7

أقسام الحلم الإلهيّ وأثرها في مصير السالك

التواضع الحقيقي والمصطنع

4
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمدعاء أبي حمزة الثمالي

المجموعةسنه 1421

التاريخ 1421/09/11


التوضيح

ما هي أقسام حلم الله تعالى؟ وكيف يمكن للحلم أن يكون سببًا في الهلاك بدلًا من النجاة؟ ما هو الحلم الذي يحمده الإمام السجاد عليه السلام في دعائه؟ ما هو المعيار الحقيقيّ لثبات السالك في طريقه إلى الله؟ وكيف يُمتحن صدق الإنسان في ادّعاءاته الروحانيّة؟ تستعرض هذه المحاضرة إجابات هذه الأسئلة، عبر تحليل دقيق لمفهوم الحلم الإلهيّ، مدعومًا بقصص واقعيّة من حياة أهل السلوك.

/۱۲
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

أقسام الحلم الإلهيّ وأثرها في مصير السالك - التواضع الحقيقي والمصطنع

1
  •  

  • هوالعلیم

  •  

  • أقسام الحلم الإلهيّ وأثرها في مصير السالك

  • التواضع الحقيقي والمصطنع

  •  

  • شرح دعاء أبي حمزة الثمالي - سنة ۱٤٢۱ هـ - الجلسة السابعة

  •  

  • محاضرة القاها

  • آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدّس الله سره

  •  

  •  

أقسام الحلم الإلهيّ وأثرها في مصير السالك - التواضع الحقيقي والمصطنع

2
  •  

  •  

  • أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ 

  • بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 

  • وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا أَبِي القَاسِمِ المُصْطَفَى مُحَمَّدٍ 

  • وَعَلَى آلِ بَيْتِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ 

  • وَاللَّعْنَةُ عَلَى أَعْدَائِهِمْ أَجْمَعِينَ

  •  

  •  

  • «وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي يَحْلُمُ عَنِّي حَتَّى كَأَنِّي لَا ذَنْبَ لِي»

  • تقدّم في الجلسة السابقة أنّه مثلما أنّ لحلم بني آدم أقسامًا، فإنّ لحلم الله تعالى أقسامًا أيضًا.

  • أحد الأقسام هو حلمٌ غير سارٍّ وغير مناسبٍ لحال الإنسان، وهو الحلم الذي ينشأ من قهر الله وغضبه، وبروز صفاته الجلاليّة. فلا معنى لأنّ إنسانًا وقع مورد غضب الله وقهره، أن يحمد الله على قهره وغضبه ويقول: «الحمد لله أنّ الله قد قهرني وغضب عليّ!»، «الحمد للّه أنّ الله يريد أن يأخذني إلى جهنّم!»؛ فأيّ حمدٍ وثناءٍ في هذا؟!

  • ردّ فعل الغلام تجاه قطع أمير المؤمنين ليده

  • ذات يومٍ في الحج، رأوا غلامًا قُطعت يده، وكان يمدح أمير المؤمنين عليه السلام. فسألوه: «مَن قطع يدك؟». فشرع هو الآخر يذكر الصفات الكماليّة والحسنة لأمير المؤمنين عليه السلام، وقال: «قطع يدي أفضل خلق الله، قطع يدي وصيّ النبيّ صلّى الله عليه وآله، قطع يدي خليفة رسول الله صلّى الله عليه وآله...»، وظلّ يردّد أوصاف أمير المؤمنين عليه السلام. فقالوا له: «حسنًا، ولماذا قطع يدك؟». قال: «سرقتُ، فقطع يدي».

  • وكان الإمام عليه السلام في الحج، فأُخبر بأنّ غلامًا يقول هكذا، فقال عليه السلام: «نعم، قولوا له أن يأتيني». فجاء ذلك الرجل إليه عليه السلام، فوضع الإمام يده المباركة على يد الغلام، وحمد الله، فعادت اليد إلى حالتها الأولى۱. وهذه هي النتيجة الدنيويّة لفعله، أمّا نتيجته الأخرويّة فسوف يراها لاحقًا. طبعًا، هذا القسم يختلف عن الموضوع الأوّل، فهذا يندرج تحت القسم الثاني، وهو مسألةٌ مهمّةٌ جدًّا!

  • كيفيّة حلم التلميذ إزاء تأديبات الأستاذ

  • لكن في أحيانٍ أخرى، يقطع الإمام عليه السلام يد أحدهم بحقٍّ، فيشرع ذلك المقطوع بالسبّ والشتم! لا يمكن للإمام عليه السلام أن يقصّر في مقام إظهار وإبراز الصفات الجلاليّة، بل يجب عليه أن يؤدّي وظيفته. ولا ينبغي للحاكم والأستاذ أن يقصّرا فيما هو في مقام تدبير وإدارة نظام الشرع والتكوين والنظام الاجتماعيّ. فهذه أعمالٌ يجب عليهما القيام بها، وعندما يقومان بها، ترتفع أصوات الناس قائلين: «يا إلهي، لِمَ تفعلون هذا؟!».

    1. مناقب ابن شهرآشوب، ج ۱، ص ٤۷٣؛ معرفة الإمام ج ٤، ص ٣٩:
      «دَخلَ أسوَدُ إلی أمیرالمؤمنین علیه السّلام و أقَرَّ أنَّهُ سَرَقَ فسألَهُ ثلاثَ مَرّاتٍ قال: یا أمیرالمؤمنینَ طَهِّرني فَإنّي سَرقتُ فأمَرَ علیه السّلام بِقَطع يدِه فاستَقبَلَهُ ابن الكوّاء فقالَ: مَن قَطَعَ یَدَك؟ فقالَ: لَیثُ الحِجاز و کَبشُ العِراق و مُصادِمُ الأبطالِ المُنتَقِمُ مِن الجُهّال کَريمُ الأصلِ شَريفُ الفَضلِ مُحِلُّ الحَرمَین وارِثُ المَشعَرَين أبو السِّبطَينِ أوّلُ السّابقينَ و آخِرُ الوَصيّين مِن آلِ يس المؤَيّدُ بِجَبرائيل المَنصورُ بِميكائیل الحَبلُ المتينُ المَحفوظُ بِجُندِ السَّماء أجمَعينَ ذاك و الله أميرالمؤمنینَ عَلی رَغمِ الرّاغِمين فی کَلامٍ لَهُ قال ابن الكوّاء: قَطَعَ یَدَك و تُثني علیهِ؟ قال: لَو قَطَعَني إربًا إربًا ما ازدَدتُ لَهُ إلّا حُبًّا فدَخَلَ علی أميرالمؤمنينَ و أخبَرَهُ بِقصَّةِ الأسوَد فقالَ: «یا ابن الكوّاء إنَّ مُحِبّينا لَو قَطَعناهُم إربًا إربًا ما ازدادوا لَنا إلّا حُبًّا و إنَّ في أعدائِنا مَن لَو ألعَقناهُم السَّمنَ و العَسلَ ما ازدادوا لَنا إلّا بُغضًا.» و قال لِلحَسن علیه السّلام: «عَليك بِعَمِّك الأسوَد.» فَأحضَرَ الحسَنُ الأسوَدَ إلی أمیرالمؤمنینَ و أخَذَ یَدَهُ و نَصَبَها في مَوضِعِها و تَغَطَّی بِرِدائِه و تَكلَّمَ بِكلِماتٍ یُخفيها فاستَوَت یَدُهُ و صارَ یُقاتِلُ بَين یَدَي أميرالمؤمنينَ إلی أنِ استُشهِدَ بِالنَّهروانِ و يقال کان اسمُ هذا الأسوَدِ أفلَحَ.»

أقسام الحلم الإلهيّ وأثرها في مصير السالك - التواضع الحقيقي والمصطنع

3
  • يقول السيد الحداد رحمه الله: «ما دمنا لا نتدخّل في شؤون الناس وتجري الأمور على خير ما يرام، فنحن أناسٌ طيّبون جدًّا، ويقولون: "كم أنتم أناسٌ طيّبون! ما أجمل عمامتكم! وما أنور وجهكم! أنتم أفضل الناس!"». ولكن بمجرّد أن نريد أن نؤدّبهم قليلًا، ترتفع الأصوات فجأةً صائحةً: «يا ويلتاه! ماذا فعلنا؟! وأيّ ظلمٍ ارتكبناه؟! لمَ وقعت القرعة باسمنا في النهاية؟!».

  • ومن دون هذا التأديب لا يمكن أن يتحقّق شيء. حينئذٍ تكون النتيجة إمّا أن يتراجع الأستاذ ويقول: «ما دمتَ ترفع صوتك، فلن أتدخّل في أمرك». فإذا تراجع هو، بقيتَ أنت عاطلًا باطلًا ودون نتيجة! لقد توقّفتَ عندئذٍ في مرتبة الفجاجة والطور الأوّل من التكامل، دون فائدةٍ أو نموٍّ أو سعةٍ أو نضج! وإذا أقدم هو على تأديبك، فإنّ صوتك يرتفع قائلًا: «يا إلهي، لِمَ الأمور هكذا وهكذا؟! يا سيّدي! لقد حدث خطأ! ماذا فعلنا؟!»، ثمّ يبدأ الكلام هنا وهناك، وربّما، لا سمح الله، تصل المسألة إلى أمورٍ مقلقة.

  • في زمن المرحوم العلامة، كان هناك رجل من أولئك الذين يتّسمون بالعاطفيّة الشديدة، وكلامهم يفتقر إلى كلّ أساسٍ أو أصل. كان يطرح فكرةً لا أساس لها تخطر بباله، مع أنّ فيها ألف إشكالٍ وإيراد. وقد نبّهه المرحوم العلامة عدّة مرّات قائلًا: «لا تطرح كلّ ما يخطر ببالك، فقد يكون الكثير منه باطلًا، وقد تكون المسألة على خلاف ذلك، وربّما لا يعدو كونه في المراتب الابتدائيّة من الصورة المثاليّة ويفتقر إلى العمق». لكنّه كان يطرح ما لديه! فقال لي مرّة: «أشعر بأنّ العلامة يضع الجميع على قمّة جبلٍ أو سطحٍ عالٍ ليجعلهم يطيرون دفعةً واحدة». كان يعيش في وهمٍ ويتفوّه بمثل هذا الكلام، وبقي على هذه الحال! لكنّي لم أكن آخذ كلامه على محمل الجدّ كثيرًا؛ لأنّي كنت أعرفه وأعلم أنّ الكثير من كلامه نابعٌ من أوهامه وتخيّلاته.

  • هذا الرجل نفسه، عندما انقلبت الصفحة وشمله ظهورٌ من الظهورات الجلاليّة للمرحوم العلامة، انتهى أمره، وإلى الآن لم يعد هناك أي خبرٍ عنه. ولن أذكر الآن ما حدث لاحقًا وما قاله عن المرحوم العلامة، فليس هذا مقام ذكره. كلّ هذا بسبب ضيق الأفق، وقلّة السعة، وعدم الالتفات إلى الواقع وحقيقة القضيّة، والنظر إلى الذات، وعدم تصحيح الأفكار والطريق والاتجاه.

أقسام الحلم الإلهيّ وأثرها في مصير السالك - التواضع الحقيقي والمصطنع

4
  • كان المرحوم العلامة يقول: «كان هناك رجل يريد أن يفعل شيئًا متعمّدًا ليثير حفيظة المرحوم السيّد الحداد، فيؤدّبه أمام الملأ أو على انفراد». طبعًا، هذه الحال ليست صحيحة أيضًا، إذ لا حاجة لإثارة حفيظة الأستاذ، فهو سيؤدّبك في الوقت المناسب. ولكنّ الأمر جيّد من جهةٍ، وهي أنّه يقلّل من أنانيّة الإنسان شيئًا ما؛ وإن كان من جهةٍ أخرى قد يشكّل خطرًا على الإنسان، وتلك قضيّةٌ دقيقةٌ جدًّا.

  • وقوع الامتحانات الإلهيّة على جميع الناس، دون استثناء

  • لكنّ بعض الناس يظلون على ما يرام ما لم تمسّ تركيبتهم أيّ صدمة، وما دام السلام والوئام سائدَيْن، وحينها يقولون أيضًا: «ما أطيب هذا السيّد، وما أشدّ نورانيّته وحسن خلقه! أخلاقه إسلاميّة، وأخلاقه وكماله كأخلاق الأعاظم وكمالهم! طوبى لِجُلَساء هذا السيّد فهم يضحكون دائمًا!». وتستمرّ عبارات المديح هذه على هذا النحو.

  • ولكنّ الأحوال لا تبقى على منوالٍ واحد، وأمور الدنيا لا تسير على وتيرةٍ واحدة! وفجأةً، يصل الأمر إلى مرحلةٍ لا تعود فيها أمور الدنيا تجري وفق المراد، وفي هذه الظروف تحدث قضيّةٌ ما، ويُتّخذ موقفٌ تجاه مسألةٍ ما. عندئذٍ يقول ذلك الرجل: «هذا لا يتناسب مع أخلاق أولياء الله!». ماذا حدث؟! حتّى الآن كانت أخلاق هذا السيّد وصبره وتحمّله وعطفه كأخلاق رسول الله صلّى الله عليه وآله والأنبياء والأعاظم، والآن تقول إنّ هذا الفعل والعمل منه لا يتناسب مع أخلاق الأعاظم!

  • كلّ هذه الأعمال والتصرّفات هي امتحان. وهي تحدث للجميع منذ البداية، وحتّى أنا لستُ بمنأى عنها! إنّها لنا جميعًا، ولا يُستثنى منها أحدٌ من بيننا في هذا الجمع أو غيره! ولكن، يجب أن يحين وقتها، ونحن صابرون، فاصبروا أنتم أيضًا! 

  • قال رجلٌ للإمام الصادق عليه السلام: يا بن رسول الله، ادعُ الله أن يرفع عنّا الامتحان. فقال عليه السلام هذا محال! لقد كتب الله الامتحان على جميع الناس، ادعُ الله أن يجعلك تخرج من الامتحان ناجحًا.

  • سرّ النجاح في الامتحانات الإلهيّة

  • طبعًا، لا بأس هنا إن قلنا: «يا ربّ، نحن لا شأن لنا، فلا تمتحنّا على أساس عبوديّتنا وذلّتنا وضعفنا ونقصاننا»؛ لقد علّمونا هذا، ويجب أن نقوله، وإن قلنا غير ذلك فقد خُدعنا تمامًا! فإذا قلنا: «لا، نحن كذا، ونحن كذا، ونحن قادرون»، فقد حُسم الأمر! يجب أن نحتفظ بحالة الذلّة والعبوديّة هذه ليوم الامتحان.

أقسام الحلم الإلهيّ وأثرها في مصير السالك - التواضع الحقيقي والمصطنع

5
  • عندما يريد الإنسان أن يتقدّم لاختبار أو امتحانٍ مصيريّ، فإنّه يتّخذ أستاذًا قبل ذلك بمدّة، أو يدرس بعض الموادّ بشكلٍ خاصّ أو عامّ، أو يعيد النظر فيها، وقبل الامتحان بليلتين يأخذ قسطًا كافيًا من الراحة ليكون لديه التركيز الكافي وقت الامتحان. ويذبح خروفًا، وأمّه تحرق الحرمل، وتقيم الموائد والنذور باسم أحد المعصومين لكي لا ترتجف يده في ساعة الامتحان. وفي هذا الامتحان، يجب أن نحافظ في أنفسنا على مقام الذلّة والعبوديّة، وألّا ننسى أنّ امتحان الله يدور حول هذا المحور وهذه المسألة.

  • يجب أن يكون التواضع حقيقيًّا، لا تواضعًا مصطنعًا كالذي تحدّثت عنه في جلسة «عنوان البصري». يقول أحدهم: «نحن لا شأن لنا، ولسنا أهلاً، وليس لنا مقام، نحن مجرّد قطرة، ما هذا الكلام!». ولكن عندما نقول له: «حسنًا، نحن نوافقك الرأي بأنّك لا شأن لك».

  • يقول: «هل تقول لي إنّي لا شأن لي؟! أنت تزرع بذور الخلاف وتزرع بذور النفاق!». 

  • فنقول له: «ولكنّك أنت نفسك قلتَ بالأمس إنّك لا شأن لك! نحن لم نقل شيئًا، بل رددنا كلامك!». 

  • فيقول: «نعم، أنا قلتُ ذلك، ولكن ليس لتقولوه أنتم!». فهذا ليس جيّدًا، يجب على الإنسان أن يكون على نحوٍ آخر؛ فعندما نقول إنّنا لا شأن لنا، فلنقل ذلك بصدق.

  • التواضع الحقيقيّ والتواضع المصطنع الكاذب

  • جاء رجل إلى الشيخ أبي سعيد أبي الخير وقال له إنّ فلانًا يقول: «إذا كان أبو سعيد قطرةً فنحن بحر، وإذا كان حنطةً أو ذرةً فنحن قنطار». 

  • فقال الشيخ: «اذهبوا وقولوا له: طب نفسًا، نحن لسنا قطرةً حتّى! ألقِ بهذه القطرة في ذلك البحر، أو ألقِ بهذه الحنطة في ذلك القنطار لتُضاف إليه!». هو لم يكن يكذب أو يتواضع، بل كان يقول الصدق، وكانت حاله كذلك، وهي أنّني لا شيء أصلًا! فما هي القطرة؟! أيدينا مرفوعة، ولا أحد يقاتل من يرفع يديه مستسلمًا! يجب أن نحتفظ بمقام التواضع والتذلّل هذا ليوم امتحاننا.

  • إنّ التمرين والدرس والاستعداد للامتحان المصيريّ وللامتحانات الإلهيّة، هو التذلّل والتواضع والخضوع والخشوع الحقيقيّ والواقعيّ، لا خضوع الظاهر وخشوع الرياء، فكلّ ذلك مهيّئٌ للغرق والتوغّل في الكثرات والدنيا!

أقسام الحلم الإلهيّ وأثرها في مصير السالك - التواضع الحقيقي والمصطنع

6
  • قال لي أحدهم: «ذهبتُ إلى منزل فلان ـ وقد توفّي الآن، رحمه الله ـ وتحدّثت معه، وعلى الرغم من أنّي طبيب، فقد استمع إلى كلّ ما قلته! إنّه متواضعٌ جدًّا في حديثه!». 

  • فقلتُ: «إن كان صادقًا، فاذهب وتحدّث إليه أمام الجميع، في وقت استقباله للزوّار وحين يجلس عنده عدّة آخرون. أنت كنت طبيبًا، أمّا لو أنّ أحد أهل العلم قال له شيئًا، لسبّه عشر مرّات! ألم تتذكّر كيف تصرّف عندما تحدّث معه فلان؟! فلو ذهب إليه رجل من أهل تخصّصه وقال له شيئًا، فماذا سيفعل؟!». هذا ليس تواضعًا، بل كلّ هذه أدوات ووسائل شيطانيّة مؤثّرة، وليست وسائل عاديّة كهذه المحرّمات العاديّة الموجودة؛ إنّها من تلك الشباك التي يصطادون بها الحيوانات الضخمة كالحيتان، لا الأسماك الصغيرة.

  • النوع الثاني من الحلم يمنع الهلاك والسقوط

  • إذن، هناك قسمٌ من الحلم هو الحلم الموبق والمهلك، والموصل إلى العذاب والعقاب والهلاك. أمّا النوع الثاني من الحلم الإلهيّ، فهو حلمٌ له نتيجةٌ طيّبة. يذنب الإنسان مرارًا وتكرارًا، ويظلّ الله صابرًا، ولكن فجأةً يأتيه تأديبٌ، لكنّه تأديب تذكيرٍ وتنبيه. يوجد حلم، ولكن مع هذا الحلم، يستمرّ الإنسان في الانحدار، ولا يبقى في النقطة التي هو فيها، ولا يتكامل؛ ولكن بما أنّ رحمة الله وعطفه تشمل حال هذا العبد، فإنّه لا يسمح له بالسقوط والهلاك، بل تأتيه ضربةٌ قويّةٌ فيتنبّه فجأةً؛ إمّا أن يتنبّه عندما يكون عمره قد انتهى، أو يتنبّه ويبدأ من جديد. هذه المسألة تختلف من إنسان لآخر، والكثير من الناس مشمولون لهذا الحلم الثاني. حسنة الحلم الثاني فقط هي أنّه يمنع من السقوط والهلاك الحتميّ.

  • في زمن المرحوم العلامة، كان أحد أقاربه المقرّبين يعاني من تقلّباتٍ كثيرة في حياته، صعودًا وهبوطًا، وكانت له حالٌ جيّدة، لكنّه لم يكن يستطيع الحفاظ عليها، وكان يسلم نفسه لمجرى الأحداث وحركة التاريخ والمجتمع، ولم يكن يقدّر قيمة حاله الجيّدة هذه، بل كان يتجاهلها. وكلّما التقى بـالمرحوم العلامة، كان يظهر له الميل والشوق ويقول: «لا مثيل لكم، ونحن أضعنا عمرنا، وضللنا الطريق، وليس لدينا أيّ شيء، ماذا فعلنا، نحن في ضلال». ولكنّ عبارات المديح هذه لم تكن تتجاوز حدود اللسان. يأتي إليك بعض الناس ويقولون: «طوبى لكم، أمّا نحن فقد أضعنا عمرنا!». حسنًا، إن كنتَ قد أضعته، فانهض وتعال! لمَ لا تتابع الأمر إذن؟! إمّا أنّك تكذب، أو أنّك تريد أن يمضي المجلس ويدور حديثٌ ما.

أقسام الحلم الإلهيّ وأثرها في مصير السالك - التواضع الحقيقي والمصطنع

7
  • يقولون: «طوبى لكم فقد سلكتم الطريق، والحمد للّه كنتم موفّقين، أمّا نحن فغارقون في هذه الأمور الظاهريّة والدنيا والحكومات، ولا ندري هل مسيرنا إلى الجنّة أم إلى النار!». حسنًا، إن كنتم صادقين، فاتركوا أعمالكم. في زمن المرحوم العلامة، جاءه رجل وقال: «لا ندري! «أَ إِلَى الْجَنَّةِ أَمْ إِلَى النَّارِ؟! عندما يأتي الليل، لا أعرف ماذا كانت أعمالي!». 

  • فابتسم له المرحوم العلامة تبسّمًا! إن كنت لا تدري، فتنحَّ جانبًا! على الأقلّ إذا تنحّيتَ، فستعلم أنّك لم تفعل شيئًا، ولا تعد تقول هذا الكلام: «أَ إِلَى الْجَنَّةِ أَمْ إِلَى النَّارِ؟!» 

  • يقولون بحالٍ من التواضع! وقد تشبّثوا بالمواقع بكل أيديهم بحيث لا يمكن فصلهم عنها حتّى بالمجرفة والجرّافة، ثمّ يقولون إنّنا لا ندري هل نؤدّي واجبنا أم لا؟! كلّ هذا مزاح!

  • الصدق، معيارٌ أساسيٌّ لأخذ الأولياء بيد الناس

  • كنتُ قد ذهبتُ إلى النجف برفقة المرحوم العلامة، ثمّ عدنا إلى كربلاء ووصلنا إلى خدمة المرحوم السيّد الحداد. فقال للمرحوم العلامة: «وصلت رسالةٌ من فلان من إيران، اقرأ هذه الرسالة وانظر ما المكتوب فيها». ففتح المرحوم العلامة الرسالة وقرأها وقال: «كلّها مجاز!». فيما بعد، قال لي ذلك الرجل نفسه: «لقد كتبتُ رسالةً إلى المرحوم السيد الحداد وطلبتُ منه أن يأخذ بيدي، لكنّه لم يُجبني!». لم أقل له إنّي كنتُ حاضرًا في ذلك المجلس الذي قال فيه المرحوم العلامة: «كلّها مجاز!».

  • «رنگ رخساره حکایت کند از سر ضمیر». 

  • يقول: وجه اللون بنبئ عن سرّ الضمير والرسالة تقرأ من عنوانها. فالكتابة تظهر حقيقتك، وإلى أيّ مدى أنت صادقٌ وثابت. وأولياء الله يعلمون حقيقة الأمر دون أن يقرؤوا. 

  • هم قصه نانموده دانی***هم نامه نانوشته خوانی۱ 
  • يقول: 

  • تعلم القصّة التي لم تُروَ *** وتقرأ الرسالة التي لم تُكتب. 

  • إنّهم لا يحتاجون إلى كتبٍ وهذا الكلام، فـ«بسم الله الرّحمٰن الرّحيمِ» في أوّل الرسالة تُظهر أنّها مجازٌ حتّى النهاية! والنتيجة هي أنّه يبقى على حاله، يدور حول نفسه، وحاله الآن لا يختلف عن حاله آنذاك، أي أنّه يقول الآن كلامًا كان يقوله أيضًا قبل ثلاثين عامًا عندما كنّا نجلس معه! علاقته بالناس الآن هي على نفس النحو الذي كانت عليه قبل ثلاثين عامًا، ورفقاؤه الآن هم أنفسهم الذين كانوا رفقاءه قبل ثلاثين عامًا، أي أنّه يدور في محورٍ واحد. فليقل كلمتين عن العرفان والأولياء، ولينقل حكايتين، وليطلق نكتتين، وليُدفئ المجلس، وليقولوا عنه إنّه رجلٌ مطّلع؛ يا عزيزي، هذا لا يجدي نفعًا!

    1. دیوان نظامی، لیلی و مجنون.

أقسام الحلم الإلهيّ وأثرها في مصير السالك - التواضع الحقيقي والمصطنع

8
  • ذات يومٍ ذهبتُ برفقة هذا الرجل الذي كتب الرسالة للمرحوم السيد الحداد إلى منزل أحدهم. جلستُ في المنزل وتحدّثت معه، ثمّ رأيتهم قد انشغلوا بالحديث، ويبدو أنّهم كانوا قد ذهبوا إلى مكّة. فقال أحدهم: «رأيتُ ذلك الأمر في مكّة»، وقال الآخر: «وأنا رأيت هذا الأمر». كان أحدهم يقول: «ذلك الأمر من الأسرار»، والآخر يقول: «وهذا الأمر من الأخبار!». رأيتُ أنّ هذه المواضيع لا تنفعنا، فذهبتُ إلى مكانٍ آخر؛ طبعًا كان لديّ عملٌ فأنجزته، وبعد ساعةٍ عندما عدت، كان قد حان وقت الصلاة. فرأيتهم لا يزالون مشغولين بالكلام نفسه؛ هذا هكذا، وذاك هكذا. لا يوجد في هذه المواضيع تكامل أو حركةٌ!

  • كان أحد أقارب المرحوم العلامة يقول له باستمرار: «سيّدنا أنت لا تقبلني! سيّدنا، أنا لا أليق!». وكان المرحوم العلامة يعلم أنّه ليس بصادق، لذا كان يضحك له ويقول: «أنت تماطل معنا!». ومرّت الأيّام إلى أن تلقّى ضربةً، وتعرّض لإفلاسٍ كبيرٍ جدًّا، وهذه المسألة نفسها هي التي دفعته للمجيء وفهم حقيقة الأمر. فجاء إلى المرحوم العلامة وقال: «لقد أدركتُ الآن وفهمت». 

  • فقال له المرحوم العلامة: «فكّر جيّدًا، وانظر هل جئتَ بشكلٍ صحيح أم لا؟! اذهب وفكّر وتأمّل مرّة أخرى! لقد قلتَ لنا الكثير من هذا الكلام حتّى الآن!». 

  • قال: «لا، هذه المرّة تختلف عن المرّات الأخرى وحسابها مختلف». في ذلك المجلس نفسه، قال له المرحوم العلامة: «ما زلتُ أشكّ في صدقك، ولكن مع ذلك، إن كنتَ تقول هذا، فحسنًا، تفضّل!».

  • فجاء هذا الرجل، وكان إنسانًا طيّب النفس أيضًا. في بداية الأمر كان متحمّسًا ولديه حرارةٌ وكان جيّدًا، وتغيّرت أحواله، لكنّه لم يقدّر قيمة طيبة نفسه وموهبته. لم يقدّر قيمة رأس المال هذا الذي أعطاه الله إيّاه، والذي كان يستطيع به أن يتحرّك بسرعة، وأشغل نفسه بهذا وذاك، وبأمورٍ تافهة. كان كثير الانشغال بالعمل، حتّى مضت سنتان أو ثلاث، وبدأ عمله يتشكّل تدريجيًّا. في البداية كان لديه عملٌ آخر، ولكن فيما بعد أنشأ مزرعة دجاج، وبسبب هذه الانشغالات كان يأتي إلى الجلسات أحيانًا، وفي بعض الليالي والأيّام لم يكن يأتي! ذات يومٍ ـ أتذكّر هذا جيّدًا ـ سأله المرحوم العلامة: «يا فلان، لمَ لا تأتي إلى جلسات العصر؟!». فقال: «إذا أتيتُ، ستموت الدجاجات من الجوع. يجب أن آخذ لها الطعام». فقال المرحوم العلامة: «دعها تموت!».

أقسام الحلم الإلهيّ وأثرها في مصير السالك - التواضع الحقيقي والمصطنع

9
  • هذه عبارته حرفيًّا! لمن تريد الدجاج؟! هل تريد نفسك من أجل الدجاج، أم تريد الدجاج من أجل نفسك؟! فلم يستمع، واستمرّ حتّى زالت تلك الحساسيّة تجاه المسألة تدريجيًّا، وضعفت تلك الصلابة والاستحكام تجاه القضيّة، وحلّت محلّ حالة الإتقان تجاه المسير نوعٌ من العادة والروتين الطبيعيّ والعاديّ! أن يصبح الله عاديًّا بالنسبة للإنسان، وتتجدّد الدنيا، وأن يتبادل هذان الأمران مكانهما، هنا يكمن الخطر!

  • في الواقع، إنّ الله الذي ينبغي أن يصبح جديدًا ومتجدّدًا ومتنوّعًا أكثر للإنسان كلّ يوم، يصبح عاديًّا وروتينيًّا بالنسبة لنا! والدنيا التي يجب أن تُحتقر وتُوضع جانبًا، تصبح متطوّرةً ومتجدّدةً ومتنوّعة! وهذا لأنّ مكان هذين الأمرين يتبدّل ويتغيّر؛ أي أنّ تلك الوجهة التي يتقدّم بها الإنسان في البداية، تخفت تدريجيًّا، وبسبب هذا الخفوت، تتغيّر تلك الصورة، وما كان يعتبره وضيعًا وعديم القيمة وصغيرًا، يصبح الآن تدريجيًّا ذا قيمةٍ وأهميّةٍ وجديرًا بالاهتمام بالنسبة له، وما كان ذا قيمةٍ بالنسبة له، يصبح تدريجيًّا ضعيفًا وعديم القيمة عند العقل.

  • ملاك ومعيار قياس الثبات في طريق السلوك في كلام العلامة الطهراني

  • كان المرحوم العلامة يقول: «كلّما أردتم أن تختبروا أنفسكم بالنسبة لطريقكم ومنهجكم، فانظروا هل زادت قوّتكم واستحكامكم بالنسبة للطريق أم قلّت؛ فإن قلّت، فاعلموا أنّ الأمر سيّئ! لا تبحثوا عن الحال الذي حصلتم عليه، أو المعرفة التي اكتسبتموها، أو هل زادت أحلامكم أو مكاشفاتكم أو مشاهداتكم أم قلّت. انظروا أوّلًا، إلى أيّ مدى بلغ فهمكم للطريق، وثانيًا، إلى أيّ مدى بلغ اهتمامكم بالطريق، وإلى أيّ حدّ أنتم مستعدّون للتضحية من أجل هذا الطريق! إلى أيّ حدّ أنتم مستعدّون للإقبال على هذا الأمر والإقدام عليه!».

  • هذه هي محكّ وميزان ومعيار الثبات على الطريق أو عدم الثبات. وبعد أن يصبح عدم الاهتمام بالمسير عاديًّا، يمكن للإنسان أن يغيّر مكانه بأدنى صدمة. لذا، تعرّض لصدمة في قضيّة ما، وكانت تلك الصدمة كافية لكي يقبّل هذا الطريق ويضعه جانبًا بشكلٍ كلّيّ! ثمّ بدأ يسخر في المجالس ويقول: «لقد أكلنا الحنطة وأُخرجنا من الجنّة»، ثمّ بدأ يقول أكثر من ذلك بقليل ـ نعوذ بالله، ونلجأ إليه!

أقسام الحلم الإلهيّ وأثرها في مصير السالك - التواضع الحقيقي والمصطنع

10
  • كان إنسانًا طيّب النفس، ولكنّ عمله الظاهريّ كان سيّئًا. كان من أولئك الذين تحدّثنا عنهم في المجالس السابقة، ذوي الباطن الجيّد ولكن ظاهرهم سيّئ، وعملهم الظاهريّ غير مناسب، ولا يعجب الناس، ويسبّبون الأذى والإيذاء للناس، ولكن باطنهم جيّد، وهم طيّبو النفس والقلب. استمرّت هذه القضايا، ولكن لأنّ الله كان يحبّه، تعرّض لضربةٍ في حادثةٍ ما، لكنّها كانت ضربةً لم يقم من بعدها!

  • خلاصة القول أنّه توفّي ودُفن. وعلى نحو الإشارة والإجمال، بعد أن رحل هذا الرجل عن الدنيا، كنتُ في الغرفة ورأيتُ المرحوم العلامة يتّصل بوالدته ليعزّيها. والعبارة التي قالها المرحوم العلامة في تعزيته لوالدته كانت: «يا فلانة، لقد كان من زمرة الذين كان بقاؤهم سيزيد من وزره ووباله يقينًا، وكان رحيله في صالح آخرته يقينًا!».

  • ثمّ جاءت عائلته إلى منزل المرحوم العلامة في مشهد في إحدى ليالي شهر رمضان. ودخل المرحوم العلامة إلى القسم الداخليّ من المنزل ورأى عائلته، لأنّه كان من محارمهم. ثمّ خرج إلى القسم الخارجيّ حيث كان الأقارب موجودين أيضًا. فقال هكذا: «عجيب! لا يعلم الإنسان حقيقة القضايا والوقائع! نحن لا نعلم ما هي مصالح الله! يقينًا، لو كان حيًّا، لم يكن هذا المجلس ليُعقد الليلة!». عجيبٌ جدًّا، لقد كان نادرًا جدًّا ما يتفوّه بمثل هذا الكلام! أي أنّ هذا الرجل، هو رجلٌ ليس في وجوده صلاح، والخلاصة أنّ الله أخذه من هذه الدنيا لأنّه يحبّه.

  • هذا الشخص مشمولٌ بهذا الحلم، حيث يصبر الله ويصبر، وهو يستمرّ في الانحدار! يا سيدي، كفى؛ إلى أين ستستمرّ؟! هل تنفق من ثمانية إلى عشرة ملايين في ذلك الوقت على عشاءٍ واحد في فندق هيلتون في طهران؟! ما الخبر؟! على أيّ أساسٍ تفعل هذا في النهاية؟! لقد كان شخصًا تتغيّر بسببه معاملةٌ أو مجرى أمور! يا عزيزي، اكسب ألفين أو ثلاثة آلاف وكُلْ، فهذا يكفي! هذه الأمور تجعله ينحدر باستمرار ويغرق في الكثرات باستمرار وهو لا يدري أصلًا! يا سيدي، أنت شوكةٌ سقطت في هذا المحيط الذي لا ساحل له! فما أدراك ما هذا المحيط، وإلى أين تتّجه هذه الأمواج؟! أنت قشّةٌ لا تستطيع أن ترى أمامك بمقدار سنتيمترين، ثمّ تريد أن تركب الموج؟! سيأتي الموج ويأخذك إلى الأسفل!

أقسام الحلم الإلهيّ وأثرها في مصير السالك - التواضع الحقيقي والمصطنع

11
  • من العجيب أنّ الإنسان في خضمّ هذه الوقائع والأحداث يصبح أعمى لدرجة أنّه لا يرى أبدًا أنّ هناك إلهًا، وأنّ هناك عالم تقديرٍ وقضاءٍ وقدر، وأنّ هناك عالم مكافأة! يضرب ويصول ويجول، ولكنّه يرى فجأةً أنّ أولئك الذين كان يعمل من أجلهم ويركض وراءهم هم من يقضون عليه ويتسبّبون في هلاكه؛ لا أحد غيرهم! عجيبٌ جدًّا! 

  • أُعَلِّمُهُ الرِّمَايَةَ كُلَّ يَوْمٍ***فَلَمَّا اشْتَدَّ سَاعِدُهُ رَمَانِي۱ 
  • أولئك الذين يتسبّبون في رخائه الماديّ هم أنفسهم يتسبّبون في هلاكه ودماره وفنائه! أي بأيديهم هم؛ لا بأيدي غيرهم! وعلينا أن نطلب من الله ألّا يجعلنا مشمولين لهذا الحلم أيضًا!

  • مقصود الإمام السجاد عليه السلام من حلم الله

  • يقول الإمام السجاد عليه السلام في بداية دعاء أبي حمزة: «إِلَهِي لَا تُؤَدِّبْنِي بِعُقُوبَتِكَ». المقصود من التأديب بالعقوبة هو هذا الحلم، أي أن تأتي عقوبةٌ ويؤدّبنا الله بها. فعلى الرغم من أنّ التنبّه قد حصل الآن، إلّا أنّ العمر قد ضاع والفرصة قد فاتت. الأمر يقتصر فقط على أنّ السقوط لم يتحقّق، وأنّ الفناء والدمار والضلالة والغواية لم تقع، ولكن لم تترتّب عليه مراتب أخرى؛ وهذا الحلم هو من النوع الثاني. في هذا الحلم، يصبر الله والإنسان يغرق باستمرار في الكثرات ولا ينظر حتّى إلى الوراء. كلّما ذُكّر، لا يلتفت، وكلّما نُبّه، يستهزئ ويضحك!

  • حلم النوع الثاني يمنع الفناء والهلاك فقط

  • عندما يسلك الإنسان طريقًا، فعليه أن يلقي نظرةً إلى الخلف أيضًا. عندما يقود السائق، لا ينبغي أن ينظر إلى الأمام فقط، بل يجب عليه بين الفينة والأخرى أن ينظر في المرآة ويرى ما خلفه أيضًا، حتّى إذا واجه خطرًا من الخلف فجأةً، يتنحّى جانبًا ليمرّ ذلك الخطر، ويجب عليه أحيانًا أن ينظر إلى هذا الجانب وأحيانًا إلى ذلك الجانب.

  • هؤلاء أناسٌ يدخلون في الدنيا والذنوب والمعاصي، ولكنّهم غافلون، وفجأةً يصابون بسرطان! يا ويلتاه، لم يعد بالإمكان فعل شيء! وبعد شهرين وداعًا، قل لا إله إلا الله! يا عزيزي، كان يجب أن تنتبه قبل هذا! ولكن حتّى الآن وقد أصابه الحلم من القسم الثاني، فلا يزال الأمر جيّدًا. بعضهم يُشملون بالقسم الأوّل، أي لا يفكّرون في الله ولا في أيّ شيء آخر، بل يفكّرون فقط متى سيموتون. ولكن بعضهم يتنبّهون فورًا ويسدّدون ديونهم، ويطلبون السماح، ويتابعون حقوق الناس، ويؤدّون حقوق الله. هؤلاء أنفسهم يقولون إنّ المسألة قد انتهت، وعندما تنتهي يجب على الإنسان أن يستعدّ. هذه الأعمال جيّدة، لكنّها تمنع الفناء فقط، ولا تثمر له ثمرةً أخرى، وبعد شهرين أو ثلاثة يُقال لهم: وداعًا! تفضّلوا، لقد انتهت القضيّة! إذًا، من الطبيعيّ ألّا يكون الحلم من النوع الثاني هذا هو المقصود من قبل الإمام السجاد عليه السلام.

    1. دیوان معن بن أوس، ص ٣۷.

أقسام الحلم الإلهيّ وأثرها في مصير السالك - التواضع الحقيقي والمصطنع

12
  • إذن، أيّ حلمٍ هو الذي يقصده الإمام عليه السلام، والذي من أجله يحمد الله ويقول: «الحمد لك على أنّنا نذنب وأنت تحلم»؟! لا أنّنا لا نعبدك فحسب، بل نحن نذنب وأنت تحلم! إنّه ذلك الحلم الذي يتعامل فيه الله مع العبد، على الرغم من ارتكابه للذنب، بستّاريّته وعفوه وغفرانه، ويحرّكه في ذلك المسير نفسه.

  • لم أكن أرغب في التحدّث الليلة، فلم تكن حالي جيّدة جدًّا، لكنّي رأيتُ السادة قد أتوا وجلسوا، فتغيّر القدر! هذه المواضيع تحتاج إلى مزيدٍ من التوضيح، نتركه لفرصةٍ أخرى إن شاء الله.

  •  

  • اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ