صلاة الجمعة إحدى ركائز الحكومة الإسلاميّة

8595
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسم التاريخ و الاجتماع


التوضيح

هذه المقالة عبارة عن مقدّمة كتبها سماحة آية الله السيد محمد محسن الطهراني قدّس سره على كتاب صلاة الجمعة لوالده السيد العلامة الطهراني رضوان الله عليه

/۱۸
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

صلاة الجمعة إحدى ركائز الحكومة الإسلاميّة

1
  •  

  •  

  • هو العليم

  •  

  • صلاة الجمعة إحدى ركائز الحكومة الإسلاميّة

  •  

  • سماحة آية الله الحاج

  • السيّد محمّد محسن الحسيني الطهراني

  • قدس سره

  •  

صلاة الجمعة إحدى ركائز الحكومة الإسلاميّة

2
  •  

  •  

  • أعوذُ بالله منَ الشيطانِ الرجيم

  • بسم الله الرحمن الرحيم

  • وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين

  • ولعنةُ الله على أَعدائِهم أجمَعين

  •  

  •  

  • قال الله تعالى في كتابه:

  • {يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون}۱

  • لا يخفى أنّ صلاة الجمعة هي إحدى الفرائض المتسالم عليها بشكل قطعي في الشريعة الإسلامية، كسائر الصلوات المفروضة والفرائض المشرّعة، حيث شرِّعت قبل وفود النَّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى المدينة بفترة يسيرة، وقد أقامها صلى الله عليه وآله بنفسه في أوّل جمعة بعد حلوله في المدينة. وهكذا بقيت سنة مستَمرة وفريضة مُقامةً بعد النَّبي على عهد الحكومات المتوالية طيلة الأعوام والقرون في كافة البقاع والبلدان، سواء في ذلك الجائرة منها أو الإسلامية المحقة.

  • وممّا يثير العجب والأسف الشّديد، أنَّ إخواننا من العامة ملتزمون بإقامة هذه الفريضة المؤكدة أشدّ الالتزام وفي جميع الأحوال، بينما نرى أننا ـ قاطبة الشيعة المدّعين لاتّباع سنة الرّسول الأعظم وخلفائه المعصومين عليهم السّلام ـ قد تركنا هذه الفريضة العظمى وأهملناها، وانشغلنا بالبحث عن وجوبها وجوازها وحرمتها وإباحتها، بحيث يخال للباحث الفاحص أنّه لم يرد أمرٌ من الشّارع بوجوبها والالتزام بإقامتها! مع ما فيها من الآثار الثمينة والبركات العميمة والنتائج القيّمة. كما وهناك أسبابٌ أخرى أدّت إلى إهمالها وعدم الاعتناء بها، والعمدة فيها نفس الأدلة التي ذكرت في مطاوي هذه المسألة ؛ فنلاحظ أنّ في بعضها اضطرابًا في الدّلالة أو ضعفًا في السّند سواء بالإرسال أم غيره، وهو ما يتضّح بأدنى نظرة عابرة على الكتب التي بحثت المسألة.

  • فمن جملة هذه الأدلة: التمسّك بعدم قيام الأئمّة عليهم السّلام بهذه الفريضة، حتّى مع الخواصّ من أصحابهم، إلا في بعض أزمنة التّصدّي للرئاسة العامة.

  • و من جملتها: إجماع الفرقة على عدم الوجوب التعييني في غير زمان الحجة عليه السلام.

  • و منها: مخالفة نفس هذه الفريضة ومنافاة ماهيّتها للإجراءات السّياسية والمناهج الحكومية مطلقاً.

  • و منها: السّيرة المستمرة من زمن النّبي إلى آخر زمن الخلفاء في نصب إمام الجمعة وعدم الرّدع من ناحية الأئمة عليهم السّلام لذلك. وكذلك عدم عدّها مخالفة للسّيرة المحقة في الكتب المدوّنة والمعمول بها.

    1. سورة الجمعة (٦٢) الآية ٩.

صلاة الجمعة إحدى ركائز الحكومة الإسلاميّة

3
  • و لهذا نلحظ أنّ الكتب التي بحثت المسألة قد منيت بنوع من التّشتّت في الفتوى والتّردّد في الحكم ؛ فبين قائلٍ بالوجوب العيني والتّعييني مطلقاً في كلّ زمان ومكان، أو رافضٍ للتّعيين وحاكمٍ بالتّخيير حتّى في زمن الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، أو مُفتٍ بالوجوب في زمنه والتّخيير في غيره، أو مُرجِّح لها على صلاة الظهر في عصر الغيبة، أو محرِّمٍ لها مانع عنها بدون الإذن من قِبَل الإمام عليه السّلام، معتقداً أنّها حينئذ بدعة.

  • والّذي يقتضيه التأمّل في الأدلة والتّدقيق فيها هو أنّ إطلاق الحكم بعدم الوجوب التعييني بجميع أنحائه غير تام، وذلك كما سننبّه عليه في تعاليقنا على هذه الرسالة المنيفة، حيث سيتبيّن لك أنّ صلاة الجمعة مشرّعةٌ تماما كسائر الصلوات المكتوبة والمفروضة والواجبة عقداً واجتماعاً، فلا فرق بينها وبين صلاة الظهر التي نقوم بها في سائر الأيّام على الإطلاق، بل هي أشدّ ملاكاً وضرورة، وأكثر تأكيداً وأبرم خطوة كما سترى عن قريب في مطاوي الرّوايات إن شاء الله تعالى.

  • و لعلّه بل من المتيقّن أنّ لهذه الفريضة تأثيراً إيجابيّاً راسخاً على حياة المجتمع ونظام الاُمة، والنهوض بنظم الأمة وتحوّله إلى منهج عام مفروض على الناس من قبل السّلطات الحكومية، سواء كانت هذه الحكومات محقة أم باطلاً، كحكومات خلفاء الجور من بني اُمية وبني مروان وبني العبّاس وغيرهم.

  • و لهذا كان العلامة الوالد قدّس سرّه يصرّ على السيّد القائد آية الله الخميني ـ رحمه الله تعالى ـ أن يقيم صلاة الجمعة بنفسه في بلدة قم، وطلب منه موعدا ليقدّم له هذا الاقتراح ويوضح له هذا المطلب ويتباحث معه ويقنعه به، ولكن من المؤسف أنّه أثناء البحث تغيّرت الأحوال ودخلت فجأة زوجة بعض المصابين۱، ولم يتمكّن السيّد الوالد ـ رضوان الله عليه ـ من استمرار المباحثة والكلام وإقناع السيّد الخميني، وخرج الوالد من البيت مهموماً مغموماً غارقاً في التفكير والتأمّل. وقال السيّد الوالد للسيّد الخميني: يلزم عليكم القيام بإقامة صلاة الجمعة بشكل مباشر، وذلك لعدّة اُمور:

  • أوّلاً: إنّ هذا الاجتماع العام كان سنة في الإسلام من زمن النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، وقد بقيت هذه السنة مستمرة إلى زمن الخلفاء، ولم تترك هذه الفريضة سواء كان المتصدي لزمام الأمور هو النّبي أو الإمام عليه السّلام، أو سائر خلفاء الجور والظّلم. والحاكم حالياً في المسلمين هو أنتم، ولا ينبغي أن تعدلوا عن هذه السنة وتفوّضوها إلى غيركم بل ربّما يُعَدّ إهانة أو استخفافاً وعدم اعتناء بها.

    1. هو الشهيد السعيد العسکري ولي الله القرني، و هو من المشارکين مع السّيد الوالد في أحداث أوائل الثّورۀ الإسلامية قبل انعزاله و افتراقه، و هو الذى کان أحد الرّجال الثّلاثة في مجلس التحليف و الآخرين هما السيّد الوالد و آية الله السيّد محمّد هادي الميلاني قدّس الله أسرارهم جميعاً.

صلاة الجمعة إحدى ركائز الحكومة الإسلاميّة

4
  • ثانياً: إنّ إقامة الصلاة بشكل مباشر منكم يوجب تشويق الشعب والأمة كلّها حتى أقصى نقاط البلد الإسلامى، فإذا رأوا أنّ زعيمهم يصلّى بنفسه في مدينته، سيكون ذلك حافزاً لهم للحضور والمشاركة في منطقتهم وبلدتهم، وهو الأقرب إلى المقصود وتحقيق الغاية المرجوة، كذلك سيكون محرّكاً لأئمة الجماعات في سائر البلاد، فيرون أنفسهم في خطّ واحد مع قائدهم وزعيمهم، وأنّهم جميعاً على نسق واحد في رعايتهم للتكاليف وانصياعهم لها والقيام بالواجب، وهو ما يسدّ منافذ الشّيطان إلى القلوب في هذه المجالات والظروف، بل كذلك الأمر بالنسبة إليه، لأنّه يرى نفسه في حدّ سواء مع سائر أئمة صلاة الجمعة كما هو الواقع في نفس الأمر عند الله تعالى، فلا تمايز بينهم إلا بحسب التكليف وأداء الوظيفة، كلّ بحسبه.

  • ثالثاً: إنّ نفس حضور الرئيس في صلاة الجمعة حتى وإن لم يكن هو الإمام بل يكون مأموماً، فهو عند الله أقرب إلى العبودية وأبعد عن الاستقلال والتّفرّد، وكلّنا سائرون نحو هذه الجهة أعني تحقّق العبودية ورفض الأنانية، وبهذا تكون الرّوحانية والصفاء أكثر وأشدّ، ويكون نزول الملائكة والبركات من قِبَل الله تعالى أقوى وأوفى.ولكنّ السّيد الزعيم مع ذلك كلّه لم يقبل أن يتصدّى بنفسه لهذه المسؤولية ولم يتمّ البحث للجهة المذكورة .

  • و لكنّنا كنّا نرى في وجه السيد الوالد ارتياحاً ونشاطاً وشوقاً للحضور في صلاة الجمعة وكان ينتظر من جمعة إلى جمعة حضور وقتها وكان يوصي بشدّة وبكلّ تأكيد تلامذته ومقلّديه للحضور فيها ولم نر منه ـ رضوان الله عليه ـ مرّة واحدة أنْ ترك الصلاة بدون علة مانعة حتّى في وسط الشتاء وتراكم الثلوج، أو أواسط الصّيف وألم الحرارة وشدة الازدحام. وكان مقلّدوه يعدّون صلاة الجمعة من أهمّ الواجبات وألزمها شرعاً وسلوكاً، ولم أر أحداً من العلماء وأئمة الجماعات أنّه كان يعتني بهذه المسألة كاعتنائه واهتمامه بها روحي له الفداء، فكان ذلك ناشئاً عن ينبوع علم وحكمة وبصيرة لم تكن لدى غيره، وهو الإشراف الربّاني والاتصال بعالم الملكوت ومقام الشرع والتنزيل والاطّلاع على المباني والملاكات النفس الأمرية، والارتواء من صقع حضيرة القدس وعالم المشيئة والإرادة الإلهية، وهذا هو المقصود من العالِم بالله وبأمر الله في محاورات أهل المعرف والعرفان.

صلاة الجمعة إحدى ركائز الحكومة الإسلاميّة

5
  • و نرى أنّ أئمة الجمعة في البلاد الإسلامية كلّهم مُنَصَّبون من قبل إدارة الأوقاف والشّؤون الدّينية، فهي المركز الوحيد لوضع البرامج والخطب التي تلقى على مسامع المخاطبين، فدائرة الأوقاف هي المركز المسؤول عن تنظيم الخطة المعدة من قبل السياسيّين وزعماء الدّولة، وبثها على الأفكار وزرعها في النّفوس كل ذلك حسبما يرونه من الصّلاح لبقاءحكومتهم وسيطرتهم على النفوس والأعراض، ولا يجوز في هذا المجال تخلّف إمام الجماعة عن البرنامج المكلّف به حتى ولو بمثقال ذرة مطلقاً، فليس من حقّه أن يلقي ما يراه من الصلاح للأمة إن كان مخالفاً لسيرة ومنهج الحكومة. وبمجرد تخلّفه عن المنهج الدستوري، نرى أنّهم يبادرون في عزله فوراً ويطردونه، ويجْرون عليه العقوبات السيّئة من السجن والتعزير والتبعيد وما إلی ذلك... .

  • و من البديهي أنّ الأئمة عليهم السّلام لم يكونوا قادرين على إقامة الصلاة ونصب الأئمة في البلاد في تلك الظروف والأزمنة أبداً، فهل يكون ذلك حينئذ إلا إعلاناً عن القيام في وجه الحكومة وتحرّكاً فعلياَ في خطّ المواجهة، وإشعال نيران الثورة وتحريك الشعب والهجوم عليها؟

  • سبب منع الأئمة عليهم السلام إقامة الصلاة بشكل عامّ

  • و هذا هو السبب في منعهم عليهم السلام إقامة الصلاة بشكل عامّ وبارز في البلاد واشتراطهم حضور الإمام عليه السلام أو المنصوب من قِبله أو الحاكم الإسلامي للتصدّي لهذه الفريضة كما يظهر من بعض الروايات.

  • و أمّا إقامة الصلاة بغير الشكل الرسمي أمام الملأ وإبرازها جهاراً في المساجد والتجمّعات المعروفة أمام الناس، بل في القرى أو المجموعات غير الغفيرة من الشيعة ؛ كاجتماع سبعة أشخاص على الأقلّ، أو في البلاد التي لا يُعتنى بها ولا تعدّ محطّ نظر للحكومات؛ فلا محذور فيها أصلاً. فتكون عندها مطلوبةً من الشارع، ومأموراً بها بالوجوب التّعييني الإطلاقي بلا شبهة أو كلام كما هو المستفاد من الروايات في هذا الباب.

  • و حيث أنّ كثيراً من الفقهاء ـ رضوان الله عليهم ـ لم يمعنوا النظر في هذه الملاحظة الدّقيقة والنكتة الأساسية والمحوريّة في الجمع بين الروايات المتخالفة بحسب ظاهرها؛ فلم يسلكوا الطريق الوسط، بل فاتهم الرّأي السّديد والحُكم الرّشيد، وذهبوا إلى مذاهب شتّى ومختلف الآراء والفتيا، حيث حرّمها بعضهم مطلقاً في زمن الغيبة استناداً إلى بعض الأدلة، ورجّحها آخرون على صلاة الظهر، ورُبَّ قائلٍ بالتخيير مطلقاً، وفي مقابله قيل بالوجوب التعييني مطلقاً في العقد والاجتماع وهكذا... .

صلاة الجمعة إحدى ركائز الحكومة الإسلاميّة

6
  • و المصنّف العلاّمة العَلَم والطَّود الأعظم سيّد العلماء الربّانيّين وسند الفقهاءالإلهيّين وقدوة الأولياء العارفين سيّدنا ومولانا الوالد المرحوم روحي له الفداءكان له رأي خاصٌّ به في المقام، منحازاً عن سائر الفتاوى متفردٌ به من بين المسالك والآراء، وهو: الوجوب التعييني عقداً واجتماعاً، من دون أي شرط فيه بنحو الواجب المشروط كالحجّ والصلاة بالنّسبة إلى الاستطاعة والوقت، بل وجوبها في ظرف حضور الإمام عليه السّلام أو تحقّق الحكومة الشّرعية الإسلامية الحقة بنحو الواجب المطلق بالنسبة إلى شروط الوجود والتحقّق في الخارج والصّحة كالطهارة والاستقبال ولبس الطاهر بالنسبة إلى الصلاة. وكان قدّس سرّه يعتقد أنّ الحُكم بوجوب القيام لتحقيق الحكومة الإسلامية على كافّة المسلمين حكماً بتّيّاً لا يُرَدّ ولا يُبدَّل، وكذلك كان ملتزماً بترتّب الإثم والعصيان عليهم عند عدم القيام بهذه الفريضة حتّى بالنسبة لانعقادها وتحقّقها. فعلى فتواه، تكون صلاة الجمعة فريضة واجبة على الإطلاق على كافّة المسلمين بدون أي شرط لا في العقد ولا في الاجتماع، لكنّ شرط التحقّق والصّحة هو حضور الحاكم الجامع لشرائط الفتيا المبسوط اليد والاختيار. والسّبب فيه أنّ بعض الروايات ناطقة بذلك، ويرى قدِّس سرّه أنّ هذه النتيجة هي ما يقتضيه الجمع بينها وبين الروايات الأخرى المطلقة في الوجوب الآبية عن التقييد والاشتراط.

  • اعتقاد المصنّف قدّس سرّه بلزوم إيجاد الحكومة الإسلامية

  • و كان المصنِّف [العلامة الطهراني] قدّس سرّه معتقداً جازماً بلزوم إيجاد الحكومة الإسلامية، قاطعاً في إنجازها، مبرماً في وجوبها مِثلها مثل سائر الفرائض، بل آكدها وألزمها على الأمة الإسلامية بالوجوب العيني التعييني. وبعد رجوعه من عند القبة المقدّسة العلويّة على ثاويها آلاف الصلاة والتحية، بدأ بنشر وتبليغ هذه الفكرة الرشيقة السامية في محافله الأسبوعية، وذلك ببيان بديع نافذ في القلوب، بحيث لو حضر شخصٌ إحدى هذه المحافل وهو مخالفٌ في الرأي والنظر، لتبدّل رأيه وتحوّلت أفكاره بشكل تامّ، وما ذلك إلا لصفاء قلبه ونفوذ كلمته وصدق نيّته وخلوص إرادته وجامعيّته في المباني الشرعية وتضلّعه في حقائق الوحي وبواطن الشّرع بما لا يصل إليها إلا الأوحدي ممّن اختاره الله للإفاضات الربّانية وجعله مهبطاً للأنوار الإلهية والملائكة المقرّبين، الذين قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنة الَّتِى كُنتُمْ تُوعَدُونَ۱ كما أنّه قدّس الله نفسه القدسية كان يقول دوماً: لا يجوز لأحدٍ حتى ولو بلغ ما بلغ التصدّي لهذا المنصب وتقبّله لهذه المسؤولية إلا لمن اتّصل قلبه بعالَم الجبروت، فصار من القاطنين في ذروة اللاهوت فتبدّلت نفسه وتحوّل قلبه من الأهواء الرديئة والأوهام البشرية والميول النفسانية، فصار مرآة لإرادة الله ومشيّته، ومجلى لجلواته وظهور أسمائه وصفاته وأفعاله ومصداقاً لكلامه:

    1. سورۀ فصّلت (٤۱) الآية ٣۰.

صلاة الجمعة إحدى ركائز الحكومة الإسلاميّة

7
  • عبدي أطعني حتّى أجعلك مِثلي ـ أو مَثَلي ـ أقول للشيء كن فيكون وتقول للشيء كن فيكون.۱ 

  • أو:

  • لا يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنوافل حتّى أحبّه فأكون أنا سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به و... ٢

  • و مع ذلك كان قدِّس سرّه تحت رعاية وتربية العارف الكامل الإلهي العظيم السيّد هاشم الموسوي الحدّاد ـ قدَّس الله رمسه وأفاض علينا من بركات أنفاسه القدسية ـ .

  • و لم يعهد من أحد من العلماء قبله القيام بهذه المسألة في زمن الطاغوت بهذا المنهج الفريد، وإن صدر من بعض الأعلام بعض المؤلَّفات في مسألة ولاية الفقية وغيرها٣.

  • و كذلك قد وسّع قدّس سرّه نشاطاته في المسجد عبر إقامة الجلسات الدينيّة وإحياءالشعائر بالوعظ ومباشرته للخطابة بنفسه الشريفة، وكذلك دعوة الوعاظ والخطباء العظام السائرين علی هذا النهج والسالكين في هذا المسلك، ونشر الإعلانات في المناسبات المختلفة المؤثِّرة والمحيية بحيث صار مشاراً إليه بالبنان في طريقته الوحيدة ومسيرته الفريدة، وفي بعض هذه المناسبات (ليلة الخامس عشر من شعبان ميلاد قطب عالَم الإمكان ورحى دائرة الوجود الحجّة بن الحسن المهدي أرواحنا لتراب مقدمه الفداء) قد أصدر بلاغاً وأرسله إلى كافّة المدن في إيران وإلى كثير من العلماء والشخصيات البارزة في البلاد، وقد ذكر فيه:

  • اللهمّ إنّا نرغب إليك في دولة كريمة، تعزّ بها الإسلام وأهله، وتذلّ بها النفاق وأهله، وتجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك، والقادة إلى سبيلك، وترزقنا بها كرامة الدنيا والآخرة٤.

  • و بعض فقراتٍ من التوقيع المبارك من النّاحية المقدّسة إلى جناب الشّيخ السّند والرّكن المعتمد المفيد ـ رضوان الله عليه ـ في الحثّ على ائتلاف القلوب واجتماع الأمّة على المقصد الأعلى والغاية القصوى، مع بيانٍ منه في لزوم قيام كافّة المسلمين لتحقيق هذه الفريضة والمحور الأصلي لحياة الأمة الاجتماعية والروحانية.

  • فَبَهر هذا البلاغ والإعلان مسالك الشعائر الدينيّة في سائر المجالات حتّى سمع من بعض روّاد السّياسة والثّورة٥ : في الوقت الذي كنّا لا نسمع فيه صوتاً من أحد، فقد سمعنا هذا النّداء من هذا المسجد، فأثّر أثراً كبيراً حتّى بين أركان الحكومة الجائرة وزعمائها وأيقظهم من نوم الغفلة والغرور ونبّههم إلى تكوّن هذا المولود ونشأته.

    1. بحار الأنوار، ج ۱۰٢، في هامش ص ۱٦٥.
    2. كنز العمّال، ج ۱، ص ٢٥٥، ح ۱۱٥٥؛ و للتّحقيق حول هذه الرّواية انظر معرفة الله، ج ۱، المبحث ۱٩.
    3. كتاب ولاية الفقيه للسيّد القائد آية الله الخميني قدّس سرّه.
    4. إقبال الأعمال، ج ۱، ص ۱٢۷؛ بحار الأنوار، ج ۸۸، ص ٦.
    5. المرحوم المهندس بازرگان في إحدی خطاباته في ذلك الزمان.

صلاة الجمعة إحدى ركائز الحكومة الإسلاميّة

8
  • و كان ـ رضوان الله عليه ـ قد بسط بلاغه ونداءه هذا لجميع أبناء الشّعب في كلّ مرتبة ومرحلة، العالي منهم والدّانى، الحكومي والعادّى، العالِم والجاهل، الملتزم وغيره، بل حتّى السّافرات، وحتى السلطات الحكوميّة في جميع مراتبهم، سيّما نفس الشاه وذويه. وهذا من مميّزاته ومختصّاته، فإنّه كان يرى نفسه الشريفة مرآة لنفس النّبي الأكرم والأئمّة المعصومين صلوات الله وسلامه عليهم في تبليغ الشريعة الرفيعة، ومجلى لتجلّيات الأنوار المقدّسة المطهّرة، وكان يعتقد بأنّ المسؤوليّة الكبرى والقيادة العظمى بالنسبة إلى كافّة أهل الأرض إنّما تقع على عاتقه بنفس المسؤولية والزّعامة المعتبرة فی حقّ المعصومين عليهم السّلام، كلّ ذلك تحت إشراف صاحب العصر أرواحنا لتراب مقدمه الفداء وولايته الكلّية الإلهية، وكان لا يقصّر في النصح والهداية لأحد، بل كان يحبّ ويرضى ويختار وينتخب ـ من صميم قلبه وصافى ضميره لأدنى نَسَمَةٍ تقطن في أقصى بقاع الأرض، سواء كانت مسلمة أو غير مسلمة من الكفّار والمشركين ـ ما يرضى ويحبّ ويختار لنفسه القدسية. ولَعمري إنّ هذا ليس بمزاح ولا إغراق، وأُقسم بالعظيم إنّي كنت أرى من حالاته الشريفة وأقواله المنيفة طيلة الحياة هذا المعنى والمسلك الملكوتي الإلهي بدون أي مسامحة ومجاملة ولا فضول كلام.

  • إرسال المصنِّف قدِّس سرّه رسائل إلی كثير من العلماء والمراجع العظام

  • و كان يرسل الرسائل إلى كثير من العلماء والمراجع العظام يرغّبهم ويحثّهم للورود في هذا النهج والسير في هذا المسلك، منهم الآيات والحجج: السيّد محمّد هادي الميلاني والسيّد روح الله الخميني والشيخ الآخوند ملاّ علي الهمداني والسيّد محمّد علي القاضي التبريزي والشيخ بهاء الدّين المحلاّتي والسيّد عبد الحسين دستغيب الشيرازي والشيخ صدر الدّين الحائري والسيّد صدر الدين الجزائري والشيخ مرتضى المطهّري والسيّد عبد الهادي الشيرازي وغيرهم من الأعاظم وفحول العلم، رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.

  • و كان السيّد محمّد هادي الميلاني يقول لرفقاء السيّد الوالد: كنت إذا وَصَلَت إليّ رسالة منه أضعها في جيبي بضعة أيّام وأطالعها كل يوم مرة أو مرّتين.

  • و كان في جميع هذه الرسائل يوجّههم إلى الطريق الأقوم والهدف الأسنى ويبثّ روح الشريعة في نفوسهم وضمائرهم ممّا يؤدّي إلى تقوية نشاطهم الديني ونشر عرق الحمية الشّرعية وإخلاص العمل وتصفية الباطن والخاطر من الغفلات والكثرات والاعتبارات الدّنيوية، وما عليه السياسيّون من التغلّب على حطام الدّنيا والرّئاسات المادّية. وكانوا جميعاً معترفين بذلك، ويقولون إنّ كلامه يختلف عن سائر الكلمات، ورسائله مختلفة عن سائر الرسائل.

صلاة الجمعة إحدى ركائز الحكومة الإسلاميّة

9
  • و كان يتداول في جميع هذه المسائل مع أستاذه الوحيد الفريد ومقتداه ومراده فخر الشّريعه الغرّاء وعماد الحنيفية البيضاء العلامة السيّد محمّد حسين الطباطبائي وكان يستشيره فيها. وكان له علاقة خاصّة واتّصال وثيق بالآية الحجة السيّد روح الله الخميني قدّس سرّه، وكان يذهب إلى بيته في قم المقدّسة كراراً ومراراً لهذه الجهة، ويتباحث معه في كيفيّة تحريك الأمّة والشّعب وتسييرها نحو الثورة الإسلاميّة، وكان له أثرٌ قاطع غريب في تصحيحها وإصلاحها، ممّا يكشف عن موقعيّة وشأنٍ خاصّ لديه، وكان يعدّ محوراً أساسيّاً في جميع هذه الأمور، وكان السيّد القائد لا يصدر إعلاناً إلا بعد مراجعة السيّد الوالد وإمضائه، وكان هو الرابط فيما بينه وبين المرتبطين معه والمتعلّقين به من خواصّ العلماء ورجال السّياسة وفِرَق المجاهدين والمقاتلين، كالهيئة المؤتلفة وغيرها، وقد ذكر بعض هذه المسائل في كتابه المسمّى بـ «وظيفة الفرد المسلم في إحياء حكومة الإسلام» ومع ذلك كلّه لم يتسنّى له المشاركة والمساعدة ولم يتيسّر له الإشارة على السيّد القائد بسبب بعض الأمور.

  • وبالجملة كانت فكرته السامية ورأيه الصائب والعلّة الرامية لإقامة صلاة الجمعة في ظرف تحقّق الحكومة الإسلاميّة هي اهتمامه البليغ لتشكّل الحكومة العادلة، وإلا فهو ممّن كان يرى الوجوب التعييني في إقامة هذه الصلاة بدون أي شرط فيها بنحو الواجب المشروط، وهكذا سرد كلامه في الاستدلال بالوجوب عَبر هذه الرسالة علی ما يلاحظ فيها من أنّه قدّس سرّه قد غيّر رأيه في أواخرها وحكم باستحسانها ورجحانها على كلّ حال في زمن الغيبة وعدم ضرورة وجود النائب الخاصّ وانعقاد الحكومة العادلة، ولهذه النّكتة فقد استحسنّا أن نعلّق عليها بعض التعليقات على ما يخطر ببالنا القاصر ورأينا الفاتر.

  • و الذي تحصّل لنا بعد البحث والتّأمّل في الأدلة مع إخواننا الفضلاء الأجلاّء كثّر الله أمثالهم حول هذه المسألة، هو الوجوب العيني التعييني عقداً واجتماعاً ومطلقاً في كلّ حال ومجال، بدون أي شرط لا في الوجوب ولا في الصّحة. والله هو العالم.

  • الكلام في صلاة الجمعة يقع في الجهتين السياسية والأخلاقيّة

  • و أمّا الكلام في صلاة الجمعة وكيفية انعقادها بعد الفراغ من حكمها الوجوبي فيقع في الجهتَين، السّياسية والأخلاقية.

صلاة الجمعة إحدى ركائز الحكومة الإسلاميّة

10
  • أمّا الجهة الاُولى:

  • فلا شكّ أنّ لطبيعة هذه الصلاة علاقة خاصة بالمسائل الاجتماعية والشّؤون الحكومية. فمن حيث أنّ لكلّ حكومة مخطّطاً خاصّاً بها وهي تدير الشعب وتدبّر أمره من خلال هذا المخطّط، فيجب أن تعلن عن برنامجها وتوضّحه بشكل عامٍّ، الشامل لجميع المسائل، من القيام بشؤون الملّة وما فيه من الصّلاح والفساد، وما يرتبط بالشؤون والمسائل الاجتماعية وعمران البلاد والعلاقات الخارجية، وإعداد الشّعب للمواجهة مقابل الأحداث والحوادث الطارئة وهكذا.

  • و من ناحية اُخرى، وحيث لم يكن في سالف الزّمان وسيلة للإعلام والإعلان كالجرائد والأجهزة الإعلامية الحديثة، لذلك كانوا يستثمرون صلاة الجمعة كفرصة لهذا المطلب، بغية توجيه الشّعب نحو المقاصد والمخطّطات المرسومة. ولهذا فقد ورد في الأحاديث بأنّه لا تقام هذه الصلاة إلا في بلاد تقام فيها الحدود، كما في الدّعائم عن جعفر بن محمّد عليهما السّلام أنّه قال:

  • لا جمعة إلا مع إمام عدل تقىّ.۱

  • و عن علي عليه السّلام أنّه قال:

  • لا يصحّ الحُكم ولا الحدود ولا الجمعة إلا بإمامٍ عدل٢

  • و نحوها ... .

  • و لهذه العلة كانت إقامة هذه الصلاة من الوظائف الحكومية، ولا يسمحون لأحدٍ أن يقيم الصلاة من تلقاء نفسه، وكانوا يُنصِّبون لهذه الفريضة أئمّة من قِبَلهم موالين لهم. ومن ناحية أخرى كان نفس هذا الاجتماع والحضور الشعبي العظيم يعدّ تأييداً لزعماء الحكومة، ومشيّداً أركانها ومقوّياً دوامها وبقائها، وكانوا ينظرون إلى مَن حضر ومن لم يحضر، حتّى أنّ أئمّتنا عليهم السلام كانوا يحضرونها تقية وخوفاً على دماء الشيعة وأعراضهم.

  • الجهة الثانية وهي الجهة الأخلاقية وهي أهم من الأولى

  • و أمّا الجهة الثانية؛ فهي أهمّ من الاُولى، لأنّ فيها الحثّ والترغيب على المسائل الأخلاقيّة والتقوى، وهذه هي النكتة التي قد غفل عنها كثيرٌ ممّن تصدّى لهذه المسؤولية، فظنّوا أنّ الأصل في صلاة الجمعة هو الحيثية السّياسية فحسب، وأنّ ذكر التقوى فيها فرع لها، بل قد يسمع أنّ بعضاً يذكر اسم التقوى في الخطبة على سبيل الاحتياط ولا يلتفت إلی كون الاشتغال بالسّياسة بدون رعاية التقوى والاهتمام بها وجعلها نصبَ العين في كلّ حال ومقام لا قيمة له أصلاً بمقدار مثقال ذرة، بل هي حينئذ سياسة حكّام الجور ؛ كخلفاء الظلم والعدوان من بني اُمية وبني مروان وغيرهم، وهذه النظرة بعيدة عن الإسلام والشريعة، قريبة من الكفر والزندقة.

    1. مستدرك الوسائل، ج ٦، ص ۱٣، ح ٦٣۰٦/٤؛ دعائم الإسلام، ج ۱، ص ۱۸٢.
    2. المصدر السابق.

صلاة الجمعة إحدى ركائز الحكومة الإسلاميّة

11
  • والسرّ في ذلك أنّ مسألة السّياسة والحكومة في الإسلام وغيره من الأديان الإلهية معدّة لإقامة العدل والحدود وإصلاح المجتمع لتحصيل الأمان وإعداد الأسباب لكلّ فرد من أفراد الشعب للوصول إلى أعلى مراتب الفعلية والتوحيد، وهو حقّ مُسَلَّم إلهي معطى مِن قبل الله تعالى إلى جميع أفراد المجتمع ؛ من الصغير والكبير والعالي والداني بلا اختلاف أبداً. وإلا فلا فرق بين الحكومة في الأديان الإلهية والمدارس المادّية كما نشاهدها في العالم وشاهدناها في حكومات الخلفاءالغاصبين وبني اُمية وبني العبّاس وغيرهم.

  • قال الله تعالى: لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ۱.

  • و قال: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللّهِ إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ٢.

  • فالظُّلمة هي الشهوات والرئاسات والشؤون الدّنيوية وعالَم الوهم والاعتبار، أمّا النور فهو عالَم التوحيد والبهجة والبهاء وعالم الحقائق والأنوار وعالم الملائكة والأرواح القدسيّة وعالم الجبروت واللاهوت وعالم الفَناء والأحديّة، وهذا هو المراد من كلام مولى الموَحّدين وقطب العرفاء والأولياء والأنبياء والأوصياء أميرالمؤمنين عليه السّلام حيث يقول:

  • و اصطفى سبحانه من ولده أنبياء أخذ على الوحي ميثاقهم وعلى تبليغ الرّسالة أمانتهم لمّا بدّل أكثر خلقه عهد الله إليهم، فجهلوا حقّه واتّخذوا الأنداد معه، واجتالتهم الشياطين عن معرفته واقتطعتهم عن عبادته، فبعث فيهم رسله وواتر إليهم أنبياءه ليستأدوهم ميثاق فطرته ويذكّروهم منسي نعمته ويحتجّوا عليهم بالتّبليغ ويثيروا لهم دفائن العقول ويروهم الآيات المقدّرة، من سقف فوقهم مرفوع ومهاد تحتهم موضوع... ٣.

  • اختصاص التصدّي لهذا المقام بخلفاء الله وأصفيائه

  • و لهذا نرى أنّ الإمام سيّد الساجدين وزين العابدين علي بن الحسين عليهما السّلام يخصّ التصدّي لهذا المقام بخلفاء الله وأصفيائه ومواضع أمنائه المخصوصين بكرامته حيث يقول:

  • اللهمّ إنّ هذا المقام لخلفائك وأصفيائك ومواضع أمنائك في الدّرجة الرّفيعة التي اختصصتهم بها قد ابتزّوها وأنت المقدّر لذلك، لا يغالَب أمرك ولا يجاوز المحتوم من تدبيرك، كيف شئت وأنّى شئت ولما أنت أعلم به غير متّهم على خلقك ولا لإرادتك، حتّى عاد صفوتُك وخلفاؤك مغلوبين مقهورين مبتزّين، يرون حكمك مبدّلاً وكتابك منبوذاً، وفرائضك محرّفة عن جهات أشراعك وسنن نبيّك متروكة. اللهمّ العن أعداءهم من الأوّلين والآخرين ومَن رضي بفعالهم وأشياعهم وأتباعهم. اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّدٍ، إنّك حميدٌ مجيدٌ، كصلواتك وبركاتك وتحيّاتك على أصفيائك إبراهيم وآل إبراهيم وعجّل الفرج والرّوح والنّصرة والتّمكين والتأييد لهم. اللهمّ واجعلني من أهل التّوحيد والإيمان بك والتصديق برسولك والأئمة الذين حتمت طاعتهم ممّن يجري ذلك به وعلى يديه آمين ربّ العالمين ٤

    1. سورة الحديد (٥۷) صدر الآية ٢٥.
    2. سورة إبراهيم (۱٤) الآية ٥.
    3. نهج البلاغة، لمحمّد عبده، ج ۱، ص ٢٤.
    4. الصحيفة السّجّاديّة الكاملة، ص ٢۸۱ إلى ٢۸٣.

صلاة الجمعة إحدى ركائز الحكومة الإسلاميّة

12
  • و إلى هذا المعنى السامي والدرجة العليا من التوحيد والعرفان يشير صاحب الولاية الكّلية الالهية مولى الموحّدين أميرالمؤمنين عليه السّلام ويقول:

  • سبحانك أي عين تقوم نصب بهاء نورك وترقى إلى نور ضياء قدرتك؟ وأي فهم يفهم ما دون ذلك؟ إلا أبصارٌ كشفتَ عنها الأغطية وهتكت عنها الحجب العمية، فَرَقَتْ أرواحها إلى أطراف أجنحة الأرواح فناجَوك في أركانك وولجوا بين أنوار بهائك، ونظروا من مرتقى التربة إلى مستوى كبريائك، فسمّاهم أهل الملكوت زوّاراً، ودعاهم أهل الجبروت عمّارا ۱

  • فينبغي لهذا الشخص القدسي أن يقبل مسؤولية الهداية والإرشاد وتربية النفوس، فيسوقهم نحو عالَم الملكوت ويأخذ بزمام الإرادة والسّداد ويجعلها على مستوى الرُّقي والصّلاح بالنحو الأتمّ الأوفى. ففي هذا المجال يصحّ للإنسان أنْ يعتمد على الإجراءات والأنشطة السّياسية والحكومية ويتقبّلها بقبول حسن، وفي هذا الموقع يحقّ لنا أن نقول بعدم الفصل بين السّياسة والدّيانة في الإسلام. وهي السّياسة التى تنبعث من النفوس المطهّرة اللاهوتية بعين الدّيانة المنبعثة من صقع عالَم الوحي والتشريع، فافهم وتأمّل.

  • و إلا فكلّ فريق يعمل في عالم السّياسة بمقتضى عقيدته وديانته، وكان الحجّاج بن يوسف الثقفي لعنه الله يستدّل على صحة أعماله الشنيعة وفعاله الوقيحة بالآيات القرآنية ووجوب الإطاعة لاُولي الأمر!

  • تصنيف المصنّف العلامة رضوان الله عليه سفراً قيّما في مسألة ولاية الفقيه

  • والسيّد الوالد ـ روحي له الفداء ـ قد صنّف سِفراً قيّماً راقياً في مسألة ولاية الفقيه وتصدّيه للحكومة في أربع أجزاء، ولله درّه وعليه أجره، فجزاه الله عن الإسلام وأهله خير جزاء المصنِّفين والمعلِّمين، فبيّن فيه حقيقة الولاية والبصيرة في الفقه، وحقّق فيه مراتب الإشراف والسّيطرة على عوالم الأحكام والملاكات بالنّفس القدسية المتّصلة بمصدر التشريع ومنبع الوحي المستضيئة بصفاء سرّه وخلوص ضميره من صقع عالم الجبروت وينبوع الشّريعة والتّنزيل. وهذا هو الفقيه والمفتي الذي يجب علينا إطاعته ويلزم علينا اتّباعه.. وهو الذي يكون دينه عين سياسته وسياسته عين ديانته.. وكلامه حُكم وفعله دليل.. وأولئك والله الأقلّون عدداً.. وهم والله نور الله في ظلماتِ الأرض ومهالك الدّهر.. وهم الذين فتح الله أبصار قلوبهم، فيشاهدون بواطن الأمور ومقادير الله في عوالم المُلك والملكوت، ويعرفون ويقدّرون صلاح العباد بواقع الأمر وحقيقة البصيرة، وأنّى لنا بإدراك هذه المرتبة؟ هيهات! هيهات! أن ندرك هذه الذروة العليا بعقولنا القاصرة وأوهامنا، فكيف تصل إليها أيدينا وندّعي الوفود إليها؟!

    1. بحار الأنوار، ج ٢٥، ص ٣۰، نقلاً عن إثبات الوصيّة للمسعودى.

صلاة الجمعة إحدى ركائز الحكومة الإسلاميّة

13
  • و لهذا كان الوالد ـ قدِّس سرّه ـ يقول: لا يجوز الورود والإقدام في هذا المجال إلا بالإذن الصّريح والأمر المباشر من صاحب الولاية الكلّية مولانا الحجّة بن الحسن المهدي أرواحنا لتراب مقدمه الفداء، أو الذي اتّصل قلبه وضميره به بحيث يراه بقلبه وسرّه في كلّ لحظة وكلّ آن، ويكون بمحضره القدّوسي ومرآه، فيكون لسانه الذي ينطق به ويده التي يأخذ بها وإرادته التي تنبعث من نفسه المطهّرة. ولهذا رأينا في النهضة الدستورية والثورة المشروطة كيف لعبوا بالعلماء والأعاظم والأجلاّء من الأفاضل، وبدّلوا الكلمة وحرّفوا المسير وأدخلوا الملّة في المهالك والبلايا وفعلوا ما فعلوا بالدّين والدّنيا وضلّوا وأضلّوا وهلكوا وأهلكوا...

  • و كلّ يدّعي وصلاً بليلي***تَبيَّن مَن بكى ممّن تباكى
  • فكم هناك من فرق بين مَن رأى أنّ صلاة الجمعة صلاة مربّية للنّفوس، مهذّبة للأخلاق، محرّكة نحو الفعليّات والغايات الكمالية، محيية للأرواح الخامدة، مبصِّرة للعيون الرّمدة، منوّرة للقلوب والأفكار، ومَن لا يرى فيها إلا الاشتغال بالمسائل السّياسية والاجتماعية، ولا ينظر إليها إلا من هذا المنظار السطحي الساذج، وهكذا يكون الرأي والنظر والعقيدة في جميع أفكارهم وممارساتهم وتصرّفاتهم ومنهجم، فلقد سمعت من بعضهم يقول:

  • الأصل في القيام بعزاء الأئمّة عليهم السّلام، خصوصاً أيّام عاشوراء، والخروج إلى الشوارع هو الاجتماع والتظاهر سواء أضممت العزاء إليه أو لا.

  • فيا للأسف لهذه الفكرة الردية المُردية.. المبيدة لروح التشيّع والولاية في الأمّة، والمحرّفة للشّعب والملّة عن مسلك الأئمّة عليهم الصلاة والسلام!

  • و هم غافلون عن أنّ حقيقة الشّريعة وقوامها وأصلها وعمادها هي الولاية والرّكون إليها، وهي بدون الإمام عليه السّلام ميّته فانية صلبة متحجّرة مِثل الخشب والحجر، فاقدة للنشاط الروحاني، وبعيدة عن روح التّقوى وخالية من أيّ عروج نحو الأعلى ومنقطعة عن بلوغ الغاية القصوى. فالصلاة بدون الولاية لا أثر لها إلا تحريك للعضلات، والحجّ بدون الولاية ليس سوى صرف للمال، والأفعال العبادية والجهاد بدون الولاية ليست إلا تصرّف في البلاد كسائر التّصرّفات، والحكومة بدون الولاية هي الترأس على الأنام والسّيطرة على النفوس والأعراض مع ما فيها من المفاسد والمهالك الموبقة والتوغّل في الأنانية والأهواء الدّنية الرّذيلة.

صلاة الجمعة إحدى ركائز الحكومة الإسلاميّة

14
  • الأمور اللازمة على أئمة الجمعات

  • و هكذا فاللازم على أئمة الجمعة توجيه العباد نحو صاحب الولاية الإلهية، وإحياء النشاط الرّوحاني نحوها بشكل جدّي وواقعي، فيوضّحوا لهم حقيقة الاتّباع وكيفية الإطاعة والالتزام بطوق الانقياد له عليه السّلام، وانتظار الفرج والظهور بتفعيل الاستعدادات والقابليات، لا بصِرف الأقاويل الباطلة المُعَيِّنة للظهور كما يسمع عن الكثير، ولا واقع وراءها ولا طائل منها إلا اللعب بعقائد الأنام وصرف الأيّام والأوقات بالقيل والقال.

  • ففي الكافي بسند صحيح عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليهما السّلام في خطبة يوم الجمعة، وذكر خطبة مشتملة على حمد الله والثّناء عليه والوصية بتقوى الله والوعظ...: واقرأ سورة من القرآن وادع ربّك وصلّ على النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وادع للمؤمنين والمؤمنات، ثمّ تجلس قدر ما يمكن هنيئة ثمّ تقوم وتقول: ... وذكر خطبة الثانية وهي مشتملة على حمد الله والثّناء عليه والوصية بتقوى الله والصلاة على محمّد وآله والأمر بتسمية الأئمة عليهم السّلام إلى آخرهم والدّعاء بتعجيل الفرج... ويكون آخر كلامه إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان (الآية) ...۱.

  • و في العلل والعيون عن الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السّلام قال:

  • إنّما جُعِلَت الخطبة يوم الجمعة لأنّ الجمعة مشهد عامّ، فأراد أن يكون للأمير سبب إلى موعظتهم وترغيبهم في الطاعة وترهيبهم من المعصية وتوقيفهم على ما أراد من مصلحة دينهم ودنياهم، ويخبرهم بما ورد عليهم من الآفاق ومن الأهوال التي لهم فيها المضرة والمنفعة، ولا يكون الصّائر في الصلاة منفصلاً وليس بفاعل٤ غيره ممّن يؤمّ الناس في غير يوم الجمعة وإنّما جُعِلَت خطبتان لتكون واحدة للثناء على الله والتمجيد والتقديس لله عزّ وجلّ، والأخرى للحوائج والإعذار والإنذار والدعاء ولما يريد أن يعلّمهم من أمره ونهيه ما فيه الصّلاح والفساد.٢ 

  • فالإمام عليه السّلام يبيّن كيفية الخطابة والتعلّق والارتباط بالله تعالى ابتداءً بالثناء والتمجيد والتقديس عليه لاستجلاب فيضان الرّحمة والعطوفة منه تعالى كما نشاهده في جميع الأدعية المأثورة عن الأئمّة عليهم السّلام كدعاء كميل والافتتاح وأبي حمزة الثّمالي وغيرها.

  • المطالب التي يجب أن تشتمل الخطبة عليها

    1. وسائل الشّيعة، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، باب ٢٥، ج ٥، ص ٣۸، ح ۱.
    2. المصدر السابق، ص ٣٩ و٤۰، ح ٦.

صلاة الجمعة إحدى ركائز الحكومة الإسلاميّة

15
  • و بالتحقيق يجب أن تكون الخطبة بأفصح لسان وأبلغ بيان باعتماد الخطابة المعمّقة، وإيراد قصص من الأولياء الصالحين، والمواعظ البليغة من درر الأخبار، وعبارات نهج البلاغة لمولى المتّقين أمير المؤمنين عليه السّلام، سيّما الخطب التي يتحدّث فيها عن فَناء الدّنيا والموت واعتبارية الدنيا، ويسرد فيها الحوادث التي جرت على أهل بيت الوحي لأخذ العبرة، وكذلك حالات العرفاء الربانيّين وأهل البصيرة، وإنشاد أشعارٍ راقيةٍ من شعراء العرب والعجم كابن الفارض المصري ـ رضوان الله عليه ـ والمولى جلال الدين البلخي وحافظ الشيرازي وغيرهم من العرفاء والأولياء الربانيّين كما نبّه عليه المولى محمّد تقي المجلسي في كتابه المسمّى بـ «لوامع صاحبقراني»۱ بالفارسية ـ رحمة الله ورضوانه عليه ـ ممّا يوجب اشعال حرارة الشوق لدى المخاطبين، وزوال الرغبة إلى حطام الدنيا والأهواء الدنية، ونشاط القلوب في التوجّه إلى عالَم الملكوت، ورفض الرذائل من الإقبال على الرئاسات الدنيوية، والحبال والشباك المهلكة في أيدي الشّياطين، بحيث إنّ كلّ من يحضر في هذه الصلاة يجد في نفسه تحوّلاً وفَرْقاً بين حاله قبل الحضور وحاله بعده، ويتشوّق إلى الحضور في الجمعة الآتية طيلة الأسبوع.

  • فمن الضروري أن يطالع الخطيب الكتب الرّوائية والأخلاقية ساعات طويلة ومدة يُعتدّ بها، ويصرف أوقاته لاستفادةٍ أكثر وإفادة أوفى، ويجتنب عن التكرار المتسلسل المملّ المتعارف، وما يَعْلمُه أكثر الناس من المسائل المطروحة في الجرائد والمجلاّت وما تبثّه وسائل الإعلام الأخری، وأن يكون مستقلاً في رأيه صائباً في نظره، ويلقي خطابه بما يراه مصلحة ونافعاً للمخاطبين بدون الملاحظات الاعتبارية والمصالح الشخصية، بل اللازم أن لا يتوجّه إلا إلى الله سبحانه ولا ينظر إلا إلى الله تعالى شأنه، ولا يفكّر إلا في ما كلّفه الله تعالى ووجّهه إليه قُلِ اللّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِى خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ٢، ويستنّ في إقامة الصلاة بسنة الأئمة المعصومين عليهم السّلام، ويصعد على المنبر، ويجتنب عن الوقوف وراء المنصة المعروفة حاليّاً بـ «تريبون»٣، فهي آلة مستوردة من بلاد الكفر ولا ينبغي للخطيب أن يلقي خطابه عنها، فنحن جماعة الشّيعة يجب أن نلتزم بإقامة الشعائر من علی المنبر وعلينا أن نرفض الآثار الدّخيلة في ثقافتنا الإسلامية كليّاً، ولا بدّ من لبس الرداء بدلاً من العباءة.

    1. و قال مترجمه إلی اللغة التركية: وجدت نسخة بخطّ المؤلّف و قد سمّی الکتاب بـ: اللوامع القدسية.
    2. سورة الأنعام (٦) ذيل الآية.
    3. وهو منبر ذو درجات عالية كالسلم الطويل, لا يشبه المنبر الشرعي والذي لا يتجاوز الثلاث درجات.

صلاة الجمعة إحدى ركائز الحكومة الإسلاميّة

16
  • و اللازم على زعيم الأمة أن يخطب بنفسه ويقيم الصلاة، وأن يحضر في الصلاة كلّ الأفراد وجميع الفِرَق من العلماء وغيرهم، ولا يكتفون بالمشاهدة والسّماع من خلال الوسائل الإعلامية، فذلك يوجب الوهن والضّعف، وينصّب لجميع المناطق في البلاد خطيباً من أوجه الناس منزلةً وعلماً وخطابةً ورعايةً للتّقوى والتجنّب عن الدّنيا وزخارفها، بحيث يوجب تشويق الناس ورغبتهم في الحضور، ولا يكون في نفوسهم شيئاً منه أو من تصرّفاته، واللازم على الخطيب أيضاً الدعاء لجميع الأمة الإسلامية في أقصى نقاط العالم، ولا يحسب أنّ هناك مسلماً خارجاً عن الحكومة الإسلامية، بل كلّ مسلم في أبعد بقاع الأرض يكون داخلاً في البلد الإسلامي ومندرجاً تحت شرائطه وثابتة له حقوقه، ويوضّح ويبيّن سياسات دول الكفر والعناد وكيفية مؤامراتهم على البلاد الإسلامية، ولهذا فاللازم على الخطيب أن يكون خبيراً نافذ البصيرة بالمسائل السّياسية، محلّلاً للقضايا والأحداث في العالم ولا يكتفى بالتحليلات الموجودة في الجرائد والوسائل المتعارفة، وكذلك يجب على الخطيب أن لا يستثني في النصيحة والموعظة أحداً، بل يُراعي ما أوصاه النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم حيث قال: والنصيحة لأئمة المسلمين۱، وأن يوسّع بلاغه ونصحه إلى جميع الشعوب والفرق في العالم ويدعوهم إلى الصّلاح والرّشاد من رعاية الشؤون الإنسانية والتوجّه إلى التوحيد، فإنّهم عباد الله جميعاً مثلنا، وعليه أن يرى مقامه مقام النائب عن النبي والإمام عليه السّلام في الرّسالة والبلاغ، وممثّلاً من ناحيته، ولا يخاطبهم بلسانٍ حادٍّ، فهذا لا يعدّ فخراً ومباهاة بل: وَجَادِلْهُم بِالَّتِى هِى أَحْسَنُ٢ فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى.٣

  • وألا يرى نفسه موكَّلاً من الله تعالى على العباد مولَّى عليهم بحيث يرى أنّه يجب عليهم أن يطيعوه ويقبلوا قوله، بل عليه أن يرى نفسه أقلّ عباد الله وخليقته، ويعدّل كلماته ولا يتجاوز العُرف والسّيرة العقلائية في المحاورات وسائر العلاقات. وبعبارة اُخرى يلزم على الخطيب أن يكون خطابه جاذباً مقنعاً شافياً شاملاً لكلّ المصالح المتعلّقة بالعباد في بلده وسائر البلاد من البلدان الإسلامية وغيرها، ليسوقهم إلى معرفة حقيقة الإسلام والتشيّع وإِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ٤ و هو دين الرّحمة والعطوفة والودّ والمحبة والإيثار والعلم والحكمة والتعقّل والحرّية، بعيدٌ عن التعصّب والتحجّر والجاهلية، متقدّم في جميع المجالات والنشاطات العلمية، متطوّرٍ في كافة أنحاء التطوّرات الحيوية، ويذكّرهم بالآيات القرآنية كهذه الآية : قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إلا نَعْبُدَ إلا اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ٥ ويبيّن لهم سيرة المعصومين عليهم السّلام والسّنة النبوية مع المخالفين من سائر الأديان والملل، ويعرّف لهم حقيقة التشيّع ومبانيه، ويوجّههم إلى محورية الولاية والوجود الحي القيّوم في إدارة عالم الإمكان والظهور، وكيفية غيبوبته عنّا وسيطرته وولايته على عالم الوجود ببيانٍ مقنع لطيف جذّاب جميل.

    1. الكافي للكلينى، ج ۱، ص ٤۰٤، ح ٢، قطعة من خطبة رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم في مسجد الخيف.
    2. سورةالنحل (۱٦) من الآية ۱٢٥.
    3. سورة طه (٢۰) الآية ٤٤.
    4. سورة آل عمران (٣) صدر الآية ۱٩.
    5. سورة آل عمران (٣) الآية ٦٤.

صلاة الجمعة إحدى ركائز الحكومة الإسلاميّة

17
  • الأمور التي تجب علی خطباء الجمعة

  • و كذلك يلزم على الخطباء توجيه المخاطبين وتنبيههم على التكاليف الاجتماعية من رعاية الموازين الأخلاقية في مجتمعاتهم ومحاوراتهم وكيفية معاشرتهم والقيام بإقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتحكيم المؤانسة والمواصلة، وتبيين الطّرق في ذلك، وكذلك القيام بالتكاليف الشخصية والأمور المتعلّقة بهم من العبادات والمناسبات الدّينية لهم وإحياء شعائر الدّين وذكر أهل البيت ومجالسهم وهكذا.

  • و البحث في هذه المسائل يقتضي مجالاً واسعاً لا تسعه هذه المقدّمة ونكتفي بهذا المختصر، وفيه تنبيه للغافلين وتذكرةٌ لمن أراد أن يتذكّر أو يخشى.

  • و لهذه المهمة نرى أنّ في بعض الروّايات إيضاح لما يخصّ الصلاة بحضور الإمام عليه السّلام أو النائب عنه أو قيام الفقيه العادل المبسوط اليد بإقامة هذه الفريضة في البلاد، من أنّ الإتيان بصلاة الجمعة بهذه الكيفية في البلاد لا يتمّ إلا من شخص يمتاز بهذه الخصوصيّات، وهو ممتنع مع قيام حكّام الظلم وخلفاء الجور سواء في زمن الأئمة عليهم السّلام أو غيره ضرورةً وبداهةً، ولكن طبقا للقواعد الموجودة لدينا كالحديث النبوي الشريف: «إذا أمرتكم بشىء فأتوا منه، ما استطعتم»۱ و«الميسور لا يترك بالمعسور»٢ و«ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه»٣ وغيرها، فحتى لو غضضنا النظر عن الروايات المُثبتة للوجوب حتّى في غير زمن الأئمة وفي حكومة الجائرين والغاصبين، لا يبقى مجال للشّك في وجوبها عيناً وتعييناً عقداً واجتماعاً.

  • و هذه الرسالة المصنَّفة في صلاة الجمعة من الرواشح الثمينة بِيَدِ العالم العامل الكامل فخر الشّريعة وركن الطّريقة وعماد الحقيقة سند الفقهاء والمجتهدين وقدوة العرفاء الكاملين سيّدنا ومولانا ووالدنا العلاّمة آية الله العظمى السيّد محمّد الحسين الحسيني الطهراني ـ رضوان الله عليه ـ مدة إقامته واشتغاله في العتبة المقدّسة العلوية، وكان قد دَرَسَ هذا الباب عند الآية الحجة السيّد محمود الشاهرودي ـ رحمة الله عليه ـ وكان نظره على عدم الوجوب في زمن الغيبة، لكنّ السيّد الوالد ألزمه في أثناء المباحثة على مبناه وسدّ عليه الطريق من جميع الجوانب، وأقنعه بالالتزام اجتهاداً ـ نتيجة للأدلة ـ بالوجوب التعييني، ولكن مع ذلك كلّه لم يقبل التعيين فتوى، وألزمه الإجماع المتوهّم بالقول بعدم الوجوب ورفض الأدلة المثبتة له، وهو أحد مصاديق التّمسّك بالإجماع الواهي والموهوم والمناقض لكلام المعصوم، فيا للأسف لهذه السّيرة المستمرة، ونحن بحمد الله تعالى وتوفيقه قد كتبنا رسالة مستوفاةً تثبت وهن الإجماع في طريق الاستنباط وعدم موقعية له اصلاً في الاجتهاد، وقد أثبتنا بما لا مزيد عليه عدم حجيّته وأنّه أمرٌ مختلق مستوردٌ من ناحية العامّة، ولا أصل له أبداً في الروايات والأصول المأثورة عن المعصومين عليهم السّلام، ويجب علينا رفضه ونسيانه بالكلّية، لنحوّله ونفوّضه إلى العامة فهم أولى بالاستناد والاستفادة منه، وإذا سلب هذا من أصولهم لا يبقى لهم شىء لا في الأساس والاُصول ولا في الفروع. وهو ـ قدّس سرّه ـ قد راجعها في أواخر عمره الشّريف وعلّق عليها بعض التعليقات، ولكنَّ التأمّل فيها وفي التعليقات يُقوِّي مسألة كونه ـ قدّس الله رمسه ـ قد غيّر رأيه وبدّل فتواه في رجحانها على كلّ حال حيث إنّه كان من القائلين بالحرمة والبطلان في غير زمن الحضور والحكومة الشّرعية، ولكنّه في آخر الرسالة قد تبدّل رأيه والتزم بالرجحان في كلّ حال ومجال.

    1. بحار الأنوار، ج ٢٢، ص ٣۱، باب ٣۷.
    2. مفتاح الكرامة، ج ٢، ص ٢٩۸.
    3. المصدر السابق.

صلاة الجمعة إحدى ركائز الحكومة الإسلاميّة

18
  • إنّ الأصل في صلة الجمعة الوجوب العيني التعييني

  • و نحن مع الاعتراف بالعجز والقصور والنقصان، وبعد الفحص والبحث والتأمّل في الأدلة والمتون فقد رأينا أنّ الأصل في صلاة الجمعة هو الوجوب العيني التعييني عقداً واجتماعاً بدون أي شرط لا في الوجوب ولا في الصّحة مع الأمن من الخوف عند اجتماع الشرائط وتحقّق الموضوع. وقدّمنا بعض التعليقات۱ ببضاعة مزجاة وقلة باع متوخِّين في ذلك مزيداً للبصيرة وإتماماً للفائدة.

  • و الحمد للّه أوّلا وآخراً وظاهراً وباطناً، والصلاة والسّلام والتحية والإكرام على صاحب الشّريعة الغرّاء والحنفية البيضاء خاتم الأنبياء والمرسلين محمّد وعلى آل بيته أُمناء الوحي وحَمَلة الرسالة، سيّما قطب عالم الوجود صاحب العصر والزمان بقية الله على الأنام أرواحنا لتراب مقدمه الفداء وجعلنا من شيعته ومواليه والذابّين عنه بمحمّد وآله.

  • و أنا الراجي عفو ربّه السيّد محمّد محسن الحسيني الطهراني في يوم الجمعة التاسع من رجب المرجّب من سنة ۱٤٢۷ الهجرية القمرية في المشهد المقدّس الرّضوي على ثاويه آلاف التحية والثناء

  •  

  • [ملاحظة: إنّ هذا المقال عبارة عن بحث منتخب مستخرج من كتاب «صلاة الجمعة» تأليف سماحة آية الله العظمى السيّد محمّد الحسين الحسيني الطهراني (قدّس الله نفسه الزكيّة)، وهو عبارة عن مقدّمة ألّفها نجل المؤلّف سماحة آية الله الحاجّ السيّد محمّد محسن الحسيني الطهراني قدّس سره على الكتاب]

    1. قد راجع ـ قدّس الله نفسه الزّكيّة ـ هذه الرّسالة في أواخر حياته الشّريفة و علّق عليها بعض التعليقات المختومة بـ (منه عُفي عنه) و لكن لما رأينا إجمالاً في بعض العبارات و اضطراباً في أداء المقصود و الإشارات فقد علّقنا عليها تعليقات مختصرة موجزة لزيادۀ الإفادة و الإتقان وهي المختومة بـ (منه عُفي عن جرائمه) و سائر التعليقات من الأفاضل الكرام و أصدقائنا العظام أيّدهم الله بتوفيقاته.