويل والتوجيه فيقول حتمًا كان هناك بركان فأخذت منه الأبابيل أحجارًا حارّة! أين كان في مكّة بركان؟ والعقل جيّد! أين كان هناك بركان، ولو كان هناك بركان فكيف لم تحرق هذه الحجارةُ الأبابيلَ؟! فهذه أقلام في النهاية تكتب كيفما اتّفق. أيّ بركان هذا؟ قل معجزة إلهيّة، قل قدرة إلهيّة ممّ أنت تخاف؟ ممّ تخاف؟ إلى إيّ درجة غاص فكرك في المادّيات بحيث لا يمكنك أن تتقدّم قليلاً من حدود جهالتك التي صنعتها لنفسك! قل معجزة إلهيّة.
يأتي النبيّ موسى إلى جانب نهر النيل فيجمد النيل كالحجارة ويعبر الجيش، فيقولون كان مدّ وجزر في النيل! كيف لم يحصل هذا المدّ والجزر على مدى ملايين السنين وحصل في تلك اللحظة؟ ولماذا لا يحصل الآن؟ لماذا ليس لنهر النيل الآن مدّ وجزر ليعبر الجميع منه؟ واقعًا هذا كلام مضحك، واقعًا هو مثير للسخرية. لقد حدثت معجزة إلهيّة، وهناك أناس من الناس العاديّين يمكنهم أن يقوموا بأعمال من هذا القبيل، ولا حاجة إلى النبيّ موسى واليد البيضاء وأمثال ذلك.
فإذن القدرة في الرؤية الإسلاميّة مختصّة بالله، القوّة العظمى في الثقافة الإسلاميّة هي الله، وجنود الله والملائكة والأسماء والصفات الإلهيّة، هذه هي القوّة العظمى. العزّة من وجهة نظر الثقافة الإسلاميّة مختصّة بالله، {هو العزيز}٢ والآخرون أذلاّء وحقيرون ولا يحسب لهم حساب. لم يسمح جناب عبد المطّلب لنفسه بالتردّد بمقدار ذرّة في ذهنه حول أبرهة والفيلة وتلك القدرات، ولو أنّ مسلمًا سلّم واقعًا لإرادة الله، فإنّ الغرب لا شيء، بل لو اجتمع الشرق والشمال والجنوب يريدون بالإنسان وبالإسلام سوءًا فإنّه مسلّم وعينه على الله وعنايةِ الله، واللطيف أنّا نرى ذلك بأعيننا ثمّ نتوجّه إلى الماديّات، ويبقى نظرنا إلى الماديّات.
ضرورة الاستعداد المادّي بأعلى التقنيات مع عدم التوجّه إلى المادّة
يجب أن تكون الدولة الإسلاميّة أعلى من جميع الدول من جميع النواحي، من ناحية العلم، ومن الناحية التقنيّات، ومن ناحية الأخلاق، ومن ناحية الثقافة، ومن ناحية الرفاهيّة وسائر الأمور. ولدينا في آيات القرآن: {وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّة ومن رباط الخيل}۱ علينا أن نستعدّ في مواجهة الأعداء بالمعدّات والتجهيزات. ولكن الكلام هو في أنّ التوجّه إلى هذا الأمر هو خطأ، الاعتماد على هذا الأمر هو بعيد عن الثقافة الإسلاميّة، الثقة بهذا الأمر لا ينسجم مع التوحيد، فهناك أمران: يجب أن يبحث الإنسان عن الوسائل من حيث الظاهر، ولكن أين يجب أن يكون التوجّه وأين يجب أن تكون النيّة؟ الإمام الصادق عليه السلام يريد أن يصحّح النيّة، مهما أرادت المشيئة الإلهيّة أن تكون، وبأيّ أمر تعلّقت. ربّما لا يريد الله الفتح والنصر لجيش الإسلام، لا يريد فهو لا يريد في النهاية. فكم مرّ من الزمان حتّى ولد النبيّ الأكرم، مئات السنين من زمان المسيح إلى ولادة رسول الله، فلماذا أخّر الله كلّ هذه المدّة؟ لماذا لم يولد النبيّ قبل ذلك؟ لم يرد، يجب أن يولد النبيّ في هذا الشهر وفي هذا اليوم وفي هذه الساعة وفقط. فلو أراد الله أن يهزم الإسلام في موضع ما فليهزم، فهل أنا وليّ الإسلام؟! هل أنا قيّم الإسلام؟! أنا عليّ أن أقوم بواجبي، أن أعمل بالتكليف، وأن أعتقد أنّ الفتح والنصر والقوّة والعناية هي فقط من عند الله، عليّ أن أعتقد ذلك عمليًّا، هذا المنطق هو منطق الإسلام.
ففي منطق الإسلام ومدرسة أهل البيت العزّة مختصّة بالله، وغيره أذلاء، القوّة العظمى هي الله وإطلاق القوّة العظمى على غيره مخالف للثقافة الإسلاميّة. وفي ثقافة أهل البيت على المسلم أن يكون ثابتًا على قواعد التوحيد ومبادئه وقواعد الإسلام الحقيقيّ والتشيّع الحقيقيّ. وأن يجعل أساس حياته على هذا، فهذا هو أساس الإسلام.
استناد الأحكام الإسلاميّة إلى صفة العزّة الإلهيّة وعزة المؤمنين
وعلى هذا الأساس فإنّ الله تعالى لأنّه عزيز يعدّ عبده عزيزًا. وقد اعتمدت الأحكام الإسلاميّة قبل كلّ شيء على حفظ العزّة وكرامة النفوس في المؤمنين، وفي الآيات والروايات جعل الاستغناء للعبوديّة لله، فيا عبدي أنت عبدي وستنتقل إليك عزّتي. وجانب الارتباط الذي بين العباد والله هو الأساس والأصل والسبب للعزّة التي هي له على نحو الإطلاق، وهم لهذا السبب أعزّة.
تجلّي العزّة الإلهيّة في الحجاب
لماذا أوجب الله تعالى الحجاب على النساء؟ لأنّ عزّة المرأة تحفظ في ظلّ الحجاب. لقد جعل الله للمرأة حريمًا وحدودًا بحيث لا يمكن للآخرين أن يعتدوا عليها، لا يمكن أن تمتدّ أيديهم إليها، لا يمكنهم أن يجعلوها موضعًا لنظراتهم الملوّثة، وتلك العزّة التي تمتلكها المرأة في مقام لطفها وحفظ نفسها التي يجب أن تنمّيها بالتربية الصحيحة، تلك العزّة تحفظ بالحجاب، تبقى محفوظة من استراق الآخرين. لا أنّ الحجاب أمر يريد أن يحدّ المرأة، أو أنّ الله لا سمح الله له مشكلة مع فئة ويريد أن ينحاز إلى فئة أخرى، كلاّ فليس الأمر كذلك، بل ذلك المقدار من الحجاب هو عبارة عن الحريم الذي بواسطته تحفظ المرأة من استراقات الآخرين، ولا يسمح لهم أن يباح هذا الحريم ويكسر.
وسابقًا كان هناك أسوار للمدن وجدران وقلاع وأبواب وحرس، فلماذا هذه الأشياء؟ كي لا يعتدي الخائنون على أهالي القرية، ولا يأتي اللصوص. لماذا نجعل بابًا للمنزل؟ ما الحاجة إليه؟ لو كنّا في بلد يحكمه الأمان بحيث لا ينظر أحد، فمثلاً في زمان ظهور إمام الزمان هكذا سيكون الأمر، كافّة الأبواب في زمان الظهور مفتوحة، لا أحد يغلق بابه، لماذا يغلقه؟ هل لباحة المنزل المسيّجة بالجدران باب إلى السماء؟ نحن في باحة المنزل ننظر إلى السماء، لماذا لا نجعل فوقها سقفًا؟ لأنّه لا حاجة، يجب أن تسطع الشمس عليها. الباب الذي تجعله للمنزل هو لكي يبقى أهل المنزل مصونين من الاعتداء، تغلق الباب وتقفله، كما تضع أشياء أخرى فوقه، أدوات أخرى، صفّارات إنذار، فلو كنّا في حالة من الأمان ليس فيها تخيّل للاعتداء على حريم الآخرين وحقوق الآخرين، فلماذا يغلق الإنسان باب الباحة الخارجيّة؟ لماذا يغلقها؟ سواء كانت مفتوحة أم مغلقة.
ففي السابق كانوا يجعلون الأبواب، يعني يجعلون حريمًا، يجعلون للمدينة حريمًا.
فهذا الحجاب الذي جعله الله تعالى للمرأة هو حريمها، أراد أن يحترمها، أراد أن يمنّ عليها، أراد أن يميّز مكانتها عن الآخرين ويقول أنا أعدّك عزيزة ولا أريد أن تقع أنظار الناس على وجهك كسلعة. إذا كان لديك شيء قيّم فهل تبديه للجميع؟ أم تخبّئه داخل سبعة صناديق؟ نعم، تأتي إلى الزقاق صباحًا وتقول: لديّ هذا الخاتم انظروا كم هو قيّم؟ أم لا.
أثر نظر الرجل إلى المرأة على نفسها
مكانة المرأة ونفس المرأة كيمياء وجوهر لا يحفظان إلاّ إذا حفظا من الأنظار الملوّثة التي تنتهي إلى المفاسد. فالنظرة المريبة للرجل إلى المرأة تترك في نفسها أثرًا، النظرة المريبة للرجل إلى المرأة تغيّرها شاءت أم أبت. لذلك يقولون: لماذا ليس لدينا حضور قلب في الصلاة؟ لماذا نحن هكذا؟ لماذا لدينا تشويش؟ لقد أظهرت نفسك من الصباح إلى المساء لألف رجل، والآن تريدين أن يذبح لك جبرائيل قربانًا عند الصلاة؟! لقد وقعتْ على وجهك من الصباح إلى المساء ألف نظرة مريبة، إنّ كافّة هذه النظرات المخيفة كانت سمًّا تسرّب إلى نفسك، لذلك يقول الله: {قل للمؤمنين يغضّوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم.۱ وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهنّ ويحفظن فروجهنّ}٢ قل للرجال أن يغلقوا أعينهم وقل للنساء أيضًا أن يغلقن أعينهنّ ولا ينظرن. فكما على الرجل أن لا ينظر إلى المرأة، على المرأة أيضًا أن لا تنظر إلى الرجل فهذا يترك أثرًا. إذا أرادت أن تتكلّم مع رجل فلتطأطئ رأسها، لماذا تنظر؟ لماذا يجب أن تنظر؟ لماذا يجب أن تضحك حتمًا؟ لماذا يجب أن تبتسم حتمًا؟ ما الداعي إلى ذلك؟ ألا تريدون؟ فليكن! ألا تقول الآية القرآنيّة قل للمؤمنات. على النساء أن يغلقن أعينهنّ، ولا ينظرن إلى المواضع المحرّمة من الرجل مثلاً! فهذا في مكانه. لا ينظرن إلى وجوه الرجال، لا تنظر إلى وجه الرجل.
ما دمنا نحن في حال نعاني فيه من الخلأ والنقصان ومرتبة الاستعداد ولم نصل إلى التربية، ولدينا قابليّة لكلّ نوع من الضرر والخسارة والأذى من جميع الجوانب، فعلينا أن نلتزم بهذه الأحكام، وإن لم نلتزم فإنّا نخسر من جيبنا. بعضهم يقولون لي: سيّدنا لماذا نحن هكذا؟ لماذا نحن هكذا؟ أقول: عندما خرجتَ صباحًا من بيتك ماذا فعلتَ؟ هل طأطأتَ رأسَك إلى الأسفل؟ يقول: لا. عفوًا! أقول: حسنًا! عندما كنت في عملك كيف كان ارتباطك مع النساء، هل تحدّثت معهنّ بشكل جيّد، وضحكت؟! فيقول: إنّه عمل في النهاية. أقول: ثمّ ماذا فعلت؟ عندما كنت راجعًا ألم تتابع الأمر؟ ألم تقل في أيّ حال أنا الآن؟ هل يمكن أم لا؟ هل ستسمح لنا الظروف أم لا؟ ألم تفعل ذلك؟ يقول: بلى فعلت ذلك عفوًا. أقول: أفتتوقّع الآن أن لا يكون لديك تشويش؟ أتتوقّع أن تصلّي صلاة باطمئنان؟!
نحن نبتعد كثيرًا في طريق الضلال أيّها الرفقاء! ليست هذه أوامر الإسلام! نعم إن أردنا أن نكون هكذا وبهذه الطريقة، نعم فالمسائل التي وقعت ولا بدّ أنكم سمعتم بكثير منها، ربّما كانت شمّة من هذه الأمور! سيصل بنا الأمر إلى حيث تقام من تلك المجالس هنا وهناك باسم الثقافة وباسم الفنّ الإيرانيّ! فهذا سيأتي إلى دولة الإسلام وسيعرض! فهذا أيضًا واحد من الطرق، وفي النهاية هناك من يختار هذا وهناك من يختار ذاك، فنحن لا نصرّ ولكن:
ترسم نرسى به كعبه اى اعرابى | *** | كاين ره كه تو مىروى به تركستان است ۱ |
[يقول: أخشى أن لا تصل إلى الكعبة أيّها الأعرابيّ *** فهذا الطريق الذي تسلكه ينتهي إلى بلاد الترك]
خير للنساء أن لا يرين الرجال...
إذا أراد إنسان ما أن يصلح نفسه، فإنّ الإمام الصادق يقول عليك أن تقوم بهذا العمل، وإن لم ترد أن تصلح نفسك، فأصغ إلى كلّ متكلّم! إن أردت أن تصلح نفسك فعليك أن تنظر ماذا قالت السيّدة الزهراء سلام الله عليها. فلدينا في الرواية الصحيحة عن السيّدة الزهراء بنت الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم أنّها قالت: خير للنساء أن لا يرين الرجال ولا يراهنّ الرجال.٢ أفضل النساء هي التي لا يراها رجل ولا ترى رجلاً. هذا كلام السيّدة الزهراء فهل قالت كذبًا؟ نعوذ بالله يقولون أنا لا أعلم، هل قالت مزاحًا؟ يقولون أنا لا أعلم، هل قالت لذلك الزمان ـ ما شاء لله الآن الجميع منورو الأذهان ومتطوّرون ـ ففي ذلك الزمان كان وزن أدمغتهم لا يتجاوز الغرام الواحد أو الغرامين، والآن صارت ثمانمائة غرامًا، يقولون أنا لا أدري، لقد كانت الثقافة في ذلك الزمان تقتضي ذلك، ففي ذلك الزمان كان للنّاس نفوس وكان لهم شيطان، وكانت لهم نظرات مريبة، الحمد لله كلّ واحد منّا هو جبرائيل الأمين! وكلّ واحد منّا هو سلمان الفارسي! يمكن أن يكون هذا! فمقتضيات الزمان آنذاك كانت هكذا، ولم تكن هذه الأمور وهذه التطوّرات، والآن هناك حاجة! نعم! النساء لا تضحك وتتحدّث فقط مع بعضها، فلماذا لا يكون الأفضل؟ إذا كان لا بدّ من القيام بعمل فلماذا لا يقوم الإنسان بالأفضل ويكتفي بالأدنى! يمكن. وهناك الكثير من هذه الأمور، هناك الكثير من هذه الأمور.
لقد جعل النبيّ هذا الأمر مسابقة في المسجد فقال اذهبوا وائتوا بجواب هذا: من هي أفضل النساء؟ ـ لا بدّ أنّ النبيّ لم يقل لنا نحن، بل قال فقط لهؤلاء العدّة اليسيرة من عرب المدينة، فهم كانوا بعيدين عن الحضارة ونحن بحمد الله أهل حضارة! من هي أفضل النساء؟ أمير المؤمنين لم يقل شيئًا هناك، جاء إلى المنزل ـ ولكلّ ذلك حسابه ـ فقالت السيّدة الزهراء لأمير المؤمنين ماذا جرى اليوم؟ أو أنّ أمير المؤمنين قال إنّ رسول الله طرح أمرًا كهذا بين الأصحاب. فقالت السيّدة الزهراء إنّ أفضل النساء هي التي لا يراها رجل ولا هي ترى رجلاً. لا أنّها لا ترى الرجل عاريًا، أن لا ترى رجلاً، يعني لا تراه باللباس، لا إلى جانب البحر، لا في الحمّام. هذه أفضل النساء.
فجاء أمير المؤمنين فرأى أنّ النبيّ لا يزال مع الأصحاب ولم يغادر، فقال: يا رسول الله أتيت بالجواب. قال: لقد قالت لي ابنتكم إنّ أفضل النساء هي التي لا يراها رجل ولا ترى رجلاً. فقال النبيّ: فاطمة بضعة منّي.۱ إنّ فاطمة هي المتّصلة بي وهي قطعة منّي. فهنا قال النبيّ هذا الأمر حول فاطمة. يعني من يعمل بهذا الأمر هو معي، ومن لا يعمل فليس معي، أمّا لو قلنا لقد كان ذلك الزمان بنحو، والآن هو بنحو آخر، المجتمع الآن يقتضي أن تأتي النساء ولا أدري ماذا تفعل، تصعد تهبط تقرأ! فما سمعناه من الأئمّة هو هذا.
خطاب السيّدة زينب في مجلس يزيد استثناء لا يقاس عليه
لقد خطبت السيّدة زينب أيضًا في الكوفة، لماذا؟ لقد كان عمر السيّدة زينب ستّين سنة فكم مرّة خطبت بين الناس؟ أين لدينا أنّ السيّدة زينب كانت تدرّس الرجال وتبيّن الأحكام؟ هل خرجت السيّدة زينب من المدينة على نفس الحالة التي كانت في الكوفة؟ كم يجب أن نكون عديمي الإنصاف؟ عندما أرادت السيّدة زينب أن تخرج من المدينة مع سيّد الشهداء وأهل البيت نحو مكّة، جاء شباب بني هاشم الذين كانوا من محارمها وشكّلو حلقة حول الهودج حتّى لا يراها الرجال أثناء ركوبها. ثمّ هي في مجلس يزيد لم يكن على رأسها عباءة، فانظروا إلى أين وصل الأمر؟! حتّى لقد نزعوا العباءة عن رأس السيّدة زينب، هكذا كانت حالها. ثمّ نأتي نحن ونقارن بهذه الحالة ونقول: هنّ أيضًا فعلن ذلك؟! أليس هذا انعدامًا للإنصاف؟ إنّه تحريف، تحريف للتاريخ، تحريف للمدرسة، علينا أن نقول الحقيقة فمن شاء فليقبل ومن شاء فليرفض.
لقد ذكرت بالأمس في جلسة النساء أيضًا أنّ وظيفة المبلّغ من المبلّغين هي أن يبيّن الأحكام كما يجب، يقولون: نحن نطرح الأمر بحيث يكون الإسلام مقبولاً في نظر الأجانب وفي نظر الغربيّين! فليمض ألف عام ولا يدخل أحد الإسلام فهل أنا القيّم على الإسلام؟! إنّ القيّم على الإسلام هو إنسان آخر، إنّه إمام الزمان وحده، هو وحده القيّم. أنا وأمثالي وسائط كآلاف الوسائط، واحد من الوسائط هذا، ويجب علينا أن نبيّن رأي الإمام كأمانة، سواء أراد الآخر أن يقبل أو لا، فليبق لألف عام غير قابل. فالآن أربعة مليارات من عدد سكّان العالم كلّهم كافرون، فليكونوا خمسة مليارات، فلماذا لا يذهب إمام الزمان ليدخلهم في الإسلام؟ لماذا؟ فهل نترك نحن الدين والعقيدة حتّى يكون الإسلام مقبولاً في أعين الآخرين؟ فليمض ألف عام ولا يدخلون الإسلام. نحن علينا أن نبيّن تلك الحقيقة للنّاس بدون تحريف وبدون تحصيل للمنافع الشخصيّة، هذا هو تكليفنا. لا نقتطع، ولا ننقص ونزيد، لا نضرب الأسس والقواعد لأجل لفت أنظار الشباب والآخرين، نبيّن الحقيقة كما قالها الإمام، ولا يمكن كما قالها تمامًا، بل نقرّب أنفسنا منها، وإلاّ فمتى يمكننا أن نبيّن الحكم الذي بيّنه الإمام الصادق كما هو؟ هيهات أبدًا. نقترب، نخلص نيّتنا، نكون صادقين، وإمام الزمان أيضًا يساعد، إنّه يساعد ويؤيّد. فلنصلح أساس القضيّة في علاقتنا مع الإمام، ولنكفّ عن خداع الإمام!
الصدق في تعيين مهور النساء
لقد ذكرت أمرًا في جلسة الأمس مع النساء فليسمعه الرفقاء، قلت إنّ من الأمور التي نحن نخدع أنفسنا بها ـ وقد وقع هذا الأمر قبل مدّة ـ أنّا نريد أن نجعل مهر بناتنا ثلاثمائة ليرة ذهبيّة، فنأتي ونتذرّع بإمام الزمان فنقول: على عدد أصحاب إمام الزمان ثلاثمائة وثلاثة عشر ليرة! فهل الثلاثمائة والثلاثة عشر أكثر أم الأربعة عشر معصومًا؟ أيّهما أكثر؟ الثلاثمائة والثلاثة عشر أرفع درجة أم الأربعة عشر معصومًا؟ أيّهما أرفع درجة؟ الثلاثمائة والثلاثة عشر أعلى أم الخمسة أصحاب الكساء؟ لماذا لا نقول خمس ليرات ذهبيّة لأجل الخمسة أصحاب الكساء؟ أتريد أن تخادع إمام الزمان؟ هكذا؟ تعال وقل نحن نريد ثلاثمائة، تعال وقل نحن نريد خمسمائة بكلّ صراحة، لماذا تتذرّع بالإمام؟ لماذا نمازح إمام الزمان؟ قل أنا أريد أن أجعل مهر ابنتي ألف ليرة، فالإسلام لم يمنع وأنت تعرف.
لقد قال النبيّ من أراد أن يتّبعني فعليه أن يجعل مهر ابنته مهر السنّة، ومهر السنّة يعني خمسمائة درهم شرعي قيمة ذلك الدرع التي باعها أمير المؤمنين. قال النبيّ: ماذا لديك يا علي؟ قال: لديّ درع وسيف. فقال: أمّا السيف فتحتاجه، وأمّا الدرع فلا تحتاجه، فأنت لا تولّي ظهرك مثل الآخرين الذين بقوا ثلاثة أيّام تائهين في معركة أحد، في الجبال المحيطة بالمدينة، أولئك الخلفاء الراشدون أعلى الله مقامهم! جاؤوا بعد ثلاثة أيّام! كلاّ فأمير المؤمنين كان يسير دائمًا باتّجاه واحد، في جهة واحدة، لم يفرّ يومًا. باع الإمام ذلك الدرع، فكانت قيمته خمسمائة فصارت هذه الخمسمائة مهر السنّة، علينا أن لا نخادع، وعلينا أن لا نؤوّل، علينا أن لا نخادع النبيّ [ونقول] في ذلك الزمان كانت الخمسمائة درهم تشتري بيتًا وأرضًا! متى كانوا يبيعون بيتًا في ذلك الزمان بخمسمائة؟ ما هذا الكلام؟ ما هذا الكلام؟ لقد كانت الخمسمائة درهم قيمة درع، فكم قيمة الدرع الآن؟ مائتان أو ثلاثمائة ألف تومان في النهاية، ليست أعلى من ذلك. لم تكن للدرع قيمة في ذلك الزمان، كان شيئًا من الحديد يخاط بعضه ببعض، فكم قيمته؟ ليست خمسين مليونًا، خمسمائة درهم، خمسمائة من الفضّة. ما الدليل على ذلك؟ أيّها الذين يؤوّلون ويحرّفون ويقلبون السنّة! دليله أنّ أمير المؤمنين ماذا فعل بهذه الخمسمائة درهمًا؟ قال النبيّ لسلمان وأبي بكر: اذهبا إلى السوق واشتريا أثاثًا للسيّدة الزهراء. فذهبا واشتريا فراشًا ولحافًا، وبضع أوانٍ و... فهذه خمسمائة درهم، فهل هي تشتري أراضٍ واسعة؟ لقد كتبوا في جميع الكتب أنّ أثاث السيّدة الزهراء ماذا كان؟ فراش من الصوف، بساط، فراش، بضع كؤوس فخّاريّة، ومطحنة يطحن فيها القمح. هذا والسلام، هذه خمسمائة درهم. لماذا تكذبون على الناس؟ فلنقل لا نريد، نريد أن يكون مهر ابنتنا ثلاثة آلاف ليرة ذهبيّة، فلماذا تكذبون على الإمام؟ لماذا تتجرّؤون بالمزاح مع أهل البيت؟ إنّ غيرة الله هنا لن تقصّر، هنا تظهر! قال النبيّ: من أراد أن يتّبعني فليجعل مهر ابنته مهر السنّة والسلام، من أراد أن يصغي فليصغ، ومن لم يرد فشأنه. لقد أمرني جبرائيل عن الله أن قل لأمّتك أن يتّبعوك في مهور بناتهم. لا يمكن للنبيّ أن يقول إنّ هذا الأمر يرتبط بهذا الزمان، أمّا بعد ألف وأربعمائة سنة أخرى فهناك مشكلات للبنت، تحتاج إلى حياة، تحتاج إلى بناية باسمها، الرجل يظلمها، فلا بدّ أن تكون لها ضمانة، لا بدّ أن تكون مستندة إلى شيء! ألم يكن النبيّ يعرف هذا الكلام؟ هل نسي؟! أم لا، نحن لسنا من أمّة النبيّ! فقط أولئك الذين كانوا في ذلك الزمان هم من أمّة النبيّ وكان مهر السنّة خاصّا لهم. كلاّ يا سيدي العزيز! إن أردت أن تكون من أمّة النبيّ فعليك أن تصغي لما قالوا والسلام. لا أن تؤوّل وتحرّف، إن لم تكن قادرًا، فقل لا أقدر، ولا تخادع النبيّ، قل لست قادرًا، قل المصلحة تقتضي هذا، قل هناك من لا يقبل، قل هناك أمور أخرى، قل هناك مشكلات، لا إشكال في ذلك.
لدينا آية في القرآن أن {لو آتيتم إحداهنّ قنطارًا فلا تأخذوا منه شيئًا}۱ عند الطلاق، لو جعلتم المهر جلد بقرٍ مليئًا بالذهب فعليكم أن تدفعوه، فلا حدّ للمهر، يمكن لإنسان أن يقول: كلاّ أنا أريد عشرة آلاف ليرة ذهبيّة، فما المشكلة في ذلك؟ مائة ألف ليرة ذهبيّة ما المشكلة؟ لا حدّ له، أنا أريد أن أجعل كلّ أموالي مهرًا للمرأة، فليكن. إنّه ماله إن شاء أن يلقيه في البحر أو يعطيه لامرأته فما المشكلة في ذلك؟ ولكن لا أن نأتي ونخادع إمام الزمان ونقول بمقدار أصحاب إمام الزمان، ثلاثمائة وثلاثة عشر ليرة، لا فلتقل ثلاثمائة ولا تتذرّع بإمام الزمان، فإمام الزمان لا يُخدع، إنّه ملتفت.
عودة إلى عزّة الحجاب
هذه العزّة التي جعلها الله للمرأة تحفظ في ظل الحجاب. لذلك فإنّ الله يقول إن أردت أن تبقي مصونة وممحفوظة إن أردت أن تسيري في الطريق الذي بيّنته لنبيّي، لإمامي الصادق، إن أردت أن تصلي إلى ذلك الهدف الذي خلقتك من أجله، لا أن تكوني كالشاة تأكلين ثمّ بعد ستّين سنة... نعم الشاة بعد سنتين تؤخذ إلى المسلخ، وأنت بعد ستّين سنة يجعلونك تحت التراب، كلاكما تذهبان إلى مكان واحد! كلاّ، بل إذا أردت أن تَصِلي إلى ذلك الهدف الذي خلقتك في هذه الدنيا من أجله فيجب أن تكوني محجّبة، عليك أن تحفظي نفسك من نظرات الأجانب، احفظي نفسك لمدّة حينها ستدركين ماذا يجري في نفسك، حينها تدركين أنّ حالك قد اختلف عمّا قبل ستّة أشهر، ذلك الإحساس الذي في قلبك، ذلك الإحساس يختلف عمّا قبل ستّة أشهر، حفظت نفسك قليلاً، التفتِّ قليلاً، فصار لك شعور خاصّ بنفسك، قبل ذلك كنت مشتّتة منشورة، حينها كانت لك حالة، إن لم تنظري من الصباح إلى المساء إلى عشرة رجال كنت تنزعجين عند المساء، ولكنّك الآن على العكس، الآن لا تريدين أن تنظري، الآن تنفرين من النظر إلى الرجال. هل اختلّ عقلك؟ كلاّ، بل عقلك في مكانه، بل هو الآن بدأ بالتكامل، الآن بدأ يدرك.
هذه الأمور التي أقولها للرفقاء قد جرّبت، لا أنّي هكذا أنظّر للرفقاء في الهواء، كلاّ يا سيّدي العزيز! رفقاؤنا وأصدقاؤنا والذين هم على ارتباط بنا والذين جالوا الأماكن كلّها والدنيا كلّها، فرجعوا وقالوا: هنا الصواب، لقد كان طريقنا خاطئًا، كان طريقنا مخالفًا، الحقّ هو ما ذكره المرحوم العلاّمة في كتاب الرجال قوّامون على النساء (رسالة بديعة)، الحقّ هو ما ذكره في كتبه حول الحجاب وحفظ المرأة. المسألة هنا، وإلاّ فأن يأتي الإنسان هكذا ويقول ويضحك، ونحن نصبح رجعيّين، نحن نصبح من العصر الحجري، ونحن نصبح أصحاب أفكار ذلك الزمان، تفضّلوا فكلّ هؤلاء يمضون أيّامهم، آلاف الناس يعيشون بهذه الطريقة ويمضون.
المرونة والانفتاح على الجميع رغم تبنّي ما يتّهم بالرجعيّة
هذه الأمور التي تقال للرفقاء لا يمكن أن ينظر إليها من جانب واحد، لقد درست من جميع الأبعاد، لقد كان لدينا علاقات وارتباطات مع جميع الناس، لقد عاشرنا الجميع. ولحسن الحظّ فإنّ الرفقاء يعرفون أنّي منفتح في الأمور الأخلاقيّة، منفتح في كيفيّة التعاطي مع المعتقدات المختلفة، بعض أصدقائنا عندما كانوا يطرحون بعض المشكلات ـ حفظهم الله الآن ليسوا حاضرين ـ كانوا يقولون: لو أنّا كنّا نطرح هذه الأمور مع غيركم لكنّا في سبعة أكفان، ولكن أنت تتحدّث وتضحك، وكأنّي لا أقول هذه الأمور من الكفر لك. في النهاية هناك إشكال، وعلى الإنسان أن يصغي إلى الإشكال، عليه أن ينظر إليه نظرة منفتحة وهكذا كنت منذ طفولتي، كنت منفتحًا جدًّا في التعاطي مع المعتقدات المختلفة والأمور المختلفة، كنت أبدأ بسعة صدر وأعالج الأمر، أتكلّم، حتّى يصبح الطرف المقابل أشدّ تحمّسًا منّي [لما أقول]!
لقد كنت مع الجميع، مع جميع الأصناف، مع الجميع، مع المسيحيّ، مع اليهودي، مع المسلم، مع الشيعيّ مع السنّي، الأنواع المختلفة، مع الجميع، ما وجدته هو هذه الآية الشريفة: {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألاّ نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئًا}.۱ تعالوا يا أهل الكتاب جميعًا، فلنجتمع معًا، تعالوا جميعًا إلى هذا المكان، فليأت الأمريكيّ إلى هنا، وليأت البريطانيّ إلى هذا المكان، وليأت الفرنسيّ، وليأت الروسي، وليأت الصينيّ، تعالوا جميعًا لنجلس على مائدة واحدة، لندع الاختلافات جانبًا، ولنتمسّك بالله وحده الذي نقبل به جميعًا، {ألاّ نعبد إلا الله}، فلنقل فقط الله، وما قاله الله. إن كان السيّد المسيح قد قال فنحن نقبل، إن كان النبيّ موسى قال فقد قال الله، ولندع العناد جانبًا، ولندع الأغراض والمصالح الشخصيّة جانبًا، ولندع الشخصيّة جانبًا، فليأت رئيس الجمهوريّة، ليأت رئيس أميركا، ليأت إلى هذه السفرة، لم يغلق هذه السفرة أحد في وجه أحد، إذا أراد الوزير أن يأتي أو أراد النائب، فليأت الجميع، فليأت الجميع، ألم يرسل النبيّ بالرسائل إلى الرؤساء والقياصرة، ألم يرسل إلى كسرى رسالة فمزّقها وداسها برجله، فما معنى هذا؟ معناه أنّك أنت يا كسرى لك مكان بيننا في سفرتنا.
يوحي الله إلى النبيّ موسى أن اذهب إلى فرعون وانصحه: {فقولا له قولاً ليّنًا لعلّه يتذكّر أو يخشى}۱ لعلّه يلتفت، ففرعون ليس رجلاً آليًّا، ليس حجرًا، ليس عمودًا، في النهاية هو إنسان، وله نفس، اذهب وتكلّم معه، فإن لم يقبل فهذا أمر آخر. ادعه إلى هذه المائدة، قل له هو أيضًا أن يحضر.
والآن أيضًا هكذا، فليأت الجميع، لندع الأغراض والمصالح الشخصيّة جانبًا، لندع الأمراض جانبًا، لندع العناد جانبًا، لندع العزّة الاعتباريّة جانبًا، ولنأخذ عزّة الإمام الصادق، هذا هو المهمّ، ولندع تلك، نجد أنفسنا جلسنا جميعًا على سفرة واحدة، نطيع ما يأمر به الله، فلو قال الله اتّبعوا النبيّ عيسى، نقول: نعم حاضرون. لو قال كونوا يهودًا. نكون أو لا نكون؟ نحن منفتحون إلى حدّ، المسلم منفتح إلى حدّ، أمير المؤمنين منفتح إلى حدّ... ألم يكن يأتي اليهوديّ فيقول له أمير المؤمنين: يا أخا اليهود، يا أخي اليهوديّ، أمير المؤمنين يقول: أخي اليهوديّ. كان منفتحًا واسع الصدر يقبل الجميع، هكذا كان يتكلّم، ثمّ كان ذاك يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنّ محمّدًا رسول الله وأشهد أنّك خليفة رسول الله.
كان على أمير المؤمنين أن يتعامل هنا هكذا، فإذا وصل إلى النهاية كان اليهوديّ يتشهّد، كان يقول: أشهد أنّك أنت الخليفة. لم يكن يقول اضربوه، اغرب من وجهي! أخرجوه من المسجد، اطردوه واضربوه على وجهه واضربوه بالعصا على رأسه! كلاّ، لم يكن هكذا. يا أخا اليهود، تعال يا أخا اليهود، ماذا لديك؟ ماذا تريد أن تقول؟ هذا كلامنا نحن.
عندما كان المرحوم العلاّمة على ارتباط بالسيّد الخمينيّ رحمه الله سنة اثنين وأربعين كان يقول له: علينا أن ندعو جميع الدنيا إلى الإسلام، علينا أن نجمع الدنيا كلّها على سفرة واحدة. كانت عبارته هكذا: تلك الفطرة وذلك الوجدان الموجودان عندي وعندك هما بعينهما موجودان عند رئيس أميركا، وبعينهما موجودان في تلك المرأة التي في بريطانيا، وهما أيضًا موجودان عند فلان هناك، الجميع لديهم ذلك، نحن نعرض ما قاله الله ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر. كما أرسل رسول الله الرسائل إلى قيصر وإلى ملك مصر القبطي، وإلى كسرى، وبعضهم قبل حيث أسلم النجاشي، وعندما توفّي في الحبشة ـ أثيوبيا الآن ـ صلّى النبيّ على جنازته في المدينة، فوقف في المدينة وقد توفّي ذاك في الحبشة فصلّى عليه من هناك. قال: لقد مات مسلم. ولكن غيره مثل كسرى مزّق الرسالة وداسها تحت قدميه. لقد دعا الجميع وفتح حضنه للجميع. قال: فليأت الجميع، الفطرة والوجدان اللذان لدينا موجودان عند الجميع، نحن نقدّم الإسلام بشكل صحيح والباقي لا علاقة لنا به.
في النهاية مضى الوقت ونحن تحدّثنا كما يبدو أكثر من المقدار المقرّر. إن شاء الله نتابع تتمّة الكلام حول هذا الموضوع، وطبعًا هو موضوع واسع وهناك موضوعات أخرى في هذا المجال، إن شاء الله سنذكرها للرفقاء في فرصة أخرى. نسأل الله أن يوفّقنا لفهم دينه والعمل بما يرضه وأن يعرّفنا بتكاليفنا. فمسألة المعرفة مسألة مهمّة جدًّا، فقبل العمل على الإنسان أن يعرف ويستعرض الأمور في ذهنه، وفي كلّ يوم ينظر فيها عدّة مرّات، ويختبر نفسه في كيفيّة التعامل مع الأحداث، وأن يطبّق الأمور التي يسمعها في علاقاته مع مختلف الناس، فقد كان المرحوم العلاّمة يقول: هذا هو السلوك، وليس هو قراءة الشعر ودعاء الجوشن والتوسّل وأمثال هذه الأمور، ثمّ في اليوم التالي الذهاب إلى الأعمال والسوق والتجارة ناسيًا كلّ ما سبق، كلاّ ليس السلوك هكذا. ولو كان الإنسان هكذا فلو مضت ألف سنة عليه فلا سبيل له، فقط جاء وقضى وقته، سمع كلامًا ومشى، والمهمّ أنّ مسؤوليّته هناك أشدّ، يقولون له: سمعت ـ وليته ما أتى ـ سمعت فلماذا لم تعمل؟! أمّا الآخرون فلا يسمعون، الناس الذين يسيرون في الشارع لا يسمعون، لا يلتفتون، ولكن الذي يسمع طبعًا ستكون مسؤوليّته أشدّ، والذي يتكلّم مسؤوليّته أشدّ من الجميع، أعاننا الله قبلكم.
إن شاء الله نأمل أن يجعلنا الله تحت رعاية صاحب مقام الولاية، لنكون تحت نظره في الدنيا والآخرة.
اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد.