1

الهدف الأوحد للسالك الحقيقي هو الله سبحانه وتعالى

9659
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمجبل عامل

المجموعةمتنوع

جلسات المجموعة(4 جلسة)

التوضيح

تحدّث آية الله سماحة السيّد محمد محسن (قدّس الله سرّه) في هذه المحاضرة عن معنى لقاء الله تعالى في الآية الكريمة فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ، وعرض التفسير الشائع لها، وهو ملاقاة الله بصفاته الجماليّة أو الجلاليّة طِبقًا لأعمالنا، ثمّ طرح إشكالًا على هذا التفسير، وأكّد أنّ المعنى الحقيقيّ هو لقاء نفس الله تعالى. ثمّ بيّن حقيقة التجرّد في هذا اللقاء واختلافه عن اللقاء الماديّ، وأنّ حقيقة روح الإنسان لا يقابلها أي نعيم دنيويّ أو أخرويّ. وبيّن نقطتي الصعود والنزول لحركة الإنسان التكامليّة، ثمّ وضّح تفاوت الهِمَم للآخرة؛ فهناك مَن يروم الجنّة ونعيمها، وهناك مَن لا يرضى بغير الله تعالى. وأشار إلى الخسارة الكبرى في بيع النفس مقابل الجنّة وثوابها، والحال أنّ المَربَح جُلُّه هو في لقاء الله تعالى. ثمّ إنّ هذه الهمّة تتجلّى في أعلى صورها بالعبوديّة لله تعالى، وهو المراد بالعمل الصالح الوارد في آية فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا، فهو بهذا يرى في سلوكه مع نفسه ومع الأفراد أنّه عبدٌ محضٌ لله وكلّ ما لديه مِن نِعم هي إفاضة منه تعالى، معرّفًا ذلك بالبرنامج السلوكيّ للإنسان.

/۱۱
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد الصوت

الهدف الأوحد للسالك الحقيقي هو الله سبحانه وتعالى

1
  •  

  • هو العليم

  •  

  • الهدف الأوحد للسالك الحقيقيّ هو الله سبحانه وتعالى

  •  

  • محاضرة ألقاها

  • آية الله الحاجّ السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدس الله سره

  •  

  •  

الهدف الأوحد للسالك الحقيقي هو الله سبحانه وتعالى

2
  •  

  •  

  • بسم الله الرحمن الرحيم

  • والحمد لله ربّ العالمين

  • والصلاة والسلام على سيّدنا ونبيّنا المصطفى محمّد

  • وعلى آله الطيّبين الطاهرين

  • واللعنة على أعدائهم أجمعين

  •  

  •  

  • التفسير الشائع لقوله تعالى (فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا) والإشكال عليه

  • فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا۱.ما معنى لقاء الله تعالى ولقاء ربّه في هذه الآية؟ القرآن الكريم يُعبّر عن هذه المسألة بعبارات مختلفة، بعضها كما في آية فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ وبعضها كما في آية مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لَآَتٍ٢.

  • مِنَ البديهي أنّ كلّ إنسان ... بحسب أعماله وأفعاله يُعاقَب ويُثاب يوم القيامة. ولا بدَّ في يوم القيامة مِن مواجهة أحد هذين الأمرين؛ إمّا أن يواجه صفات الله تعالى الجماليّة، مثل النِعمة والجنّة والرضوان والرحمة والرحمانيّة وفيوض جميع أنعُم الله تعالى عليه. وإمّا أن يلاقي صفاته الجلاليّة، مثل النَّقمة والقهاريّة وغير ذلك.

  • وفي هذه الآية اختلفت آراء المفسّرين، لأنّهم لا يرون أنّ اللقاء في هذه الآية واقعيٌّ وحقيقيٌّ، ففسّروا الآية بتفسيرات مختلفة، فيقولون إنّ المقصود مِن هذه الآية هو لقاء الإنسانِ بنِعَم الله تعالى بَدَل لقاء ربّه أو لقاء الله تعالى، أي أنّه لقاءٌ بنعمائه أو لقاء بنقماته، أي أنّه لقاء بآثاره الجماليّة في الآخرة ولقاء بآثاره الجلاليّة. فكما أنّ الإنسان في هذه الدنيا يلقى الله تعالى بآثاره المختلفة، فيشاهده بالجلال والقهاريّة، كالقبض والضيق والقتل والحوادث المؤلمة وغير ذلك، أو يشاهده بآثاره الجماليّة، مثل العيش الطيّب والمبسوط والراحة والانبساط والفرح والسرور، فكذلك الإنسان يوم القيامة؛ فإمّا أن يلقى الله تعالى بهذه الآثار الجماليّة فيدخل في نعمائه والجنّة والنعيم، وإمّا أن يلقى الله تعالى بآثاره الجلاليّة، كالنقمة والنار والعذاب، كما هو الحال بالنسبة إلى الكفّار والفسّاق.

  • ولكن يُشكل بأنّه: لماذا غيّر الله تعالى أسلوب [الخطاب]، فبَدَلَ [أن يستعمل] تعابير (اللقاء بالآثار الجلاليّة والجماليّة)، [استعمل] تعبير (لقاء ربّه ولقاء نفسه)؟! هذه مشكلة، يعني أنّ هذا الاعتراض والإشكال وارد. فلماذا لم يقل الله تعالى (فمَن كان يرجوا آثار الصفات الجماليّة)؟! ولماذا لم يقل الله تعالى (فمَن كان يرجوا غير النعيم)؟! ولماذا لم يقل (فمَن كان يرجوا غير النقمة والنار وعدم الخلود في النار والجحيم، فليعمل عملًا صالحًا) وكذا وكذا؟!

    1. سورة الكهف، جزء مِنَ الآية ۱۱۰.
    2. سورة العنكبوت، جزء مِنَ الآية ٥.

الهدف الأوحد للسالك الحقيقي هو الله سبحانه وتعالى

3
  • التفسير الصحيح لقوله تعالى فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا

  • المهمّ أنّه، لا بدّ أن نفكّر أوّلًا في كلّ كلمة ولفظ يصدر مِنَ الله تعالى، لا بدَّ مِنَ التفكير والتأمّل في ذلك، فألفاظ القرآن الكريم ليست كألفاظنا الّتي نكتبها ونتكلّم بها.

  • إنّ المقصود مِن هذه الآية هو لقاء نفس الله تعالى، [أعني آية] فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ، وكذلك في آية مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لَآَتٍ؛ فإنّ اللقاء هو واقعًا لقاء الله تعالى، ولكن حقيقة اللقاء وحقيقة الزيارة تختلف عمّا نفكّر فيه، فنحن نتخيّل ونظنّ أنّ اللقاءات والزيارات لا بدَّ أن تكون محسوسة، كما هو حال هذا اللقاء الظاهريّ الدنيويّ! فإنّه يوجد إشكال بين ماديّة هذا اللقاء وبين تجرّد الله تعالى بالتجرّد التامّ الّذي لا يشوبه أيّ تحديد مِنَ المادّة والصورة وحتّى المعنى، ونحن نعبّر عنه بالوجود البسيط النازل على حياة كلّ الموجودات والممكنات المجرّدة والمادّية. [بل] هذا اللقاء [هو عبارة عن] تبدُّل وتغيُّر حقيقة الإنسان الماديّة والدنيويّة وصيرورته شيئًا يلائم حقيقة التجرّد المحض والتجرّد التامّ؛

  • الإنسان يتعلّق بالمادّة مِن حيث روحه ونفسه، وبواسطة التعلّق بالمادّة، تصبح هذه الروح والنفس محدّدة ومتعيّنة، فتبتعد عن تجرّده التامّ المُلقى بالكلام الإلهيّ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي۱، وهذا الابتعاد يصيّره ماديًّا نفسانيًّا دنيويًّا. والمقصود مِن هذه الدنيويّة والماديّة، ليس فقط عالَم المادّة، [بل يشمل] كلّ ما يُبعد الإنسان عن الله تعالى، سواء كان بالتوغّل في الشهوات أو لا، كالفرح بالأمور الصارفة عن الله تعالى والحاجزة عنه.

  • ومثال ذلك: إنّ إحدى الأحكام في الإسلام هو الجهاد في سبيل الله، وهذه المسألة مِن أهمّ المسائل الإسلاميّة، أعني الجهاد ضدّ الأعداء والكفّار والمعاندين والفسقة الّذين يهجمون على البلاد الإسلاميّة، وهذا مِن أهمّ الواجبات. وكم مِن آية في القرآن الكريم تؤكّد على هذا الحكم وهذه المسألة، والكثير مِنَ الآيات تعبّر عن هذا الأمر بالشراء والبيع، [بمعنى] أنّهم يشترون الله تعالى عوضًا عن نفوسهم، أي أنّهم يبيعون أنفسهم ويشترون الله تعالى. ولا بدَّ في هذا الجهاد أن يُخلص المسلمُ فطرته ووجهته وتوجّهه نحو الله تعالى، وأن لا يلتفت إلى أيّ شيءٍ. يعني أنّ المسلم السالك الّذي تكون تمام وجهته هي الله تعالى، لا بدّ أن يرى: هل يوجد في عالَم الإمكان وعالَم التكوين شيئًا [يستحقّ] أن يكون عوضًا عن هذه النفس، أو لا يوجد. هل يوجد في عالَم التكوين شيء يمكن للإنسان أن يشتريه ويبيع نفسه عوضًا له، كالنعيم والجنّة أو حور العين مثلًا أو الفواكه أو النِعَم الظاهريّة في عالَم الآخرة، أو لا، بل مقام الإنسان أعلى مِن ذلك كلّه.

    1. سورة الحجر، جزء مِنَ الآية ٢٩؛ سورة ص، جزء مِنَ الآية ۷٢.

الهدف الأوحد للسالك الحقيقي هو الله سبحانه وتعالى

4
  • على هذا، فإن أراد الإنسان التوجّه نحو الجهاد، فلا بدّ أن يعامل الله تعالى وفقط، يعني أن لا يلتفت الإنسان إلى أيّ شيء مِن هذه الأمور، مع أنّ الله تعالى هو مَن هيّأ له هذه الأمور، وهذا لا خلاف فيه، ولكنّ المهمّ أن توجّه الإنسان لا بدّ أن يكون نحو الهدف الغائيّ الّذي هو الله تعالى، لأنّ موقعيّة الإنسان أعلى مِنَ النعيم ومِنَ الآثار في الآخرة. فلا بدّ مِن تصفية السّر والفكر والنيّة، ولهذا يقول الله تعالى وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللهِ۱ ... [فهو يقول] إنّهم يشترون الله تعالى بنفوسهم، ولم يقل إنّهم يشترون نعيم الآخرة واللذّات الأخرويّة ولذّات النعيم بأنفسهم، لأنّ هذا المعنى أدنى مِن مرتبة الإنسان وحقيقة الإنسان.

  • فكلّ مَن يريد الجهاد في سبيل الله، لا بدّ أن تكون همّته [نحو] الله تعالى، لأنّ هذه الروح القدسيّة المودعة في الإنسان وفي هذا الجسم، لا يقابلها شيءٌ مِن هذه الدنيا ولا مِنَ الآخرة؛ يقول الله تعالى «لا يسعني أرضي ولا سمائي ولكن يسعني قلب عبدي المؤمن بي»٢، وفي بعض العبارات «قلب المؤمن عرش الرحمن»٣، يعني أنّ هذه الحقيقة وهذه الروح العجيبة الّتي أودعها الله تعالى في الإنسان، لا يقابلها شيءٌ في نظام العالَم وفي نظام التكوين، وكلّ نعيم في الدنيا وفي الآخرة هو أدنى مِن هذه النعمة العظمى والخلق العظيم، الّذي يتباهى به الله تعالى ويفتخر به ويقول فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ٤، فنِسبة التفضيل إلى الله تعالى هي بلحاظ أفضليّة المخلوق، أي أنّه أحسن الخالقين لأنّه خلق أحسن المخلوقين، وإلّا فالله تعالى هو الخالق الوحيد وليس سوى الله تعالى خالقٌ في عالَم التكوين.

  • فالقصود مِن هذه الآية أنّ هذه الحقيقة الّتي خلقها الله تعالى في الإنسان، لها نسبة مع عالَم المادّة، مِن حيث معاشرة الأفراد والأكل والشرب والمشي، كما هي فعال سائر المخلوقات، ولها نسبة إلى الله تعالى نفسه، حيث يقول [جبرائيل] «لو دنوتُ أنملة لاحترقت»٥.

  • نقطتا الصعود والنزول في سلوك الإنسان واختياراته

  • فالإنسان بين هاتين النقطتين، نقطة النزول ونقطة الصعود. وإذا فكّر الإنسان في أحواله، وعَمِل وفَعَل أعمالًا صالحةً، سيصعد مِن نقطة النزول إلى نقطة الصعود، فيرفض جميع تعيّناته ويصل إلى نقطة الصعود الّذي هو الله تعالى؛ يعني أنّه يصل إلى النقطة الّتي ليس فيها أيّ تعيّن وأيّ لذّة، فيكون فوق جميع التعيّنات وفوق جميع اللّذات، وهو الوجود البحت والبسيط.

    1. سورة البقرة، جزء مِنَ الآية ٢۰۷.
    2. تفسير المحيط، السيّد حيدر الآملي، ج۱، ص٢٥٦؛ معرفة المَعاد، العلّامة السيّد محمّد حسين الحسينيّ الطهرانيّ، ج٢، ص٢۰۸؛ مع اختلاف يسير. (م)
    3. جامع الأسرار ومنبع الأنوار، السيّد حيدر الآملي، ص٥٥۷، بلفظ (الله) بدل (الرحمن)؛ شرح أصول الكافي، لصدر المتألّهين، ج۱، ص ٥۰٦. (م)
    4. سورة المؤمنون، جزء مِنَ الآية ۱٤.
    5. المناقب، ابن شهر آشوب، ج۱، ص۱۷٩، في حديث الإسراء والمعراج، ومنه: فَلَمَّا بَلَغَ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى فَانْتَهَى إِلَى الْحُجُبِ فَقَالَ جَبْرَئِيلُ تَقَدَّمْ يَا رَسُولَ اللهِ لَيْسَ لِي أَنْ أَجُوزَ هَذَا الْمَكَانَ وَلَوْ دَنَوْتُ أَنْمُلَةً لَاحْتَرَقَتْ. (م)

الهدف الأوحد للسالك الحقيقي هو الله سبحانه وتعالى

5
  • فالإنسان دائمًا بين هاتين النقطتين، والله تعالى يفتح له الطريق، والإنسان يسير بهمّته، وقد أعطاه الله تعالى همّة للدنيا وهمّة للآخرة، فيمدّ الإنسان بهاتين [الهمّتين لهذين] النقطتين كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ۱، يعني نحن نمدّ كلًّا مِن الّذين يفضّلون الحياة الدنيا على الآخرة، والّذين يفضّلون الآخرة. فهذا الإمداد بأيدينا، أي هذا الإمداد مِنَ الله تعالى، والرجل يسير بهمّته، فإن كانت همّته لهذه الدنيا فسيؤتيه الله تعالى المال والثروة والأرض والأموال الدنيويّة، فيفني عمره في هذه النعمة الظاهريّة، وسيوفّقه الله تعالى لذلك ولن يكون له نصيبٌ مِنَ الآخرة، وإن كانت همّته للآخرة، فسيعطيه الله تعالى أجر الآخرة.

  • والآخرة مراتب مختلفة، فبعض الأفراد يكون أكثر اهتمامهم وأكثر همّتهم هو بلوغ الآخرة ورؤية المناظر الجميلة في الآخرة والتنعّم بالفواكه والأطعمة في الجنّة ومصاحبة المخلوقات الطيّبة الّتي هيأها الله تعالى لهم في الآخر. وفي الواقع، إذا دقّقنا وقسنا ذلك بهذا، سنجد أنّه لا فرق عظيم بين هؤلاء الأفراد وبين أولئك [الّذين كانت همّتهم للدنيا]، لأنّ المقصود [في كلا الحالتين] هو اللّذة وصحبة الأشياء الّتي هي أدنى مِن مرتبة الإنسان. ولكن يوجد بعض الأفراد الّذين تكون همّتهم لشيء أعلى مِن ذلك، ويكون فكرهم أعلى مِن ذلك، وهم الّذين لا يطلبون بالأعمال [الّتي يقومون بها] سوى الله تعالى؛ كما يقول أمير المؤمنين عليه السلام في دعاء كميل «وهبني صبرت على حرّ نارك فكيف أصبر عن النظر إلى كرامتك»٢، يعني أنّ أمير المؤمنين عليه السلام لا ينظر لا إلى النار ولا إلى الجنّة، بل يريد صحبة الله تعالى فقط. وكذلك الأولياء، فهم لا يريدون إلّا الله تعالى، كما قال السيّد الوالد، إنّه في الفترة الّتي كان فيها في العراق، وفي جلسة مع السيّد الحدّاد رضوان الله تعالى عليهما، كان أصدقاؤهم يتكلّمون حول أطوار الملائكة وجبرائيل، أي مَلك الوحي والعِلم، وهو المَلك العظيم الّذي كان ينزل على جميع الأنبياء، وهو في مقام بحيث يعطي جميع العلوم في عالَم الإمكان، فهو يأخذ مِن الله تعالى ويفيض على جميع الصور الإمكانيّة في عالَم الإمكان، فكانوا يتكلّمون حول صعود جبرائيل ودرجته ومراحله وكيفيّة نزول الوحي وهكذا، وفجأة نظر السيّد الحدّاد إليهم وقال: حول ماذا يتكلّمون، هل تتكلّمون في جبرائيل ومقاماته؟ [ثمّ قال:] لا بدَّ للإنسان أن يتكلّم فيما هو وراء ذلك. [أقول: إنّ مقولة السيّد الحدّاد هذه] ليست بالأمر البسيط، فلا بدّ مِنَ التفكير: ما الّذي يفكّر فيه هذا الرجل العالِم الوليّ الكامل في هذه الجلسة؟ وبماذا يفكّر في هذه المرحلة الّتي هو فيها؟ فهو يقول: نحن في مقام لا يمكن لجبرائيل أن يفكّر فينا ولا تصل يده إلينا، نحن الآن في مقام لو دنوت منه أنملة لاحترقت.

    1. سورة الإسراء، جزء مِنَ الآية ٢۰.
    2. فقرة مِن (دعاء كميل) نسبة إلى كميل بن زياد النخعيّ، وقد أخذه وحفظه عن أمير المؤمنين عليه السلام. راجع مصباح المتهجّد، الشيخ الطوسيّ، ص۸٤۷. (م)

الهدف الأوحد للسالك الحقيقي هو الله سبحانه وتعالى

6
  • هذا هو المقصود مِن هذه الآية، فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا، أي مَن كان يرجوا مقامًا ومَن كان يرجوا هدفًا وغايةً هي غاية الغايات ونهاية الأهداف الّتي هي الله تعالى فقط.

  • فالإنسان الخاسر هو الّذي يبيع نفسه – هذه النفس القدسيّة هذه النفس الّتي هي الروح المجرّد وهي المجرّد التامّ مِن أيّ تعيُّن – بما هو أدنى منه، كأن يبيعها مقابل الجنّة والفواكه والأطعمة والأشربة ومجالسة الغلمان والحور؛ كلّ هذه الأشياء هي مِن نِعَم الله تعالى، وهو مَن هيّأها لجميع المؤمنين، ولكن المقصود والهدف مِنَ العيش في هذه الدنيا والقيام بالأعمال والأفعال ليس هو هذا؛ فأنتم إذا زرتم صديقكم وذهبتم إلى منزل أَحَبِّ أصدقائكم، فإنّ المقصود مِن هذه الزيارة ليس هو الفواكه الموجودة في هذا البيت، بل المقصود هو نفس الزيارة ونفس اللقاء، وهذا هو المهمّ، ومع ذلك فإنّ هذا الصديق سيُهديكم تلك الفواكه. فالمقصود هو الزيارة واللقاء، ولكنّ صديقكم سيضيّفكم بعض الأشياء، كالماء والشاي والفواكه وغير ذلك. لو كانت نيّتكم مِن هذا اللقاء هو الأكل فأنتم تضحكون على أنفسكم، فقد جئتم مِن أماكن بعيدةٍ ومسافة بعيدة إلى هذا البيت وكان مقصودكم هو أكل الفواكه، والحال إنّ الفواكه موجودة في بيتكم وفي بلدكم.

  • فالهدف مِنَ العيش في هذه الدنيا والاشتغال بالأعمال والأفعال الصالحة، ليس فقط النِعَم الّتي هيّأها الله تعالى في الجنّة، مع أنّها وُجِدت [لكم]. وهاهنا روايات عجيبة في ذلك، ففي بعضها يقول: إنّ المؤمن يوم القيامة في درجات وفي حالات لا تميل أبدًا إلى ما هو أدنى مِن مقام الذات الإلهيّة، وإنّ المخلوقات الطيّبة الّتي خلقها الله تعالى سيدعون الله تعالى يوم القيامة أن يرزقهم لقاءه ويقولون لله تعالى: أنت خلقتنا لهذا المؤمن، وهو لا يلتفت إلينا. هذا مَن كان هدفه وغايته في الدنيا هو فقط لقاء الله تعالى.

  • ... فالإنسان بين هاتين النقطتين يسير بهمّته؛ فمَن كانت همّته الدنيا نعطيه منها، ومَن كانت همّته الآخرة نعطيه منها، ومَن كانت همّته الله تعالى سنحقق له هذا الهدف وهذه الغاية.

الهدف الأوحد للسالك الحقيقي هو الله سبحانه وتعالى

7
  • ففي الآخرة مراتب، وهذه المراتب تحتاج إلى جهد وتعب ومجاهدة ومراقبة؛ والإنسان أخبر بحاله وأعرف بحاله. والسير مُبَيَّن للجميع والأهداف مُبيَّنة وواضحة. فعلى هذا، مَن كان يريد هذه النِعَم الدنيّة في هذه الدنيا، فليس له نصيب مِنَ الله تعالى، لا مِن آثاره الجلاليّة والجماليّة ولا مِن آثار نفسه. ومَن كان يريد الآخرة، فالله تعالى سيرزقه منها على حسب اهتمامه ونيّته والجهد الّذي بذله مع هذه النيّة ولهذا الهدف؛ [وِمنها ذات الله تعالى، ويحصل ذلك بأن] يتغيّر ويتبدّل بحيث يصبح رافضًا لجميع الشوائب النفسانيّة والوجوديّة المبعّدة عن الله تعالى، فيتغيّر ليصبح بصورة التجرّد التامّ والروح القدسيّة، وحينئذٍ يكون مصادقًا لهذه الآية فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا، أي مَن كان يرجوا لقاء ربّه لا بدّ له مِن عمل يوصله إلى هذه المرحلة، ومَن كان يرجوا نعيم الجنّة فليعمل عملًا يوصله إلى هذا النعيم.

  • إنّ الأفعال مختلفة؛ فمَن كان يريد فقط أن لا يعذّبه الله تعالى وأن لا يُدخله النار، فهو يكتفي بعدم العذاب، [فترى أنّ مقدار عمله هو أن] يُصلّي ويصوم بحدٍّ معتدل على مستوى العامّة. ولكن إذا أراد أكثر مِن ذلك، فلا بدّ أن يهتمّ أكثر، فيقوم الليل ويراعي المسائل الّتي دُوّنت في الكتب ويقوم بأمور تقرّبه مِن هذا الهدف، ويتحمّل المشقّات [وغيرها] مِن أمور ويتحمّل الصعوبات، تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ۱، فهذه الدار وهذا المقام هما لِمَن لا يعلو ولِمَن لا يجد نفسه أعلى مِنَ الغير ولِمَن يخضع ويتواضع ولِمن لا يجد في نفسه استعلاءً، استعلاء أمام الله تعالى واستعلاء في كلّ شيء. فإذا حقّقَ الإنسان هذه المسألة – أي العبوديّة – في نفسه، [فكان يراها في جميع شؤونه، في معاملته] مع الناس [وغير ذلك]، ويرى أنّ كلّ ما بيده هو مِنَ نِعَم الله تعالى، وأنّ الله تعالى هو مَن أفاضها عليه، وأنّ كلّ عِلم يكتسبه هو مِنَ الله تعالى لا مِن عند نفسه، وأنّ كلّ نعمة أفاضها الله تعالى عليه يراها مِنَ الله تعالى، ستكون نفسه – طبعًا وأكيدًا – مطابقةً لهذه النية ولهذه الفكرة. هذا هو المقصود مِنَ العمل الصالح في هذه الدنيا [الّذي] يوصله إلى لقاء ربّه.

    1. سورة القصص، الآية ۸٣.

الهدف الأوحد للسالك الحقيقي هو الله سبحانه وتعالى

8
  • مرتبة التجرّد التامّ هي مرتبة العبوديّة المحضة

  • فكلّ مَن يريد أن يصل إلى هذه المرحلة، لا بدّ أن يجرّد نفسه في النيّة وفي العمل، ولا بدّ أن يجرّد نفسه ويرى أنّه ليس بشيء، وأنّ كلّ ما بيده مِن نِعَم الله تعالى هي مِن فيوضات الله تعالى عليه، سواء الأمور الشخصيّة أو الاجتماعيّة أو العلوم وغير ذلك. فيطابق عمله في هذه الدنيا مع تلك النيّة والتفكير.

  • يعني أنّ عشرته للأفراد، وكلامه وخطابه معهم، ومعاملته وتجارته معهم، ومعاملته للعائلة والأصدقاء والعامّة، إذا كانت جميع هذه الأفعال والأعمال تدور حول محور العبوديّة الصِّرفة، ولم تدخل فيها شيءٌ يبعّده عن الله تعالى، فإذا كان الأمر مِن هذا القسم وبهذا الشكل فإنّ هذا العمل الصالح سيوصله إلى لقاء الله تعالى. وإلّا، لو كان يرى أنّه صاحب عِلم، وبهذا اللحاظ يتعامل مع الناس، وأنّ لديه القدرة على البيان، وبهذا اللحاظ يواجه الناس، وأنّه صاحب مالٍ كثيرٍ، وبهذه الفكرة يتعامل مع الناس، ويرى أنّه صاحب موقعيّة اجتماعيّة، وبهذه الفكرة يتعامل مع الناس، فإذا كان مِن هذا القسم [وبهذا الشكل] فلن يصل إلى الله أبدًا، وأقصى ما سيعطيه الله تعالى مِنَ النِعَم الأخرويّة هي الأمور الدانية، وهي أمور لا توازي [في الواقع] نفسيّته، أي نفسيّته الثمينة والعظيمة، فهي نفسيّة لا يمكن أن تقترب منها أقرب ملائكة الله تعالى، هذه هي الروح القدسيّة والروح المجرّدة.

  • هذا ما نراه مِن جميع الأولياء ... والأفراد الّذين بدؤوا في السير وفي السلوك، على اختلاف أحوالهم وعلى اختلاف أفكارهم، نراهم [إمّا أن] يرتفعوا أو لا يرتفعوا، يصعدوا أو لا يصعدوا، يصلوا إلى المراتب أو لا يصلوا ... 

  • وهذه المسائل السلوكيّة بأجمعها صحيحةٌ، وهي مُبيَّنة في روايات الأئمّة عليهم السلام، وهي موجودة ومضبوطة بأجمعها في روايات الأئمّة، ولكن لا يضطلع عليها أحد ولا يعمل بها أحد. وكلمات المعصوم (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) مشحونة بأجمعها بالبرنامج السلوكيّة، وهي البرنامج الّتي يُعطيها الأستاذُ لتلامذته.

  • فعلى هذا، ليس البرنامج السلوكيّ – بحسب الاصطلاح – هو ما يأخذه الإنسان مِنَ أستاذه، لا، بل هو العمل بالتكليف والقيام به، وهو القيام بما يراه مِنَ الأئمّة الميامين، هذا هو البرنامج السلوكيّ. فمطالعة عبارات المعصومين (صلوت الله عليهم أجمعين)، وقراءة أحاديث الأئمّة المعصومين، ومطالعة نهج البلاغة – هذا الكتاب الوحيد في السير والسلوك – وقراءة الصحيفة السجّادية والعمل بمضامين هذه الأدعية – كنتُ أسمع أحيانًا مِن بعض الأولياء حين كان يتكلّم مِن باب المثال عن الأدعيّة السجّادية، كان يقول إنّه لو لم يكن مِنَ الإمام السجّاد عليه السلام معجزة لكفى بهذا الكتاب معجزة أي الصحيفة السجّادية – وهي واقعًا زبور آل محمّد، هذا هو البرنامج السلوكيّ.

الهدف الأوحد للسالك الحقيقي هو الله سبحانه وتعالى

9
  • إنّ أفكار الناس مختلفة وحدود آرائهم مختلفة، فكان الأئمّة عليهم السلام يتكلّمون مع الأفراد والناس على حسب اختلاف آرائهم، فنجد في بعضها برنامجٌ بسيطٌ ومطالب غير مهمّة، [ولكنّها خاصّة] بهذا الشخص، يعني أنّ هذا الشخص لا يفهم أكثر مِن هذا المعنى، أمّا بالنسبة إلى البعض الآخر، فليس [الأمر كذلك، بل] كانوا يتكلّمون ويتحدّثون وكأنّ المستمع يفهم مغزى مراد الإمام عليه السلام وحقيقة كلامه.

  • فلا بدّ أن يتفحّص الإنسان ويطالع الروايات، ويعمل بما هو يهمّه، ويأخذ مِن جميع الأحاديث والعبارات الصادرة عن الأئمّة المعصومين ويعمل بها. هذا هو المقصود مِنَ العمل الصالح.

  • فأوّلًا، لا بدّ على الإنسان أن يفكّر في أحواله وشؤونه، ويرى نفسه أمام المسائل الواقعيّة الموجودة أمامه في هذه الدنيا وفي الآخرة، كالعقاب والحساب يوم القيامة وكعالَم البرزخ وغير ذلك، فينظر في جميع هذه المسائل الحقيقيّة الّتي لا شكّ ولا شبهة فيها. وبعدُ، يجعل أعماله على طبق ما يريده مِنَ الآخرة؛ أيريد تلك الأمور البسيطة، كصحبة الغلمان والحور والتنعّم مِن نعيم الجنّة الّتي أُحيِيَت لجميع المؤمنين .. المؤمنون درجات شتى؛ بعضهم أصحاب اليمين وبعضهم مقرّبون وبعضهم غير ذلك، أصحاب اليمين وما أدراك ما أصحاب اليمين، والمقرّبين على درجات مختلفة، وبين أصحاب اليمين والمقربين أكُ مراتب مختلفة، ونِعَم الله تعالى مختلفة على حسب هذه المراتب؛ فلا بدّ أن يرى أيّ المراتب [يريد منها]، فيقوم بأعمال طبق ذلك ومطابقة لهذه النيّة. وإن كان – واقعًا – يريد فقط الله تعالى، فلا بدّ أن يكون عمله مطابقًا مع هذه النيّة، أمّا إن لم يكن يريد ذلك [بل أراد تلك] الدرجات النازلة عن الله تعالى والمتنزّلة مِن فيض الله تعالى، فهذه مسألة أخرى.

  • ماذا يليق بالإنسان عوضًا عن نفسه

  • لا يليق بالإنسان – هذا الإنسان الّذي أودع الله تعالى فيه أشياءً لم يودعها في غيره حتّى في ملائكته المقرّبين – أن يوقف عمره ويصرف أوقاته في المسائل الّتي – وفي المراحل والمراتب الّتي – يمكن أن يصل إليها الإنسان ولو لم يودع الله تعالى في نفسيّته تلك الأشياء، فنحن نعدُّ الإنسان [في هذه الحالة] خاسرًا؛ فليس الخسران هو الدخول في النار فقط، لا، بل الخسران [يشمل أيضًا] عدم الاستفادة الواقعيّة والحقيقيّة مِنَ الاستعدادات؛ كاستعداد الإنسان للوصول – مثلًا – إلى المراتب العالية في العلوم الحديثة، [فتراه] يشتغل في الأمور البسيطة ويصرف عمره فيها، فلا ينال مِن هذا الحظ العظيم.

الهدف الأوحد للسالك الحقيقي هو الله سبحانه وتعالى

10
  • نسأل الله تعالى أن يوفّقنا وجميع الإخوان والرفقاء للوصول إلى هذه المرتبة العليا، مرتبة لقاء الله تعالى؛ كان بعض أصدقائنا ورفقائنا يشتغل بشيء صعب عليه، وفي أحد الأيّام التقى بالسيّد الوالد فقال له السيّد الوالد رضوان الله عليه: يا أخي وصديقي ورفيقي، ماذا تطلب مِنَ الله تعالى عوضًا ومقابلًا لما تقوم به الآن؟ فضحك ولم يتكلّم، فأجاب عنه السيّد الوالد وقال: يا صديقي، لا تطلب مِنَ الله تعالى عوضًا عن هذه الأمور سوى نفسه [تعالى]. [أقول:] يعني اطلب فقط نفس الله تعالى. وقال: إذا طلبت شيئًا أدنى مِن ذلك فأنت خاسر في هذا. [أقول:] يعني إذا كان الله تعالى قد منح الإنسان هذه المراتب، فكيف لا يطلب المرتبة الأعلى؟! فإذا قدّم الله تعالى مثلًا هذه المراتب والمراحل، فلماذا لا يطلب المرحلة الأعلى والمطلب الأعلى والمرتبة العليا، لماذا لا يطلب ذلك؟! [لماذا والحال هذه] يقول الإنسان: نحن لا نطلب منه إلّا المراتب الدانية، كالفواكه والطعام وغير ذلك؟! فهذه الفواكه موجودة في الدنيا، نعم، ممكن أن تكون [الفواكه وغيرها] في الآخرة أحسن، وهي أحسن واقعًا وبمراتب، ولكن حقيقة الله تعالى وواقعيّته هي بحيث لا يقابلها شيءٌ في هذا العالَم وحتّى في عالم الآخرة، يعني أنّ صحبة الله تعالى وإدراك لحظة مِن لحظات صحبته لا يساويها نعيم الدنيا والآخرة.

  • يقول بعض رفقائنا: نحن في بعض الأوقات نحسّ في وجودنا شيئًا، يجيء ويذهب في لحظة واحدة، فلو أعطانا الله تعالى [بدل ذلك] ملك الدنيا والآخرة لَمَا قبلنا أبدًا. هذا ليس بالهزل وليس فيه مسامحة، فما الّذي فهمه مِن هذه اللحظة [الّتي جاءت ورحلت]، ماذا فهم [حتّى يقول ذلك الكلام]؟ فهو ليس بمجنون، بل هو عاقل وعالِم وعنده مِنَ الصفات والآثار والخصوصيّات كما لسائر البشر، بمعنى أنّه لا ينقصه شيءٌ عن سائر البشر [الطبيعيّين]، فهو لم يذهب عقله وفكره، لا، فما الّذي فهمة وأحسّه مِن هذه اللحظة [الّتي جاءت ورحلت]، حتّى يقول: لو أعطاني الله تعالى ملك الدنيا والآخرة لن أقبله عوضًا عن هذه اللحظة؟ هذا هو مراد نبيّنا إبراهيم عليه السلام حين قال لِمَن كان ينادي (سبّوح قدّوس ربّ الملائكة والروح) – هذه رواية عجيبة – أنا أعطيك جميع أغنامي مقابل أن تكرّر ذكر حبيبي، إلى أن قال له في النهاية: أنا أعطي نفسي وروحي مقابل أن تكرّر ذكر الحبيب. [أقول:] هذا لا يعني فقط ذكر الحبيب، وإنّما هي حالة يجدها إبراهيم في نفسه بهذا الإلقاء [والذِّكر]، وهذا هو المهمّ. فالحالة الّتي وجدها إبراهيم (على نبيّنا وآله وعليه السلام) في نفسه هي حالة يرى فيها أنّ الدنيا والآخرة ليسا عوضًا عن هذه الحالة، ولهذا هو لا يقبل [بهذا العوض، وإنّما يقبل أن يكون عوض نفسه] هو فقط ذكر الحبيب، وذكر الحبيب يعني صحبة الله تعالى، الّتي يحسّ معها الإنسان ويمسّ لذّة صحبة الله تعالى.

الهدف الأوحد للسالك الحقيقي هو الله سبحانه وتعالى

11
  • هذا هو المراد من هذه الآية الشريفة۱.

  • إن شاء الله، ندعو ونطلب مِنَ الله تعالى أن يوفّقنا للعمل طبق مرضاته تعالى، وأن نعمل ونفعل طبق منهج المعصومين الأئمّة الميامين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وأن ننتهج نهج الأولياء الصدّيقين، وأن لا نخسر أعمارنا وهذه النِّعَم الّتي أنعمها الله تعالى علينا، وأن نمضي أوقاتنا في رضا الله تعالى، وأن لا يكون للشيطان دخلٌ في أوقاتنا وأفعالنا وأعمالنا. ٢

  • نستودعكم الله جميعًا

  • والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    1. أي آية فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا. (م)
    2. تنويه: نلفت عناية القارئ الكريم أنّ هذه المحاضرات أُلقيت بشكل شفاهيّ وباللغة العربيّة، واقتصرت على تفهيم المستمع بأبسط الكلام، فلم يُلتفت كثيرًا إلى ضوابط اللغة، كما اشتملت على كلام عاميّ. ولذا عمدت اللجنة العلميّة بأمر مِن سماحة السيّد (قدّس الله سرّه) إلى إعادة تقويم الكلام وضبطه مِنَ الناحية اللغويّة، ومع ذلك آثرنا المحافظة على عبارة المحاضِر وترتيبها وبساطتها قدر الإمكان. كما تجدر الإشارة إلى أنّ العناوين الواردة هي مِنَ اللجنة.
      أمّا الرموز المستخدمة في المحاضرة فهي كالتالي: رمز الثلاث نقاط للكلام المحذوف، والرمز (...) للكلام غير الواضح وعند انقطاع الصوت، والرمز (م) لكلام المحقّق، والكلام المدرج في هذا [] فهو مِن وضع اللجنة لإتمام الجملة الناقصة بحسب ما يقتضيه السياق.
      ختامًا نلفت النظر إلى أنّ التسجيل الصوتيّ للمحاضرة متوفّر في الموقع لمَن يرغب الاستماع والمراجعة.
      (اللجنة العلميّة)