المؤلّفالهیئة العلمیة لموقع مدرسة الوحي
القسم السير الذاتية والتراجم
هو العليم
قصّة الرجل العجوز و هارون و الأمل البعيد
بحث منتخب من «معرفة المعاد»
إعداد: الهيئة العلمية في موقع مدرسة الوحي
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قيل إنّ هارون الرشيد قال يوماً لخواصّه و ندمائه: أرغب أن أزور شخصاً قد تشرّف بإدراك الرسول الأكرم (صلّى الله عليه و آله) و سمع منه حديثاً، لينقل لي عنه بلا واسطة.
و باعتبار أنّ خلافة هارون كانت سنة مائة و سبعين هجريّة، فقد كان من الجلي ـ مع هذه المدّة الطويلة ـ أنّ أحداً لم يبقَ من زمن النبي، و إن وجد فإنّه سيكون في غاية الندرة. لذا فقد سعى رجال هارون و ملازموه في العثور على شخص بهذه الأوصاف و فتّشوا الأطراف و الأكناف، فلم
يعثروا إلّا على رجل عجوز متداعٍ متهالك في غاية الضعف و الوهن، لم يبقَ منه إلّا أنفاس تتردّد في كومة عظام بالية، فوضعوه في زنبيل و جاءوا به إلى بلاط هارون في غاية العناية و أدخلوه عليه فوراً، فسرّ هارون بذلك كثيراً، لأنه شاهد شخصاً أدرك رسول الله و سمع منه.
ثم قال له: أيّها العجوز! أرأيت النبي الأكرم؟ قال: بلى.
فقال هارون: متى رأيته؟
قال العجوز: أخذ أبي بيدي يوماً في طفولتي واصطحبني إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، ثم لم أدرك محضره حتّى رحل عن الدنيا.
قال هارون: أفسمعتَ من رسول الله شيئاً ذلك اليوم؟
أجاب: بلى! سمعتُ من رسول الله ذلك اليوم أنّه قال: يَشِيبُ ابْنُ آدَمَ وَ تَشُبُّ مَعَهُ خِصْلَتَانِ: الْحِرْصُ وَ طُولُ الأمَلِ، فسرّ هارون كثيراً بسماعه رواية على لسان رسول الله بوساطة واحدة فقط، و أمر فأعطوا العجوز كيساً من الذهب جائزةً له، ثم أخرج عنه. و حين أرادوا إخراج العجوز من البلاط رفع صوته في أنين واهن ضعيف قائلًا: ردّوني إلى هارون فلدي معه كلام.
قالوا: لا إمكان في ذلك.
قال: لابدّ من رجوعي إليه، فلديّ سؤال ينبغي أن أسأله منه ثم أخرج. و هكذا أعادوا الزنبيل و فيه العجوز إلى هارون، فقال: ما الأمر؟ قال العجوز: لديّ سؤال.
قال هارون: قُلْ. فقال: أيّها السلطان! أعطاؤك الذي تفضّلتَ به علي اليوم لهذه السنة فقط أم هو عطاء يتجدّد كلّ عام؟ فتعالت قهقهة هارون و قال متعجّباً:
صَدَقَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله)؛ يَشِيبُ ابْنُ آدَمَ وَ تَشُبُّ مَعَهُ خِصْلَتَانِ الْحِرْصُ وَ طُولُ الأمَلِ.
إنّ هذا العجوز لا رمق له، و لم أكن لأظنّ أنّه سيبقى حيّاً حتّى خروجه من البلاط، و ها هو يقول: أهذا العطاء مختصّ بهذه السنة أم انّه عطاء لكلّ سنة. لقد أوصله الحرصُ على زيادة المال و طولُ الأمل إلى أن صار يتوقّع لنفسه عمراً فهو في صدد أخذ عطاء جديد.
بلى، هذه هي نتيجة عدم تربية النفس الإنسانية بالأدب الإلهي، ممّا دعى بالحرص و الأمل إلى بسط نفوذهما في وجود الإنسان في طيف واسع متزايد لا حدّ له ليقف عنده.
[ملاحظة: انتخب هذا البحث من معرفة المعاد، ج۱، ص: ٢٢، تأليف المرحوم العلاّمة آية اللـه الحاج السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ رضوان اللـه عليه، وقد تمّ توثيقه ومقارنته مع المصدر الفارسي من قبل الهيئة العلميّة في لجنة الترجمة والتحقيق، و تجدر الإشارة إلى أنّ العبارات و الهوامش التي وقعت بين معقوفتين هي من الهيئة العلميّة]