المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني
المجموعةسنة 1438
التوضيح
استمرارًا في شرح فقرة "ولو خفت تعجيل العقوبة..." من دعاء أبي حمزة بيّن سماحة آية الله السيّد محمّد محسن الطهراني قدس سره أهميّة الخطأ في السير والسلوك إذا تبعه اعتراف وذل، فهو منبّه على العبوديّة، ووسيلة لإظهار كرم الله تعالى، أمّا من يرى نفسه فوق أن يخطئ فسيبقى يدور في حلقة مفرغة ويستدرج بمكر الله حتّى يختم الله على قلبه. وتضمّنت هذه المحاضرة الحديث عن الموضوعات التالية: الفارق بين المعصوم وغيره في كيفيّة القيام بالعمل. ضرورة التفكير في جوانب العمل قبل الاستخارة. حدود الإمهال الإلهيّ وضرورة الحذر من الاستدراج. الاشتباه جزء من برنامج السير والسلوك إذا تبعه اعتراف. طريقة الأمل في التعامل مع الله.
هو العليم
الاعتراف بالخطأ وأثره في السير والسلوك
شرح دعاء أبي حمزة الثمالي - سنة ۱٤٣۸ هـ ق - المحاضرة السادسة
محاضرة ألقاها
آية الله الحاجّ السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ
قدس الله سره
أعوذ باللـه من الشيطان الرجيم
بسم اللـه الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين
والصلاة والسلام على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم محمد
وعلى آله الطيبين الطاهرين
واللعنة على أعدائهم أجمعين
«وَلَوْ خِفْتُ تَعْجِيلَ الْعُقُوبَةِ لاجْتَنَبْتُهُ لا لِأَنَّكَ أَهْوَنُ النَّاظِرِينَ وَأَخَفُّ الْمُطَّلِعِينَ بَلْ لِأَنَّكَ یَا رَبِّ خَيْرُ السَّاتِرِينَ وَأَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ وَأَكْرَمُ الْأَكْرَمِينَ».
يخاطب الإمام الله عزّ وجلّ بأنّي حين أرتكب الذنب وأرتكب الإثم وأمثالهما لا أرتكبها آمنًا من عقوبتك. لا، بل أعلم أنّك قاصم الجبّارين في مقام القهر ومقام العدل ومقام الغضب. إذا أردت أن تحكم بعدلك، وتؤاخذنا على أخطائنا وذنوبنا فلا مجال للنجاة في الآخرة.
ليس عملي من باب أنّي لا أخاف من العقوبة، بل أخاف كثيرًا من عقوبتك. لأنّ عقوبتك تعرّضنا بجميع شراشر وجودنا إلى الهلاك والبوار. يجب أن يخاف الإنسان ويحذر كي لا يحلّ عليه سخط الله تعالى.
الفارق بين المعصوم وغيره في طريقة القيام بالعمل
لقد ذكرت للأصدقاء قبل عدة ليالٍ السبب في تجاوز الله عن أخطائنا وزلّاتنا وأنّه لماذا يتجاوز عنّا؟ لأنّه هو الذي خلقنا على هذا النحو. فنحن مخلوقاته، وإذا كان قد خلقنا على هذه الحالة، فلا ينبغي أن يتوقّع منّا العصمة. فالمعصوم الآن هو شخص واحد، كم معصومًا لدينا على هذه الكرة الأرضيّة؟ من يمكن أن نجزم ونقطع أنّ فعله هو عين فعل الحقّ بدون أدنى شكّ وتردّد ولو بمقدار رأس إبرة؟ ففعل الحقّ ليس خطأً، فعل الله ليس خطأً، فعل الله هو عين الصواب. بل الصواب ناتج عن فعل الحقّ ومعلول له، لا أنّ فعل الحق منطبق على الصواب. الصواب هو ما يصدر منه سبحانه وتعالى، لا أنّ فعله بحيث أنّ الله يأتي ويفكّر بأنّ للفعل الذي يريد أن يقوم به طرفان، طرفٌ ينطبق على الصواب، وطرفٌ آخرٌ يخالف الحق فيختار الطرف الموافق. فهذا من خصائص الإنسان، نحن نقوم بالتفكير قبل العمل، هكذا يفترض بنا.
ضرورة التفكير في عواقب الأعمال والمشاورة وعدم اللجوء إلى الاستخارة ابتداء
والبعض يقوم بالفعل أوّلًا ومن ثمّ يفكّر هل كان هذا الفعل صحيحًا أم لا! لكن العاقل قبل القيام بأيّ عمل، يأتي ويقيس جميع جوانبه، يستشير الآخرين، يتشاور مع الخبراء وبعد أن يصل إلى النقطة المطلوبة عندها يقوم بالفعل، يتوكّل على الله ويقوم بالفعل.
المرحوم الوالد كان يوصي بهذا أيضًا. كان يقول: بعض الناس يأتون إلينا ويطلبون استخارةً لأبسط الأمور، كانوا يطلبون استخارة لدجاجاتهم! أيّها العزيز الاستخارة ليست لهذه. بل الاستخارة هي لآخر مرحلة. للمرحلة الأخيرة لا من أوّل الأمر!
كنّا مرّة مع المرحوم العلّامة في قم، عندما تشرّف بزيارة قم سابقًا في زمن الشاه، وإذا بأحد محبّيه يتصّل بالهاتف في ساعةٍ متأخرةٍ من الليل. قلت له: خيرٌ، هل حصل شيءٌ؟ الساعة الآن الحادية عشرة عند منتصف الليل. هل مات أحدٌ؟ هل يحتضر أحدٌ؟ ما الأمر؟ فقال لي: إنّ القطّة التي في بيتنا أصابها وجع في البطن، ما العمل؟ قطة! [يضحك سماحة السيد]، فقلت له: من أين علمت أنّها مصابة بوجع البطن لا وجع رأس مثلًا؟ أو وجع في أرجلها؟ لا بل مصابة بوجع البطن.
كان الوالد نائمًا حينها ولم أوقظه من نومه. لكنّه كان يقول: أيقظه فإنّ لديه الدواء بالتأكيد. فهذه القطّة تتألّم من بطنها وماذا أفعل؟ وخلاصة الأمر أنه في ذلك الزمان كانت صحّتي وحالتي أفضل من الآن، نعم، وكنت أتحدّث وأمزح قليلاً. فبقيت أتحدّث معه وأشغله لمدّة نصف ساعة وفي هذه المدّة تحسّنت القطّة وزال الألم وذهبت في حال سبيلها. فقال لي: لقد تحسّنت القطة و ذهبت! فقلت الحمد لله أن تحسّنت حال القطّة ولم يستيقظ الوالد الساعة الثانية عشرة ليلًا لكي يصف لقطّتكم الخلّ والعسل، أو الماء الساخن مع النعناع وأمثال هذه الوصفات التي تؤخذ عند وجع البطن. يريد أن يوقظ العلّامة من نومه لأجل قطّته وليعرف ماذا يعطيها؟ الساعة الثانية عشر! لا أدري، بالنهاية هذا شكلٌ من أشكال العلاقة التي لا نعرفها، لعلّنا نحن المخطئون.
موضع الاستخارة في حياة المؤمن
كان العلّامة يقول: يأتون إلينا يسألون عن استخارة لدجاجاتهم. أيّها العزيز الاستخارة موضوعة لآخر مرحلة، يجب على الإنسان أن يقوم بالعمل الذي يطابق الموازين، عليه أن يذهب ويفكّر بنفسه، ويدرس المسألة من جميع جوانبها، ولا يعتني بالشائعات، ولا ينظر إلى الأمور والمسائل [في هذا اليوم فقط]، فاليوم هي بهذه الكيفيّة وغدًا يومٌ آخرٌ وتتغير الأمور، ليس عندك علم الغيب؛ لذلك يجب أن تقوم بالعمل بناءًا على الاحتياط والتروّي دون تسرّع وإقدام على الفعل دون احتياط؛ حتّى لا يأتي وقتٌ تضرب كفّيك ندمًا أن لماذا صار هذا؟ لا يا عزيزي، لم يحدث شيء، أنت الذي قصّرت وجنيت على نفسك. كان عليك أن تذهب وتشاور الناس، ثمّ بعد ذلك لاحظ الأمور التي تحصل بشكل غير مترقّب وتحصل من طريق غير معتاد وخذها بعين الاعتبار. وبعد كلّ هذا إن بقي لديك إبهامٌ وتشويشٌ فلا إشكال في أن يلجأ الإنسان إلى الاستخارة لرفع هذا الإبهام، هكذا علّمونا.. هذه هي الطريقة الصحيحة.
حدود الإمهال الإلهيّ وضرورة الحذر من الاستدراج
حسناً، الإمام السجاد عليه السلام يقول: لست بالذي لا يخاف من العقوبة، بل في الواقع أنا أخاف كثيراً! غاية الأمر يقول بأنّي إنّما أرتكب الخطأ؛ لأنّي أعلم بأنّك لا تعجّل عليّ العقوبة، بل أنت تعطي المهلة، أنت تمهلني يومًا أو يومين أو ثلاثة أيام أو شهرًا أو سنةً أو سنتين أو ثلاثة أو عشر سنوات، تمهلني وتعطيني فرصة.
وهذا الفعل الذي قمت به ـ وهذه مسألة دقيقة ومهمّة أيها الإخوة ـ هذا الخطأ الذي صدر منّي الآن قد كدّر عليّ جزءًا من وجودي لا تمامه؛ بنسبة اثنين في المائة، والحال أنّ الله تعالى لا يعذّب لأجل هذه النسبة من التكدّر، بل ينتظر إلى أن تصل إلى مائة في المائة.. و غداً عندما تذنب بمقدار اثنين في المائة أيضًا يصير لديك أربعة في المائة، ولا يزال هناك ستّة وتسعون في المائة، وبعد غدٍ، وبعد أسبوع وبعد أسبوعين تزيد شيئاً فشيئاً.. وبدلاً من أن تتنبّه بسبب عدم التعجيل بالعقوبة، يحصل لك عكس ذلك؛ فتتوغّل أكثر في تلك الحال التي أنت عليها، وتبدأ بالتخبّط؛ فتذهب إلى هذا وإلى ذاك وتبرّر عملك لديه، وتلقي باللوم على الطرف الآخر.. وهكذا تتأخّر العقوبة، وأنت ترى أنّ المسألة طبيعيّة وأنّ شيئاً لم يحصل، وعملك مزدهر ، والناس يحترمونك ويدعونك إلى هنا وهناك، و هكذا يرسل الله لك هذه الأمور الجذابة فيلتهي بها الإنسان، .. نستجير بالله.. نسأل الله أن لا يبتلي أحداً بذلك، حتى لا يكون من مصاديق {وَ مَكَرُوا وَ مَكَرَ اللَّهُ وَ اللَّهُ خَيْرُ الْماكِرين}۱، ويحصل له استدراج بحيث لا يمكن للإنسان أن يدرك من أين أصيب، لا يعلم ذلك أصلاً؛ إذ يحصل له بعض الأمور والمسائل الجذّابة، بل قد يحصل له بعض الأمور الجيّدة في حياته التي توجب انصرافه، لكن {وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً}، هكذا يكون حاله، فيقيم مجالس العزاء ويأتي الناس إليه، فهل يوجد أفضل من مجالس العزاء؟! ويقيم مجالس الفرح ويخطب هنا وهناك ويبثّ كلامه على الهواء، لكنّه في الواقع يُستدرج ويُلقى له الطُعم ليقع في الفخّ. تلك العقوبة التي ينبغي أن تحصل له، و التي كان ينبغي عليه أن يفكّر فيها ويجد لها حلاًّ، يؤخّرها الله عنه ويؤخّرها، فيأنس هو بهذا الطُعم الذي ألقي إليه لشهر، وبعد شهر يُلقى له طُعم آخر فيحصل تأخير جديد، وعندما ينتهي هذا الطُعم بعد شهرين يُلقى إليه طُعم آخر، وكذا بعد ثلاثة أشهر.. وبعد أن تنقضي سنة وسنتان وثلاث سنوات، فإذا بتلك النسبة المئويّة من الكدورة التي كانت في بداية الأمر اثنين، إذا بها قد صارت تسعين في المائة، تسعون من المائة ذهبت منه، وبقي لديه عشرة فقط! وهنا إما أنّ الله هو الذي ينجيه، أو أنّ أوضاعه تكون قد خربت للغاية. لقد خسر تسعين من المائة! وعندما تنظر إلى وجهه، تقول لماذا صار بهذا الشكل؟! فمنذ سنتين شاهدته ولم يكن كذلك! فأحياناً تقع عين الإنسان على بعض الأشخاص ويتعجّب لماذا صار شكلهم بهذا النحو؟!
لقد رأيت رجلاً قبل مدّة، صدّقوني صدّقوني! لولا أنّي كنت على علم مسبق به لما عرفته أساساً! يعني أنّي عرفته من الاسم وأمثال ذلك؛ فدقّقت فيه فرأيت أنّه لا تشابه أبداً بين هذا وبين ذاك الذي كان قبل سنتين أو ثلاث سنوات! حيث كان لديه صفاء وطراوة، لكنّه صار جافًا تمامًا؛ كالحطب اليابس القابل للاشتعال، يمكن حرقه فقط! لماذا؟! لأنّه {وَ مَكَرُوا وَ مَكَرَ اللَّه}، هؤلاء الذين يظلمون ويفعلون الأمور المخالفة، لا الذين يذنبون ذنباً شخصيّاً فقط، بل هذا جزاء من يقف مقابل الله، فأولئك الذين يقفون مقابل الله يُبتلون بمثل هذه المسألة، ويصابون بمثل هذا المرض العضال، إلا أن يأخذ الله بأيديهم؛ بأن يحصل له أمر أو التفات أو يقع تحت ضغط معيّن، فيغيّر ذلك حاله و يصلح أمره، وإلا لو لم يحصل له شيء، نرى أنّه يمشي ويذهب ويذهب..
إنّ الإنسان ليسمع ويشاهد أموراً عجيبة! واقعاً عجيبة! وما أعجب الأمور التي يجرّبها الإنسان ويلمسها في حياته! فهذا الذي كان هكذا، وكان بهذا الشكل، وكان يلقي هكذا كلام، مثل هذا تغير حاله بعد انقضاء بضعة سنوات وحلّ في عالم آخر، فصار يتحرّك ضمنه! يا للعجب! فأنت الذي كنت تتحدّث بهذا الكلام، وكنت تقول هذه الأمور! لقد كان ذهنك صافياً، وكنت تنتقد هذا الأمر وتُشكل عليه، أما الآن فلا تدع لأحد مجالاً بالاعتراض عليه! لماذا؟ فالمسألة لا تزال كما هي، والأمور كذلك! لكن أنت الذي اختلف حالك، وأنت الذي انقلبت رأساً على عقب، وأنت الذي انتكست، وأنت الذي انسدّت تمام أبواب قلبك، وإلا فالمسائل والأمور والقضايا لا تزال كما هي، ولو كان فيها إشكال، فمنذ ذاك الوقت كان الإشكال موجوداً، ولو لم يكن فيها إشكال لما كان فيها إشكال سابقاً.. إذن أنت الذي اختلفت بشكل تام. لماذا هذا؟ لأنّ الإنسان وقف أمام الحق، لأنّه أنكر، وهذا الذي يوجب أن يرجع الإنسان عمّا كان عليه.
الاشتباه جزء من برنامج السير بشرط الإقرار به
الإمام عليه السلام يقول: بأنّ هذا الخطأ والذنب الذي أقوم به، أعلم بأنّك لن تحاسبني عليه؛ لأنّي أعلم بأنّي عبد لك، والعبد يخطئ ويذنب، بل شأن العبد أن يذنب وشأن الكريم الكرامة والعفو، فإن كان من المفترض أن لا أخطئ فكيف ستريني كرمك؟! وكيف ستبيّن لي غفاريّتك؟! فالله غفّار.. وهناك الكثير من الأمور والروايات في هذا المجال، إذ الروايات الموجودة في هذا المجال عجيبة جداً، بل ههنا بحث في المقام يعود إلى مسألة التربية والسير والسلوك، فهذا السير والسلوك الذي يقوم به الإنسان هل يمكن أن يوصله إلى هدفه من التربية بدون أن يصدر منه اشتباه؟! من هنا يقول بعض العظماء بأنّ الاشتباه جزء من برنامج السير! فمن الطبيعي أن يشتبه السالك. يعني هل شاهدت سالكاً ورد هذا العالم واتّبع الأستاذ وبايعه على إطاعته في الدستورات والبرامج، دون أن يحصل منه أيّ خطأ، بأن كان مثل المعصوم لا يخطئ من أوّل أمره إلى عشرين سنة؟! هذا أمر لا يحصل وليس لدينا مثل ذلك! وإن كان بإمكان أحد أن يدّعي ذلك فليتفضّل! وليقل إنّي لم يحصل منّي أيّ خطأ أو اشتباه أو انحراف!
حسناً، عندما يخطئ الإنسان ـ وهو سيخطئ لا محالة ـ فإنه لا يخلو من حالتين؛ إما أنّه يحاول التهرّب وإخفاء خطئه، ويحاول أن يمضي دون أن يشعر به أحد، ودون أن يعلم الأستاذ أو يطّلع عليه، فهذا قسم، وإما أنّه عندما يُخطئ ويشتبه، يعترف بخطئه و يواجه المشكلة، و[يقول:] ليحصل ما يحصل، وليفعلوا بي ما أرادوا، وليقرّروا في أمري ما ينبغي.
قصة في منزل المرحوم المطهّري
لقد شاهدنا الكثير من هذه المسائل في العهد السابق.. ، فقد عشنا في بيت المرحوم العلاّمة رضوان الله عليه، وكنا نشاهد هذه الأمور، بل كنا نحن أول هؤلاء وأكثرهم خطأ... أجل، كان هناك رجلان، وكانت العلاقة وطيدة بينهما؛ يذهبان معاً ويأتيان معاً، وكانا معروفين هكذا. وفي يوم من الأيام ذهبنا مع المرحوم العلامة وهذين الرجلين ـ ولا أعلم ما إذا كان معنا أحد غيرهما أم لا ـ إلى منزل المرحوم المطهري رحمة الله عليه ـ وكان ذلك قبل الثورة ـ وكان أحد الرجلين على علاقة بالمرحوم المطهّري، بسبب دستور من المرحوم العلامة، وكان يظنّ بأنّه إذا قال له العلامة: تردّد إلى المرحوم المطهّري! فهذا يعني شيئاً عظيماً بالنسبة إليه، و أن ذلك يكشف عن مقام عظيم عنده؛ و كان يقول بافتخار: (إنّ العلامة أمرني أن أكون مع الشيخ المطهّري)، وكان يقول لي ذلك.. وكنت أفضل حالاً من الآن [وكان وضعي يساعدني على المزاح والأخذ و الرد معه، فكنت أرد عليه بما يناسب]، ولكنه مع ذلك كان يقول لي ما في قلبه، أجل كان يقول: (حتماً هناك مسألة وأمر هامّ حتى أمرني العلامة أن أرتبط بالشيخ المطهري)، وكان يعبّر بعبارات توجب لي الاستئناس والتسلية! والحاصل أنّنا كنّا هناك، وكان هذا الرجل فرحاً بأنّ العلامة معه في هذه الزيارة، وهو حاضر معه في هذا المجلس، ولم يكن يعلم ما الذي سيفعله به! وكان الآخر الذي يرافقه دائماً حضارًا أيضًا، وقد كان من السادة ولا زال موجوداً حفظه الله وأيّده.. والحاصل أننا جلسنا عند الشيخ المطهري، وكان هناك أمر قد حدث في قم في ذلك الوقت، وحصلت فوضى في قم، وكان ذانك الرجلان قد ذهبا إلى قم في تلك الحادثة، والمرحوم العلامة لم يعجبه تصرّفهما، وكان مخالفًا له، وكان رأيه بأنه لماذا تذهبان إلى قم في مثل هذه الأوضاع؟! كان عليكما أن تجلسا مكانكما! والحاصل أنّه لم يكن راضياً عن ذهابهما إلى قم. وعندما كنّا عند الشيخ المطهري قال السيد الوالد أمام الشيخ المطهري: لقد ذهب هذان إلى قم و لقد أخطآ في ذلك، ولم يكن ينبغي أن يذهبا!
أما ذاك الرجل السيّد فاعتبر أنّ العتاب موجّه إليه، وتقبّله، فطأطأ رأسه ولم يتكلّم أبداً، وأما هذا الذي كان معتدّاً بنفسه فشرع بالإجابة والتهرّب و التوجيه، وقال: (لقد نسيت التاريخ، وأنّ المسألة تشمل هذا الوقت أم لا، فنحن ذهبنا بسبب الاشتباه في تطبيقنا للتاريخ..) ، وكان واضحاً من حاله أنّ المسألة كانت صعبة عليه.. ثم قال: لقد حصل لي الكثير من النسيان في الأزمنة الأخيرة، ولعلنا ذهبنا بسبب نسياني للأمر. و هكذا حاول التهرّب و التوجيه، و لكنّ المرحوم العلامة بقي ساكتاً ولم يقل شيئًا بعد قوله الأوّل، وجلس جانبًا، بينما كان ذاك يتخبّط في كلامه ويبرّر فعله.
يا عزيزي، اسكت كما سكت ذاك السيد وطأطأ رأسه! فقد قال هذا الولي الإلهي كلاماً، و أنت لا تدري ما هو السرّ فيه، و هل أنت المستهدف منه؟ فمهما كان الأمر، فإنّ كلام أولياء الله له حساب وكتاب، وقد شاهدنا مثل هذه الأمور، بل أكثر من هذه الأمور، وكيف ينبغي أن تتمّ مراعاة الأمور!
وكان الشيخ المطهّري ينظر إلى هذا المشهد وإلى كلام ذاك الرجل الذي يريد به أن يبرّئ نفسه وأن يتخلّص من تبعات الذنب الذي قام به ويخفّف عنه ذلك.
هذا من هؤلاء الذين ذكرتهم لكم، فإنّه عندما تأتي مثل هذه الأمور ينبغي أن يمضي الإنسان ويعبر عن هذا الجسر، لا أن يسقط من أعلى الجسر في النهر! لقد عبر ذاك السيد المكرّم الجسر، أما هذا فسقط في النهر على رأسه!
وحتى بعد أن خرجنا وركبنا السيارة لم يسكت، بل بقي يبرّر بأنّه منذ مدّة ذاكرته صارت ضعيفة، وأمثال هذا الكلام الفارغ... ولم يكن العلامة يجيبه شيئاً، فقد انتهى الأمر بالنسبة إليه.
ثم ماذا يحصل بعد ذلك؟ مرّت الأيام بعد أن حصلت هذه المسألة، ولكن هذا الرجل لم يتمكّن من تجاوز الأمر. يا عزيزي، لقد قمت بأمرٍ خاطئ، وعاتبك العلامة عليه، وانتهت المسألة! لكنّه استمر بمتابعة الأمر؛ حيث أتى إليّ وقال لي: إنّ سؤالاً يخطر في البال، وهو: ما رأيك بهذا العمل الذي قام به [المرحوم العلامة]؟
فقلت له: دع الأمر واتركه! ولكنه ما رضي بذلك، فوجدت أنّني إن تركته أنا فهو لن يتركه! فرأيت الأمر قد صعب عليه، و سيؤثر عليه بشدة. والحاصل أنّي تكلّمت معه قليلاً إلى أن رضي إلى حدّ ما، لكن بقي مقدار من المسألة في قلبه، وبعد ذلك تطوّر الأمر حتّى قضت هذه المسألة عليه! لقد انتهت هذه المسألة إلى أمور أخرى وتطوّرت، بحيث وصل الأمر بالإنسان أن يخالف دستور أستاذه، ويقول: الأمر هو هذا الذي أقوله أنا، وذاك خطأ والصواب هذا!.
يا عزيزي، لو كنت تجاوزت تلك العقبة، لما وصل بك الأمر إلى هذا الحدّ؛ بحيث تقول: يا سيّد! لقد حصلت ثورة، فلماذا أنت جالس؟! ولماذا لا تتحرّك، ولماذا لا تشارك في المظاهرات، ولماذا لا تذكر فلاناً على المنبر؟ ولماذا لا تقول هذا الكلام؟!
فلماذا حصل ذلك؟ وما هو منشأ هذه العبارات؟! سببه أنّ الدود قد دخل إلى التفّاحة، وبدأ بإفسادها من الداخل! وعندما يعشعش الدود في التفّاحة تسقط بأدنى ريح يصيب الشجرة، دون أن تتمكّن من المحافظة على نفسها، أما إذا لم تكن التفّاحة مليئة بالدود، فإنها تبقى ثابتة. لقد قال له المرحوم العلامة بأنّك صرت كالتفّاحة المدوّدة ، إذا لم تكن التفّاحة مليئة بالدود، تستطيع المحافظة على بقائها على الشجرة، فحتى لو أصابها ريح لا تسقط، لكن عندما تكون مدوّدة تكون قد فقدت متانتها وثباتها. وهذا من هذا القبيل.
إذ عندما يأتي إنسان ويقوم بخطأ معيّن، فبدلاً من أن يطلب التوبة والمغفرة من الله ويعترف بخطئه، يقوم بتجاهل ذلك الخطأ، ويبعده عن نفسه وينسبه إلى الآخرين!
طريقة الأمل التي يعلّمها الإمام السجّاد في التعامل مع اللـه
الإمام السجّاد عليه السلام يعلّمنا ويقول لنا: هكذا كن مع الله! طريق السير والسلوك هو أن تقول: إلهي أنا لست بالذي لا يخاف من عقوبتك، بل أخاف كثيراً، لكنّني أعلم بأنّك لا تعجّل العقوبة، بل أنت ستّار! وخير الساترين، والإمام عليه السلام إنّما يأتي بعبارة خير الساترين في هذا المجال حتى يكون لدى الإنسان أمل، وحتى ينشرح صدره ويحصل له انبساط، لا أن يقول بأنّه لقد أخطأت وانتهت المسألة.
كنا نسمع عن الكثير ـ سواء في حياة العلامة أو بعده ـ بأنّه عندما يحصل لأحدهم أمر [بأن ينحرف ويترك الطريق]، يقولون: لماذا نبقى هنا، إذ قد يحصل لنا مثل ما حصل له؟!.
يا عزيزي، وقد لا تكون مثله أيضاً! فلماذا تنظر إلى هذه الجهة من المسألة؟! هذه وسوسة شيطان، حيث يأتي وييئّس الإنسان، ويقول له: انظر إلى هذا الرجل، مع كلّ العبادات وصلاة الليل والمدح الذي سمعناه من العلامة فيه.. فقد ذهب! يا عزيزي، لقد ذهب هو، فمن أين علمت بأنّك أنت ستذهب أيضاً؟! فهل من المفترض أن يذهب الجميع؟! وهل عليك من أول الأمر أن تقول قد أذهب في نهاية الأمر، فالأفضل أن أترك من البداية! فهل المسألة بهذا الشكل من التساهل؟! حسناً اذهب، إذا كنت ترى أنّك ستنحرف و سيأتي يوم وتترك، فاذهب، فلماذا تقف؟! إن كنت ترى الأمر كذلك، فاذهب، كما يقال: إذا لم تقبل بالوضع فغيّر القضاء.
إن كنت تقول بأنّك سيأتي وقتك يوماً ما وتذهب مثل ذلك الذي ذهب و انحرف! فاذهب الآن، فهل تجد أحداً يرجوك ويتوسل إليك أن تبقى ؟! وهل كتب لك أحد رسالة؟ وهل هناك من يفرش لك السجّاد الأحمر وينصب لك أقواس النصر؟!
يا عزيزي عندما تمرض، فهل تقول: لقد ذهب ذاك [إلى الطبيب وأخذ دواء و لم يستفد]، وتبقى في مكانك؟! أم أنّك تمضي وتصرف تمام ما لديك وما ليس لديك حتى تبقى يومين إضافيين؟! فلماذا تتصرّف بهذا الشكل هناك، أما عندما تصير المسألة مسألة سلوك تقول لقد رأينا كيف ذهب ذاك، فمن أين نعلم بأنّنا لن نذهب مثله؟! إنّ هذا استخفاف وتهاون بهذا الأمر الخطير! يتخيّل هؤلاء بأنّ المجيء إلى هنا ـ مقصودي إلى العظماء والأولياء ـ هو كالمشاركة في درس خياطة أو درس لغة أو تعليم قيادة السيارة، فإن لم يتعلّم من هذا يتعلّم من الآخر، فهو درس كسائر الدروس..
كلّا يا عزيزي! بل المجيء إلى هنا تتعيّن فيه السعادة أو الهلاك؛ فإما أن تسعد أو تهلك! لا أنّ المسألة إن لم تحصل بهذا الشكل قد تحصل بشكل آخر. هذا هو الأمر، فالمسألة إما سعادة أبديّة وإما هلاك أبديّ، هذا هو الأمر.
الأخطاء منبّه على العبوديّة
إن كان الأمر هكذا، فماذا على الإنسان أن يفعل؟! عليه أن يعتبر أنّ الخطأ والزلل اللذين يصدران منه هما نعمة من قِبل الله، إذ يريد الله أن ينبّهك بأنّك عبد، وأنّك تخطئ وتشتبه. [يقول الله له:] حسناً، ماذا تريد أن تقول لي؟ هل تريد أن تقول: إلهي لقد أخطأت وأذنبت واشتبهت، فتعامل أنت معي من مقام ستّاريّتك وغفّاريتك ورحمانيّتك وعطفك، إذا كان كذلك فقد توصّلنا إلى اتّفاق فيما بيننا! فما عليك إلا الاعتراف بأنّك اشتبهت وأخطأت، وباقي الأمور في عهدتنا، فالغفاريّة والرحمانية والعطف والرأفة والكرم وتمام هذه المسائل في عهدتنا.
وهنا نرى أنّ المحور الأساس عند جميع الأولياء بدون استثناء، وعند جميع الأنبياء والأئمّة في كلامهم وأدعيتهم وزياراتهم وفي جميع أحاديثهم.. محور هذه الأمور يدور حول هذه الفكرة: أن يا إلهي نحن عبيدك المشتبهون والمذنبون والمخطئون، وأنت في المقابل كريم وغفور وستار ورحيم ورحمان، وهذا أصل وأساس لسائر الصفات وسائر المسائل، أي على السالك أن يجعل ذلك عمود خيمته والحجر الأساس لبنائه، والمراد بهذا الحجر الأساس هو مقام العبوديّة، ومقام الاستكانة، ومقام التذلّل، وهذه المسألة يجب أن تكون عند السالك.
من يرى أنّه لا يخطئ فهو يدور في حلقة مفرغة
ولا سمح الله أن نكون في وقت من الأوقات ممّن يرى نفسه لا يخطئ، ويرى نفسه متميّزًا، فلو أردنا أن نكون هكذا فالله يجعلنا ندور في حلقة مفرغة ونراوح أماكننا، فندور وندور، فنحن علينا في الوقت الذي نلتفت فيه إلى أخطاء الآخرين وزلاّتهم أن لا نغفل ولا نصاب بالغرور لكوننا لسنا في ذاك المكان، علينا أن نحذر من أن نُخدع ويأخذنا الغرور؛ فمن الذي لم يجعلنا في ذلك المكان؟ من الذي لم يجعلنا في ذلك الأفق وفي تلك الأجواء؟ لو شاء لجعلنا بطرفة عين في نفس المكان الذي هم فيه... ألم يحدث هذا؟! ألم يحدث؟! فذلك الذي انتقد هذا وذاك بألف انتقاد ولمدّة عشرين عاماً فجأة يأتي ويجلس في مجلس هؤلاء وتراه يصبح من أهمّهم، فما الذي حصل؟ انتهى كلّ شيء وطار في الهواء، لعشرين عاماً كنت تنتقد، فما الذي حصل حتّى صرت تظهر نفسك بينهم وصرت منهم ومن أرحامهم! فلو شاء الله لفعل ذلك في ثانية وأقلّ من ثانية.
اللجوء إلى اللـه لعدم الوقوع فيما وقع فيه المنحرفون
كنت يومًا أفكّر في تلك العبارات في قرارة نفسي، كنت أفكر في تلك العبارات وهذه الآية الشريفة {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَ أَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّة }۱، هكذا نقلّب قلوبهم، قلوب أولئك الذين كانوا يقفون للصلاة في الصفّ الأول، أولئك الذين كانوا يقضون نهارهم صائمين، أولئك الذين كانوا يتلون كلّ يوم ستّة أجزاء من القرآن، أولئك الذين لم تكن تُتركُ زيارتهم للإمام الرضا في اليوم مرّة أو مرّتين، هؤلاء الذين كانوا يمشون بطريقة لا تتأذى النملة تحت أقدامهم، نقلّب قلوب أولئك، فالله لا يقول {نُقَلِّبُ} ويقصد الكفّار، فالكفار خارجون من البداية، وليسوا مرادين بل هؤلاء هم المرادون، ففي لحظة واحدة نقلّب قلوبهم كما لم يؤمنوا، فكأنّ هؤلاء لم يؤمنوا أبداً منذ البداية. فقد كنت أفكر يوماً وأقول يا ربّ كيف تحصل هذه الحالة للإنسان؟! إنّه لأمر صعب، تخيلوا أنّ أحدهم بهذه الخصوصيّات وبهذا المقام وهذه الكيفيّة ومع ذلك يصبح في قلبه كافراً! كافرًا كافرًا {كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّة} وهذه آية قرآنيّة وليست مزاحاً، فقد جلست مع الله وقلت له كيف يمكن أن يحصل هذا؟! خاطبت الله وقلت له: يا رب كيف يحدث هذا؟! فأجابني الله: أتريد أن تعرف كيف يحصل هذا؟! لقد ذهب كلّ ما عندي وانتهى الأمر وكلّ ما قرأته وسمعته وكتبته وتعلّمته وقمت به قد انتهى، ولم يعد هناك شيء، ولم أعد أستطيع أن أفكّر بالله، ولا أستطيع أن أفكّر برسول الله، ولا أن أفكّر بالإمام، ولا أستطيع أن أفكر بأيّ شيء أبداً، ولا يخطر شيء في ذهني، لا يخطر أبداً وكأنّ هذا القلب قد أغلق بشكل كامل وانتهى، وصار هذا الرجل رجلًا آخر، وصار هذا الفرد فرداً آخر. وقلت فجأة ـ وقد حصل لي هذا القول من جانب الله أيضًا حيث أراد أن يبيّن لي ـ قلت: يا ربّ لقد فهمت، لقد أخطأت، وكان الأمر من عندك ولم يكن منّي، وهذه الرحمة من عندك أيضًا، فما إن قلت: يا ربّ لقد فهمت ما هي المسألة، فهمت القضيّة، لقد أخطأت، فجأة رأيت كلّ شيء قد عاد!!
لقد فهمت من كلّ القرآن هذه الآية أكثر من بقيّة الآيات، كلّ آياته عين [الحق] ولكنّ بعضها قد يأخذ مكانه عند البعض بشكل محكم، لقد عاد كلّ شيء، عاد معه التوكّل، عاد معه التوسّل، عاد وعاد وعاد كلّ شيء! ماذا كان ذلك، ما هذا؟ ما كانت تلك الحال؟ الله يقول حسناً، الآن فهمت من تكون ومن أكون، الآن عرفتني وعرفت نفسك؟
وعندما يقول السيد الحدّاد: عندما أنظر إلى نفسي أرى أني الأدنى والأكثر مسكنة وحاجة من جميع مخلوقات الله على الأرض. هنا يفهم الإنسان أنّ الأولياء لا يقولون ذلك هزلًا، فماذا فهم أولئك الأولياء من القضيّة؟ نحن نقول السيد الحداد هكذا يقول عجيب عجيب!! نعم هو كذلك ولا عجب فالمسألة هي هذه.
... | *** | اگر نازی کند از هم فرو ریزند قالبها۱ |
يقول: [لو أشار بيده غنجًا لانهارت جميع قوالب الموجودات]
وليس فقط تنهار بل تنعدم. لحظة واحدة لا يبقى في اعتقاد الإنسان لا إله ولا نبيّ ولا شيء.
{اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللَّه}٢فالذين كانوا يوم عاشوراء قال الإمام الحسين عليه السلام في حقّهم هذه الآية، فقد كانوا هكذا، هكذا، انتهى أمر قلوبهم، صارت قلوبهم مملوءة بيزيد، وبالشيطان، قلوبهم ممتلئة، لم يكن لديهم فهم لحقيقة الإمام الحسين، [قالوا له:] اذهب أنت لست مسلماً، ومن الذي قال بأنّك مسلم؟ ما هي القرابة التي تدعيها من النبيّ؟ وما هذا الكلام؟ لا وقت لدينا لنسمع هذا الكلام، إما أن تأتي وتبايع، أو كما ترى.
ـ يا قوم أنا ابن النبي على الأقل أم لا؟
ـ لا، ما المشكلة أن يكون أحدهم ابناً لأحد آخر [ثمّ لا يكون على دينه]؛ فهذا ابن نوح جالس السفهاء فأضاع نسب النبوّة، فلتكن ابن النبيّ مثله. فإذا أردت أن نعدّك من المسلمين، وإذا أردت أن لا نشهر سيوفنا في وجهك، وإذا أردت أن نجعلك معنا، عليك أن تذهب إلى يزيد ملاعب الكلاب والنساء، تعال واجلس وبايع تصبح رفيقاً لنا.
أجل ففي النهاية هذا معنى تقليب الأفئدة، فمن هم هؤلاء؟ إنّهم الذين نقلّب أفئدتهم.
لذا يقول عنهم الإمام الحسين: {استحوذ عليهم الشيطان} ولم يُبق لهم منفذًا، {استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم...} ومهما جاء الإمام الحسين وخطب فيهم فلا فائدة، وكأنه يقرأ سورة يس في أذن حمار، لا شيء من الفهم، ومهما قال لهم أنا كذا وأنتم مسلمون في النهاية وترون صلاتي، ماذا حرّمت وماذا حلّلت؟ كانوا يقولون: لا يعنينا هذا الكلام ولا نعي ما تقول، عليك أن تبايع ولا حلّ آخر. وهنا بدأ الإمام بلعنهم: اللهمّ انزع عنهم نعمتك، اللهم سلّط عليهم من لا يرحمهم وأمثال هذا الكلام. ولكن البعض كانوا هناك ولم يصلوا إلى ذلك المصير كالحرّ وأمثاله، فمع تلك الأخطاء والزلاّت وغيرها بقي عندهم مكان خالٍ فجاء الإمام الحسين من ذاك المكان الخالي، من ذاك المكان الذي لم يملأ مائة بالمائة ولم يغطّ كلّ قلوبهم. هل التفتّم؟
حسناً نسأل الله أن يحقّق فينا هذا الأمر ، قضيّة العبوديّة والإحساس بالذنب والإحساس بالخطأ، ومن جهة أخرى أن يحقّق فينا الأمل بالله والتوكّل على الله والرجاء لرحمته، فالسالك يطير بجناحي الخوف والرجاء، فلا الخوف وحده ولا الرجاء وحده، فكلّ واحد منهما له مشكلته.
اللهم صلّ على محمّد وآل محمّد